البحث في...
عنوان الحوار
إسم المحاور
إسم مجري الحوار
المصدر
التاريخ
ملخص الحوار
نص الحوار
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

October / 27 / 2020  |  1344مقتضى علم الاستغراب دراسة تخصصية لماهية الغرب وهويته

الحوار مع :د. أحمد رهنمائي
مقتضى علم الاستغراب  دراسة تخصصية لماهية الغرب وهويته

يُؤكِّد الباحث الدكتور رهنمائي أنّه إذا أردنا أن نفهم ماهية الغرب، وهويّته، يجب أن نبدأ بالبحث والدراسة والتحقيق منذ بداية تشكّل الثقافة والتاريخ في الغرب، ولا بدّ من استشراق مستقبل الغرب ونهايته، بالاستناد إلى الواقع الحالي، كمنطلق لفهم مستقبل الغرب ونقده.


* كيف ترون المسير الأوّليّ للمشروع المسمّى بـ «نقد الغرب» وكيفيّة تقدّمه؟ وبعبارة أخرى، كيف يمكن إدارة هذا المشروع كي يطوي سيره المنطقيّ ويصل إلى النتائج المطلوبة؟

عندما نريد دراسة ظاهرة ما وتحليلها وفهمها، فلا بدّ لنا من ملاحظتها كحالة متكاملة، والمراد من ذلك أن نقوم بدراستها بلحاظ نقطة بدايتها، ونهايتها، ومسير حركتها، وأعتقد أنّه يجب ملاحظة هذه الحالة عند دراسة الغرب. وعلى هذا الأساس، فإنّنا إذا كنّا نريد أن نفهم ماهيّة الغرب وطبيعته وهويّته بشكل تحقيقيّ، وأن نبحث الآثار والنتائج المترتبة على الغرب، وأن ندرس كيفيّة ظهوره، ونقاط الضعف والقوّة التي كانت موجودة فيه؟ فلا بدّ من ملاحظة هذه الحالة منذ بداية تَشكُّل الثقافة والأدب والتاريخ في الغرب، ومن ثم نتحّرك معها تاريخيًّا إلى أن نصل إلى الوقت الحالي، بحيث نجعل من الزمان الحاليّ مُنطلقًا نستشرف على أساسه مستقبل الغرب ونهايته. وعلى أساس هذه المحاور الثلاثة يمكن الوصول إلى منهج خاصّ في نقد الغرب.

وطبقًا لهذا المنهج، فإنّ السؤال الأوّل يدور حول زمان ظهور الغرب بعنوان «الغرب»؟ وللجواب على هذا السؤال لا بدّ لنا من الرجوع إلى آراء المحقّقين والمؤرّخين الغربيّين أمثال: ويل ديورانت وهنري لوكاس وغيرهما. وطبقًا لآراء هؤلاء فإنّ تاريخ الغرب يرجع إلى 1600 سنة قبل ميلاد المسيح. ولم يُقدّم لنا المؤرّخون معلومات حول الأحداث التي جرت قبل ذلك التاريخ، إلّا أنّه لا حاجة لنا إلى تلك المعلومات. وعلى هذا الأساس فإذا جمعنا 1600 سنة قبل ميلاد السيد المسيح عليه‌السلام، و2018 سنة التي تلت ولادة المسيح، يكون المجموع 3618 سنة، وهذا يمثّل مجموع كلّ تاريخ الثقافة الغربيّة التي ينبغي لنا تحصيل معلومات عنها. ولا شكّ أنّه ليس هناك من ضرورة لتحصيل هذه المعلومات بشكل تخصّصيّ، بل يكفي بالمقدار الذي يجعلنا نفهم الخلفيّة الثقافيّة والاتجاه الحاليّ الحاكم على الغرب، والتنبّؤ بالمستقبل الذي ينتظر الغرب. ولا شكّ في أنه يجب في هذا السبيل ملاحظة كلّ أبعاد هذه الحالة.

وبناءً على ما ذكرناه، فإن المرحلة الأولى ترجع إلى «عهد الغرب القديم»، ومن خلال نظرة مقارنة فإنّنا لا نجد عندنا مرحلة تتميّز بأنّها «الإسلام القديم»، ولا شكّ أنّه يمكن تقسيم تاريخ الإسلام إلى عصور مختلفة. كما أنّه يمكن من منظار إسلاميّ اتخاذ منهج نقديّ تجاه الغرب القديم، ذلك الغرب الذي عاصر دين النبيّ موسى عليه‌السلام، إلّا أنّه لم يأخذ منه أيّ لون أو طعم، وإذا كان قد بحث أحياناً عن علّة علل خلق العالم، فإنّه لم يصل إلى إله الأنبياء، بل كان يسمّيها أحياناً علّة العلل، وأخرى المحرِّك الأول، و... ؛ لذا فإنّه يمكن اتخاذ منهج نقديّ من هذه النقطة، حيث إنّه بناءً على أفكار الغرب القديم يمكن أن لا يكون للعالم خالق، وإنّما وُجد بحسب قانون التحوّل أو الديالكتيك من الأطروحة والطباق والمركّب (الإثبات والنفي ونفي النفي).

وأمّا بالنسبة إلى وجود مُرشد للإنسانيّة، فيعتقد الغرب القديم أنّ الإنسان لا يحتاج إلى مُرشد مرتبط بالوحي. فليس للوحي دخالة في تنظيم المجتمعات؛ لأنّ الحجّيّة للعقل والفكر والتجربة والحس فقط؛ ولهذا فإنّني أعتقد أنّ الشروع بنقد الغرب يمكن ملاحظته مع بداية ظهور تاريخ الغرب وثقافته، ومن ثمّ يمكن المضيّ معه ضمن إطاره التاريخيّ، وصولاً إلى مستقبل الغرب أخيراً.

* في مقام معرفة الآفات، كيف يمكن دراسة المسيرة الإسلاميّة في معرفة الغرب ونقده؟.

لا شكّ أنّنا ـ للأسف الشديد ـ  لم نقم بعمل يُذكر لمعرفة الغرب بالقياس لما تمّ إنجازه في مجال معرفة الشرق؛ بل ثمّة اليوم تخصّص علميّ باسم الاستشراق Orientalism، فقد عمل الغرب على مدى أكثر من أربعمئة عام في مجال معرفة الشرق ودراسته بنحو تفصيليّ، وقد ألّف المستشرقون في هذا الصدد كتبًا كثيرة أيضًا. وأغلب هذه المؤلّفات هاجمت الإسلام ووضعته في موضع الاتهام.

 وعلى الرغم من أنّه كان وما زال للمسلمين احتكاك كبير مع الغرب؛ إلّا أنّ معرفة الغرب ودراسته لم تأخذ طابع التخصّص العلميّ حتى الآن، وثمّة كثير من العلماء اليوم في المجتمع الغربيّ يُعرفون بأنّهم أساتذة في الاستشراق، أو يحملون شهادات دكتوراه في الاستشراق، بينما لا نملك في المقابل تخصّصًا حتى بمستوى الإجازة في دراسة الغرب. وثمّة كثير من شباب المسلمين قد اجتذبتهم أمريكا والدول الغربيّة، على الرغم من أنّهم يعلمون بالظلم الذي تمارسه بحقّ الدول الإسلاميّة. وهذا يرجع إلى جهلهم بماهيّة الغرب والفكر الغربيّ، فهم إنّما يشاهدون بريقه وأضواءه فقط؛ لذا فإنّ التحدّي الأوّل الذي يواجهنا في مجال دراسة الغرب هو أنّنا لم نفعل شيئاً، فكتب المسلمين المفيدة في مجال معرفة الغرب لا تتجاوز الخمسين مجلدًا، وهي تعالج مسائل محدودة وقليلة.

ذهبت في عام 2000 م إلى مكتبة السويد التابعة لجامعة لندن، وقد كانت تحوي ما يقرب من مليون كتابٍ حول معرفة الشرق وإفريقيا، وقد سألتهم عن عدد الكتب المتخصّصةبدراسة الشرق، فقال المسؤول في المكتبة: إنّ ثمّة ما يقارب الثلاثمئة ألف كتاب يرتبط بالشرق. وأنا أحدس أنّ أكثر من نصف هذه الثلاثمئة ألف كتاب ترتبط بالإسلام.

ومن هنا فإنّنا نحتاج في الخطوة الأولى إلى مراكز أبحاث لدراسة الغرب تتصدّى لها الحوزة والجامعة، وأعتقد بلزوم وجود معهد متخصّص بدراسة الغرب. والتحدّي الثاني هو أنّ المسلمين يملكون روحيّة هجوميّة ضعيفة في وجه الهجمات الثقافيّة للغرب، فعندما يقع الهجوم، فلا بدّ من القيام بهجوم في مقابل ذلك. كما أنّه في قبال الغارة الليليّة لا بد من القيام بغارة ليليّة، وفي قبال الناتو لا بدّ أن يكون هناك ناتو، وفي قبال الاختراق لا بدّ من القيام باختراق. وهذا يتمّ فهمه على مستويات أربعة للهجوم الثقافيّ والغارة الليليّة الثقافيّة والناتو الثقافيّ والاختراق الثقافيّ. وبناءً عليه فإنّ الأمور التي لا نفتقدها تعتبر تحدّيات أمامنا، فعدم وجود المصادر الكافية، وعدم وجود الأساتذة الذين نحتاج إليهم، وفقدان الهيئة العلميّة، وفقدان الإمكانيّات اللازمة، وعدم إعداد الأساتذة؛ تعتبر من أهم الآفات الموجودة. فنحن نواجه تحدّيات من قِبَل أنفسنا حتى قبل أن يضع الغرب تحدّيات وعوائق أمامنا، وكأنّنا قد أقدمنا على الانتحار من شدّة الخوف من الموت. وهذا الذي تحدّثنا عنه يُمثّل التحدّيات الداخليّة. ومن جملة التحدّيات الخارجيّة ثمّة دعايات وسائل الإعلام الغربيّة. وفي الواقع فإنّ هذه المسألة قد تجاوزت حدود التحدّي، وتبدّلت إلى آفة حادّة مُهلكة؛ حيث إنّ إدارة المجال المجازيّ لا تقع تحت أيدينا، فنحن نملك وسائل كثيرة لبناء الإنسان، ولكنّنا لا نملك الأدوات الكافية لنشرها، فإحدى التحدّيات الحادّة التي تواجهنا من طرف الغرب عبارة عن تحدّي تسخير أنواع وسائل الإعلام الشاملة لوسائل الصورة والصوت. ومن هنا، فقد استطاعوا إيقاع الفتنة بسهولة بواسطة التلغرام، وسببوا الاحتكار والغلاء بواسطة الصحون اللاقطة. وهذا واحد من التحدّيات الجدّيّة، إلّا أنّنا لم نفعل شيئاً لمواجهة هذا التحدّي.

هل المواجهة الانتقائيّة مع الغرب صحيحة وممكنة؟ بمعنى أنّه من خلال الفصل في الآراء والآثار والمنتجات الغربيّة إلى مجالين «جيّد» و«سيّئ»، فنقول حينئذٍ إنّنا نأخذ ما كان مرتبطاً بالغرب الجيّد، ونتجنّب ما يرتبط بالغرب السيّئ؟.

يرى بعض الباحثين أنّ جميع الظواهر الغربيّة، حتى الصناعات والاختراعات الغربيّة؛ هي أمور سلبيّة، وهذا الموقف غير مقبولٍ؛ لأنّه لا بدّ من التحقيق والبحث وملاحظة أنّ ما يتمّ إنتاجه اليوم في الغرب هو نتيجة أيّ نوعٍ من الفكر، كما أنّ قضيّة عدم الاستفادة من هذه المنتجات تبدو أمراً محالاً. والاتجاه الآخر يرى أنّه لا مانع من الاستفادة من جميع هذه المنتجات والاختراعات، وأنّ علينا إهمال جانبها النظريّ. وهذا الاتجاه خاطئ، ولا يليق بالأمّة الإسلاميّة التي تسعى نحو التطوّر وإحياء حضارتها. ويستفيد بعض الناس من هذه المنتجات ويفتخر بالغرب ويعتز به في الوقت نفسه.

 والحلّ الآخر أن نستفيد من ذلك ونقوم بتفريغ المنتجات من حملها الثقافيّ. وبعبارة أخرى، أن ننتبه إلى ضرورة أن لا يكون المُنتَج الذي نستعمله حاملاً للثقافة الغربيّة، فبعض المنتجات حاملة للثقافة الغربيّة بشكل تامّ، ومنها دمى العرائس التي ينتجها الغرب مثل دمية باربي، أو الآلات الموسيقيّة الغربيّة التي يتمّ عزف موسيقى الألعاب عليها، وكذلك بعض الكتب والقصص الحاملة للثقافة الغربيّة بنحوٍ تامّ، ولكن ثمّة بعض المنتجات الغربيّة التي يمكن الاستفادة منها مثل الأدوات المنزليّة، وإن كان على المسلمين أن يحملوا شعار الاكتفاء الذاتيّ والاستهلاك الداخليّ، بحيث يمكن من خلال ذلك رفع بعض مشاكل المجتمع الإسلاميّ، من قبيل مشكلة البطالة.

وأعتقد أنّ ذلك النوع من المنتجات الغربيّة الذي لا يحمل خلفيّة ثقافيّة يجب أن تتمّ هندسته من قِبَل المهندسين والخبراء المسلمين بنحوٍ معكوس. وفي الواقع فإنّني أتوقّع أنّه بعد خمسين عاماً لن يكون ثمّة فوارق مهمّة بين الدول من جهة التطوّر، فالتطوّر سوف ينتشر بنحوٍ واسع، وسوف يستنسخه الجميع، وسوف يصل كلّ واحد إلى الاكتفاء الذاتيّ بحسب احتياجاته. ومن هنا، فلن يكون ثمّة إحساس بالسيادة والريادة لأيّ دولة. وكمثال على ذلك، فإن اليابان كانت قد امتلكت الريادة بنحو كبير في صناعاتها. ولكن ثمّة كثير من الدول، مثل كوريا الجنوبيّة والصين والفيليبين وماليزيا وتايوان تنتج حاليًّا كثيرًا من التكنولوجيا التي تفوق منتجات اليابان، وقد سُحبت منها الريادة. كما أنّ شركات صناعة الطائرات مثل الإيرباص بدأت تفقد ريادتها. وفي مجال علم الذرّة فإنّه لا بدّ من العمل على سحب الريادة من يد الدول العظمى. وكذلك في المسائل الاعتباريّة، ومن جملتها مسألة النقد (المال)، فإنّه لا بدّ من كسب الريادة في ذلك. وعلى هذا، فإنّ وظيفتنا الأصليّة هي سحب الريادة من الغرب في مجال التكنولوجيا والعلوم الإنسانيّة.

ولا زالت جامعات المسلمين تقوم بتدريس الكتب المترجمة في علم النفس الغربيّ منذ 22 عامًا، وقد أهملوه هم أنفسهم منذ فترة من الزمن. لم يكن للمسلمين إنتاج في ذلك، وقد استسلموا أمام ريادة العلوم الإنسانيّة الغربيّة، وإذا تمّت استعادة هذه الريادة منهم، فإنّه لن يواجهنا أحد حينئذ. ولكن بما أنّنا لا نعمل، وليس لنا الصبر الكافي على ذلك، وبما أنّنا نخاف أحيانًا أخرى، فقد أصبحنا مضطربين، ونخضع لقوانينهم ونظريّاتهم. وبناءً على هذا، فالبحث حاليًّا لا يدور حول المنتَج الغربيّ الذي نأخذه والمنتَج الغربيّ الذي نرفضه، بل البحث الأهمّ هو أنّه كما أنّ إمكانيّة التطوّر كانت بين أيديهم في مختلف المجالات، فإنّ إمكانيّة التطوّر موجودة عندنا أيضًاً. فالمسلمون يتمتّعون بذلك الاستعداد نفسه، مضافاً إلى أنّ إمكانيّات المسلمين حاليًّا تفوق إمكانيّاتهم في أيّ وقت مضى.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف