البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الحريات الفكرية في الاسلام تأصيل ومقارنة

الباحث :  د. محمد البشير الهاشمي مغلي
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  11
السنة :  السنة الثالثة خريف 1419 هجـ 1998 م
تاريخ إضافة البحث :  January / 22 / 2015
عدد زيارات البحث :  1713
الحريات الفكرية في الاسلام تأصيل ومقارنة

د. محمد البشير الهاشمي مغلي
منهاج التحرير ليس ثمة من هو اكثر وعيا بحريته من الانسان، فالحرية هي احدى خاصيات التكريم الالهي فيه، وان كان الحيوان هو ايضا قد خلق طليقا فانه مسخر لخدمة الانسان، الذي يسال عن حبسه وتقييده بما يتعارض ومفهوم التسخير، ويؤيد ذلك الحديث الشريف الوارد في تلك المرأة التي دخلت النار في قطة حبستها.

وغير بديهي ان المرء يولد حقيقة حرا في المجتمع! وان بدا طليق الرسغين والكعبين، كما تلوح اليه مقررات دوي الصرخة القديمة: ((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتكم احرارا))في اشارة الى الثورة على حيف الاغلال المادية وحثيث الدعوة الى كسر السلاسل الحديدية.

ولكننا نجده، عند التأمل العميق، مطوفا منذ عطاسه الاول بشبكة عريضة من المكبلات الاجتماعية، راسفا في ضروب من العادات والتقاليد والاعراف، واقعا في اسر قيود معنوية كثيرة، رازحا تحت نير كلكل من مؤثرات داخلية وخارجية شتى..

فيجيء الاسلام لينتشله من وهدة الرسوف في رق استعبادي عريق، وذلك بافراده ليس فقط بالحق في كامل الحرية التكريمية، ولكن ايضا وهنا المائز القوي بنجدة الانسانية المعذبة بمنهج التحرر التكريمى الحق، اضافة وهنا الخصيصية المتفردة الى اساليب الحفاظ على ديمومة مكاسب الانعتاق دون غبن، ليشمل سكان المعمورة قاطبة.

(الصفحة – 245)


كل ذلك في صدوف عن مجرد الاكتفاء بالإعلان النظري او الاستهلاك الاعلامي او التبجح بعارض التصريح الدعائي المتأخر والموسوم بالعالمي!! بيد ان اكثر الاحرار تمتعا بحريته في الدنيا واكر مستكرم بها هو من لا يخضع فيها على الاطلاق الا لسيد واحد. وليس ذلك يرشح لذي بصيرة غير المسلم الذي حرره مفهوم التوحيد في اجلى صوره وارقى معانيه، على نحو ما تلخصه عبارة التهليل الرائعة التي تسوق شهادة رمزية الاعتقاد الاصلي، والتي انطوى الشق الاول منها على نفي كلي لزيف اجناس المستعبدين ورفض كاسح لجميع عوامل الاستعباد. ليستقل الاثبات في الشق الثاني بحقيقة ربوبية السيد المحرر الاوحد وبنفوذ مطلق الاقرار بالوهية واهب التحرر...فالكل له بها عبيد احرار.

واحر بها اذن من شهادة تلقن علم الحرية: وفن التحرر ومنهاج التحرير بلا منازع:

نطاق الحرية يأبى التصور الاسلامي حرية بهيمية سائبة، سيما وان الدين الحنيف يدعو الى حرية تكريمية مسؤولة مهذبة، ويرى ان الحرية بلا حدود وهم بحرية زائفة. والواقع انه لا توجد حرية مطلقة في العالم! وانما هناك نسب متفاوتة في الحريات من حيث السعة والبعد الانساني ودرجة التحضر. ويصدق، في هذا الصدد، قول الفيلسوف الالماني ليبنتز (1676 آ1716م): ((ان اللّه وحده هو الحر الكامل. اما المخلوقات العاقلة فلا توصف بالحرية الا بقدر خلوصها من الهوى)).

هذا، وحرية بلا حدود تقلب في عبودية اوسع، ورسف في رق اشمل، بل هي تنويع في الكوابل وتلوين للقيود، او هي تمديد في سلاسلها.. ومعلوم ان التمديد في سلاسل القيد قد يوهم بالحرية، ولكنه لا يحرر مهما اتسعت فضاءات الحرية ((الموهومة)).

ثم ان الحر بطبعه لا يقيد نفسه، فلا يتجه تلقائيا الى التقليص من الحرية، بل تراه في مطمحه يهفو الى الاستزادة منها سجية... وانما هو يتقيد بالاملا والالزام. والقيد حد من السيادة، وبقدر الانتقاص منها يكون الاستعباد وتحل التبعية.

(الصفحة –246)


فاذا كان واضع القيد بشرا، وصيغ ذلك في دساتير او قوانين او انظمة.. كان ذلك بنحو او آخر، رقا بين الناس بشكل منظم او مقنن،يضعه او يسنه الاقوى للاضعف. فهو لا يخرج عن مفهوم العبودية مهما تطور اطار الاستعباداو دخل التنميق على المسميات.

اما اذا كان واضع القيد الاله، سبحانه، اضحت العبودية تكريما لا يلبث ان يتحول بالوعي الايماني الى عبادة حرة.

ولننظر هنيهة في امر القيود بمجهر الاداة الدقيقة التي تمنحها لنا شهادة التوحيد: ف((لا اله))استثنا لصنف واحد من القيود، وتلك القيود موضوعية ثابتة مقبولة محررة تكريمية، من تدبير الخالق تعالى. وهي في الحصيلة منعشة للحرية واقية لها، جامعة مؤلفة للاحرار.

هذا، وقد يكون الانسان حرا وان بدا مكبلا بالقيود الى الاذقان، اذا كان شعوره يفيض بمبادىء الحرية وقيمها ومثلها فيضا حسينيا او بلاليا او ياسريا، لغلبة الروح على المادة.

وقد يكون كذلك في الظاهر حرا طليقا من كل قيد مادي، ومع ذلك نجده في الحقيقة واقعا في اسر قيود لا مرئية كثيرة، مطاطئا لشهوات عديدة، تستعبده اهواء شتى وتسترقه اغلال اجتماعية تجتاح روادع العقل ووازعات الضمير وزواجر الراي العام وقوارع الدين وتخترق معالم الانسانية فيه، لتنساب في دوابية احط من الحيوانية العجماء.

في ضوء ذلك نفهم السر الذي من اجله آثر يوسف الصديق (س) في ابا وكبريا ان يكون حرا في سجن العزيز على ان يظل عبدا في فصر الملك. ومن قبل كم من اسير حرب كان الاسر في الاسلام يعز عليه ويود لو انه يفيده ((بحريته)) في غيره! ذلك ان ابلغ معاني الحرية ما ارتبط في دعمها بالقيم لا ما ارتطم في دحضها بالارادات والتحكمات والقهر.

(الصفحة –247)


الحريات الفكرية في الاسلام يجدر التذكير ههنا باطار المبادىء الاسلامية التي ننطلق مها حين الحديث عن الحرية الفكرية ، وآنها لم تكن انتزاعية كما في الغرب. او انها جاءت استجابة لتطور تاريخي، او ثمرة نضالات مريرة او مثخنة بحربين عالميتين، او اعقبت محاكم التفتيش... كلا، بل هي لم تبرح قط من مستلزمات العقيدة ومقررات الدين اساسا.

ذلك ان نجدة الاسلام الرئيسية الاولى للانسان تتمثل في حرية الاعتقاد، حين ازاح من امامه، في منهج اكتساب عقيدته، جميع العوائق والعقبات التي تقف دون اختياره الحر، وان كانت معنوية او انتصبت بنحو غير مباش. والجميل انه لم يستعجله التبة في تحصيلها. وانما اشترط فى نتيجتها جدية ان يكون الالتزام رديف اليقين كيلا تذهب ثمرتها العقلية هدرا في مجتمع عقائدي حر، والا تظل حكرا على صاحبها او حبيسة معتنقها. بل تراه اوجب مبدا التحرير بعد التحرر ايمانا منه بان الانعتاق لا يكتمل الا بالعتق خدمة لمبدا آخر يقضي بوجوب الاقناع بعد حصول الاقتناع في غيرية خيرية عالمية دفاقة نستلهمها بيسر وغزارة من الحديث الذهبي الشريف: ((لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه)). وهذا قاض بجهاد مقدس في تحرير الاخرين بعد اكتمال التحرر الذاتي، اذ لا جدال في ان فاقد الحرية لا يعطيها. وبتوخي الاقتضاب نقول في لمس تحليلي للخواطر:

1- حرية الراي:

ان حرية الراي اذا كانت هادفة تكشف عن زاوية نظر مغايرة يثرى بها الراي ويزداد سدادا، ويتعزز بها العقل وتتربع الحكمة وتنمو الملكات، فاي ضير في اطلاقها الا من قيدي العقيدة والاخلاق لضمان اسلوب التعامل الحضاري الرفيع والتحاور في كنف الاحترام المتبادل؟ ثم ان الاسلام لم يكتف بالاعلان عن المبادىء، بل انبرى الى انشا هياكل لترسيخها في النفوس والمجتمعات:

(الصفحة –248)


ا- حيث قرر بكل سبق وريادة، باعتباره دينا، وهنا المفخرة، وليس منظمة اممية او حكومة او برلمانا او حزبا سياسيا، تاسيس الشورى. وامر المعصوم(ص)، رغم ما في عصمته من غنية، باجرا المشورة ونشر تقاليد الاستشارة، طبعا على غير المنحى العصري المتعثر الذي يقف بعرجته على العلم دون الاخلاق...

ب- حيث انشا مقولة الحديث الشريف: ((اختلاف امتي رحمة)) دعما للحديث الشريف الاخر: ((ان امتي لا تجتمع على ضلالة))، وذلك انما لحق الاختلاف الحر لا للخلاف العدائي، ودفعا للاستبداد بالراي الاحادي، وحيلولة دون الاضطهاد الفكري او الاغترار باحتكار الحقيقه او ما ينجم عن الارهاب الايديولوجي او السياسي، وتفاديا لتكرار مأساة التسلط الكنيسي واضرار التعصب.

ج- ويكفي للاشارة الى الحرية السياسية في الاسلام ايراد هذه الواقعة. واضرابها درر كثيرة ترصع السجل الذهبي لتاريخ الاسلام: ((روي ان الخليفة عمر بن الخطاب قال يوما على المنبر: يا معشر المسلمين، ما ذا تقولون لو ملت براسي الى الدنيا كذا؟ (وميل راسه). فقام اليه رجل فقال: اجل! كنا نقول بالسيف كذا (واشار الى القطع). فقال: اياي تعني بقولك؟ قال:

نعم! اياك اعني بقولي وفي رواية تتكرر ((اياي تعني)) ثلاث مرات تنمية للوعي السياسي فقال عمر: رحمك اللّه! الحمد للّه الذي جعل في رعيتي من اذا تعوجت قومني))(عن الرياض النضرة: 2/50)، وتذكر بعض الروايات ان ذلك الرجل كان الامام عليا كرم اللّه وجهه.

د ثم الم يئن الاوان للمكابرين ان يعلموا ان حرية الراي في الاسلام افضت الى انشاء مناهج الاجتهاد وتعدد المذاهب وانتشار مدارس الراي وقيام علم الكلام على اساس من رحابة الصدر في الاستماع الى الاخرين، وحدت بالقرآن الكريم الى الحث على لطيف المحاججة وجميل اسلوب المجادلة (العنكبوت / 46)، هذا الذي يسمونه الان بالحواربين الاديان، ومؤخرا بين الحضارات.

(الصفحة –249)


اليس ترجيعا لصدى بعيد دوت به مثل الاية الكريمة خمسة عشر قرنا: (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم...) (آل عمران 65/)كل ذلك بعد تحرير الانسان من عقال الارث الابوي، اي من اغلال الماضي ومن ضغوط البيئة والقهر الاجتماعي واسر الهوى...

2- حرية التعبير:

وعن حرية التعبير، ولا سيما اذا كان مسؤولة في غير ما افحاش او تعبير او انتفاضية جارحة، الرائد فيها: (وقولوا للناس حسنا) (البقرة/83)، فاننا لم نر مثله يجرى عليها في الحق ويرفع عنها حواجز الخوف. وانظر بنفسك مرتبتها في هذا الحديث الشريف:

((ان افضل الجهاد عند اللّه كلمة حق تقال عند سلطان جائر)).

فقولة حق في مجابهة سلطة مستبدة تتهافت امامها جل الديمقراطيات الحزبية، بل تتساخف امامها الحصانات البرلمانية اليوم. وكان الشعار فيها بين الراعي والرعية: ((لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمعها!)).هذا، ويأبى الاسلام الحياد السلبي الذي يخنق الحق، لذا اوجب التعبير الحر تجسيد الموقف المسؤول وافصاحا عنه: (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون)(الزخرف/28)، والذي يكتمها آثم قلبه، بل هو شيطان اخرس. وحين ربط الاسلام حرية التعبير بمبدأ الحق كسر عنها ربقة الحواجز النفسية ((فلا تاخذك في اللّه لومة لائم))، ولم يقيدها ابدا بالاستئذان، بل راح يعدها من مطالب الشهادة ويحرض على التنديد بالباطل وادانة الظلم واستفظاع المنكرات لتوظيفها بفعالية ايجابية بناة.
كذلك الامر بالمعروف والمناصحة بالنقد والعتاب: ((رحم اللّه عبدا، اهدى الي عيوبي..)) وغيره مما يحسبه متحضرو اليوم تدخلا في الحياة الشخصية! ففيم التشدق اذن بزعم حرية للتعبير اذا كانت ،بعنوان او آخر، معتقلة في بعض نواحيها؟
حدود حرية التعبير:
كما تمنع مواثيق الدول القا النفايات النووية، كذلك ليس من عاقل يرضى بالقاء النفايات اللااخلاقية عليه او على تراثه، فلا يحق لاي احد ان يتحدى مشاعر الجماعة تحت اي عنوان او اية ذريعة او اي غطا من الحريات فيمس مقدساتها او يعير رجالاتها او يشوه رموزها... والا كان معتوها لا حرا بمقاييس الاحرار العقلاء!

(الصفحة –250)


وفي اللغة العربية وآداب المسلمين لا يقتصر معنى الحر على نقيض العبد او الاسير فحسب، بل يتعداه الى معنى ذلك الاصيل المتابي بالمدلول الاخلاقي الاسمي للكلمة. فهناك الممجوج من الهجا والشتم والسب والاهانة والتقبيح والبهتان والزور والاستهتار وخدش الكرامة وتلفيق التهم والميون.. وفرق بينها وبين النقد الموضوعي البناء. ولنا في ادبيات المنهج القرآني العظيم خير اسوة في نقد المعتقدات العدائية الفاسدة وتسفيهها دون ان يتعرض بالتشهير لاصحابها الا ما كان منه لتنبيه اجهزتهم العقلية العاطلة وتحفيز هممهم الراكدة تربويا نحو النهوض بانسانيتهم وترقية كرامتهم من عبادة قرد او نحت رب او تهوس من طبيعة مسخره او اقامة معبد للشيطان في اكبر العواصم في عصر الصواريخ وعابرات القارات او الركون في استقرا الغيب الى الطلاسم والسحر او التنجيم الحديث..

والسؤال: ما ذا لو تصدى ((سلمان رشدي)) بغثيانه المرضي لشخصية البابا مثلا؟ اما كان يستنفر الراي المسيحي ويتسغضب الكنائس في العالم؟ ما ذا لو لطح هراؤه هذا الحياة الخاصة برئيس دولة غربية؟ اما كان يلجا الى قانون البلاغ الكاذب لتجريمه، او الى مادة دستورية لمقاضاته في المساس بشخصية رئيس الدولة؟ اباسم حرية التعبير تنشر له الدول الاخرى هذه المنتهكات ولا تؤثر البتة على العلاقات الدبلوماسية؟ اما عن الرائج هذه الايام من فضائح بعض رؤساء الغرب، فالمنشور منها معزو الى مصادر القضاء الذي يحقق فيها.. وهي تعبير عن واقع وليست تشهيرا بمن اتاه.

3 حرية الاعتقاد حرية الاعتقاد تقررها قرآنيات نفيسة مثل: (لا اكراه في الدين) (البقرة/256) او (لست عليهم بمسيطر) (الغاشية/22) او (لكم دينكم ولي ديني) (الكافرون/6) او (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..) (الكهف / 29) علما بان اول ما افتتح به الوحي تعاليمه لم يكن مبادرة الى العبادة او التدين او الاعتقاد، بل كان دعوة الى العلم لرفع عوائق الاعتقاد الصحيح، وكان امرا بالقراءة الواعية في صفحة الكون لازالة موانع حرية العقيدة وجمع ادوات اليقين من اجل تاسيس بنا عقائدي متين مدى الحياة ملؤه القناعة المخصبة...

(الصفحة –251)


ولئن كان اللجوء السياسي حقا شبه عادي في الراهن وبشروط مختلفة ولاغراض دبلوماسية اكثر منها انسانية، فاننا لم نسمع بعد في غير شرعة الاسلام بحق الاجارة العقائدية: (وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام اللّه ثم ابلغه مامنه...) (التوبة/6)، وظل المشرك مدة ضيافة السماع بمعزل عن الارهاب الاعلامي المضاد وبمناى عن عناكب الافكار المسبقة وفي حماية المجير الى ان يبلغ مثواه متمتعا بحرية اخلى الاسلام ساحتها من جميع المكبلات. اين منها اساليب غسل الدماغ المتبادلة بين العواصم وتفننها الجائر في محاولة تكييف عقيدة الرعايا الاجانب وفق الصبغة المحلية لتبلغ القحة بهم الى الدعوة الى بلجكة الاسلام او فرنسته او امركته ؟!! اما عن ممارسة الشعائر فقد اباح الاسلام مثلا للمسلم ان يشتري خمرا لزوجته الكتابية بطلب منها لا بمبادرة او اهداء منه، مراعاة لحرية ما تراه في دينها. ولكنه يحد الكتابي اوغيره اذا تسكع في الشوارع يترنح سكرا لاخلاله بالاخلاق الاجتماعية.

ذلك ما طفقت تستصوبه الشرطة وتنفذه. فاين منها جبروت دولة غربيه تصدر نصب الحرية وهي تمنع تلميذة مستضعفة من ان ترتدي حجابها؟!
الارتداد عن العقيدة
في حوار مع قسيس بلجيكى استغضب الكنيسة بزواجه فطردته من خدماتها، سالته عن منهج اكتساب العقيدة عندهم في الغرب؟ فقال:

اي اننا ننظر اولا ثم نعتقد بعد ذلك.. عملا بمفتتح الوحي (اقرا) الذي يتيح مجالا واسعا لحرية العقل والقلب والضمير ويشرع ابوابها بما يكفي لتحصيل اليقين. ثم يكون القرار بالاختيار الارشد السيد المسؤول الملزم عن رغبة ومحبة وتفان، يزيد الاعراب عنها مع الايام بالمناضلة والاستماتة.

والفرق لائح بين المنهجين: فالردة بالنسبة الى حامل عقيدة مكبلة ضرورة حتمية وانسانية سيما مع انتفا ابرز حقوق الانسان، وهو الحرية ابتداءا. اما بالنسبة لذي عقيدة محررة منذ البدء، فصمام امان من التظاهر او التامر على هذا الاساس الحضاري الراقي في بنا الاعتقاد العلمي الحر الذي الزم المرتد به نفسه بنفسه، واشهد اللّه والناس عليه حتى اخوه مسلما .فما الداعي اذن الى ارتداده ياترى ؟ اهي ضغوط؟ ام قيود؟ ام اكراهات؟ من داخل نفسه ام من خارجها؟ فان كان التسويل نفسيا، فالجدير استتابة صادقة والقمين مراجعة مصيرية حاسمة، والمسلمون بعد ذلك ظهير في الاستنارة والاستبصار. و ان كان العامل في الفتنة من خارج، فالسانح كسر الضغوط واستكمال التحرر وقد تجند الراي العام، ما لم يكن تعنت منه في مقاومة الاستتابة، وهي مظهر حضاري في التعامل الانساني المتسامح، قد يسمونه مجازا باجراات الرحمة مع من حاول ان يتحدي المجتمع باشهار ردته خدشا في مقدساته ومغالطة في الانتماء وهتكا لمنظومه الاعتقاد!! والموقف الشرعي بعد هذا، يستدعي صرامة لا تدع مجالا للعبث او الاستهتهار: فاما نفي واما قتل. وكلاهما استئصال لوجوده من المجتمع بعد ان خرج منه اعتقادا، وهو البادىء بالتنصل.

فلا يقال بعدوان المجتمع عليه باقصائه منه. والا فاي حزب يبقي على انخراط منشق؟ ام اي جيش او حكم عسكري يستبقي في صفوفه آبقا؟ بل اية دولة ((تستوطن)) خالعا جنسيتها ولا ((تستجنبه))؟ والسؤال ذاته مطروح على منظمة الدفاع عن حقوق الانسان: هل تحتفظ حقا ادارتها بعضوية من يكفر بميثاقها؟

(الصفحة – 253)


والا اذا ثبت الاجماع على منطقية هذا المعيار، فضلا عن رحمة الاستتابة التي لم تتوفر في الاوانف، لتخلفهم الانساني عن الاسلام، فلم الكيل بمكيالين في حيدة وجنوف؟! اما بخصوص الحرمان من الارث فاي دستور او اية دولة او اي نظام او اية منظمة في العالم او اي دين او اية ايديولوجية تستبقي جريان الحقوق والمزايا غدقا على المستقيل او المرتد او المنشق؟ الا تصك آذان العصر اخبار التصفيات الجسدية وقرارات المحاكم العسكرية والطرد الكنسي والرمي بالخيانة العظمى؟ وفي بعض الاحيان يلجا الى ابادة قرابة المنشق كليه؟ واما عن حكمة الشرع في التفريق بينه وبين زوجته فناظرة الى حقوقها، رافعة لاستضعافها من مرتد كيلا تظل رهينة ارتداده، وتحريرا لها من ربقة كفره، وعتقا لها من ضيم استبداده، وقد تحلل من روابط العقد ولوازم الميثاق الغليظ.

خلاصة واستنتاج وصفوة القول: ينتقل مبحث الحرية في العصر الحديث من المجال الفلسفي الى المجال البراغماتي التطبيقي، ومن الطرح العقائدي الى الطرح السياسي بعنوان مبطن هو الزعم بالدفاع عن حقوق الانسان، اي انه ينتقل من دائرة القدريات الى التدفق الحقيقي في ميدان الواقع.

واذا كان الاسلام قد خاض بقوة معترك الثقافات المختلفة في هذه المسالة الحيوية، من هندية وفارسية ويونانية ومسيحية ويهودية وخرج منها منتصرا بعد كسره اطواق الجبرية القاتلة والحائلة دون البنا الحضاري. وقد بلغ من ازاحته للجاهلية في هذا الجانب واعلائه من شان الحرية، ان علق عليها بعض اركان الايمان بالتسليم بالقضاء والقدر تسليما ايجابيا. وهو المجال الغيبي لقضية الحرية كما لا يخفى...

فكذلك هو لا محالة منتصر في الطرح الاممي الحقوقي، ولا سيما ان معاناة الشعوب ومحروميتها كفيلان باقامة الشهادة له بالقدرة على تطويق ماديات العولمة الاستكبارية الجائرة.
وتتويج هذا الانتصار باستعادة حضارة يوشمها ميسم

(الصفحة – 254)


الخاتمية:
تؤنسن اخلاقيات التحضر وتقنن لمعايير الدورات الحضارية القادمة ان شاء اللّه تعالى.. حضارات اما ان تكون فيها الحرية كاملة او لا تكون! اذ ان الحرية لا تتجزأ.

حضارات تكون فيها الحرية قيمة ثابتة، لا سياسة مرحلة او تكتيك مصلحة. ويكون الناس فيها جميعا سواسية...

وقتها فقط تكون الحرية تكريمية لا حرية بهيمية تكبيلية.

وعندئذ سوف لا يرضى الانسان ان يكون حرا في مجتمع العبيد، كما لا يرضى ان يكون عبدا في مجتمع الاحرار.

(الصفحة – 255)

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف