تأليف
هاشم الميلاني
مقدمة المركز
لقد تعّرف العالم الإسلامي العربي على الثقافة الغربية بشكل مباشر بعد هجوم نابليون على مصر عام ( 1798 ) بأهداف سياسية واقتصادية وعسكرية، ومنذ ذلك الحين سيما أيام محمد على باشا (1769 – 1849 ) والبعثات العلمية التي أرسلها إلى أوروبا بدأ العالم الاسلامي يتعرف على الآخر و يذعن بتفّوقه في كافة الميادين مما أدى إلى إحداث روح انهزامية عند فريق من النخب دعت إلى التمسك بالنموذج الغربي للتخلّص من التخلّف .
قد نشأ من هذا الاحتكاك جدل مستمر دام أكثر من قرنين حول (الأصالة والمعاصرة) أو (التراث والحداثة) كما شهد هذا الجدل صعودا وهبوطا تارة للأصالة وتارة أخرى للحداثة أو المعاصرة، ناهيك عن المحاولات التوفيقية بينهما حيث أصبحت المكتبة العربية مليئة بالمشاريع الفكرية والمعرفية المختلفة حول هذا الموضوع ومازال العمل مستمرا إلى يومنا الحاضر.
من هذا المنطلق ووفاءً للمنهج المتبع في المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية لرسم استراتيجيات دينية و معرفية للحال والمستقبل، باتت الضرورة قائمة لتناول هذا الجدل من جديد وفتح ملف العرض والنقد لأهم تلك المشاريع بغية تقييمها وكشف الخطأ والصواب فيها، وذلك ضمن سلسلة: ( رؤى نقدية معاصرة)
في هذا الكتاب يتم تناول مشروع الدكتور محمد عابد الجابري (1935 – 2010) في نقده للتراث ـ طبعا بصيغته المشرقية ـ ومحاولته إحداث قطيعة معه للتخلص من مدينة الجبارين التي يعيش المسلمون في كنفها والوصول إلى مدينة فاضلة، يرسم الجابري معالمها بحيث لا تختلف عن مدينة الغرب بما فيها من أصول ومبانٍ وقيم، مستعينا بأدوات وآليات ومناهج مستقاة من الغرب أيضا.
فهل كان الجابري موفقاً في نقد التراث؟
وهل كان موفقاً في إحداث القطيعة المعرفية بين المشرق والمغرب الإسلاميين؟
وهل نجح في رسم مدينة فاضلة للعالم الاسلامي؟
هذه الأسئلة وغيرها يحاول أن يجيب عنها هذا الكتاب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله الميامين.
النجف الأشرف
20 رجب 1439هـ