تاريخ علم الفقه عصر النصّ (القرنان الثاني والثالث الهجريّان)

تاريخ علم الفقه عصر النصّ (القرنان الثاني والثالث الهجريّان)

تأليف :

مجموعة باحثين

 

فهرس المحتويات :

الفصل الأوّل: القرن الثاني الهجري

الدور الفقهيّ للإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام)

الشيخ حسن أحمد الهادي

الدور الفقهيّ للإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)

الشيخ حسن أحمد الهادي

الدَّور الفقهيّ للإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام)

محمد باقر ملكيان

الدور الفقهيّ للإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)

الشيخ جعفر الحاج حسن

 

الفصل الثاني: القرن الثالث الهجري

الدور الفقهيّ للإمام محمّد بن عليّ الجواد(عليه السلام)

الشيخ علي حمزة.

الدور الفقهيّ للإمام عليّ بن محمّد الهادي(عليه السلام)

الشيخ علي كريّم

الدور الفقهيّ للإمام الحسن بن عليّ العسكريّ(عليه السلام)

الشيخ د. محمود علي سرائب

الدور الفقهيّ للإمام محمّد بن الحسن القائم المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

الشيخ حسن فوّاز

 

مقدمة المركز

علم الفقه أحد أهم العلوم الدينيّة التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة(عليهم السلام)، وقد عُدَّ من أفضل العلوم بعد معرفة الله تعالى، قال العلامة الحلّي مبيّنًا أهميته وأهدافه وآثاره في المجتمع: «وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد، وبه يتمّ كمال نوع الإنسان، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة، وبها يستحقّ الثواب، فهو أفضل من غيره»[1].

وقال الفاضل المقداد السيوري مبيّنًا شرافة علم الفقه وفضله: «إنّ علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفًا وفضلًا، ولا يجهل احتياج الكلِّ إليه، وكفى بذلك نبلًا»[2].

وقد مرّ علم الفقه عند الإمامية بأدوار متعدّدة، لكلِّ دور منها خصائصه ومميّزاته الخاصة به، وظهر في كلِّ عصر فقهاء ومحقّقون، كان لأغلبهم بصمات واضحة ونوعيّة في تطوّر الفقه الشيعي. وذلك بالاعتماد على منهج الاجتهاد القائم على دراسة وفهم النصوص التشريعيّة القرآنيّة والروائيّة، تمهيداً لاستنباط الأحكام الفقهية.

ومن الواضح أنّ الفقه الإسلامي لم يظهر دفعةً واحدة بل تدرّج تبعاً لنزول القرآن الكريم حيث كان النبيُّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يبلّغ المسلمين بالأحكام التي يتلقاها من الله تعالى عن طريق الوحي بصورة تدريجيّة وعلى مراحل زمنيّة متواليّة، وكان الأصحاب يتلقّون تلك التشريعات منه بلا واسطة، ومن مميِّزات فقه هذه المرحلة كونه من الفقه المنصوص الموحى به من الله.

ثم إنّ ما يميّز الفترة الممتدة ما بين وفاة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) والغيبة الصغرى سنة ٣٢٩ هـ. ق، وهي فترة علم الفقه في عهد الأئمة المعصومين(عليهم السلام) أنّها كانت مكمّلة للمرحلة النبوية، ليس من جهة استمرار التشريع، بل من جهة البيان والتفصيل وكتابة النصّ، ودحض الوضع والتضليل والتشكيك عن الدين. ولهذا حرص أئمة أهل البيت(عليهم السلام) على تثبيت مرجعية الشريعة الإسلاميّة المتمثّلة بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولهذا ربطوا كلَّ ما يصدر عنهم(عليهم السلام) من روايات وأخبار بمرجعيّة النص المتمثّلة برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ورد عن أبي عبدالله(عليهم السلام) قوله: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ»[3].

وقال(عليه السلام): «لو أنّا حَدَّثنا برأينا ضَلَلْنا، كما ضَلَّ من كان قبلنا، ولكِنَّا حَدَّثنا بِبَيِّنَةٍ من رَبِّنا بَيَّنها لنبِيِّه، فَبَيَّنَها لَنا»[4].

وقد امتاز هذا العصر بتدوين أمهات المصادر الحديثيّة الشيعيّة، كما برز علماء كبار من أصحاب الأئمة(عليهم السلام) امتازوا بتخصّصاتهم العلميّة المتنوّعة، ونالوا ثقة الأئمة(عليهم السلام)، ولهذا استفاد الناس من علومهم المأخوذة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام).

ومع بداية عصر الغيبة الكبرى برز إلى العلن تحدّيات جديدة في المجتمع الشيعيّ الإماميّ، منها ما هو ذات طابع كلاميّ يرتبط بالإمامة، ومنها ما هو ذات طابع يرتبط بالشريعة وتصدّي الفقهاء لتلبية احتياجات المكلّفين من الأحكام الشرعية في كلِّ ما يرتبط بحياتهم الفرديّة والعامة، وهو ما حرّك عجلة البحث الفقهي عند كبار العلماء. وتنوّعت الاتجاهات بين من اعتبر أن أقصر الطرق وأضمنها إنّما يكون بالفقه المأثور، ومنهم من سعى إلى أوسع من ذلك، فحاول فتح أبواب الاجتهاد مبكّراً والدخول في عملية استنباط الأحكام الشرعيّة، ولكن لم تكتب الحياة لهذا الاتجاه في هذه المرحلة ليس لضعف العلماء بل لعدم تحمّل البيئة الداخليّة للاجتهاد بما يحمله من ترسّبات سلبيّة ولونًا مقيتًا وطابعًا من الكراهيّة والاشمئزاز في الذهنيّة الفقهية الإماميّة كما عبَّر الشهيد الصدرH.

وقد نشأت بعد ذلك -وبالاستفادة والاعتماد على التجربتين السّابقتين- مدرسةٌ جديدةٌ برئاسة الشيخ المفيد تأسيسًا، ومن بعده الشيخ الطوسي بناءً وتطويرًا، حيث سلك أعلامها منهجًا وسطًا وبتعبير أدق منهجًا جامعًا يعتمد على الحديث والفقه المأثور دون تغييب العقل وعلم أصول الفقه وعملية الاستنباط، وقد تتلمذ جيل من أكابر الفقهاء في هذه المدرسة، والملاحظ أنّ هذا العصر شهد نقلةً نوعيةً في تطوّر علم الفقه قياسًا بالأدوار السّابقة، حيث شهد هذا الدّور ظاهرة الفقه المُستنبَط وتميُّز نصِّ الفتوى عن النصِّ الحديثيّ، بحيث أخذ الفقهاء يعبِّرون عن الفتاوى بطريقتهم الخاصة، خلافًا للفقه المنصوص الذي كان الفقيه يُعبِّر فيه عن الفتوى بنفس ألفاظ الرواية.

وبهذا بلغت حركة الاجتهاد الشيعيّ تكاملها وشموليّتها، حيث تمكَّن الشيخ الطوسي من تفريع جميع مسائل الفقه وفقًا لمبانيه الأصوليّة والفقهيّة والرجاليّة والحديثيّة والتفسيريّة...، ليفتح الباب واسعاً بعد ذلك عند أعلام الحلّة ومحقّقيها الكبار في تطوير عملية الاجتهاد ككل، وبالتالي تطوّر علم الفقه بكلّ مبانيه وقواعده وتطبيقاته وتخصّصاته...

ختامًا، لم نقصد من هذه المقاربة الكتابة التاريخيّة المكثّفة لبعض جوانب الفقه عند الإمامية بقدر ما نريد التركيز على ضرورة دراسة تاريخ هذا العلم بكلّ مراحله وتجلّياته وحضوره العلميّ بأعلامه وتصنيفاته ومدارسه وما لهذا الحضور والفعاليّة من تأثير في المجتمع وعلى جميع المكلَّفين، ومِنْ حفظٍ لتراث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام)، وهي الغاية من مشروعنا هذا.

ولا يسعنا إلّا تقديم خالص الشّكر والامتنان لكلِّ من ساهم في ولادة هذا المشروع، من مدير الملف إلى الباحثين والمحرِّرين والفنّيين، سائلين العلي القدير أن يمنَّ عليهم جميعًا بشفاعة محمد وآله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن يكون ذُخرًا علميًّا نافعًا للعلماء والباحثين والطّلاب.

 

-----------------------------------------------------

[1]- العلامة الحلي، تحرير الأحكام، ص٤٠.

[2]- المقداد السيوري، التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، ص٣.

[3]- الكليني، أصول الكافي، ج١، ص٥٣-٥٨.

[4]- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج١، ص١٢٩.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف