تأليف :
مجموعة باحثين
تقديم وتحرير :
الشيخ الاسعد بن علي قيدارة
محتويات العدد :
الفصل الأوّل / مدخل إلى علم الكلام الإسلاميّ
الشيخ مازن المطوري
الفصل الثاني / مناهج علم الكلام من منظور تاريخي
الشيخ غسّان الأسعد
الفصل الثالث / المدوّنات الكلاميّة بين المكتبة الشيعيّة والتصنيف العشريّ
الشيخ محمود علي سرائب
الفصل الرابع / عصور تاريخ الكلام الإماميّ من التأسيس إلى الرّاهن الكلاميّ
الشيخ الأسعد بن علي قيدارة
الفصل الخامس / التأسيس القرآنيّ لعلم الكلام
الشيخ د. خلدون أبو عيد
الفصل السادس / الدور النبويّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في التأسيس الكلاميّ (13ق.هـ-11هـ) (دراسة تحليليّة لروايات العقائد)
السيّد هاشم الميلاني
مقدمة المركز
الحمد لله بارئ النّفوس وخالق الأكوان، الذي جعل الإقرار بالعجز عن معرفته أرقى مراقي معرفته، فتحيّرت العقول في كنه ذاته، وضلّت الأوهام في علوّ صفاته، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، محمّد النبيّ الخاتم الأمين(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى آله الميامين؛ أئمّة الهدى، ومصابيح الدجى، منارات السّالكين، ونبراس العارفين.
للوهلة الأولى، يبدو الحديث عن تاريخ العلوم الإسلاميّة عمومًا، وتاريخ علم الكلام بالتحديد، غريبًا، فنحن بهذا التوجّه نجمع بين مجالين يبدوان للوهلة الأولى مختلفين ومتنافرين: التاريخ وانشغالاته في استرداد الماضي، ودراسة الوثائق، وإعادة بناء الحوادث في تسلسلها الزمني؛ وبين العلوم الإسلامية التي تدور مدار النّصوص الشرعيّة، وتستهدف بناء المعارف الدينيّة في المعتقد والأفكار الكبرى، والأحكام والشرائع، والقيم والأخلاق. وهذا الاستيحاش من المقاربة التاريخيّة للعلوم الإسلاميّة يبدو مفهومًا خاصّة في البيئات التي احتلّت فيها مسائل العلوم الأولويّة القصوى، كضلعٍ مركزيٍّ من الأضلاع المعرفيّة. حيث احتلّت مسائل العلم في الإنتاج العلميّ في المنظومات المعرفيّة القديمة الأولويّة على ما عداها، وتأتي الأضلاع الأخرى في درجةٍ ثانيةٍ من الاهتمام، كمناهج العلوم، ولغتها، ومصطلحاتها، ومبانيها، وتكاملها الابستمولوجي ... ذلك كلّه يعدّ قضيّةً فرعيّةً جانبيّةً أمام استمرار تدفّق تآليف ومدوّنات مسائل العلوم.
ولكن، وراء الإبداع العلميّ الذي تجلّى في سائر العلوم الإسلاميّة، وتصاعد إنتاج مدوّنات المسائل التي تضخّمت كمًّا وحجمًا، وتطوّرت كيفًا ونوعًا، وراء ذلك كلّه هناك جهود جبّارة ونوعيّة على مستوى تنقيح المباني، وضبط الحدود والمصطلحات، وتحرير المناهج، وتحقيق التاريخ التحوّلات الكبرى في مسيرة العلم.
ومن جهة ثانية، إنّ الطّفرة التي شهدتها الدّراسات حول فلسفة العلوم سلّطت الأضواء أكثر فأكثر على تاريخ العلم ومدخليّته في نموّ العلم نفسه وتطوّره، فقد أكّدت هذه الدّراسات التّرابط بين تاريخ العلم وحتميّة التطوّر التاريخي؛ لأنّ تاريخ العلم يساعد على فهم نظريّات العلم، فهو يُبيّن كيف نشأت تلك المسألة وكيف تفرعّت الأقوال فيها، وما طبيعة السّجالات التاريخيّة التي جرت حولها. وعلى مستوى مصطلحات العلم، يمكن أن يساهم تاريخ العلم في كشف الالتباسات والغموض الذي يكتنف بعض المصطلحات ودلالاتها: فقد تختلف معاني مفردةٍ ما من عصرٍ إلى عصر، ومن حقبةٍ إلى حقبة، ومن عَلَم إلى آخر؛... والقراءة التاريخيّة هي التي تكشف تلك التداخلات كلّها. كما يُسقط بعض الباحثين المصطلحات المتأخرة على الحقبات القديمة غافلين أنّ ظهور تلك المصطلحات وتلك الحدود حدثَ في عصرٍ متأخّر نسبيًّا.
ومن جهة ثالثة، يمثّل جدل العلوم قانونًا يحكم مسيرتها، وفي نطاق العلوم الإسلاميّة، تمثّل التكامليّة المعرفيّة حقيقةً تترسّخ عبر الزمن، وتقود القراءة التاريخيّة لتلمّس هذه التكامليّة، وهذا التأثير المتبادل بين مختلف العلوم الإسلاميّة، وتفسّر أسبابه.
كما أنّ دراسات تاريخ العلوم، تمكّن الباحثين والدّارسين من القدرة الاستشرافيّة لآفاق ذلك العلم وما نتوقّعه من مساراتٍ مستقبليّةٍ لذلك العلم: في أركانه المعرفيّة، واهتماماته، وعلاقاته بالعلوم الأُخر، ... وهكذا يتجلّى لنا أنّ تاريخ العلم ليس مجرّد استردادٍ للماضي في وقائعه وتسلسل أحداثه، ومحاولة إعادة بناء هذا الحدث كما وقع. إنّ تاريخ العلم هو جهدٌ علميٌّ منظّمٌ يقوم على التّحقيق والتّحليل التاريخي، من خلال الحفريات العلميّة متعدّدة الأبعاد للوصول إلى مسارات نموّ ذلك العلم وتكامله في الجهات كلّها، من: جهة النشأة، التحوّلات الكبرى، المنعرجات الحاسمة، والعلاقة بالعلوم الأخرى...؛ قصد بلوغ منطقٍ علميّ في تفسير الرسم البياني لمسيرة العلم، في علاقته الجدليّة بمنظومة المعارف الإنسانيّة عمومًا والعلوم الإسلاميّة بالخصوص. كما يمكّننا هذا المنطق من استشراف مستقبل العلم والقدرة على التنبّؤ العلميّ بالتحوّلات المتوّقعة، وبالتالي الاستعداد لتحدّيات الغد كلّها ومقتضياته.
وانطلاقًا من القيمة المعرفيّة والحضاريّة لهذه الأعمال في تاريخ العلوم، أطلق المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة، بعون الله وتسديده، هذا المشروع لتأسيس مدوّنة تاريخ العلوم الإسلاميّة، والتي يشكّل تاريخ الكلام الإماميّ أحد فروعها.
إنّ مشروع تاريخ الكلام الإمامي هو مدوّنةٌ معرفيّةٌ موضوعيّةٌ تتناول تاريخ كلام الشيعة الإماميّة في أبعاده جميعها: من حيث النشأة، والتحقيب التاريخي لعصور الكلام الإماميّ إلى يومنا الحاضر، والأعلام، والحواضر والمدارس العلميّة، والنظريات الكلاميّة التي توالت وتوالدت عبر الزمن...، وسيلمس القارئ عبر تسلسل أقسام هذا المشروع تغطيته لكلّ هذه القضايا.
هذا الكتاب بين يدي القارئ العزيز، هو الجزء الأوّل من هذا القسم من المشروع، وقد تضمّن سلسلة بحوثٍ تأسيسيّة، وهي على الترتيب: مدخل إلى علم الكلام الإسلاميّ، مناهج علم الكلام من منظور تاريخي، المدوّنات الكلاميّة بين المكتبة الشيعيّة والتصنيف العشري، عصور التاريخ الكلامي من التأسيس إلى الراهن الكلامي، التأسيس القرآني لعلم الكلام، أدوار النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في تأسيس علم الكلام.
ختامًا، نتقدّم بخالص الشكر والامتنان لكلّ من ساهم في إنجاز هذا العمل المبارك من مدير مشروع تاريخ الكلام الإمامي الشيخ الأسعد بن علي قيدارة، وهيئة علميّة، ومن مجموعة الباحثين والباحثات، وفريق المركز في التحرير والتدقيق والإخراج، ونسأل المولى تعالى أن يكافئهم على مثابرتهم، وصبرهم، وحسن تعاونهم، فإنّه سبحانه لا يضيع لديه ثواب العاملين.
والحمد لله ربّ العالمين
المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة