تأليف :
مجموعة باحثين
الموضوع :
التشريعات الحقوقيّة والقيميّة للمرأة في الإسلام
إشراف:
سماحة السيِّد أحمد الصافي
الهيئة العلميّة:
السيِّد ليث الموسوي، السيِّد هاشم الميلاني، السيِّد محسن الموسوي
مدير التحرير:
الشيخ حسن أحمد الهادي
فهرس المحتويات :
مدخل تأسيسي: منشأ الحقّ وأصوله الموضوعة
أوّلًا: منشأ الحقّ
ثانيًا: الأصول الموضوعة لحقوق الإنسان
المحور الأوّل: بحوث تأسيسيّة في دراسة حقوق المرأة
مكانة المرأة في الإسلام: حقوق أم حماية
تكتم رضائي
مناهج تحليل حقوق المرأة وتقويمها؛ حقوق المرأة بين الواقع المعيش والمواثيق الدّوليّة
د. محمود حكمت نيا
المحور الثّاني: التشريعات الحقوقيّة والقيميّة للمرأة والأسرة في الإسلام
المرأة في ظلّ النظرة الإسلاميّة إلى الإنسان
الشيخ حسن أحمد الهادي
المرأة والتشريعات الحقوقيّة والأسرية في الإسلام
الشيخ حسن أحمد الهادي
المحور الثالث: المرأة والأسرة في ظل واقعيّة التشريع ومجازية دعوى التمكين
العنف ضد المرأة في ضوء النظرية الحقوقية للعلاّمة اليزدي
د. غادة عيسى دقيق
مكانة المرأة في التشريعات الإسلامية وفق نظر العلاّمة الطباطبائي
حسين جهجاه
دور المرأة في بناء العقل العمليّ
مريم ميرزاده
الأسرة و«تمكين المرأة» في زمن التحوّلات وتحدّي الهويّة
د. أحمد الشّامي
مقدِّمة المركز
لقد شهد العالم تغيّرات ثقافيّة وتربويّة واسعة في مجال العلاقة بين مكوِّنات الأسرة، ومقوّماتها المتمثّلة بالزّوجين الأبوين، ففقدت الأسرة في كثير من المجتمعات -وإن بدرجات متفاوتة- مفهومها في الطّبيعة الفطريّة، وموقعها في البناء الاجتماعيّ، ووظيفتها في التّنشئة والتّربية، كلّ ذلك لصالح اتّجاهات فردانيّة، تُعْلي من قيمة الفرد، وتجعلُه مركز الاهتمام. ولم تكن الأسرة العربيّة والإسلاميّة بمنأى عن هذه التّغيّرات؛ إذ شهدت الأسرة نسبًا متنامية في حالات الطّلاق، وارتفاع سن الزّواج، وتطوير أنواع من الزّواج لا تحقِّق هدفه السّامي في بناءً الأسرة؛ وبذلك اضطرب مفهوم الأسرة؛ فشاع مصطلح الشّريك والقرين، ووُصِف الزّواج الطّبيعيّ بالتقليديّ، أو النّمطيّ، وظهرت دعوات إلى بناءً الأسرة اللّانمطيّة... ولم تعد الأسرة تقوم بوظائفها، فقد أثّرت منظومة التّفكير الاجتماعيّ الغربيّة القائمة في المنظومات المعرفيّة لباقي الشّعوب، بتأثير العولمة، والهيمنة السّياسيّة، والاقتصاديّة، والأكاديميّة…، دون مراعاة للخصوصيّات الثّقافيّة، والاجتماعيّة، والدّينيّة… للمجتمعات والشّعوب، وتطرّفت بعض التّيّارات الفكريّة الغربيّة في نظرتها إلى الأسرة، فاعتبرتها شكلًا من أشكال السّيطرة الأبويّة السّلطويّة، وأنَّ شرط الإبداع، والتّجاوز يتمّ من خلال التّمرّد على كلّ أشكال الأبويّة ومنها الأسرة. وثمّة تيّارات تنادي بالتّطابق المطلق بين الرّجل والمرأة، دون مراعاة لما أودعه الله عزَّ وجلَّ من خصائص فطريّة، ونفسيّة، وجسميّة لكلا الصّنفين؛ فانتشرت الحركات النّسويّة، وبرز مفهوم النّوع الاجتماعيّ «الجندر» تجلّيًّا واضحًا للقضاء على سمات التفرُّد، والتّمايز الطبيعيّ بين الجنسين، ولقد حاولت المؤتمرات الدّوليّة أن تغذّي هذا الإحساس بالتّمرُّد، والتّفلُّت من القيام بالمسؤوليّة الأدبيّة والأخلاقيّة اتّجاه الأسرة، بإعطاء الشّرعيّة للقوانين الّتي تقوّض عُرى الأسرة؛ مفهومًا وبناءً ووظيفةً.
فقد اجتَهَدَ الغربُ ومن تبعه من المستغربين كثيرًا في محاوَلة إقناعنا بأنَّ الإسلامَ لا يُقيم موازين العدل بين أفراد الأسرة، وأنَّ أحكام الشّريعة الإسلاميّة، الّتي أنزلها الله سبحانه وتعالى-لإسعاد البشر- تَتَسَبَّب في تعاسَة الأسرة، وأنَّ قوانين الحضارة الغربيّة، وقواعدها، وتقاليدها هي النّموذج الأمثل لسعادة الأسرة، وقد تأثّر بعض المسلمين بهذه الادِّعاءات، وقرَّروا أن يُطَبِّقُوا تلك التَّقاليد، والقوانين في حياتهم، وكان المنتَظَر -والحال صارتْ هكذا- أن نرى هؤلاء، ومجتمعاتهم -سواء الغربيّة، أم المسلمة الّتي اتَّبَعَتْ خُطاهم- قد صارتْ في سعادة وهناء، وخلَتْ منَ المشاكل الّتي تعجّ بها الأسرة المسلمة في السّيرة النبويّة -على حدِّ زَعْمِهم-، ولكن ما رأيناه من نتائج ما اقترفوه في حقّ أنفسهم، وفي حقّ المسلمين من أمراض اجتماعيَّة أقضَّت بنيان الأسرة، ومن ذلك؛ ارتفاع مُعَدَّلات زنا المحارِم بحسب الإحصاءات الدوليّة، وانتشار العُنف الأسريّ، وهناك نسبة رجل من بين ستّة رجال يكون ضحيّة للعنف الزوجيّ في إحدى لحظات حياته، بحسب الدّراسات الميدانيّة في أكثر من بلد، كما تُوَضِّح الدِّراسات أنَّه بينما توجد 120 امرأة تموت سنويًّا بسبب العنف الزوجيّ، فإنّه يوجد 30 رجلًا يموتون سنويًّا للسّبب نفسه، وفي الظّروف نفسها. إضافة إلى ظاهرة انتشار العنوسة، وانتشار ظاهرة هُرُوب الفتيات، وارتفاع معدّلات الطّلاق، وهجران الأزواج، واتّخاذ الأصدقاء بدل الأزواج، كلّ ذلك بُني على ثقافة الجندر الّتي أشاعوها، وقنّنوها في العالم الغربيّ.
ولهذا فإنّ البشريّة -اليوم- تعاني من انحراف أخلاقي، وثقافي خطير، وجلي، وقد أبعد المجتمع البشريّ عن صوابه، وجعل البشريّة تُنْخرُ من داخلها، وأدّى إلى فقدان الإيديولوجيّة، والنّظرة الصّحيّة إلى السّلوك الإنسانيّ، وهذا ما ينبئ عن الحاجة الأكيدة إلى مواكبة علميّة منهجيّة أصيلة تلبّي كلّ حاجيّات المجتمع المعاصر، وفق الرّؤية، والأصول الإسلاميّة الأصيلة.
وعليه إنّ كلّ ما ذكرناه في هذه العجالة المكثّفة يرتبط بسبب مركزي واحد، وحاكم على كلّ ما جرى، ويجري في العالم، وهو إسقاط النّظام الحقوقي، وإخضاع الموجود منه لخلفيّات فلسفيّة، وفكريّة مادّية محضة لا علاقة لها بالسّماء، علمًا بأن وظيفة هذا النّظام الحقوقي لا تختزل بتنظيم العلاقات بين الأفراد، أو بمجرّد حفظ الحقوق، والواجبات لفلان، أو فلانة من النّاس، فإنّ هذا مع أهميّته والحاجة إليه يشكّل جانبًا من الموضوع، يبقى الجانب الأهمّ المتمثّل في خلق الرّوابط، والعلاقات الإنسانيّة، والثّقافيّة، والاجتماعيّة، وكلّ ما يترتّب عليها من آثار إيجابيّة تسهم في التّماسك الأسري والاجتماعي. وإنّ النّظام الحقوقي الإسلامي الجامع بين الحقوق، والواجبات، والقيم، والآداب، والسّنن هو المؤهّل لخلق مثل هذه الرّوابط العميقة على مستوى الزّوجين، والأبوين، وسائر أفراد الأسرة القريبة والبعيدة، إذ تحتاج هذه الرّوابط الإنسانيّة إلى ما يحيها، ويحرّكها، أو يهيّء لها البيئة المناسبة الّتي يمكن أن تحيا بها، وتولّد الأمان، والأستقرار، والسّعادة، والطّمأنينة.
هذه السّلسة «دراسات نسويّة» الّتي يشارك فيها نخبة من العلماء، والباحثين، والمتخصّصين، في قضايا تخصّ المرأة والأسرة، وكل ما يرتبط بهما، تسعى لتؤسّس منظومة بحثيّة تخصّصية تغطّي مختلف الجوانب، والقضايا المرتبطة بالمرأة والأسرة، بلا فرق بين البحوث التّأصيليّة الإسلاميّة، وبين البحوث الّتي تقدم نقدًا لكلّ ما طرحه الغرب، والمستغرب في قضايا المرأة والأسرة. وهي لهذه الغاية توجّه دعوة مفتوحة للباحثين والباحثات للمشاركة في هذا المشروع.
وهذا الكتاب «التشريعات الحقوقيّة والقيميّة للمرأة في الإسلام» هو الجزء الثّالث من هذه السّلسلة، وقد خصّصناه للبحث، والتّحقيق في قضايا، وموضوعات ترتبط بالمنظومة الحقوقيّة، والقيميّة الّتي تقدّم الصّورة الواضحة عن المكانة الحقوقيّة للمرأة، وتتشكّل في ضوئها الأسرة في الإسلام، وتنتظم جميع العلاقات بين جميع أفرادها في ضوئها.