البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

قراءة في كتاب «نظرية عدالة الصحابة» مؤدّاها ونقدها

الباحث :  د. سعيد يعقوب‏
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  2
السنة :  السنة الاولى صيف 1417هج - 1996 م
تاريخ إضافة البحث :  March / 24 / 2015
عدد زيارات البحث :  1551
قراءة في كتاب «نظرية عدالة الصحابة» مؤدّاها ونقدها
د. سعيد يعقوب‏ (*).
تنبع أهميّة هذا الكتاب، الصادر عن «شركة شمس المشرق» في بيروت، للمحامي محمد حسين يعقوب، من أهمية ارتباط حياة الصحّابة بالعقيدة الإسلامية ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن سلوكهم أصبح جزءاً من العقيدة بمجرد رضى رسول اللَّه(ص) عن هذا السلوك، وإن سكوتاً، بحيث دخل هذا التصرف في مصطلح السنة النبوية.
لقد ترتب على الفكرة التي ترى أن كل الصحابة عدول نتائج مهمّة أدّت إلى بروز قضايا خلافيَّة شرخت المسلمين إلى قسمين كبيرين. وبكلِّ تأكيد، لم تكن هذه الفكرة مطروحة في زمن الرسول(ص)، لأنه أبدى آراء وأطلق أحكام قيمة سلبية في بعضهم، إضافة إلى أن آياتٍ قرآنية كريمة تحدثت عن منافقين لا يعلمهم إلا اللَّه، علماً أن قسماً منهم وربما غالبيتهم، عرّفها اللَّه لرسوله(ص) بالأسماء، وهم يقيمون في المدينة المنوّرة حوله.
وهكذا لم تعد دراسة تاريخ الرِّجال ترفاً فكرياً، لأنها صارت جزءاً من دراسة العقيدة الإسلامية نفسها.
كان الصَّحابة بشراً يخطئون ويصيبون، فلا عصمة إلاَّ للنبيِّ(ص) ولمن أنزل اللَّه بحقهم آية التطهير { يريدُ اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } . وفي
________________________________________
(*)باحث سوري

[الصفحة - 281]


الصحاح عن الرسول الكريم: «يردن على الحوض رجال فيمن صحبني ورآني، فأقول: أي ربّ، أصحابي، أصحابي فيقال لي: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك».
نرى، في ضوء هذا الحديث، أن حديثاً مثل الحديث التالي، «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» موضوع لهذا لا بد من البحث في نظرية عدالة الصحابة من كل جوانبها حفاظاً على نقاء السنّة النبوية الشريفة، ناهيك عن الأمانة التاريخية، وصولاً إلى تفسير الأسباب الكامنة وراء قضايا الخلاف في الإسلام التي برزت مباشرة بعد التحاق النبي الكريم بالرفيق الأعلى. ومن هنا تأتي أهمية دراسة كالتي بين أيدينا، وهي تبحث في نظرية عدالة الصَّحابة.
تعني فكرة «عدالة الصحابة» تساوي جميع أصحاب رسول اللَّه(ص) في العدالة، وهذا المصطلح يؤدي، في ما يؤدى إليه، إلى أن كل أولئك صادقون تقاة مجاهدون الخ..، فالقاعد كالمجاهد، ومن أسلم عن قناعة كمن أسلم يوم الفتح، ولم يجد ملاذاً إلا الإسلام، والعاصي كالمطيع، ومن كان طفلاً حين وفاة الرسول كمن رافقه وسمع منه ودافع عن الإسلام..
ويتساوى، بهذا الاعتبار، وحشيّ مع حمزة، أي يتساوى القاتل والقتيل، تماماً كما يتساوى الصحابة جميعهم من دون تمييز، فيكون أبو سفيان وأبو العاص الذي لعنه الرسول، وابن أبي سرح الذي أهدر الرسول دمه.. صحابة يتساوون مع الصحابة الذين آمنوا وجاهدوا وقام على كواهلهم صرح الإسلام. لهذا يقترح المؤلف أن يقسم الصحابة إلى فئتين:
الأولى تشمل من يطلق عليهم أفاضل الصحابة، وهم الذي قام على كواهلهم صرح الإسلام بما في ذلك نصرة النبي بالمال والروح، حتى انتقلوا إلى جوار ربِّهم، وهؤلاء لا شك عدول.
الثانية بقيَّة الصحابة مع ما يوجد بينهم من تفاوت لا يعلمه إلا اللَّه.. وإن كان بعضه ظاهراً. فالمنافقون بعضهم معروف. وقد تعرض الرسول إلى محاولة اغتيال من قبل اثني عشر منهم، ورفض إعدامهم لأنه لم يرد أن يقول الناس: إن محمداً يقتل أصحابه.
________________________________________

[الصفحة - 282]


إن فكرة التفاضل ليست غريبة على القرآن الكريم فقد جاء: { ولقد فضَّلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبوراً } أو { لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، وأولئك أعظم درجة } ، ومنهم من أقيم عليه الحد إن في زمن الرسول أم في عهد خلفائه الأربعة.
ينطلق الأستاذ يعقوب من نقض هذه النظرية: «العدالة الشاملة»، ويرى أنها من اختراع رجال السياسة، القوها في روع العامة خدمة لأغراضهم، ووصلوا بها إلى درجة أن من ينتقد الصحابة يحكم عليه بالخروج عن الدين، فلا يؤاكل ولا يشارب ولا يصلى عليه عند الوفاة.
ليس من شكٍّ في أن نظرية عدالة الصحابة لا تستقيم مع المنطق القرآني، ومع واقع الحال في ذلك الزمان. وإذا رجعنا إلى عشرات الآيات التي تتحدث عن واقع الرسول(ص) في المدينة المنوَّرة نجدها تتحدث بلهجة عنيفة عن أناس صحبوا الرسول بكل تأكيد وينطبق عليهم تعريف الصحابة.. كما أن مقولة عبداللَّه بن عمر: «نحن مع من غلب» والتي قالها بعيد موقعة الحرة في المدينة المنورة سنة 63هـ، جاءت على أثر مجزرة ذهب فيها المئات من الصحابة على يد الجيش الأموي الذي يقوده صحابي هو مسلمة بن عقبة موجهاً من قبل يزيد بن معاوية الذي لا بد أن تطبق عليه تلك الصفة أيضاً وعلى والده الذي يقول ابن هشام في سيرته (ج‏3 ص 235) أنه أوصى ابنه بقمع أهل المدينة إذا أراد استقرار حكمه.. وبكل تأكيد فإن الذي أمر بسب الصحابي الجليل علي بن أبي طالب على المنابر هو صحابي أيضاً (معاوية)، وهو نفسه الذي أمر بوضع الحديث عن رسول اللَّه كأول عمل للتزوير باستخدام السنة النبوية لدعم الحكم ومهاجمة أعدائه.
خطورة هذه النظرية
نُقل القرآن والحديث إلى المسلمين بوساطة الصحابة، واعتبرت أقوالهم من أوثق المصادر بعدهما، واتجهت المذاهب الإسلامية إلى الأخذ بفتاواهم عند عدم وجود نصّ في القرآن الكريم أو السنة النبوية.. يقول أبو حنيفة: «إذا لم أجد في كتاب اللَّه ولا في
________________________________________

[الصفحة - 283]


سنة رسول اللَّه أخذت بقول أصحابه، فإذا اختلفت آراؤهم في حكم الواقعة آخذ بقول من شئت وادع من شئت..». وهكذا أصبحت تلك الأقوال عند الجمهور جزءاً من أصول التشريع ووصل بهم بعض الجمهور إلى العصمة تقريباً وإلى التقديس.
وبالمقابل نجد الأئمة من آل بيت النبي يقولون: «إذا حدثنا لا نحدث إلا بما يوافق كتاب اللَّه، وكل حديث ينسب إلينا لا يوافق كتاب اللَّه فاطرحوه».
يعرض المؤلف، في الفصل الثالث، نماذج من الصحابة عند الفريقين المتصارعين: الإمام علي(ع) ومعاوية. وفي هذا المجال يقوم بجهد كبير لتحليل شخصي في سيرة كل منهم لاستنتاج عدالته من عدمها. ويصل أخيراً إلى نتائج مؤداها أن كل الصحابة الذين كانوا مع الإمام علي عدول بمقاييس العدالة، حتى أن طلحة والزبير أعلنا توبتهما قبيل بدء معركة الجمل.
جذور نظرية العدالة
يرى المؤلف أن الصراع القبلي، بين البيتين الأموي والهاشمي، كان قائماً ولم يوقفه ظهور الرسول الكريم(ص) في الفرع الهاشمي بل أدى إلى تسعيره، إذ حاول الأمويون وخلفاؤهم اغتيال رسول اللَّه(ص) في فراشه، وبالمقابل أيّده غالبية الهاشميين ونصروه. وكان عصر النبوة هدنة قبلية عاد الصراع بعدها إلى أشدّه، واتخذ قرار قبلي يشمل غالبية من هم ليسوا هاشميين بمنع الخلافة عن آل الرسول، بحيث صارت الخلافة ملكاً غنيمة يأكلها الغالب وحده بدل أن تكون نظاماً إلهياً.
أما الجذور السياسية للنظرية فتتعلق بمسألة وحدة المسلمين تحت ظل خليفة مهما كان نوعه، حتى أن الخلافة العثمانية اعتبرها كثير من علماء المسلمين خلافة (وإن لم تكن نبوية كما يسميها أبو زهرة). ومما يجدر ذكره أن التوارث السياسي أورث تقاليد باطلة كان يظن أنها من الإسلام، ومثال ذلك عندما منع عمر بن عبد العزيز سبَّ الإمام علي على المنابر اجتمع بعض أئمة المساجد ظانين أن الخليفة الأموي يبطل سنة نبوية.
________________________________________

[الصفحة - 284]


مقومات النظام السياسي في الإسلام‏
ينطلق الكاتب من أن ما تثبته النصوص الصحيحة يفيد أن اللَّه سبحانه نصّ على شكل هذا النظام قبيل رحيل الرسول إلى الرفيق الأعلى، وقد تم ذلك بالتعيين المباشر للإمام على بن أبي طالب في حديث الغدير المشهور. فلا بد من أن تكون هناك صلة بين الحاكم وبين العقيدة، وبالتالي فإن العقيدة هي قانون الحكم الأساسي في هذه الدولة الإسلامية وإلا فكيف يمكن إطلاق هذه الصفة عليها؟ لقد اتفق جميع دارسي التاريخ الإسلامي على أن مرحلة ما بعد الخلافة الراشدة أصبحت ملكاً عضوضاً، أو بالأحرى حالة من حالات الحكم الفردي، لا يحكم في الدولة بالقانون الإسلامي بل بمزاج الملك وحاشيته.
والواقع أن الأستاذ يعقوب يعتبر أن اللَّه طرح الخيار، وعندما جاء الرفض، بعيد وفاة الإمام علي(ع) لم يجبرهم اللَّه على ذلك، وإنما تركهم لخياراتهم ونتائجها.
نشوء النظرية وجذورها الفقهية
إن تولي بني أمية للسلطة كان لا بد أن يرافقه تسويغ ديني. وهكذا ظهرت نظريات الأرجاء والجبر والتفويض والتصوف، بما في ذلك عدالة جميع الصحابة. وهكذا تبدو المسألة واضحة في دعم معاوية بن أبي سفيان، بكل ذلك الكم من الأحاديث الموضوعة، على مثال «من آذى صحابياً فقد آذاني». و «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وغيرهما كثير.
وبما أن الجمهور يعتقد أن الصحابة كلهم في الجنة أصبحت سيرتهم، عملياً، جزءاً من الإسلام، فصاروا المصدر الثالث للتشريع، وتعتبر آراؤهم عملياً أهم من القياس عند رؤساء المذاهب الأربعة. لهذا سلطت الأضواء على بعض الصحابة حتى صارت أحاديثهم تقترب من قدسية القرآن. ومن هؤلاء أبو هريرة الغني عن التعريف، والذي دفعه الأمويون إلى الواجهة ليبادلهم دعماً بدعم حتى أصبحت الدولة نفسها هي الشرعية الإسلاميَّة في ظل غياب وسائل الأعلام وسيطرة القمع واستشهاد الأئمة أو محاصرتهم. وهكذا أصبح المعارض خارجاً عن الإجماع وزنديقاً وكافراً ومهدوراً دمه.
________________________________________

[الصفحة - 285]


هذا ما استقر في أذهان العامة، أما العلماء فقد جهدوا، «حفاظاً على الإسلام في رأيهم» لتسويغ كل ما جرى عبر الاستظلال بهذه النظرية. وهؤلاء لم يقصروا في محاربة التشيع كما يمكن أن نلاحظ في فتاوى الكثيرين منهم.
هذه النظرية تجعل كل من شتم صحابياً زنديقاً، وتتجاهل في الآن نفسه أن الإمام علي(ع) شتم عشرات السنين بأمر من السلطة، فلماذا لم يحكم عليها بالزَّندقة؟ وهي بأقطاب الحديث فيها ترفض الرواية عن أي متهم بالتشيع (ليس كل المحدثين طبعاً) وخاصة الأئمة، وجعفر الصادق بالتحديد. ثم أنهم يتلاعبون بمتن الحديث حين يتعلق الأمر بوجود اسم الإمام علي في أية مسألة إشكالية.
وعلى سبيل المثال، فإن البخاري روى عن الحكم عمر بن سعد ووصفه «بأنه تابعي ثقة روى عنه الناس»؛ وذلك على الرغم من أنه ساهم في قتل الحسين(ع) في كربلاء. والذي يصل إلى درجة القتل لا يمكن أن يتورّع عن الكذب على رسول اللَّه.
أخيراً، يصل المؤلف إلى تحليل أسباب منع الخلافة النبوية عن الإمام علي، كما أوصى بها رسول اللَّه، وهو في هذا السياق يروى كثيراً من الأحداث التي أصبحت معروفة وتعتبر من صميم التشيع عبر ما ورد عنها في كتب الجمهور تحديداً.. معتبراً أن قريشاً منعت آل النبي من حقهم باتفاق بينها. وهو يضرب لتأييد وجهة نظره الأمثلة التاريخية المعروفة. ثم يصل في الختام إلى القول:
لقد بايع الإمام علي الخلفاء الذين سبقوه ونصح لهم ما وسعه النصح، وقال سمعاً وطاعة حتى لا ينقلب الناس عثاراً يضرب بعضهم رقاب بعض، وبعد علي آثر الناس السلامة وتحسسوا رؤوسهم، وقالوا مع ابن عمر: «نحن مع من غلب»، بحيث صارت حكماً شرعياً لدى الجمهور (السنة) وبقي قلة من الناس يؤمنون بما نبت لهم بأنه الحق في مسألة الخلافة وأصبحوا شيعة علي، معتبرين أن الحق معه يدور حيث دار، مؤمنين بالثقلين (القرآن والعترة) كما قال النبي، وقد ألصقت السلطات الحاكمة التهم بالشيعة حتى صارت كالحقائق لدى الجماهير، ولكن من يعرف الحق لا بد عائد إليه.. وتظل وحدة المسلمين غاية المؤلف كما أكّد عليها كهدف أساسي للكتاب.
{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } .
________________________________________

[الصفحة - 286]

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف