مبادئ العلوم الانسانية الاسلامية

مبادئ العلوم الانسانية الاسلامية

تأليف :

د. احمد حسين شريفي

ترجمة :

د. علي الحاج حسن

 

فهرس المحتويات :

الفصل الأوّل: المباحث العامة والتمهيديّة

الفصل الثاني: ماهية العلوم الإنسانيّة

الفصل الثالث: ماهية العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة

الفصل الرابع: المبادئ الفلسفية للعلوم الإنسانيّة الإسلاميّة

الفصل الخامس: منهجيّة البحث في العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة

الفصل السادس: دور الأخلاق في إنتاج العلم

الفصل السابع: العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة بين الواقعيّة وحريّة الفكر

 

 

كلمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

(فَبَشِّرْ عِبَادِ ‎الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ * أُولَٰئِكَ الَّـذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)

(الزمر: 17-18)

لطالما أكّد الإسلام على أهمية العلم والمعرفة، وجعلها أحد الأركان الأساسية لهداية الإنسان وسعادته. إنّ القرآن الكريم والسنة النبوية مليئة بالآيات والروايات التي تُبرز مكانة العلم والمعرفة، وتدعو المسلمين إلى البحث والتفكير والتدبر في الطبيعة والظواهر الاجتماعية. من هذا المنطلق، ومع ظهور العلوم الحديثة ولا سيما العلوم الإنسانيّة في الغرب، ظهرت تساؤلات وتحديات جديدة حول العلاقة بين هذه العلوم والدين، وخصوصاً الإسلام. من أهم القضايا الفكرية التي برزت في العصر الحديث قضية «أسلمة المعرفة» و«أسلمة العلوم الإنسانيّة»، وهي محاولة لتكييف العلوم الإنسانيّة الحديثة مع القيم والمبادئ الإسلاميّة، وتوظيفها في بناء المجتمعات الإسلاميّة وتأسيس الحضارة. هذا الكتاب الذي بين أيدينا بعنوان «مباني العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة» يتناول هذا الموضوع بعمق وشمولية، حيث يستعرض الأسس النظرية والفلسفية لهذه القضية ويحللها.

لقد حظيت العلوم الإنسانيّة بمكانةٍ بارزةٍ في تطوير المجتمعات، كونها تدرس الجوانب المختلفة للحياة الإنسانيّة بما في ذلك الثقافة، والمجتمع، والأخلاق، والسلوكيات الفردية والاجتماعية. وتبرز أهمية هذه العلوم ليس فقط في فهم وتحليل السلوكيات والظواهر الاجتماعية، بل تلعب دوراً أساسياً في تشكيل الفكر والمعتقدات والقيم في أي مجتمع. ومع ذلك، في العقود الأخيرة، ظهرت العديد من الانتقادات حول عدم كفاءة العلوم الإنسانيّة السائدة، خصوصاً في المجتمعات الإسلاميّة، وذلك بسبب عدم توافق هذه العلوم مع القيم الدينية والثقافية لهذه المجتمعات.

العلوم الإنسانيّة الغربية التي تأسست على أسس فلسفية ومعرفية خاصة بها، تستند بشكل كبير إلى مبادئ التجريبية والنظرة العلمانية إلى الحياة البشرية. وغالباً ما يؤدي هذا التوجه إلى تبني رؤى اختزالية ومادية في تحليل الإنسان والمجتمع، وهو ما يتعارض مع الأسس المعرفية والعقائدية للإسلام. من هذا المنطلق، يرى العلماء المسلمون أن هذه العلوم ليست فقط عاجزة عن تفسير وفهم القضايا الحيوية للمجتمعات بشكل صحيح، بل قد تكون في بعض الأحيان مصدراً لانحرافات فكرية وثقافية تتسبب في أضرار عقائدية وأخلاقية لهذه المجتمعات.

نظراً لهذه التحديات، أصبحت الحاجة إلى مراجعة ونقد العلوم الإنسانيّة السائدة وإنتاج علوم إنسانية إسلامية أمراً ملحاً في العالم الإسلامي. فإنتاج علوم إنسانية إسلامية يمكن أن يلعب دوراً محورياً في بناء الأفراد وتشكيل المجتمعات وإعادة إحياء الحضارة الإسلاميّة على أسس تقوم على القيم والمبادئ الإسلاميّة. ورغم أن العلماء المسلمين في التاريخ ساهموا إسهاماتٍ بارزةٍ في تطور العلوم البشرية ولا يمكن لأحد أن ينكر دورهم، إلا أن العالم الإسلامي تراجع في القرون الأخيرة، خاصة في مجال العلوم الإنسانيّة، مما يتطلب جهوداً كبيرة لتعويض هذا التراجع.

في هذا السياق، أصبح موضوع إنتاج العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة وتوضيح أسسها ومبادئها من المسائل المركزية التي يهتم بها العديد من المفكرين المسلمين. هؤلاء المفكرون يؤكدون أن استمرار الحياة الحضارية للمجتمعات الإسلاميّة، وكذلك إنقاذ العلم من النظرة المادية الجامدة التي تتبناها العلوم الغربية، يتطلبان تطوير علوم إنسانية ذات رؤية إسلامية وواقعية. كما يجب أن تعتمد هذه العلوم على أسس معرفية ووجودية وإنسانية وقيمية تتناسب مع القيم الإسلاميّة، وفي الوقت نفسه تحافظ على مبادئ العلم كالحيادية والموضوعية والحرية الفكرية.

في صفوف المفكرين الشيعة، كان موضوع أسلمة العلوم الإنسانيّة يُتابَع بدقة وجدية. العلامة المجاهد الشهيد السيّد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالی عليه كان من الرواد في هذا المجال ومن أبرز المفكرين الذين تناولوا هذا الموضوع، حيث حاول بناء أنظمة اقتصادية وفلسفية جديدة على أساس المبادئ الإسلاميّة وفي مؤلفاته مثل «فلسفتنا» و«اقتصادنا»، انتقد الأسس الفلسفية والاقتصادية للغرب وطرح أطرًا نظرية إسلامية بديلة. كان الصدر يرى أنّ الأسس المعرفية والإنسانيّة للعلوم الإنسانيّة الغربية تتعارض مع المبادئ الإسلاميّة، ومن أجل تلبية احتياجات المجتمعات الإسلاميّة، ينبغي بناء علوم إنسانية جديدة تعتمد على التعاليم الإسلاميّة.

استمر النقاش حول أسلمة العلوم الإنسانيّة مع مفكرين آخرين الذين تعمّقوا في تحليل الأسس الفلسفية والمعرفية للعلوم الإنسانيّة. كما قدّم الشهيد مرتضى مطهري رحمه الله تعالی، أسسًا نظرية مهمة في مجال أسلمة العلوم الإنسانيّة وحاول في مؤلفاته بنقد العلوم الإنسانيّة الغربية، وسعى إلى تقديم مفاهيم اجتماعية وإنسانية تتماشى مع القيم والأسس الإسلاميّة وفي العقود الأخيرة، قدّم آية الله مصباح اليزدي قدس سرّه الشريف، بوصفه أحد أبرز المفكرين في هذا المجال، تحليلات نقدية للأسس الغربية واقترح حلولًا لإعادة صياغة العلوم الإنسانيّة على أساس الوحي والتعليمات الإسلاميّة.

على الرغم من هذه الجهود، نواجه تحديات متعددة في مسار أسلمة العلوم الإنسانيّة. أولاً، هناك ضعف في تقديم نماذج فعّالة وقابلة للتنفيذ لإعادة بناء العلوم الإنسانيّة من منظور إسلامي. العديد من الأعمال المكتوبة تناولت المبادئ النظرية، ولكن قلّما اهتمت بوضع برامج عملية وتفاصيل تطبيقية. التحدي الثاني هو عدم وجود إجماع واتفاق بين الخبراء في هذا المجال. بعض المفكرين يرون أن العلوم الإنسانيّة الغربية غير مناسبة تمامًا للمجتمعات الإسلاميّة ويجب بناء بديل جديد تمامًا لها، بينما يؤكد آخرون على التوطين والإصلاح الجزئي للعلوم الإنسانيّة الحالية. المشكلة الثالثة هي نقص الموارد البشرية المتخصصة التي تجمع بين المعرفة بالعلوم الإنسانيّة الحديثة والمعارف الإسلاميّة وهذا أيضًا كان عائقًا أمام التقدم الجاد في هذا المجال.

لحل هذه التحديات، يمكن اقتراح عدة استراتيجيات رئيسية:

1. تطوير نظريات محلية: بدلاً من الاعتماد فقط على نقد العلوم الإنسانيّة الغربية، يجب على المفكرين الإسلاميين العمل على إنتاج نظريات محلية تستند إلى الأسس الإسلاميّة، وتقدم حلولًا واضحة للقضايا الإنسانيّة والاجتماعية.

2.تعزيز المؤسسات العلمية والبحثية: ينبغي دعم الجامعات والمعاهد التي تهتم بتطوير العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة. إنشاء مؤسسات علمية مستقلة تُعنى بتقديم حلول بحثية ودراسية لهذه القضايا يمكن أن يسهم بشكل كبير في حل المشكلات.

3. تشجيع البحوث البينية: من أهم الوسائل لتطوير العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة هو تعزيز البحوث التي تربط بين العلوم الدينية والعلوم الإنسانيّة، بما يساعد على خلق مناهج جديدة للتعامل مع القضايا الاجتماعية والثقافية.

من أجل تعزيز هذا المشروع، هناك بعض الأولويات البحثية التي يمكن أن تساهم في تطويره:

البحث في الأسس المعرفية للعلوم الإنسانيّة الإسلاميّة: مثل هذه البحوث يمكن أن تساعد في وضع إطار معرفي شامل وواضح لهذه العلوم.

تحليل نقدي للنظريات الإنسانيّة الغربية من منظور إسلامي: هذه الدراسات يمكن أن تكشف عن نقاط الضعف في النظريات الغربية وتقديم حلول بديلة إسلامية.

تطوير نماذج محلية للعلوم الإنسانيّة الإسلاميّة: البحوث في هذا المجال، والتي تهتم بإنتاج نماذج محلية في مجالات مختلفة مثل علم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد، لها أهمية كبرى.

وأما هذا الكتاب، هو محاولة للإجابة عن أسئلة محورية تتعلق بطبيعة العلوم الإنسانيّة، وفروقها عن غيرها من العلوم، وبمعنى العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة. ومن بين الأسئلة التي يطرحها الكتاب: ما هي العلوم الإنسانيّة؟ وما الفرق بينها وبين العلوم الأخرى؟ وما هي العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة؟ وهل يمكن حصر منهجيات البحث في العلوم الإنسانيّة على المناهج التجريبية فقط؟ وما دور القيم والأخلاق في تكوين العلوم الإنسانيّة؟ وكيف يمكن الحديث عن العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة مع الحفاظ على مبادئ الحيادية والموضوعية؟

لتقديم إجابات واضحة ومنهجية لهذه الأسئلة، قُسم الكتاب إلى سبعة فصول. تناول الفصل الأول الموضوعات العامة والمقدمة، حيث تم عرض تاريخٍ موجزٍ للعلوم الإنسانيّة وفكرة العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة، إلى جانب التطرق إلى أهمية وضرورة الاهتمام بهذا الموضوع. أما الفصل الثاني فقد خُصص لمناقشة ماهية العلوم الإنسانيّة، حيث تم تقديم تعريفٍ شاملٍ لها مع الإشارة إلى خصائصها الأساسية. أما في الفصل الثالث، فقد تم التطرق إلى دراسة المصطلحات المتعلقة بالعلوم الإنسانيّة الإسلاميّة وتوضيح الفروق بينها وبين مفاهيم مثل «تحول العلوم الإنسانيّة»، و«توطين العلوم الإنسانيّة»، و«أسلمة العلوم الإنسانيّة». أما الفصل الرابع فقد ركز على الأسس الفلسفية للعلوم الإنسانيّة الإسلاميّة، متناولاً الأسس الوجودية، المعرفية، الدينية، والإنسانيّة التي تشكل القاعدة الرئيسية لهذه العلوم.

وفي الفصل الخامس، تم مناقشة قضية المنهجية في العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة، حيث تم استعراض الآراء المختلفة حول وحدة وتعدد المناهج العلمية في هذه العلوم. أما الفصل السادس فقد تناول دور القيم والأخلاق في العلوم الإنسانيّة، موضحاً كيف تؤثر هذه القيم في مراحل إنتاج العلم المختلفة. وأخيراً، تناول الفصل السابع العلاقة بين العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة وبين مفاهيم كالحيادية والموضوعية والواقعية، موضحاً أن الالتزام بالقيم الإسلاميّة لا يتعارض مع هذه المبادئ العلمية.

يتميز هذا الكتاب بتقديمه رؤية شاملة ومعالجة للمسائل المطروحة بشكل منهجي، ويعد مرجعاً هاماً للطلاب والباحثين في هذا المجال، حيث يقدم في نهاية كل فصل ملخصاً للمحتويات وأسئلة للنقاش وأفكاراً للبحث العلمي.

وفي الختام، نود أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للأستاذ المؤلف الكريم على جهوده الكبيرة في تأليف هذا الكتاب، كما نشكر المترجم القدير الأستاذ الدكتور علي الحاج حسن على دوره الفعّال في الترجمة وإتمام النص. كما نعرب عن امتنانا لزملائنا في المركز، خاصة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور السيد هاشم الميلاني، رئيس المركز، والأستاذ السيّد محمد رضا الطباطبائي، مدير قسم النشر، على دعمهم وتفانيهم. نأمل أن يسهم هذا الكتاب في تعزيز الفكر التوحيدي ورفع الوعي المعرفي والروحي في مجتمعنا المعاصر، بفضل الله وكرمه إنه قريب مجيب.

 

المقدّمة

تبرز أهميّة العلوم الإنسانيّة في حياة الأفراد الماديّة والمعنويّة وتتبيّن ضرورة أن يعمد المفكّرون المسلمون إلى نقد العلوم الإنسانيّة الرائجة والمبادرة إلى إنتاج العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة؛ وذلك لاعتبارات من أبرزها ضعف النتاج الذي قدّمه العلماء المسلمون في مجالات العلوم الإنسانيّة والحكمة العمليّة، بالإضافة إلى عدم تناسب العلوم الإنسانيّة الغربية مع المعتقدات والقيم الإسلاميّة، وعدم جدوائيّة العلوم الإنسانيّة الموجودة على مستوى تقديم تحليل لحياة الإنسان المسلم، بالإضافة إلى ما تفرضه من إشكاليّات عقائديّة وأخلاقيّة وثقافيّة في المجتمعات الإسلاميّة والدور، الآلي والبرمجي للعلوم الإنسانيّة في صناعة الفرد والمجتمع والحضارة.

صحيح أنّ مفكّري العالم الإسلامي خطوا خطوات عظيمة في التاريخ على مستوى إنتاج العلم ومرافقة قافلة العلم، فليس من منصف ينكر دورهم في إنتاج العلم البشري، إلّا أنّ العقود الأخيرة تشهد تراجعًا علميًّا وتخلّفًا عن قافلة العلوم بالأخصّ العلوم الإنسانيّة وذلك لأسباب عديدة ليس الآن محلّ البحث حولها. والتغلّب على ذاك النقص يتطلّب جهودًا علميّة كبيرة في مختلف المجالات طبعًا.

نعتقد أنّ على العلماء في العالم الإسلامي أن يفكّروا مرة أخرى في ما يتطلّبه استمرار الحضارة الإسلاميّة والعمل على نجاة العلم وخاصّة العلوم الإنسانيّة من الرؤى الغربيّة الضيّقة والجامدة والتي لا روح فيها، وأن يعمدوا إلى إنتاج العلم وتقديمه للبشرية انطلاقًا من الرؤية الإسلاميّة الواقعية.

ولا شكّ في أنّ أيّ جهد في هذا الاتجاه بحاجة إلى فهم واضح للعلوم الإنسانيّة من جهة، وللعلوم الإنسانيّة الإسلاميّة من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق حاولنا في هذا الكتاب تقديم تعريف للعلوم الإنسانيّة وتوضيح خصائصها والمقصود من العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة، ومن ثمّ توضيح المبادئ والأصول الوجوديّة والمعرفيّة والإنسانيّة والقيميّة والمنهجيّة لمسألة «العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة».

المسألة الأساس

يحاول الكتاب البحث عن إجابات لمجموعة من الأسئلة من جملتها: العلوم الإنسانيّة أي نوع من العلوم هي؟ ما هي الاختلافات والافتراقات بينها وبين العلوم غير الإنسانيّة؟ ما هو هدف أو أهداف العلوم الإنسانيّة؟ ما المقصود من العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة؟ هل يعتبر قيد «الإسلاميّة» في هذا المركّب، احترازيًا أم توضيحيًا؟ هل من الصحيح حصر المنهج في العلوم الإنسانيّة بالتجريبي؟ هل صحيح أنّ الرجوع إلى النصوص الدينية في تحليل الأفعال الإنسانيّة، يجعل من علمنا أمرًا خاصًّا وداخليًّا؟ كيف يمكن توضيح صحّة نظريّتنا لمن لا يتّبع معتقداتنا؟ ما هو دور القيم في العلوم الإنسانيّة؟ هل قبول تأثير القيم في العلم يستلزم فقدان العينيّة والحياد العلمي؟ كيف يمكن الحديث عن العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة مع الحفاظ على خصائص العينيّة، الحياد، حرية الفكر، والواقعيّة العلميّة؟

هيكل الكتاب العام

جرى تقسيم مضمون الكتاب الذي بين أيدينا إلى سبعة فصول، وذلك بهدف تقديم إجابات واضحة ومنطقيّة عن الأسئلة المتقدّمة:

خُصّص الفصل الأوّل من الكتاب، كما في كل كتاب بحثي هادف، لتوضيح الأبحاث العامّة والمقدّمات، وجرى في هذا الفصل الإشارة إلى تاريخ العلوم الإنسانيّة بشكل مختصر ومسألة العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة، وذكرنا مسائل مفصلة إلى حدٍّ ما حول أهميّة التعرّض لهذا البحث وضرورته. وحاولنا بشكل غير مباشر نقد آراء معارضي هذه القضية الذين يدّعون عدم ضرورة التطرّق لهذه المسألة.

أمّا الفصل الثاني، فخُصّص للبحث عن ماهية العلوم الإنسانيّة. والحقيقة أنّه على الرغم من سعة انتشار العلوم الإنسانيّة على مستوى العالم، إلا أنّ العديد من الطلاب والخرّيجين في مختلف اختصاصات العلوم الإنسانيّة، لا يمتلكون تعريفًا واضحًا لها. إنّ أي جهد في سبيل إيجاد تحوّل على مستوى العلوم الإنسانيّة يتوقّف على امتلاك فهم واضح لأركان ومؤلّفات العلوم الإنسانيّة. من هذا المنطلق أشرنا إلى الاختلافات في تعريف العلوم الإنسانيّة وأولينا أهميّة لشرح الأبعاد الوصفيّة والمعياريّة لهذه المجموعة من العلوم، وذكرنا خصائص الموضوع المبحوث عنه لنتمكّن من تقديم تعريف شفاف وعملي لها.

تعرّضنا في الفصل الثالث للحديث عن معنائيّة «العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة». وقدّمنا ف بداية الفصل شرحًا للاختلافات بين المصطلحات الأربع: «تحول العلوم الإنسانيّة»، «توطين العلوم الإنسانيّة»، «أسلمة العلوم الإنسانيّة» و«العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة»، ثمّ قدّمنا تقريرًا مجملًا عن مختلف التفاسير المقدّمة لمسألة العلم الديني والعلوم الإنسانيّة الإسلاميّة، وفي النهاية عرضنا المعنى الذي أراده المؤلّف.

تمحور الفصل الرابع حول المبادئ الفلسفيّة للعلوم الإنسانيّة، وأشرنا في ذيل كل واحد من المبادئ الخمسة المعرفيّة، الوجوديّة، الدينيّة، الإنسانيّة والقيميّة إلى مجموعة من الأمور التي تترك تأثيرًا مباشرًا على نوع فهمنا للعلوم الإنسانيّة والتي تشكّل أساس العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة وبنيانها. وقد حاولنا في هذا الفصل قدر المستطاع تجاوز فكرة توضيح المبادئ وتحليلها وتعليلها، وأرشدنا القارئ إلى المصادر التفصيليّة حول كل واحد منها طبعًا.

يتحدّث الفصل الخامس حول واحد من أهم الأبحاث وأكثرها ضرورة في مجال العلوم الإنسانيّة، أي مسألة «المنهج». وأوضحنا في بداية الفصل أهمية مسألة المنهج في تمايز العلوم والتأثير الذي تتركه الرؤى المعرفية للباحثين على منهج البحث، ثم عرضنا نظريّة «وحدة المنهج العلمي» بحثًا ونقدًا، ودرسنا أدلة القائلين بها، ومن ثم عرضنا لنظريتي «الاختلاف المنهجي للعلوم الإنسانيّة» و«الكثرة المنهجية في العلوم الإنسانيّة» ورأي الإسلام في الموضوع.

يتمحور الفصل السادس حول تحليل دور الأخلاق والنظام القيمي المقبول عند المحقّقين على مستوى العلوم الإنسانيّة، وحاولنا نقد النظريات التي تدعي عدم تأثير القيم والأخلاقيّات في العلوم الإنسانيّة، لنوضح بالتفصيل فرضيّة تأثّر العلوم الإنسانيّة بالنظام القيمي للباحثين. من هذا المنطلق درسنا تأثير القيم في مختلف مراحل إنتاج العلم: في مرحلة اختيار الموضوع ومشكلة البحث، في مرحلة اختيار الهدف والغاية من البحث، في مجريات عمليّة البحث والوصول إلى النتائج.

وانتهينا إلى الفصل السابع الذي يحمل عنوان: «العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة بين الواقعيّة وحرية الفكر»، لنبيّن من خلاله أنّ العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة لا تتعارض مع الواقعيّة وحرية الفكر، بل لا يمكن من دونها الحديث عن الحياد العلمي والحقيقة البحثيّة وحرية الفكر.

حاولنا في هذا الفصل، ومن خلال تحليل بعض الفضائل والرذائل الأخلاقيّة في مجال البحث، الإشارة إلى أنّ الواقعيّة العلميّة وحرية الفكر تتحقق عن طريق الالتزام بالأخلاق والقيم الإسلاميّة والإلهيّة.

ميزات هذا الكتاب

أوّلًا: صدرت العديد من الكتابات حتى الآن التي دوّنها مفكّرو العالم الإسلامي حول العلم الديني وأسلمة العلوم الإنسانيّة. والحقيقة أنّ جهودهم كانت متّجهة نحو شرح الرؤى والأفكار، وعملت أحيانًا على نقدها ودراستها. وأما ما يميّز الكتاب الحاضر -عدا عن اهتمامه بذكر الرؤى والنظريات الموجودة- الحديث عن مختلف أبعاد العلوم الإنسانيّة واستخداماتها، ومن ثم شرح وتحليل إسلامية العلوم الإنسانيّة في كل واحد منها. من هذا المنطلق كان البحث عن موضوع، منهج، هدف، مبادئ، استخدامات وخصائص العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة عند مقارنتها بالعلوم الإنسانيّة غير الإسلاميّة.

ثانيًا: تمحورت أغلب الكتابات الموجودة عن العلم الديني حول أسلمة العلوم الطبيعية، وأشارت بشكل سطحي إلى العلوم الإنسانيّة. أما الكتاب الحالي، فخُصّص للبحث حول أسلمة العلوم الإنسانيّة، وحاولنا تركيز كافة الأبحاث حول الموضوع، وامتنعنا عن التعرض للعلوم الطبيعية الإسلاميّة نفيًا أو إثباتًا.

ثالثًا: دوّن هذا الكتاب بهدف إيجاد كتاب تدريس حول فلسفة العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة؛ لذلك حاولنا فيه رعاية ميزات الكتاب التدريسي من حيث الشكل. وذكرنا في نهاية كل فصل على سبيل المثال خلاصة الفصل والأسئلة التي تتمحور حوله كما أشرنا إلى مجموعة من العناوين البحثيّة التي تتطلّب المزيد من العمل التحقيقي.

رابعًا: جعلنا محور المباحث على شكل مسألة وتتبّعنا المسائل برؤية جامعة بعيدًا عن الكتابات التي جعلت النظريّات أو المدارس هي المحور. الواضح أن الأبحاث التي تجعل من المسائل محورًا لها أكثر تعقيدًا وتتطلّب مقتضيات تجعل من العمل غير ذي فائدة عند عدم الالتفات إليها. وفي هذا النوع من الدراسات يتم استحضار كافة المصادر والآراء على اختلافها ثمّ اخترنا الإجابات والأبحاث ذات العلاقة بمحورية المسألة المطلوبة.

خامسًا: حاولنا الابتعاد في الكتاب عن تشتّت الكلام والإطناب فيه، وشرحنا الأفكار بشكل مختصر وبليغ بما يقتضيه حال المخاطبين، كما امتنعنا عن التفصيل في شرح الآراء والنظريات المطروحة.

 

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف