وقائع بحوث المؤتمر الدولي الأول
تحت شعار :
فلنحيينه حياة طيبة
تحت عنوان :
معالم الحياة الطيبة عند أهل البيت (عليهم السلام)
فهرس المحتويات :
■ الحياة الطيّبة في القرآن الكريم
السيد محمد حسين العميدي / أستاذ في الحوزة العلميّة / النجف الأشرف
■ مفهوم الحياة الطيّبة ومعالمها في ضوء روايات أهل البيت (عليهم السلام)
الشيخ أحمـد قبلان / باحث وأستاذ في الحوزة العلمية / المفتي الجعفري الممتاز في لبنان
■ المباني النظريّة للحياة الطيّبة
الشيخ حسن أحمد الهادي / باحث وأستاذ في الحوزة العلمية / لبنان
■ دراسة تحليليّة في مفهوم الحياة الطيّبة ومبادئها من منظور القرآن والروايات
السیّد الدكتور عبد الکریم حسن پور / باحث في التأريخ الاسلامي / أستاذ جامعي / إيران
■ معالم الحياة الطيّبة في الحياة الأُسريّة للإمام علي والسيّدة الزهراء (عليهم السلام)
السيد نبيل الحسني / باحث في الفكر الإسلامي وأستاذ في الحوزة العلمية / كربلاء
■ أثر معرفة الله وتوحيده في الحياة الطيّبة
الشيخ سامر توفيق عجمي / باحثٌ في العلوم الفلسفيّة والدينيّة وأستاذ في الحوزة العلمية / لبنان
■ الإيمانُ بالآخرة وأثرُه على الحَياة الطيّبة من خلالِ القرآنِ الكريم وروايات أهلِ البيت (عليهم السلام)
د. محمد مرتضى / أستاذ الفلسفة الغربية في جامعة المعارف / لبنان
■ الانتماء إلى أهل البيت (عليهم السلام) وأثره في تحصيل أسباب الحياة الطيّبة
الشيخ الدكتور لقاء جواد الكعبي / باحثٌ في الفكر الإسلامي / أستاذ جامعي / جامعة الكوفة / النجف الأشرف
■ أثر الدعاء والتضرع في الحياة الطيّبة
الشيخ الدکتور عدنان فرحان القاسم / باحثٌ في الفكر الإسلامي وأستاذٌ جامعي / الجامعة المستنصریة
■ مكارم الأخلاق من حقيقة الوحي دُربة الإنسانية إلى التوحيد والعدل والحياة الطيّبة
د. محمود حيدر / أستاذ محاضر في الفلسفة والإلهيات / لبنان
■ زيارة الأربعين أنموذجٌ لمجتمع تراحمي نقيض الفردانية الحداثية
د. طلال عتريسي / أستاذ العلوم الاجتماعية / جامعة بيروت / لبنان
■ أثر العلاقات الاجتماعية في الحياة الطيّبة من منظور أهل البيت (عليهم السلام) -قراءة في كتاب العشرة من أصول الكافي-
محمدرضا الخاقاني (بیگ) / باحث في الفكر الإسلامي / جامعة طهران / ايران
■ موانع الحياة الطيّبة في ضوء الفطرة والعقل
الدكتور علي خضر الشكري / أستاذ جامعي / جامعة الكوفة
■ طلب الراحة ودوره في المنع من الحياة الطيّبة في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
الشيخ عليّ سعدون الغزيّ / باحثٌ في الفكر الإسلامي وأُستاذ في الحوزة العلمية / النجف الأشرف
■ أثر الذنوب في فقدان الحياة الطيّبة الإعراض عن الذكر أنموذجًا
الشيخ صباح عباس حسن / باحثٌ وأستاذٌ في الحوزة العلمية / النجف الأشرف
■ تداعيات الحرب الناعمة في عصر ما قبل الظهور على الحياة الطيّبة قراءة تحليلية
الشيخ الدكتور وليد حميد فرج الله / باحثٌ في الفكر الإسلامي وأستاذٌ جامعيّ / جامعة الكوفة / النجف الأشرف
■ الحياة الطيّبة في الدولة المهدوية
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي / باحث وأستاذ في الحوزة العلمية / النجف الأشرف
■ نمط الحياة الطيّبة بين الإسلام والغرب (دراسة مقارنة)
أ.د. حسن خليل رضا / باحثٌ في العلوم العقلية والدينيّة / أستاذٌ في الجامعة اللبنانية
■ الحاكميّة ودورها في بناء الحياة الحضارية الطيّبة للأمة
السيد الدكتور علي محمد جواد فضل الله / أستاذٌ في الحوزة العلمية ومحاضرٌ جامعي في الفلسفة والكلام / جامعة المصطفى / لبنان
■ الحياة والموت في عاشوراء: (إلّا قنطرة، إلّا سعادة، إلّا جميلًا)
أ.د. بتول زين الدين / دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال / أستاذةٌ جامعية في كلّية الإعلام / الجامعة اللبنانية / لبنان
كلمة المتولّي الشرعي للعتبة العباسيّة سماحة السيّد أحمد الصافي (دامت بركاته)
نُحييكم ابتداءً في هذه الأيام المباركة، ونسأل الله تعالى أنْ يوفقنا وإيّاكم لاستقبال شهر الله الأعظم شهر رمضان المبارك، وأنْ يتقبّله منا ومنكم، سائلين ثانيةً بحرمة ليلة النصف من شعبان أنْ يكحل أعيننا بالطلعة البهيّة لوليه صاحب الأمر والزمان.
بدءًا أيضا نشدُّ على أيد الأخوة في المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة، وجمعية العميد لهذه الباكورة الطيّبة في مسألة الحياة الطيّبة، وإنْ شاء الله تعالى يكون هذا المؤتمر نافعًا وواسعًا، وتُؤسس فيه وتؤصّل بعض القواعد المهمّة لإحياء هذه الحياة الطيّبة. لا يخفى على الأخوة الأعزّاء مسألة الحياة عمومًا، يعني ما دمنا في الدنيا نتكلّم عن الحياة الدنيا، وكيف يمكن أنْ تخلو من مشاكل، في الحقيقة هي لا تخلو من مشاكل جمّة، وهذه المشاكل تتفاوت سعةً وضيقًا وتعقيدًا، بحسب ما نبلغ نحن من رؤيا إزاء هذه الحياة. في بعض الحالات قد لا تستدعي المسألة منّا أنْ نتعب ونتشنّج فيها كثيرًا، ونحمل همها كثيرًا، لكنّنا قد لا نفهم طريقة حلّ هذه المشكلة، فتزداد تعقيدًا، كمن يرفع رجله من الوحل، ثمّ يضع الأخرى فيه، وهكذا الدوامة تستمر.
واليوم عندما تعاني الدنيا من هذه التعقيدات، فجزءٌ مهمٌّ منها، ولعلّه الجزء الأهم، هو ابتعادها عمّا بيّنه الله تعالى من نهجٍ يوضّح كيف نعيش في هذه الدنيا. فالذي خلقنا لم ينسَ حاشاه أنْ يعطينا رؤيةً عن كيفية العيش في هذه الدنيا بحسب ما قدر لله تعالى من أعمار، ثم ننتقل إلى عالمٍ آخر أبدي. في هذه الحقبة، حقبة الدنيا، قد لا نعلم ولا نفهم ما هي الأسس التي يمكن أنْ نعيشها حتى نتجنب أكبر خسارةٍ ممكنةٍ في مشوارنا الحياتي، الإنسان إذا كان لا يعرف فلا شكّ في أنّه سيكون في تيه، وفي ظلال، وإنْ خرج من مشكلةٍ دخل في أخرى، وهكذا ينهي عمره بالانتهاء من مشاكل والدخول في أخرى إلى أنْ يموت، أمّا الذي يفهم كيف نتعامل مع هذه الدنيا، ما هي القواعد العامة التي بيّنها الله تبارك وتعالى لنا كي نحيا فيها؟ مع أنّنا بشر وما يحتاجه البشر هو غريزة حب البقاء، وأيضًا غريزة حب الذات موجودة، وهنا جاء الشارع المقدّس وقنّنها، وفصّل الأمر، فهذا الشي يشبع حياتك، وذاك الشي ينظّم أفكارك، وهكذا.. وفق ما بيّنه الأنبياء وجاء به القرآن، وبتطبيقه ستعيش حياةً طيّبة.
والطيّب مقابل الخبيث، والخبيث يشمل المادة، فلست أتحدث عن الهيأة فقط ، بل حتى مادة الخبيث مقززة، الشيء الخبيث مُنفّر لجميع الطبائع البشرية باختلاف الشرائع والأديان، فكل أفرادها تتنفّر من الشيء الخبيث. والقرآن الكريم استعمل هذا المصطلح، فشجرةٌ طيّبة تقابلها شجرةٌ خبيثة، الطيّب لا يتزّوج إلّا طيّبة، مقابل الخبيث ومشتقاته. الخُبث يُولّد حالةً من النفرة، فكيف إذا كانت الحياة كلّها توسم بأنّها حياةٌ خبيثة؟! وفي المقابل تكون الحياة حياةً طيّبة. الحياة الطيّبة لا تعني ألّا توجد مشاكل فيها، لكن هذه المشاكل كيف تواجه؟ طبعًا التنظيم الأسري كتنظيم مجتمعي قطعًا يحتاج منا إلى منهجية، وكمثال، أنا أؤمن أنّ الرسالة العملية هي منهج حياة كامل، أنا أؤمن به، لكن صياغة الرسالة العملية إلى منهج تحتاج إلى تعديل؟ إذا أردنا أنْ نتجاوز جوانب المسائل الفردية إلى قضايا الحياة العامة، فهي تحتاج إلى صياغة أيضًا، المادة باقية لا نمسها، لكن الصياغة تحتاج إلى تعديل.
عندنا كنز كبير جدًّا من المعارف التي تؤسّس للحياة طيّبة، أنا قرأتُ أولًا ملخصات بحوث المؤتمر بحمد لله تعالى، العنوانات جيدة، والمعنون إنْ شاء الله تعالى يكون أفضل، و تريد كلّها أنْ تصل بنا إلى الحياة الطيّبة، التي ينبغي أنْ يعيشها الإنسان من ولادته إلى مماته. إنّ لدينا موادّ جيدةً وجديرةً جدًّا بأنْ تكون منهجًا للحياة، نعم، ربما مازلنا نحتاج إلى الصياغات، ولعله مع الأخوة الأعزاء مؤسّسي هذا المؤتمر نستفيد من كلام الأئمّة (عليهم السلام)، فهم يقولون نحن نلقي الأصول وعليكم التفريع. قطعًا القضية غير خاصة بالفقه، بل هي عامة لجملة من الأشياء التي لا نعرفها؛ لأنّ كلامهم (عليهم السلام) بشؤون الحياة جميعها من الولادة إلى الممات، وجاء الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) وبيّنوا كثيرًا من الأمور التي يحتاجها الإنسان حتى يعيش هذه الحياة الطيّبة، ولعلنا أخذنا مثالًا فيما سبق، ولا بأس بإعادته الآن بنحو لا نتجاوز فيه الوقت المحدد إن شاء الله.
كلكم ترون أنّنا في دعائنا نستقبل القبلة، ونوفر صفات وحالات الكمال للدعاء، كالوضوء والجلوس على السجادة واختيار الوقت المحبب لإجابة الدعاء، واختيار المكان الذي يستجاب فيه الدعاء، ثمّ ندعو الله تعالى، وهذه من الحالات التي ندب إليها الشارع المقدس، ولا شك في أنّ هذه حالة ممتازة، إذ إنّ الله تبارك وتعالى لولا دعاؤنا لا يعبأ بنا، والله أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾. في سيرة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) هناك حالة ما وراء ذلك، حيث إنّ بعض المفاهيم أُدخلت في الدعاء نتيجة ظروف الآل، وهي غير خافيةٍ على حضراتكم، فالآل (عليهم السلام) لم يعيشوا الحياة العادية، وإنّما عاشوا حياةً فيها ضغط، لا أعبّر بأكثر من هذا التعبير، يعني فيها ضغط، لم يجدوا فسحة ليعبّروا عن كلّ ما جاءت به السُنّة المطهّرة على لسان النبيّ s، ليس معلومًا الألف باب التي أعطاها النبيّ لأمير المؤمنين (عليهم السلام)، وكلّ بابٍ يُفتح منه ألف باب، ليس معلومًا أنّها ظهرت إلى الناس، فهي عند الإمام (عليه السلام)ودة، لكنْ هل ظهرت إلى الناس جميعًا، وليس معلومًا ذلك، فإنّ هناك بعض الروايات ما زالت مرهونةً عند صاحب العصر والزمان (عليه السلام).
لكن الأئمّة طرحوا بعض المفاهيم من خلال الدعاء، وهذه صياغةٌ خاصةٌ بهم، يعني غير حالة الوقوف بين يدي الله تعالى وطلب الرحمة والاستزادة، غير هذا طرحوا مفاهيم كبيرةً لتقويمنا وأيضًا للحفاظ علينا، ومن جملتها لعله أدعية الإمام السجاد (عليه السلام)، ففيها كنزٌ من المعارف الكبيرة جدًّا، واستنطاق هذه الكنوز يحتاج أنْ يكون من قبل المختصين، كي يؤسس لمنهج خاص في مقام التربية. دعاء مكارم الأخلاق من الأدعية الراقية جدًّا حتى إنّ كثيرًا من العلماء - أنا قرأت بعض إجازات العلماء - كانوا يوصون بدعاء مكارم الأخلاق ودعاء التوبة، للإمام السجاد (عليه السلام)، وبعضهم كان يوصي مثلًا بالاهتمام بنهج البلاغة. أمير المؤمنين (عليه السلام) أعطى قواعد كثيرة في قصار الحكام، مثلًا رواية تصدر عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) مضمونها أنّ الناس مجبولةٌ على محبّة من أحسن إليها، هذا مضمون الرواية وليس نصّها، لاحظوا هذا مفهومٌ راقٍ جدًّا لا يتكلم عن الإحسان القربيّ إلى الله تعالى، بل يتكلّم عن الطرف الآخر، أي إنّ الناس تحبّ من أحسن إليها. النبيّ يوسف (عليه السلام) كان في السجن ويقول له من معه: ﴿إنّا نَراكَ مِنَ المُحْسِنِينَ﴾، فإذًا الإحسان إلى الآخرين يُولّد حالةً من المحبّة. علم النفس الآن عندما يدرس عملية التواصل مع الآخرين، يطرح مفاهيم متعددة لغرض التواصل، كيف تكسب الاحترام؟ كيف تكسب المحبّة؟ تأتي كلمةٌ مختصرةٌ من أئمتنا (عليهم السلام) تقول هذا المقدار اهتموا به، تريدون أنْ تحصلوا على المحبّة أحسنوا إلى الناس، ولاحظوا ما فائدة التجمّع في التواصل العائلي، وفي التواصل الأقربائي، وفي التواصل الاجتماعي، بهذه الكلمة، كلمة الإحسان، أنّ الإنسان سيكون قطعةً من الإحسان، وهكذا.
ألّف ديل كارنيجي أحد علماء الغرب في الأربعينات أو الخمسينات من القرن الماضي كتابًا اسمه (كيف تكسب الأصدقاء؟)، وهو كتاب ذو عنوان شيّق، خصوصًا للشابّ في بداية مراهقته، فالشابّ يحبّ أن يتعلّم هذه الأمور، فهو وضع خطوطًا عريضةً عن كيفية كسب الأصدقاء، وطرح مباني يرى أنّها فعلًا تؤدّي الغرض، قرأه أحد علمائنا وألّف كتابًا بالعنوان نفسه (كيف تكسب الأصدقاء؟)، لكن جعل المناط ليس ما قال هذا العالم الغربيّ، وإنّما المناط ما جادت به روايات أهل البيت (عليهم السلام) بحيث دخلت هذه المسألة حتّى في تفاصيل المناداة، هل من الأفضل أن تسمّي صاحبك باسمه تقول له (يا محمد)، أم تقول له (يا أبا فلان)؟ وقال إنّ الكنية بالنسبة للشخص أحبّ، فالشباب بينهم هذا يكنّي هذا، أوقع في قلبه وزيادة في المحبّة لهذه الدرجة، وتناول المصافحة وأثرها اجتماعيًا، وبدأ يؤسّس منهجًا من خلال هذه الروايات الشريفة، وهذا المنهج قد يتعارض مع ذلك المنهج، وهذا المنهج دائم.
الإنسان يحبّ نفسه سواء كان قبل ألف سنة أم الآن أم بعد ألف سنة، هو يحبّ نفسه، وإذا أحبّها، كما يختار الطيّب من الطعام أيضًا يختار لها الطيّب من الفكر، وبيّن أنّ هذه تصنع شخصيةً مهمّةً وتعزّز الثقة بالإنسان، وفعلًا الآن الشابّ عندما تكنّيه يشعر بالاحترام أكثر، يشعر بالرجولة أكثر، يشعر بأنّك تحبّه وتحترمه، بينما هو فعل وكلمة صغيرة. ذُكِر في الحديث أنّ (المؤمن هشّ بشّ)، وقد كان بعض الناس حين يزور عالِمًا، عندما يزوره لمرّةٍ واحدةٍ يتكلّم عنه ويقول هذا صديقي!! هو يذكر عن العالِم هذا صديقي!!، يسألونه كيف صديقك؟! قال: ابتسم في وجهي وسألني عن العائلة. هذا الأخ كان يتصوّر أنّ العالِم يعرفه، بينما هذا العالم سجيّته هكذا، وهذا بالنتيجة حقّق هذه المحبّة التي لا تزال وتبقى منطبعة وبسهولة كصورةٍ جيّدة في ذهن هذا الشخص تجاهه.
أمامنا الوضع الاجتماعي، لاحظوا - والعياذ بالله - نسبة الطلاقات الهائلة! يعني المجتمع الآن يخرج بانفصالاتٍ أسرية؛ لأنّه لم يتحمّل أحد الزوجين الآخر في أشياء جدًا جدًا بسيطة، لا أسرة الزوج تفهم كيف تعالج الأمور، ولا أسرة الزوجة تفهم كيف تعالج الأمور، ويكون هؤلاء ضحية هذا الافتراق، حياتهم لا تتجاوز الأشهر أصلًا، لماذا؟ لأنّهم لم يتعلّموا كيفية أنْ تكون الحياة طيّبة، يتصوّرون هذا الموجود الآن في الدنيا على ضوضاء الأفكار وعلى تزاحم الثقافات، ليس عنده حالةٌ رصينةٌ يعرف كيف يواجه هذه المشاكل، فتحدث المشكلة. فلنأتِ إلى رأس المشكلة ونحلّها، هذه المسألة مهمّة أنْ نرجع بالأمور إلى لبّ المشكلة، أين لبّ المشكلة؟ وهذه الأمور الباقية هي النتاج للمشكلة الرئيسة، وليست المشكلة. الطبيب عندما يأتيه شخصٌ ويقول له ارتفعت درجة حرارتي، يحاول أنْ يصل إلى المشكلة، ليصف العلاج، فأين المشكلة؟ اقضِ على المشكلة، فينقضي هذا الأثر، المؤثّر على هذه الضوضاء.
كثير من هؤلاء الناس انسلخوا حقيقة من الدين؛ لأنّ لديهم مشكلات تحتاج حلًّا، والمشكلات طُرحت لهم بغير منهج الدين، فلم تُحلّ، أو الناس تشدّدوا بالدين بطريقةٍ لا يرضى بها الله ورسوله، فنفّروا الآخرين من الدين، فأصبح الدين ضحيةً بين منسلِخٍ عنه ومتشَدِّدٍ فيه. أمّا الجادّة الوسطى، والطريقة الوسطى، فقليلٌ من يمارسها، وهذا القليل صوته أيضًا واطئ، الصوت النشاز الآن لمن انسلخَ عن الدين ولمن تشدّد في الدين، أمّا الحالة الوسطى التي هي تريح الإنسان، وتعلّمه وتحلّ مشاكله، تهدّئ من هذه الضوضاء، وتجعل الإنسان أفكاره منظّمة، وطريقته منظّمة.
ولذا نريد أن نؤسّس في هذا المؤتمر المبارك إنْ شاء الله تعالى بجهد جميع الباحثين لوضع الحلول، بعد أنْ نفهم أين المشكلة، حتى يُؤسَّسَ لهذه الحياة الطيّبة تأسيسٌ حقيقيّ، فيه قواعد عامة مَن شذّ عنها هو يتحمّل خروجه، ومَن التزم بها يُضمَن له أنْ يعيش حياةً طيّبة، حياةً ملؤها الأمل والاستقرار والطمأنية. ولا أقول لا توجد مشاكل، فالحياة مليئةٌ بالمشاكل، لكن أيضًا المشاكل تُحلّ بطريقةٍ عقلائيةٍ تربوية، وقد تصنع المشاكل للإنسان حالةً من حالات التكامل عنده.
على العموم أترك البحث الآن للإخوة الأعزّاء فيما يجودون به علينا إنْ شاء الله من بحوثهم الطيّبة، أسأل الله تعالى دوام التوفيق للجميع، وأجدّد الشكر لكم أيّها الإخوة الحضور الكرام، وأيضًا للمركز الإسلامي ولجمعيّتنا العزيزة جمعية العميد، سائلًا الله تبارك وتعالى أنْ يوفّق الجميع، وأنْ يُحيينا ما دام في العمر بقيّةٌ حياةً طيّبة، بمحمّد وآله، وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
كلمة افتتاح المؤتمر
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى اللهُ على سيّدِنا وقائدِنا رسولِ اللهِ محمّدٍ وعلى أهلِ بيتهِ الطيبينَ الطاهرين.
أمّا قبلُ: فالسادةُ الحضورُ الكرام، سماحةُ المتولّي الشرعيِّ للعتبةِ العباسيةِ المقدّسة، السيّدُ الأمينُ العامُّ ونائبُه، السادةُ أعضاءُ مجلسِ الإدارة، رؤساء الأقسام، الباحثونَ الكرام، الضيوفُ الأعزّاء؛ السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتِه.
وأمّا بعدُ: فمن دواعي الاعتزازِ أنْ نلتقيَ في انعقادِ المؤتمرِ الدوليّ الأوّلِ الذي يُقام بالاشتراكِ بين جمعيةِ العميدِ العلمية والفكرية، والمركزِ الإسلاميّ للدراساتِ الاستراتيجيةِ، في أروقةِ العتبةِ العبّاسيّةِ بدءًا من يومِ الجمعةِ الأوّل من شهر آذار لعام وأربعةٍ وعشرينَ وألفين 1/3/2024 الموافق للتاسعَ عشرَ من شعبانَ من عامِ خمسٍ وأربعين وأربعمائةٍ وألفٍ 1445 بعد الهجرة. وتحت شعار (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طيّبة)، وبعنوان: معالمُ الحياةِ الطيّبة عند أهلِ البيتِ (عليهم السلام).
تمثّلُ العودةُ إلى أهلِ البيتِ (عليهم السلام) بوصفهم المرجعيةَ الأمينةَ في بناءِ الحياةِ السليمة ضرورةً مُلحّةً، فرضتها العنايةُ الإلهيةُ واللطفُ الربانيّ بوجود هذه الذوات المقدّسة. وتتأكد هذه الضرورة بعد فشل التيّارات الفكريّة والمذاهب الاجتماعية المختلفة على امتداد الحقب الزمانية المتعاقبة في إيجاد منظومةٍ متكاملةٍ تبني وتدير حياةً كريمةً للإنسانِ وتقودُهُ حيثُ الفلاحُ في دنياهُ وآخرتهِ. زيادةً عن شيوع الأفكار الظلامية والقوى الهدامة وتمددها؛ لذا دعت الحاجةِ إلى العودة بنحوٍ جادٍّ إلى حصنٍ فكريّ دينيّ قويمٍ لبناء الوعي والبصيرة والسلوك الصالح، والعيش الكريم، الذي أساسُهُ الشريعةِ، وجوهرُ القيمِ الإسلامية وآدابِها، وروحُ القرآنِ وهَدْيُه، وتعاليمُ أهلِ البيت (عليهم السلام).
وكان وما يزال المشروعُ الدينيّ في حفظِ العقيدةِ والدفاعِ عنها لمواجهةِ الأفكارِ الضلالية، وفقًا للأسس والثوابت الأمينة في الفكر الإسلامي، المهمة الأكبر لرسالةِ العتبةِ العباسيةِ المقدّسةِ بتشكيلاتِها ومشاريعِها الفكريةِ كافة، بعد قراءةٍ واعيةٍ للتراث، وفهمٍ عميقٍ لأثره، ورصدٍ دقيقٍ للمشكلاتِ العَقَديّة في الوسط الاجتماعي والفكري؛ ممّا يضع الجميع أمامَ مسؤوليةٍ ثقيلةٍ واستشرافٍ مستقبليّ بصير يبني خطاه على المساحةِ الآمنةِ التي شيّدها أهلُ البيتِ (عليهم السلام) في سيرتهم المباركة.
ههنا تلتقي جميعةُ العميدِ الفكرية والثقافيةُ والمركز الإسلاميّ للدراساتِ الاستراتيجيةِ تحت أفياء العتبةِ العباسيةِ المقدّسةِ ورعايةِ متولِّيها وإدارتِها؛ لتضعَ مرتكزًا عامًا للوقوفِ على أهميةِ العودةِ إلى القرآنِ وحَمَلَتِهِ وهم أهلُ البيت (عليهم السلام)، ولاستلهامِ القواعد التي وضعوها في بناءِ حياةٍ طيّبة كريمةٍ، فجاء هذا المؤتمرُ بمحاورهِ الرئيسةِ للإسهام في تحقيقِ ذلك.
وقد قُسّمت موضوعاتُه التي يهدف إلى تحقيقِها الى أربعةِ محاورٍ أساسيةٍ تغطي موضوعَ معالمِ الحياةِ الطيّبة عند أهل البيت (عليهم السلام)، وهي (مفهومُ الحياةِ الطيّبة ومرتكزاتُها وأسسُها، وأثرُ الإيمانِ والاعتقادِ في تكوينها، وسيرةُ أهلِ البيتِ بوصفهم النموذجَ الحضاريّ للحياةِ الطيّبة، والمجتمعُ والحياةُ الطيّبة). وقد استقبلت الهيأةُ العلميةُ للمؤتمرِ (46) ستّة وأربعين بحثًا، تم قبول تسعة وعشرين (29) منها، موزعةً على محاور المؤتمر الرئيسة، والاعتذار عن البحوث الأخرى؛ لمخالفتها المعايير العلميّة الخاصّة بموضوع المؤتمر وغرضه. وقد تنوّعت مشاركة الباحثين من الدول الإسلامية، من العراق، ولبنان، وسوريا، وإيران.
وفي ختام الكلمة تقدّمُ إدارةُ المؤتمرِ وهيأتاهُ العلميةُ والتنظيميةُ وافرَ شكرِها وخالص تقديرها إلى كلّ من أسهم في انعقاده، ابتداءً من المتولّي الشرعيِّ سماحةِ السيّدِ أحمد الصافي، فالأمينِ العامِّ للعتبةِ السيّد مصطفى آل ضياء الدين، والمشرفِ العامِّ على قسمِ الشؤونِ الفكريّةِ السيّدِ ليث الموسوي، ورئيسِ قسمِ الشؤونِ الفكريّةِ السيّدِ عقيل الياسري - فشكرًا لهم لما قدّموه من تسهيلاتٍ في سبيل انعقاده، وتذليلِ صعوباتٍ كانت في طريقه.
كما تُقدّمُ شكرَها البالغَ للباحثينَ الكرامِ على ما جادتْ بهِ أقلامُهم في مشاركاتِهم البحثيةِ وما تحمّلوهُ من جهد السفر وأتعابه، وخالصَ احترامها لمن تمّ الاعتذار منهم لأسبابٍ علميةٍ خالصةٍ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور عمّار عبد الرزّاق الصغير
نائب مدير المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة
البيان الختاميّ والتوصيات العلميّة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أبدعَ ما أوجد، وأتقنَ ما صنَع، فكلُّ شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظمته خضَع وفي عفوه طمع، وكم من خيرٍ أفاضَ ومكروهٍ دفَع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى في مجده، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أفضلُ مُقتدًى به وأكملُ مُتَّبَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله أهل الفضلِ والتّقَى والورَع.
أمّا بعدُ، فمن رحاب القداسة والطهر، ورحاب الشهادة والنصر، من كربلاء العلم والنور انطلقت فعّاليّات مؤتمر معالم الحياة الطيّبة عند أهل البيت (عليهم السلام) الدوليّ الأوّل، الذي أقامه المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع جمعية العميد العلمية والفكرية وتحت رعايةٍ كريمةٍ من العتبة العباسيّة المقدّسة، لدراسة موضوع الحياة الطيّبة عند أهل البيت (عليهم السلام) وأثرها في مواجهة التحدّيات المعاصرة التي فرضت نفسها على كثيرٍ من حنايا المجتمع الإسلامي اليوم، فضلًا عن الغزو الثقافي الناعم على المستويَينِ الفكري والقيمي للمجتمعات الإسلامية كافة، ولا سيّما في ما يتعلّق بنمط حياتها، ولأجل ذلك وحفاظًا على الهوية الأسرية والاجتماعية انبثقت فكرة إقامة هذا المؤتمر لاستلهام مقوّمات تلك الهوية من معالم حياة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد ناقش الباحثون من علماء الحوزة الأجلّاء والأساتيذ الفضلاء على مدى يومَينِ عشرات البحوث التي ألقيت، وتداولوا في معطياتها التاريخيّة والعلميّة والاجتماعية والتربويّة والنفسية والاقتصاديّة واللغويّة المنبثقة من مفاهيم شعار المؤتمر ومضامين عنوانه، مُستَقْرين ما في بطون الأسفار من نصوصٍ وتحليلاتٍ واستنتاجاتٍ بعلميّةٍ وموضوعيّة.
هذا وقد أوصى المشاركون في هذا المؤتمر بما يأتي:
التوصية الأولى: الاستمرار في إقامة المؤتمر للأعوام القادمة لما نتج في هذه النسخة من بحوثٍ ودراساتٍ علميّة، تغني المكتبة الإسلاميّة بمزيدٍ من الرؤى التي تخدم المشروع الثقافيّ والاجتماعيّ العام لأتباع أهل البيت (عليهم السلام)، مع ضرورة أنْ يُسلّط الضوء في كلّ عامٍّ على مفردةٍ من مفردات الحياة الطيّبة وإشباعها بالبحث والتنظير.
التوصية الثانية: إقامة الورش والندوات التثقيفية في الحوزات العلمية والجامعات، للاطّلاع على نمط الحياة الإسلامية المنبثقة من تعاليم القرآن الكريم وروايات أهل البيت (عليهم السلام)، وتطبيقها في حياتنا اليوميّة.
التوصية الثالثة: مناقشة خطّة التنمية المستدامة لعام 2030 التي أطلقتها الأمم المتّحدة، وتسليط الضوء على تعاليم أهل البيت(عليهم السلام).
التوصية الرابعة: تشجيع الباحثين على كتابة الدراسات المبنيّة على منهج أهل البيت (عليهم السلام) في مجالات متنوّعة، لإعداد برامج تربويّة قادرة على مواجهة التحدّيات المعاصرة وبمستويات مختلفة، تعنى بترسيخ الهويّة الإسلاميّة ترسيخًا تربويًا بالإفادة من سير الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) والموروث الشريف من كلماتهم وتوصياتهم وتوجيهاتهم في المجالَينِ الفكريّ والعقديّ.
التوصية الخامسة: تقديم قراءةٍ تحليليةٍ نقديةٍ لسائر المدارس التي تعتمد نمطًا للحياة لا يتطابق مع رؤية القرآن الكريم والعترة الطاهرة (عليهم السلام).
التوصية السادسة: العمل على إصدار مجلةٍ تخصّصيةٍ تُعنى بنمط الحياة والحياة الطيّبة عند أهل البيت (عليهم السلام).
التوصية السابعة: تدوين وثيقة الحياة الطيّبة على وفق تعاليم القرآن الكريم والعترة الطاهرة، ومفاتحة وزارة التربية العراقية ومجموعة العميد التعليمية ومجموعة الوارث التربوية لتضمين بنودها ضمن مقرّراتهم الدراسية الإثرائية، تعزيزًا لقيمها وسلوكها في نفوس المتعلّمين.
ومن الله التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور أحمد صبيح الكعبي
نائب رئيس جمعية العميد العلمية والفكرية