العلم والدين

العلم والدين

تأليف :

الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي

تعريب :

هاشم مرتضى

 

فهرس المحتويات :

الفصل الأول

معرفة معاني العلم والدين

معاني العلم

المعنى النفسي

معاني الدين

1. المعنى اللغويّ

2. الإحساس بالتعلّق والاتّكال

3. الاعتقاد بالأمر القدسي

4. الاعتقاد بما وراء الطبيعة والارتباط معها نوعًا ما

5. مجموعة المعتقدات والقيم السلوكيّة المناسبة

6. محتوى الدين (الكتاب والسنّة)

7. الدين الإلهي الحقّ

8. منهج إثبات مسائل الدين

9. دور الغاية في تعريف الدين

10.  الكلمات المشابهة

11. المعنى المُنتخَب

الفصل الثاني

النسبة المفهوميّة بين العلم والدين

التباين

العموم والخصوص المطلق

العموم والخصوص من وجه

تحديد نطاق العلم والدين في ضوء المعنى المختار

الفصل الثالث

النسبة بين العلم والدين من حيث المحتوى

نسبة التباين

التطابق التامّ

التعارض

أ. جذور مباحث تعارض العلم والدين في الغرب المسيحي

ب. انتقال هذه المباحث إلى العالم الإسلامي

ت. الطريق المُنتخَب

الفصل الرابع

العلم الديني

معاني العلم الديني

أ. المنشأ الإسلامي للعلم

ب. أن تكون الإرادة الإلهيّة موضوع العلم

ت. أن يكون كلام الله أو فعله موضوع العلم

ث. عدم مخالفة العلم للتعاليم الدينيّة

ج. العلم المتوافق مع تعاليم الدين

د. العلم المستنبط من المصادر الدينيّة

ن. المنهج العلمي الصحيح عند الدين

و. العلم المشتمل على المسائل الدينيّة

ه‍. العلم الذي نحتاجه لإثبات الدين

ی. المعنى المختار

أسئلة وشبهات حول العلم الديني

الفصل الخامس

مستلزمات أسلمة العلوم

نقد العلوم الموجودة

1. النقد الداخلي

2. النقد المبنائي

تبيين وإثبات مباني العلوم

1. مباني العلوم الإبستيمولوجية

2. مباني العلوم الأنطولوجيّة 

3. مباني العلوم الأنثروبولوجيّة

4. المباني الدينيّة

الفصل السادس

تأثير الدين على العلم

موارد عدم تأثير الدين على العلم

أ. الفريق الأوّل

ب. الفريق الثاني

تأثير الدين على غاية العلم 

تأثير الدين على دوافع العلماء

تأثير غايات الدين على غايات العلم

تأثير الدين على محتوى العلم

1. تأثير قضايا الدين التوصيفيّة على مباني العلم

2. تأثير قضايا الدين التوصيفيّة على قضايا العلم التوصيفيّة 

تأثير الدين على استخدام العلم 

أ. تأثير قضايا الدين التوصيفيّة على العلوم الإلزاميّة

ب. تأثير قضايا الدين الإلزاميّة على العلوم الإلزاميّة

الفصل السابع

خدمات العلم للدين

موارد عدم تأثير العلم على الدين

تأثير العلم على فهم أو إثبات قضايا الدين التوصيفيّة

تأثير العلم على فهم أو إثبات قضايا الدين الإلزاميّة

 

مقدمة المركز

باتت مباحث الدين محور النقاش المحتدم طيلة القرون الماضية، سواء في الغرب أو الشرق. وقد اشتدّت هذه المباحث في فترة النهضة الأوروبيّة، والانقلاب على القراءة الدينيّة الرسميّة، وظهور تيّار الإصلاح الديني، وما تبعه من ظهور تيّارات ومدارس فكريّة: سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة، إذ كان الدين دومًا طرفًا في هذا النقاش.

والعالم الإسلامي لم يكن بمعزل عن هذا الجدل المستمرّ، وإنْ بنحو آخر، وما نزاع الفلاسفة والمتكلّمين والعرفاء وأهل الحديث، إلّا من نتائج هذا الجدل. غير أنَّ العالم الإسلامي بعد احتكاكه بالغرب الحديث، واجه نوعًا آخر من التحدّيات الدينيّة، ربّما لم تكن من ذي قبل، بل ولدت جرّاء النهضة العلميّة والعقليّة الحديثة، وتغيير وجهة الإنسان مِن السماء إلى الأرض، والسعي نحو تحقيق أكبر قدر مِن السعادة الدنيويّة المحضة. وتغيرّت ميتافيزيقا الغيب إلى فيزيقا الطبيعة، فولد جرّاءها لاهوت الطبيعة والدين الطبيعي والإنسان الطبيعي محور الكون.

التحدّيات هذه تفرض على الخطاب الإسلامي الخوض في هذا المضمار لتقديم قراءات تأسيسيّة حول مباحث الدين وما يتعلّق به سعة وضيقًا، مع لحظ المباحث الجديدة والإجابة على التحدّيات الحديثة بغية الوصول إلى الحقيقة.

يتطرق هذا الكتاب الى موضوع هام قد تصدر مباحث فلسفة الدين منذ فترة غير قليلة، ألا وهو موضوع العلم والدين ونوع العلاقة القائمة بينهما، إذ شهدت الساحة الفكرية الاسلامية والغربية سجالا واسعا حول هذا الموضوع، ولم ينته بعد بل مازال قائما، فهناك من ذهب الى التنافي وهناك من ذهب الى التوافق وهناك من فصّل في القول او حاول التلفيق بين الاقوال المختلفة.

وقد تصدى العلامة المرحوم الشيخ المصباح اليزدي لهذا الموضوع الهام في مختلف كتبه ومحاضراته طيلة حياته المباركة، وقد قام بجمعها وتحريرها نجله الفاضل، ليخرج بهذه الحلة المباركة بعد تعريبه وتقديمه للمكتبة العربية.

نأمل أن يحظى هذا الكتب باهتمام الباحثين ورواد العلم والمعرفة، وينير لهم الدرب في هذا المعترك المعرفي الشائك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الامين وآله الميامين.

 

المقدِّمة

يُعدّ البحث عن علاقة العلوم البشريّة بالدين، من المهام المشتركة والقديمة بين علماء الدين وسائر المتديّنين، ولها تاريخٌ طويلٌ في الفكر البشري، وقد تلوّنت هذه المسألة في الأزمان المختلفة وعند مختلف الاختصاصات العلميّة، أو بحسب نوع العلم السائد في كلّ برهة؛ بألوانٍ مختلفة، وظهرت بعناوين متفاوتة: فتارةً يُبحث عن علاقة العقل بالدين، وتارةً أخرى عن الفلسفة والدين، وثالثةً عن العرفان والدين، إلى أن استقرّ الأمر في العصر الحديث حول علاقة العلم (أي العلم التجريبي) مع الدين.

والوجه المشترك بين جميع هذه المباحث المختلفة، إنّما هو القلق المعرفي الداعي إلى التعرف على النسبة بين علمٍ سماويّ وإلهيّ يأتي عن طريق الوحي والإلهام إلى أولياء الله ليصل إلى الإنسان، وعلمٍ متجذّرٍ في الفهم العرفي والعادي لدى الإنسان، يتمّ الحصول عليه عن طريق الوسائل الإدراكيّة العامّة (أي العقل، والتجربة الحسّيّة والشهود).

وهذه المسألة تشتدّ أهميّتها وتظهر كمعضلة، حينما يحصل خلافٌ بين المعارف المعتمدة على الوحي، والمعارف المعتمدة على العلم، ويعطي كلّ واحدٍ منهما جوابًا مختلفًا عن الآخر؛ لذا قد تتجلّى هذه المسألة تحت عنوان تعارض العلم والدين، وتُصرف الجهود لحلّ هكذا تعارضات واقعيّة أو وهميّة.

نعم ربّما أصبح مبحث العلم والدين أكثر أهميّةً في بعض الفترات الزمنيّة، ويرجع ذلك إمّا إلى وصول العلم إلى نتائج مذهلةٍ تطلب من الدين البراز وتسبّب له الحرج، وإمّا إلى قوّة الدين في حياة الإنسان بحيث أحدث أزمةً للعلم.

موقعيّة مبحث العلم الديني

إنّ من المسائل التي تواجه الأساتذة والطلاب في مختلف الحقول العلميّة، مسألة العلاقة بين المستحدثات العلميّة الجديدة مع تعاليم الدين، فهناك من يزعم أنّ بعض نتائج العلم تبطل تعاليم الدين، وهناك من يترك بعض نتائج العلم بسبب تعارضها مع الدين، وهناك فريق ثالث يتيه بين الآراء المختلفة ولا يهتدي سبيلًا.

وتعدّ هذه المسألة من المهام القديمة والمعقولة والمنطقيّة عند علماء الدين وسائر المتديّنين المحبّين للعلم، وذلك أنّ من أهم النقاط الاستراتيجيّة في مسير الإبداع العلمي في المجتمع الإسلامي، إنّما هو بيان علاقة العلم بالدين الإسلامي (سواء فيه العلوم الطبيعيّة أم الإنسانيّة) والإجابة على الشبهات المثارة. وهناك مساعٍ حثيثة من قبل مختلف العلماء لإعطاء حلول واضحة للتواصل بين العلم والدين في نطاق الإسلام، كما توجد مساعٍ حثيثة أيضًا من قبل المخالفين لإعطاء صورة خصامٍ غير حقيقي بين بين العلم والدين، ولا يدّخرون أيّ جهدٍ للتّشكيك وإذاعة الشبهات، من قبيل ترجمة كتب الملاحدة الغربيّين ضدّ الدين، وكذلك بثّ الشبهات وإلقاء مختلف الأسئلة. وعليه فإنّ وظيفة العلماء في الحوزة والجامعة الإجابة على هذه الأسئلة والشبهات، وإعطاء حلول عقلانيّة ومنطقيّة.

إنّ نظام التعليم في الحوزة والجامعة، لا بدّ أن يبتني على أساسٍ متين، يُمكّن الطالب من الوصول إلى مرتبةٍ علميّةٍ عليا وقوّةٍ استدلاليّةٍ كبرى تمكّنه من إثبات العقائد الإسلاميّة والدفاع عنها، والإجابة عن النظريات والآراء المخالفة للإسلام بنحوٍ منطقي وموضوعي. وعليه فإنّ أسلمة الثقافة في الحوزة والجامعة تعني أنّ منهجيّة الدراسة، وكيفيّة البحث والتحليل العلمي، تكون بنحوٍ يتمكّن الطالب فيهما من إثبات الحقائق الإسلاميّة وإبطال الآراء المخالفة للإسلام، لا أن ينشأ الطالب منذ البداية على ضفاف ثقافة غير إسلاميّة، يزعم أنّها حقائق ثابتة، وسيكون بالمآل غير قادر على الدفاع عن عقائده وقيمه.

وهذا لا يعني إطلاقًا عدم التطرّق إلى سائر الآراء غير الإسلاميّة، إذ إنّ منهجيّة التحقيق والبحث العلمي تقتضي التطرق إلى الآراء المخالفة ونقدها في مختلف المسائل، كي يحصل اليقين بصحّة الأجوبة، ولكن ما لا نرتضيه ذكر الفرضيّات والآراء العلميّة التي ربّما تخالف في الظاهر مع بعض تعاليم الدين، بأنّها آخر ما توصّل إليه العلم وأنّها آراء قطعيّة بأن يقال: «بما أنّ العلم أثبت هذا فلا مجال للبحث بعده». وبناء على هذا الاتّجاه المعكوس، قد انصبّت الجهود نوعًا ما لإلقاء شبهة تعارض العلم والدين في أذهان الطلبة، ليتمّ تعريف الدين بأنّه مجموعة تعاليم خرافيّة تعارض العلم، وبعد هذا التلقين يصعب تطهير ذهن الطالب، ولا يبقى مجالٌ لإثبات الحقائق.

إنّ الاهتمام بهذه المسألة، نحت مصطلحًا جديدًا في الفضاء الفكري والمعرفي في مجتمعنا العلمي، عُرف بـ(مبحث العلم الديني) وأصبح محور المباحثات والمجادلات، وربّما يقال ـ مع لحاظ ما مرّ ـ  بأنّ التطرّق إلى مباحث تقسيم العلم إلى ديني وغير ديني، ليصبح محور البحث في أسلمة الجامعات، لم يكن صحيحًا منذ البداية، إذ إنّ الأولويّة هي أسلمة الجامعة وتحصينها أمام الغزو الثقافي والانحرافات الفكريّة والعمليّة التي شنّت هجومًا كاسحًا على نخب البلدان الإسلاميّة.

نعم إنّ من المسائل التي لا بدّ من التطرّق إليها، غربلة العلوم الجامعيّة سواء في محور مطابقتها مع الواقع، أم مع قيم الدين الإسلامي. إذ لا شكّ في أنّ العلوم الدارجة في الجامعات تشكو من نواقص وأخطاء لا بدّ من حلّها ونقدها بمنهج علمي ومناسب لها. إنّ التعرّف على هذه النواقص يمكن أن يعيننا أوّلًا على عدم مخالفة العلوم التي تُدرس في الجامعات لأهداف الدين الإسلامي وتعاليمه، وثانيًا يمكنها أن تؤثّر في النظرة العالميّة للعلم وتسبّب التحوّل في أبعادٍ مختلفة.

إنّ نقد النظريّة ربّما يكون نقدًا جوّانيًّا، بمعنى أنّ نقص النظريّة إمّا ناشئ من الخلل في استعمال المنهج، وإمّا من استعمال مقدّماتٍ غير قابلة للاعتماد عليها، وإمّا من المغالطة في الاستنتاج من الأدلّة العلميّة. وربّما يكون النقد أوسع من هذا وينال أساس المنهج المستخدم في النظريّة، وهنا يكون محور النقد استخدام منهج خاطئ لحلّ مسألة خاصّة، أو يكون حول عدم تمامية المنهج والحاجة إلى استحداث منهجٍ جديد. وربّما يكون النقد أعمق من هذا ليتحوّل النقد إلى نقد برّانيّ، بحيث يتوجّه نقد النظريّة نحو الفرضيّات القبليّة والمباني والأصول الموضوعة. وجميع هذه النقود متداولةٌ في مختلف العلوم، ومقبولةٌ من قبل طلّاب الحقيقة طالما تدار وفق الأصول والمناهج المعقولة والمنطقيّة، ومن الواضح هنا عدم مدخليّة مذهب العالم المنتقد أو عرقه أو لونه أو قوميّته، ويحقّ للعالم المسلم وكذلك غير المسلم إعطاء نظرةٍ نقديّةٍ كهذه للعلوم، ولا يكون مجرّد الإسلام أو التديّن عائقًا أمام استخدام هذا الحقّ.

وعليه فإنّ البحث عن أنّ العلم هل ينقسم إلى ديني أو غير ديني، أو لا يوجد إلّا نوعٌ واحدٌ من العلم، والسؤال عن خصائص كلّ واحدٍ منهما وما به الامتياز وما به الاختلاف، لم يكن مسألتنا الأساسيّة، بل هو بحثٌ فرعيّ لا بدّ ألّا يسبّب غفلتنا عن البحث الأساسي.

تحرير محلّ النزاع

لأجل ألّا تضيع النقطة الأساسيّة في البحث، لا بدّ من بيان موقعيّة مباحث: العلم الديني، وعلاقة العلم والدين، وأسلمة العلوم في هندسة المباحث الأساسيّة، ولا بدّ من القيام لحلّ المسائل في ضوء العلاقات الموجودة بين مختلف العناصر.

إنّ أوّل خطوة لحلّ أي مسألة انما هو بيان تلك المسألة وماهيّتها، علما بأن موضوع أسلمة العلوم وضرورته وأهدافه ما زال لم يُبيّن لكثير من الأساتذة والطلبة المخلصين في الحوزة والجامعة، ولا يوجد وحدة نظرٍ وإجماع عليه، وهذا هو سبب تشتّت الآراء وعدم التوافق على أصل المسألة، ممّا يسبّب هدر كثيرٍ من الطاقات والجهود. ولأجل هذا انبرى بعضٌ منهم لمخالفة أصل هذا الموضوع، وزعموا أنّه أمرٌ عاطفيّ وغير علميّ، حتّى أنّه توجد عند من يعتقد بوجود هذا التحوّل وضرورته تصوّراتٌ مختلفةٌ وربّما واقعيّةٌ تنتهي بالمآل إلى سوء التفاهم بين العلماء؛ ممّا يؤدّي إلى فشل هذه النظريّة العظيمة، والوصول إلى اليأس والإحباط في تحقّقها، فقد يتصوّر على سبيل المثال أنّ أسلمة العلوم مجرّد شعار سياسي لقطع الارتباط مع الغرب تمامًا لاسيّما الارتباط العلمي، بتصوّر لزوم ترك جميع العلوم الأساسيّة والتجريبيّة والإنسانيّة وبناء علوم جديدة.

إذ يعتقد بعضٌ أنّ العلوم الدارجة اليوم مبتنيةٌ على رؤى شيطانيّة وبأهداف استعماريّة، ولا تصلح لتلبية الأهداف الثوريّة والإسلاميّة، وعليه لا بدّ من تأسيس علومٍ مستقلّةٍ تخلو من تلك الأهداف وتنفع الأهداف الإسلاميّة. فهكذا تصوّرات خاطئة عن الموضوع، تنشأ من عدم الالتفات إلى محلّ النزاع والمدّعى، وتؤدّي إلى نتائج خاطئةٍ وغير صحيحة؛ لذا من المهم تبيين النقطة الأساسيّة وسبب نشأة هذه المسألة، لكي نصون أنفسنا من الوقوع في تيه المغالطات والاشتغال بالهوامش.

إنّ الإسلام يعلّمنا بأنّ العلم بمعنى كشف الحقيقة ـ مع قطع النظر عن الزمان والمكان والشخص أو المذهب الذي يستند عليه ذلك العلم ـ ذو قيمة، ويدعونا إلى طلب مثل هذا العلم في أيّ نقطةٍ من العالم وبأيّ قيمةٍ كان[1]، وبناء على هذا فلو كان العلم ـ الذي هو بمعنى كشف الحقيقة ـ  في حيازة قومٍ يختلفون معنا في العرق، أو كان في مناطق وأقاليم أخرى، أو كانوا على دينٍ ومذهبٍ آخر، فهذه الاختلافات لا تحطّ من قيمة علمهم، بل نحترم ذلك العلم ونسعى للاستفادة منه بنحوٍ أفضل لتحقّق أهداف الإسلام.

ونحن عندما نتّخذ موقفًا تجاه العلوم الغربيّة، ونسعى لتطهير جامعاتنا من بعض معطيات تلك العلوم، لم يكن ذلك لمجرّد كونها غربيّة، لأنّنا نتّخذ الموقف نفسه تجاه علوم الشرق أيضًا، بل إنّ سبب ذلك ما نشاهده من نواقص وأخطاء ومغالطاتٍ في معطيات تلك العلوم، وعليه يقتضي طلبنا للحقيقة ـ مضافًا إلى وظيفتنا الدينيّة ـ  عدم تحمّل تلك النواقص، والسعي نحو حصول الحقائق بشكل أدقّ وأكثر واقعيّة.

نحن نعتقد أنّ المناخ الحاكم اليوم على الفضاء العلمي الغربي، والذي سرى إلى باقي الدول بنحو من الأنحاء، وإنْ احتوى على عناصر صحيحة، غير أنّه من حيث المجموع منهجٌ ناقصٌ وغير صحيح. إنّ سبب تخطئتنا لهذه العلوم إنّما هو سيطرتها على الفضاء العلمي في جامعاتنا من جهة، ورسوخها وتجذّرها في مجتمعاتنا وفي البنية الإداريّة والسياسيّة من جهةٍ ثانية، ممّا أدّى إلى شدّة تأثّر حياتنا الاجتماعيّة بها، لا سيّما في العلوم الإنسانيّة التي تُعدّ آليات إدارة البلاد، ومنشأ مختلف القرارات الجزئيّة والكلّيّة في مختلف المناخات الاجتماعيّة.

ونحن في المقابل نقترح منهجًا يتمكّن من صدّ النواقص والمعايب ويبتعد عنها، إذ إنّ تعاليم الإسلام تربّي علماء الإسلام بحيث يتمكّنون من الابتعاد عن تلك الهفوات؛ ولذا نسمّي هذا المنهج والعلم الناتج منه بالإسلامي.

ومن الواضح أنّ كلّ علمٍ لأجل التحقيق في الموضوعات المتعلّقة بموضوعه، يحتاج إلى أصولٍ موضوعةٍ ومتعارفة، أو فرضياتٍ يتلقّاها ـ كأصول متسالم عليها ـ من باقي فروع العلم. وهذه الأصول حتّى على فرض إثباتها، لم تكن قابلةً للاستناد عند التجريبيّين؛ لأنّ المسائل غير التجريبيّة لم تحظَ بقيمةٍ علميّةٍ عندهم، ولا تكشف عن الواقع، فضلًا عن الأصول التي لم تثبت. وفي الحال الذي لم تثبت هذه الفرضيّات في محلّها بوجهٍ صحيح، أو اعتُمدت بعنوان ظنون غير ثابتةٍ لتبيين بعض الفروض، لم يكن لها وجهٌ لإثبات الصحّة.

إنّ من الإشكالات العامّة المطروحة اليوم على العلوم المسمّاة بالعلوم الغربيّة، أنّها تبتني على مجموعة أصولٍ موضوعةٍ لم تثبت بنحوٍ مناسبٍ في محلّها، أو تمّ إبطالها، لكنّها مع هذا بقيت مورد استناد العلماء لتبيين المسائل العلميّة كأصولٍ ثابتة.

إنّ كثيرًا من المسائل المطروحة في العلوم المختلفة كنظريّاتٍ علميّةٍ والتي تحظى باعتبارٍ عالمي، تبتني على أصولٍ ميتافيزيقيّةٍ خاطئة، وعلى سبيل المثال ففي الرؤية الكسمولوجيّة حظيت نظرية الصدفة في حدوث العالم بشهرةٍ عالميّة، ويتمّ بيان نشأة العالم على أساسها من خلال حصول انفجارٍ في المادّة الأوّليّة المتراكمة، أدّى إلى ظهور المجرّات والمنظومات الفلكيّة المختلفة والأجرام السماويّة وغيرها، وفي مقام الإجابة على سؤال سبب هذا الانفجار، يكتفون بأنّه ناشئ من الصدفة.

إنّ المعنى الفلسفي والميتافيزيقي لهذا الجواب، إمكان حدوث بعض الظواهر من دون أيّ علّة؛ لأنّ الصدفة هنا تعني حدوث الظاهرة من دون الحاجة إلى العلّة. كما توجد في فيزياء الكوانتم الجديدة آراء تقول بإمكان خروج الإلكترون عن مداره على نحو الصدفة، وهذا يبتني على قبول قانون الصدفة، والحال أنّنا نثبت في الميتافيزيقا بشكلٍ قاطعٍ استحالة ذلك، وأنّ الظواهر لا تتحقّق من دون العلّة.

هذا الأمر أي ابتناء كثيرٍ من نظريّات العلوم التجريبيّة على أصولٍ ميتافيزيقيّةٍ خاطئةٍ كإمكان حدوث الصدفة، تُنبّهُنا إلى أُصلٍ مبنائي، وهو لزوم البحث عن هكذا مسائل في الإلهيّات والميتافيزيقا أوّلًا، وبعد الوصول إلى الجواب نبتدئ بالبحث والتحقيق في مسائل العلوم التجريبيّة، فلو ثبتت استحالة الصدفة يتمّ إبطال جميع النظريّات المبتنية على هذه الفرضيّة، وتكون بحاجةٍ إلى إعادة التقويم والتقييم.

هذه المسألة تكون أكثر أهميّةً في العلوم التي تسمّى عادة بالعلوم الإنسانيّة أو العلوم الاجتماعيّة؛ فبعض العلوم الإنسانيّة الموجودة، تبتني بشكلٍ واضحٍ على أصولٍ موضوعةٍ استُعيرت من فلسفاتٍ ماديّةٍ وغير إسلاميّة، وهي أصول ثبت بطلانها في الفلسفة الإسلاميّة ونظريّة المعرفة.

وقد أشار السيِّد الخامنئني مرارًا إلى هذه النقطة حيث يقول:

 «إنّ الأساس الذي تبتني عليه العلوم الإنسانيّة اليوم في الغرب، من الاقتصاد وعلم الاجتماع والإدارة وأنواع الأقسام في العلوم الإنسانيّة، إنّما هو معرفة غير دينيّةٍ أو ضدّ الدين، وهي غير معتبرةٍ عند من وصل إلى معرفةٍ توحيديّةٍ إسلاميّةٍ عليا».[2]

«إنّ علومنا الإنسانيّة قد ابتنت على مبادئ ومبانٍ تتعارض مع مباني القرآن والإسلام، إنّ علوم الإنسان الغربيّة تبتني على رؤيةٍ كونيّةٍ أُخرى، وتبتني على فهمٍ آخر عن عالم الخِلقة، تبتني على رؤية ماديّة... لا بدّ من الالتفات في مختلف المسائل إلى دقائق القرآن، والبحث عن مباني العلوم الإنسانيّة في القرآن الكريم».[3]

ومن الواضح أنّ هذا الأمر لا يعني إنكار الله أو ماديّة الأساتذة الذين يدرّسون هذه العلوم، أو الطلبة الذين يتعلّمونها، أو المدراء الذين يتّخذون القرارات وفق هذه العلوم، بل بمعنى أنّ المباني والأصول الموضوعة التي تشكّل بنية تحليل وتبيين هذه العلوم، تستلزم إغفال أو حتّى إنكار بعض مباني الدين بشكل منطقي، وإن لم يلتفت إلى هذا الأمر جميع العلماء المشتغلين في هذه المناخات بالبحث والتحقيق.

إنّ قبول هذه المباني الخاطئة، والتحليل الناتج منها، تسوق الشخص ـ من حيث لا يلتفت ـ  إلى قبول قضايا توصيفيّةٍ تتنافى بشكلٍ صريحٍ أو ضمنيّ مع مباني الدين وتعاليمه وأوامره. وفي الوقت نفسه ربّما يكون هذا العالم في العلوم الإنسانيّة، شديد التمسّك بالتكاليف العباديّة والمذهبيّة. ويمكن العثور على نماذج كثيرةٍ من هذا القبيل في بعض المدارس والنظريّات المذكورة في مختلف أقسام العلوم الإنسانيّة، لا سيّما في علم النفس وعلم الاجتماع بشكل واضح.

وعلى سبيل المثال فإنّ بعض نظريّات علم النفس، تبتني على افتراض أنّ نفس الإنسان لم تكن سوى تجلّيّات وانفعالات الذهن وسلسلة الأعصاب، وأنّ كلّ أمرٍ آخر سوى هذه الروابط الماديّة والفيزيائيّة والعصبيّة لم تكن إلّا خرافة. إنّ المدرسة الترابطيّة[4] في العلوم الإدراكيّة تعتقد أنّ جميع المهام الإدراكيّة العليا، يمكن تبيينها من خلال نموذج اتّصال وارتباط الخلايا العصبيّة. فضعفاء النفوس الذين لم يمتلكوا مباني فلسفيّةً قويمةً من جهة، ويشكون من عدم الاعتماد على النفس من جهة ثانية، يقعون تحت وطأة هيمنة العلوم الغربيّة، ويتلقّون هذه الأمور مع ما فيها من خلفيّاتٍ خاطئةٍ وغير ثابتة، على أنّها حقائق واقعيّةٌ غير قابلةٍ للإنكار، ويتمسّكون بأوامرها وتوصياتها في مقام العمل واتّخاذ القرار، ولم يلتفتوا إلى تضادّها مع قيم الدين وتعاليمه ومبانيه.

إنّ موضوع العلوم الإنسانيّة هو الإنسان، والعلوم الإنسانيّة المعيارية والقيميّة كالأخلاق والسياسة والاقتصاد العملي وغيرها، تصطبغ غالبًا بالصبغة القيميّة، والحكم القطعي بخصوصها يعتمد على معرفة الإنسان بجميع أبعاده الوجوديّة، والحال أنّ العلم التجريبي[5] لا يتمكّن إلّا من إثبات البعد المادّي في الإنسان والبحث فيه، لذا يُدّعى أنّ الإنسان لم يكن سوى هذا الجسم المنقطع من الروح، وذلك أنّ في نطاق العلم التجريبي وحدود التجربة البشريّة، لا توجد واقعيّة ما فوق المادّة قابلة للفهم والإدراك.

فلو انحصرت حقيقة الإنسان في هذا الجسم المادّي صاحب العمر القليل، لانحصرت جميع قيمه الخُلقيّة والقانونيّة في حدود الحياة الماديّة الدنيويّة، ولا يمكن إثبات قيمٍ عامّةٍ ومطلقةٍ له، أمّا لو ثبت أنّ للإنسان مضافًا إلى جسمه المادّي، عنصرًا شريفًا آخر يُسمّى الروح، له أحكام خاصّة تناسبه، وله الخلود، وأنّ ثمة تعاملًا مشتركًا بين الروح والبدن بحيث تؤثّر الروح في الجسم ويؤثّر الجسم في الروح، فحينئذٍ تختلف النتيجة.

إنّ الإثبات القطعي لكلّ حكمٍ قيمي لموجود كهذا، له بُعدٌ غير مادي، يتوقّف على إدراك نوعيّة العلاقة بين بُعدَي الجسم والروح، وكذلك تشخيص تأثير السلوك على حياة الإنسان، فقبول هذه المباني للعلوم التجريبيّة الحديثة التي بنت أساس مناهجها وخلفيّاتها المعرفيّة على إنكار هذا العالم أو إغفاله، متعذّر. فالعلوم الطبيعيّة لم تكن عاجزةً عن إثبات أمورٍ كهذه من خلال مناهجها التجريبيّة فحسب، بل إنّ قبولها كأصولٍ موضوعةٍ ميتافيزيقيّة يسبّب أزمة لها؛ لأنّها ومن وجهة نظرٍ إبستمولوجيّة لا تقيم وزنًا للمعارف الميتافيزيقيّة أساسًا.

فمع لحاظ النواقص المذكورة في العلوم الغربيّة، نستنتج أنّ تطوّر العلم والوصول إلى نتائج سليمةٍ ويقينيّة، مرهونٌ بالاستفادة من مناهج غير تجريبيّة وغير حسّيّة لإثبات كثيرٍ من المسائل كخطوةٍ أولى، والنموذج الأبرز لهذه المسائل إثبات أصل العلّيّة وبطلان الصدفة بمعنى تحقّق المعلول من دون علّة، ومع لحاظ أنّ هذا الأصل يُعدّ أساس جميع العلوم التجريبيّة، ولولاه لا يتمكّن أيّ علم من إثبات قوانينه العلميّة، غير أنّ هذا الأصل لا يمكن إثباته من خلال التجربة؛ لأنّ المنهج التجريبي يتعامل مع الحسّيّات فقط، والحال أنّ بحثنا يتعلّق بما وراء المحسوسات؛ لذا فإنّ هذا الأصل وسائر الأصول المشابهة له، لا بدّ من إثباته بالمنهج العقلي، وفي نظريّة المعرفة التي تعدّ فرعًا من العلوم الفلسفيّة (الميتافيزيقية)، وهذا يعني قبول وجود مناهج وطرق للوصول إلى المعرفة غير المناهج الحسّيّة والتجريبيّة، وهي أكثر اعتبارًا من طرق الحسّ والتجربة، بل إنّ إثبات هذه المسائل الحسّيّة والتجريبيّة منوطة بها.

إنّ إثبات وجود طرق أخرى للمعرفة، يدخلنا في نطاق مسائل الإبستمولوجيا، حيث إنّ في هذا العلم يبحث عن طرق الوصول إلى المعرفة، ومدى اعتبار هذه الطرق، وما هي حقيقة العقل والشهود، وما قيمة الإدراكات العقليّة، وهل قيمة الإدراكات العقليّة أكثر أهميّةً أو الإدراكات الحسّيّة؟ ما هو الشهود العرفاني ومدى قابليّة الاعتماد عليه؟ وهل مدّعى الأنبياء أي الوحي الإلهي يمكن أن يكون مصدرًا للمعرفة أم لا؟

أمّا الخطوة الثانية فتعتمد على حصول رؤية أنطولوجيّة تحقيقيّة، يمكننا معها التحقّق من كثير من الأصول الأنطولوجيّة التي نحتاجها في العلوم، من قبيل: هل يقتصر الوجود على المادّة والعلاقة بين الظواهر الماديّة فحسب، أو توجد موجوداتٌ مجرّدةٌ وغير ماديّة، وإذا كانت هذه الموجودات غير الماديّة موجودةً فما هي نوع العلاقة بينها وبين الظواهر الماديّة، وهل أنّ جميع الموجودات غير الماديّة من سنخٍ واحدٍ أو يوجد بينها اختلافٌ وسلسلةُ مراتب؟ يبُحث عن هكذا مسائل في علمٍ يسمّى بالميتافيزيقا (الفلسفة الأُولى أو الإلهيّات بالمعنى الأعم).

وفي الخطوة الثالثة لا بدّ من البحث عن إثبات ماهية موضوع كلّ علم، فالفيزيائي وقبل الورود في مباحث الفيزياء لا بدّ أن يثبت أوّلًا العالَم الفيزيائي، وأن يصل إلى مرتبةٍ من اليقين والاطمئنان العلمي فيما يخصّ مراتب الموجودات وخصائصها، وإلّا سيكون كلّ ما يحصده في الفيزياء هباءً وسرابًا وصورةً على الماء، لا يبقى منها شيء بالمآل.

وكذلك الأمر في العلوم الإنسانيّة؛ إذ إنّ المحقّق لا بدّ أن يتعرّف على الإنسان بشكلٍ جيّد، ويحيط علمًا بجميع أبعاده الوجوديّة، ويدرك الفعل والانفعالات الموجودة بين الجسم والروح. فهكذا مسائل تبحث في الأغلب في فلسفة العلوم، ويستعان فيها بالأدلّة العقليّة والعرفانيّة (أي مناهج التجارب الروحيّة) كي نتمكّن ـ على سبيل المثال ـ  من بيان وجود الروح ونوع علاقتها مع الجسم بشكل جيّد.

ففي البحث عن علاقة العلم والدين، لا بدّ من لحظ جميع هذه المراحل والمراتب المختلفة للعلم، ثمّ تقييم نوع علاقة أيّ واحدٍ منها مع الدين. ومن جهة أخرى فإنّ الدين مع مختلف التعاريف المذكورة له، ومختلف العناصر المفترضة له، يمكنه أنْ يقيم علاقاتٍ متنوّعةً مع أيّ مرحلةٍ من مراحل العلم ومعانيه؛ لذا فإنّ إصدار حكمٍ عامٍّ حول علاقة العلم والدين، يكون حكمًا ساذجًا وغير علمي، بل إنّ البحث المنطقي عنها يقتضي تفكيك مختلف أبعاد العلم ومعانيه المتعدّدة من جهة، ومن جهةٍ ثانية لحظ مختلف تعاريف الدين وأجزائه المتعدّدة بشكلٍ منفصل، ثمّ تقييم العلاقة الممكنة بين كلّ واحدٍ من هذه الأجزاء. وللأسف فإنّ كثيرًا ممّن تصدّوا للبحث عن هذا الموضوع والتنظير له، لم يلتفتوا إلى هذا الأمر بشكل جيّد، ممّا أدّى إلى بروز اختلافاتٍ وسوء فهمٍ بشكل أكثر.

المشكلة الأخرى عدم الالتفات إلى الاشتراك اللفظي وتداعياته السيّئة للمباحث العلميّة، فالخلط بين المصطلحات من أكثر العوامل الموجبة لمغالطة الاشتراك اللفظي في العلوم التي تؤدّي إلى سوء الفهم والمنازعات العقيمة، فقد تُفترض قيمة خاصّة لبعض المعاني الاصطلاحيّة، أو يُخيّل أنّ القضيّة الفلانيّة أو العلم والمنهج الفلاني أقوى من الغير لإثبات المسائل، أو أنّ استخدام كلمةٍ بهذا المعنى الخاصّ يعين على حلّ المسألة، أو أنّ المعاني الأخرى خاطئة منطقيًّا.

والحقيقة أنّه لا توجد أيّ أصالةٍ للمعاني الاصطلاحيّة، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولكن إذا أردنا عدم الوقوع في فخّ المغالطات، علينا أن نبيّن في بداية كلّ بحثٍ الاصطلاح المستعمل من وجهة نظرنا، ونثبت عليه إلى نهاية المطاف. وإلّا ولأجل التشابك الكبير الموجود بين المصطلحات والتعاريف المختلفة بحيث قد تُستخدم مكان تعريفٍ أو اصطلاح آخر، فقد يشتبه الأمر حتّى على ذوي الخبرة والمختصين، فيستخدمون كلمةً مع معنى اصطلاحيّ خاصّ في معنى اصطلاحيّ آخر فيصلون إلى نتائج خاطئةٍ وما نحن فيه من هذا القبيل أيضًا.

والحال أنّنا لو نقّحنا منذ البداية العناوين المفتاحيّة الأربعة للبحث (أي اصطلاحات العلم، الدين، العلم الديني، ديننة العلم) وفحصنا عن نوع العلاقة القائمة بينها، لاقتربت كثير من الأبحاث المذكورة في هذا المضمار، والتي قد تصل الإجابات فيها إلى حدّ التناقض والاختلاف، ولوصلنا إلى حلّ مقبول، وعليه لأجل استمرار البحث بشكل منطقي، نتطرّق إلى تحليل المفاهيم المحوريّة في هذا البحث أوّلًا.

 

----------------------------------------

[1]. عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال: «لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج». [الكليني، الكافي، ج1، 35]. عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال: قال رسول الله ؟صل؟ : «من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنّة، وأنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا به، وأنّه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتّى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وأنّ العلماء ورثة الأنبياء، أنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر». [البحار 1: 177] وقال ؟صل؟ : «اطلبوا العلم ولو بالصين». [المجلسي، بحارالأنوار، ج 1، ص177].

[2]. كلامه مع بعض أساتذة الجامعات بتاريخ 26/ 09/ 1383ش.

[3]. بيان السيّد الخامنئي للنساء الباحثات في القرآن بتاريخ أوّل ذي القعدة 1430هـ.

[4]. connectionism

[5]. Science

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف