منطق فهم الدين

منطق فهم الدين

تأليف :

د. رمضان علي تبار

تعريب :

حسن علي مطر الهاشمي

 

فهرس المحتويات :

القسم الأول: الخصائص «منطق فهم الدين»

الفصل الأول: ماهيَّة وهويَّة «منطق فهم الدِّين»

الفصل الثَّاني: نسبة وعلاقات منطق فهم الدِّين إلى العلوم ذات الصِّلة

القسم الثَّاني: شرائط وموانع فهم الدِّين

الفصل الثَّالث:‌ شرائط فهم الدِّين

الفصل الرَّابع: موانع وآفات فهم الدِّين

القسم الثَّالث: مباني وأصول فهم الدِّين

الفصل الخامس: المباني المعرفيَّة

الفصل السَّادس: المباني الفلسفيَّة

الفصل السَّابع: المباني الكلاميَّة والدِّينيَّة

القسم الرَّابع: مصادر ومدارك فهم الدِّين

الفصل الثَّامن: العقل بوصفه مصدرًا وأداة لفهم الدِّين

الفصل التَّاسع: الفطرة والقلب بوصفهما مصدرًا لفهم الدِّين

الفصل العاشر: المصادر الوحيانيَّة لفهم الدِّين (الكتاب والسُّنَّة)

الفصل الحادي عشر: المصادر الآفاقي لفهم الدِّين (التَّاريخ والطَّبيعة)

 

كلمة المركز

{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48]

أحد التحدّيات الجديّة والأسئلة الأساسيّة في دراسة الدِّين هي الاهتمامات والنزاعات المتعلّقة بالأسس النظريّة والمبادئ والأُطر المنهجيّة لهذه الدراسة. كانت هذه الأسئلة والقضايا تواجه المفكّرين في جميع العصور في التعامل مع ظاهرة الدِّين، وقد قُدِمّت نظريّات ومناهج متنوعة للإجابة عن هذه الأسئلة. في الأنظمة التقليديّة والمدرسيّة لدراسة الدِّين، تم تنظيم هذه النُهج المختلفة في شكل مدارس لاهوتيّةٍ متنوّعة، وفي العصر الحديث، تم تقدّيم نتائج إعادة القراءة وإعادة إنتاج النهج السابقة باستخدام الأفكار والأُطر الحديثة في أشكال وعناوين مختلفة، ولكن بمضامين مشتركةٍ نسبيًا.

المسألة المهمّة حول الأسس الرئيسة أو المنهج ليست مقتصرةً على الدراسات التقليديّة لأتباع الأديان أو التأمّلات الفلسفية حول ظاهرة الدين وتعاليمه، بل هي ذات أهميةٍ خاصّةٍ في الدراسات الحديثة حول الدين أيضًا. في دراسة الدِّين في العصر الحديث، بالإضافة إلى النصوص والمصادر الأوليّة للأديان والدراسات التقليديّة والدينيّة، تُستعمل أيضًا بنحوٍ ملحوظٍ الأسس والنظريّات والمناهج من مختلف فروع العلوم والمعارف البشريّة، وخاصّة ما يُعرف في العصر الحديث بالعلوم الإنسانيّة. ربما يكون أحد أسباب هذا النهج المتعدّد التخصّصات في دراسة الدِّين هو الشمولية والاتساع الذاتي لنطاق التعاليم والنصوص الدينية، من المفاهيم الأساسية الوجوديّة والفلسفيّة إلى أنواع التوصيات الأخلاقيّة والسلوكيّة المختلفة والمعارف التاريخيّة أو النهج الاجتماعيّة للدِّين. على أيّ حال، في هذا النهج والطبيعة بين التخصّصات أو متعدّدة التخصّصات في دراسة الدِّين الحديث، تكون الأسئلة والتحدّيات المنهجيّة الأساسيّة في كلّ فرعٍ من فروع العلوم الإنسانيّة ذات تأثيرٍ وامتدادٍ كبيرين في مجمل دراسة الدِّين.

مع أخذ هذا الواقع بعين الاعتبار، فإنّ جميع النُهج والفروع في دراسة الدِّين ـ مثلما هو الحال في جميع العلوم البشريّة ـ تستند في الواقع إلى نظرياتٍ ومبادئ فلسفيّةٍ ولاهوتيّةٍ خاصّة بها؛ لذا يبدو من الضروري، كما هو الحال في العلوم الطبيعية الحديثة، إعادة تعريف الأسس الميتافيزيقيّة للعلوم الإنسانية. بناءً على ذلك يجب الحديث عن (فلسفة دراسة الدِّين)، والتعامل مع هذه الأُسس والقضايا، مثل: إبستمولوجيا الدِّين والإيمان الديني، والتعريفات والمفاهيم الأساسيّة اللاهوتيّة والفلسفيّة، وأنطولوجيا الدِّين والمعرفة الدينيّة، ونطاق الدِّين ومعاييره، ومصادر التعاليم والنصوص الدينيّة، والتجارب والحالات الدينيّة،  وطرق التفسير والتوضيح، وعمليّة ومراتب الإدراك والاستنتاج، ومقارنة النظريّات والنهج، وإمكانية أو استحالة مقارنة أو تطابق الأديان، والمنطق النظري والمتطلبات المنهجيّة في تفاعل فروع دراسة الدين المختلفة مع بعضها البعض، و نحو ذلك.

على الرغم من أنّ بعض اللاهوتيين والعلماء الدينيين البارزين في التراث الفكريّ الإسلامي لم يستعملوا مثل هذه العنوانات في نقاشاتهم، إلّا أنّهم في الواقع، كانوا يواجهون القلق والأسئلة المنهجيّة الأساسيّة، وحاولوا وضع منهجٍ رئيس، ومنطقٍ أساسي لفهم الدِّين ودراسته، وربط أو تأسيس الساحات المختلفة للدِّين والمعرفة الدينية. وبناءً على إعادة قراءة وإعادة تعريف التراث والمدارس المعرفيّة والمنهجيّة للمفكرين والنظراء السابقين، بنوا أنظمةً شاملةً ومبررةً لتوضيح الساحات والمستويات الوجوديّة والمعرفيّة للدِّين والمعارف الدينيّة، وإطارًا منهجيًّا لترابط النهج النقلية، العقلية والشهودية. هذه الأمثلة تستحق اليوم التعرف الجاد وإعادة القراءة.

في عصرنا، خلقَ تداخل وتضارب أنواع المدارس والمناهج في دراسة الدِّين، سواء في مجال البحوث الحديثة المستندة إلى الأفكار والنماذج الغربية، التي تدعي بأنّها خارجيّة أم في مجال الدراسات الداخليّة، خلق هذا التداخل والتضارب مسائل وتحدّياتٍ أساسيّة وشاملةٍ جديدة، من النزاع القديم بين العقل البشري والإيمان الديني، إلى تعارض النظرة التاريخيّة أو التجريبيّة مع الأساليب الظاهراتيّة أو التفسيريّة، إلى عصر ما بعد الحداثة، ومواجهة الأساليب الفلسفيّة والعرفانيّة في فهم المعارف الدينيّة وتفسيرها.

في المجمل، تعدّ التعارضات والمواجهات المعرفيّة الجادّة والأساسيّة بين الأجهزة المعرفيّة والنماذج المنهجيّة من جهة، والاضطراب والضعف الجدّي في إحياء وإعادة بناء التراث المعرفي للفكر الديني في مواجهة التحدّيات والأسئلة الوجوديّة والفلسفيّة العميقة للإنسان والمجتمع المعاصر، التي يمكن أن تُسمى (أزمة في المنهج) في دراسة الدِّين، من القضايا الأساسيّة للدراسة المنهجيّة في الدراسات الدينيّة.

***

الكتاب الحالي هو أحد العناوين التي تُنشر في مجموعة (دراسات في المنهج)، ويعالج بعض القضايا المهمّة في موضوع فهم الدّين ومنهجيّته، وتوضيح المعارف الدينيّة تحت العنوان العام (منطق فهم الدين). مثل: الشروط، والعوائق والأضرار في فهم الدِّين، والأسس والمبادئ المعرفيّة، والفلسفيّة، واللاهوتيّة لفهم الدِّين، والمصادر والوثائق الوحيانيّة، والفطريّة، والعقليّة، والتاريخيّة، والآفاقيّة لفهم الدِّين.

ونحن إذ نُقدّم هذا الكتاب إلى المكتبة العربيّة، نأمل أن تكون الأعمال التي تُنشر في هذه السلسلة، بتوفيق الله، خطواتٍ أولى لإعادة التعرف وتنقيح المناهج والمبادئ في دراسة الدِّين، وتجنّب القراءات والتفسيرات غير الموثوقة وغير المبرّرة علميًّا، والتعرّف بنحوٍ أكثر دقّةً وموثوقيةً على المعارف الإلهيّة والوحيانيّة. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

 

المدخل

إنَّ العلوم والمعارف إنَّما هي حصيلة ونتاج مسار يُطلق عليه عنوان >الأسلوب<. وإنَّ أسلوب العلم عبارة عن آليَّة ومسار المعرفة. وإنَّ معرفة هذه الآليَّة تسمَّى بـ >علم المنهج< أو >أسلوب المعرفة<، ويطلق عليها عنوان >منطق العلم أيضًا<. إنَّ منطق العلم بوصفه منظومة أسلوبيَّة ومنهجيَّة جامعة ـ بالإضافة إلى الأسلوب ـ يبحث في مبادئ ومباني الأسلوب أيضًا. وإنَّ مسألة فهم الدِّين، وإنتاج المعرفة الدِّينيَّة لا تُستثنى من هذا الأمر؛ إذ هي الأخرى لها منطقها الخاصُّ أيضًا. وبعبارة أخرى: هناك للتَّفقُّه في الدِّين مصادر ومرجعيَّات متنوِّعة (من قبيل: الوحي، وكلام المعصوم وفعله، والعقل والفطرة)، وأنَّه من خلال الاستعانة بهذه المصادر يمكن الوصول إلى فهم الدِّين واكتشافه. وإنَّ الاستفادة من هذه المصادر، والمستندات في فهم الدِّين تحتاج إلى أسلوب ومنطق خاصٍّ، وهو ما نطلق عليه مصطلح منطق فهم الدِّين. وفي هذا الكتاب نسعى ـ من خلال التَّعريف بمنطق فهم الدِّين، وتقديم مشهد وصورة كلِّيَّة عنه ـ إلى بحث بعض مسائله العامَّة في حقل فهم الدِّين.

وقبل الدخول في بحث المسائل النَّاظرة إلى فهم الدِّين ومنطقه، يجب العمل على تحديد المعاني، والمفاهيم، والمفردات الَّتي يكثر استعمالها في هذا الشَّأن، من قبيل: الدِّين، والمعرفة، والفهم، والمنطق، والأسلوب.

أ. الدِّين ومراتبه

إنَّ الدِّين لغة، بمعنى: الجزاء، والطَّاعة، والحكم، والشَّأن، والعادة، والعبادة، والحساب، وما إلى ذلك[1]. وفي ما يتعلَّق بالمعنى الاصطلاحي للدِّين، نواجه تعريفات متنوِّعة[2]، من قبيل التَّعريف الَّذي يقدِّمه المذهب العملي، والتَّعريف الَّذي يقدِّمه المذهب الغائي، والتَّعريف القائم على الأسلوب والمنشأ، والتَّعريف بمنشأ الدِّين، ونظائر ذلك. وقد عمد المفكِّرون الإسلاميِّون إلى التَّعريف بالدِّين الإسلامي من خلال تعيين المصداق وبعض خصائصه. وإنَّ بعض هذه التَّعاريف عبارة عن: >كلُّ ما يدعو إليه نبيُّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)<[3]، و>اسم لجميع ما تعبَّد الله به خلقه، وأمرهم بالقيام به<[4]، و>مجموع التَّكاليف الَّتي يدين بها عبد الله<[5]، و>الاعتقادات والأحكام<[6]، و>العقائد والأخلاق، والقوانين، والأحكام الإلهيَّة<[7]، و>تقرير المشيئة الإلهيَّة التَّكوينيَّة والتَّشريعيَّة<[8]. ومرادنا من الدِّين هو مصداقه، أي الدِّين الإسلامي.

إنَّ للدِّين مراحل، ومراتب واقعيَّة، ومرسلة، ومكشوفة، وتأسيسيَّة[9]. إنَّ الدِّين الواقعي ناظر إلى العلم، والمشيئة الإلهيَّة لهداية، وإرشاد الإنسان. إنَّ هذه المرتبة تقوم على الاحتياجات الأصليَّة، والفطريَّة للبشر على نحو عينيٍّ، وثابت في اللَّوح المحفوظ. والمرتبة الثَّانية للدِّين هي مرتبة المرسل (المنزل). إنَّ الدِّين المرسل قد نزل من عند الله سبحانه وتعالى على النَّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد تمَّ إيداعه لدى الأوصياء. إنَّ مرتبة الدِّين المُرسل، بعد الأنبياء المُرسلين من قبل الله سبحانه وتعالى. وحيث إنَّ حاجة النَّاس تختلف باختلاف المراحل المتنوِّعة، تكون هذه المرتبة معلولة لحاجة البشر إلى الخطاب الإلهيِّ[10]. إنَّ هذه المرتبة تتطابق مع الدِّين الواقعي بشكل كامل. والمرتبة الثَّالثة للدِّين هي مرتبة المكشوف. إنَّ الدِّين المكشوف، أمر بشري، وغير معصوم، ولذلك فهو من سنخ المعرفة الدِّينيَّة، ويحتمل فيه الخطأ[11]. والمرتبة الرَّابعة هي مرتبة الدِّين التَّأسيسي الَّذي أوجد جانبًا من الدِّين المكشوف الَّذي وقع موردًا لعمل المتديِّنين، وقد عمل على إيجاد أوضاع، وأحوال اجتماعيَّة خاصَّة، وحوَّلها إلى دين هو الدِّين التَّأسيسي. وكلُّ واحد من هذه المراتب المذكورة تقوم على المرتبة السًّابقة عليها؛ من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنَّ اعتبار مرتبة الدِّين التَّأسيس هي أنَّه قد تحقَّق على أساس الدِّين المكشوف، وإنَّ مرتبة الدِّين المكشوف بدورها يجب أن تكون متطابقة مع الدِّين المرسل، وإن الدِّين المرسل متطابق قطعًا مع مرتبة الدِّين الواقعي. بالنَّظر إلى المراتب المذكورة، فإنَّ فهمنا، ومعرفتنا سوف تتعلَّق بجميع هذه المراتب.

إنَّ ما يُعادل مفردة الدِّين حاليًّا في العالم الغربي، ولا سيَّما العالم المسيحي ناظرة في الغالب إلى المرتبة الرَّابعة (الدِّين التَّأسيسي)؛ ومن هنا فإنَّ مرادهم من الدِّين بوصفه ظاهرة بشريَّة، ناظر إلى أسلوب ارتباط البشر بالألوهيَّة، أو النَّصوص الدِّينيَّة، والتَّديُّن، والأعمال، والمناسك الدِّينيَّة. وبعبارة أخرى: إنَّ المراد من الدِّين في المسيحيَّة هو منظومة من الأعمال العباديَّة (مرتبة الدِّين التَّأسيسي)[12]؛ ومن هنا فإنَّ الدِّين في عالم الإسلام لا يساوق الدِّين في عالم المسيحيَّة. وإنَّ ما يُسمَّى في الغرب دينًا، يدعونه في عالم الإسلام بالتَّديُّن، والممارسات، والشَّعائر الدِّينيَّة.

ب. المعرفة والمفاهيم ذات الصِّلة

إنَّ >العلم< و>المعرفة< قد وردا بمعنى مطلق الفهم والإدراك[13]. وعليه فإنَّ هذا المعنى أعمُّ من العلم الحصولي، والحضوري، والتَّصوري، والتَّصديقي، والجزئي، والكلِّي، والتَّذكيري، وغيره[14]. إنَّ المراد من مصطلح >العلم< و>المعرفة< ناظر إلى حقل علمي و>منضبط<، وبمناسبة ذلك سوف يرد الحديث عن المعرفة بمعنى >القضيَّة المعرفيَّة< بوصفها مكوِّنة للنِّظام المعرفي.

بالنَّظر إلى معنى العلم والمعرفة، فإنَّ المراد من المعرفة الدِّينيَّة (دينيَّة المعرفة) اتِّصافها بالدِّين من جهَّات مختلفة، ومن بينها الانسجام، والتَّناغم مع الأهداف، والتَّعاليم، والقيَم الدِّينيَّة. إنَّ دينيَّة المعرفة الدِّينيَّة تعود إلى عوامل، وعناصر، ومكوِّنات داخليَّة، وخارجيَّة لها. إنَّ هذه العوامل عبارة عن: الموضوع، والمحمول، والعالِم، والمعلوم، والأسلوب، والأداة، والمصدر، والفائدة، والتَّطبيق، والهدف، والغاية، والمباني، والفرضيَّات، والتَّصوُّرات المسبقة، والزَّمان، والمكان، والجغرافيا، والثَّقافة، والحضارة، وأمثال ذلك[15]؛ وعلى هذا الأساس فإنَّ وصف الدِّيني، والإسلامي بالنِّسبة إلى المعرفة يعني أنَّ هذه المعارف قد تمَّ إنتاجها وفقًا للمنطق الصَّحيح عن المبادئ، والمباني، والمصادر الإسلاميَّة، وفي تحقُّق الغايات النِّهائيَّة لدين الإسلام[16].

ج. الفهم والمفاهيم ذات الصِّلة

1. الفهم: لقد وردت كلمة الفهم في اللُّغة بمعان مختلفة، ومن بينها: المعرفة، والعلم بالشَّيء[17]، أو المعرفة المقرونة بالتَّعقُّل[18]، والإدراك[19]، والمعرفة بواسطة القلب[20]، وتصوُّر الشَّيء من لفظ المخاطب[21]. إنَّ المعنى الاصطلاحي للفهم له جذور في معانيه اللُّغويَّة[22]. إنَّ الفهم في المعنى الفلسفي، والمعرفي الأبستمولوجي عبارة عن تصوُّر الشَّيء من طريق الكلام، واللَّفظ الَّذي يلقيه المتكلم على مخاطبه[23]؛ ومن هنا فإنَّ فهم اللَّفظ عبارة عن حصول معناه في النَّفس، أو امتلاك تصوُّر صحيح عن معنى اللَّفظ[24]؛ وبعبارة أخرى: إنَّ المراد من الفهم هو كشف مراد المتكلِّم، والوصول إلى المعنى الحقيقي، أو المجازي من كلامه (تعيين مراد المتكلِّم). وبطبيعة الحال فإنَّ متعلِّق الفهم لا ينحصر في الألفاظ، والمعاني فقط، وإنَّما يشمل الحقائق، والظَّواهر، والأفعال أيضًا. إنَّ الفهم غير المعرفة، وذلك لأنَّ المعرفة هي نتيجة الفهم وثمرته. إنَّ للفهم معنى مصدريًّا، وللمعرفة معنى اسميًّا. إنَّ فهم الدِّين عبارة عن: >الكشف الصَّائب للقضايا، والمعارف الدِّينيَّة<[25]، والمعرفة الدِّينيَّة عبارة عن >نتيجة البحث الموجَّه في مدارك حجَّة الدِّين<[26].

2. التَّفسير: إنَّ التَّفسير مشتقٌّ من مادَّة >فَسَّر< أو >سَفَر<[27]، وله في اللُّغة معان متعدِّدة، من قبيل: >البيان< و>الإظهار< و>الكشف< و>الإيضاح<[28]. وقد تمَّ بيان التَّفسير في المصطلح القرآني، بعبارات مختلفة، ومن بينها: >كشف المراد عن اللَّفظ المشكَّل<[29]، و>هو علم نزول الآية وسورتها<[30]، و>علم معاني القرآن<[31]، و>بيان معاني الآيات والكشف عن مقاصدها ومداليلها<[32]، ممَّا يعني بمجموعه: >بيان المراد الإلهي من ألفاظ وآيات القرآن الكريم<، وعلى هذا الأساس فإنَّ مهمَّة التَّفسير عبارة عن إيضاح، وشرح، وبيان، وكشف مداليل، ومعاني ألفاظ الآيات، والعبارات، وبيان المقاصد المنشودة من مجموعة من الآيات، وإنَّ المفسِّر بدوره يبحث عن معنى النَّص. إنَّ معنى النَّص هو مراد المتكلِّم والمؤلِّف، ومن أجل إفادته يتمُّ اللُّجوء إلى استعمال الألفاظ والكلمات. إنَّ كلمة التَّفسير تنصرف في العادة إلى تفسير القرآن الكريم.

3. التَّأويل: تقع كلمة التَّأويل بموازاة كلمة التَّفسير. إنَّ التَّأويل مشتقٌّ من مادَّة >أَوْل< على وزن قول، ويعني العودة والرُّجوع[33] أو إرجاع أحد الاحتمالين إلى المعنى المتطابق مع الظَّاهر[34]. وقد ورد التَّأويل بحسب المصطلح بمعان مختلفة، من قبيل: التَّفسير، وخلاف الظَّاهر وبطون القرآن[35]. ويرى العلامة الطباطبائي أنَّ تأويل القرآن عبارة عن الحقائق الخارجيَّة المستندة إلى جميع بيانات القرآن الأعم من الأحكام، والمواعظ، والحِكَم؛ ومن هنا فإنَّ جميع آيات القرآن ـ سواء المحكمات منها، أو المتشابهات ـ تقبل التَّأويل؛ إنَّ تأويل القرآن الكريم ليس مدلولًا لألفاظ القرآن، وإنَّما هو من الأمور العينيَّة المتعالية الَّتي لا توجد إمكانيَّة للوصول إليها من طريق الألفاظ، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أنزل الحقيقة على شكل مجموعة من الألفاظ، فإنَّ ذلك إنَّما كان لمجرَّد تقريبها من أذهاننا إلى حدٍّ ما. كما قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }[36].

إنَّ الاستعمال القرآني للفظ التَّأويل يأتي بدوره في هذا المعنى ذاته[37]؛ أي الحقيقة الَّتي يعتمد عليها الحكم والخبر، أو أيُّ أمر ظاهري آخر. إنَّ تلك الحقيقة عبارة عن أمر عيني وخارجي، والَّتي تكون سببًا لتشريع حكم من الأحكام، أو بيان معرفة من المعارف، أو تؤدِّي إلى وقوع حادثة من الحوادث[38]. إنَّ نسبة التَّأويل إلى مدلول الآيات بوصفها نسبة الممثِّل إلى المثل؛ وعلى هذا الأساس فإنَّه على الرَّغم من أنَّ آيات القرآن لا تدلُّ بالدَّلالة المطابقيَّة على تلك الحقائق الَّتي هي من تأويلها، إلَّا أنَّها تحكي عنها، وتشير إليها بنحو من الأنحاء. وبعبارة أخرى: إنَّ تأويل القرآن ليس من سنخ الألفاظ، ولا من سنخ المعاني، ومدلولات الألفاظ، بل هو من الأمور الخارجيَّة والعينيَّة؛ وبذلك يكون تأويل القرآن الكريم أمر خارجي، وهو مرجع، ومصدر لأمر خارجي آخر تشير إليه معاني الألفاظ. إنَّ اتِّصاف الآيات بالتَّأويل من نوع وصف حال المتعلِّق؛ بمعنى أنَّ متعلِّق الآيات هو الَّذي يتمُّ تأويله، وليس الآيات نفسها. إنَّ آيات القرآن الكريم تنقسم إلى قسمين، وهما: الأخبار الَّتي تحكي عن الأمور الخارجيَّة، والإنشاء الَّذي يتعلَّق بالأفعال، والأمور الخارجيَّة. إنَّ متعلِّق الآيات هو تلك الأمور الخارجيَّة ذاتها الَّتي تتعلَّق بها الأخبار والإنشاءات، وإنَّ الَّذي ينطوي على تأويل حقيقة هي تلك الأمور الخارجيَّة[39]. إنَّ نسبة الأمر الخارجي إلى القرآن كنسبة الرُّوح إلى الجسد، والممثِّل إلى المثال. إنَّ تأويل الكلام الإنشائي عبارة عن المصلحة الَّتي أدَّت إلى إنشاء الحكم وتشريعه، وإذا كان الكلام خبريًّا وإخبارًا عن الأحداث السَّابقة، فإنَّ تأويله عبارة عن تلك الأحداث القديمة ذاتها الَّتي وقعت في الأزمنة الماضية، من قبيل الآيات الَّتي تتحدَّث عن سيرة الأنبياء السَّابقين والأمم السَّالفة. إنَّ واقعيَّة الدِّين تنسجم بدورها مع هذا التَّفسير للتَّأويل على نحو أشدِّ.

د. الأسلوب والمفاهيم ذات الصِّلة

1. الأسلوب

إنَّ مفردة >الأسلوب< أو >المنهج< تعادل مفردة >Method<[40] في اللُّغة اليونانيَّة والإنجليزيَّة، ومفردة >روش< في اللُّغة الفارسيَّة، بمعنى >الطَّريق< أو المسار المنطقي؛ أي: سلوك طريق من أجل الوصول إلى الهدف، والغاية بنظم، وتوال خاصٍّ. إنَّ الأسلوب ليس من سنخ العلم والمعرفة. إنَّ الأسلوب يشير إلى >الطَّريق< ذاتها، كما يُشير إلى القواعد، والفنون، والأدوات اللَّازمة من أجل الوصول إلى الهدف والغاية[41]؛ وعلى هذا الأساس فإنَّ مفردة الأسلوب >في العلم أو في غير العلم< تشمل جميع أنواع طرق، وأساليب، وفنون استخدام القواعد والأدوات المناسبة من أجل الوصول إلى الغاية[42]. وقد ورد أسلوب العلم بمعنى مسار المعرفة، أو توصيف الحقيقة والواقع[43]. إنَّ الأسلوب بهذا المعنى يشمل جميع القواعد، والأدوات، والفنون، والطُّرق الَّتي تهدي الإنسان عند الدِّراسة والبحث إلى اكتشاف الهداية[44]. لقد تمَّ بيان مختلف المعاني، والاستعمالات لمفردة الأسلوب[45].

إنَّ مرادنا من >الأسلوب<[46] هو الأعمَّ من الأسلوب الجذري، والاستعمالي، وحلَّ المسألة، والتَّنظير، وأسلوب العلم. إنَّ أسلوب العلم عبارة عن: آليَّة ومسار اكتشاف، وإنتاج القضايا، والنَّظريَّات العلميَّة، والمعرفيَّة من المصادر المعتبرة.  وإنَّ أسلوب العلم يُشير إلى أسلوب إنتاج العلم، كما يُشير إلى أسلوب اكتشاف وإنتاج القضايا، والنَّظريَّات من داخل العلم. إنَّ منهج العلم يختلف عن >علم المنهج<. إنَّ منهج العلم أوَّلًا، وبالذَّات ليس من سنخ العلم، ولذلك يكون مقدَّمًا على علم المنهج. إنَّ علم المنهج، أو العلم بالمنهج، هو علم دراسة الأساليب الَّتي يُطلق عليها مصطلح معرفة أسلوب العلم أيضًا؛ من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنَّ أسلوب علم الفقه، عبارة عن: مراحل ومسار استنباط الأحكام الشَّرعيَّة والإسلاميَّة الفرعيَّة من المصادر المعتبرة[47]. إنَّ أسلوب علم الفقه هنا هو مسار الاستنباط ذاته الَّذي يُعدُّ علم الفقه نتيجة متمخِّضة عن هذا المسار. إنَّ العلم يتكفَّل بمعرفة، ودراسة مبادئ، وأصول، وقواعد استنباط علم >أسلوب الفقه<، وهو الَّذي يتمُّ التَّعبير عنه بـ >أصول الفقه<. إنَّ أصول الفقه في الحقيقة عبارة عن منطق فهم الأحكام، والَّذي يعدُّ بشكل وآخر منطق علم الفقه، أو أسلوب معرفة الفقه.

2. أسلوب فهم الدِّين

إنَّ >أسلوب فهم الدِّين< يعني مسار كشف، واستنباط، ومعرفة الدِّين، والقضايا الدِّينيَّة من المصادر المعتبرة. وبعبارة أخرى: إنَّ >أسلوب فهم الدِّين< عبارة عن: آليَّة، وطريقة اكتشاف، واستنباط القضايا الدِّينيَّة من المصادر المعتبرة (الإسلاميَّة)، وطريقة تقييمها. إنَّ هذا التَّعريف يُشير من جهَّة إلى أسلوب فهم الدِّين، كما يُشير إلى أسلوب التَّحقيق في هذا الشَّأن، ويُشير من ناحية أخرى إلى ذات >طريق< تحقُّق المعرفة الدِّينيَّة، وإلى القواعد، والآليَّات اللَّازمة في هذا الشَّأن أيضًا؛ ومن هنا يمكن القول في تعريف عامٍّ وكلِّي: إنَّ أسلوب فهم الدِّين، يحتوي على مجموعة من القواعد، والأدوات، والفنون، والطُّرق الَّتي تعمل على توجيه الإنسان، وهدايته أثناء البحث، والتَّحقيق إلى كشف المجهولات في حقل فهم الدِّين[48]. إنَّ المعرفة الدِّينيَّة إنَّما هي حصيلة، ونتيجة المسار المذكور، وعلى هذا الأساس فإنَّ كلَّ أسلوب يستتبع نوعًا خاصًّا من المعرفة، وفي المقابل فإنَّ كلَّ معرفة إنَّما تتحقَّق من خلال أسلوب خاصٍّ، ولذلك فإنَّ المستويات المختلفة من الدِّين تستدعي أساليب متنوِّعة؛ من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنَّ الأساليب الَّتي تُستعمل في فهم العقائد، ليست على نسق واحد مع أساليب فهم الأحكام الشَّرعيَّة[49].

3. معرفة منهجيَّة فهم الدِّين

إنَّ الدِّراسة المنهجيَّة تسمَّى في اللُّغة الفارسيَّة بـ >روش شناسي<، وتسمَّى في اللُّغة الإنجليزيَّة بـ >Methodology<. كما جاء علم المنهج بمعان مختلفة، ومن بينها: >نظريَّة العلم<[50] أو >فلسفة العلم<[51]، و>الأسلوب<[52] (في الاستعمال اليومي والعامِّي)، و>توصيف الأسلوب<، وأسلوب التَّحقيق (في تدوين المقترح)[53]، وجانب من فلسفة المعرفة[54]، و>علم المنهج<[55] (أو علم القواعد والأصول المنهجيَّة)، و>العلم بالأسلوب< أو العلم >حول الأساليب<[56] و>نظريَّة الأسلوب<[57] أيضًا[58].

بالنَّظر إلى معاني علم المنهج، يمكن اعتبارها من علم المنهج، أو العلم بالمنهج (= فلسفة المنهج)[59]. إنَّ علم المنهج بوصفه علمًا يعني دراسة، ومطالعة أساليب التَّفكير، وطرق إنتاج العلم، ودراسة أساليب التَّحقيق. إنَّ علم المنهج أو >فلسفة المنهج<[60] تبحث في أساليب العلوم برؤية خارجيَّة (ولاحقة)[61]، كما وتجيز الأسلوب، والنَّموذج المطلوب برؤية سابقة أيضًا[62]. إنَّ موضوع علم المنهج هو الأساليب؛ ولذلك فإنَّه من الزَّاوية المعرفيَّة يعدُّ علم المنهج اللَّاحق متأخِّرًا عن موضوعه (الأسلوب)؛ وذلك لأنَّ علم المنهج اللَّاحق يعمل على دراسة الأساليب الموجودة، والمقارنة بينها، والعثور على القيود فيها، وعلى نقاط ضعفها، وقوَّتها؛ وأمَّا علم المنهج السَّابق، فيتكفَّل بتجويز، وتقديم الأسلوب المطلوب.

إنَّ أسلوب معرفة العلم بلحاظ الموضوع، وبعض المسائل يشترك، ويرتبط بشكل وثيق مع منطق العلم، بل وهما من بعض الجهَّات على أفق واحد، بحيث يمكن استعمال أحدهما بدلًا من الآخر في بعض الموارد. فإنَّ موضوع كلُّ واحد منهما هو أسلوب العلم، ولا يختلفان إلَّا بلحاظ المساحة فقط. إنَّ منطق العلم بالإضافة إلى دراسة الأساليب الموجود، وتقديم الأسلوب المطلوب، يتعرَّض كذلك إلى بحث المبادئ، والمباني أيضًا؛ ولكن في الوقت نفسه قد يتمُّ استعمال أحدهما في موضع الآخر أحيانًا. وإنَّ هذه المسألة تصدق بشأن مفهوم >علم منهج فهم الدِّين< و>منطق فهم الدِّين< أيضًا.

هـ ـ المبادئ والمفاهيم ذات الصِّلة

إنَّ من بين الطَّوائف الأخرى من المفاهيم الأكثر استعمالًا في منطق فهم الدِّين، عبارة عن: مفهوم >المبادئ< و>المباني<. إنَّ هذين المفهومين على الرَّغم من قربهما المعنوي من بعضهما، ولكن توجد بعض الاختلافات بينهما أيضًا. وتندرج تحت هذه المفاهيم، ألفاظ أخرى من قبيل: >الأصول< و>القواعد< و>الضَّوابط< أيضًا:

1. المبادئ: إنَّ كلمة >المبادئ< جمع مبدأ من مادَّة >بَدَا< بمعنى الاتِّضاح والظُّهور، والبدء، وبداية السَّفر، والأصل، والأساس، والعلَّة، وما إلى ذلك[63]. كما استعملت بحسب المصطلح في معان مختلفة، من قبيل: مبادئ البرهان، والمقدمات التَّصوُّريَّة، والتَّصديقيَّة للعلم، ومسائله. إنَّ المراد من المبادئ في علم المعرفة، والمبادئ التَّحقيقيَّة للعلم، هي الأمور الَّتي تقوم عليها العلوم[64]، وتعدُّ بشكل وآخر مبدأ إنطلاق لها. إنَّ مبدأ الانطلاق أعمُّ من المبدأ المعرفي وغير المعرفي؛ إذ إنَّ لكل علم مبادئ، ومقدِّمات معرفيَّة (تصوُّريَّة وتصديقيَّة) وغير معرفيَّة. والمقدِّمات المعرفيَّة بدورها تنقسم إلى قسمين أيضًا، وهما: المقدِّمات التَّصوريَّة، والمقدِّمات التَّصديقيَّة، حيث يتمُّ التَّعبير عن المقدِّمات التَّصوريَّة بالمبادئ التَّصوريَّة، ويتمُّ التَّعبير عن المقدِّمات التَّصديقيَّة بالعلم[65].

كما يتمُّ تقسيم المبادئ على أساس بعدها أو قربها من مسائل العلم، إلى قسمين أيضًا، وهما: المبادئ القريبة، والمبادئ البعيدة، ومرادنا من المبادئ في هذا الكتاب ينظر في الغالب إلى المبادئ القريبة، والَّتي يتمُّ التَّعبير عنها بالمباني أيضًا. كما تنقسم المبادئ من حيث المساحة والسِّعة إلى قسمين أيضًا، وهما: المبادئ العامَّة، والمبادئ الخاصَّة. إنَّ المبادئ الخاصَّة تختص بعلم معيَّن. وأمَّا مبادئ العلم العامِّ فلا تختص بعلم بعينه، بل تسجِّل حضورها في جميع العلوم، أو عدد منها، وهي الَّتي يتمُّ التَّعبير عنها بالمبادئ المشتركة. وسوف نهتم في هذا الكتاب ببحث كلا هذين القسمين من المبادئ (العامَّة والخاصَّة). كما يتمُّ تقسيم المبادئ بلحاظ المتعلِّق، والمضاف إليه إلى ثلاثة أقسام، وهي: المبادئ ما فوق المعرفيَّة، والمبادئ ما فوق النظريَّة، والمبادئ ما فوق الاستفهاميَّة[66]. كما تنقسم المبادئ من حيث الوضوح وعدمه إلى قسمين، وهما: المبادئ البديهيَّة، والمبادئ النظريَّة[67]، كما يمكن تقسيمها بلحاظ الاستعمال إلى قسمين أيضًا، وهما: الاستعمال الإيجابي (المطلوب والتَّسهيلي)، والاستعمال السَّلبي المخلُّ (المضرُّ). إنَّ المراد من الاستعمال الأوَّل هو أن يكون مفيدًا، ولازمًا، وضروريًّا؛ مثل: الأدوات المعرفيَّة، والاستنطاقيَّة، والمبادئ التَّمهيديَّة للسُّؤال، ومعرفة المؤلِّف، ومعرفة التَّاريخ، ومعرفة الأرضيَّات، والأزمنة ذات الصِّلة، والمدَّخرات الجانبيَّة، والتَّسهيليَّة وما إلى ذلك. والقسم الثَّاني ناظر إلى المبادئ المخلَّة، والمخرِّبة، والتَّحميليَّة (الأعمُّ من المعرفيَّة وغير المعرفيَّة).

2. المباني: إنَّ لبعض المبادئ ـ ولا سيَّما المبادئ التَّصديقيَّة ـ دورًا مبنائيًّا وجوهريًّا، حيث نعبِّر عنه بالمباني المعرفيَّة. إنَّ >المباني< جمع مبنى، وهو لغة بمعنى: موضع البناء، والجذر، والأساس[68]. وفي مصطلح (مختلف العلوم)، عبارة عن الأصول، والفرضيَّات الَّتي تقوم عليها العلوم، والنَّظريَّات، والمسائل العلميَّة، وتقوم الأحكام، والمواقف المعرفيَّة على أساسها[69]. إنَّ نسبة المبادئ إلى المباني في هذا البيان، هي نسبة العموم، والخصوص المطلق؛ بمعنى أنَّ كلَّ مبنى (الأعم من التَّصديقي والتَّصوُّري) من سنخ المبادئ، ولكن ليس كلُّ مبدأ مبنى؛ إذ إن بعض المبادئ (المبادئ غير المعرفيَّة) لا تُعدُّ مبنى، وأساسًا معرفيًّا[70]؛ ومن هنا فإنَّ مرادنا من المباني هي جميع التَّصوُّرات (المبادئ التَّصوُّريَّة القريبة)، والتَّصديقات (المبادئ التَّصديقيَّة القريبة) الَّتي يتوقَّف عليها فهم، وقبول العلم، وأمَّهات مسائلها. إنَّ هذه المباني أعمُّ من المبادئ المشتركة والخاصَّة، والبديهيَّة والنظريَّة، والمبادئ ما فوق المعرفيَّة، وما فوق التَّنظيريَّة، وما فوق الاستفهاميَّة[71].

3. الأصول: إنَّ من بين المفاهيم الأخرى الواسعة الاستعمال في حقل منطق فهم الدِّين، هو مفهوم >الأصول<. إنَّ الأصول جمع أصل، وهو لغة بمعنى الجذر والبناء[72]، وقد ورد في المصطلح بمعان مختلفة[73]، حيث يتمُّ النَّظر هنا في الغالب إلى مفهوم الأصول التَّنظيريَّة (المضمونيَّة والنظريَّة)، والأصول الاستعماليَّة[74] (الأسلوبيَّة) في فهم الدِّين. إنَّ المراد من الأصول التَّنظيريَّة لفهم الدِّين يعادل المباني النظريَّة (المبنى، والأساس المعرفي، والنَّظري)، والمراد من الأصول الاستعماليَّة، يُعادل القواعد التَّطبيقيَّة، والاستعماليَّة (قواعد العمل الاجتهادي، والأداتي، والأسلوبي، من قبيل: القواعد اللَّفظيَّة في أصول الفقه)[75]. إنَّ المباني من سنخ المعارف النظريَّة الكلِّيَّة، وغير الدُّستوريَّة؛ وأمَّا الأصول، والقواعد فهي الأعمُّ من المعارف النظريَّة، والقواعد الدُّستوريَّة؛ ولذلك فإنَّ الأصول، والقواعد النظريَّة (المضمونيَّة) من سنخ المباني[76]، والأصول، والقواعد الدُّستوريَّة من سنخ الأسلوب وقوانين العمل[77]؛ من قبيل: إرجاع المتشابهات إلى المحكمات، وقاعدة السِّياق، أو قاعدة تقدُّم السِّياق على الرِّواية، وأمثال ذلك في تفسير القرآن الكريم[78].

4. القواعد: إنَّ من بين المفاهيم القريبة من الأصول، مفهوم >القاعدة< وجمعها >قواعد<. إنَّ القاعدة تعني لغة الأساس والدَّعامَّة، وفي المصطلح تعدُّ مرادفًا للأصل بمعنى القانون، أو الحكم الكلِّي (النَّظري أو الدُّستوري) المتطابق مع جميع الجزئيَّات[79]. كما تنقسم القاعدة بلحاظ المعنى إلى قسمين، وهما أوَّلًا: بمعنى دستور العمل العام (التَّطبيقي) لفهم المعنى الاستعمالي، أو المراد الجدِّي[80]. إنَّ هذا المعنى يرادف الأصل الاستعمالي. والقسم الأخر هو الَّذي يرادف الأصل النَّظري، ويعني القواعد النظريَّة. إنَّ قواعد من قبيل: قاعدة اللُّطف، وقاعد الحسن، والقبح الذَّاتي والعقلي، من سنخ القواعد النظريَّة والأساس. وعلى هذا الأساس فإنَّ قواعد فهم الدِّين عبارة عن: قواعد العمل العامَّة، والقائمة على مباني فهم الدِّين، حيث تؤدِّي رعايتها إلى فهم الدِّين بشكل منضبط. إنَّ نسبة قواعد الفهم إلى الدِّين، مثل نسبة علم المنطق إلى سائر العلوم، أو نسبة علم أصول الفقه إلى علم الفقه.

5. الضَّوابط: إنَّ المراد من ضوابط فهم الدِّين، عبارة عن شرائط، وشروط الاستفادة من الأصول والقواعد في فهم الدِّين. إنَّ بعض شرائط، وضوابط الاستفادة من الأصول، والقواعد في فهم الدِّين عبارة عن: التَّعرُّف إلى الأصول والجذور العلميَّة للأصل أو القاعدة، التَّعرُّف إلى ماهيَّة الأصل والقاعدة، ومنشأ الأصل أو القاعدة، وشرح مفردات الأصل والقاعدة، ومعرفة دلالات الأصل والقاعدة، وتوثيق مدارك الأصل والقاعدة، ونسبته وعلاقاته مع القواعد ذات الصِّلة.

في معرض التَّعريف بعلم ما، يتمُّ البحث في المسائل، والمحاور المختلفة من قبيل: الماهيَّة، والموضوع، والمسائل، والأهداف، والغايات، والجذور، وما إلى ذلك. وإنَّ علم منطق فهم الدِّين لا يُستثنى من هذا الأمر؛ ولذلك فإنَّنا في معرض التَّعريف بهذا العلم، وبيان خصائصه سوف نعمل في الفصل الأوَّل ابتداء على التَّعريف بعلم >منطق فهم الدِّين<، وفي الفصل الثَّاني سوف نبيِّن نسبة، وعلاقة منطق فهم الدِّين مع سائر العلوم ذات الصِّلة بذلك.

 

--------------------------------------

[1]. الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن، 175؛ الجوهري، الصحاح في اللُّغة، 5:  2118؛ الفراهيدي، كتاب العين، 8: 73؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، 4: 225؛ الطريحي، مجمع البحرين، 6: 251؛ اأنيس وآخرون، المعجم الوسيط، 1: 307.

[2]. صاعد البريدي، الحدود والحقائق، 160؛ الشَّيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 3: 434؛ رشيد رضا، تفسير المنار، 3: 257؛ الطباطبائي، شيعه در اسلام، 3؛ الجوادي الآملي، شريعت در آينه معرفت، 111 ـ 112؛ رشاد، دين‌پژوهي معاصر؛ خسروپناه، انتظارات بشر از دين.

[3]. صاعد البريدي، الحدود والحقائق، 160.

[4]. الشَّيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 3: 434.

[5]. رشيد رضا، تفسير المنار، 3: 257.

[6]. الطباطبائي، شيعه در اسلام، 3؛ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، 2: 130.

[7]. الجوادي الآملي، شريعت در آينه معرفت، 111 ـ 112.

[8]. رشاد، دين پژوهي معاصر، 186. وانظر أيضًا: علي تبار، معرفت ديني، 22 ـ 23؛ علي تبار، علم ديني، 31 ـ 35.

[9]. هادوي طهراني، مباني كلامي اجتهاد در برداشت از قرآن، 384 ـ 390.

[10]. م. ن، 387.

[11]. م. ن، 385.

[12]. Geertz, «Religion as a Cultural System», 87 – 125.

[13]. معين، فرهنگ معين، مفردة: علم و معرفت.

[14]. ابن سينا، الإشارات والتَّنبيهات، 1: 308؛ صدر المتألِّهين، الحكمة المتعالية، 3: 260، و 8: 200؛ الفخر الرَّازي، المباحث المشرقيَّة، 1: 367.

[15]. رشاد، «معيار علم ديني»، مجلَّة ذهن.

[16]. علي تبار، معيار علم ديني، 29 ـ 56؛ علی تبار، علم ديني، ماهيت و روش‌شناسي، 207 فما بعد.

[17]. «علم الشَّيء». انظر: (ابن فارس، معجم مقاييس اللُّغة، 4: 457).

[18]. الفراهيدي، كتاب العين، 4: 61.

[19]. ابن منظور، لسان العرب، :10 343.

[20]. م. ن.

[21]. الخوري الشرتوني، أقرب الموارد في فصيح العربيَّة والشَّوارد، مدخل «فهم»؛ الفخر الرَّازي، مفاتيح الغيب (التَّفسير الكبير)، 2: 205؛ الجرجاني، التَّعريفات، مدخل «فهم».

[22]. زين الدِّين، البصائر النَّصيريَّة في المنطق، 180.

[23]. ابن سينا، البرهان، 259؛ صدر المتألِّهين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليَّة الأربعة، 3: 514؛ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، 2: 248.

[24]. صليبا، فرهنگ فلسفي (المعجم الفلسفي)، 2: 170؛ البغدادي، المعتبر في الحكمة، 1: 34 ـ 35.

[25]. رشاد، دين‌پژوهي معاصر.

[26]. م. ن.

[27]. الصَّالح، دراسات في فقه اللُّغة، 186.

[28]. أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، 2: 688؛ الفيومي، المصباح المنير، 472؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللُّغة، مادَّة «فسَّر».

[29]. الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، 1: 39.

[30]. الزركشي، البرهان في علوم القرآن، 2: 148.

[31]. الشَّيخ الطوسي، التِّبيان في تفسير القرآن، 1: 2 ـ 3.

[32]. الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، 1: 4.

[33]. ابن فارس،معجم مقاييس اللُّغة، 1: 159 ـ 160.

[34]. ابن منظور، لسان العرب، 1: مدخل: تأويل؛ أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، 1: مدخل: تأويل.

[35]. الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 1: 10؛ ابن تيمية الحرَّاني، التَّفسير الكبير، 2: 108 ـ 114. إنَّ التَّأويل على أقسام، ومن بينها تأويل النَّص الدِّيني. كما ينقسم تأويل النَّص الدِّيني بدوره إلى تأويل طولي وتأويل عرضي. والتَّأويل الطُّولي عبارة عن العبور من الظَّاهر والوصول إلى الطَّبقات الباطنيَّة من الكلام؛ والطَّبقات الباطنيَّة هي الَّتي تقع في طول بعضها ولا تتهافت، أو تتناقض مع ظاهر الكلام. والتَّأويل العرضي ناظر إلى معان متعدِّدة تقع في عرض بعضها. (انظر: يزدان پناه، رمز و راز تأويل عرفاني از ديدگاه اهل معرفت.)

[36]. الزُّخرف: 3 ـ 4.

[37]. الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، 3: 57.

[38]. م. ن.

[39]. م. ن، 60.

[40]. Bunnin & Yu, The Blackwell Dictionary of Western Philosophy, 430.

[41]. حقيقت، روش‌شناسي علوم سياسي، 31.

[42]. Caygill, A Kant Dictionary, Blackwell Philosopher Dictionaries, 294.

[43]. Bunnin & Yu, The Blackwell Dictionary of Western Philosophy, 623.

[44]. ساروخاني، روش‌هاي تحقيق در علوم اجتماعي، 1: 24.

[45]. حقيقت، روش‌شناسي علوم سياسي، 33 ـ 42؛ پارسانيا، «روش‌شناسي علوم انساني با رويكرد اسلامي»، 39 ـ 53؛ جوارشكيان، «مباني نظري روش‌هاي تحقيق در علوم انساني»؛ انظر: ملكيان،  «روش‌شناسي در علوم سياسي».

[46]. The Method of Science – the Method of Knowledge: Suarez, Epistemology and Methodology of Science, 119.

[47]. العاملي، معالم الدِّين وملاذ المجتهدين، 26.

[48]. ساروخاني، روش‌هاي تحقيق در علوم اجتماعي، 1: 24.

[49]. پارسانيا، «روش‌شناسي علوم انساني با رويكرد اسلامي»، 39 ـ 53.

[50]. Theory of science

[51]. Philosophy of science

See: Borchert, Encyclopedia of Philosophy, V. 6. 490; Rosenberg, A Philosophy of Science, 147 and 199; Fritz, Methodology of Economics and Other Social Sciences, 5 – 55.

[52]. Method: (The worst misuse of the word methodology is its substitution for method; Fritz, of Economics and Other Social Sciences, 62).

[53]. The Methodology of research methodology of survey (See: Idem, 7 - 8).

[54]. Methodology as a part of the Philosophy of knowledge (See: Idem).

[55]. The science of method

[56]. إنَّ علم المنهج دراسة حول الأسلوب، ومن هنا فإنَّه ليس مجرَّد أسلوب أو مجموعة من الأساليب، ولا هو من توصيف الأساليب أيضًا (ٍSee: Idem, p. 55).

[57]. Doctrine of method (Caygill, A Kant Dictionary Blackwell Philosopher Dictionaries, 294).

[58]. Fritz, Methodology of Economics and Other Social Sciences, 5 – 55.

في كتاب منهج علم الاقتصاد وغيره من العلوم الاجتماعيَّة لمؤلفه مكلاب فريتز، ضمن الإشارة إلى المعاني المختلفة لـ «علم المنهج»، تمَّ التَّعرُّض إلى استعمالاتها في مختلف الأعمال والآراء، من قبيل: أعمال إيمانوئيل كانط، وكراس، وماكس فيبر، وبريجمان، ووايتهيد، وموريس كوهين، ورايشنباخ، وكافمن، وشوتز، وكارناب، وبوبر، وهمبل وغيرهم (See: Idem, 5 - 55).

[59]. ولهذا السَّبب لم يكن علم المنهج يُعدُّ في السَّابق علمًا مستقلًّا، بل كان يتمُّ إدراجه ضمن الفلسفة مثل علم المنطق.

[60]. The philosophy of method

[61]. Jupp, The Sage Dictionary of Social Research Methods, 175 – 437; Shell, Economic Theory, 5 – 50.

[62]. رشاد، درآمدي تأسيسي بر فلسفه اصول فقه، 13؛ ساروخاني، فلسفه علم ومتدلوژي، 7 و13 و23، ونقده في: ناجي، «نقد كتاب فلسفه علم ومتدلوژي»، 155 ـ 170.

[63]. ابن فارس، معجم مقاييس اللُّغة، 1: 212 ـ 213؛ الفراهيدي، كتاب العين، 8: 83.

[64]. ابن سينا، البرهان، 157؛ الشَّيخ الطوسي، شرح الإشارات والتَّنبيهات، 1: 301.

[65]. اليزدي، الحاشية على تهذيب المنطق للتفتازاني، 115؛ الإصفهاني، هداية المسترشدين في شرح أصول معالم الدِّين، 1: 123 ـ 124.

[66]. إنَّ المبادئ ما فوق المعرفيَّة تشير إلى مبادئ العلم الحاكمة على سلسلة من العلوم المعرفيَّة، والمبادئ ما فوق النظريَّة تشير إلى المبادئ التَّنظيريَّة، وأمَّا المبادئ ما فوق الاستفهاميَّة، فهي تستعمل في حلِّ المسائل المعرفيَّة. (انظر: رشاد، «بررسي انتقادي مبادئ پژوهي اصوليون»، 29 ـ 30.)

[67]. الشَّيخ الطوسي، شرح الإشارات والتَّنبيهات، 1: 300 ـ 301.

[68]. ابن فارس، معجم مقاييس اللُّغة، 1: 302؛ أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، 1.

[69]. السبزواري، غرر الفرائد: شرح منظومة حكمت، 1: 87 ـ 88؛ علي تبار، فهم دين، 41 ـ 42.

[70]. إن مفهوم المبادئ، هو ـ من بعض الجهات ـ أعم من المباني؛ فأولًا: المبادئ هي الأعم من البعيدة والقريبة، في حين أنَّ المباني لا تشمل إلَّا المبادئ القريبة أو الملحقة بالقريبة. وثانيًا: إنَّ المبدأ هو الأعمَّ من المعرفي وغير المعرفي، في حين أنَّ المباني لا تنظر إلَّا إلى المبادئ المعرفيَّة. وثالثًا: إنَّ المبادئ هي الأعمَّ من الأساس وغير الأساس، ومن هنا فإنَّ بعض المبادئ (المعرفيَّة) تؤدي دورًا تأسيسيًّا، وبعضها الآخر (المبادئ ما فوق المعرفيَّة)، إنَّما هي مبدأ العزيمة والانطلاق. وبعبارة أخرى: إنَّ بعض العناصر المؤثِّرة في حلِّ المسألة لا تؤدي دورًا تأسيسيًّا، بل هي ـ من قبيل: علم المنطق، والأدبيات العربيَّة ونظائر ذلك ـ من سنخ المعارف التَّمهيديَّة والآليَّة والتَّطبيقيَّة، وبعض المبادئ الأخرى ليست من سنخ المعرفة والعلم أبدًا، وإنَّما تؤدي مجرَّد دور تحفيزي وتحريكي، من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنَّ نيَّة وغاية المحقِّق هي سبب في إيجاد الدَّافع، والحافز، ونقطة انطلاقه وحركته إلى حلِّ المسألة، أو قيامه بعمليَّة البحث والتَّحقيق. إنَّ هذا المعنى من المبادئ ليس من سنخ المباني والأسس.

[71]. علي تبار، علم ديني، ماهيت و روش‌شناسي، 257.

[72]. ابن منظور، لسان العرب، :11 16.

[73]. المظفر، أصول الفقه؛ الآخوند الخراساني، كفاية الأصول؛ ولائي، فرهنگ تشريحي اصطلاحات أصول.

[74]. التهانوي، موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، 1: 212 ـ 215.

[75]. إنَّ بعض الأصول اللَّفظيَّة في فهم النَّص، عبارة عن: أصالة الظُّهور، وأصالة الحقيقة، وأصالة العموم (عدم التَّخصيص)، وأصالة الإطلاق، وأصالة عدم التَّقدير، وعدم النَّقل، وعدم الاشتراك، وأصالة عدم القرينة ونظائر ذلك.

[76]. النَّظري والتَّأسيسي (المعرفي والاستقلالي)، من قبيل: القواعد الفقهيَّة الَّتي هي من الحكم أو بيان الحكم.

[77]. الدُّستوري (قواعد العمل، الاجتهاديَّة، والآليَّة والأسلوبيَّة).

[78]. يمكن الحصول من مبنى أو أصل أو قاعدة على عدد من الأصول والقواعد الأخرى، كما أنَّ المبنى والأصل في حدِّ ذاته يقوم على عدد من الأصول والمباني الأخرى.

[79]. التهانوي، موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، 2: 1295.

[80]. إنَّ المراد الاستعمالي يتَّحد مع المراد الجدِّي تارة، ويختلف عنه تارة أخرى.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف