تأليف الشهيد الثالث القاضي السيد نور الله التستري
956 ـ 1019 ه
تحقيق هدى جاسم محمد أبو طبرة
(401)
مقدمة التحقيق :
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وسيد المرسلين ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المطهرين . وبعد : هذه رسالة موجزة في تفسير آية التطهير لعلم من أعلام الشيعة الإمامية ، عاش مجاهدا بعيدا عن الأهل والأحبة والوطن حتى مضى على ما مضى عليه الشهداء من قبله ، شهيدا في غربته ووحدته ، متأسيا بمن سبقه من أجداده الكرام عليهم السلام . ولما كان (الغريب نسيبا للغريب) فقد وجدت في نفسي رغبة قوية في تحقيق هذه الرسالة ، لا سيما وأن موضوعها هو تفسير قوله تعالى : (وإنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) . ولا يخفى ما في هذه الآية من صدى خاص في نفوس المسلمين ، حتى لا أخال أحدا لا يحفظها منهم ، لما فيها من تأثير خطير في عقائدهم إزاء من
(403)
خوطبوا بها ، إذ شهدت لهم بأنهم هم الصفوة الطاهرة المطهرة الأخيرة المختارة ـ منذ الأزل ـ من سلالة النبوة ، مع ما وهبته لهم من سمو ورفعة وشرف باذخ تكشف للبصير ما رسمته من معالم الأهلية الراقية التي يجب توفرها في من يقوم مقام النبوة ، وتسلط الضوء على مدى شرعية السلطة الحاكمة بعد انتقال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى .
ومن هنا ـ ولأجل صيانة الواقع التاريخي ، والحفاظ على كرامة السلف الماضين ـ كان لتفسير هذه الآية بالذات في مذاهب المسلمين ومشاربهم ذيل طويل ، هلكت فيه أقوام وزلت أقدام .
ورسالة (السحاب المطير في تفسير آية التطهير) الماثلة بين يدي القارئ الكريم ـ على الرغم من قصرها وضغط عباراتها ـ قد ناقشت أهم ما رافق آية التطهير من أهواء ونزعات واعتراضات وإيرادات على استدلال الشيعة الإمامية بها على عصمة أهل البيت وحجية أقوالهم عليهم السلام .
على أنها لم تكن الرسالة الوحيدة في المقام ، بل هناك الكثير من الكتب والرسائل والبحوث الشيعية التي عنيت بتفسير هذه الآية الكريمة ، وبينت أهدافها ودلالاتها ومراميها وغاياتها ، وشرح مفرداتها شرحا وافيا على ضوء ما ورد في القرآن الكريم ولغة العرب وأدبهم ، مع مراعاة ما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من تفسير لهذه الآية ، وبيان موقفه صلى الله عليه وآله وسلم من أهل البيت عليهم السلام قبل وبعد نزول آية التطهير ، لكي يبلغ الشاهد الغائب ، وينقطع عذر من تسول له نفسه أن يتقول في بيان المعنيين بها ـ بغير ما أراد المولى عز وجل ـ جهلا ، أو نفاقا وحسدا وبغيا .
وفيما يأتي بعض تلك الجهود الشيعية المبذولة لخدمة الآية الكريمة والتي قرأتها أو وقفت عليها أثناء مراجعتي لمصادر ومراجع التحقيق ، وهي :
1 ـ إذهاب الرجس عن حضيرة القدس ، للعلامة الشيخ عبد الكريم بن محمد بن طاهر القمي .
(404)
2 ـ أقطاب الدوائر في تفسير آية التطهير ، للعلامة عبد الحسين بن مصطفى ، من علماء ا لقرن الثاني عشر ، طبع سنة 1403 ه .
3 ـ أهل البيت في آية التطهير ، للسيد جعفر مرتضى العاملي ، مطبوع ، ومترجم إلى اللغة الفارسية ، ترجمة محمد سبهري .
4 ـ أهل البيت في القرآن الكريم ، بحث للسيد جعفر مرتضى العاملي ، منشور في مجلة رسالة الثقلين ، العددان 1 و 2 .
5 ـ آية التطهير في أحاديث الفريقين ، للسيد علي الأبطحي ، مطبوع بمجلدين .
6 ـ آية التطهير ، بحث شامل ومستوعب يزيد على ستين صحيفة في المجلد الخامس من كتاب : مفاهيم القرآن ، للشيخ جعفر السبحاني (وقد ذكر فيه معظم هذه المصادر) .
7 ـ تطهير التطهير ، للفاضل الهندي (ت 1035 ه) .
8 ـ تفسير آية التطهير ، للشيخ إسماعيل بن زين العابدين (ت 1300 ه) .
9 ـ التنوير في ترجمة رسالة آية التطهير ، للسيد عباس الموسوي ، طبع في الهند سنة 1341 ه ، وهو ترجمة لهذه الرسالة .
10 ـ جلاء الضمير في حل مشكلات آية التطهير ، للشيخ محمد البحراني ، طبع في الهند سنة 1325 ه .
11 ـ رسالة في تفسير آية التطهير ، للشيخ لطف الله الصافي ، طبعت سنة 1403 ه في مدينة قم المقدسة .
12 ـ شرح تطهير التطهير ، للسيد عبد الباقي الحسيني ، وهو شرح للكتاب المتقدم برقم 7.
13 ـ الصور المنطبقة ، للعلامة الشيخ عبد الكريم بن محمد بن طاهر القمي ، مؤلف (إذهاب الرجس عن حضيرة القدس) المتقدم برقم 1 .
(405)
14 ـ كتاب في مقال آية التطهير ، بحث للشيخ محمد مهدي الآصفي ، منشور في مجلة رسالة الثقلين ، العدد 1 . كل هذا من غير (السحاب المطير) .
وإذا ما انضم إلى ما تقدم ما كتبه أعلام الشيعة في الكلام والعقائد والأصول أيضا في مبحثي : حجية سنة أهل البيت عليهم السلام ، وحجية الإجماع ، اتضح لنا مبلغ اهتمام الشيعة في الرد على سائر التخرصات حول هذه الآية ، والتي تهدف بالدرجة الأساس إلى صيانة الواقع التاريخي الذي ساد بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم .
(406)
ترجمة المؤلف
هو : السيد ضياء الدين القاضي نور الله ابن السيد العلامة شريف الدين ابن السيد ضياء الدين ، ينتهي نسبه الشريف إلى السيد الجليل أبي الحسن علي المرعشي ـ المعروف في كتب التراجم الشيعية والسنية ـ المتصل نسبه بالإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
ولد ـ قدس سره الشريف ـ من أبوين مرعشيين عالمين في بلدة (تستر) من خوزستان سنة 956 ه ، ولهذا يقال له : التستري ـ معرب شوشتر ـ أو : المرعشي ، نسبة إلى بلدة مرعش ـ بين الشام وتركيا ـ التي سكنها جده الأعلى السيد الزاهد الفقيه المحدث أبو الحسن علي المرعشي المتقدم .
أخذ الشهيد التستري العلم ـ في أوان شبابه ـ من علماء بلدته تستر ، وأولهم والده السيد شريف الدين ، فقرأ عليه الكتب الأربعة ، وكتب الأصول والفقه والكلام ، كما أخذ عن كثيرين غ يره ، ثم انتقل من تستر إلى مدينة مشهد المقدسة وكان عمره يوم ذاك ثلاثا وعشرين سنة ، وحضر في مشهد درس المولى عبد الواحد التستري ، وكان من مشاهير أهل الفضل في عصره ، كما أخذ عن غيره من فطاحل العلماء في هذه المدينة المقدسة ، ثم انتقل بعد ذلك إلى بلاد الهند سنة 993 هـ ولما يبلغ الأربعين بعد أن تأكد له أن هذه البلاد لا ترفع فيها راية لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وما أن وصل إلى الهند حتى قربه سلطانها (أكبر شاه) لعلمه الجم وأدبه وفضله ونسكه وورعه ، فرقي أمره وحسن حاله جاها ومالا ومنالا حتى نصبه الملك المذكور للقضاء والإفتاء ، وقد كان هذا المنصب لا يتسنمه ـ في تلك البلاد ـ إلا من فاق أقرانه علما ، وكان الشهيد السعيد ـ على الرغم من كثرة
(407)
النصب والعداء لأهل البيت عليهم السلام في تلك البلاد ـ مجاهرا بالدعوة إلى التشيع بين من يطمئن إلى دينه وورعه ، حتى قيل عنه : إنه أول من نشر مذهب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بلاد الهند .
وما لبث السيد الشهيد على هذه الحال حتى حسده من تلبس بلباس الفقهاء وتزيا بزي العلماء من أهل السنة ، فحاكوا الدسائس ضده قبل أن ينكشف تشيعه ، ثم سعوا إلى السلطان بإباحة دمه الشريف بعد أن سمعوا منه عبارة : (عليه الصلاة والسلام) بحق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، لزعمهم الفاسد أنها مختصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إلا أن السلطان انصرف عن قتله ، لأن أحد كبار العلماء المنصفين قد كتب إلى السلطان ما معناه : إن عليا عليه السلام هو من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن الجهال حسدوا هذا السيد ولم يعرفوا حق أمير المؤمنين عليه السلام .
ثم استغل هؤلاء الناصب وفاة السلطان أكبر شاه ، واغتنموا مجيئ ابنه جهانكير شاه التيموري خلفا على البلاد ـ وكان ضعيف الرأي سريع التأثر ـ فدس هؤلاء الأوغاد رجلا خسيسا منهم للتجسس عن الشهيد السعيد ـ كما هو فعل أسيادهم من قبل في مطاردة شيعة علي عليه السلام وقتلهم ـ وقد لازم ذلك الرجل السيد القاضي الشهيد بصفة طالب علم ، وهكذا عرف الخبيث ـ من طول الملازمة ـ أن قاضي الهند هو من أكبر دعاة الحق ، واطلع على مؤلفات القاضي لا سيما كتابه الخالد (إحقاق الحق) الذي لم يبق فيه الشهيد حجة لناصبي عنيد ، فاستكتب الرجل الشقي نسخة منه وأتى بها إلى السلطان ، وكانت هناك شرذمة من الأراذل الذين سخروه لهذه المهمة الخسيسة قد أشعلوا نار غضب السلطان على السيد الجليل سليل أهل البيت عليهم السلام ، فأمر الجلاد بقتله بصورة بشعة ، إذ جردت ثيابه وضرب بالسياط الشائكة حتى انتثر لحم بدنه الشريف الطاهر ، وذلك في سنة 1019 ه على
(406)