البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الروض الفسيح في بيان الفوارق بين المهديّ والمسيح

الباحث :  الشيخ محمّـد باقر الاِلهيّ القمّي
اسم المجلة :  تراثنا
العدد :  53
السنة :  السنة الرابعة عشرةّ / محرم ـ جمادى الآخرة 1419 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 31 / 2016
عدد زيارات البحث :  2146
الروض الفسيح
في بيان الفوارق بين المهديّ والمسيح
الشيخ محمّـد باقر الاِلهيّ القمّي
الباب الاول : في الكلام عن حديث : (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)
الفصل الاول : في ذكر مخرجيه والتعريف بحال رواته
الفصل الثاني : في الكلام على أصل الحديث وبيان درجته
الفصل الثالث : في إيراد ما ذكروه من وجوه الجمع بين حديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم) وبين أحاديث المهدي عليه الصلاة والسلام والجواب عنها
الباب الثاني : في حكاية جملة من فتاوى العلماء في من أنكر المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام
الباب الثالث : في ذكر طرف من الوجوه الفارقة بين المهدي المنتظر وبين المسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام
تنبيه :
ختام :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نصب لكلّ عصرٍ إمامَ هدىً، فلـم يدع أمر الخلق إليهم سُدىً، ووعد الصالحين من عباده أن يورثهم الثرى، بعدما مُلئت أطباقها ظلماً وجوراً، وصلّى الله وسلّم على سيّد المرسلين، وقائد الغرّ المحجّلين، محمّـد وعلى آله أُولي التقى والطاعة، لا سيّما المنتظر الموعود به قبل قيام الساعة. وبعد:
فإنّ كثيراً ممّن يدّعي اتّباع السُنّة وملازمة الجماعة، قد دلع لسانه بإرجاف المؤمنين ورميهم بكلّ شناعة، منكراً عليهم اعتقادهم خروج المهديّ المنتظر الموعود به في آخر الزمان، عند انفراط الاَمر، وكثرة الهرج والمرج، وامتلاء الدنيا ظلماً وجوراً، وضربَ بالاَحاديث الصحيحة، والسنن الصريحة عرض الجدار، فويل لهم ممّا عملوا، وويل لهم ممّا يصنعون.
(53)
وقد ازداد هذا الاَمر شدّةً عند جماعة من المنتمين إلى العلم ـ وهم خلوٌّ منه ـ حتّى تولّى كِبْرَ ذلك مشايخ سوءٍ(1) فضحهم الله على رؤوس الاَشهاد، وأخزاهم في الدنيا قبل المعاد.
وربّما تشبّث المنكِرون لاَمر المهديّ عليه الصلاة والسلام بما رواه ابن ماجة والحاكم عن أنس: «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم».
وهذا من فرط جهلهم وضلالهم، إذ قد بلغ الفرق بينهما في الاشتهار مبلغ الشمس في رائعة النهار.
ولمّا كانت هذه الفتنة يستفحل أمرها زماناً، وتخمد نار ضلالتها أحياناً، رأيت أن أجمع في ذلك رسالة تكون وازعةً للجاهلين، ورادعةً للضالّين عن إنكار ما علم ثبوته بالتواتر، والخوض في ما لا يبلغه فكرهم القاصر، عسى الله أن يقطع بذلك دابرهم، ويكشف عن أهل الحقّ شرّهم، إنّه على ما يشاء قدير، وبالاِجابة جدير.
ورتّبتها على ثلاثة أبواب وخاتمة.
--------------------------------------
(1) كابن خلدون وأضرابه من المتقدّمين، ومحمّـد رشيد رضا، ومحمّـد فريد وجدي، ومحمّـد عبـد الله السمّان، وعبـد الله بن زيد المحمود رئيس المحاكم الشرعية بقَطَر، فإنّه كتب ـ بعد وقوع حادثة الحرم المكّي الشريف غرّة محرّم الحرام سنة 1400 هـ على يد جهيمان بن سيف العتيبي وأنصاره ـ رسالةً في إنكار المهدي سمّاها «لا مهديّ يُنْتَظر بعد الرسول خير البشر» وقد استوفى الكلام في الردّ عليه الشيخ عبـد المحسن بن حمد العبّاد. وأمثال هؤلاء الّذين يدّعون العلم بالسُنّة، كثيرون في كلّ صقع ومكان، فيقتحمون في ما ليس من شأنهم، فيخبطون خبط عمياء، في ليلة ظلماء، فيفضحون أنفسهـم، ويضلّون أقوامـاً آخرين، ولو سكتوا لكان خيراً لهـم وأقوم، والله الهادي إلى سواء السبيل.
(54)



الباب الاَوّل
في الكلام عن حديث: «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم»
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الاَوّل
في ذكر مخرِّجيه والتعريف بحال رواته
فنقول وبالله تعالى التوفيق:
أخرج ابن ماجة في سننه، قال: حدّثنا يونس بن عبـد الاَعلى، حدّثنا محمّـد بن إدريس الشافعيّ، حدّثني محمّـد بن خالد الجَنَدي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يزداد الاَمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس، ولا المهديّ إلاّ عيسى بن مريم(1).
وفي رواية الحاكم: «ولا الدين» بدل «ولا الدنيا» ولا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم(2)..
قال الحاكم في المستدرك: فذكرتُ ما انتهى إليَّ من علّة هذا الحديث تعجّباً لا محتجّاً به في المستدرك على الشيخين(3).
---------------------------------------------
(1) سنن ابن ماجة 2|1340 ـ 1341 ح 4039.
(2) المستدرك على الصحيحين 4|441 ح 8363.
(3) المستدرك على الصحيحين 4|442 ضمن ح 8363.
(55)



وقد أخرجه ابن مندة في فوائده، والقضاعي في مسند الشهاب(1)، وأبو يوسف الميانجي من طريق ابن خزيمة وابن أبي حاتم وزكريّا الساجي بطريقهم عن يونس بن عبـد الاَعلى(2).
والكلام عليه يقع تارةً في متن الحديث، وأُخرى في إسناده.
أمّا متنه:
فإنّه ورد من غير طريق محمّـد بن خالد الجَنَدي، مجرّداً عن هذه الزيادة المنكَرة، فقد أخرجه الطبراني والحاكم في المستدرك(3)، كلاهما من طريق مبارك بن سحيـم، حدّثنا عبـد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالـك، قـال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لـن يزداد الزمان إلاّ شدّة، ولا يزداد الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس»(4).
وهذا اللفظ لم تذكر فيه تلك الزيادة المنكَرة الباطلة التي يدركها كلّ عاقل بالبداهة، فدلّ على أنّها من صنيع الجَنَدي(5).
قال الاِمام المحدّث أبو الفيض أحمد بن محمّـد بن الصدّيق الحسنيّ
--------------------------------------
(1) مسند الشهاب 2|68 ح 198.
(2) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي 7 عند أهل السُنّة 2|376 ـ: 584.
(3) انظر: المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 19|357 ح 835، المستدرك على الصحيحين 4|442.
(4) ورواه ابن السمعاني ـ كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 441 ـ بلفظ: «لا يزداد الاَُمراء إلاّ شدّة»، وهو تصحيف ظاهر.
(5) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي 7 عند أهل السُنّة 2|376 ـ: 584.
(56)

الغُماريّ المغربيّ في كتابيه إبراز الوهم المكنون و فتح الوهّاب(1): وتلك عادته، فقد زاد أيضاً زيادةً باطلةً في حديثٍ صحيحٍ متّفق عليه، وذلك ممّا يدلّ على القطع بكذبه، فقد ذكر ابن عبـد البرّ في ترجمة يزيد بن عبد الهاد من التمهيد: أنّ محمّـد بن خالد الجَنَديّ هذا روى عن المثنّى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه مرفوعاً: تُعمل الرحال إلى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الاَقصى، ومسجد الجَنَد.
قال ابن عبـد البرّ ـ عقب ذكر الحديث ـ: محمّـد بن خالد متروك، والحديث لا يثبت.
قال المحقّق الغُماري: يعني بهذه الزيادة التي زادها هذا الدجّال (محمّـد بن خالد الجَنَدي) من إعمال الرحلة إلى مسجد بلده الجَنَد.
وأمّا إسناده:
* ففيه: يونس بن عبـد الاَعلى الصَدَفي.
وقد طعن الناس فيه مع كونه من رجال مسلم وابن ماجة والنسائي بسبب تفرّده بهذا الحديث عن الشافعي.
فأورده الذهبيّ في الضعفاء وقال: وثّقه أبو حاتم وغيره ونعتوه بالحفظ إلاّ أنّه تفرّد عن الشافعي بذاك الحديث «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم» وهو منكر جدّاً(2).
----------------------------------------
(1) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|378 ـ: 586، فتح الوهّاب بتخريج أحاديث الشهاب 2|109.
(2) ميزان الاعتدال 7|317 ح 9917.
(57)



وقال أيضاً في تذكرة الحفّاظ ـ بعد نقل توثيقه ـ: قلت: له حديث منكر عن الشافعيّ(1)، ثمّ ساقه بإسناده.
وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب(2): قال مسلمة بن قاسـم: كـان حافظاً، وقد أنـكروا عليه تفرّده بروايته عن الشـافعيّ حديث «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم» أخرجه ابن ماجة عنه(3)، وكذا الذهبيّ يدّعي أنّ يونس دلّسه(4).
وذكر الحلواني في رسائله الخمس عن بعضهم: أنّه رأى الشافعي في المنام وهو يقول: كذب عليَّ يونس بن عبد الاَعلى، ليس هذا من حديثي(5).
* وفي إسناده أيضاً: محمّـد بن خالد الجَنَدي، وقد رموه بنكارة الحديث وضعفه.
قال الحافظ شمس الدين الذهبيّ بترجمته في ميزان الاعتدال: قال الاَزدي: منكر الحديث(6). انتهى.
وقال الحاكم وأبو حاتم وأبو الحسين الآبري وابن الصلاح في أماليه والحافظ في التقريب: مجهول(7).
-------------------------------------
(1) تذكرة الحفّاظ 2|527.
(2) تهذيب التهذيب 6|278.
(3) سنن ابن ماجة 2|1340 ـ 1341 ح 4039.
(4) سير أعلام النبلاء 12|351.
(5) ذكـره في رسـائله الخمـس المسـمّاة: منظومة القطـر الشهدي في أوصاف المهـدي عليه السلام ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2|118 ـ: 45.
(6) ميزان الاعتدال 3|535.
(7) تقريب التهذيب 2|157 رقم 6.
(58)

وقال ابن عبـد البرّ: متروك.
وقال ابن تيميّة: لا يحتجّ به.
وحكى الاِمام الحافظ الكنجي في البيان عن الشافعي أنّه قال: كان فيه تساهل في الحديث.
قال: وقد ذكر الشافعيّ في كتاب الرسالة ـ وكتابه أصل ـ قال: اتّفقوا على أنّ الحديث لا يقبل إذا كان الراوي معروفاً بالتساهل في روايته(1). انتهى.
فظهر بذلك أنّ ما ذكره الحافظ عماد الدين ابن كثير في النهاية(2)من كونه شيخ الشافعي، وأنّه ليس بمجهولٍ ـ كما زعم الحاكم ـ بل قد حُكي عن ابن معين أنّه ثقة؛ ليس بشيء، لاَنّهم قد ردّوا على ابن معين توثيقه، ولم يقبلوه منه.
قال الآبري: وإنْ وثّقه يحيى فهو غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلـم والنقـل، وقد اختلفوا في إسناد حديثـه هذا ـ كما ذكره المحقّق ابن الصدّيق في الردّ على ابن خلدون ـ.
ومن المعلوم المقرّر في محلّه أنّ الجرح مقدّم على التعديل، ومَن جرحه قد ذكر سبب جرحه ـ وهو مخالفته وانفراده بما عارض القطعي، مع جهالته ـ، ولم يأتِ ابن معين ـ مع انفراده بتوثيقه ـ بما يثبت عدالته، ولا بما يرفع جهالته، فقول من جرحه مقدّم على جميع الاَقوال ـ كما أفاده المحقّق المذكور ـ.
--------------------------------------
(1) البيان في أخبار صاحب الزمان: 28 ـ 29.
(2) البداية والنهاية 1|32.
(59)




هذا، مع شهادة الاَئمّة بجهالته وسقوطه ونكارة حديثه، بل جزم في إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون بأنّه: كذّاب وضّاع.
قلت:
وناهيك بكلام هذا الاِمام المتتبّع الخرّيت المتضلّع في معرفة الاَحاديث وطرقها قولاً فصلاً وحُكْماً جزماً، والله يؤتي الحكمة من يشاء.
* وفي إسناده أيضاً: أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي، مولاهم.
قال ابن عبـد البرّ في التمهيد: أبان بن صالح ضعيف.
وقال ابن حزم في المحلّى: أبان ليس بالمشهور ـ كما بترجمته في تهذيب التهذيب ـ.
وقال العظيم آبادي في عون المعبود: متروك الحديث(1).
قلت:
وسيأتي في كلام الحافظ الذهبي بيان الانقطاع بين يونس بن عبـدالاَعلى وبين الشافعيّ، وكذا بين أبان بن صالح وبين الحسن.
على أنّه اختلف عليه ـ أعني الجَنَدي ـ في حديث الترجمة، فتارةً
--------------------------------------
(1) عون المعبود شرح سنن أبي داود 11|362.
(60)





جعله عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس كما تقدّم.
وتارةً جعله عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن مرسلاً.
قال الحاكم(1)
: قال صامت بن معاذ: عدلتُ إلى الجَنَد ـ مسيرة يومين من صنعاء ـ فدخلت على محدّث لهم فطلبت هذا الحديث فوجدته عنده، عن محمّـد بن خالد الجَنَدي، عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، مثله.
قال البيهقي: فرجع الحديث إلى محمّـد بن خالد الجَنَدي ـ وهو مجهـول ـ، عـن أبان بن أبي عيّاش ـ وهو متروك ـ، عـن الحسن، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وهو منقطع.
قال: والاَحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصحّ ألبتّة(2).
فانكشف ووهى ـ كما قال الذهبيّ في الميزان(3) بعد حكايته هذه العلّة عن البيهقيّ ـ.
قلت:
وفي إسـناده أبـان بـن أبي عيّاش، وهـو ضـعيف متروك لا يحتجّ به ـ كما بترجمته في تهذيب التهذيب(4) ـ.
--------------------------------------
(1) المستدرك على الصحيحين 4|441.
(2) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|937 ـ: 578.
(3) ميزان الاعتدال 3|535.
(4) تهذيب التهذيب 1|65 ـ 67.
(61)


قال الفلاّس وابن سعد: متروك الحديث.
وقال البخاريّ: كان شعبة سيّيَ الرأي فيه.
وقال أحمد بن حنبل: متروك الحديث، ترك الناس حديثه منذ دهر.
وقال أيضاً: لا يُكتب عنه، قيل: كان له هوىً؟ قال: كان منكر الحديث.
وكذا قال وكيع.
وقال ابن معين: ليس حديثه بشيءٍ؛ وقال مرّة: ضعيف؛ وقال مرّة: متروك الحديث.
وكذا قال النسائي والدارقطني وأبو حاتم.
وقال النسائي أيضاً: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
وقال أبو عوانة: لا أستحلّ أن أروي عنه شيئاً.
وقال ابن حبّان: لعلّه حدّث عن أنس بأكثر من ألفٍ وخمسمائة حديثٍ، ما لكثير شيءٍ منها أصل.
وقال شعبة: ردائي وخماري فـي المـساكين صـدقة إن لم يكن ابن أبي عيّاش يكذب في الحديث.
وقال أيضاً: لاََنْ يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان.
وفي تلخيص المستدرك(1): عن الحاكم قال: حدّثني به ـ يعني حديث (لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم) ـ عبـد الرحمن بن يزداد المزكّي ببخارى من أصله، ثنا عبـد الرحمن بن أحمد الرشديني بمصر، ثنا المفضّل الجَنَدي، ثنا صامت بن معاذ، ثنا يحيى بن السكن، ثنا محمّـد بن خالد
---------------------------------------
(1) تلخيص المستدرك 4|441.
(62)



الجَنَدي، فذكره.
قال الذهبي: يحيى بن السكن ضعّفه صالح جزرة وقال: ليس بقوي الحديث(1).
وكذا ضعّفه الدارقطني(2).
والله الموفّق والمستعان.
------------------------------------------
(1) ميزان الاعتدال 7|183 رقم 9533.
(2) لسان الميزان 1|29.
(63)












الفصل الثاني
في الكلام على أصل الحديث وبيان درجته
إعلم ـ هدانا الله وإيّاك إلى صراطه المستقيم ومنهجه القويمِ ـ أنّ الجهابذة النقّاد من أئمّة الحديث لم يعتمدوا على هذا الحديث المنحول إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقيموا له وزناً، بل أجمعوا على ضعفه، وأطبقوا على تركه ـ وإنْ تأوّله بعضهم بما لا ينجع ـ فذِكره مُغنٍ عن بيان رتبته وحاله، لكن لا بأس بإيراد طرفٍ من كلامهم فيه.
قال أبو بكر بن زياد: هذا الحديث غريب.
وقال القرطبي في التذكرة وكذا الطيبي ـ كما في المرقاة ـ: الاَحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في التنصيص على خروج المهديّ من عترته من وُلْد فاطمة، ثابتةٌ أصحّ من هذا الحديث، فالحكم لها دونه(1). انتهى.
وقال العلاّمة الحافظ شمس الدين الذهبي بترجمة محمّـد بن خالد الجَنَديّ من ميزان الاعتدال: في حديثه «لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم» وهو خـبر منكـر أخرجـه ابـن ماجـة، ووقع لنا موافقةً من حديث يونس بن عبـد الاَعلى ـ وهو ثقة ـ تفرّد به عن الشافعي، فقال في روايتنا: «عن» هكذا بلفظ «عن الشافعي»(2).
وقال في جزءٍ عتيق بمرّة عندي من حديث يونس بن عبد الاَعلى
----------------------------------------
(1) التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة 2|617، مرقاة المفاتيح ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|475 ـ: 5|186.
(2) ميزان الاعتدال 3|535.
(64)



قال: «حُدِّثْتُ عن الشافعي» فهو على هذا منقطع.
على أنّ جماعة رووه عن يونس، قال: «حدّثنا الشافعيّ» والصحيح أنّه لم يسمعه منه.
قال: وأبان بن صالح صدوق وما علمت به بأساً، لكن قيل: إنّه لم يسمع من الحسن، ذكره ابن الصلاح في أماليه.
وذكر الشيخ تقيّ الدين ابن تيّميّة في منهاج السُنّة: أنّ هذا الحديث ضعيف(1)4. قال: وقد اعتمد أبو محمّـد ابن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس ممّا يُعتَمد عليه، ورواه ابن ماجة، عن يونس، عن الشافعي، والشافعي رواه عن رجلٍ من أهل اليمن يقال له محمّـد بن خالد الجَنَديّ، وهو ممّن لا يُحتجّ به، وليس في مسند الشافعي، وقد قيل: إنّ الشافعي لم يسمعه من الجَنَديّ، وإنّ يونس لم يسمعه من الشافعي. انتهى.
وقال ابن قيّم الجوزيّة في كتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف: قد اختلف الناس في المهديّ على أربعة أقوال:
أحدها: أنّه المسيح بن مريم، وهو المهديّ على الحقيقة، واحتجّ أصحاب هذا بحديث محمّـد بن خالد الجَنَدي المتقدّم، وقد بيّنّا حاله وأنّه لا يصحّ(2).
وقال الاِمام الصغاني: موضوع، كما في الفوائد المجموعة
----------------------------------------
(1) منهاج السُنّة 4|211.
(2) المـنار المـنيف في الصـحيح والضـعيف ـ المطـبوع ضمن موسـوعة الاِمام المهدي 7 عند أهل السُنّة 1|289 ـ 148.
(65)




للشوكانيّ(1).
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: إعلم أنّ حديث «لا مهديّ إلاّ عيسى ابن مريم» ضعيف باتّفاق المحدِّثين كما صرَّح به الجزريّ(2).
هذا، وجزم الاِمام المحدِّث العلاّمة أبو الفيض شهاب الدين أحمد بن الصدّيق الحسنيّ الغُماريّ المغربيّ في كتابه القيّم الموسوم بـ: إبراز الوهم المكنون بأنّ الحديث باطل موضوع، مختلَق مصنوع، لا أصل له من كلام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا من كلام أنس، ولا من كلام الحسن البصري(3).
ثمّ خاض في تبيين ذلك وإيضاحه من ثمانية وجوهٍ، استوفى فيها الكلام على هذا الحديث بأطرافه، بما لم يتكلّم فيه أحد بمثله، ولا تجده في كـتاب كـما صرّح هو بذلك، وحقٌّ ما قال وقد مرّ بيان بعضها، فلنذكر ما بقي منها، وهو وجهان:
الاَوّل: أنّ ممّا يدلّ على بطلان هذا الخبر معارضته للمتواتر المفيد للقطع، فقد قرّر علماء الاَُصول أنّ من شرط قبول الخبر عدم مخالفته للنصّ القطعيّ على وجهٍ لا يمكن الجمع بينهما بحالٍ.
وقد ذكروا للجمع بين هذا الخبر وبين أحاديث المهديّ أوجهاً ذكر بعضَها الطاعنُ [يعني ابن خلدون] وبعضَها غيرهُ كالقرطبيّ في التذكرة(4)
-------------------------------------------
(1) الفوائد المجموعة: 510 ـ 511.
(2) مرقاة المفاتيح ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|457 ـ 5|186.
(3) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسـوعة الاِمـام المهدي 7 عند أهل السُنّة 2|376 ـ: 584.
(4) التذكرة: 617.
(66)
والآبيّ في شرح مسلم، وابن حجر الهيتميّ في الصواعق المحرقة(1) وصاحب ينابيع المودّة وغيرهم، وكلّها بعيدة لا حاجة تلجئ إليها مع بطلان الخبر، إذ لا تعارض بين متواتر وباطل(2). انتهى.
قلت:
وقد عقدنا الفصل الثالث لذِكر تلك الوجوه والجواب عنها تحذيراً للقاصر من الاغترار بها والركون إليها، كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
الثاني: أنّ ممّا يوجب القطع ببطلانه أيضاً كون ذكر المهديّ وخبره لم يرد إلاّ من جهة الشارع، فكيف يخبر بأمر أنّه سيقع ـ وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ـ ثمّ ينفيه؟!
والاَخبار لا يتصوّر وقوعها على خلاف ما أخبر به الصادق، ونفي المهديّ يلزم منه وقوع الخبر على خلاف ما أخبر به أوّلاً من وجوده، واللازم باطل، وهذا ممّا قرّروا به أنّ النسخ لا يدخل الاَخبار التي هي من هذا القبيل، وهذا متّفق عليه بين علماء الاَُصول.
قال الزركشي: إنْ كان مدلول الخبر ممّا لا يمكن تغيّره، بأن لا يقع إلاّ على وجه واحد كصفات الله تعالى وخبر ما كان من الاَنبياء والاَُمم وما يكون من الساعة وآياتها كخـروج الدجّـال، فلا يـجوز نسـخه بالاتّفاق كما قاله أبو إسحاق المروزي وابن برهان في الاَوسط؛ لاَنّه يفضي إلى الكذب.
-----------------------------------------
(1) الصواعق المحرقة: 251.
(2) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطـبوع ضمن موسـوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|380 ـ: 558.
(67)



قال ابن الصدّيق: والعجب ممّن أورد هذا الحديث من العلماء وأجاب عنه بأنواعٍ من طرق الجمع بين مختلف الآثار، كيف خفي عليه بطلانه من جهة ما قرّرناه إن خفي عليه ذلك من جهة الاِسناد وما فيه من العلل الظاهرة والخفيّة؟! فإنّ العقل قاطع ببطلانه كما عرفت ممّا قرّرناه لك(1).
وإذا أمعن المنصف في كلام هذا الاِمام البحر العلم، لَعَلِم أنّه نطق بالحقّ وآثر الصدق، كيف لا؟! وهو الخبير الخرّيت في هذا العلم الشريف (ولا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبير)(2).
وقد حذا شيخ الاَزهر الشيخ محمّـد الخضر حسين المغـربي حذو هذا الاِمام فقال(3): هذا حديث موضوع؛ ثمّ أورد كلام الحاكم وابن عبد البرّ والاَزدي في الجَنَدي المذكور وقال: آخُذُ في مثل هذا بقول ابن حزم: إذا كان في سند الحديث رجل مجروح بكذب أو غفلة أو مجهول الحال لا يحلّ عندنا القول به، ولا تصديقه، ولا الاَخذ بشيءٍ منه.
--------------------------------------
(1) انظر: إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهديّ عليه السلام عند أهل السُنّة 2|380 ـ 381 ـ: 588 ـ 589.
(2) سورة فاطر 35: 14.
(3) في مقال تحت عنوان «نظرة في أحاديث المهدي»، مجلّة الهداية الاِسلاميّة (المحرّم سنة 1369) ومجلّة التمدّن الاَسلامي ـ المطبوعة ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|213 ـ: الجزء 35 ـ 36 من المجلّد 16.
(68)





الفصل الثالث
في إيراد ما ذكروه من وجوه الجمع بين حديث «لا مهديّ
إلاّ عيسى بن مريم» وبين أحاديث المهديّ عليه الصلاة السلام
والجواب عنها
وقد تقدّم آنفاً أنّ الحديث موضوع، وأحاديث المهدي متواترة كما سيأتي إن شاء الله تعالى فلا تعارض بينهما، فلا وجه حينئذٍ لتجشّم تلك الوجوه التي لا ترجع إلى محصّل.
لكن لمّا ذكرها جماعة في كتبهم وتداولوها آثرنا ذكرها هنا والجواب عنها ليسفر القناع عن وجهها، ويُعلم ما فيها، فإنّه قد يعوِّل عليها ويستأنس بها بعض مَن لا فطنة له، وهو غافل عن حقيقتها، فكان التنبيه على ذلك من المهمّات.
فنقول وبالله التوفيق:
قد ذكروا للجمع في هذا المقام ثلاثة أوجه:
الاَوّل: أنّه لا مهديّ في الحقيقة سوى عيسى بن مريم وإن كان غيره مهديّاً أيضاً، لحكمه بكتاب الله، وقتله اليهود والنصارى، ووضعه الجزية، وإهلاك أهل الملّة في زمانه(1).
------------------------------------------
(1) انظر: المنار المنيف في الصحيح والضعيف ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام
(69)




وأنت خبير بأنّه لو صحّ هذا فإنّ المهديّ المنتظر عليه الصلاة والسلام يكون أَوْلى بكونه المهديّ على الحقيقة كما هو كذلك؛ لاَنّه الذي يملاَ الله تعالى به الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وهذا أعظم أمر يقع في آخر الزمان.
ومعلومٌ أنّ عيسى عليه السلام يكون مقتفياً لشرع الاِسلام الذي يحيي المهديّ معالمه بعدما اندرست، ويرفع أعلامه بعدما انتكست، والحكم بكتاب الله تعالى، وقتل أهل الاِلحاد إنّما يكون بيد المهديّ عليه السلام ، وعيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه يساعده في ذلك، لا استقلال ابن مريم به كما قد يظهر من كلام بعضهم.
فالمهديّ حقّ، والمهديّ هو من يفعل ذلك، وليس ذاك إلاّ المهديّ الموعود من آل محمّـد صلى الله عليه وآله وسلم .
فظهر أنّه أفضل من المسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام ـ كما سيأتي في كلام الحافظ الكنجي أيضاً ـ فضلاً عن أبي بكر وعمر، فقد أخرج نعيم بن حمّاد عن محمّـد بن سيرين أنّه ذكر فتنةً تكون، فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتّى تسمعوا على الناس بخيرٍ من أبي بكر وعمر، قيل: أفيأتي خيرٌ من أبي بكر وعمر؟! قال: قد كان يُفضّل على بعض.
وفي المصنّف لابن أبي شيبة، عن ابن سيرين، قال: يكون في هذه الاَُمّة خليفة، لا يفضّل عليه أبو بكر وعمر كما في العرف الوردي(1).
-----------------------------------------
= المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|289 ـ: 148.
(1) مصنّف ابن أبي شيبة 15|198 ح 19496، عن أبي أُسامة، عن عوف، عن محمد ـ وهو ابن سيرين ـ، رسالة العرف الوردي المطبوعة ضمن كتاب الحاوي 1|103.
(70)




الثاني: أنّ المراد بذلك أنّه لا مهديّ كاملاً معصوماً إلاّ ابن مريم عليهما السلام .
وفيه: أنّ المهدي عليه الصلاة والسلام معصوم أيضاً كالمسيح بن مريم.
أمّا على مذهب أهل الحقّ فظاهر غاية الظهور.
وأمّا على مذهب مخالفيهم: فإن أُريد عصمته في الاَحكام فإنّ ذلك حاصل له.
قال الشيخ محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المكّيّة(1): إنّه يحكم بما ألقى إليه مَلَك الاِلهام من الشريعة، وذلك بأن يلهمه الشرع المحمّـدي فيحـكم به كمـا أشـار إليه حـديث: «المهـديّ يقفـو أثـري لا يخطئ» فعرَّفَنا صلى الله عليه وآله وسلم أنّه مُتَّبِع لا مبتدع، وأنّه معصوم في حُكْمه، إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلاّ أنّه لا يخطئ، وحكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يخطئ، فإنّه (لا ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي يوحى)(2) وقد أخبر عن المهديّ أنّه لا يخطئ، وجعله ملحقاً بالاَنبياء في ذلك الحكم.
قلت:
وقضية كونه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يثبت له ما كان ثابتاً له صلى الله عليه وآله وسلم في الجملة، ومنه العصمة في الاَحكام، وهذا ظاهر جليّ، فلا وجه لتخصيص العصمة بعيسى بن مريم.
------------------------------------------
للفتاوي ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|384
(1) الفتوحات المكّيّة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|111 ـ ج 3 الباب 366.
(2) سورة النجم 53: 4 و 5.
(71)


وقد شرح المعين بن الاَمين السندي في كتابه دراسات اللبيب في الاَُسوة الحسنة بالحبيب كلام الشيح المتقدّم بما لا غنىً لذوي الفضل والتحقيق من الوقوف عليه.
هذا، وإن أُريد عصمته عليه الصلاة والسلام في الاَفعال، فإنّ ذلك حاصل له أيضاً.
قال الاِمام الحافظ الكنجي في البيان ـ في ذِكر تقدّم المهدي عليه السلام في الصلاة والجهاد على عيسى بن مريم عليه السلام ـ: هما قدوتان نبيّ وإمام، وإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما ـ وهو الاِمام ـ يكون قدوة للنبيّ عليه السلام في تلك الحال، وليس فيهما مَن تأخذه في الله لومة لائم، وهما أيضـاً معصـومان من ارتكـاب القبـائح كـافّةً، والمداهنة والرياء والنّفاق، ولا يدعو الداعي لاَحدهما إلى فعل ما يكون خارجاً عن حكم الشريعة ولا مخالفاً لمراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال: وإذا كان الاَمر كذلك، فالاِمام أفضل من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمّـدية بذلك بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأفقههم، فإن أستووا فأقدمهم هجرةً، فإن استووا فأصبحهم وجهاً».
فلو عَلِم الاِمام أنّ عيسى أفضل منه لَما جاز له أن يتقدَّم عليه لاِحكامه علم الشريعة، ولموضع تنزيه الله تعالى له من ارتكاب كلّ مكروه.
وكذلك لو عَلِم عيسى أنّه أفضل منه لما جاز له أن يقتدي به، لموضع تنزيه الله تعالى له من الرياء والنفاق والمحاباة، بل لمّا تحقَّق أنّه أعلم منه جاز أن يتقدّم عليه، وكذلك قد تحقّق عيسى أنّ الاِمام أعلم منه،
(72)






فلذلك قدَّمه وصلّى خلفه، ولولا ذلك لم يسعه الاقتداء بالاِمام(1).
ثمّ بيّن تقدّم المهدي في الجهاد، فراجع ثمّة إن شئت.
الثالث: أنّه لا قول للمهديّ إلاّ بمشورة عيسى، بناءً على أنّه من وزرائه(2).
والجواب: أنّه لو سُلِّم ـ مع ما فيه من مخالفة ظاهر الحديث ـ فغاية ما يـدلّ عـليه: أنّ المهـديّ عليه السلام لا يقـطع أمـراً إلاّ بمشـورة المسيح بن مريم عليهما السلام ـ وهذا مبنيّ على القول بأنّه من وزرائه، وهو غير ثابت ـ وذلك لا ينافي كون مآل الاَمر إلى المهديّ عليه الصلاة والسلام، فإنّه إذا عزم على أمرٍ توكّل على الله تعالى وفعله كما كان ذلك شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه.
مضافاً إلى عصمته المطلقة ـ وقد تقدّم الكلام على ذلك آنفاً ـ فلا يحتاج إلى مشورة عيسى عليه السلام بالاَصالة، بحيث لولاها لما نفذ له قول ولا أمر، لمكان تلك العصمة والتسديد من الله تعالى، وإنّما هي ـ أعني المشورة على تقدير ثبوتها ـ سياسة أدبية منه مع عيسى بن مريم عليه السلام ، وهذا لا ضير فيه، ولا يقدح في شيء من أمر المهديّ عليه الصلاة والسلام وإمامته وتقدّمه على جميع أهل عصره، ووجوب طاعته كالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حذو القذّة بالقذة، كما لا يخفى.
---------------------------------------
(1) البيان: 21.
(2) مشارق الاَنوار في فوز أهل الاعتبار ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|62 ـ: 115.
(73)




الباب الثاني
في حكاية جملةٍ من فتاوى العلماء
في من أنكر المهديّ المنتظر عليه الصلاة والسلام
ونقتصر في هذا الباب على ما وقفنا عليه على العُجالة، فعسى الله أن يردع بذلك من صَبا إلى القول بإنكاره من أهل الجهالة والضلالة، ويكون بلاغاً ناهياً للزائغين، إنّه الهادي إلى سبيله.
فنقول:
اعلم ـ رحمك الله ـ أنّه لا ريب في أنّ أحاديث خروج المهديّ عليه الصلاة والسلام متواترة، بإجماع من يعتدّ به من أهل العلم وأئمّة الحديث، فإنكار هذا الاَمر المتواتر جرأة عظيمة في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حـدّ التـواتر، كـما قـال القنوجي فـي الاِذاعة(1).
وقد سُئل شيخ الاِسلام شهاب الدين أحمد بن حجر المكّيّ الشافعيّ عمّن أنكر المهدي الموعود به؛ فأجاب: أنّ ذلك إنْ كان لاِنكار السُنّة رأساً فهو كفر يُقضى على قائله بسبب كفره وردّته فيقتل.
وإن لم يكن لاِنكار السُنّة وإنّما هو محض عناد لاَئمّة الاِسلام فهو
----------------------------------------
(1) راجع: الاِذاعة لما كان وما يكون ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|104 ـ: 146.
(74)



يقتضي التعزير البليغ والاِهانة بما يراه الحاكم لائقاً بعظيم هذه الجريمة، وقبح هذه الطريقة، وفساد هذه العقيدة، من حبس وضرب وصَفْعٍ وغيرها من الزواجر عن هذه القبائح، ويرجعه إلى الحقّ راغماً على أنفه، ويردّه إلى اعتقاد ما ورد به الشرع ردعاً عن كفره. انتهى.
وقد ذكر المتّقي الهنديّ في أواخر كتابه البرهان(1) هذه الفتوى بعين ألفاظها، وأوردها المفتي ابن حجر مختصرةً في الفتاوى الحديثية(2) له.
وكذلك أفتى الشيخ العلاّمة يحيى بن محمّـد الحنبليّ بكفر من أنكر المهديّ عليه السلام فقال: وأمّا من كذّب بالمهديّ الموعود به فقد أخبر عليه الصلاة والسلام بكفره(3).
وقد وقفت على فتوىً لشيخ الاِسـلام محمّـد بهاء الدين العاملي رحمه الله تعالى في هذه المسألة، قال ـ في جواب من سأله عن خروج المهديّ بقول مطلق، هل هو من ضروريّات الدين فمنكره مرتدّ، أم ليس من ضروريّاته، لِما يُحكى من خلاف بعض المخالفين فيه، وأنّ الذي يخرج إنّما هو عيسى عليه السلام ، وهل يكون خلافهم مانعاً من ضروريّته؟ ـ:
الاَظـهر أنّه مـن ضـروريّات الـدين، لاَنّه مـمّا انـعقد علـيه إجـماع المسلمين، ولـم يخـالف فيـه إلاّ شـرذمة شـاذّة لا يـعبأ بهم، لا يعتمد عليهم ولا بخـلافهم، ولا يقدح خروج أمثال هـؤلاء من ربـقة الاِجماع في حجّيّته، فلا مجال للتوقّف في كفرهم إن لم تكن لهم شبهة محتملة. إنتهى.
-----------------------------------------
(1) البرهان: 178 ـ 179.
(2) الفتاوى الحديثية: 37.
(3) البرهان: 182.
(75)




قلت:
إكفار المنكِر عند الفريقين يدور على أحد أمرين:
أوّلهما: ما أشار إليه شيخ الاِسلام ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة وهو ما أخرجه أبو بكر الاِسكاف في فوائد الاَخبار عن محمّـد بن المنكدر، عن جابر بن عبـد الله الاَنصاري رضي الله عنه ، عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من كذّب بالدجّال فقد كفر، ومن كذّب بالمهديّ فقد كفر(1).
قال ابن حجر في القول المختصر ـ كما في البرهان ـ: أي حقيقةً، كما هو المتبادر من اللفظ، لكن إن كان تكذيبه من السُنّة، أو لاستهتاره بها، أو للرغبة عنها، فقد قال أئمّتنا وغيرهم: لو قيل لاِنسانٍ قصَّ أظفارك فإنّه من السُنّة، فقال: لا أفعله وإن كان سُنّة رغبةً عنها فقد كفر، فكذا يقال بمثله(2).
قلت:
حديث جابر أخرجه أبو القاسم السهيلي في شرح السيرة له.
وأبو بكر ابن أبي خيثمة في جمعه للاَحاديث الواردة في المهديّ.
والحافظ السيوطيّ الشافعيّ في العَرف الوردي(3).
------------------------------------
(1) الفتاوى الحديثيّة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|432 ـ: 37، الاِشاعة في إشراط الساعة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمـام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|505 ـ: 112.
(2) البرهان: 170 ـ 171.
(3) العرف الوردي في أخبار المهدي ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|392 ـ: 487.
(76)

وشيخ الاِسلام إبراهيم بن محمّد الجوينيّ الشافعيّ في فرائد السمطين(1).
والحافظ القندوزيّ الحنفيّ في ينابيع المودّة(2).
واعتمده بعض أهل العلم كابن حجر الشافعيّ، ويحيى بن محمّـد الحنبليّ وأفتيا بمدلوله، كما مرّ آنفاً.
وكذا الشيخ العلاّمة محمّد بن أحمد السفارينيّ الحنبليّ في لوائح الاَنوار البهيّة(3) فإنّه قال: قد روى الاِمام الحافظ ابن الاِسكافي بسندٍ مرضيّ إلى جابر بن عبـد الله رضي الله عنه إلى آخره، وأورده البرزنجيّ الشافعيّ في الاِشاعة(4).
فظهر بذلك ما في دعوى بعضهم من الحكم بوضع الحديث ورمي ابن الاِسكافي به، والله المستعان.
وثانيهما: إجماع أهل الاِسلام قاطبة، واتّفاقهم على مرّ الاَعصار والاَعوام على خروج المهديّ المنتظر عليه الصلاة والسلام، حتّى عُدّ ذلك من ضروريّات الدين ـ كما صرّح به شيخ الاِسلام البهائي ؛ ـ وهو اتّفاق قطعيّ مـنهم، لا يشـوبه شـكّ ولا يـعتريه ريـب، اللّهمّ إلاّ مـن شـذّ، ممّن لا يُعتدّ بخلافه، ولايلتفت إليه، ولا تكون مخالفته قادحة في حجّيّة
--------------------------------------------
(1) فرائد السمطين 2|334 ح 585.
(2) ينابيع المودّة 3|295 ح 1 وص 383 ح 1، وفيه «أنكر» بدل «كذّب»، الحاوي للفتاوي، المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|392.
(3) انظر: لوائح الاَنوار البهيّة وسواطع الاَسرار الالهية المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|21.
(4) الاِشاعة في إشراط الساعة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1|505 ـ: 112.
(77)

الاِجماع، ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به، مضافاً إلى تواتر أحاديث المهديّ عليه الصلاة والسلام تواتراً قطعيّاً.
وظاهر أنّ من أنكر المتواتر من أُمور الشرع والغيب بعد ما ـ ثبت عنده ثبوتاً يقينيّاً ـ فإنّه كافر، لردّه ما قطع بصـدوره وتحقّق ثبوته عـنه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا شبهة في كفر من ارتكب ذلك بإجماع المسلمين، لاَنّ الرادّ عليه صلى الله عليه وآله وسلم كالرادّ على الله تعالى، والرادّ على الله كافر باتّفاق أهل الملّة، وإجماع أهل القبلة.
ودعوى التواتر صحيحة ثابتة كما صرّح بذلك جمهور أهل العلم من الفريقين، ولا نعلم رادّاً لها إلاّ بعض مَن امتطى مطيّة الجهل، واتّخذ إلهه هواه، وكابر الحقّ، فكان حقيقاً بالاِعراض عنه.
ونحن نقتصر في هذا المختصر على نقل كلام جماعة من محقّقي العلماء في تحقّق التواتر لتتبيّن لك جليّة الحال.
قال الشيخ أبو الحسين الآبري في كتاب مناقب الشافعيّ: قد تواترت الاَخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذكر المهديّ، وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملك سبع سنين، وأنّه يملاَ الاَرض عدلاً، وأنّ عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجّال، وأنّه يؤمّ هذه الاَُمّة ويصلّي عيسى بن مريم خلفه(1). انتهى.
وفي بعض فتاوى شيخ الاِسلام ابن حجر المكّي، أنّ الاَحاديث في ذلك مستفيضة متواترة.
-------------------------------------
(1) انظر: العطر الوردي ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|118 ـ: 45.
(78)




وقال في الصواعق: الاَحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهديّ كثيرة متواترة.
وقال الشيخ العلاّمة محمّـد بن أحمد السفاريني الحنبليّ في اللوائح(1): الصواب الذي عليه أهل الحقّ أن المهديّ غير عيسى ، وأنّه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام .
قال: وقد كثرت بخروجه الروايات حتّى بلغت حدّ التواتر المعنويّ، فلا معنى لاِنكارها(2).
ومثله في شرح الشرقاوي على ورد البكري كما في مشارق الاَنوار للحمزاوي(3).
وقال قاضي القضاة أبو عبـد الله محمّـد بن علي الشوكانيّ في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهديّ المنتظر والدجّال والمسيح: الاَحاديث الواردة في المهديّ التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنجبر.
قال: وهي متواترة بلا شكّ ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحرّرة في الاَُصول.
قال: وأمّا الآثار عن الصحابة المصرّحة بالمهديّ فهي كثيرة أيضاً، لها
---------------------------------------
(1) انظر: لوائح الاَنوار البهيّة وسواطع الاَسرار الاِلهيّة، المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|20.
(2) انظر: لوائح الاَنوار البهيّة وسواطع الاَسرار الاِلهيّة، المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|20.
(3) انظر: مشارق الاَنوار ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عيله السلام عند أهل السُنّة 2|62 ـ: 115.
(79)




حكم الرفع، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك(1).
وقال السويديّ البغداديّ في كتابه سبائك الذهب: الذي اتّفق عليه العلماء أنّ المهديّ هو القائم في آخر الوقت، وأنّه يملاَ الاَرض عدلاً، والاَحاديث في ظهوره كثيرة(2).
وقال الشيخ أبو عبـد الله جعفر بن محمّـد الاِدريسي الحسني الكتّاني في كتابه نظم المتناثر من الحديث المتواتر(3): قد نقل غير واحد عن الحافظ السخاوي أنّها متواترة ـ يعني أحاديث المهديّ عليه السلام ـ، والسخاوي ذكر ذلك في فتح المغيث.
قال: وفي تأليفٍ لاَبي العلاء إدريس بن محمّـد بن إدريس الحسنيّ العراقيّ في المهديّ هذا، أنّ أحاديثه متواترة أو كادت، وجزم بالاَوّل غير واحدٍ من الحفّاظ النقّاد.
وبالجملة: فإنكار المهديّ وإنكار خروجه أمر عظيم لا ينبغي التفوّه به، بل ربّما أفضى بصاحبه إلى الكفر والخـروج عن الملّة والعياذ بالله تعالى.
وقال الشيخ عبـد العزيز بن عبـد الله بن باز، شيخ علماء نجد والحجاز في هذا العصر، ومعتمدهم في علوم الشرع المطهّر: أمّا من أنكر ذلك ـ يعني نزول عيسى وخروج الدجّال والمهديّ ـ وزعم أنّ نزول المسيح بن مريم ووجود المهديّ إشارة إلى ظهور الخير، وأنّ وجود
-----------------------------------------
(1) راجع: الاِذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|71 ـ 72 ـ: 113 ـ 114. (2) سبائك الذهب: 78.
(3) انظر: نظـم المتناثر مـن الحـديث المتواتر ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2|194 ـ: 144 ـ 145.
(80)



الدجّال ويأجوج ومأجوج وما أشبه ذلك إشارة إلى ظهور الشرّ، فهذه أقوال فاسدة، بل باطلة في الحقيقة، لا ينبغي أن تذكر، فأهلها قد حادوا عن الصواب، وقالوا أمراً منكراً وأمراً خطيراً لا وجه له في الشرع، ولا وجه له في الاَثر ولا في النظر.
قال: والواجب تلقّي ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالقبول، والاِيمان التامّ به والتسليم، فمتى صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يجوز لاَحدٍ أن يعارضه برأيه واجتهاده، بل يجب التسليم كما قال الله عزّوجلّ: (فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حَرَجَاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً)(1) وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الاَمـر عن الدجّال، وعن المهـديّ، وعـن عيسـى بن مريم، ووجـب تلقّي ما قاله بالقبول والاِيمان بذلك، والحذر من تحكيم الرأي والتقليد الاَعمى الذي يضرّ صاحبه ولا ينفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة(2).
ولا يسع المقام لاستقصاء كلام الاَئمّة والعلماء في تواتر أحاديث المهديّ المنتظر عليه الصلاة والسلام، والتحـذير مـن إنكـار شأنه، لكن في ما حكينا لك مقنع وكفاية إن شاء الله تعالى، والله الهادي إلى سواء السبيل.
---------------------------------------
(1) سورة النساء 4: 65.
(2) مجلّة الجامعة الإسلامية ـ المطبوعة ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنة 2 | 435 ـ ، العدد الثالث من السنة الأولى ، ذو العقدة 1388هـ.
(81)
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف