العنوان الاصلي
Calendrier des crimes de la France outre-mer
تـاليف
مراجعة
ترجمة
عماد أيوب
مقدمة المركز
المؤلِّف: جاك مورال (Jacques MOREL):
عالم رياضيّات وناشط في مجال حقوق الإنسان ومتابعة جرائم فرنسا الاستعماريّة، جمع على مدى تسع سنوات كمًّا كبيرًا من الوثائق السرّيّة المتعلّقة بتورّط فرنسا في أعمال الإبادة التي وقعت في رواندا عام 1994 م.
كما أنّه عمل في مجالَي المعلوماتية والإحصائيات في المركز الوطني للبحث العلمي، وهو أيضاً عضو في هيئة تحرير مجلة “الليّل الروانديّ» (La nuit rwandaise).
ألّف كتابًا بعنوان “فرنسا في قلب مجزرة التّوتسي” (La France au cœur du génocide Tutsi) في 1500 صفحة، وضمّن فيه توثيقًا دقيقًا للأحداث.
الكتاب: روزنامة جرائم فرنسا في عالم ما وراء البحار (في مستعمَراتها):
صحيح أنّ الاستعمار الصريح قد ولّى وانقضى، لكن حلّ محلّه الاستعمار الجديد من خلال أحزاب وقوى سياسية تابعة للغرب تؤدّي المهامَّ والأدوار السابقة نفسَها، أو من خلال التدخل العسكري المباشر بذريعة مكافحة الإرهاب أو أسلحة الدمار الشامل، أو الدفاع عن حقوق الإنسان، أو من خلال تطويق الدول المشاكسة للغرب ماليًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا وثقافيًّا لإخضاعها وإرجاعها إلى منظومة الغرب، هذه هي سبل الاستعمار الجديد وأدواته التي لا بُدَّ من التعرّف عليها حيث تطوّرت بتطوّر الزمان وتقدّم الخطط والبرامج.
ولزوم التعرف هذا لا يعني نسيان الماضي وعدم الحاجة إلى الوقوف عليه إذ إنّ الاستعمار الحديث هو استمرار للقديم ولكن بقالب جديد، وعليه يلزم استحضار ذلك القديم وإحيائه في ضمير الأمة والمجتمع من خلال دراسات وبحوث وندوات ومؤتمرات، وهذه المهمة الإنسانية كما تقع على عاتق الشرقيّ المُستعمَر تقع على عاتق الغربيّ المنصف أيضاً.
وممّن انبرى في الغرب للدفاع عن الإنسانية وكشف فضائح فرنسا وجرائمها هو جاك مورال في كتابه هذا: “روزنامة جرائم فرنسا في عالم ما وراء البحار،
(في مستعمَراتها)” حيث كرّس جهده وبالاعتماد على المصادر الموثوقة لتقديم سرد مختصر عن أهم ما ارتكبته فرنسا بحق الشعوب والدول التي استعمرتها من إبادة وظلم وتعدٍّ على الحرث والنسل.
والمركز إذْ يقدِّم هذا السِّفر القيّم إلى قرّائه وإلى الضمائر الحرّة، فإنّه يسعى إلى تقديم دراسات وثائقية أخرى تهدف إلى إيقاظ الذاكرة البشرية لئلّا تُنسى تلك الجرائم بل تبقى حاضرة في الضمير، ولئلّا تنخدع الشعوب مرّة أخرى بالأساليب والمناهج الاستعمارية الجديدة، إذْ إنّ المُستعِمر هو ذاك الذي لا يألو جهداً في بسط النفوذ والسيطرة بأساليب مختلفة، فالأقنعة قد تتغيّر ولكن تبقى الأسس والمباني الاستعمارية ثابتة لا تتغير.
النجف الأشرف
ذو القعدة 1438هـ، 2017م
مقدمة الكتاب
لِمَ هذه الروزنامة؟
إن فكرة وضع روزنامة حول جرائم فرنسا الاستعمارية وُلِدت خلال مناقشة للجمعية العمومية لمؤسّسة «بقاء» (Survie) في ربيع عام 1997.
إن الحاجة إلى التذكير بهذه الأحداث غير المُشرّفة للضمير الفرنسي ظهرت في العام 1994. فقد كان عدد من أعضاء المؤسّسة ساخطين لاكتشافهم أنّ فرنسا كانت متورّطة مع مُدَبِّري المجزرة الذين أمروا، في رواندا، بإبادة أُناس يُقال لهم التوتسي (Tutsi) وآخرين يُقال لهم الهوتو (Hutu) لا يتقاسمون الحقدَ العِرْقِيَّ الذي تُبشّر به جماعة «قوّة الهوتو» (Hutu Power) أي الأنصار المشؤومين ﻟِ «فاشي دو لابوج» (Vacher de Lapouge)...
بشكل أعمّ، ينتقد هؤلاء المناضلون موقف فرنسا التي، تحت غطاء التعاون أو المساعدة على التنمية، تقوم بعمل مضرّ: وراء النيّة المُعلنة للمساعدة تكمن نيّة اتّباع سياسة قائمة على الاستغلال والهيمنة. تلك نفسها كانت أهداف الاستعمار.
إنّ الاستعمار، وبغية أن يفرض نفسه ويَدوم، اقترف العديد من الأعمال الإجرامية التي ظلّت بلا عقاب. إنّ الإفلات من العقاب يسمح لِفرنسا حاليًّا بمواصلة سياستها المُخزية في إفريقيا، من دون أن يثور لذلك المُدافعون الفرنسيون عن حقوق الإنسان. أما الدافع لذلك فهو نشْر الحضارة، والمسيحية، وحقوق الإنسان، التي استُخدِمت كذريعة مُشرِّفة للغزو الاستعماري، وسمحت بإخفاء تلك الجرائم. في الحقيقة إنّ كلّ تبريرات الاستعمار ارتكزت في القرن التاسع عشر على مفهوم العِرق المُسيطِر الذي عبّر عنه مركيز غوبينو (Le marquis de Gobineau) سنة 1853 في كتابه “دراسة حول التفاوت بين الأعراق” (Essai sur l'inégalité des races)، ومُنْهِجَ في الداروينية الاجتماعية. وعُدَّت هذه النظريات وَريثة المسيحية التي زعمت أنها الدين الحقيقي الوحيد واستندت إلى الله لإخضاع المُعاندين، وأنكرت أصولها السّاميّة بإدامة احتقار اليهود. وبعد أن تساءلتْ عمّا إذا كان سكان العالم الجديد يمتلكون أرْواحاً في أبدانهم اعتبرت أنّ البشر السود لحقت بهم اللعنة التي أطلقها نوح (Noé) ضدّ ابنه «حام» (Cham / Ham).
إنّ العثور على بداية لإعادة التذكير هذه يعني العودة إلى أصل احتقار الإنسان الأبيض للإنسان الأسود كما أظهَرَتْه لنا كتبُ الجغرافيا. إنها العودة بعيداً في الزمن. في ما يتعلّق بفرنسا رأينا أنْ نبدأ من سنة 1099، أي تاريخ احتلال القدس من قبل الصليبيين: وهؤلاء فرنجة يتحدّر قسم كبير منهم ممّا أصبح لاحقاً فرنسا. شارك ملوك فرنسا في الحروب الصليبية التي تلت؛ الحرب الصليبية هي حرب تُبشّر بها الكنيسة. وما تزال عقلية الحروب الصليبية إلى يومنا هذا. وقد شكّل التعاون بين المُبَشّرين الكاثوليك والجيش الفرنسي أحدَ المُحرّكات الرئيسة للاستعمار الفرنسي.
والحدث الرئيسي الآخر هو إصدار القانون الأسود (قانون السود/ Code Noir)، الذي بحسب لويس سالا مولان (Louis Sala-Molins) «يُنظّم الإبادة الجماعية النفعيّة، الأكثر عدائيّةً، للحداثة». والدولة هي التي تسنّ، على أساس حقّ « اﻟلّا حَقّ» (non-droit)، قانون العبيد الذي أُخضِعَ له الإنسان الأسود، ضحية الاستعباد والعبودية. إنّ القانون الأسود هو الأصل الشرعي لتحويل العبد إلى وحش ونشأة نزعة العِرقيّة (العنصرّية/ (racisme عند الدولة.
أُصدِرَ القانونُ الأسودُ سنة 1685 وأُلغيَ سنة 1793 ثم أُعيد إصدارُه سنة 1802 لِيُعاد إلغاؤه سنة 1848، وبإمكاننا أن نرى امتداداً له من خلال قانون السكان الأصليين (Code de L'Indigénat) الذي نَصَّ على العمل الإجباري ودام حتى سنة 1948. ثمّة إذاً استمرارية.
هناك استمرارية في التشريع الذي يُحدّد وضْع العبيد، وهناك استمرارية في الاحتقار اللّاحِق، وفي الجريمة في هذه الحال. إنّ الابتكار في هذه الروزنامة هو في اعتمادها ترتيب الأحداث بحسب الشهر واليوم مع إغفال السنة وبالتالي فهي تعرضها شذر مذر: نُلاحِظ، للأسف، أنه مع الوقت لم يتغيّر شيء.
الأسوأ هو أنّنا نتراجع. أشار لوران شوارتز (Laurent Schwartz)، وهو عالم رياضيات شهير كان قد شَجَبَ في عصره عمليات التعذيب في الجزائر، أشار إلى أنّ «الثورة الفرنسية ألغت التعذيب لكن الجمهورية الفرنسية لم تحترم هذا الالتزام.» (صحيفة (الإنسانية)، «L'Humanité» 82 تشرين الثاني 2000). نصّت المادّة التاسعة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن (26 تمّوز 1789): «يُعتبر كلّ شخص بريئاً إلى أن تثبت إدانته وإذا استدعت الضرورة توقيفه فإنّ كل قسوة غير ضرورية لحجزه يجب قمعها بصرامة وفقاً للقانون» وفي حين تتواطأ فرنسا مع الذين يفرمون أمثالهم بالساطور أو يقطّعون أيديهم لمنعهم من الذهاب للاقتراع، يبقى الضمير الجمعي الفرنسي مقتنعًا بانتمائه إلى حضارة مُتفوّقة وبأنه بطل في موضوع تعزيز حقوق الإنسان.
يهدف هذا العمل إلى المساعدة في إحراز تقدّم على طريق الحقيقة وحمْل الفرنسيين على الاعتراف بالجرائم التي ارتُكِبَت باسمهم. فالقضية ليست إجراء استبطان مَرَضي (introspection morbide) وإنما ببساطة الدعوة إلى الاعتراف بالوقائع حتى ينتهي الإفلات من العقاب ولا يعود أيّ فرنسي في المستقبل قادرًا، باسم فرنسا، على ارتكاب مثل تلك الجرائم أو التسامح معها. أليس الاعتراف بالوقائع هو نقطة انطلاق الموقف العلمي؟ إنّ إيلاء نظرة علمية يعني النظر إلى الوقائع عاريةً ومُجرّدة من غلاف الأفكار، ومن النظرية، ومن الخطاب، إنه يعني النظر من زاوية أوسع، إنه يعني هنا الجواز إلى الضفّة الأخرى.
إذا كان الفرنسيون يريدون حقّاً الإقرار بأنهم قد تخلّوا عمدًا عن مبدأ كونية حقوق الإنسان، والاعتراف بجرائم الدولة المُرتَكبة بفعل النزعة العِرقية (العنصريّة) للدولة وإدانة تلك الجرائم، وإذا توقفوا عن إلصاق تلك الجرائم ببعض الأشخاص المُضَلَّلين أو بأقلية متشدّدة، فإنّ هذه الجملة الفرنسية الرائعة «يولد الناس ويعيشون أحراراً متساوين أمام القانون» «Les hommes naissent et demeurent libres et Égaux en Droit» التي آمن بها الكثير من السود يمكن أن تُزهر ثانية على أرض فرنسا حيث أُصيب أملُهم السّاذج مُباشرةً بشظايا.
أيّ أحداث نختار؟
*الفترة:
كانت النّية الأساس هي الانطلاق من الاستعمار الحديث مع غزو الجزائر سنة 1830. لكنّ تمرير إصدار القانون الأسود سنة 1685 دون أيّ ملاحظة أو إشارة كان يعني تجاهل إسهام الدولة في بروز الاحتقار تُجاه السود.
إنّ التعاون الحثيث بين المُبَشّرين والجنود أو حكّام المستعمرات الذين كانوا في الغالب مُعادين لرجال الدين (Clergé)، يُرجِعنا إلى الحدث المُؤسِّس الذي هو احتلال القدس سنة 1099.
لم نتوقّف عند نهاية الاستعمار لأنّ التدخل الفرنسي في العديد من البلدان لم يتوقف أبداً. إنها إذاً روزنامة خاصّة بالجرائم الاستعمارية وجرائم الاستعمار الجديد. لقد اعتمدنا تسميةً جغرافيّةً بحت: الجرائم المُرتَكبة في عالم ما وراء البحار.
* طبيعة الجريمة:
توقّفنا بالتأكيد عند جرائم الدم. وأيضاً جرائم أخرى مثل التشريعات التي سنّت قانون العبيد والخطاب العِرقي (العنصريّ) في مجلس النواب، أو إجراءات ظالمة، هي بالطبع ليست سوى وعود وأوراق، لكنّها تُلزِم الدولة. إنّ مسؤولية الآمِر والشريك تُؤخَذ بعين الاعتبار أكثر من مسؤولية ذلك الذي يحمل سلاح الجريمة.
في بعض الجرائم ربما تكون مسؤولية فرنسا غير مباشرة. ترْكُهُم يفعلون، عدم المطالبة بكشف الحقيقة، الاستمرار في مصادقة القتلة أو شركائهم، فهذه الأمور تكفي لتحميل فرنسا المسؤولية.
يمكن أن تكون الضحية فرنسيّة.
لم نتوقّف عند جرائم «الغزو»، وهي عمليات القتل التي تطال الذين يُدافعون عن أرضهم وعائلاتهم وبلدانهم إلا إذا كانت تتعلّق ﺑِ «جرائم حرب» أو «جرائم ضدّ الإنسانية».
*المصادر:
تَمَّ اختيار الأحداث انطلاقاً من الوثائق المكتوبة والكتب الجديدة التي بِيعَ قسم أساسي منها في المكتبات. إنّ توثيقنا محدود ومجموع بلا شكّ بشكل قليل الموضوعيّة. إنّ الوقائع المعروضة في الكتاب تَعكِس الاعتباط في توثيقنا. كان يمكن لجهد مُعَيّن في المكتبة أنْ يكون ضروريّاً لكن ليس لدينا مُتّسع من الوقت لذلك. إنّه عمل غير جامعي، بل لِنقلْ إنّه عمل نضالي.
والحقيقة أنّ الكتب النقدية حول الاستعمار نادرة ويصعب الحصول عليها من المكتبة لأنها نفدت في أغلب الأحيان.
والمصادر هي أيضاً نادرة لأنّ ضحايا الجرائم المُدرَجة في الكتاب مألوفون قليلاً بشكل عامّ في الكتابة. إنّهم غالباً شعوب ذات تقاليد شفهية، من دون حالة مدنية، وعندما يُمارسون الكتابة، كما هي الحال في فيتنام، فإنّ الوثائق التي استطاعت تلافي الرقابة لا تَصِل إلينا على الأقلّ بشكل كتب باللغة الفرنسية.
*العَرْض:
لمّا كان هذا الكتاب روزنامة، فقد جرى استبعاد الأحداث التي ليس لها تاريخ معلوم ومُحدّد باليوم. بيد أننا توقّفنا عند الأحداث الهامّة مثل «سُخرة الخشب» (corvées de bois) خلال حرب الجزائر وأشرنا في التعليق إلى عدم دقّة التاريخ. ويتناسب البلد المُشار إليه في العنوان مع البلد المقصود الذي ليس بالضرورة البلد الذي جرى فيه الحدث. وأُشيرَ إلى البلد باسمه الذي ارتبط به في زمن الأحداث.