تأليف :
مجموعة مؤلفين
محتويات العدد :
نظريّة المعرفة عند المدرسة الصدرائيّة ..… د. محمد عبد المهدي سلمان الحلو
نظريّة الوجود الإدراكي ..… الأستاذ عبد الرسول عُبُودِيَّت
نظريّة المعرفة عند المدرسة النيو صدرائيّة ..… د. حاتم الجياشي
كلمة المركز
من بين سائر مباحث الفلسفة أخذت نظريّة المعرفة حيّزًا كبيرًا من اهتمام الباحثين؛ وذلك لتعلّق موضوعها بتخصّصاتٍ عديدةٍ، وتناولها لجميع اتجاهات المعرفة الإنسانيّة بوصفها فلسفةً للعلوم. ومن جهة فهي تشكّل المرتكز الذي حدا بالفلسفة لأنْ تتنوّع إلى مدارس ومذاهب واتّجاهاتٍ ونزعاتٍ ومناهج تبعًا لـمصادر استقائها التي يُعوّل عليها فـي تـحديد نوعها.
إنّ تشكّل نظريّة المعرفة الفلسفيّة بوصفها نظريّةً مستقلّةً ظهرت منذ ثلاثة قرونٍ على يد الفلاسفة الغربيّين، أمّا في الفكر الإسلاميّ فقد طُرِحَت كثيرٌ من مسائلها ومصادرها ومناهجها متفرّقةً في مباحث الفلسفة، والمنطق، وأصول الفقه منذ زمن تأسيس تلك العلوم، واستمرّت تتطوّر معها إلى يومنا الحاضر.
ومنذ ذلك الـحين وهي ذات شأنٍ فـي فرز الأصيل عن الدخيل من مناهج الـمعرفة وأبحاثها الـمعاصرة.
تهدف نظريّة المعرفة إلى الكشف عن حقيقة المعرفة الإنسانيّة وطبيعتها، وحدودها، ومصادرها، ومناهجها، وقيمتها، وموانعها، وصدقها وخطئها، والشروط الموضوعيّة لتشكّلها، ووسائل إنتاجها، وسبل نموّها بوصفها مدخلًا ضروريًّا تؤسَّس عليه كثيرٌ من المعارف الرامية لإنتاج اليقين. وتُعنى نظريّة المعرفة أيضًا بنقد العلوم وتقويمها، وتحديد الأُسس التي ترتكز عليها، لتؤمّن الوصول إلى المعرفة السليمة.
ولا تقف نظريّة المعرفة في علاقتها بالعلوم على إطارها الموضوعيّ فحسب؛ وإنّمـا تـمارس دورًا منهجيًّا تنطلق منه لمعالجة العلاقة بين الذات والموضوع، وضبط طبيعتها؛ لتحصين سلامة الآليات والأدوات الـمعرفيّة بينهمـا وتوليد نتائج معرفيّةٍ أمينة.
وما زالت مهمّة نظريّة المعرفة هي البحث حول المعارف الصحيحة التي يمكن اعتمادها وطرح الحقائق في ضوئها، ومحاكمة الحقائق والقضايا الأخرى التي تنتج صورةً خاطئةً عن الواقع؛ فهي إذًا تحمل مهمّة إنتاج اليقين أو بيان طريقه؛ فتؤسّس للوصول إلى اليقين الكاشف عن الواقع -لأنّه الحقيقة نفسها- بشكل يتجاوز الجزم العلميّ والفلسفيّ إلى الجزم بمطابقة الواقع والكشف عنه، وهو ما يفصح عنه قسمـا الـمعرفة الحضوريّة والحصوليّة بأنّ وظيفتهما الكشف عن مطابقة الواقع وتحصيل اليقين.
ويمثل تأسيس (سلسلة دراسات إبستمولوجيّة) من قبل (المركز الإسلاميّ للدراسات الاستراتيجيّة) استجابةً واعيةً لمتطلباّتٍ معرفيّةٍ حاضرةٍ فـي واقع الفكر المعاصر، يسعى بوساطتها المركز إلى اتّخاذ موقفٍ معرفيّ حاسمٍ في المسائل الأساسيّة لنظريّة الـمعرفة، من شأنها الإسهام فـي إيضاح ومعالجة قضاياها المركزيّة، ومآلاتها الفكريّة.
في هذا الكتاب
تواجهنا ثلاثة بحوث ألقت الضوء على معالم نظرية المعرفة عند صدر المتألّهين الشيرازي، فالبحث الأول بعنوان (نظرية المعرفة عند المدرسة الصدرائيّة) فقد عرض المداخل الأساسية لنظرية المعرفة في المدرسة الصدرائية ، التي تمزج ادوات الحس والعقل والخيال والكشف في وظيفة معرفية فاعلة لكشف الحقائق، ومن جهة اعتمدت على مفهوم الانطباع أو الحصول في الذهن ومطابقة الواقع الخارجي - بوصفه علاقة تصديق بين الموجود الخارجي والذهن – بدل مفهوم الارتسام الذي أعدته فطري موجود في النفس .
في البحث الثاني يبيّن الأستاذ عبد الرسول عُبُودِيّت مفاصل أساسيّةً متّصلةً بنظريّة المعرفة وردت تحت قسم (نظريّة الوجود الإدراكي) عند الفيلسوف (صدر المتألّهين)، وهي العلم الحضوري، والعلم الحصولي، والوجود الذهني، وسعي (صدر المتألّهين) للإجابة عن الإشكالات الواردة عليها بعد عرضها وبيانها، مؤسّسًا إلى إيضاح المفاهيم الثلاثة، وشرط التحقّق المشترك لأيّ نوعٍ من أنواع العلم.
وعرض البحث نظرية الفيلسوف (صدر المتألّهين) في اتحاد العلم والمعلوم في العلم الحضوري؛ أيّ أنهما ذوا واقعيّةٍ واحدةٍ خلافًا للحصولي فهما واقعيتان متغايرتان، تنطبق إحداهما على الأخرى بالضرورة؛ إذ إنّ قوام العلم الحصولي يتحقّق بانطباق العلم على المعلوم.
وأوضح البحث الثالث الذي ورد بعنوان (نظرية المعرفة عند المدرسة النيوصدرائية) آثار آراء صدر المتألهين فيما بعده من الفلاسفة، فبين اهتمام العلامة الطباطبائي بالعلم الحضوري، عادا الخطأ بأنه لا يقع في العلميات الإدراكية المختلفة وإنما في أثناء التصورات الخاطئة في عملية الإدراك . وتابع العلامة مطهري والشيخ مصباح اليزدي العلامة الطباطبائي بأن البحث عن الإدراكات في صميم نظرية المعرفة .
ذلك هو شأن المدرسة الصدرائية وامتداداتها في مزج التراث الفلسفي للفكر الإنساني بالفكر الديني لتكوّن لنفسها منظومة متكاملة تنبعث من مطالب نظرية المعرفة كالوجود الذهني والعاقل والمعقول والإدراكات وغيرها .
ويسرّنا أن نتقدّم بمزيدٍ من الشكر إلى مركز الـحضارة لتنمية الفكر الإسلاميّ، لإسهامه في توفير أحد بحوث الكتاب وهو بحث ( نظرية الوجود الإدراكي) .
نأمل أنْ يـحقّق هذا الكتاب إضافةً علميّةً تنضمّ إلى ما كتب فـي هذا الـمجال، وبذلك يشارك الـمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية فـي رفد الفكر بمـا يتطلّب من مواكباتٍ عصريّةٍ مهمّة فـي الـمعرفة والـمنهج.
والـحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ على رسولهِ الأمين محمّدٍ وعلى أهلِ بـيتـهِ الطـيبـينَ الطاهرين.