تأليف :
مجموعة مؤلفين
فهرس المحتويات :
حقوق الإنسان في الإسلام / الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي
حقوق الإنسان، المصادر والمباني / الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
فلسفة حقوق الإنسان في رؤية آية الله الجوادي الآملي / حميد پارسانيا
فلسفة الحقَّ في الفكر الإسلامي، مرتضى مطهَّري إنموذجًا / حسين توسلي
الإنسان في تعاليم الإسلام، رؤية حقوقيّة مقارنة / عبد الحكيم سليمي
دراسة مقارنة للنظريات المبيّنة لحقوق الإنسان في الغرب والإسلام / محمد حسين طالبي وعلي طالبي
مقدّمة المركز
يُعدّ علم الحقوق اليوم فرعًا من فروع العلوم الإنسانية، يُعنى بدراسة القواعد والضوابط الاجتماعية الملزمة؛ وهي قواعد تُسنّ وتُنفّذ من قِبل مؤسّسات رسمية كالدولة، والسلطة القضائية، أو الأنظمة العرفية. وقد تمّ في هذا العلم وضع هياكل تهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد والمؤسّسات داخل المجتمع، بما يحقّق أهدافًا مثل العدالة والنظام والأمن.
تُعدّ العلاقة بين الدين وحقوق الإنسان، وخصوصًا في السياق الإسلامي، مسألةً جوهريةً ومتعدّدة الأبعاد. فالفكر الإسلامي يؤسّس هذه العلاقة على الرؤية التوحيدية للعالم؛ وهي رؤية تعتبر الإنسان مخلوقًا الهيا، يمتلك العقل والإرادة، وهو مسؤول أمام الله تعالى، وأمام نفسه، والمجتمع. وتتميّز النظرة الإسلامية لحقوق الإنسان عن بعض المقاربات الغربية التي تعتمد غالبًا على التعاقد الاجتماعي أو توافقات الدول، إذ تُبنى في الإسلام على أساس الخلق الإلهي، وخلافة الإنسان، وأمانته من قِبل الله تعالى. ومن هنا، فإنّ الحقوق الإنسانية في الإسلام لا تُعدّ أمرًا اصطلاحيًا أو اعتباريًا، بل هي واقعية وتكوينية. وهي مُعرّفة في إطار وثيق مع المسؤوليات الأخلاقية والعبادية، حيث يُشكّل التوازن بين الحقّ والتكليف ركنًا أساسيًا في المنظومة الحقوقية الإسلامية.
ويبدأ هذا المنهج بتفريق جوهري بين نظرتين إلى الإنسان: الأولى تعتبره كائنًا مستقلًا، مكتفيًا بذاته، وهو معيار القيم؛ بينما الثانية - التي يُمثّلها الإسلام - تراه مخلوقًا لله، مؤتمَنًا على الحقّ، ومكلّفًا في مواجهة الوجود. ووفقًا لهذه النظرة الثانية، لا يمكن الحديث عن «الحق» إلاّ في ضوء المسؤولية والعبودية والتكليف؛ لأنّ ما يمنح الإنسان معناه في الرؤية الإسلامية ليس قدرته على خلق الحقّ، بل موقعه ضمن مراتب الوجود، وعلاقته بالحقيقة المطلقة. وهذه الانطلاقة المعرفية تُفضي إلى اختلاف جذري بين المفاهيم الحقوقية في الغرب وتلك التي في الإسلام، وهو ما تمّت معالجته في مقالات هذا الكتاب بشكل منهجي وموسّع.
إنّ هذا الكتاب هو مجموعة من المقالات البحثية، جُمعت بهدف دراسة العلاقة بين الدين وحقوق الإنسان من زاوية نظرية ومقارنة ونقدية، وخصوصًا في إطار الفكر الإسلامي. وتتناول هذه المقالات مكانة حقوق الإنسان في الإسلام من زوايا فلسفية، وفقهية، وحقوقية، وكلامية، وتُقارنها بخطاب حقوق الإنسان في الفكر الغربي المعاصر. وقد تمّ تنظيم محاور هذا الكتاب في ستة بحوث رئيسة، وهي:
1. حقوق الإنسان في الإسلام: يعالج هذا البحث أسس حقوق الإنسان في الإسلام، ويقارنها بالنظريات الغربية السائدة مثل الحقوق الطبيعية والحقوق التعاقدية. ويُؤكّد الكاتب على الأساس الإلهي للحقوق، ويرى أنّ الرؤية الإسلامية تُبنى على أصل «حقّ الله»، ويُبيّن أنّ حقوق الإنسان - بحسب هذه الرؤية - نابعة من إرادة الله ومكانة الإنسان عنده، لا من الطبيعة أو الإرادة الجمعية.
2. حقوق الإنسان، المصادر والمباني: يُفرّق الكاتب في هذا البحث بين المفاهيم الاعتبارية والتكوينية للحقوق، ويُحلّل مصادر الحقوق في الإسلام مثل الفطرة والعقل والرؤية التوحيدية. ويُركّز المقال خصوصًا على دور الفطرة الإلهية كضمان لتنفيذ الحقوق الحقيقية، وعلى علاقة الإنسان بالوجود ومسؤوليته الفردية والاجتماعية.
3. فلسفة حقوق الإنسان في رؤية آية الله الجوادي الآملي: يعتمد هذا البحث على أفكار آية الله الجوادي الآملي لتحليل الأسس الأنطولوجية والمعرفية والأنثروبولوجية لحقوق الإنسان في المنظومة التوحيدية. ويُطرح فيه ثلاثة حقوق أساسية - الحياة، والحرية، والعدالة - كأُسس ميتافيزيقية تؤسّس للنظام الحقوقي التوحيدي.
4. فلسفة الحق في الفكر الإسلامي، مرتضى مطهري أنموذجًا: يستعرض الكاتب في هذا البحث فلسفة الحقّ في مؤلّفات الأستاذ مطهري، حيث يُنظر إلى الحقّ باعتباره مفهومًا اعتباريًا، لكنّه مستند إلى حقائق وجودية وفطرية. ويُبيّن المقال تفاعل هذا المفهوم مع مفاهيم مثل التكليف، والحرية، والعدالة، ويُبرز أهمية التوازن بين الفرد والمجتمع في هذا الإطار.
5. الإنسان في تعاليم الإسلام، رؤية حقوقية مقارنة: يُقارن هذا البحث بين مكانة الإنسان في التعاليم الإسلامية وبين نظريّات حقوق الإنسان. ويُشير الكاتب إلى بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في إحياء الكرامة الإنسانية، ويُحلّل الأبعاد الروحية والعقلية والأخلاقية للإنسان في الإسلام، ويستنتج أنّ الإسلام يُقدّم نظامًا شموليًا لحقوق الإنسان، قائمًا على التوحيد والكرامة الذاتية.
6. دراسة مقارنة للنظريات المبيّنة لحقوق الإنسان في الغرب والإسلام: يُخصّص هذا البحث لمقارنة النظريات الفلسفية حول حقوق الإنسان في الغرب والإسلام. ويُحلّل الكاتبان ثلاث نظريات غربية شائعة وينتقدانها، ثمّ يُبيّنان الرؤية الإسلامية التي تقوم على الفطرة الإلهية، وغائية الخلق، وسير الإنسان نحو الكمال النهائي.
وتُشير الخلاصة العامة لهذا الكتاب إلى أنّ الخطاب الإسلامي حول حقوق الإنسان، على خلاف العديد من النظريات الحديثة القائمة على العقلانية الذاتية والتعاقد الاجتماعي، إنّما يرتكز على رؤية توحيدية وفطرية ومسؤولة للإنسان. وهذا الخطاب، انطلاقًا من مصادره الإسلامية الأصيلة، قادرٌ على تقديم نظرية عقلانية ومتّسقة ومستقرّة لحقوق الإنسان، نظرية لا تُغفل ارتباط الكرامة والحرية بالبعد الأخلاقي والروحي الإلهي.
ويُقدَّم هذا الكتاب بوصفه خطوة أولى على طريق الفهم والتفسير الدقيقين للعلاقة بين الدين وحقوق الإنسان إلى الأوساط العلمية. ونأمل أن يكون نافعًا للأساتذة والباحثين والطلبة والمهتمّين بمجالات الحقوق ودراسات الدين والفلسفة.