رؤية أبستمولوجية نقدية للمفهوم
تأليف
محمد ملا عباسي
وسجاد صفار هرندي
تعريب
حسن علي مطر
مقدمة المركز
تدخل هذه السلسلة التي يصدرها المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية في سياق منظومة معرفية يعكف المركز على تظهيرها، وتهدف الى درس وتأصيل ونقد مفاهيم شكلت ولما تزل مرتكزات أساسية في فضاء التفكير المعاصر.
وسعياً الى هذا الهدف وضعت الهيئة المشرفة خارطة برامجية شاملة للعناية بالمصطلحات والمفاهيم الأكثر حضوراً وتداولاً وتأثيراً في العلوم الإنسانية، ولا سيما في حقول الفلسفة، وعلم الإجتماع، والفكر السياسي، وفلسفة الدين والاقتصاد وتاريخ الحضارات.
أما الغاية من هذا المشروع المعرفي فيمكن إجمالها على النحو التالي:
أولاً: الوعي بالمفاهيم وأهميتها المركزية في تشكيل وتنمية المعارف والعلوم الإنسانية وإدراك مبانيها وغاياتها، وبالتالي التعامل معها كضرورة للتواصل مع عالم الأفكار، والتعرف على النظريات والمناهج التي تتشكل منها الأنظمة الفكرية المختلفة.
ثانياً: إزالة الغموض حول الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي غالباً ما تستعمل في غير موضعها أو يجري تفسيرها على خلاف المراد منها. لا سيما وأن كثيراً من الإشكاليات المعرفية ناتجة من اضطراب الفهم في تحديد المفاهيم والوقوف على مقاصدها الحقيقية.
ثالثاً: بيان حقيقة ما يؤديه توظيف المفاهيم في ميادين الاحتدام الحضاري بين الشرق والغرب، وما يترتب على هذا التوظيف من آثار سلبية بفعل العولمة الثقافية والقيمية التي تتعرض لها المجتمعات العربية والإسلامية وخصوصاً في الحقبة المعاصرة.
رابعاً: رفد المعاهد الجامعية ومراكز الأبحاث والمنتديات الفكرية بعمل موسوعي جديد يحيط بنشأة المفهوم ومعناه ودلالاته الإصطلاحية، ومجال استخداماته العلمية، فضلاً عن صِلاته وارتباطه بالعلوم والمعارف الأخرى. وانطلاقاً من البعد العلمي والمنهجي والتحكيمي لهذا المشروع فقد حرص لامركز على أن يشارك في إنجازه نخبة من كبار الأكاديميين والباحثين والمفكرين من العالمين العربي والإسلامي.
* * *
في هذه الحلقة من "سلسلة مصطلحات معاصرة" يتناول الباحثان الإيرانيان سجّاد صفّار هرندي ومحمد ملاّ عباسي مفهوم "اليمين واليسار" انطلاقاً من رؤية جديدة سعت إلى الإحاطة به من الجانبين النظري والتطبيقي.
لا شكّ بأن قراءة إجمالية لتاريخ هذا المصطلح سوف تبيّن لنا المساحة الكبرى لحضوره في عالم السياسة والفكر والاجتماع، غير أن الإضاءة عليه على النحو الذي عرضته هذه الدراسة يكتسب أهمية معرفيّة خاصّة. فقد بيّن الكاتب استناداً إلى التجارب التاريخية في الغرب والعالم الإسلامي، ناهيك عن رؤيته النقدية لتلك التجارب.
والله ولي التوفيق
المقدمة
تعتبر دراسة اليسار واليمين في تاريخ الفكر والعمل السياسي من السعة بحيث يبدو اختزالها في كتاب صغير يبتعد عن اجترار البديهات، أمراً في غاية التعقيد. وهذه هي الغاية التي نرمي إليها في هذا الكتاب. حيث سعينا إلى بيان الخصائص العامة لتاريخ اليسار واليمين في حقل المعرفة والفكر والعمل السياسي بأسلوب مبسّط. ومن هنا يمكن اعتباره مصدراً أولياً لعامة الراغبين في التعرّف على الأبحاث والأفكار السياسية. ولتسهيل قراءة النص على القارئ المحترم، استغنينا عن الإحالات الجزئية، واكتفينا بذكر الإحالات الهامّة ـ التي من شأنها أن تنفع القارئ في متابعة جذور البحث ـ في الهامش. يتعرض موضوع الكتاب لأفكار تيار اليسار واليمين، ويبدأ بالمرحلة التاريخية للثورة الإسلامية، ليمضي بعد ذلك قدماً على نحو تدريجي. وفي بعض الفصول تمّ التركيز على النقاش الفكري، بينما اشتملت الفصول الأخرى على الحجم الأكبر من التيارات التاريخية للنشاط السياسي. ولكن كان هناك ـ في المجموع ـ سعي إلى إقامة التوازن بين هذين الأمرين. ولا بد من التنويه إلى أن الإطار العام لهذا الكتاب عبارة عن التلفيق بين الأفكار الواردة في السلسلة الرائعة لـ "إريك هابزبازم" حول التاريخ في أربعة مجلّدات، والكتاب القيّم لـ "حسين بشيرية" بعنوان (تاريخ انديشه هاي سياسي در قرن بيستم) [1]. بيد أن الفكرة الرئيسة لهذا الكتاب والنتيجة التي سينتهي إليها تختلف عن هذين الكتابين. وفيما يتعلق بالفكر السياسي، نواجه بعض المسائل الهامة التي لا يمكن إدراجها بيسر ضمن خانة اليسار أو اليمين، كما لم يسمح لنا حجم الكتاب بالدخول في التفاصيل. ومن بين أهم تلك المسائل هي مسألة الديمقراطية، فعمدنا إلى بيان نسبة هذه المسألة إلى هذين المفهومين في نهاية الكتاب.
-------------------------------
[1] تاريخ الآراء السياسية في القرن العشرين.