أزمة الانسان المعاصر
تأليف:
فاطمة السادات هاشميان
تعريب:
حسن علي مطر الهاشمي
مقدمة المركز
تدخل هذه السلسلة التي يصدرها المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة في سياق منظومة معرفيّة يعكف المركز على تظهيرها، وتهدف إلى بحث وتأصيل ونقد مفاهيم شكَّلت ولمّا تزل مرتكزاتٍ أساسيّةً في فضاء التفكير المعاصر.
وسعيًا إلى تحقيق هذا الهدف وضعت الهيئة المشرفة خارطةً شاملةً للعناية بالمصطلحات والمفاهيم الأكثر حضورًا وتداولًا وتأثيرًا في العلوم الإنسانيّة؛ ولا سيّما في حقول الفلسفة، وعلم الاجتماع، والفكر السياسي، وفلسفة الدين، والاقتصاد، وتاريخ الحضارات.
أمّا الغاية من هذا المشروع المعرفي فيمكن إجمالها بالآتي:
أوّلًا: الوعي بالمفاهيم وأهميّتها المركزيّة في تشكيل وتنمية المعارف والعلوم الإنسانيّة وإدراك مبانيها وغاياتها، وبالتالي التعامل معها كضرورةٍ للتواصل مع عالم الأفكار، والتعرُّف على النظريّات والمناهج التي تتشكّل منها الأنظمة الفكريّة المختلفة.
ثانيًا: إزالة الغموض حول الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي غالبًا ما تستعمل في غير موضعها أو يجري تفسيرها على خلاف المراد منها. لا سيّما وأنّ كثيرًا من الإشكاليّات المعرفيّة ناتجة من اضطراب الفهم في تحديد المفاهيم والوقوف على مقاصدها الحقيقيّة.
ثالثًا: بيان حقيقة ما يؤدّيه توظيف المفاهيم في ميادين الاحتدام الحضاري بين الشرق والغرب، وما يترتّب على هذا التوظيف من آثارٍ سلبيةٍ بفعل العولمة الثقافيّة والقيميّة التي تتعرَّض لها المجتمعات العربية والإسلاميّة، وخصوصًا في الحقبة المعاصرة.
رابعًا: رفد المعاهد الجامعيّة ومراكز الأبحاث والمنتديات الفكريّة بعملٍ موسوعيٍ جديدٍ يحيط بنشأة المفهوم ومعناه ودلالاته الاصطلاحيّة، ومجال استخداماته العلميّة، فضلًا عن صِلاته وارتباطه بالعلوم والمعارف الأخرى.
وانطلاقًا من البعد العلمي والمنهجي والتحكيمي لهذا المشروع، فقد حرص المركز على أن يشارك في إنجازه نخبةٌ من كبار الأكاديميّين والباحثين والمفكّرين من العالمين العربي والإسلامي.
* * *
يتناول هذا الكتاب الذي يقع ضمن سلسلة مصطلحات معاصرة قضية التنمية بوصفها إحدى أهم القضايا التي تعيشها الحضارة الإنسانية المعاصرة، ولا سيما في البلدان والمجتمعات الإسلامية مطلع القرن الحادي والعشرين. وهو يتطرّق إلى أصل المفهوم ومعناه وجذوره ثم يعقد مقارنة بين المفهوم الغربي للتنمية والمفهوم الإسلامي، ويبيّن الاختلافات الجوهرية بينهما.
والحمد لله رب العالمين
المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة
مقدمة المؤلف
تُعدّ التنمية مِن بين أهمّ المفاهيم في العلوم الإنسانيّة؛ إذ تشتمل على مختلف الموضوعات في تفكير ونشاط المجتمعات الإنسانيّة في مختلف الأبعاد الثقافيّة/ الاقتصاديّة/ الاجتماعيّة/ السياسيّة. وفي ضوء تعريف التنمية المنبثق عن البنى التحتيّة والأسس الفكريّة لهذا المفهوم، ولا سيّما نوع الرؤية إلى الإنسان، تكون أهداف وتطبيقات ونتائج التنمية متغيرّة. وعلى هذا الأساس، يجب العمل - قبل أيّ شيء وقبل اتخاذ أيّ خطوة في إطار تحقّق الأبعاد المتعدّدة للتنمية - على بحث ثقافة التنمية بما يتناسب مع المنظومة القيَميّة للمجتمع، ثمّ العمل مِن خلال هذه المعرفة الأوليّة على إقامة فرضيّات خطط التنمية على أساسها؛ وذلك لحاجة كلّ مجتمع في سلوك مسار التنمية إلى نموذج فذّ ومتطابق مع الخصائص الثقافيّة والقيَميّة لذلك المجتمع.
إنَّ التنمية ـ في المنظور الإسلامي ـ عبارة عن مسار تعاملي متبادل وشامل لغرض إصلاح وتجديد المجتمع بما يتناسب مع النظام القيَمي مِن أجل تحقيق السعادة الدنيويّة والأخرويّة لبني الإنسان، وهي تهتمّ بكلا البُعدين الروحي والجسدي للإنسان. وعلى هذا الأساس، فإنَّ النموذج الإسلامي للتنمية، يختلف عن النموذج الغربي للتنمية الحديثة، الذي تكون نتيجته عبارة عن محوريّة وأصالة الإنسان والتأصيل الذاتي وطلب اللذّة ومحوريّة المنفعة، اختلافًا جوهريًّا ومبنائيًّا، ويرفض ماهية التنمية على أساس النموذج الغربي ويعتبره نموذجًا فاشلًا.
نسعى في هذا الكتاب، مِن خلال دراسة وتحليل رؤية الغرب إلى ماهية ومفهوم الإنسان، ونقدها ومقارنتها بالهوية الإسلاميّة للإنسان، إلى نقد المباني الأنثروبولوجيّة للتنمية الحديثة ضمن المحاور الأربعة: الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، ونعمل على تقييم ونقد تأثير نوع نظريّة وهويّة الإنسان مِن زاوية الغرب ونظرته إلى مختلف أبعاد التنمية الحديثة، وذلك ضمن المنهجيّة الآتية؛ إذ يتمّ العمل أوّلًا على بيان وتقديم التعريف التفصيلي والمفهومي لشرائط تحقّق ونتائج ذلك البُعد، ومِن ثَمَّ نقوم ببيان المباني الأنثروبولوجيّة المؤثّرة عليه، وكذلك التداعيات الناشئة عن الأنثروبولوجيا لذلك المحور مِن التنمية الحديثة.
وهنا أرى مِن الواجب أنْ أتقدّم بالشكر الجزيل إلى الأستاذ والعالم الكبير سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الدكتور عبد الحسين خسروپناه على ما بيّنه لي مِن الموارد التي تستحقّ التصحيح مِن هذا الكتاب، كما وأشكر الأستاذ القدير سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الدكتور السيّد أحمد الغفاري، الذي أشرف على مسار تدوين وتكامل هذا الأثر، وكذلك الأستاذ المبدع سماحة الدكتور غلام حسين گرامي على ما أبداه مِن ملاحظات قيّمة فيما يتعلّق بموضوع هذا الكتاب. وفي الختام، أرفع هذا الكتاب بضاعة مزجاة إلى أمل العالم وليّ العصر وإمام الزمان(عليه السلام)، عسى أنْ تكون هذه الدراسة خطوة في مسار تعجيل ظهوره وفرَجه الشريف.