تأليف :
مجموعة باحثين
إعداد :
د. محمد حسين كياني
فهرس المحتويات :
الإلهيّات الحضاريّة / حبیب الله بابائي
الخصائص الإسلامية والقرآنية لـ «الحضارة»/ حبيب الله بابائي
الأداء الحضاري للقرآن الكريم، دراسةٌ تمهيديةٌ في حقل الحضارة الإسلامية المتقدّمة / محسن ألويري
مفهوم المهدوية والحضارة الإسلامية الحديثة / محسن ألويري
قابليّات علم الكلام في الدراسات الحضاريّة / محمد تقي سبحاني
قابليّات العرفان الإسلامي في الإنتاج الحضاري / السيد يدالله يزدان پناه
دور الفلسفة الإسلامية وموقعها في الحضارة الإسلامية / حسن عبدي
الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء، دورٌ رياديٌّ في الإحياء الحضاري الإسلامي / هاشم الميلاني
مالك بن نبي، من نقد الذات والآخر إلى بناء نظريةٍ جديدةٍ في البناء الحضاري/ مصطفى النشار
الحضارة الوحيدة التي ألهمت الغرب، هي الحضارة الإسلامية / سيد حسين نصر
الحضارة الغربيّة والحضارة الإسلاميّة / حبيب الله بابائي
المباني النظرية لحضارة الغرب الحديثة / علي بيگدلي
کلمة المركز
بسم الله الرحمن الرحيم
(الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )
(الحج:14)
إن مصطلح «الحضارة» هو من المفاهيم والتعابير التي كانت تُستخدم منذ قديم الزمان في الأدبيات والنصوص التاريخية أو التحليلات الثقافية وكذلك في الخطاب العام بشكل متكرر نسبيًا، وعلى الرغم من ذلك، لم يكن لهذا المصطلح تعريفات واضحة ومحددة من الناحية المعنوية. كذلك، فإن مصطلح «الثقافة» يُعتبر أحد أهم المفاهيم التي تشترك مع الحضارة من حيث تاريخ الاستخدام، حيث لهما تاريخ متشابه جدًا، ومن المثير للاهتمام أنهما يرتبطان بشكل كبير من حيث النطاق والشبكة المعنوية، وغالبًا ما يتم استخدامهما معًا كتعبير مكمل أو مرادف.
في عصرنا الحالي، لا يزال استخدام مصطلح «الحضارة» شائعاً في الخطاب العام، كما أنه حاضر في الدراسات المتخصصة في مختلف فروع العلوم الإنسانية من زوايا مختلفة وفي سياقات متنوعة. وفي الأوساط العلمية، يُتناول أحيانًا من منظور متعدد التخصصات والشامل تحت مسمى «دراسات الحضارة». وعلى الرغم من أن مصطلح «الحضارة» قد يكون قد تقلص وأصبح محدودًا في استخداماته المتأخرة - مثل العديد من المفاهيم الهامة والعامة في النقاشات الإنسانية - مقارنةً بالفترات السابقة، وفي بعض المجالات حلَّت محله مفاهيم حديثة مثل التنمية، المواطنة، الدولة وما شابه، إلا أنه لا يزال يستخدم لتحليل أو مقارنة الوضع العام للحياة الاجتماعية والثقافية للبشر في التقسيمات القومية والسياسية والجغرافية والتاريخية المختلفة.
عندما يُوصَف مجتمع بشري بأنه «متحضر»، فعادةً ما يُفهم من هذا الوصف حالة مرغوبة ومتقدمة تتميز بمستوى أعلى من القوة والقدرة والنمو الاجتماعي. وربما يتم استخدام تعبير «الحضارة الغربية» أو «الحضارة الإسلامية» في سياق هذا المعنى بشكل أكبر. من ناحية أخرى، نعلم أن الدين والمعارف الدينية ليست محايدة تجاه مسألة التقدم أو التخلف الثقافي والاجتماعي للمجتمعات البشرية، ولديها أحكام وقضايا على الرغم من اختلاف المفاهيم والتعابير.
إلى حد أن العديد من المفكرين والكتاب قد استخدموا منذ سنوات تعبير «الحضارة الإسلامية» - بالرغم من الجدل والنقاشات حول أصل هذا التعبير بينهم - ويُشار الآن هنا وهناك إلى إحياء أو تجديد التجربة الحضارية الإسلامية أو الحضارة الإسلامية الحديثة.
من هذا المنطلق، من الجدير بنا أن نتأمل في مفهوم «الحضارة» ومعانيها من منظور الأسس والمعارف الدينية، ونسعى إلى توضيح وتنقية المفاهيم الدينية التي قد تشترك مع الحضارة في المعاني أو تكون قريبة منها، ونبحث في علاقتها مع بعضها البعض. كما ينبغي دراسة النظريات العامة حول العلاقة بين الدين والحضارة في مختلف مجالات العلوم الإنسانية والدراسات الدينية. وقد حاولت مجموعة المقالات الحاضرة أن تكون خطوة أولى في هذا الاتجاه.
المقدمة
إن الحضارة أو المدنية والنزوع إلى الاستيطان في المدن التي تطلق على المجتمعات ذات البنية المعقّدة والطبقات الاجتماعية المتعددة، والأطر والعلاقات الجماعية المتنوّعة ومجموعة من القوانين والرموز الخاصة. وبعبارة أخرى: إن للحضارة نسبة مفهومة مع الحياة الاجتماعية للناس، حيث تُعرف من خلال أوصاف من قبيل: تنمية الدولة، والطبقات الاجتماعية، والحوار الحضري الفذ، والتقدّم في مختلف الحقول من قبيل: العلوم والفنون والصناعة والاقتصاد وما إلى ذلك. ومن هنا تُعرف الحضارة بمركزية السلطة والقوّة بالمعنى العام وضمن جغرافية محدّدة.
إن الحضارة ترتبط بمختلف الأبعاد المتنوّعة للحياة الفردية والاجتماعية. وفي هذا الشأن تعدّ نسبة الدين إلى الحضارة من بين المسائل المهمّة التي تضع بين أيدينا الكثير من الموضوعات الجديرة بالدراسة والتحقيق. بعيدًا عن البحث حول المفاهيم والنظريات والاتجاهات والتيارات المرتبطة بمجمل الحضارة والتمدّن، يمكن التحقيق بالتفصيل حول بعض المسائل المرتبطة بالإسلام والحضارة؛ وهي مسائل وموضوعات من قبيل: الخصائص والأبعاد التاريخية للحضارة الإسلامية، وإعادة تعريف التراث الحضاري للإسلام بما هو أساس لرسم الحضارة الإسلامية، وخصائص ولوازم الحضارة الإسلامية الحديثة، ونسبة العلوم الإسلامية إلى تحقق الحضارة الإسلامية، ودور البلدان الإسلامية في التحرّك نحو بناء الحضارة الجديدة، وتأثير التعاليم الإسلامية في رسم وتوجيه الحضارة، ودور الحوزات العلمية، والتجمّعات الجامعية في رسم مقدمات وأهداف الحضارة الإسلامية، وعناصر الحضارة الإسلامية على أساس مذهب أهل البيت ^ أو تأثير تعاليم أهل البيت^ في مسار بناء الحضارة أو إصلاحها، ونقاط اشتراك وافتراق الحضارة الإسلامية مع سائر الحضارات الأخرى ولا سيّما الغربية منها، وتأثير تحديات العصر الجديد في تحقق الحضارة الإسلامية الجديدة، أو الإجابة عن التحديات الجديدة على أساس تراث الحضارة الإسلامية، ودور التربية والتعليم والصناعة والتكنولوجيا وما إلى ذلك في دراسات الحضارة الإسلامية والكثير من المسائل الأخرى.
إن التأمّل حول الدين والحضارة أمر لازم وضروري من عدّة جهات. فمن جهة يُعدّ هذا النوع من التأمّلات بمنزلة المقدمات النظرية للعمل على الارتقاء الكيفي وتحسين مستوى حياة المسلمين. وعلى كل حال فإنه بغض النظر عن أن المعرفة التاريخية للحضارة الإسلامية القديمة يساعد على فهم وإدراك خصائص المجتمعات الإسلامية بشكل أفضل، ولكن هذا الوعي والإدراك يُعدّ ـ في الوقت نفسه ـ بمنزلة المبنى لاتخاذ القرارات الاجتماعية والدولية أيضًا . ومن ناحية أخرى يمكن لمجموعة من الإرادات والخطوات الاجتماعية الهادفة أن تشكّل مقدّمة لإعادة بناء حضارة إسلامية جديدة أيضًا . وعلى كل حال فإن التفكير من أجل إعادة بناء المجتمعات الإسلامية وارتقائها وتصفيتها وتحسينها على المستوى الكمي والكيفي، يُعدّ واحدًا من المسائل التي قلما نجد مسلمًا لا يُبدي اهتمامًا بها، أو يعدّها مسألة قليلة الأهمية.
إن هذا الكتاب يمثّل مدخلًا نظريًا بشأن التفكير حول النسبة بين الدين والحضارة؛ والجواب عن أسئلة من قبيل: ما هي الخصائص التي تحتوي عليها الحضارة في ضوء التعاليم الإسلامية؟ ما هي الآليات والأدوات التي يمكن رسمها للحضارة الناظرة إلى التعاليم الإسلامية؟ ما هو التأثير الذي تتركه الرؤية المهدوية في الحضارة الإسلامية الجديدة؟ وما هو التأثير والنفوذ الذي تركته أو ستتركه العلوم الإسلامية ـ ولا سيّما منها علم الكلام والفلسفة والعرفان ـ في الحضارة الإسلامية؟ وما هي الرؤية الحضارية التي كان يحملها المفكّر المسلم؟ وما هي نسبة الحضارة الإسلامية إلى الحضارة الغربية؟ وما هي التحديات التي ترى أنها تواجهها في المرحلة المعاصرة؟ وما إلى ذلك من الأسئلة الأخرى.
إن هذا الكتاب يشتمل على مجموعة من المقالات على النحو الآتي:
1. الإلهيات الحضارية: في هذه المقالة يتمّ استعمال مفهومين للإلهيات الحضارية، وهما أولًا : الرؤية الإلهية للمقولات الحضارية، وثانيًا : الرؤية الحضارية للموضوعات الإلهية. وفي الحقيقة فإن اهتمام الكاتب ناظر إلى بسط هذين المفهومين عن الإلهيات الحضارية، ليقوم في الخطوة الأولى بدراسة مفهوم الرؤية الإلهية إلى المقولات الحضارية، وإيضاح معنى هذا التعبير في ضوء المصلح القديم والحديث للإلهيات. ثم يعمل في خطوة أخرى على التأمّل والتدبّر في إمكان الرؤية الحضارية إلى الأمور الإلهية والنماذج الممكنة لها، من قبيل: الغيب، والأمل، والتضحية، وما إلى ذلك في الإلهيات الإسلامية، ليقدّم من خلال ذلك طريقًا مختلفًا للتفكير حول أسس وظرفيات الدين الإسلامي في بناء الحضارة الإسلامية.
2. الخصائص الإسلامية والقرآنية لـ«لحضارة»: تسعى هذه المقالة إلى بيان خصائص الحضارة في ضوء تعاليم القرآن. يذهب الكاتب إلى الاعتقاد بإمكان بحث التعاليم المباشرة أو غير المباشرة للقرآن الكريم حول الحضارة من خلال ثلاث خصائص، وهي: «التوحيد»، و«الأخلاق»، و«المجتمع». إن مجموع هذه الدلائل لا تكون مفهومة بالنسبة إلى خصوص المسلمين أو الذين يعيشون تحت كنف الحضارة الإسلامية فقط، بل ويمكن تعريفها ـ بوصفها مقولة حضارية ـ لسائر الحضارات الأخرى بما في ذلك النماذج غير الإسلامية أو غير الدينية أيضًا . وفي الحقيقة فإن الغاية من هذه الدراسة هي عرض وبيان الخصائص المنبثقة عن القرآن الكريم في بناء الحضارة الإسلامية / الإنسانية. وبعبارة أخرى: إن الغرض هو أن نثبت أن هناك خصائص أخرى يمكن بيانها بالإضافة إلى الخصائص الحضارية الحديثة أيضًا؛ ويمكن العبور على الخصائص الحديثة ونقدها. كما يمكن العمل على قراءة النص القرآني حضاريًا واستخراج بعض الخصائص المختلفة منه، وتوظيف ذلك وتطبيقه في تقييم إنسانية الحضارة.
3. الأداء الحضاري للقرآن الكريم، دراسةٌ تمهيديةٌ في حقل الحضارة الإسلامية المتقدّمة: دراسة تمهيدية في دائرة الحضارة الإسلامية السابقة: إن القرآن الكريم هو الأصل المعرفي ومنطق تركيب وتعيين كيفية العلاقة بين الأجزاء والمبين للجهة الأصلية لحضارة المسلمين. يمكن توثيق هذا المعطى من خلال رؤية داخلية إلى القرآن الكريم ودراسة مفاهيمه الحضارية من جهة، ومن خلال النظرة الخارجية إلى واقعية الحضارة الإسلامية، والوظائف والأدوار القرآنية فيها من جهة أخرى. لقد اختصت هذه المقالة ببحث الموضوع الثاني، وهي الوظيفة الحضارية للقرآن الكريم، وقد عمدت إلى دراسة هذا الموضوع ضمن محورين رئيسين، وهما أولًا : تأثير القرآن الكريم على الروح العامّة وتوجهات الحضارة الإسلامية وتأثير القرآن في أجزاء ومظاهر الحضارة الإسلامية. وفي المحور الثاني تمّ بحث المعارف والفنون والفضاءات التشريحية لمناطق عيش المسلمين وحياتهم الاجتماعية أيضًا . وعلى هذا الأساس فإن انحسار التعاليم القرآنية عن مسرح المجتمع الإسلامي، وحصرها في حدود المسائل الفكرية المنفصلة عن الاحتياجات الاجتماعية، سوف يشكل بداية لركود الحضارة الإسلامية، بيد أن الوضع الراهن للحضارة البشرية والمنعطف التاريخي لتحوّل الحضارات، يشكّل أرضية خصبة لعودة القرآن ثانية إلى مشهد المجتمع وجعله هو المحور في الحضارة الإسلامية الجديدة.
4.مفهوم المهدوية والحضارة الإسلامية الحديثة: يمكن تصوّر تأثير الدين في الحضارة ضمن مساحتين، وهما: المساحة الجزئية المرتبطة بظواهر الحضارة التي هي من قبيل: الأبنية والآثار العلمية والآداب والتقاليد. والمساحة الكلية المرتبطة بالأساس الفكري والروح الحاكمة على الحضارة. يمكن إثبات المساحة الأولى بسهولة من خلال المرور بالمصادر ذات الصلة، وأما المساحة الثانية فقد تمّ الاهتمام بها ـ بشكل وآخر ـ في أعمال المنظرين في حقل الحضارة. وفي دائرة الإسلام حيث يكون إثبات المساحة الأولى أمرًا بديهيًا ، فإنها لا تكون بحاجة إلى دليل. وفيما يتعلق بالمساحة الثانية ـ بالإضافة إلى التجربة التاريخية ـ يمكن إثباتها من خلال الاستدلال العقلي أيضًا . يقوم الإسلام ـ على المقياس الفردي والاجتماعي ولرفع مستوى تأثير التعاليم وبوصفه خطوة لتكميلها ـ بالعمل على ربط المفاهيم والتعاليم بالنماذج المثالية. وعلى هذا الأساس يمكن للمفاهيم المهدوية أن تلعب دورًا من خلال رسم مستقبل منظور وفي بلورة الروح الحاكمة على الحضارة الإسلامية الجديدة. يمكن عدّ هذا البيان بوصفه «أفقًا توصيفيًا» يمثل حلقة الوصل بين المهدوية والحضارة الإسلامية الجديدة. إن هذه المقالة قد تعرّضت لبحث هذه النقطة، وعملت في الختام على تقديم بعض المقترحات في إطار توظيف هذه الإمكانية.
5. قابليّات علم الكلام في الدراسات الحضاريّة: تتألف هذه المقالة من قسمين رئيسين: في القسم الأول تمّ استعراض التعريفات والمفاهيم الأصلية، من قبيل: الحضارة والتبويب العلمي المطلوب، وموقع علم الكلام في هذا التبويب، وإمكانات علم الكلام في الدراسات الحضارية. وقد تمّ اختزال إمكانية الكلام ضمن مساحتين، وهما: «بيان الاتجاه الحضاري للدين»، و«العرض المنظم والجامع للتعاليم الدينية». وفي هذا المورد يمكن الإشارة على نحو الاستقراء إلى الأبحاث الأنطولوجية والأبستمولوجية والأنثروبولوجية ونظرية الإمامة بوصفها من أهمّ المحتويات الكلامية بالنسبة إلى دراسة الحضارة. وفي القسم الثاني يتم العمل ـ من خلال بيان الأنثروبولوجيا الكلامية على أساس محور العقل والإرادة ـ على إثبات قدرة علم الكلام في تأسيس القواعد الضرورية واللازمة للعلوم الحضارية الإسلامية.
6. قابليّات العرفان الإسلامي في الإنتاج الحضاري: يمكن لإعادة قراءة إمكانات العرفان الإسلامي في إنتاج الحضارة ـ بالإضافة إلى تقوية أدبيات توصيف الحضارة ـ أن تعمل على بيان أهمية العرفان الإسلامي في النظام الحضاري المنسجم. تعدّ مفاهيم علمي العرفان النظري والعرفان العملي والأداء التاريخي للعرفان الإسلامي من الأسس النظرية لهذه الدراسة الحضارية. وفي هذا الشأن يكون المعطى الأساسي عبارة عن العرفان النظري، أي: «الأسماء الإلهية والتلاقح الأسمائي»، والمعطى الأصلي للعرفان العملي، أي: «البُعد والقرب من الله تعالى»، ومن خلال الاستفادة منهما يتم تقديم توصيف للحضارة الإسلامية المنشودة. وفي حقل إمكانيات بناء الحضارة من خلال تجاوز شبهة الإعراض عن الدنيا في العرفان والاستناد إلى المصادر الإسلامية للعرفان وكذلك المفهوم النهائي لها وهو البقاء بعد الفناء ـ وليس الفناء ـ وعناصر من قبيل: النصرة، والخلافة بالسيف، والجمع المتلائم بين الروح والجسد، يتمّ بيان الموقع الأصلي للعرفان في صلب هندسة الحضارة الإسلامية، وفي رؤية أخرى يتمّ بيان أن العرفان يحتوي ـ من خلال توفيره لأربعة عناصر، وهي: المعنوية والعقلانية المعنوية الخاصّة في المنظومة المنسجمة، وتقديم نموذج أسمى عن الالتزام بالشريعة، والحصول على أسلوب خاص في فهم النصوص الدينية (التأويل) ـ على نتائج وفيرة في بناء الحضارة الإسلامية.
7. دور الفلسفة الإسلامية وموقعها في الحضارة الإسلامية: تعمل هذه المقالة على دراسة دور الفلسفة في الحضارة الإسلامية. والسؤال الأصلي في هذه المقالة يقول: ما هو الدور الذي لعبته الفلسفة الإسلامية والمكانة التي احتلتها في تطوير الحضارة الإسلامية؟ ونتيجة هذه الدراسة عبارة عن أولًا: إن للفلسفة تعريفات متعددة، وإن أساس هذا التحقيق يقوم على مفهوم الفلسفة بوصفها أسلوبًا عقليًا في إطار دراسة الأحكام العامّة للوجود. وثانيًا: إن دور الفلسفة في تطوير الحضارة يُعدّ حيويًا لعدّة أسباب، وهي أولًا: المساعدة على بناء هوية ثقافية للمجتمع، وثانيًا: إعداد الأرضية لبناء منظومة فكرية، وثالثًا: إعداد الأرضية لأجل إصلاح الحياة الاجتماعية من طريق مواجهة الانحرافات الفكرية، من قبيل: العدمية، والنسبية، والنزعة التشكيكية، ورابعًا: تلبية حاجة الإنسان الفطرية إلى معرفة الحقائق، وخامسًا: المساعدة على إقامة الحوار بين مختلف الحضارات من جهة، وبين مختلف التيارات الفكرية في إطار الحضارة الإسلامية من جهة أخرى. وعلى هذا الأساس لو كانت الفلسفة الإسلامية بصدد البحث عن التأثير الأكبر في الحضارة الإسلامية، فيجب أن تكون بصدد البحث عن التأثير في مختلف الحقول الاجتماعية والتعليمية والسياسية وما إلى ذلك، على أمل تلبية الاحتياجات الراهنة للمجتمع الإسلامي.
8. الشيخ محمد الحسين آلكاشف الغطا، دور ريادي في الإحیاء الحضاري الإسلامي: تتعدد وجوه المشروع الإصلاحي للشيخ كاشف الغطاء (١٢٩٤-١٣٧٣ هـ. ق) وتتنوع؛ إذ كان رحمه الله فقيها وأديبا ومتكلما وحكيما وسياسيا محنكا، وبنى وفق هذه الخلفية حركته العلمية والفكرية في معالجة ومواجهة التحديات التي تواجه المجتمع والعالم الإسلامي، ولهذا، فقد اتبع المنهج العملي الوظيفي، إذ يشير إلى فوائد الالتزام بالدين ليثبت أهميته وضرورته، ويؤكد على ضرورة إحياء العوامل التي توجب نهوض الأمة والوصول إلى رشدها. وفي هذا السياق يرى الشيخ كاشف الغطاء أن جهود المصلحين نحو اتحاد العالم الإسلامي قد أثمرت وقد بدت بشائر الخير، وظهرت طلائع النجاح، وتربت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة. ومن الواضح أنه (قده) كان مستشرفًا ومواكبًا لما يجري في العالم، لهذا صوّب باتجاه مفاسد الغرب والفكر والثقافة الغربيين. لذا، فهو يعتقد بأن الغرب هو السبب في إفساد الأمة، وأن الغرب لا يريد نفع الأمة الإسلامية،.... وكانت له مواقف سياسية متعددة تنبيء عن عمق نظره، ومعرفته بالواقع العالمي والإقليمي.
9. مالك بن نبي، من نقد الذات والآخر إلى بناء نظريةٍ جديدةٍ في البناء الحضاري: يتناول هذا المقال فكر مالك بن نبي، الذي يركز على أن الحضارة تبدأ بفكرة دينية، حيث يعتبر الدين أساسًا في بناء الحضارات. يحدد بن نبي ثلاثة عناصر أساسية لأي حضارة: الإنسان، التراب (الموارد)، والوقت، والتي لا تتحول إلى حضارة إلا بوجود فكرة دينية محركة. يرى أن تخلف المجتمعات الإسلامية نابع من ضعف داخلي، ويعبّر عن ذلك بمفهوم «القابلية للاستعمار». يركز المقال أيضًا على أهمية الثقافة في بناء الحضارات، حيث يرى بن نبي أن الثقافة هي الإطار الذي يشكل الإنسان والمجتمع، وأن الحضارة تزدهر عندما تتكامل الأفكار مع القيم الروحية والعمل الجاد. كما ينتقد تركيز المجتمعات الحديثة على «الأشياء» و«الأشخاص» بدلًا من «الأفكار». في الختام، يشير المقال إلى أن النهضة الإسلامية تتطلب تغيير الفكر، تخطيطًا فعالًا، واستخدامًا صحيحًا للموارد والوقت، مع إعادة إحياء الروح الدينية وتجديد الفكر الإسلامي لمواجهة التحديات المعاصرة.
10. الحضارة الوحيدة التي ألهمت الغرب، هي الحضارة الإسلامية: أهمّيّة محاورة الدكتور السيّد حسين نصر حول قضايا الغرب وتحوّلاته الفكريّة والقيميّة، تكمن في معايشته العضويّة للمجتمعات الغربيّة نفسها، فقد صرف الرجل ولمّا يزل قسطًا وازنًا من حياته في معاهد الغرب وجامعاته طالبًا وأستاذًا وعارفًا بمشكلاته المعرفيّة والمجتمعيّة، حتّى أنّك حين تقرأ كتاباته ومحاضراته والمؤتمرات التي يشارك فيها، سوف تشعر أنّك تلقاه فيلسوفًا لا يصدر عن حكمٍ قيمية بقدر ما يعاين عقل الغرب معاينة عقلانيّة، ثمّ ليحدّد مواقفه تبعًا لتلك المعاينة. في ما يلي حوار أجراه معه الباحث حامد زارع، ويتمحور بصورة أساسيّة حول نظريّة (حوار الحضارات) التي طرحت على نطاق عالميّ إبان العقود الثلاثة، وهي النظريّة التي جاءت كردٍّ على أطروحة (صدام الحضارات)، التي أطلقها المفكّر الأميركي صموئيل هانتغتون في تسعينيّات القرن المنقضي.
11. الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية: في الرؤية التاريخية / المقارنة بين «حضارة الغرب» و«الحضارة الإسلامية» يمكن العثور على عناصر الاتحاد الحضاري في الكثير من النقاط المتنوّعة والعناصر المتعدّدة. ومن بين هذه العناصر عنصر الدين بوصفه عنصر الارتباط والاتصال في الحضارات ومن بينها حضارة الغرب والحضارة الإسلامية في التاريخ المنصرم. وفي هذا الشأن يمكن بحث موقع الدين المسيحي في حضارة الغرب والدين الإسلامي في الحضارة الإسلامية، ضمن ثلاث مراحل، وهي: مرحلة التأسيس، ومرحلة النموّ والازدهار، ومرحلة الأفول، والعمل على دراسة وتحليل آليات الاتحاد، والعمل في بعض الموارد على بحث أسباب التشتت في كل واحدة من هذه المراحل الثلاثة. وفي هذا الشأن يبدو أن مصير الحضارة الإسلامية يختلف جدًا عن التاريخ الحضاري للغرب، وإن تاريخ هاتين الديانتين على طرفي الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية يعدّ واحدًا من محطات الفرق والاختلاف بين هاتين الحضارتين وفي انسجامهما أو عدم انسجامهما الحضاري. وبذلك فقد تعرّض كاتب هذه المقالة إلى ثلاث مراحل، وهي: مرحلة التأسيس، ومرحلة الازدهار، ومرحلة نهاية الحضارتين، وعمد إلى بيان الاختلافات المحتملة والممكنة بينهما.
12. المباني النظرية لحضارة الغرب الحديثة: تقوم المباني النظرية للحضارة الجديدة في الغرب على ثلاثة أصول أساسية، وهي أولًا: النزعة المعرفية بمعنى الفهم الجديد للوجود، والحكم في القضايا على أساس العقل الفلسفي، والتغيير في تصوّر الإنسان لشكل العالم والسعي من أجل الحصول على الحقيقة العلمية. وثانيًا: الفردانية بمعنى تحوّل الإنسان التابع إلى إنسان مستقل، حيث يكون هذا الاستقلال في المرحلة الأولى استقلالًا فكريًا ، ثم يتحوّل بعد ذلك إلى استقلال سياسي في حقل التفكير، وتحرّر الفرد من التقيّد والتعبّد للحصول على التعقّل في العلاقات الاجتماعية. وثالثًا: النزعة التكنولوجية؛ بمعنى العبور والانتقال من الحياة الآلية إلى الحياة الصناعية. أو بعبارة أخرى: تغيير نظام الإنتاج من أسلوب الإنتاج الفيزيقي إلى أسلوب الإنتاج الميكانيكي. يرى دانييل روب أن مباني الحضارة الغربية الجديدة تقوم على أساس التغيير في قسمين؛ القسم الأول: قسم البرامج المرنة المرتبطة بتغيير نظرة الإنسان الغربي إلى ظاهرة الوجود والتي تبدأ من مرحلة عصر النهضة بوصفها نقطة انطلاق هذه الحضارة. وهذه رؤية تقوم على أساس الأحكام العقلية المستقلة عن أيّ مرجعية للسلطة. والقسم الثاني: قسم البرامج الصلبة المرتبطة بتغيير شكل الحياة الاجتماعية، وتحوّل الإنتاج إلى صناعي، وتراكم الثروة، وزيادة البضائع تحت إشراف وتوجيه من الطبقة البرجوازية الحديثة الظهور. إن قسم البرامج الصلبة إنما هو وليد اختراع الطابعة وماكنة البخار والأسلحة النارية والفحم الحجري. وقد أدّى العامل الأول إلى تعميم العلم، والعوامل الثلاثة الأخرى أدّت إلى تبلور ظواهر مشؤومة من قبيل: الهيمنة والاستعمار من قبل الغرب.
نقدّم هذا الكتاب للقارئ الكريم بوصفه مقدمة للمزيد من التأمّل والتفكير حول الدين والحضارة، ونأمل في الوقت نفسه أن تكون قراءته مفيدة ومغتنمة بالنسبة إلى الأساتذة والباحثين والطلاب والجامعيين الراغبين بالبحث والتحقيق في هذا الشأن. وفي الختام نتقدّم بالشكر الجزيل من جميع الإخوة الذين ساهموا في بلورة هذا العمل، ونخصّ منهم بالذكر جميع كتّاب المقالات. كما نتقدّم بوافر الشكر لسماحة حجّة الإسلام والمسلمين الدكتور السيد هاشم الميلاني الرئيس المحترم للمركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية على ما قدّمه من دعم كبير وما أبداه من آراء قيّمة في إطار إثراء هذا المشروع. كما نتقدّم بالشكر الجزيل لسماحة حجة الإسلام الدكتور السيد محسن الموسوي على قبوله عناء الإشراف النافع والتوجيه العلمي لهذا العمل. كما نشكر الأساتذة الأفاضل سماحة الدكتور أحمد قطبي، والسيد محمد رضا الطباطبائي على ما قدّماه من بعض المقترحات وما قاما به في إنجاز المراحل التنفيذية في هذا المشروع.