الدين والتنمية

الدين والتنمية

تأليف : 

مجموعة مؤلفين 

إعداد : 

مسلم طاهري 

 

فهرس المحتويات :

معالم المجتمع المتطوّر وخصائصه ....... محمد جمال خليليان، سيّد حميد جوشقاني

الحياة المعقولة بوصفها حياة تقدمية ....... حسن يوسف‌زاده

التنمية والمجتمع المثالي المنشود ....... علي رضا شجاعي زند

موقع الخلافة الإلهية للإنسان والنموذج الإسلامي للتنمية ....... قدرت الله قربانی

دراسة مقارنة حول الأُسس الأنثروبولوجية للتنمية ....... حسن رحيمي روشن، فاطمة حسيني

منهج تدوين شاخص التنمية الإنسانية على أساس الخطاب القرآني ....... محمد جواد توكلي

خصائص التنمية الإنسانية في المجتمع الإسلامي المثالي والمنشود ....... محمد جمال خليليان

دراسة منهجية حول سيميولوجيا التنمية ....... رامينه سليمان‌زاده وآخرون

أسس التنمية الاقتصادية العادلة في الإسلام ....... ناصر جهانيان

المبادئ الانسانية للتطور السياسي في الإسلام ....... حشمت الله فلاحت بيشه، محتبى نوروزي

التنمية بوصفها أمرًا ثقافيًا؛ قراءة نقدية ....... يحيى بوذري نجاد، مسلم طاهري كل كشوندي

دراسة نقدية للمباني الأنثروبولوجية الحديثة ....... فاطمة السادات هاشميان

 

مقدمة المركز

ما هي الظاهرة التي يتمّ الحديث في معرض الكلام عن التنمية؟ هناك العديد من الإجابات التي تمّ تقديمها عن هذا السؤال؛ حيث يمكن التمييز بينها على أساس ماهية الموضوع وأسلوبه والأهداف والغايات المنشودة منه. ومن هنا يمكن لنا إحصاء دراسات التنمية من خلال آثار وآراء العلماء والمفكرين في حقل علم الاقتصاد والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والدراسات الثقافية وسائر حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية، من قبيل: الفلسفة؛ إن هذه الآثار والآراء تنطوي من حيث الأسس المنهجية والرؤيوية على اختلافات ومشتركات فيما بينها. وقد ارتبطت الدراسات التنموية منذ البداية وحتى الآن بشكل مستمر بمفاهيم أخرى، من قبيل: «التنمية الاقتصادية»، و«السلطة السياسية»، و«المنزلة الاجتماعية»، و«الهوية الثقافية»، و«المنزلة الإنسانية».

غني عن الذكر أن عدد هذه الأبعاد بدوره غير متفق عليه بين العلماء والمفكرين، بيد أنه يمكن بشكل عام تسمية بعض الأمور الأساسية في الحياة الإنسانية؛ حيث تبلورت الأفكار المعاصرة الناظرة إلى التنمية في ضوئها. إن «الأمر الاقتصادي»، و«الأمر السياسي»، و«الأمر الاجتماعي»، و«الأمر الثقافي» وصولًا إلى «الأمر الإنساني» في نهاية المطاف، تشكّل في مجموعها خمسة مفاهيم نظرية عن الأمور الحيوية في الحياة الإنسانية لكل مجتمع.

ويمكن لنا أن ندعي أن اتجاه المفكرين في علم الاجتماع نحو ظاهرة من قبيل التنمية، هي الأخرى مشمولة لهذه القاعدة أيضًا.

وهناك من اعتبرها بوصفها «أمرًا اقتصاديًا»، وعمل ـ بعد جهود مفهومية ناظرة إليها ـ على تنظيم سائر الأبعاد الإنسانية الحيوية؛ وفي هذه الرؤية حجزت مسألة الثروة، ومسار إنتاجها وتوزيعها واستهلاكها لنفسها فضاء مفهوميًا ونظريًا ملحوظًا؛ إن هذه الرؤية تتطلّب «نظمًا» وتنسيقًا تنمويًا قائمًا على أساس «الثروة» وكيفية تنميتها في المجتمع؛ وقد ربطت عوائق التنمية والمسائل المتعلقة بها بالمسائل الاقتصادية للمجتمع، واقترحت حلولًا رئيسة تتمحور حول الاقتصاد بوصفه طريقًا للخروج من عدم التنمية؛ وإن الأدبيات الناظرة إلى «التنمية الاقتصادية» تشير إلى هذا السنخ من الفكر التنموي.

وهناك الكثير من الذين ربطوا التنمية بـ «الأمر السياسي» لا بوصفها أمرًا اقتصاديًا وإنما بتحققها أو ماهيتها، بدعوى أن التنمية يجب فهمها أولًا وبالذات بوصفها أمرًا سياسيًا، وأن يتمّ تحديدها وبيان دورها في تركيبة السلطة وجهاز الحكم في المجتمع، وبعد أن يتمّ إيجاد توافق وإجماع في هذه المساحة على نطاق واسع، يتم العمل على تنظيم أربعة أركان أخرى في المجتمع بالنظر إلى تحولات من هذا النوع؛ وفي الأساس فقد عملوا ـ في هذه الرؤية إلى التنمية ـ على تصوير موضوع «التنمية» بوصفه أمرًا سياسيًا، وقد صوّروا «نظم» وتنسيق التنمية بوصفه أمرًا قائمًا على التركيبة الرسمية لـ «القدرة» وكيفية مسار تشكيلها وجريانها ومشروعيتها في المجتمع؛ ولذلك فإنهم قد ربطوا موانع التنمية والمسائل المرتبطة بها بالمسائل السياسية، ونظروا إلى الحلول المتمحورة حول السياسة بشكل رئيس بوصفها حلولًا للخروج من عدم التنمية؛ ولذلك فإننا نواجه أدبيات موسومة بـ «التنمية السياسية».

وهناك من العلماء والمفكرين من لم يعتبروا التنمية أمرًا اقتصاديًا ولا أمرًا سياسيًا، بل اعتبروها «أمرًا اجتماعيًا»، وقالوا بأن التنمية مسار يجب أن يجري على مستوى أعمّ في المجتمع، وأن يحدث تبعًا لذلك توافق، بحيث لا يكون هذا التوافق منحصرًا في دائرة المؤسسات السياسية أو الاقتصادية في المجتمع ـ والتي تعدّ جزءًا محدودًا منه ـ بل يجب أن يكون هناك فهم مشترك بين كافة الفئات والطبقات الاجتماعية بالنسبة إلى الأمور المختلفة بشكل عام، ومسألة التنمية بشكل خاص؛ إن عطف التدابير التنموية نحو الأمر الاجتماعي ناظر إلى ضرورة إيجاد «الانسجام» والتناغم بين القوى الانضمامية الموجودة في المجتمع، ويدّعي بأن الأمر الاجتماعي هو الذي يُعيّن الموضوع والغاية والقائم بالتنمية. ولذلك فإن الأبنية الاقتصادية والسياسية في المجتمع، وكذلك العوامل الإنسانية في إطار الطبقات الاجتماعية، تعمل على إخضاع الجماعات والأشخاص من بني البشر إلى التأمّل والدراسة تحت مفهوم «النظم الاجتماعي» ـ الناظر إلى «الانسجام» و«الاتحاد» الحاصل من الاجتماع العام ـ أو «الاضطراب» و«التفكك» ـ الذي يعدّ طريقة للخروج من السلطة البنيوية للأمر السياسي أو الأمر الاقتصادي في المجتمع ـ ويتمّ النظر إلى حجم النجاح في الحصول على نموذج خاص من التنمية في ظلّ هذا الوضع. واليوم يمكن الوصول إلى هذه الأدبيات في ضوء مصطلح «التنمية الاجتماعية»؛ حيث يتمّ العمل على متابعة تنظيم البنية الاقتصادية والسياسية للمجتمع بناء على الأمر الاجتماعي.

إن اكتساب الاتجاهات الانتقادية بالنسبة إلى مدعيات التنمية الغربية القدرة بفعل التداعيات الوجودية الناشئة عن تحقق النماذج التنموية سواء في بعدها الاقتصادي أو في النماذج السياسية الكامنة فيها، وحتى الأفكار ما وراء الزمانية وما وراء المكانية الميتافيزيقية للأمر الاجتماعي  قد أفضت إلى تحوّلات في الفكر التنموي أيضًا. إن النظر إلى التنمية بوصفها أمرًا ثقافيًا، قد عمل على توجيه أنظارنا الاستعلائية العابرة للزمان والمكان ـ والتي كانت ملقاة من قبل الـ «الأنا» الغربية في فهم ماهية الأمر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ـ ولم يتمّ رسم مسار الوصول إليها وإلى تحققها الخارجي إلى من طريق خط استغرابي معيّن، نحو «أمر اجتماعي» متعيّن، ورقعة وطنية لم تربط المسار الماثل أمامها بمصير الـ «الأنا» الغربي بالضرورة. ومن هنا فإن ربط الأمر الاجتماعي العابر للزمان والمكان السابق بمسألة الجغرافيا والوطن، قد تمخّض عن الأمر الثقافي. إن الخوض في الأبعاد والمسائل المرتبطة بـ «هوية» هذا النوع من الأنا، من أجل تحقيق نموذج خاص من التنمية، قد أدّى إلى الخروج من سماء الغرب والهبوط في أرض غير غربية، ولم يقتصر الأمر في ذلك على مجرّد إعادة قراءة ظرفيات «الذات» فقط، بل ومهّد طريق «العودة» إلى هذه الذات أيضًا. ولذلك فإنهم يرون أن مسار الفكر التنموي لم يكن على الدوام مسارًا أحادي الاتجاه ينطلق من الحضارة الغربية إلى الحضارات غير الغربية، ولم يطو المسار الإصلاحي، بل وكانت له ردّة فعل في ذات المجتمعات المصنوعة غربيًا، من قبيل: «المجتمعات النامية»، و«الجديدة»، و«غير النامية» أو «حديثة الظهور» في قبال الرؤية الغربية لواقع التنمية في بلدانها، وخاضت تجربة نموذج خاص من التنمية.

يمكن اعتبار مفهوم التنمية بوصفه أمرًا إنسانيًا، عودة إلى الجذور الإنسانية للحياة الاجتماعية؛ حيث لم يتمّ هناك في الأساس مجرّد تصوّر «الإنسان» بوصفه موضوعًا لـ «التنمية»، وطالبوا بإجراء «النظم» والتنسيق التنموي القائم على «الإنسان» فقط، بل دفعوا بهذه الرؤية إلى دائرة التفكير بعيدًا عن التعلقات الاقتصادية (أو كمية وكيفية حجم الثروة الفردية والجماعية)، والسياسية (أو حجم المشاركة في البناء الرسمي للقدرة والسلطة)، والاجتماعية (أو مقدار لحاظ الجماعات القومية والدينية والعرقية واللغوية لبناء الانسجام الاجتماعي للمجتمعات)، والثقافية (أو العناصر البناءة والمقبولة من قبل الهوية الجماعية). ولذلك فإنهم وإن وصلوا من خلال التفكير في الإنسان إلى نماذج خاصّة من النظم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، بيد أنهم لم يربطوا تصوير موانع التنمية والمسائل المرتبطة بها بالمسائل الاقتصادية مباشرة، ولا بالتحولات السياسية أو الاجتماعية ولا حتى بالتحوّلات الثقافية أيضًا، وإنما هذا «الإنسان» هو الذي سيعمل على تحديد المسائل الأصلية والاتجاهات العامّة والأبعاد التنفيذية لأمر التنمية.

وقد سعينا في هذه المجموعة من المقالات ـ ضمن تقديم تقرير مختصر عن أنواع التحوّل في دراسة أمر التنمية، وكذلك بيان الأبعاد النظرية المختلفة لمفهوم التنمية ـ إلى بحث مواجهة الدين مع هذا الأمر، وأن نسلك الخطوات الأولى في طريق معرفة وتدوين النظريات والنماذج المقترحة للتنمية القائمة على أساس الفكر الديني.

وفي الختام نتقدم بخالص الشكر إلى جميع الكتاب، وكذلك الزملاء الكرام الذين ساهموا في تدوين ونشر هذه المجموعة، ونخصّ منهم بالذكر فضيلة الدكتور مسلم طاهري المدير العلمي المحترم في هذه المجموعة؛ إذ تولى أمر المتابعة والتدقيق العلمي الكفوء في تدوين هذه المجموعة من المقالات، وسماحة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور السيد هاشم الميلاني رئيس المركز، حيث كنا ولا نزال نحظى بدعمه وإرشاداته العلمية المؤثرة. على أمل إحياء قلوب المؤمنين والمجتمع البشري بمعين رحمة المعارف الإلهية والأعمال الصالحة، وإعداد الأرضية الخصبة لإقامة المجتمع المثالي والفاضل الذي ينعم بالحياة الطيّبة بحق محمد وآله الأطهار(عليهم السلام).

 

السيد محسن الموسوي

المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية / فرع قم

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف