تأليف :
مرتضى مداحي
تعريب :
محمد جمعة العاملي
فهرس المحتويات :
الفصل الاول : من الدراسات الإسلامية الى الحديث الشيعي
الفصل الثاني : نظرة على كتاب الإسلام من دون الله
الفصل الثالث : شخصية العلامة المجلسي من منظور تيرنر
الفصل الرابع : الفهم الخاطئ للمفاهيم الحديثية الشيعية
مقدّمة المركز
لقد أدّى ظهور الإسلام وانتشاره إلى قيام الكنيسة والحكومات الغربيّة بوضع دراسة التراث والثقافة الإسلاميّة على جدول أعمال مجموعاتهم التبشيريّة والاستعماريّة، فإنّ الهيمنة من قبل المستعمرين على البلدان الشرقيّة واستغلال موارد تلك البلدان تتطلّب الحصول على معلوماتٍ شاملةٍ ودقيقةٍ عن جغرافيّتهم وعاداتهم ومُعتقداتهم ومصادرهم الدينيّة، وشكّلت هذه الحاجة الأساس والأرضيّة للدعم الرسمي على نطاقٍ واسعٍ لمثل هذه الدراسات، وهكذا أصبح الاستشراق تخصّصًا جامعيًّا في الجامعات الغربيّة غايته دراسة الشرق والدول الإسلاميّة.
وفي القرنين الماضيَين، تضاعفت الجهود الغربيّة يومًا بعد يومٍ لفهم الثقافة والتراث الإسلامي، وتعدّ الدوافع الاستعماريّة، والتبشيريّة، والاقتصاديّة وأحيانًا البحث العلمي، من بين الأهداف التي تُشجّع المستشرقين على فهم الجوانب المختلفة للثقافة الإسلاميّة. وقد تطوّر الآن «علم الإسلام» تطوّرًا ملحوظًا كقسم تخصّصيٍّ ضمن المشروع الكلّي للاستشراق في المراكز العلميّة الغربيّة، وتتمّ متابعته بجديّةٍ في الفروع التخصّصيّة، ويُمكن ملاحظة هذا الأمر بأشكالٍ متعددّةٍ، وذلك من خلال كتابة الرسائل الجامعيّة، وإطلاق عشرات المجلّات المتخصّصة ونشاط هذه المجلّات، ونشر عدّة مئات من الكتب سنويًّا، وعقد العديد من المؤتمرات، والبرامج الدراسيّة حول مواضيع مختلفة من الدراسات الإسلاميّة.
وبعد القرآن الكريم، كانت دراسة الأحاديث والروايات الإسلاميّة من بين أهمّ الأبحاث التي حظيت بالاهتمام في الدراسات الغربيّة منذ البداية، وأمّا الدراسات الأهمّ والأكثر تخصّصًا في الغرب حول الروايات الإسلاميّة، فقد بدأت بأعمال ألويس شبرنجر[1] ووليم موير،[2] ثمّ عمل إجناتس جولدتسيهر[3] علی تدوين الأراء الحديثيّة لشبرنجر وعمل علی توسيعها، وعمل جوزيف شاخت[4] ـ بتأثير من آراء جولدتسيهر ـ علی تفصيل منهجه وأسلوبه في التشكيك في اعتبار وأصالة الأحاديث، ثمّ عمل غوتييه جوينبول[5] بدوره علی مواصلة نظريّات شاخت من خلال القيام ببعض الدراسات المورديّة في هذا الشأن، وقد بلغ الأمر بهذا النوع من الآثار والنظريّات حدًّا تمّ معه طرح فكرة اختلاق جميع الروايات الإسلاميّة في المؤسّسات الجامعيّة في الغرب رسميًّا، وتمّ القبول بهذا الطرح بوصفه فرضيّة مقبولة في دراسات الحديث. إن آراء أمثال إجناتس جولدتسيهر وجوزيف شاخت، كما حظيت بالاهتمام في صلب الدراسات الغربيّة للإسلام، فقد حظيت كذلك باهتمام العلماء المسلمين وكذلك بعض المستشرقين أيضًا، حيث تمّ تناولها بالدراسة والنقد أيضًا، ومن بين هؤلاء هارالد موتسكي،[6] حيث عمد ـ في دراسة له حول الجوامع الحديثيّة الأوليّة غير الرسميّة ـ إلی نقد أدلّة غوتييه جوينبول[7] الذي كان قد حمل لواء هذا التيّار بعد جوزيف شاخت. ذهب هارالد موتسكي إلی الاعتقاد بأنّ نظريّات شاخت في باب منشأ الحديث وانتشاره تقوم علی أساس فرضيّات قلقة، وأساليب ذات إشكاليّة وتعميمات اعتباطيّة، كما ناقش غريغور شولر[8] بدوره في آثاره منع تدوين الحديث وعدم الكتابة مطلقًا، وهو الموضوع الذي شكّل واحدًا من أسس استدلال المستشرقين السابقين علی إثبات اختلاق جميع الروايات الإسلاميّة.
وفي المجموع، تعرّضت دراسات الحديث في الغرب لمختلف البحوث من قبيل: الأسناد، واعتبار الحديث، ومسألة الوضع والجعل، والاتّجاه النصّي، والتحقيق في الرواة، والمجامع الحديثيّة، وتاريخ الحديث، وكتابة الحديث ونقله، والتحقيق في شروح الحديث، وفقه الحديث وأمثال ذلك، وفي كلّ واحدةٍ من هذه الأنواع من المواضيع، قدّم بعض الباحثين الغربيّين نظريّاتٍ خاطئة أو شبهات، وعلى الرغم من ذلك، ينبغي الالتفات إلى أنّه حتّى النصف الثاني من القرن العشرين كانت الدراسات الأساسيّة للغربيّين مركّزةً على مصادر الحديث للعامّة (السُّنّة)، وبعد هذه المرحلة وتبعًا لقوّة الدراسات الشيعيّة وتطوّرها، بدأت دراسة مصادر الحديث عند الشيعة أيضًا بنحوٍ أكثر جديّة.
إنّ أحد المشاريع الدراسيّة لهذا المركز الذي تمّ تنظيمه في مجموعة الاستشراق المعاصر، هو الدراسة النقديّة لمؤلّفات الغربييّن فيما يتعلّق بالحديث الإسلامي مع التركيز على المصادر الشيعيّة.
ونشكر سماحة حجّة الإسلام الدكتور مرتضى مدّاحي الذي أخذ على عاتقه مسؤوليّة البحث والتدوين في هذا المؤلَّف؛ كما نُقدّر التدقيقات والمتابعات التي قام بها سماحة السيّد محمّد رضا الطباطبائي مدير قسم النشر المحترم، والإرشادات العلميّة والدعم الفعّال اللتينِ قدّمها سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيّد هاشم الميلاني رئيس المركز الموقَّر، ونسأل الله أن يزيد من توفيق جميع الباحثين وخدّام الفكر الإسلامي أكثر وأكثر، بمحمّدٍ وآله الأطهار.
مقدّمة
كان اتّجاه الدراسات حول التشيّع ومعرفة الشيعة في الغرب صعوديًّا خلال نصف القرن الأخير، وممّا لا شكّ فيه، يُمثّل العلّامة المجلسي واحدًا من المحدّثين الذين حفظوا معارف أهل البيت b وتعاليمهم، ومع ذلك نجد أنّ التصوير الذي تمّ تصويره به في كتب المستشرقين لا ينسجم مع ما هو شائعٌ في كتب الشيعة بوصفه محدّثًا كبيرًا، وفقيهًا مشهورًا، وعالمًا ذا أبعاد، جمّ الآثار. وقد أشار حامد ألجار في مقالٍ قصيرٍ أنّ آراء بعض المستشرقين حول العلّامة المجلسي سلبيّةٌ للغاية، وهو يعتقد بأنّ هذه النظرة هي نظرة عموم الكتاب الغربيّين تجاهه،[9] وبناءً لقول ألجار فإنّ أوّل شخصٍ اتّخذ موقفًا سلبيًّا تجاه العلّامة المجلسي هو السير جون مالكوم،[10] ومن بعده إدوارد براون،[11] وعلى الرغم من أنّ العديد من الأبحاث قد نأت بنفسها عن الانحياز التعصّبي، مع ذلك كان لدى بعض الباحثين حول الإسلام في المجتمع الأكاديمي نظرة غير منصفةٍ تجاه العلّامة المجلسي، ومن ضمنهم كولن تيرنر الأستاذ في جامعة دورهام في إنجلترا الذي تعرّض للعلّامة المجلسي في كتابه الإسلام من دون الله، ظهور المظاهر الدينيّة في العهد الصفويّ [12] فقدّمه بصورة سلبيّة وتقييم غير علميّ.
وفي هذه الدراسة، سيتمّ التعرّض أوّلًا للتعريف بكولن تيرنر وآرائه في الكتاب المذكور، ثمّ سوف ندرس آراءه حول العلّامة المجلسي، ونحن ندرك بتواضعٍ أنّ هذا العمل لا يخلو من النقص أو العيب، ولكنّنا نأمل أن يكون بضاعةً مزجاةً نُقدّمها إلى ساحة علماء الشيعة دفاعًا عن الجهود والمشقّات التي تحمّلوها في طريق المعارف الدينيّة.
-------------------------
[1]. Aloys Sprenger
[2]. William Muir
[3]. Ignaz Goldziher
[4]. Josef Schacht
[5]. Gautier Juynboll
[6]. Harald Motzki
[7]. Gautier Juynboll
[8]. Gregor Schoeler
[9]. ألجار، علامه مجلسي از ديدگاه خاورشناسان [العلامة المجلسي من وجهة نظر المستشرقين]، ص 66.
[10]. Sir John Malcolm
[11]. Edward Browne
[12]. Turner, Islam without Allah: The Rise of Religious Externalism in Safavid.
ترجمة الكتاب نُشر في بغداد بعنوان التشيّع والتحوّل في العصر الصفوي من قبل منشورات الجمل.