فهرس المحتويات

مقدّمة المركز | 11

مقدّمة المؤلِّف | 15

التمهيد

نظرة عامّة في الدراسات القرآنيّة والاستشراق السويدي

أوّلًا: الدراسات القرآنيّة | 23

ثانيًا: الاستشراق | 26

ثالثًا: الاستشراق السويدي | 32

الفصل الأول

المباحث القرآنيّة عند المستشرقين السويديّين

المبحث الأول: الوحي القرآني من منظار الاستشراق السويدي | 43

المطلب الأوّل: الوحي في اللغة والاصطلاح | 46

المطلب الثاني: أنواع الوحي | 48

المطلب الثالث: مفهوم الوحي عند اليهود والنصارى | 50

المطلب الرابع: ثبوت حصول الوحي لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إثبات لآيات الأنبياء السابقين | 51

المطلب الخامس: الوحي بمنظار الاستشراق السويدي | 52

المطلب السادس: بعض شبهاتهم والرد عليها | 62

المبحث الثاني: الإعجاز القرآني وآراء المستشرقين السويديين فيه | 73

المطلب الأوّل: الإعجاز لغةً واصطلاحًا | 75

المطلب الثاني: الإعجاز البياني | 76

المطلب الثالث: بلغاء العرب والإعجاز البياني | 77

المطلب الرابع: أقوال العلماء في الإعجاز البياني | 78

المطلب الخامس: أقوال المستشرقين السويديين في الإعجاز البياني | 79

المطلب السادس: الإعجاز الصوتي | 81

المطلب السابع: رأي المستشرقين السويديين في الحروف المقطّعة ومناقشتهم | 84

المبحث الثالث: مصدر القرآن الكريم في نظر المستشرقين السويديين | 87

المطلب الأوّل: مصدر القرآن الكريم | 89

المطلب الثاني: أقوال المستشرقين السويديين في مصدر القرآن الكريم | 90

المطلب الثالث: مناقشة شُبَه المستشرقين ومزاعمهم | 94

المبحث الرابع: تفسير القرآن الكريم عند المستشرقين السويديين | 99

المطلب الأوّل: التفسير لغةً واصطلاحاً | 101

المطلب الثاني: نشأة علم التفسير ووجه الحاجة إليه | 102

المطلب الثالث: موقف المستشرقين السويديين من علم التفسير ومناقشتهم | 104

الفصل الثاني

تاريخ القرآن بنظر المستشرقين السويديين

المبحث الأول: نزول القرآن الكريم بمنظار المستشرقين السويديين | 111

المطلب الأوّل: الإنزال والتنزيل | 113

المطلب الثاني: أوّل ما نزل من القرآن الكريم | 116

المطلب الثالث: آخر ما نزل من القرآن الكريم | 119

المبحث الثاني: المكي والمدني برؤية الاستشراق السويدي | 121

المطلب الأوّل: نظريات المكي والمدني | 123

المطلب الثاني: الفائدة المترتبة على معرفة المكي والمدني | 124

المطلب الثالث: خصائص السور المكية والمدنية | 125

المطلب الرابع: رأي المستشرقين السويديين في المكي والمدني ومناقشتهم | 125

المبحث الثالث: السور القرآنية ومتعلِّقاتها بمنظار الاستشراق السويدي | 131

المطلب الأول: السورة لغةً واصطلاحًا | 133

المطلب الثاني: تسمية السورة | 134

المطلب الثالث: ترتيب السور | 136

المطلب الرابع: تقسيم سور القرآن الكريم | 139

المطلب الخامس: رأي المستشرقين السويديين في تسمية السور وترتيبها ومناقشتهم | 140

المبحث الرابع: جمع القرآن الكريم وموقف المستشرقين السويديين منه | 145

المطلب الأوّل: معاني جمع القرآن | 147

المطلب الثاني: رأي المستشرقين السويديين في جمع القرآن ومناقشتهم | 157

المطلب الثالث: لفظ القرآن | 164

المطلب الرابع: تسمية القرآن عند المستشرقين السويديين | 166

المطلب الخامس: مناقشة المستشرقين السويديين | 167

الفصل الثالث

ترجمة القرآن الكريم عند المستشرقين السويديين

المبحث الأول: الترجمة وأنواعها | 173

المطلب الأوّل: الترجمة لغةً واصطلاحًا | 176

المطلب الثاني: أنواع الترجمة | 176

أولاً: الترجمة الحرفية | 177

ثانيًا: الترجمة اللفظية | 177

ثالثًا: الترجمة التفسيرية (المعنوية) | 178

المبحث الثاني: حكم الترجمة | 179

المطلب الأوّل: هل يترجم الوحي الإلهي بعبارات بشرية؟ | 181

المطلب الثاني: الترجمات بين الرفض والقبول | 182

المطلب الثالث: آراء فقهاء المذاهب الإسلامية بشأن ترجمة القرآن الكريم | 183

المطلب الرابع: الشروط الواجب توافرها في المترجم | 187

المبحث الثالث: أهداف ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية ودوافعها | 189

المطلب الأوّل: لماذا ترجم الغربيون القرآن الكريم إلى لغاتهم؟ | 191

المطلب الثاني: نبذة عن ترجمات القرآن الكريم | 192

المطلب الثالث: ترجمات المستشرقين | 194

المطلب الرابع: تقويم ترجمات المستشرقين | 196

المبحث الرابع: ترجمات المستشرقين السويديين للقرآن الكريم | 199

المطلب الأوّل: ترجمة القرآن الكريم إلى اللّغة السويدية | 201

المطلب الثاني: نماذج من ترجمات المستشرقين السويديين | 209

النتائج والتوصيات | 225

ثبت المصادر والمراجع | 229

الملحق الأول | 249

الملحق الثاني | 257

الملخص باللغة الإنجليزية | 267

سلسلة القرآن في الدراسات الغربية 3 الدراسات القرآنية في الاستشراق السويدي تأليف : الشيخ عصام هادي كاظم السعيدي العتبة العباسية المقدسة المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية

سلسلة القرآن في الدراسات القرآنية 

الدراسات القرآنية في الاستشراق السويدي

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (سورة البقرة ، الآية 146)

صدق الله العلي العظيم 

سلسلة القرآن في الدراسات القرآنية 

الدراسات القرآنية

في الاستشراق السويدي

عصام هادي كاظم السعيدي 

 

السعيدي،عصام هادي كاظم، مؤلف 

الدراسات القرآنية في الاستشراق السويدي / تأليف عصام هادي كاظم السعيدي .-الطبعة الاولى.-النجف ، العراق: العتبة العباسية المقدسة ، المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية ، 1442ه.=2020.

272 صفحة ، 24سم .-(سلسلة القرآن في الدراسات القرآنية ، 3) 

يتضمن ملاحق.

يتضمن إرجاعات ببليوجرافية : صفحة 229-247.

النص باللغة العربية ، ومستخلص باللغة الانجليزية .

ردمك : 9789922625744

1. القرآن -- دفع مطاعن . 2. الاستشراق والمستشرقون -- السويد . أ. العنوان.

LCC:BP130.1 . S25 2020

مركز الفهرسة ونظم المعلومات التابع لمكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة 

 

 

فهرس الكتاب 

مقدّمة المركز11

مقدّمة المؤلِّف15

التمهيد

نظرة عامّة في الدراسات القرآنيّة والاستشراق السويدي

أوّلًا:الدراسات القرآنيّة23

ثانيًا:الاستشراق26

ثالثًا:الاستشراق السويدي32

الفصل الأول

المباحث القرآنيّة عند المستشرقين السويديّين

المبحث الأول:الوحي القرآني من منظار

الاستشراق السويدي43

المطلب الأوّل:الوحي في اللغة والاصطلاح46

المطلب الثاني:أنواع الوحي48

المطلب الثالث:مفهوم الوحي عند اليهود والنصارى50

المطلب الرابع:ثبوت حصول الوحي لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

إثبات لآيات الأنبياء السابقين 51

المطلب الخامس:الوحي بمنظار الاستشراق السويدي52

المطلب السادس:بعض شبهاتهم والرد عليها62

(5)

فهرس الكتاب 

المبحث الثاني:الإعجاز القرآني وآراء

 المستشرقين السويديين فيه73

المطلب الأوّل:الإعجاز لغةً واصطلاحًا 75

المطلب الثاني:الإعجاز البياني76

المطلب الثالث:بلغاء العرب والإعجاز البياني77

المطلب الرابع:أقوال العلماء في الإعجاز البياني78

المطلب الخامس:أقوال المستشرقين السويديين في الإعجاز البياني79

المطلب السادس:الإعجاز الصوتي81

المطلب السابع:رأي المستشرقين السويديين

في الحروف المقطّعة ومناقشتهم84

المبحث الثالث:مصدر القرآن الكريم في

نظر المستشرقين السويديين87

المطلب الأوّل:مصدر القرآن الكريم89

المطلب الثاني:أقوال المستشرقين السويديين

في مصدر القرآن الكريم90

المطلب الثالث:مناقشة شُبَه المستشرقين ومزاعمهم94

المبحث الرابع:تفسير القرآن الكريم عند المستشرقين السويديين99

المطلب الأوّل:التفسير لغةً واصطلاحاً 101

المطلب الثاني:نشأة علم التفسير ووجه الحاجة إليه102

المطلب الثالث:موقف المستشرقين السويديين

من علم التفسير ومناقشتهم104

(6)

فهرس الكتاب 

الفصل الثاني

تاريخ القرآن بنظر المستشرقين السويديين

المبحث الأول: نزول القرآن الكريم بمنظار

المستشرقين السويديين111

المطلب الأوّل: الإنزال والتنزيل113

المطلب الثاني: أوّل ما نزل من القرآن الكريم116

المطلب الثالث:آخر ما نزل من القرآن الكريم119

المبحث الثاني: المكي والمدني برؤية

الاستشراق السويدي121

المطلب الأوّل:نظريات المكي والمدني123

المطلب الثاني: الفائدة المترتبة على

معرفة المكي والمدني124

المطلب الثالث:خصائص السور المكية والمدنية125

المطلب الرابع: رأي المستشرقين السويديين في

المكي والمدني ومناقشتهم125

المبحث الثالث: السور القرآنية ومتعلِّقاتها

بمنظار الاستشراق السويدي131

المطلب الأول:السورة لغةً واصطلاحًا133

المطلب الثاني: تسمية السورة134

المطلب الثالث:ترتيب السور136

المطلب الرابع:تقسيم سور القرآن الكريم139

المطلب الخامس: رأي المستشرقين السويديين في

تسمية السور وترتيبها ومناقشتهم140

(7)

فهرس الكتاب

المبحث الرابع:جمع القرآن الكريم وموقف

المستشرقين السويديين منه145

المطلب الأوّل:معاني جمع القرآن147

المطلب الثاني:رأي المستشرقين السويديين

في جمع القرآن ومناقشتهم157

المطلب الثالث:لفظ القرآن 164

المطلب الرابع:تسمية القرآن عند المستشرقين السويديين166

المطلب الخامس:مناقشة المستشرقين السويديين167

الفصل الثالث

ترجمة القرآن الكريم عند المستشرقين السويديين

المبحث الأول:الترجمة وأنواعها173

المطلب الأوّل:الترجمة لغةً واصطلاحًا 176

المطلب الثاني:أنواع الترجمة176

أولاً:الترجمة الحرفية177

ثانيًا:الترجمة اللفظية177

ثالثًا:الترجمة التفسيرية (المعنوية)178

المبحث الثاني:حكم الترجمة179

المطلب الأوّل:هل يترجم الوحي الإلهي بعبارات بشرية؟181

المطلب الثاني:الترجمات بين الرفض والقبول182

المطلب الثالث:آراء فقهاء المذاهب الإسلامية

بشأن ترجمة القرآن الكريم183

المطلب الرابع:الشروط الواجب توافرها في المترجم187

(8)

فهرس الكتاب 

المبحث الثالث: أهداف ترجمة القرآن الكريم

إلى اللغات الأجنبية ودوافعها 189

المطلب الأوّل: لماذا ترجم الغربيون القرآن الكريم إلى لغاتهم؟191

المطلب الثاني: نبذة عن ترجمات القرآن الكريم192

المطلب الثالث: ترجمات المستشرقين 194

المطلب الرابع: تقويم ترجمات المستشرقين196

المبحث الرابع: ترجمات المستشرقين

 السويديين للقرآن الكريم199

المطلب الأوّل: ترجمة القرآن الكريم إلى اللّغة السويدية201

المطلب الثاني: نماذج من ترجمات المستشرقين السويديين209

النتائج والتوصيات225

ثبت المصادر والمراجع229

الملحق الأول249

الملحق الثاني257

الملخص باللغة الإنجليزية267

(9)
(10)

مقدمة المركز 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، الذي أنزل القرآن هدىً للأوّلين والآخرين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين ملاذ المهتدين وعصمة الخلق أجمعين، وعلى صحبه الميامين المنتجبين، ومن اتّبعهم إلى يوم الدّين.

لا يخفى أنّ المدارس الاستشراقيّة تصنّف على أسسٍ متنوّعةٍ، ومن ذلك التصنيف الجغرافيّ؛ فنتحدّث عن الاستشراق الفرنسيّ، والألمانيّ، والإنجليزيّ، والأمريكيّ،...

والبحوث عن هذه المدارس لا تزال تستأثر بالأهمّيّة والمتابعة، فلا جدال أنّ الانتماء لوطن ما، أو لمجال جغرافيّ أو إقليميّ محدّد، يمليان محدّدات تاريخيّة، وحضاريّة، وأحيانًا نفسيّة وشعوريّة، تؤثّر على جهود المستشرقين وأعمالهم. لذا، لا تغيب عن الباحثين السمات المشتركة التي طبعت كلّ مدرسة من هذه المدارس الاستشراقيّة، وهذا لا يلغي طبعًا خصوصيّة كلّ مستشرق بعينه، وقدرته على التميّز والفرادة والخروج عن هذا النمط العامّ.

ومن المدارس الاستشراقيّة الأوروبيّة المهمّة، التي لم تنلْ حظًّا وافرًا من الاهتمام والبحث: المدرسة السويديّة.

فالعلاقات بين البلاد الاسكندنافيّة التي تشكّل السويد جزءًا منها ـ لم تنفصل السويد؛ إلا مع تأسيس المملكة السويديّة في القرن 14م ـ ، وبين البلدان الإسلاميّة، لها تاريخ عريق ومتجذّر؛ فمنذ عصر الدولة العبّاسيّة كان هناك تبادل تجاريّ وحضاريّ، حتىّ في زمن سيطرة القراصنة على تلك البلاد النائية. وقد تحدّث الرحّالة عبد الله بن حرداذبة (820-912م) الذي عاش في

(11)

زمن المأمون العبّاسيّ في كتابه (المسالك والممالك) عن الفايكنج المواطنيين الأصليّين لتلك البلاد، وأورد أوصافهم وصفات نسائهم، وأسلحتهم والمواد التي يتاجرون بها...

وكذلك كانت لتلك البلاد علاقة مع الغرب الإسلاميّ، وخاصّة الأندلس التي استقطبت الكثير من طلاب تلك البلاد الذين شدّوا الرحال إليها؛ طلبًا للعلم، ودراسة للاهوت الإسلاميّ، والطبّ، والهندسة، وسائر العلوم التي كانت تدرَّس في جامعات الأندلس. ومع سقوط الأندلس (887ه.ق/ 1492م)، تصاعد الاهتمام اللاهوتيّ في جامعاتهم الأمّ التي أسّسوها؛ كجامعة أوبسالا التي تعدّ أقدم جامعة في السويد والبلاد الاسكندنافيّة، وقد تأسّست عام 1477م.

وفي العصور الحديثة لم تنقطع العلاقة مع العالم الإسلاميّ، فقد قام الكثير من المستشرقين السويديّين برحلات إلى الشرق؛ للتعرّف على هذه البلاد وتاريخها وتراثها...

هذه الجذور التاريخيّة بين السويد والشرق الإسلاميّ، طغى عليها الطابع الحضاريّ والتجاريّ والثقافيّ، الذي ظلّ إلى حدٍّ بعيدٍ يميّز علاقة السويد ببلاد الإسلام؛ ما أضفى على الاستشراق السويديّ ميزةً محتملةً؛ وهي: خلوّه من النزعة الاستعماريّة وعِقَد الهيمنة. ولكنْ إلى أيّ مدى تخلّص المستشرقون السويديّون في عموم دراساتهم؛ وفي دراساتهم القرآنيّة بالخصوص، من هذه الآفة المستشرية؟!

والكتاب الذي بين أيدينا هو دراسة أكاديميّة (رسالة ماجستير في الشريعة والعلوم الإسلاميّة مقدّمة من قِبل الباحث إلى كلّيّة الفقه في جامعة الكوفة بإشراف الأستاذ الدكتور حكمت عبيد حسين الخفاجي)، وهي تعدّ بحقّ محاولة جريئة من الباحث، مع قلّة المصادر وندرتها، وعدم توفّر دراسات المستشرقين السويديّين باللغة العربيّة.

وقد اقتحم الباحث هذا الغمار، وبذل جهودًا في ترجمة النصوص، وحاول أنْ يقدّم قراءةً علميّةً موضوعيّةً في تقويم أعمال أشهر المستشرقين السويديّين حول القرآن؛ تاريخًا، وتفسيرًا، وترجمةً.

والمركز، إذ يقوم بنشر هذا الكتاب ضمن سلسلة (القرآن في الدراسات الغربيّة)، يضع بين يدي القارئ أبرز الملاحظات والتوصيات التي تساعده على الإحاطة أكثر بالمشروع:

أولاً: تشكّل الدراسة عملًا مميّزًا وإضافةً نوعيّةً للمكتبة الاستشراقيّة، وخاصّة مع ندرة البحوث في هذا المجال.

(12)

ثانيًا: لقد حافظنا في الكتاب على بنية الرسالة (نالت درجة جيّد جدًّا)، التي تميّزت بالانضباط الأكاديميّ؛ خاصّة على مستوى: التقسيم، والفهرسة، والمنهجية...

ثالثًا: في صياغة الرسالة، اكتفينا بالمعالجات الضروريّة؛ كما تفرضه القواعد اللغويّة وسلاسة التراكيب، وحسن الأسلوب، لذلك حافظنا ما أمكن على النصوص السويديّة المترجَمة إلى العربيّة، ولكنْ اضطررنا للتدخّل المحدود في صياغة بعض الموارد.

رابعاً: إنّ نشر المركز لهذا العمل؛ بوصفه عملًا تأسيسيًّا في نقد هذه المدرسة المغمورة، يستبطن دعوة للباحثين للاهتمام أكثر بهذه المدرسة الاستشراقيّة المغمورة ومثيلاتها؛ وبالخصوص في مجال الدراسات القرآنيّة.

خامساً: من المحاور الأساس التي ندعو الباحثين الراغبين في التعمّق بدراستها في مجال الاستشراق السويديّ عمومًا، والدراسات القرآنيّة خصوصًا: تجاوز النقد الموضعيّ الذي ركّزت عليه هذه الرسالة، وإبراز النقد المنهجيّ؛ بتسليط معاول التحليل والنقد على مناهج المستشرقين السويديّين في دراسة القرآن، والتي اقتبسوها من روح الاستشراق الكلّيّة المهيمنة على المستشرقين؛ إلا ما ندر منهم.

ختامًا نرجو أنْ يجد القرّاء الأعزاء في هذا العنوان الجديد الفائدة المرجوّة، والانتظارات المأمولة.

والحمد لله ربّ العالمين

المركز الإسلاميّ للدراسات الاستراتيجيّة

(13)
(14)

مقدمة المؤلف 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنزل أحسن الحديث، آيات محكمات مفصّلات من لدنه، ألقاه في قلب أشرف المخلوقات، وميّز خاتمهم أن جعل معجزته باقيةً خالدةً، ومهيمنةً على سائر الكتب كلّها، وناسخةً لها، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيّدنا ومولانا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين ومَن والاهم بإحسان واتبع هداهم إلى قيام يوم الدين.

أمّا بعدُ: فتُعدّ الدراسات الاستشراقيّة التي تبحث في القرآن الكريم وعلومه سلاحًا ذا حدّين؛ لأنّ الباحث في دراسته لها على خطرين:

الأوّل: مهما كان الباحث ملتزمًا، لا بدّ من أن يكون حذرًا في أحكامه؛ لأنّه يتعامل مع كتاب قد أملاه ربّ الأرباب على قلب لبّ الألباب سيّدنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

والثاني: الجرأة على هذا الكتاب من قِبل معظم المستشرقين غير آبهين ولا ملتزمين بموضوعيّة البحث العلميّ ونتائجه، فجاءت هذه الدراسة للبحث في الدراسات القرآنيّة للمستشرقين السويديّين واضعة نصب عينيها الحيادية والموضوعية والإنصاف للجهود غير المنحازة ـ إن وجدت في هذه الدراسات ـ التي قام بها هؤلاء المستشرقون، وإماطة اللثام عن دراستهم للقرآن الكريم التي لم ترَ النور في الوطن العربي ـ بحسب استقراء الباحث ـ مبيّنة مواطن الإصابة والخلل فيها، من خلال مناقشة موضوعيّة حياديّة،  وهذا ما ستثبته الدراسة في فصولها ومباحثها.

(15)

أهميّة الموضوع:

بفضل جهود الباحثين الذين تناولوا الدراسات الاستشراقية تمّ التعرّف على ما قيل عن القرآن الكريم، وعن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن الإسلام والمسلمين في كتابات المستشرقين، ولكن هناك دراسات استشراقيّة، لم تنلها أيدي الباحثين حتى هذا الوقت، ومن ذلك الدراسات الاستشراقية السويدية التي ظلّت مغمورة، ولم تسلّط عليها الأضواء إلاّ لمامًا، خاصّة الدراسات القرآنية منها.

سبب اختيار الموضوع:

إنّ الدراسات التي تناولت الاستشراق عالجت مدارس عدّة، من أهمّها: المدرسة الفرنسية، والإنجليزية، والألمانية. وبقيت دراسات استشراقيّة مضمرة لم ترَ النور في دراساتنا للاستشراق، ومن هذه الدراسات هي الدراسات الاستشراقية في الدول الإسكندنافيّة؛ وخصوصًا الدراسات السويديّة، فاخترت لبحثي الدراسات الاستشراقيّة السويديّة، خاصّة وأنّ الدّافع الاستعماري للباحثين السويديين لن يكون قويًّا كما هو الحال في بعض المدارس الاستشراقية الأوروبية، كما أنّ الطابع العلماني للدولة يضعف الدافع الديني لدى المستشرقين الذين كانوا في الغالب من الأكاديميّين، لا من رجال الدين.

أهداف الدراسة:

من أهداف هذه الدراسة:

1ـ بيان حقيقة الاستشراق السويدي وأهدافه ودوافعه.

2ـ التعرّف على الدراسات القرآنية السويدية وتقويمها.

3ـ رفد الدراسات القرآنية بدراسة استشراقية قرآنية جديدة.

4ـ الدفاع عن القرآن الكريم ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

5ـ تصنيف المستشرقين السويديين في دراستهم للقرآن ونبي الإسلام إيجابًا وسلبًا.

(16)

الصعوبات والمعوقات التي واجهت الدراسة:

لقد واجهت هذه الدراسة مجموعة من المعوقات والصعوبات، ولكن بعد التوكّل على الله والاستعانة به عز وجل، تم تذليل تلك الصعوبات والتغلّب عليها، وأُولى تلك الصعوبات كانت ندرة المصادر العربية التي تناولت الاستشراق السويدي بشكل عام، بل انعدام أيّ دراسةٍ متخصّصةٍ تناولت الاستشراق السويدي بشكل عامّ ـ بحسب استقراء الباحث ـ، فضلًا عن الدراسات التي تناولت الدراسات القرآنيّة في الاستشراق السويدي، سوى بحث الدكتور عبد الحق التركماني؛ بعنوان (شخصيّة الرسول)، في كتاب (محمد حياته وعقيدته) للمستشرق السويدي (تور أندريه)، أو بعض الدراسات المختصرة والمتفرّقة؛ لذلك كان اعتماد الباحث على المصادر الأجنبية ـ كتبًا ومواقعَ إلكترونيةً ـ وهنا ظهرت مشكلة اللغة؛ ما ألجأ الباحث إلى ترجمة هذه المصادر على أيدي مترجمين متخصّصين في اللغة السويدية.

 كما واجهت الباحث صعوبات أُخرى، وهي ترجمة حياة المستشرقَين السويديَين المذكورين في هذه الدراسة؛ بسبب ندرة المصادر التي تترجم حياتهم ومحدوديّتها.

ومن الصعوبات التي اعترضت العمل عدم توفّر الدراسات الاستشراقية السويديّة حتى في السويد نفسها، كما شهد بذلك الأساتذة العراقيين المتخصّصين المقيمين هناك، والذين استعنّا بهم للحصول على مواد البحث، ولم تكن تلك الوثائق متاحة إلا في مكتبات الجامعات؛ ما ألجأنا إلى تصوير هذه الكتب إلكترونيًّا، فكلّف ذلك جهدًا ووقتًا إضافيّين إلى جانب أعباء الترجمة من السويديّة إلى العربيّة وتعقيداتها، وقد تطلّب هذا المسار بين تصوير الكتب وترجمتها ودراستها شهور عدّة.

اعتمدت هذه الدراسة على المصادر السويديّة؛ وهي: كتاب (القرآن) للمستشرق السويدي (كارل يوهان تورنبيرغ)، وترجمة القرآن للمستشرق السويدي (كارل فلهلم زتّرستين)، وكتاب (الإسلام وفق القرآن) للمستشرق السويدي (كريستر هيدين)، وكتاب (محمد حياته وعقيدته) للمستشرق السويدي (تور أندريه)، وكتاب (ترجمة القرآن الكريم) للدبلوماسي السويدي (محمد كنوت برنستروم)، وكتاب (قرآن مجيد) للدكتور قانيتا صدّيق.

(17)

وعلى مجموعة من المصادر التي تناولت الاستشراق بشكل عام، وكتب التفسير، وعلوم القرآن الكريم، وما سواها ممّا له صلة بهذه الدراسة.

الدراسات السابقة:

حسب تتبّع الباحث واستقصائه، لا توجد دراسة عامّة عن الاستشراق السويدي، ولا دراسة خاصّة بالقرآنيات في الاستشراق السويدي في العراق، بل في الوطن العربي. وما وصلت له يد الباحث بعد استقرائه، بحث قدّمه الدكتور عبد الحق التركماني ـ رئيس مركز البحوث الإسلامية في السويد ـ في المؤتمر الدولي نبي الرحمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي نظّمته الجمعيّة العلميّة السعوديّة للسنّة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض سنة 1431هـ، الذي تناول فيه شخصيّة الرسول الكريم فقط في كتاب (محمد حياته وعقيدته) للمستشرق السويدي تور أندريه، وبعض المقالات في شبكة المعلومات العالميّة.

منهجيّة البحث:

اعتمدت الدراسة المنهج الاستقرائي التحليلي النقدي، فبعد عرض آراء المستشرقين السويديين في موضوعات الدراسة، تحلّل أقوالهم وتناقشها، ثمّ تنقد نقدًا موضوعيًّا.

وأمّا ضوابط الاقتباس المعتمدة، فكانت على النحو الآتي:

1ـ الآيات التي ذكرت في هذه الدراسة كانت مشكّلة بالرسم القرآني.

2ـ تخريج الآيات والأحاديث وأقوال العلماء من مظانّها.

3ـ اعتمدت الدراسة في توثيق المعلومات في الحاشية على الطريقة المنهجية المعروفة.

4ـ استعملت الدراسة بعض الاختصارات في الحاشية وفي ثبت المصادر والمراجع وغيرها من قبيل: ) ظ، أي: ينظر)، و(ط، أي: الطبعة)، و(مط، أي: المطبعة)، و(تح، أي: تحقيق)، وغيرها.

 وجاءت خطّة البحث في هذه الدراسة مقسّمة إلى: مقدّمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة،

(18)

وثبت المصادر والمراجع. وأردفت الدراسة  بملحقين، ثمّ ملخّصًا باللّغة الإنجليزيّة.

 احتوى التمهيد بعنوان (نظرة عامّة في الدراسات القرآنية والاستشراق السويدي) على ثلاثة عناصر: الأوّل: بيّن معنى الدراسات القرآنية وما تتضمّنه من مباحث قرآنية سواء في علوم القرآن أو في تفسيره، والثاني: تناول الاستشراق تعريفًا، وتاريخًا، ومراحلَ، ودوافعَ، وأهدافًا، وأمّا الثالث: فقد حوى بداية نشأة الاستشراق السويدي،  ومميزاته، وفئات مستشرقيه، ودوافعه، ووسائله (المكتبات، الجامعات، الجمعيات...).

وجاء الفصل الأوّل بعنوان (المباحث القرآنيّة عند المستشرقين السويديين) في أربعة مباحث أوّلها: الوحي القرآني بمنظار المستشرقين السويديين، وثانيها: الإعجاز القرآني وآراء المستشرقين السويديين فيه، وثالثها: مصدر القرآن الكريم في نظر المستشرقين السويديين، ورابعها: تفسير القرآن الكريم عند المستشرقين السويديين.

وخُصّص الفصل الثاني لتاريخ القرآن بنظر المستشرقين السويديين، فتضمّن الأبحاث الآتية: الأوّل: في نزول القرآن الكريم من منظار المستشرقين السويديين، والثاني: المكيّ والمدنيّ برؤية الاستشراق السويدي، والثالث: السّور القرآنيّة ومتعلّقاتها في رؤية الاستشراق السويدي، والرابع: جمع القرآن وموقف المستشرقين السويديين منه.

وعالج  الفصل الثالث ترجمة القرآن الكريم عند المستشرقين، وقد قُسّم إلى أربعة مباحث أيضًا، الأوّل منها: الترجمة وأنواعها، والثاني: تطرّق إلى حكم الترجمة، والثالث: بيّن أهداف ترجمة القرآن الكريم إلى اللّغات الأجنبيّة ودوافعها، واختتمها الرابع: بترجمات المستشرقين السويديين للقرآن الكريم.

وفي الخاتمة أوردت النتائج التي توصّلت إليها الدراسة، مع ذكر بعض التوصيات والمقترحات.

وقد ألحق بالدراسة ملحقان، تضمّن الأوّل منهما: توثيقًا  لأهمّ الكتب السويدية التي كانت محور الدراسة، وهي ستة كتب (صورة الصفحة الأولى لكلّ كتاب، وتعريف مقتضب له).

واحتوى الملحق الثاني: أهمّ المباحث القرآنية التي وردت في هذه الكتب الستة.

(19)

وعودًا على بدء أكرّر حمدي وشكري لله تعالى وصلاتي وسلامي على رسوله وأهل بيته الكرام لإتمام هذه الدراسة، فما كان فيها من خير فهو من عند الله تعالى، وما كان من خطأ وزلل فمن الباحث، واضعًا هذا الجهد بين يدي القرّاء للاستزادة من آرائهم القيّمة المقوّمة والرافعة للزلل والنقص، الذي لم يُعصم منه سوى مَن عصمهم الله تعالى عليهم‌السلام .

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أكرم بريّته وآله الطاهرين.

الباحث
(20)

 

 

 

 

التمهيد

نظرة عامّة في الدراسات القرآنية

والاستشراق السويدي

 

أولًا: الدراسات القرآنية

أ ـ علوم القرآن.

ب ـ علم التفسير.

ثانيًا: الاستشراق

أـ  الاستشراق لغةً واصطلاحًا.

ج ـ تاريخ الاستشراق.

د ـ مراحل الاستشراق وأطواره.

هـ ـ  دوافع الاستشراق.

وـ أهداف الاستشراق.

ثالثًا: الاستشراق السويدي

أ ـ تاريخ نشأته.

ب ـ مميزاته.

ج ـ فئات المستشرقين.

د ـ دوافع الاستشراق السويدي.

هـ ـ وسائل الاستشراق السويدي.

 

(21)
(22)

أوّلًا: الدراسات القرآنيّة

القرآن الكريم هو المصدر الأوّل والأصيل للتشريع الإسلامي الذي ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [سورة فصلت، الآية42]، ولا يتطرّق الشك إلى أيّةِ آية من آياته، ينسخ المصادر السماوية الأخرى ولا تنسخه، ويُحتجّ به على ما عداه ولا يُحتجّ عليه؛، فهو «مفجّر العلوم ومنبعها، ودائرة شمسها ومطلعها، وأودع فيه سبحانه وتعالى علم كلّ شيء، وأبان فيه كل هدْي وغي»[1].

وهو سند الإسلام الحيّ، ومعجزته الباقية، الذي تحدّى ولا يزال يتحدّى به جموع البشرية ـ في نداء صارخ ـ لو تستطيع أن تأتي بمثله، لكنّها ـ بكلّ صراحة وضراعة ـ تعترف بعجزها المستمرّ مع كرّ العصور، تصديقًا لقوله تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[سورة الإسراء، الآية88][2].

والدراسات القرآنية: هي الأبحاث التي تهتمّ بكلّ ما يتّصل بالقرآن الكريم. التي كانت وما زالت محطّ أنظار المسلمين واهتمامهم منذُ العهد الأوّل إلى يومنا الحاضر، فكان المسلمون في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمعون القرآن ويفهمون مقاصده، وما أشكل عليهم يرجعون فيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فيُبيّنه أو ما يحتاجون فيه إلى شيءٍ من التفصيل؛ فيفصّله، وكان ذلك يؤخذ بالتلقين والمشافهة، وبعد انتقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الرفيق الأعلى، أخذ على عاتقه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن لا يضع على ظهره رداءه حتى يتمّ جمع كتاب الله تعالى، فكان صاحب السبق في تدوين كتاب الله في مصحف، اشتمل على تفسير آيات الله وبيان علومه[3]، ثمّ قام المسلمون بجمع القرآن في مصحف موحّد أيام الخليفة الثالث.

(23)

وبعد أن مضت السنون على وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله، وبعُد العهد بين المسلمين وبين نبيّهم، نشأت حركة بين صفوف المسلمين تهدف إلى تدوين العلوم المتعلّقة بالقرآن الكريم وضبطها وصونها من التزييف والتحريف، وقامت هذه الحركة بتدوين العلوم المتعلّقة بالقرآن الكريم والسنّة النبوية، بعد أن كان التدوين ممنوعًا، والتراث حافل بكتابات أوائل الصحابة والتابعين الذين قيّدوا تلك العلوم المتعلّقة بالقرآن الكريم، وهكذا استمرّ الحال إلى يومنا هذا باهتمام المسلمين بالدراسات القرآنية أو البحوث المتعلّقة بكتاب الله تعالى من ناحية أحوال النصّ القرآني كتابةً وقراءةً ومعنًى[1].

وتتضمّن الدراسات القرآنية:

أ ـ علوم القرآن:

تعريف مصطلح علوم القرآن:

عرّفه محمد هادي معرفة (ت:1423هـ) بـ: «مصطلح خاصّ لمجموعة مباحث دارت حول مختلف شؤون القرآن الكريم، لغاية معرفة هذه الشؤون معرفةً فنيّةً وفق أصول وضوابط»[2]. ويذهب صبحي الصالح إلى أنّ المراد من مصطلح علوم القرآن هو «مجموعة من المسائل يبحث فيها عن أحوال القرآن الكريم من حيث نزوله وأدائه وكتابته وجمعه وترتيبه في المصاحف وتفسير ألفاظه وبيان خصائصه وأغراضه» [3].

ويرى منّاع القطان أيضًا أنّه: «العلم الذي يتناول الأبحاث المتعلّقة بالقرآن من حيث معرفة أسباب نزوله، وجمع القرآن وترتيبه، ومعرفة المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، إلى غير ذلك ما له صلة بالقرآن»[4].

(24)
تاريخ علوم القرآن:

اشتغل كبار الصحابة والتابعين منذُ العهد الأوّل في البحث عن مختلف جوانب القرآن الكريم، من حيث قراءته وتجويده، وأسباب نزوله، وغيرها من العلوم المتعلّقة بالقرآن الكريم، وبعد مجيء عصر التدوين ألّف يحيى بن يعمر (ت:89هـ) في القراءات، وجاء من بعده الحسن بن أبي يسار البصري (ت:110هـ) كتب في عدد آي القرآن، ثمّ كتب عبد الله بن عامر اليحصبي (ت:118هـ) في اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق، وفي القرن الثاني ألّف مجموعة من التابعين كتبًا اختصّت بالناسخ والمنسوخ، ومعاني القرآن، والآيات المتشابهات، والوقف والابتداء، والوجوه والنظائر، وما سواها، فكان أوّل مَن كتب بالناسخ والمنسوخ هو محمد بن عبد الرحمن السدي الكبير (ت:128هـ)، كما أنّ أبان بن تغلب (ت:141هـ) ألّف في معاني القرآن، وكذلك ألّف بالقراءات، وكتب محمد بن السائب (ت:146هـ) في أحكام القرآن، وألّف تلميذ أبان بن تغلب موسى بن هارون المتوفى تقريبًا (170هـ) في الوجوه والنظائر[1].

فمنذُ الصدر الأوّل وإلى أيّامنا هذه تنوّعت الكتابة في موضوعات هذا الكتاب العزيز، بل ازدهر زمننا الحاضر بأنواع العلوم والمعارف الإسلامية المختصّة بدراسة القرآن الكريم.

ب ـ علم التفسير[*]:

المراد منه «هوعلم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها، والإشارات النازلة فيها، ثمّ ترتيب مكيّها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسّرها»[2].

وعُرّف أيضًا بـأنّه: العلم الذي يُبحث من خلاله في القرآن الكريم عن دلالة مراد الله تعالى بحسب الطاقة البشرية[3].

(25)

ثانيًا: الاستشراق:

أ ـ الاستشراق لغةً:

استشرقَ يستشرقُ، استشراقًا، فهو مُستشرق، فالاستشراق مصدر جاء من الفعل السداسي المزيد (استشرقَ) ومعناه: طلب الشرق، ووزنه هو (استفعال)، وأصله من الفعل الثلاثي المجرد (شَرَقَ)، فزيدت عليه ثلاثة أحرف وهي: الألف، والسين، والتاء، كما في استخرج، استرحم.

و«الشرق خلاف الغرب، والشروق كالطلوع، وشرق يشرق شروقًا، ويقال لكلّ شيء طلع من قِبل المشرق»[1].

«( شَرَقَ ) الشين والراء والقاف أصل واحد يدلّ على إضاءة وفتح من ذلك شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا أضاءت»[2]. و«شَرِّقوا: ذهبوا إلى الشَّرْق أَو أتوا الشرق، وكلّ ما طلَع من المشرق فقد شَرَّق»[3]. وما تقدّم بيانه في معرفة أصل لفظة الاستشراق في معاجم اللغة يتبيّن أنّها تدلّ على جهة الشرق، أو طلب تلك الجهة كما أشار ابن منظور بقوله: شرّقوا: ذهبوا إلى الشرق.

ب ـ الاستشراق اصطلاحًا:

اختلف الباحثون كثيرًا في المراد من مصطلح الاستشراق، وأخذت تعريفاتهم اتجاهاتٍ متعدّدةً تبعًا لموقفهم منه، فيرى بعضهم أنّه ميدانٌ علميٌّ من ميادين الدراسة والبحث، ويتّجه آخرون إلى اعتباره مؤسّسةً غربيّةً ذات أهدافٍ متعدّدةٍ، في حين يرى بعض الباحثين أنّه ظاهرةٌ طبيعيّةٌ تولّدت عن حركة الصّراع بين الشرق والغرب أو بين الإسلام والمسيحيّة، وباستعراض بعض التعريفات يمكن أن نتبيّن هذه الاتّجاهات في مفهوم الاستشراق[4]:

1ـ «الاستشراق هو المؤسّسة المشتركة للتعامل مع الشرق بإصدار تقريرات حوله، وبوصفه

(26)

وتدريسه والاستقرار فيه وحكمه، وهو بإيجاز أسلوبٌ غربيٌّ للسيطرة على الشرق واستبنائه وامتلاك السيادة عليه»[1].

2ـ  «هو دراسة يقوم بها الغربيون لتراث الشرق وبخاصّة كلّ ما يتعلّق بتاريخه، ولغاته، وآدابه، وفنونه، وعلومه، وتقاليده، وعاداته»[2].

3ـ «الاستشراق هو علم العالم الشرقي، وهو ذو معنيين: عام يطلق على كلّ غربيّ يشتغل بدراسة الشرق كلّه، أقصاه ووسطه وأدناه، في لغاته وآدابه وحضارته وأديانه، ومعنى خاص وهو الدراسة الغربية المتعلّقة بالشرق الإسلامي في لغاته وتاريخه وعقائده»[3].

4ـ «الاستشراق ظاهرة صاحبت الصحوة الفكرية التي عاشتها أوروبا منذُ أن شعرت بالتهديد الإسلامي عن طريق الأندلس غربًا، وعن طريق تركيا شرقًا بعد ذلك»[4].

5ـ «الاستشراق أسلوبٌ غربيٌّ لفهم الشرق والسيطرة عليه، ومحاولة إعادة توجيهه والتحكم فيه»[5].

وبعد عرض هذه الاتّجاهات يترجّح لدى الباحث التعريف الثاني، الذي يرى أنّ الاستشراق عبارة عن دراسة قائمة على التعرّف على تراث الشرق وكلّ ما يتعلّق به، من حيث تاريخه، ولغته، وعلومه، ونحوها، مع اختلاف دوافع تلك الدراسة وأهدافها.

وأمّا المستشرقون فذكرت لهم أيضًا تعريفات عديدة؛ منها:

1ـ «المستشرقون هم أولئك الأساتذة والباحثون الأكاديميون الذين تخصّصوا في دراسة اللّغة العربية والحضارة العربية وبقضايا العالم العربي وبالدين الإسلامي»[6].

(27)

2ـ «المستشرقون اصطلاح يشمل طوائف متعدّدة تعمل في ميادين الدراسات الشرقية، فهم يدرسون العلوم، والفنون، والآداب، والديانات، والتاريخ، وكلّ ما يخصّ شعوب الشرق، مثل الهند، وفارس، والصين، واليابان، والعالم العربي، وغيرهم من أُمم الشرق»[1].

3ـ «هو ذلك الباحث الذي يحاول دراسة الشرق وتفهمه، ولن يتأتّى له الوصول إلى نتائج سليمة ما لم يتقن لغات الشرق»[2].

ونلاحظ أنّ التعريف الأوّل أخصّ من التعريف الثالث لتقيُّده بالأكاديميين دون غيرهم؛ لأنّ الثاني شمل الأكاديميين وغيرهم، وأمّا التعريف الثالث للمستشرق الألماني المعاصر(ألبرت ديتريش) فقد سلّط الضوء على شموليّة دراسة الشرق وتفهّمه شرط إتقان اللّغة.

ج ـ تاريخ الاستشراق:

لا يمكن التعرّف بدقّة على نشأة الاستشراق؛ ذلك لأنّه حركة نشأت بجهود عفويّة، ثمّ ما لبثت أن تطوّرت لتكون حركة منظّمة، لها كوادرها ومؤسّساتها المختلفة، كما لا يوجد اتّفاق بين الباحثين في تحديد تاريخ معيّن لظهور الاستشراق؛ بسبب الاختلاف في المراد منه، ونتيجة لذلك توسّع بعض الباحثين في نشأته[3]. فذهب مصطفى السباعي (ت:1348هـ) إلى أنّ البداية كانت أبان الفتوحات الإسلامية وازدهار الأندلس وعظمتها، فقصدها الرهبان وتثقفوا في مدارسها، ثمّ بعد ذلك ترجموا القرآن الكريم[4]، وأرجع محمد حسين هيكل (ت:1376هـ) بداية الاستشراق إلى بداية احتكاك المسلمين بالرومان في غزوة مؤتة وغزوة تبوك[5]، في حين يرى نجيب عقيقي (ت:1402هـ) أنّ بدايات الاستشراق كانت بعد الحروب الصليبية بعد الهزائم التي مُني بها الصليبيون؛ ما دفع الغرب إلى الانتقام بكلّ الوسائل[6].

(28)

ويرى عبد الرحمن عميرة أنّ نشأة الاستشراق تعود إلى وقت «عقد مؤتمر مجمع (فيينا) هذا المؤتمر الذي كان من أوائل توصياته إنشاء صفوف للّغات العبريّة والعربيّة والسريانيّة في روما على نفقة الفاتيكان، كما أوصى المؤتمر بأن تنشأ هذه الصفوف في باريس على نفقة ملك فرنسا، وفي أكسفورد على نفقة ملك إنجلترا، وفي بولونيا على نفقة رجال الدين فيها»[1].

هذا الاختلاف حول النشأة طبيعي؛ لأنّه ليس من السهل تحديد البداية الأولى للاستشراق، ولكن يمكن بيان إرهاصاته، فنقول: بعد وصول الفتوحات الإسلامية إلى الأندلس، ودقّت باب أوروبا، توجّه الرهبان إليها؛ لمعرفة الفاتحين عن كثب، والاطّلاع على هذا الدين، ثمّ تعلّموا العربيّة وتثقّفوا في مدارس الأندلس، ثمّ توجّهوا بعد ذلك إلى ترجمة القرآن؛ للتعرّف عليه، ومن ثَمّ محاربة المسلمين، من خلال الطعن به وبالإسلام.

د ـ مراحل الاستشراق وأطواره:

لا شكّ في أنّ الاستشراق مرّ بمراحل وأطوار متعدّدة وعلى مدى سنوات حتى وصل إلى ما وصل إليه، وقد فُصّلت هذه المراحل والأطوار في كتابات الباحثين، وهي تتحدّث عمومًا عن أربع مراحل هي[2]:

المرحلة الأولى: مرحلة الانبهار بالحضارة العربيّة والتوجه إليها.

المرحلة الثانية: المرحلة التي تلت الحروب الصليبيّة.

المرحلة الثالثة: مرحلة التنظيم الفعلي، وأهمّ مظاهرها إصدار المجلّات، وعقد المؤتمرات.

المرحلة الرابعة: ما بعد الحرب العالمية الثانية وهذه المرحلة كسابقتها ولكنّها شهدت ازديادًا بالنشاطات الاستشراقية المدعومة من قِبل السياسات الغربية.

يبدو من خلال هذه المراحل أنّ التوجّه الأوّل كان ـ نوعًا ما ـ علميًّا، فبعد ازدهار العلم والمعرفة عند المسلمين في تلك الفترة، وغرق أوروبا في عصورها المظلمة، اتّجه الباحثون إلى

(29)

الديار الإسلامية للمعرفة وللحفاظ على تراثهم اليوناني، ثمّ بعد ذلك استعملت هذه المعرفة المتلقاة ضدّ المسلمين من خلال تنظيم أنفسهم والاستعداد لمواجهة المسلمين بمختلف الوسائل.

هـ ـ دوافع الاستشراق:

الاستشراق ظاهرة تاريخيّة معقّدة اختلفت دوافعها وتنوّعت عبر التاريخ، وقد يتفاوت تأثير بعض العوامل مع اختلاف المرحلة الزمنية، ولكن عمومًا يمكن الحديث عن مجموعة دوافع بارزة حفّزت المستشرقين؛ وهي:

1ـ الدافع الديني: ويتجلّى هذا الدافع  في العناصر الآتية[1]:

ـ إنّ بداية الاستشراق كانت من الكنيسة التي لعبت دورًا رئيسًا في توجيه الأنظار والتركيز على التفوّق الشرقي على الأوروبيين في تلك الفترة؛ ولأجل تقويم الفشل الذريع في الحروب الصليبية تم التحوّل بالكنيسة إلى الغزو الفكري الذي كان المستشرقون روّاده والكنيسة مؤسّسته.

ـ إنّ روّاد الحركة الاستشراقية كانوا رهبانًا وقساوسةً كـ (سلفستر الثاني) الذي توفي سنة (1003م)، والذي وصل إلى التربّع على عرش البابوية، وبطرس المحترم المتوفّى سنة (1156م) الذي تولى رئاسة مجموعة أديرة، منها: دير (كلوني) الشهير، الذي شهد الاحتفاء بأوّل ترجمة لاتينية لمعاني القرآن الكريم.

ـ الصلة الوثيقة والبيّنة بين الهيئات الاستشراقية والإرساليات التنصيرية التي أفادت كثيرًا من الاستشراق الذي يعدّ الهيئة الاستشارية للتنصير. و«المستشرقون كان همّهم الطعن في الإسلام، وتشويه محاسنه، وتحريف حقائقه؛ ليثبتوا لجماهيرهم التي تخضع لزعامتهم الدينية أنّ الإسلام دين لا يستحقّ الانتشار، وأنّه يحثّ المسلمين على الملذّات الجسديّة، ويبعدهم عن كلّ سموّ روحيّ وخلقيّ»[2].

2ـ الدافع الاستعماري: لقد كان من أهداف الحروب الصليبية الاستيلاء على البلدان

(30)

المليئة بالخيرات والكنوز، وبعد أن هُزموا هزيمةً منكرةً على يد صلاح الدين الأيوبي وجيوشه، لم يخامرهم اليأس وظلّوا يعدّون العدّة للاستيلاء على تلك البلاد[1].

فحصل التعاون بين فئة من المستشرقين وبين حكوماتهم الأوروبية، التي استعانت بخبراتهم وثقافاتهم عن البلدان التي كانوا قد درسوها؛ من أجل توطيد سيطرتهم على المنطقة، وهذا ما حدا ببعض الباحثين إلى اعتبار حركة الاستشراق في جانب منها على الأقل تمثل أهدافًا سياسيةً تتعلّق بالمصالح الاستعمارية لأوروبا، وتهدف إلى تعريف الدوائر الاستعمارية بتاريخ وحضارة المنطقة، عارضة الأمور التي بالإمكان استغلالها لتثبيت النفوذ وتطبيق مبدأ فرّق تسُد[2].

كان وما زال هذا الدافع حاضرًا لدى دول الاستكبار العالمي وإن اختلفت وسائله وأدواته، فالطمع في خيرات البلدان الإسلامية وغير الإسلامية عند دول الاستكبار مستمر ليومنا الحاضر.

 3 ـ الدافع العلمي: ما لا شكّ فيه أنّ هناك مجموعة من المستشرقين دفعتهم الرغبة العلمية الصادقة، وبدافع ذاتي وهواية شخصيّة تطوّرت إلى احتراف لدراسة التاريخ الإسلامي، ومحاولة التعرّف على الحقيقة قدر المستطاع، وحسب جهدها واجتهادها في فهم وقائع التاريخ، وقد ظهر من خلال هذا الجهد عدد من الدراسات القيّمة[3] ذات منحًى علميٍّ في تفسير التاريخ الإسلامي، ودراسة التراث الإسلامي،  ولكنّها بالوقت نفسه لا تخلو من شطحات أو تحريفات أو تشويهات لها ما يُبرّرها؛ بسبب الجهل أو التقصير في فهم النصوص العربية، أو بسبب بيئة المستشرق أو ثقافته[4].

كما أنّ البحث العلمي قاد فئة من المستشرقين إلى اعتناق الدين الإسلامي والتفرّغ للدعوة إليه، والدفاع عنه، وبيان حقائقه[5].

(31)

ثالثًا: الاستشراق السويدي:

أ ـ تاريخ نشأته:

يعدّ الاستشراق السويدي حديث العهد إذا ما قُورن بالمدارس الاستشراقية الأخرى؛ كالمدرسة الاستشراقية الفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، ونحوها، ويعود الفضل في تأسيس الدراسات الشرقية في دولة السويد إلى المستشرق الفرنسي البارون (سلفستر دي ساسي)[*]؛ إذ تلقّى على يده المستشرقون السويديون، ورتّبوا الاستشراق في بلادهم على وفق مدرسة تميّزت بخلوّها من الدافع الاستعماري، وكان المؤسّس والمنظّم للاستشراق السويدي على وفق المدرسة الأوروبية هو المستشرق السويدي (كارل يوهان تورنبيرغ) ( Karl Johann Tornberg) (ت: 1877م)، بعد تلقّيه ذلك على يد كبير المستشرقين الفرنسيين (سلفستر دي ساسي)، وممّن تلقّى تعلُّم اللّغة العربيّة على يد البارون -أيضًا- هو المستشرق السويدي هولمبري (Holmboe,C.A) (1796 ـ 1882م)[1]

ب ـ مميّزاته:

 يتميّز الاستشراق السويدي بخلوّه عن الدافع الاستعماري، فلم يسجّل التاريخ أنّ مملكة السويد كانت محتلّة لدولة من الدول العربية أو الإسلامية، ومن جهة أخرى إنّ المستشرقين السويديّين الذين درسوا القرآن وحياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإسلام عمومًا، كانت دراساتهم عبارة عن رسائلَ جامعيّة، قُدّمت لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه، فالدّافع العلمي كان المحرّك لتلك الدراسات، ومع ذلك فلم يكن الاستشراق السويدي خاليًا عن الدافع الديني، فقد ساهمت الكنيسة بشكل مباشر في دعم هذه الدراسات

(32)

الاستشراقية، فضلًا عن كون رهبانها وقساوستها -أيضًا- كانوا مستشرقين[1].

وما يُسجّل للدراسات السويديّة اهتمامها بترجمة القرآن الكريم في وقت مبكر؛ حيث كانت أوّل ترجمة للقرآن الكريم إلى اللّغة السويديّة على يد كبير القساوسة (بيشوب يوهان آدم تنجستاديوس) (Biskop Johan Adam Tingsatius)  (1627م ـ 1748م)، ثمّ توالت في ما بعد الترجمات الأخرى حتى وصل عددها إلى ست ترجمات للقرآن الكريم[2].

كما اختصّت بعض الدراسات الاستشراقية السويدية بسيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بُغية التعرّف على مدى صدق دعواه في نزول الوحي الإلهي عليه، كالدراسة التي قام بها المستشرق السويدي (تور أندريه) Tor Andrae) ) (ت:1947م)  في كتابه ( محمد حياته وعقيدته)[3]. وبذل السويديون جهودًا كبيرةً في اقتناء المخطوطات والكتب وفهرستها في وقت مبكر؛ حيث حوت المكتبة الملكية السويدية على وثائق ونُسخ في غاية الأهميّة، فإنّ عدد المجموعات التأريخية فيها (850) مجموعة تأريخيّة  تتضمّن دراسات تعود إلى عام 1850م[4].

ج ـ فئات المستشرقين:

ينقسم المستشرقون السويديون تبعًا لدوافعهم إلى ثلاثة أقسام:

 القسم الأوّل: المستشرقون الذين كانت دراستهم للشرق عامّة وللدين الإسلامي خاصّة من أجل التعرّف على حضارة الشرق وتاريخها، وجاءت تلك الدراسات ـ إذا ما قُورِنت بغيرها ـ معتدلةً ومنصفةً، تقودها أسس البحث العلمي الموضوعي، ومن تلك الدراسات ـ على سبيل المثال ـ ما قام به الدكتور تور أندريه (Tor Andrae) (ت:1947م) أستاذ تاريخ الأديان

(33)

بالمعهد العالي في أستوكهولم، الذي كان على معرفةٍ جيّدةٍ بالإسلام؛ نتيجة إتقانه اللغة العربية، وله بحوث وكتابات في هذا المجال، نشر بعضها في أعداد من (الدوريات التاريخية الكنسيّة السنويّة)، وله كتاب: (أثر النصرانية في الإسلام)، و(التصوّف)، و(محمد حياته وعقيدته)، وفي كتابه الأخير جاءت دراسته لحياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله منصفة ومعتدلة بالقياس لغيره من المستشرقين السويديين، وكذلك الدكتور كريستر هيدين (Christer Hedin) المولود في عام (1939م)، وقد صدرت له كتب ومقالات عدّة تناولت مختلف جوانب الحضارة والتاريخ الإسلاميين، وكذا جوانب الدعوة الإسلامية باعتدال[1].

القسم الثاني: المستشرقون الذين كان الدافع الديني هو المحرّك لهم، فظهرت دراستهم مشحونة بالتشويه والتّهم، والطعن بالإسلام ونبيّه، بسبب التعصب الديني المقيت، ومن هؤلاء المستشرق كارل يوهان تورنبيرغ (Karl Johann Tornberg) (ت: 1877م)؛ إذ اتّسمت جميع كتاباته بالطعن والتشويه للدين الإسلامي، والدكتور كارل فلهلم زترستين (Karl Vilhelm Zettersteen) (ت: 1953م) أُستاذ اللّغات السامية في جامعة أوبسالا، والذي أسهم في دائرة المعارف الإسلامية (1915م) وفي معاجم ومجلّات عدّة، ولا سيّما مجلة (العالم الشرقي) التي لازمها من فجرها، وأصبح رئيس تحريرها من سنتها الرابعة إلى الخامسة عشر، ومن آثاره: (القرآن ـ الإنجيل المحمدي)، وترجمة القرآن إلى السويدية (أستوكهولم1917م)، و(الدين الإسلامي)[2].

القسم الثالث: المستشرقون العلمانيون، وهم مستشرقون تغلب عليهم أساليب التلميحات والتخفّي وراء الألفاظ والمصطلحات، وتجنّب المواجهة المباشرة، وهذا التيّار هو الغالب على الساحة السويدية، كما هو شأن الاستشراق الغربي بصفة عامة، ومن بين أولئك العلمانيين: السفير انجمار كارلسون (Ingmar Karlsson) المولود عام في (1942م)، والباحث الدكتور كنت رتزين (Kent Ritzén) اللّذين صدرت لهما كتب وأبحاث ومقالات تناولت مختلف جوانب الإسلام؛ وخاصّة الإسلام في أوروبا وأحوال المسلمين في الغرب، ومنهم: الأستاذ

(34)

البرفسور يان يربه (Jan Hjärpe) المولود في عام (1942م) أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة لوند وخبير الشؤون الإسلامية لدى وزارة الخارجية السويدية، الذي صدرت له عشرات الكتب ومئات المقالات والأبحاث، وعشرات المقابلات التلفزيونية والمسموعة، وعلى الرغم من تظاهره بالمظهر المتحضّر والإنساني، الذي يرفض العنف والمواجهة المباشرة؛ فقد تفلت منه بين الفينة والأخرى ردود الفعل على شكل تصريحاتٍ أو مقالات تُصوّر الإسلام الحالي بأنّه إسلامٌ سياسيٌّ، ونجده يطالب بإسلام أوروبي علماني[1].

وهذا التيّار الاستشراقي العلماني هو مَن يخرّج المثقفين المسلمين ويمنحهم درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي، لكنّ كثيرًا من هؤلاء المستشرقين يرفضون وجود الإسلام؛ بصفته دينًا، ويقبلون بتواجد المسلمين؛ بصفتهم أقلّيات، مع الحرص على صقلهم بالثقافة الغربيّة العلمانيّة، ومن الملاحظ أنّ أساليبهم ترتكز على المرونة في التفكير والدقّة في التدبير، وما المخططات والمشاريع التي تطلع علينا كلّ لحظة وحين، بحيث تستهدف اقتلاع الجذور الأصيلة للأخوّة الإسلامية وارتباطها بفكرة إعادة اللحمة للأمة الإسلامية واستئصال القيم والمبادئ الفاضلة من أبناء الجالية المسلمة؛ إلّا دليل واضح على ما سلف ذكره[2].

د ـ دوافع الاستشراق السويدي:

1ـ الدافع الديني: اتّسمت الدراسات الاستشراقية ذات الطابع الديني بالتشويه والطعن والتشكيك بكلّ ما تمرّ به من خلال بحثها، واضعةً نصب عينيها الهدف الذي أقدمت من ورائه على الدراسات الشرقية، وهو إضعاف هذا الدين وتشويهه من خلال الطعن بالقرآن الكريم وبرسول الإسلام.

ومن  تلك الدراسات ما قام به المستشرق المتعصّب (كارل يوهان تورنبيرغ) (arl Johann Tornberg)؛ إذ اتّسمت جميع كتاباته بالطعن والتشويه للدين الإسلامي، وكذلك الدكتور (كارل فلهلم زترستين) (Karl Vilhelm Zettersteen) أُستاذ اللغات السامية في جامعة أوبسالا، في كتابه (القرآن ـ الإنجيل المحمدي) وباقي مؤلفاته، كما سيتّضح ذلك من خلال البحث.

(35)

2 ـ الدافع العلمي: لا شكّ أنّ ثمّة مستشرقين كان دافع دراستهم للشرق؛ تاريخًا، وحضارةً، ولغةً، وأدبًا، ودينًا، هو حبّ الاطّلاع على حضارات الأُمم، فانصبّت دراستهم على تراث الأُمم، ومن بينها الحضارة الإسلامية، وقد أفادت هذه الدراسات الثقافة العربية فوائدَ جمّة، منها: نشْر الثقافة العربية في الدول الإسكندنافية، وترجمة كثيرٍ من كتب التراث العربي إلى اللغة السويدية، وكذلك تصحيح فكرة تلك الشعوب عن العرب والإسلام، ومن تلك الدراسات المنصفة والمحايدة المعتمدة في بحثها على المنهج العلمي، هي ما قام به المستشرق السويدي كريستر هيدين (Christer Hedin) في كتابه (الإسلام وفق القرآن)؛ حيث أعطى صورة منصفة عن الإسلام ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك الترجمة التي قام بها الدبلوماسي السويدي (محمد كنوت) للقرآن الكريم؛ إذ دافع في مقدّمتها عن الإسلام ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبيّن مبادئ الإسلام وأُسسه الإنسانيّة، وكذلك ترجمة قانيتا صدّيق للقرآن الكريم.

هـ ـ وسائل الاستشراق السويدي:

إنّ المراد من وسائل الاستشراق السويدي هو كلّ ما استخدمه المستشرقون السويديون من أدوات وطرق لإيصال أفكارهم؛ سواء أكان ذلك للعالم الغربي أم إلى العالم الشرقي؛ إذ لم يترك المستشرقون السويديون مجالًا من مجالات الأنشطة المعرفيّة إلا تخصّصوا فيها، وهذه الوسائل تتنوّع وتُستحدث بين الفينة والأخرى، ومن بين تلك الوسائل على سبيل المثال: التعليم الجامعي وإنشاء كراسي اللغات الشرقية، والمكتبات، وجمع المخطوطات العربية، والتحقيق، والنشر، وتأليف الكتب التي تناولت الإسلام ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل كلّ ما يتعلّق بالشرق، وكذلك إصدار المجلّات الشرقية التي تُعنى ببحوثهم حول الشرق، وإنشاء الجمعيات المختصّة بشؤون الشرق، ونحوها.     

1ـ كراسي اللغات الشرقية السويدية:

لقد أنشئت كراسي اللّغات الشرقية في الجامعات السويدية منذ زمن مبكر، وقام المستشرقون السويديون بتعليم اللّغات السامية فيها، ولا سيّما علوم اللّغة العربيّة، وآدابها، وفنونها، وعلاقتها بغيرها من اللّغات، ومنحت هذه الجامعات الشهادات العليا لطلبتها، وهذه الجامعات بحسب قدمها هي:

ـ جامعة أُوبسالا (1477م) (upsala) وهي أقدم الجامعات السويدية وأكبرها وأدقّها،

(36)

وكان أوّل مَن درّس العبرية فيها هو نيقولا بن أولاى بوطنياسي (1550م ـ 1600م) (N.O.Bothniensis)[*].

 وقيل إنّه صنّف كتابًا سمّاه: مفتاح اللّغات الشرقيّة، للعبريّة والكلدانيّة والعربيّة والسريانيّة، وجاء في ما بعد بيتروس كيرستنيوس (P. kirstenius) الألماني[*] الذي تعلّم الطب واللّغات السامية في ألمانيا، فعُهد إليه بتدريس الطب في أوبسالا، لكنّه كان أخبر بالمشرقيات منه بالطب، فاشترى حروفًا عربيّةً من الخارج لطبع الكتب، ولم يُكتب للّغة العربية الرواج في ذلك الوقت؛ لرجحان اللغة العبرية عليها في تفسير الكتاب المقدّس، ومعرفة ما يتعلّق به من كتب اليهود وآدابهم.

ـ جامعة لوند (1668م) (Lund) رُتب فيها أستاذ للغات السامية منذُ نشأتها.

ـ جامعة أوسلو(1811م) (Oslo) وفيها اللغات السامية.

ـ جامعة جوتنبورج (1891م) (Goetenborg) عينت أستاذًا للغات السامية بعد إنشائها بسنوات.

ولم ينتظم الاستشراق في السويد ويزدهر ويؤتَ ثماره إلّا بفضل المستشرق الفرنسي دي ساسي، ثمّ مَن أخذ عنه من السويديين[1].

2ـ المكتبات الشرقية:

حرص المستشرقون السويديون على إنشاء مكتبات خاصّة بهم، تضمّ مئات الكتب والمخطوطات، فضلًا عمّا يوجد من الكتب والمخطوطات في مكتبات الجامعات والمكتبة

(37)

الملكية،  والجدير بالذكر أنّ قسمًا كبيرًا من هؤلاء المستشرقين أوقفوا مكتباتهم لمكتبات جامعاتهم، ومن بينهم على سبيل المثال: مخطوطات الرحالة (إنمان ميخائيل) (Eneman, M.O ) (1676م ـ 1714م) التي ما زالت في مكتبة جامعة أوبسالا، والمستشرق (بيورنستال) (Bjornstahl,J.J ) (1731م ـ 1779م) الذي أوصى بنقل مكتبته إلى جامعة أوبسالا بعد وفاته، و(الأب ستورسنبيكر) (Stutzenbecker,A.F) (ت:1783م) الذي أوقف لمكتبة أوبسالا زهاء مئتين كتابًا[1]، وأهم المكتبات السويدية؛ هي:

ـ المكتبة في جامعة أوبسالا (1620م):

تعدّ من أقدم المكتبات في السويد وأكبرها، وتحتوي على مليون ومئتي ألف كتاب، منها: أربعون ألف مخطوطة، وفيها مخطوطات نفيسة من الكتب العربية مطبوعة ومخطوطة، وقد وُضع فهرس المخطوطات العربية والفارسية والتركية فيها، (كارل يوهان تورنبيرغ)، ثمّ قام (كارل فلهلم زترستين) بإعادة طبعه مرةً أخرى ووضع الجزء الثاني له (مجلة العالم الشرقي 1922 ـ 1928 ـ 1935م)، وقام (تورنبيرغ) أيضًا بوضع فهارس مخطوطات مكتبة جامعة لوند[2].

ـ المكتبة الملكية السويدية:

تُشير المصادر التاريخية الخاصّة بنشوء المكتبة، إلى أنّ بداياتها تعود إلى القرن الـسادس عشر ميلادي، بعد قرار الملك (غوستاف فاسا)، الذي طلب من المختصّين جمع عدد كبير من الكتب، في مختلف المجالات: الفكر والثقافة والعلوم والخرائط والآداب وغيرها، ثمّ حُفظت هذه الكتب بعد أن صنّفها وفهرسها مجموعة من المختصّين من بينهم (أريك اكزيف)، و(جون الثالث)، و(تشارلز إكس) في القصر، وبعد ذلك أخذت تزداد وتتوسّع، فضمّت مجموعات متنوّعة من الكتب، والتي كان مصدرها الشراء أو التبرعات، ولكنّها فقدت جزءًا مهمًّا من محتوياتها في عام (1620م)، بفعل قرار الملك (كوستافوس ادولفوس)، الذي استبعد مجموعة من الكتب وأرسلها إلى مكتبة جامعة أوبسالا؛ لتكون النواة الأولى لهذا المكتبة، ثمّ عادت الروح للمكتبة من جديد بعد حرب الثلاثين عامًا في أوروبا، خلال القرن الـسابع عشر

(38)

ميلادي؛ حيث غنمت وحصلت خلالها المكتبة على مجموعات بارزة ثمينة، لا تقدّر بثمن، وكان من بين أهم المجموعات التي حصلت عليها المكتبة خلال فترات متلاحقة: المكتبة الأسقفية فورتسبورغ عام (1631م)، مكتبة جامعة أولوموك في (1642م)، المكتبة الملكية في براغ (1649م)، وبعد ذلك تعرّضت المكتبة لاستنزاف حاد في محتوياتها؛ بسبب نقل بعضها إلى روما مع الملكة (كريستينا)، ولكنّها عادت وشهدت نموًّا فريدًا في عهد الملك (تشارلز إكس غوستاف)، ومنذُ العام (1661م)، شرعت تغتني بفعل القانون السويدي الذي ألزم جميع مؤلفي الكتب والإبداعات الحديثة بتزويد المكتبة بنسخة من العمل[1].

وتشتهر المكتبة السويدية، بالمجموعات الأدبية والفكرية العامة التي تحتضنها، وهي مجموعات ليست وطنية ضيّقة أو إقليمية محدودة في طابعها، وإنّما تجسّد قيمة للعالم أجمع. بفضل محتوياتها وأسماء أصحابها، فهي تعود لأبرز الكتّاب والمفكرين العالميين، وتمثّل محتويات المجموعات فيها، ما يقارب الـ (18) مليون مادة، وهي عن موضوعات عدّة، كذلك تشتمل على المخطوطات القديمة في شتّى الموضوعات، كما أنّ المؤرّخين في العالم ينظرون إلى هذه المكتبة السويدية، على أنّها جذر المراجع التاريخية الموثوقة، فالمكتبة تضمّ بين رفوفها أهمّ نوادر الكتب التاريخية، إذ إنّ عدد المجموعات التاريخية فيها (850) مجموعة تاريخية تتضمن دراسات تعود إلى العام (1850م)[2].

3ـ المجلات الشرقية والجمعيات الآسيوية:
ـ المجلات الشرقية:

سعى المستشرقون السويديون إلى إنشاء مجلّات متخصّصة بدراسة الشرق، تصدر عن جامعاتهم؛ كغيرهم من المدارس الاستشراقية الأخرى، بُغية دراسة الشرق عن طريق البحوث العلمية التي يقوم بها المتخصّصون بالدراسات الشرقية، وهي:  

مجلّة العالم الشرقي (1906 ـ 1948م) (Le Monde Oriental) كانت تصدر عن جامعة أوبسالا، وتُعنى بلغات الشعوب الشرقية وتاريخها وأديانها وآدابها.

(39)

مجلة الدراسات اللاهوتية (Studia Theologia) تصدر عن جامعة لوند.

ـ الجمعيات:

هي جمعيات أسّست من أجل التعرّف على الشرق ودراسته دراسةً علميّةً. وأوّل جمعيّة سويديّة هي التي أسّسها (إرن، ت.ج) (T.J.Arne) (وُلِدَ عام 1879م)، في عام (1921م)، وانتخب أمينًا عامًّا لها، وسُمّيت هذه الجمعيّة بالجمعيّة الشرقيّة[1].

ـ وسائل الإعلام السويدية:

سعت وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمكتوبة السويديّة إلى زعزعة عقيدة المسلمين الموجودين في السويد، فهي تعرّضهم يوميًّا إلى أنواعٍ مختلفةٍ من الضغوط النفسيّة؛ إذ تسعى إلى سلخهم عن هويّتهم الثقافيّة والدينيّة وإدماجهم في المجتمع الجديد، ومن جانب آخر تقدّم المجتمعات العربية والإسلامية بأبشع صور التخلّف، وانتهاك حقوق الإنسان، واضطهاد المرأة، وربط ذلك كلّه بالإسلام دينًا ونظامَ حياة؛ فتتكون لدى أبناء المسلمين فكرةٌ خاطئةٌ عن بلدانهم الأصليّة، ويعتقدون أنّها رمز للتخلّف، والجهل، والعنف، والتطرّف الديني. ومن جهة أخرى وجدت وسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة في مشاكل المسلمين المتعدّدة، وخلافاتهم الأسريّة، المادّة الخام لمستمعيها وقرّائها. وقد حرّكت هذه الظاهرة المستحدثة بعض المفكرين، الذين يؤمنون بالحريات العامة، ويعتبرون مثل هذه التصرّفات ظواهر عنصريّة في بلد نصّب نفسه للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة جميع أشكال العنصريّة، وتقرّ قوانينه وبنود دستوره بالمساواة والعدالة الاجتماعية[2].

(40)

 

 

 

 

الفصل الأوّل

المباحث القرآنيّة

عند المستشرقين السويديّين

 

المبحث الأوّل: الوحي القرآني بمنظار الاستشراق السويدي.

المبحث الثاني: الإعجاز القرآني وآراء المستشرقين السويديين.

المبحث الثالث: مصدر القرآن الكريم بنظر المستشرقين السويديين.

المبحث الرابع: تفسير القرآن الكريم عند المستشرقين السويديين.

(41)
(42)

 

 

المبحث الأوّل

الوحي القرآني بمنظار الاستشراق السويدي

 

المطلب الأوّل: الوحي في اللّغة والاصطلاح.

المطلب الثاني: صور الوحي.

المطلب الثالث: مفهوم الوحي عند اليهود والنصارى.

المطلب الرابع: ثبوت حصول الوحي لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إثبات لآيات الأنبياء السابقين

المطلب الخامس: الوحي بمنظار الاستشراق السويدي.

المطلب السادس: بعض شبهاتهم والردّ عليها.

 

(43)
(44)

توطئة:

 كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى في الخلق أن بعث إليهم مَن يرشدهم إلى ما فيه صلاح دنياهم وأُخراهم، بعد أن اختلفوا في ما بينهم، فبعث النبيين والمرسلين مبشّرين ومنذرين من لدن آدم حتى خاتم الأنبياء والمرسلين النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت صلة الوصل بين الله تعالى وأنبيائه ورسله عبر الوحي مع اختلاف طرائقه، ولم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله  بدعًا من الرسل في مسألة اتّصاله بالملأ الأعلى عن طريق جبرائيل تارةً، وأخرى من دون توسّط، وإنّما يكون تلقّيه للوحي مباشرةً، وكان ذلك أشدّ على قلبه، وبدأ الوحي بالنزول عليه منذُ بعثته صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى وفاته؛ تبعًا لما تقتضيه المصلحة، فجاء بالقرآن الكريم الذي «أحدث في الحياة البشرية أعظم انقلاب وتغيير شمل كلّ مناحي الحياة، وامتدّ شعاعه إلى أبعد الأصقاع، وأذهل أقوى الأدمغة، واكتسح أعظم الحضارات، وأقام فوق ركامها أنظف حضارة، وأجمل حياة، وأكمل سيادة وسياسة»[1].

ولمّا كان الوحي يمثّل الأساس والمنبع الأوّل لحقيقة النبوّة والرسالة؛ لذلك اهتمّ المستشرقون ـ بشكل عام ـ بدراسة ظاهرة الوحي، وبذلوا في سبيل ذلك جهدًا كبيرًا من أجل تشويه حقيقة الوحي عند المسلمين؛ لعلمهم أنّ ظاهرة الوحي بالنسبة للمسلمين تمثّل منبع يقينهم وإيمانهم بما جاء به النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من عند الله تعالى[2].

(45)

المطلب الأوّل: الوحي في اللغة والاصطلاح:

الوحي في اللغة: سُمّي الوحي وحيًا؛ لأنّه إعلام خفي وسريع وخاص بمَن يوحى إليه؛ بحيث يخفى على غيره.

قال الراغب الأصفهاني (ت:502هـ): «أصل الوحي الإشارة السريعة ولتضمّن السرعة، قيل: أمر وحى، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة، وقد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريا ﴿خَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [سورة مريم، الآية11]»[1].

وأنّ أَصل كلمة الوحي في اللغة هو إعلام في الخَفاء؛ ولذلك سمّي الإِلهام وَحْيًا[2].

وقال الفيروزآبادي (ت:817هـ): «الوحي: الإشارة، والكتابة، والمكتوب، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك... وأوحى إليه: بعثه وألهمه»[3].

وبعد استعراض مادة الوحي ـ وعلى ضوء معاجم اللغة المذكورة آنفًا ـ يمكن القول إنّ الوحي يطلق في اللّغة على:

1ـ الإلهام الفطري؛ كالوحي إلى أمّ موسى في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ [سورة القصص، الآية7].

2ـ الإلهام الغريزي للحيوان؛ كالوحي إلى النحل، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا [سورة النحل، الآية68].

3 - الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء؛ كإيحاء زكريا إلى قومه في قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ 

(46)

عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [سورة مريم، الآية11][1].
4ـ وسوسة الشيطان وتزيين الشر في نفوس أوليائه؛ كما في قوله تعالى:﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [سورة الأنعام، الآية121][2].

5ـ ما يلقيه الله تعالى إلى ملائكته من أمر ليفعلوه؛ كقوله تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [سورة الأنفال، الآية12].

6ـ يطلق على إعلام إنسان لآخر بالخفاء من دون أنّ يعلم غيره من البشر؛ كما في قوله تعالى: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [سورة الأنعام، الآية112][3].

7ـ ووحي الله إلى أنبيائه هو ما يلقيه إليهم من العلم الضروري الذي يخفيه عن غيرهم[4].

الوحي في الاصطلاح:

عرّفه محمد عبد العظيم الزرقاني (ت:1367هـ) بقوله: «أن يُعْلِمَ الله تعالى مَن اصطفاه من عباده كلَّ ما أراد اطّلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سرّية خفية غير معتادة للبشر»[5].

وعُرف الوحي بأنّه: عبارة عن الاتّصال الروحي المباشر بين ذات الرسول الباطنة والملأ الأعلى[6].

ومن خلال التعريفين السابقين يتبيّن أنّ الوحي «لا يكون مصدره إلّا الله تعالى ولا يتلقاه منه أو من الملك المخصّص إلّا نبي أو رسول لربّ العالمين»[7].

(47)

المطلب الثاني: أنواع الوحي:

لم تكن ضروب تكليم الله للبشر على صورة واحدة، بل اختلفت وتعدّدت ضروب الوحي الإلهي إلى أنبيائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد حدّدها قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [سورة الشورى، الآية51]. وهذه الأنحاء في الإيحاء هي:

1 ـ «الإلقاء في القلب ـ يقظة أو منامًا - ويشمل النفث في الروع، والإلهام، والرؤية المنامية»[1]، وهذا الإلقاء لا يتطلّب نزول الملك، وهو ما تؤيده الروايات الواردة في علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله [2]. رُوي عن عائشة أنّها قالت: «أول ما بُدئ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم...»[3].

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ روح القدس نَفَثَ في رُوعِي أنّ نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب»[4].

2 - الكلام من وراء حجاب، وهو أن يسمع كلام الله من حيث لا يراه، كما وقع لموسى عليه‌السلام في الطّور، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[سورة القصص، الآية 30][5].

3 - ما يكون بإرسال ملك من الملائكة فيبلّغ ما أمر الله به إلى مَن شاء من عباده[6]، كما في قوله تعالى: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [سورة الشورى، الآية 51].

(48)

هذه ضروب الوحي بشكل عام، أمّا ما يخصّ نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان يأتيه الوحي تارةً في المنام وحصل هذا في بدء نبوّته، وأخرى يكون الوحي بلا توسّط ملك، وإنّما يكون مباشرًا، وثالثة بتوسيط الملك، وهذا الملك هو جبرئيل عليه‌السلام ، وبيان ذلك بإيجاز: أنّ أوّل صورة من صور الوحي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت الرؤيا الصادقة؛ إذ إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح[1]، قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «وأمّا النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه‌السلام ، ونحو ما كان رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أسباب النبوّة قبل الوحي، حتى أتاه جبرائيل عليه‌السلام من عند الله بالرسالة»[2].

ثمّ جاءت مرحلة أخرى وهي الوحي عن طريق جبرائيل عليه‌السلام ، فكان عليه‌السلام ينزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتارةً يراه؛ وهذه الرؤية مرّةً تكون رؤية جبرائيل بصورته الحقيقيّة، وأخرى تكون بتمثّله عليه‌السلام بصورة بشر[3]، وثالثة لا يراه؛ وإنّما ينزل بالوحي على قلبه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ‎﴿١٩٣﴾‏ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ [سورة الشعراء، الآيتان193 ـ 194][4].

ولعلّ أكثر صور الوحي هي تلك التي تكون بلا توسّط، فقد وصف الصحابة وأهل البيت عليهم‌السلام حالة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حينما كان ينزل عليه الوحي بهذه الصورة، من أنّه كانت تعتريه غشوةً منهكة، ويتصبّب عرقًا، وغيرها من علامات التعب والإجهاد[5]، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «...إذا أتاه الوحي وليس بينهما جبرئيل تُصيبه تلك السبتة، ويغشاه منه ما يغشاه؛ لثقل الوحي عليه من الله عزوجل»[6].

(49)

المطلب الثالث: مفهوم الوحي عند اليهود والنصارى:

الوحي في أسفار العهد القديم يعبّر عنه تارةً (بالكلام من وراء حجاب كما حدث لآدم) «فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنّة، فخشيت لأنّي عريان، فاختبأت. فقال: مَن أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها...»[1]، يذكر كتبة الأسفار أنّ كلام الله تعالى إلى آدم وزوجه حواء عليهما‌السلام كان من خلال الصوت الذي تعيه أذن البشر[2].

وأخرى (بالرؤيا) كما حدث لإبراهيم عليه‌السلام «بعد هذه الأمور صار كلام الربّ إلى أبرام في الرؤيا قائلًا: لا تخف يا أبرام، أنا ترس لك، أجرك كثير جدًا. فقال أبرام: أيّها السيد الربّ ماذا تعطيني وأنا ماضٍ عقيمًا...»[3].

ففي العهد القديم يخلو تعبيرهم عن الوحي من الاتّصال الروحي بين الملأ الأعلى وبين رسل الله تعالى، ويقتصر على الكلام من وراء حجاب، أو الرؤيا المناميّة بحسب التعريف المتقدّم.

وجاء تفسير كلمة (الوحي) في الكتاب المقدّس بأنّها تستعمل للدلالة على نبوّة خاصّة بمدينة، أو شعب، من قبيل ما جاء في الكتاب المقدّس (العهد الجديد) «هذا الوحي هو الرئيس في أورشليم»[4]، أي: إنّه آية للشعب، ورئيس لهذه المدينة، وعلى العموم يراد بالوحي الإلهام، ومعنى الإلهام: هو حلول روح الله في روح الكتّاب الملهمين؛ من أجل إفادتهم بحـقائق روحيّة أو حوادث مستقبلة لا يتوصّل إليها إلّا به[5].

عند التأمّل في تعريف الوحي المذكور في الكتاب المقدّس نرى الفارق الجوهريّ بين الوحي في الديانة المسيحيّة وبين الوحي القرآني، فالوحي عند النصارى من خلال هذا التعريف لا يعدو الإلهام والكشف الحاصل عند الكتّاب الملهمين؛ أي بسبب صفاء نفوس هؤلاء الكتّاب وسمو

(50)

أرواحهم تنكشف لهم بعض الأمور من قبيل الإخبار بحوادث مستقبليّة غائبة عن الحاضرين، أو إظهار بعض الحقائق الروحية ونحو ذلك.

وهذا الوحي «يكون ثمرة من ثمار الكدّ والجهد أو أثر من آثار الرياضة الروحيّة، أو نتيجة للتفكير الطويل، فلا يُنشئ في النفس يقينًا كاملًا ولا شبه كامل، بل يظلّ أمرًا شخصيًّا ذاتيًّا لا يتلقى الحقيقة من مصدر أعلى وأسمى»[1].

ولكن الله تعالى بيّن في محكم كتابه العزيز أنّ صفة الوحي المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين هي توافق صفة الوحي المنزل على الأنبياء السابقين؛ إذ قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [سورة النساء، الآية163]، وقال أيضًا: ﴿كَذَٰلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة الشورى، الآية 3].

المطلب الرابع: ثبوت حصول الوحي لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إثبات لآيات الأنبياء السابقين:

امتازت معجزة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله المتمثّلة بالقرآن الكريم عن غيرها من الكتب السماوية السابقة بأنّ الله سبحانه وتعالى تعهّد في كتابه العزيز بجمعه؛ حيث قال: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [سورة القيامة، الآية17]، وحفظه كما في قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر، الآية 9].

فتوفّر للقرآن الكريم ما لم يتوفّر للكتب السماويّة السابقة من حيث الحفظ المتواتر؛ إذ «إنّ الوحي الإلهي الوحيد الذي نقل بنصّه الحرفي تواترًا عمَّن جاء به بطريقتي الحفظ والكتابة معًا هو القرآن، وإنّ المعنيّ الوحيد الذي نقل تاريخه بالروايات المتّصلة بالأسانيد حفظًا وكتابةً هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالدين الوحيد الذي يمكن أن يعقله العلماء المستقلون في الفهم والرأي ويبنوا عليه حكمهم هو الإسلام»[2].

(51)

أمّا الكتب السماويّة الأخرى؛ فإنّها «تفتقر... إلى القطع بصحتها؛ وذلك لما شابها من التحريف والتبديل والتشويه والإضافة، كما لا يمكن عزوها إلى الذين نسبت إليهم؛ إذ لا توجد نُسخ من تلك الأسفار والأناجيل مكتوبة باللغات التي كتبت بها، بالتواتر ولا بالآحاد، كما لا يمكن القطع بصحّة التراجم التي نقلت بها، وبذلك نخلص إلى أنّه لا يمكن إثبات وحي الأنبياء السابقين إلّا بثبوت الوحي لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا القرآن الذي جاء به هو الحجة الوحيدة عليها في الطور العلمي المستقل»[1].

لذلك يعدّ إثبات الوحي الإلهي إلى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله المصدر الوحيد لإثبات الوحي للأنبياء السابقين؛ لأنّ القرآن الكريم امتاز عن غيره بالحفظ والنقل المتواتر المفيد للقطع بصدوره عن الله سبحانه وتعالى ومن خلاله نُثبت الوحي للأنبياء السابقين.

المطلب الخامس: الوحي من منظار الاستشراق السويدي

كانت وما زالت ظاهرة الوحي تشغل أذهان المستشرقين بشكل عام، فمنهم مَن بذل الوسع في تتبّع هذه الظاهرة في تراث المسلمين؛ من أجل الحصول على أيّ ثغرةٍ ينفذ من خلالها للطعن والتشويه، وتشكيك المسلمين في ما جاء به الرسول الكريم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنهم مَن سار في بحثه لهذه الظاهرة على وفق المنهج العلمي الرصين ـ وهم قلّة ـ من أجل كشف الحقائق الخافية عنهم، وهم مع إخلاصهم في بحثهم لم يسلموا من الهفوات والاستنتاجات المجانبة للصواب، وأسباب ذلك كثيرة، منها: جهلهم باللّغة العربية وخصائصها.

أمّا الدراسات الاستشراقية السويدية فإنّها لم تختلف عن سابقاتها من الدراسات الاستشراقية لظاهرة الوحي، فجاءت دراساتهم متباينة؛ لذلك اختلفت آراؤهم وأقوالهم في حقيقة الوحي، فمنهم مَن سار على هدي أساتذته من المستشرقين السابقين، متخذًا الطعن والتشويه والإنكار لهذه الظاهرة هدفًا للنيل من الإسلام ورسوله، ومنهم مَن اتبع المنهج العلمي في بحثه، فبرزت الحياديّة والإنصاف والموضوعيّة في آرائه وأقواله إزاء القرآن الكريم  والنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا المطلب سيتكفّل ببيان آراء المستشرقين السويديين وأقوالهم المتباينة في ظاهرة الوحي.

(52)

1ـ المستشرق كارل يوهان تورنبيرغ (Tornberg Karl Johann) (1807 ـ 1877م)[1]

وهو يرى أنّ الذي جاء به النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله نتيجة اعتقاده بأنّ «الرب (الله) هو واحد فقط، وأنّ الأصنام هي ليست سوى تماثيل الباطل، وعبادتهم أثارت غضب الرب (الله) الذي من شأنه أن يُظهر نفسه أنّه رهيب (مخيف) للوثنيين، هذه العقيدة (الاعتقاد) هي مكتسبة من خلال التعليم والتأمّل الذاتي التي جعلت منه نبيًّا»[2].

ثمّ يبيّن نظرة الكنيسة للنبي محمد، وبعد ذلك يتهم النبي بالصّرع، فيقول: «وهكذا شعر وكأنّه موفد الرب (رسول الله)، ووجهة نظر الكنيسة القديمة فضلًا عن التنوير الحديث تجعله مخطئًا، وأنّهم كانوا ينظرون إليه على أنّه محتال، ولكن محمد في الحقيقة من حيث السمو الروحي لا يمكن أن يُقارن مع الأنبياء العظام من العهد القديم، مثل: أشعياء، ويوئيل. منذُ البداية كان شيئًا مرضيًا في حالته النفسية المتهيجة والغاضبة، إنّه مرض الجسم الذي تم التعبير عنه بالنوبة الصَرَعيّة‏، ومثل هذه الحالات أعطته السبب الأول للاعتقاد أنّه قد فهم القوى العليا»[3].

ثمّ يبيّن أنّه غير قادر على تشخيص حالة الرسول ويصف حالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند نزول الوحي بصفات بعيدة كلّ البعد عن الموضوعيّة فضلًا عن الأدب، فيقوله: «أنا طبيب صغير جدًا لكي أكون قادرًا على اتّخاذ قرار بشأن نوع مرض محمد، وأيضًا لا أعرف ما إذا كانت الأوصاف التقليدية لحالته كافية للطبيب للحُكم عليه، وقد تجلّت معاناته في الحالات المفاجئة التي أصبح فيها فاقدًا الوعي كليًّا أو نصفيًّا، والتي سقط فيها وكأنّه في حالة سكر (سكران‏)، ومن جانب (أحمرّ لونه تمامًا وأصبح محمومًا)، وقد ذُكر أنّه كان يصرخ مثل )جمل صغير)، وكان لديه شعور أنّ هناك أزيزًا‏ أو رنينًا في الأذن»[4].

(53)

وينقل رأي شخصٍ لم يصرّح باسمه بقوله: «ووفقًا لأحد الأشخاص الذين لديهم معرفة بالمشرق القديم بالمعنى الواسع والذي ينسب الاضطرابات المستمرة والفورية تنطوي على تأثير الأرواح الشريرة، وأنّ محمدًا في المقام الأوّل كان مهووسًا بالشياطين، ما دفعه إلى اليأس والتفكير بالانتحار»[1].

 ويذكر أنّ سبب اعتقاد النبي محمد كونه مبعوثًا من قِبل السماء هو «إمّا من خلال مداولاته الخاصة، أو من خلال إقناع الآخرين (وخاصة ورقة الذي اعترف له بعلامة النبوءة)؛ إذ إنّه أقنع نفسه أنّ القوّة السماويّة كانت فيه، وأنّ الروح المقدّسة قامت بهزّ روحه وجسده، ومعاناة جسده أثبتت بالدليل على دعوته النبوية»[2].

ثمّ يحكم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله  بقوله: «وبطبيعة الحال، في مثل هذه الطبيعة المضطربة، والعصبية، والأحلام، ورؤى الصحوة (الهلوسة) التي لم تكن غائبة، عزّزت له في اعتقاده»[3]، وأنّ النبوّة التي تقع تحت تأثيرات كهذه، لا بدّ من أن تعاني من عيوب شديدة[4]، كما يفتري على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ شيطانه لم يقده دائمًا بالطريق الصحيح[5]، ويذكر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استعمل في كثير من الأحيان الخدعة والاحتيال لأجل تحقيق أهدافه[6].

كما أنّ محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله كان «يعاني كثيرًا من أسئلة اليهود البارعة والملاحظات السيّئة، التي لم يستطع الإجابة عنها هذا الرجل غير المتعلّم، والذي لا يعرف شيئًا سوى التهديدات الرهيبة بالعقاب الإلهي، الذي تعرّض لها أسلافهم المعاندين»[7]، وفي معركة أُحد بعد استشهاد عمّه حمزة «غضب النبي على حبيبه حمزة الذي تم تشويه جسده، وقد أقسم على الانتقام وتشويه أجساد العديد من الأعداء، ولكنّه سرعان ما عدل عن ذلك؛ لأنّ عقله

(54)

عاد إليه»[1]. ويقول كان «آخر تخيلاته أنّه كان يحوم حول الملائكة والسماء»[2].

وبعد أن أطلق جملة كبيرة من التهم وتزييف الحقائق انتقل إلى تقييم شخص النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من خلال حياته العامة بعيدًا عن كونه نبيًّا، أو واعظًا، ونحو ذلك، فذكر صفات النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله النفسية والاجتماعية، وهي:

1ـ كان سريع الغضب، وكان أتباعه يخشوه عندما كانوا يرونه يعقد حاجبيه من الغضب.

2ـ لم يتصرّف باستبداد أبدًا اتّجاه أتباعه.

3ـ ولم يُسئ أو يجرح حريّة العرب الراسخة في عقولهم.

4ـ كان يعيش مع زوجاته في أكواخ بائسة من الطين وفروع النخيل، التي كان يمكن الوصول إلى سقفها من خلال الأيدي، وكان طعامه من التمور والخبز والدقيق، ونادرًا اللحوم، ولكن لا تتكون وجبته من أكثر من طبق واحد، وكانت أدواته المنزلية وملابسه بسيطة جدًا، وقد كان يكره كل زينة مفرطة.

5ـ كان يخاف من الأرواح الشريرة.

6ـ الخيال والشعور بالتعب والإغماء، كانت تسيطر عليه كثيرًا عندما كان يرى مملكة الأرواح وتاريخ الزمن الماضي.

7ـ كان محمد يفتقر إلى الشجاعة الجسدية الحقيقية.

8ـ شخصية محمد مليئة بالألغاز.

وبعد ذلك ينفي كلّ صفة إيجابيّة كان يتمتّع بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله  قبل بعثته، منها: أنّ رحلة الرسول الكريم التي ذكرها القرآن برحلة الشتاء والصيف يقول فيهما أنّ كلتا «الرحلتين هي أسطورة »[3].

(55)

ومنها: ينفي مسألة وضع الحجر الأسود، وكونه موصوفًا بالأمانة قبل بعثته، فيقول: «ثمّ تولى، من خلال الصدفة، ما يُسمّى بالتوسط بين أصول القبائل المكية المختلفة، الذين قاتلوا من أجل شرف إعادة وضع الحجر الأسود المقدّس إلى مكانه، ولكن كل هذه القصة هي ملفّقة، فضلًا عن حقيقة أنّه كان يُسمّى عمومًا (الأمين، الجدير بالثقة)»[1].

وفي قصّة الغرانيق يروي لنا (كارل يوهان تورنبيرغ) تفاصيل جاء بها من عنده حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله، بقوله: «محمد الذي بعد ابتعاد الكثير من أتباعه، شعر بالوحدة ووجد صعوبة متزايدة في اهتداء أبناء بلده؛ لذلك فكر في حلّ وسط (تسوية) معهم، ومع ذلك فإنّ القرشيين بيّنوا أنّهم يريدون تصديقه، حيث اعترف الربّ الأعلى بآلهتهم، وهذا ما تم رفضه كما في (سورة رقم 109، الكافرون)»[2]. ثمّ يذكر تسوية النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مع قومه من خلال: «(سورة رقم 53، النجم) في  بضع كلمات، والتي فيها تم الإعلان للمكيين عن ثلاثة آلهة رئيسة التي يمكن أن تشفع كثيرًا عند الله؛ ونتيجة لهذا التفسير، انتقل إليه العديد من القرشيين وهكذا نشأت شائعة اهتداء (أسلمه، توبة) مكة»[3]. و«لكن سرعان ما (أنّبه) ضميره عن مدى صعوبة أن يتخلّى عن الميزة المكتسبة مرةً واحدةً؛ لذلك أعلن بشكل علني أنّ هذه الكلمات هي هاجس‏ (من خواطر) الشيطان، وأصبحت المقاومة الآن أكثر صعوبة»[4]. وبعد ذلك يرى أنّ فكرة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليست فريدة من نوعها، بل لها مثيل في الديانة اليهودية والمسيحية ولكن هذه الفكرة في نهاية المطاف قادته إلى خطوة كاذبة!!

وقال: «إذا (كان) المرء يؤمن فقط في الله كربٍّ أعلى للعالم، فيمكن للمرء أن يعترف بالأصنام الوثنية، (كما آباء الكنيسة) الذين نسبوا الوجود الحقيقي لهم كنوع من الآلهة الأقل، كما رأى بعض من اليهود والمسيحيين مثالًا لهم في الملائكة، وهذه الفكرة قادته في النهاية إلى خطوة كاذبة»[5].

(56)

بمثل هذه الأفكار الفاسدة والمنحرفة سعى هذا المستشرق وأمثاله للنيل من أعظم شخصيّة عرفها الإسلام، بل العالم أجمع، من خلال التشكيك والتشويه والتزييف المتعمّد للحقائق، وإنكار ما هو ثابت في الدين الإسلامي، والتمسّك بكل ما يخدم هدفهم الرامي للطعن بالوحي الإلهي وإنكاره، معتمدين في ذلك على أخبار ضعيفة أو موضوعة عن
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو اختلاقها من عند أنفسهم ظلمًا وعدوانًا.

2ـ كارل فلهلم زتّرستين (Karl Vilhelm Zettersteen) (1866ـ 1953م)[1]

يقول إنّ الذي حصل لمحمد هو: «الوحي الوهمي»[2]؛ لأنّه «كان بمثابة الواعظ لتعليم مذهب (مبدأ) جديد لأبناء بلده في مكة»[3].

ولكنّه ينفي كونه شاعرًا بقوله: «بالنسبة للشعر، لم يكن لدى محمد عقلية شعرية، والحق يُقال، فقد عارض المكيين عندما ألمحوا أنّه كان شاعرًا، كما ذُكر في (سورة الأنبياء، الآية 5): ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ، وفي (سورة الصافات، الآية 36): ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ، وفي (سورة الطور، الآية 30): ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ»[4].

(57)

ويرى «أنّ القرآن وفقًا للمفهوم المحمدي الصارم هو خالٍ تمامًا من جميع أنواع العيوب والنقائص»[1].

بناءً على ما تقدّم تتّضح رؤية (زترستين) بإنكار الوحي؛ حيث ينسب ما تلقّاه النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله  للوهم الذي لا واقعيّة له في الخارج، وإنّما هو توهّم توهّمه النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله  في كونه موحى إليه من قِبل الله سبحانه وتعالى، وهذا ما يسعى إليه جلُّ المستشرقين؛ لأنّ إنكار الوحي بالنسبة إليهم يُعتبر الركيزة الأساس التي يعتمد عليها المستشرقون في هدم الدين الإسلامي.

3ـ تور أندريه (Tor Andrae) (1885 ـ 1947م)[2]

اختلفت رؤية (أندريه) عن غيره من المستشرقين السويديين في مسألة الوحي الذي تلقّاه النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيرى أنّ النبي محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله  كان صادقًا في دعواه مخلصًا لها أشدّ الإخلاص، إلّا أنّه كان يرجع هذا الوحي إلى الإلهام النفسي، وأنّ تجربة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تجربة ذاتيّة صادقة، وأنّ محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يتوقّع أنّه سيأتي بكتاب مقدّس للعرب؛ كما اليهود والنصارى، فذكر ذلك بقول:«لم يكن محمد يتوقّع أنّ الكتاب سيمنح له، ولم يكن يدرك أنّه سيكون نبيًّا لقومه، وأنّه سيُقدّم للعرب كتابًا مقدّسًا مثل اليهود والمسيحيين»[3]. ثمّ يُشير إلى أنّ النبي محمدًا يمتلك قوة نفسية مكّنته من الإلهام؛ لأنّ «روح الوحي لا تعمل في فراغ، وإنّما توظف المواد التي تمتلكها الروح بالفعل، سواء أكانت في الواقع في الوعي أو مخفية في ظلام

(58)

اللاوعي»[1]. وأنّ التواصل مع عالم الغيب كان سببه «النشوة ورحلة البصيرة إلى السماء وهو الوضع الطبيعي للاتصال مع عالم الغيب (عالم غير مرئي)، ومن ثمّ تجربة الوحي سوف تتّخذ حتمًا هذا الشكل، لا سيّما بين الناس من ثقافة بدائيّة، تجارب الوحي تقريبًا دائمًا تكون بين نفس مستوى الناس الذين يتبعون نوعًا موحّدًا، كما أنّ العملية العقلية هي مبدأ تكويني لحين بدء العمل بالوحي»[2]. وبعد ذلك يصل إلى النتيجة الآتية؛ وهي: «أنّ الشكل الذي يفترضه عرض محمد من وحيه النبوي تم تحديده مسبقًا من قِبل الأفكار، ومن قِبل الرغبات السرية التي قد سكنت في ذهنه من خلال سنوات من الترقب»[3].

ومن خلال كلام (أندريه) المذكور آنفا يتّضح أنّ الوحي المحمدي من منظار (أندريه) هو نتيجة إلهام ذاتي تصوّره النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله  أنّه من قِبل الله تعالى، علاوة على عدم إيمانه بنبوّة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله، ويرى أنّ السبب والدافع الذي ألجأ النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ادّعائه النبوّة هو الخوف من العقاب الأبدي.

4ـ دكتور قانيتا صديق (Sadiqa Qanita)[*]

 يقول: «قد أوحى الرب (الله) شفويًا إلى النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجزيرة العربية منذُ حوالي (1400 سنة). بدأت عملية الوحي في عام (610 م) عندئذٍ كان نبي الإسلام عمره حوالي (40 سنة)، وقد استمرّ لمدّة (23 سنة) تقريبًا»[4].

ثم يبيّن أنّ النبي محمدًا هو مبعوث السماء حاله حال مَن سبقه من الأنبياء بدليل قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ[سورة الطور، الآية 30]،  و«بذلك، فإنّ الادّعاء بأنّ مقام (كرامة) النبي كانت مقتصرة على الأنبياء المذكورين في العهد القديم والجديد هو ادّعاء مرفوض»[5].

(59)

يسعى قانيتا من خلال ما ذكره آنفًا للدفاع عن الرسول الكريم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بدعًا من الرسل التي أرسلها الله تعالى إلى الأمم السالفة، فهو مبعوث السماء إلى الأمة الإسلامية، حاله حال الأنبياء السابقين، ولم تنتهِ سلسلة الرسل المبعوثة من الله إلّا به، لا كما يزعم اليهود والنصارى، من أنّ النبوّة مقتصرةٌ على الذين جاء ذكرهم في العهدين القديم والجديد.

5ـ محمد كنوت برنستروم (Bernström Mohammed Knut ) (1919م ـ  2009م)[1]

يرى محمد كنوت أنّ القرآن الكريم هو آخر حلقة في سلسلة الوحي الذي يشكّل الأساس للديانات الإبراهيمية، والتي لم يستطع الزمن أو الأشخاص تحويرها، أو تغييرها، أو تشويهها[2].

وتطرّق في ما بعد إلى نقد زترستين بقوله: «زتّرستين الذي كان غير مسلم لم يعتبر بالطبع القرآن نتيجة الوحي الإلهي، وإنّما وثيقة من تأليف مؤسس الدين محمد»[3].

لا غرابة في نقده (زترستين)؛ لأنّ (محمد كنوت) بعد أن اطّلع على الدين الإسلامي عن كثب آمن به، فاعتنقه، وصار من المدافعين عنه.

 

(60)

6ـ كريستر هدين (Christer Hedin)[1]

ينقل نظرة المسلمين للوحي القرآني فيقول: «وفقًا لاعتقاد المسلمين أنّ الربّ (الله) هو الذي يتكلّم في القرآن»[2]، وأنّ «محمدًا حصل على مهمّة نقل محتوى أو مضمون النصّ السماوي (الكتاب السماوي) إلى الأرض، ويتمّ ذلك عن طريق وحي الربّ (الله) إليه»[3].

ويستشهد بالآيات القرآنيّة الدالة على اتّصال النبيّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالملك جبرائيل ننقله بتمامه لأهميته، قال إنّ: «وحي الملاك جبرائيل لمحمد ينعكس في نصّ القرآن، والأكثر شهرة هو في: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ‎﴿١﴾‏ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ‎﴿٢﴾‏ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ‎﴿٣﴾‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ‎﴿٤﴾‏ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ‎﴿٥﴾‏ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ‎﴿٦﴾‏ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ‎﴿٧﴾‏ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ‎﴿٨﴾‏ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ‎﴿٩﴾‏ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ‎﴿١٠﴾‏ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ‎﴿١١﴾‏ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ‎﴿١٢﴾‏ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ‎﴿١٣﴾‏ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ ‎﴿١٤﴾‏ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ‎﴿١٥﴾‏ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ‎﴿١٦﴾‏ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ‎﴿١٧﴾‏ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ [سورة النجم، الآيات 1 ـ 18]، حيث يبدو أنّ محمدًا كان لديه حقًّا رؤية؛ كما في ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ. لقد كان الملاك جبرائيل هو الوحي العظيم؛ كما في ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[البقرة:91]، وفي ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ‎﴿٧﴾‏ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ [سورة النجم، الآيتان 7 ـ 8]، رؤية أُخرى تمّت الإشارة إليها في ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ‎﴿١٧﴾‏ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ‎﴿١٨﴾‏ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ‎﴿١٩﴾‏ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ‎﴿٢٠﴾‏ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ‎﴿٢١﴾‏ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ‎﴿٢٢﴾‏ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير:17 ـ 23]. ومن ثَمَّ فإنّ هذه الدعوة حدثت من خلال وحي ورؤى مرئية؛ حيث كانت الرؤى والوحي تظهر بصورة تامة»[4]. ولم يكتفِ بإثبات الوحي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فحسب، بل نفى كون القرآن له مصادر أُخرى غير الوحي الإلهي، فقال: «إنّ القرآن ليس رؤية محمد من نصوص الكتاب المقدّس، وإنّما الرب (الله) هو الذي أتاح لمحمد أن ينقل رؤية غير مزوّرة من الوحي الذي أُنزل على كلّ الأنبياء السابقين، [و]

(61)

نصّ القرآن أُوحي إلى محمد لمدّة عشرين عامًا، من حوالي (612م) إلى وفاته في (632م)»[1].

ما تقدّم آنفًا يعدّ شهادةً لها قيمتها الكبيرة في الاستشراق السويدي؛ لأنّها صدرت من مستشرق ومؤرخ كبير، فـ (كريستر هيدين) له مكانته الكبيرة في الأوساط السويدية؛ وخصوصًا الأكاديمية، فهو أستاذ فلسفة الأديان في جامعة أوبسالا.

المطلب السادس: بعض شبهاتهم والرد عليها:

1ـ شبهة أنّ القرآن من تأليف النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والرد عليها:

زعم (كارل فلهلم زتّرستين) أنّ الوحي الذي تلقّاه محمد ليس وحيًا إلهيًا، وإنّما هو من أوهام النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما جاء به هو من تأليفه، وينقل لنا (محمد كنوت برنستروم) اعتقاد زتّرستين الذي لم يعتبر القرآن الكريم نتيجة الوحي الإلهي، وإنّما هو وثيقة من تأليف مؤسّس الدين محمد[2].

 يمكن دفع هذه الشبهة من خلال النقاط الآتية:

أ- هناك فرق واضح بين أسلوب القرآن الكريم وبين أسلوب النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهذه أحاديث النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في المجاميع الحديثية جميعها تدلّ على أنّ أسلوبه تتجلّى فيه لغة المحادثة والتفهيم والتعليم والخطابة في صورها ومعناها المألوف عند العرب، وهذا بخلاف أسلوب القرآن الكريم الذي ليس له شبيه في كلام العرب.

ب ـ النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أمّي لم يدرس ولم يتعلّم على يد أحد، فكيف لرجل أمّي لم يدرس ولم يتعلّم أن يأتي بهذا الكلام المعجز في نصّه ومحتواه؟!

ج ـ النظرة الكاملة المتناسقة للقرآن بخصوص الكون والحياة وغيرهما، لا يمكن أن تكون من صنع بشر!

د ـ إذا كان القرآن الذي عجز عنه فصحاء العرب من تأليف النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فما الداعي

(62)

لعدم نسبته إلى نفسه ونسبته إلى غيره، خاصّة وقد أثبت التاريخ أنّ هذا العمل فوق طاقة البشر؛ لعجز العالم على الإتيان بسورة منه، فضلًا على الإتيان بمثله.

هـ ـ لو كان القرآن من عند النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فلماذا نجد فيه لومًا وعتبًا وتحذيرًا ووعيدًا موجهًا إليه، كما في قوله تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [سورة التوبة، الآية 43]، وفي قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة الأنفال، الآية 67]، وكذلك قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ [سورة الحاقة، الآيات 44 ـ46][1].

2ـ شبهة أنّ النبيّ محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله مصاب بالهلوسة والصرع والردّ عليها:

زعم المستشرق (كارل يوهان تورنبيرغ) أنّ النبيّ كان يصاب بالصرع عند نزول الوحي عليه، وهذه فرية عارية عن الصحة، ولا شكّ في أنّ هذا الفرية من أخبث الطعون؛ لأنّ المقصود بها تنفير الناس من كتاب الله الذي مصدره رجل مجنون - على حدّ زعمهم - وهذه الفرية قد سبق بها المشركون من قبلُ، قال تعالى حكاية عن لسانهم: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [سورة الحجر، الآية 6]، لكنّه أخرجها بلباس جديد[2].

الرد عليها:

لقد عاش النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن توفّاه الأجل وهو بكامل صحّته، ولم يبدُ عليه أيّ عارضٍ مرضيّ أو نفسيّ أو عصبيّ طيلة حياته، وكان يمتاز بالفطنة والذكاء وسداد الرأي، واستقرار النفس، وتشهد لذلك سياسته الحكيمة في إدارة الدولة الإسلامية، كما أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد شهد له أهل عصره ـ وفي مقدّمتهم كفار قريش أنفسهم ـ برجاحة عقله؛ ولذلك حكّموه وارتضوا حكمه في حلّ معضلة كادت أن تسيل دماؤهم بسببها، وهي اختلافهم في الأحق بوضع الحجر الأسود في مكانه بعد إعادة بنائهم الكعبة[3].

(63)

ونسب صدر الدين كومش إلى بعض المستشرقين إنكاره إصابة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنون بقوله: «إنّ مَن ترك منافع نفسه، وحقّق الانقلاب في دين قومه وأخلاقهم ليس بمجنون، ومَنْ هدم الوثنية وأقام مقامها التوحيد يعني وحدانية الله تعالى، وبواسطتها أخرج قومه من ظلمات الجاهلية وسبب احترام الناس للعرب مدّة طويلة، وأخاف الناس منهم، وفتح سبيل الشرف من الفتوحات ليس بمجنون، وإنَّ مَن جهّز الناس بمجموعة من القوانين التي طبقت منذُ أكثر من ألف ومئتي سنة في البلدان المختلفة التابعة للإسلام ليس بمجنون»[1].

ومن الناحية العلمية فإنّ الطبّ الحديث يُبطل هذه الفرية أيضًا، فمن خلال ما أثبته بواسطة أجهزته الحديثة والمتطوّرة في التشخيص والعلاج، فقد ذكر سبب نوبة الصرع؛ وهو التغيير الفسيولوجي العضوي في المخ، حيث سجّل الطبّ الحديث التغيّرات الكهربائيّة في المخ أثناء نوبة الصرع، ومن خلال تسجيله تبيّن أنّ هناك نوبات صرعية متعدّدة تبعًا للتغيّرات الكهربائيّة الحاصلة في المخ، وأهم هذه النوبات كانت النوبة الصرعية النفسية، وفي هذه النوبة يحصل استرجاع الذكريات القديمة وأحلام مرئيّة وسمعيّة أو كلاهما معًا وتسمّى (بالهلاوس)، وهذه الذكريات هي محفوظة مسبقًا في الذهن، والذي استدعى خروجها وظهورها مرّةً أخرى هي النوبة الصرعية، ومن خلال ما سجّله الطب الحديث لحقيقة الصرع يتبيّن أنّ
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بريء من هذه التهمة الباطلة؛ لأنّ الذي كان يحصل معه أثناء نزول الوحي عليه وتأثر نفسه من شدّة الوحي المنزل كان يردّد آيات، وهذه الآيات لم يسبق له أن سمعها أو مرّت عليه سابقًا فاحتفظ ذهنه بها كي يردّدها مرّةً أخرى، وإنّما الذي أخبره بها هو الله تعالى؛ فهناك فرق بيّنٌ بين حالة الصرع النفسي وبين حالة الوحي التي تعتري الأنبياء[2].

وينقل لنا زكريا هاشم رأي أحد المستشرقين ممَّن أنكروا إصابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصرع ما نصّه: «يذكر الأطباء أنّ المصاب بالصرع، لا يفيق منه، وقد ذخر عقله [محمد] بأفكار لامعة وأنّه لا يُصاب بالصرع مَن كان بمثل الصحّة التي يتمتّع بها محمد حتى قبل موته بأسبوع واحد، وما كان

(64)

الصرع ليجعل من أحد نبيًّا أو مشرّعًا، وما رفع الصرع أحدًا إلى مراكز التقدير والسلطان يومًا»[1].

نستنتج ما تقدّم آنفًا أنّ هذه الفرية لا أساس لها من الصحة من الناحية التاريخية والعلمية، لأنّ التاريخ يشهد بسلامة الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله صحيًّا ونفسيًّا ولم يذكر لنا التاريخ يومًا أنّه كان مصابًا بمثل هذه الأعراض سوى دعوى المشركين الباطلة، فضلًا عن تفنيد بعض المستشرقين هذه الشبهة، ومن الناحية العلمية أثبت الطب الحديث خلاف هذا الزعم، ولم يأتِ هؤلاء المستشرقون بشيء جديد في فريتهم هذه، فقد ساروا على هدي أساتذتهم وسابقيهم من المستشرقين المغرضين فيها.

3ـ شبهة أنّ النبي محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله عصبي المزاج وهستيري والرد عليها:

هذه فرية أُخرى من افتراءات المستشرقين على قدسية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث زعم (المستشرق كارل يوهان تورنبيرغ) أنّ النبي كان عصبي المزاج وهستيريًّا.

الرد عليها:

 المعروف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان حليمًا ودودًا صبورًا؛ كالجبل الثابت، لا تهزّه الرياح، كيف وقد وسع الناس بخلقه الرفيع حتى وصفه الله تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ [سورة القلم، الآية 4].

 والهستيريا من الناحية العلمية هي: مرض عضال يُصيب الإنسان ويكثر في النساء، وسببه كبت الشخص لرغباته الجنسية في اللاشعور؛ حيث لا تهدأ هذه الرغبات، بل تتمرّد حتى تجد لها متنفّسًا عن طريق آخر، وأعراض هذا المرض على نوعين، فالنوع الأوّل: أعراض عضويّة كتشنج العضلات، وشلل الأطراف، والقيء، والرجفة، وضياع الصوت، وفقد الاحساس، والنوع الثاني من الأعراض: هي الأعراض العقلية كالمشي ليلًا، ومهاجمة الآخرين، والغيبوبة، وتوهم رؤية أشياء وهي بالواقع غير موجودة، أو سماع أصوات ليس لها وجود[2].

وقد كفانا بعض المستشرقين الرد على هذه الشبهة على ما نقله لنا عمر بن إبراهيم،

(65)

فالقول الأوّل هو للمستشرق الفرنسي (ماسينيون) حيث ذكر أنّ محمدًا كان على تمام الاعتدال في مزاجه، والثاني كان لـ (ماكس ما يرهسوف) حيث ردّ عليهم بقوله: لقد أراد بعضهم أن يرى في محمد رجلًا مصابًا بمرض عصبي، ولكن تاريخ حياته من أوّله إلى آخره ليس فيه شيء يدلّ على هذا. والثالث هو لبلاتونوف الذي برأ النبي من هذه التهمة بقوله: وغاية ما نقدر أن نجزم به هو تبرئة محمد من الكذب والمرض[1].

فضلًا عن إجماع الأمّة على خلو النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من أيّ مرض نفسي.

4ـ شبهة أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفتقر إلى الشجاعة والرد عليها:

زعم (المستشرق كارل يوهان تورنبيرغ) أنّ النبي كان يفتقر إلى الشجاعة.

 الرد عليها:

كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شجاعًا مقدامًا في جميع المعارك، كما أنّه امتاز بسلامة الجسم وصحة البدن، حتى أنّه صارع أحد المشهورين بالشجاعة يسمّى (ركانة) فصرعه، وتراه في ساحات الوغى ثابتًا في الميدان والشجعان تفرّ من أمامه، وعند اشتداد المعارك ويحمى الوطيس يلوذ المسلمون بحماه حتى ينقذ الموقف ويكسب المعركة منتصرًا[2]، وهذا الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام فتى الإسلام الأول يقول: «كنّا إذا اشتد البأس، وحمى الوطيس اتقينا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولذنا به»[3].

5ـ شبهة أنّ الشيطان يوحي إلى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ كما في قصة الغرانيق والرد عليها:

ذكر المستشرق السويدي (كارل يوهان تورنبيرغ) قصة الغرانيق؛ كما تقدم آنفًا. وقيل: إنّ سبب نزول قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[سورة الحج، الآية 52]، هو أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عندما رأى إعراض قريش عنه وابتعادهم شقّ

(66)

ذلك عليه وتمنّى من الله أن ينزل عليه ما يقرّبه من قومه، وفي ذات يوم وهو جالس في نادٍ من أندية قريش، فأنزل الله تعالى عليه: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ [سورة النجم، الآية1] فقرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى وصل قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ ‎﴿١٩﴾‏ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ [سورة النجم، الآيتان19 ـ 20] ألقى الشيطان على لسانه (تلك الغرانيق العلى وأنّ شفاعتهن لترتجى) فلمّا سمعت قريش ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه مدح آلهتهم وجعلها شفعاء عند الله لهم فرحوا فرحًا شديدًا، وحينما سجد الرسول بعد تمام السورة المنزلة عليه سجد قومه معه، ولمّا أمسى جاءه جبرائيل معاتبًا إيّاه، بأنّ الذي قلته ـ (تلك الغرانيق العلى وأنّ شفاعتهن لترتجى) ـ لم آتك به من الله، بل هذا من وساوس الشيطان، فخاف الرسول خوفًا عظيمًا من الله، حتى نزل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة الحج، الآية52][1].

إثبات زيف هذا القصة وبطلانها:
أولًا: القرآن الكريم يثبت زيف وبطلان ذلك:

 قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ‎﴿٤٤﴾‏ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ‎﴿٤٥﴾‏ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ[سورة الحاقة، الآيات44 ـ46].

وكذلك وصف الله رسوله الكريم بأنّه: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ‎﴿٣﴾‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ[سورة النجم، الآيتان3ـ4].

وقال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [سورة يونس، الآية15].

وقال أيضًا: ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ 

(67)

وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ‎﴿٧٣﴾‏ وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا [سورة الإسراء، الآيتان73 ـ 74].

وأما قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ ‎﴿١٩﴾‏ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ ‎﴿٢٠﴾‏ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ ‎﴿٢١﴾‏ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ‎﴿٢٢﴾‏ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ [سورة النجم، الآيات19 ـ 23]. فإنّ (تلك الغرانيق العلى وأنّ شفاعتهن لترتجى) لا يمكن أن تُقحم؛ لأنّها مناقضة لقوله تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ...

ثانيًا: أقوال العلماء من أهل التحقيق في المسألة:

1ـ قال الباقلاني (ت: 403هـ): «وأنّه لا يمكن على قول بعض الناس أن يكون قد كان قرآنًا منزلًا، ثمّ نُسخ»[1].

2ـ يقول الشيخ المفيد (ت: 413هـ): «تلك الخرافة المفتعلة على قدس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى»[2].

3ـ قال الرازي (ت:606هـ): «هذه القصة موضوعة... وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة»[3].

4ـ قال ابن كثير (ت:774هـ): «ذكر كثير من المفسرين ههنا قصة الغرانيق... ولكنّها من طرق كلّها مرسلة، ولم أرَها مسندة من وجه صحيح»[4].

5ـ قال المحقق الداماد (ت:1041هـ): «ولا يستريب ذو بصيرة في أنّه باطل مردود، لا يستصحّه العقل ولا النقل، والبرهان قائم بالقسط على كذبه وبطلانه، ومن الكَذَبَة الواضعين

(68)

قوم من السؤال يضعون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديثَ يرتزقون بها ويستأكلون منها»[1].

وممّا تقدّم يتّضح أنّ هذه القصّة موضوعة ولا أساس لها من الصحّة، وضعها أهل الزندقة طعنًا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجاءت هذه القصّة في تفاسير أتباع مدرسة الصحابة وكتبهم؛ كالواقدي، والطبري، والبغوي، والسمعاني، ومَن سواهم، فهذه الكتب والتفاسير فيها الغث والسمين؛ وبسبب عدم تهذيب مثل هذه الروايات وتشذيبها من تراث المسلمين أتاح المجال للطاعنين بالقرآن الكريم وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المستشرقين، على أن يشنّعوا ويتّهموا الرسول بأنّه لا يمكن الاعتماد عليه في ما ينقله من الوحي، ومن ثَمَّ نفي كونه أمينًا على الوحي، وأنّه ليس بمعصوم من الخطأ بالتبليغ عن الله تعالى في رسالته؛ بسبب ما يلقيه الشيطان على لسانه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّهم غير معذورين في نقلهم هذه الخرافات من بعض كتب المسلمين من أهل الظاهر؛ لوجود علماء محققين أنكروا هذه القصة وقالوا إنّها موضوعة وإنّ الروايات التي نقلتها جميعها مرسلة ضعيفة.

6ـ شبهة الانتحار والرد عليها:

زعم المستشرق السويدي (كارل يوهان تورنبيرغ) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المقام الأوّل كان مهووسًا بالشياطين، ما دفعه إلى اليأس والتفكير بالانتحار.

الرد عليها:

لعلّ هذا المستشرق في تهمته للرسول الكريم هذه استند إمّا لمَن سبقه من المستشرقين، أو أنّه اطّلع على رواية موجودة ـ مع شديد الأسف ـ في تراث المسلمين، فقد ذكر هذه الرواية كلّ من ابن سعد (ت: 230هـ) في طبقاته، والبخاري (ت:256هـ) في صحيحه، ومسلم (ت:261هـ) في صحيحه أيضًا، والطبري (ت:310هـ) في تاريخه، علمًا أنّ البخاري أورد هذه الرواية في صحيحه بعنوان البلاغات ـ التي هي مجرّد أخبارـ نقلها عن الزهري[2]. والرواية هي: «عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا نزل عليه الوحي بحراء مكث

(69)

أيّامًا لا يرى جبريل، فحزن حزنًا شديدًا حتى كان يغدو إلى ثبير مرّة وإلى حراء مرّة، يريد أن يُلقي نفسه منه فبينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك عامدًا لبعض تلك الجبال إلى أن سمع صوتًا من السماء، فوقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صعقًا للصوت، ثمّ رفع رأسه، فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربعًا عليه يقول يا محمد، أنت رسول الله حقًّا، وأنا جبريل. قال: فانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أقرّ الله عينه وربط جأشه، ثمّ تتابع الوحي بعد وحمي»[1].

إنّ وجود هذه الرواية في تراث المسلمين من مزالق الزمان وعجائب الدهر! فكيف يُتّهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالانتحار، وهو أكمل الخلق عقلًا وأرجحهم، وهذه الرواية ومثيلاتها لدليل صريح على وضعها ودسّها في تراث المسلمين؛ لأنّها مخالفة  للنقل والعقل؛ أما نقلًا: فقد جاء في التنزيل في حق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ [سورة القلم، الآية4]، فكيف يُقْدِم من وسمه القرآن بالخلق الرفيع على هذه الكبيرة؟ وأمّا عقلًا: فلاستحالة اصطفاء الله نبيًّا لرسالته لا يتحمّل تأخّر الوحي عنه أو تضيقت به الدروب لانقطاع السماء عنه فترة وجيزة؟

والذي عليه أهل العلم والتحقيق أنّه لم يعهد من رسول الله طيلة حياته الكريمة أن فكر يومًا بالانتحار.

7ـ شبهة هامان والرد عليها:

وهذه الشبهة أطلقها (زترستين) في طي اتّهامه للرسول إطلاق المسلمات ولم يُبيّنها مفصّلًا.

ومفادها: هو أنّ القرآن ذكر هامان بصفته وزيرًا لفرعون، وهذا خطأ تاريخي؛ لأنّ هامان ليس وزيرًا لفرعون، وإنّما كان وزيرًا لملك الفرس (أحشويرش) في بابل، والفارق الزمني بينهما زهاء ألف سنة.

(70)
الرد عليها:

إنّ هامان لم يكن اسم شخص وإنّما كان لقب لوزير أو نائب فرعون، كما أنّ فرعون لم يكن اسمًا لملك مصر، وإنّما كان لقبًا له، وعليه فإنّ لقب هامان كما يصح إطلاقه على وزير ملك الفرس يصح أيضًا إطلاقه على وزير فرعون، فيكون معنى قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [سورة القصص، الآية8] هو أنّ الملك الملقّب بفرعون ووزيره الملقب بهامان وجنودهما كانوا على خطأ[1].

وبعد عرض هذه الشبهات للمستشرقين السويديين والرد عليها، نقول:

إنّ إثارة مثل هذه الشبهات حول الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليست مسألة جديدة، بل هي قديمة قِدم رسالة الإسلام، فمنذُ بزوغ الدعوة الإسلامية، وحينما بُعث النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بدأ المشركون في الطعن وإثارة الشكوك حول النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله، وإن كانت تلك الشبهات والطعون ساذجة، لكنّها كانت المحاولات الأولى للنيل والتوهين من شأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله، فوصفوه بأنّه شاعر وساحر، وبأنّ ما جاء به هو أساطير الأولين، وإفك مفترى، وقد سجّل القرآن الكريم كلّ هذه الأباطيل والافتراءات ودحضها، بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا [سورة الفرقان، الآية4]، وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [سورة الفرقان، الآية5]، فما جاء به المستشرقون ليس بجديد، وإنّما هي شبه قديمة أُلبست ثوبًا جديدًا، وما استُحدث منها لا يعدو المغالطات، أو الجهل باللغة العربية وأسلوب القرآن الكريم.

نستخلص ما تقدّم أيضًا، أنّ أصحاب هذه المزاعم والشبه لا يفهمون ماهيّة الوحي والنبوّة وحقيقتهما، ومَن لم يعرف العلاقة التي تربط بينهما، أو حاول أن يطبّق مقاييس العلوم التجريديّة أو النظريّة عليها، فقد ضل سواء السبيل[2].

(71)
(72)

 

 

المبحث الثاني

الإعجاز القرآني وآراء المستشرقين السويديين فيه

 

المطلب الأوّل: الإعجاز لغةً واصطلاحًا.

المطلب الثاني: الإعجاز البياني.

المطلب الثالث: بلغاء العرب والإعجاز البياني

المطلب الرابع: أقوال العلماء في الإعجاز البياني.

المطلب الخامس: أقوال المستشرقين السويديين في الإعجاز البياني

المطلب السادس: الإعجاز الصوتي.

المطلب السابع: رأي المستشرقين السويديين في الحروف المقطّعة ومناقشتهم.

 

(73)
(74)

توطئة:

لا شكّ في أنّ القرآن الكريم هو من أكبر المعجزات وأشهرها على صدق دعوة
النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد عجز عن الإتيان بمثله فطاحل العرب من فصحائهم وبلغائهم، وحاولوا معارضته بمقارعة السيوف بعد عجزهم عن معارضته بالبيان، فبذلت الأموال وسالت الدماء وأُزهقت الأنفس من أجل ذلك ولم ينجحوا في شيءٍ من معارضته.

فالقرآن الكريم معجزة من حيث انعدام قدرة البشر على الإتيان بمثله، ومعجزة بنظمه وترتيبه، ومعجزة بحفظه وسلامته وعدم تحريفه، وبقاءه بصورته كما كان ويكون إلى يوم القيامة، فلم يتّفق لأمر تاريخي أو كتاب سماوي مثل ما اتفق للقرآن الكريم، بالبقاء على صورته، ومن دون أيّ تغيير، كما وعد الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر، الآية9][1].

قد شغل الإعجاز القرآني بال المستشرقين السويديين أيضًا، وأخذوا يبحثون عن سرّ الإعجاز في هذا الكتاب، فمنهم مَن اهتدى إلى الرشاد والسداد وأعلن إسلامه [2]، ومنهم مَن كال التهم والطعون للقرآن الكريم؛ بُغية نفي إعجازه ونفي كونه كتابًا أوحي إلى نبي آخر الزمان، وركّزوا في نفيهم لإعجاز القرآن على التشكيك في الإعجاز البياني، والإعجاز الصوتي؛ لذلك سوف نتطرّق بعد بيان الإعجاز في اللّغة والاصطلاح إلى الإعجاز البياني والإعجاز الصوتي، وأقوال المستشرقين السويديين فيهما.

المطلب الأوّل: الإعجاز لغةً واصطلاحًا:

الإعجاز في اللّغة هو: من عَجَز يَعجِزْ عَجْزًا فهو عاجز وضعيف، وقولك: أعجزني فلان، أي: إذا عجزت عن طلبه وإدراكه[3].

(75)

وقال ابن فارس (ت:395هـ): «العين والجيم والزاء أصلان صحيحان يدلّ أحدهما على الضعف... فالأول عجز عن الشيء يعجز عجزًا، فهو عاجز، أي: ضعيف»[1].

يتبيّن من خلال التعريفين أنّ معنى الإعجاز في اللّغة هو الضعف وعدم الاستطاعة بإتيان الشيء المراد منه إتيانه.

الإعجاز في الاصطلاح: المعجز: هو ما يأتي به مدّعي النبوة بعناية الله الخاصّة، ولا بدّ من أن يكون ذلك المعجز خارقًا للعادة، وخارجًا عن حدود الطاقة البشرية، وقوانين العلم والتعلّم؛ كي يكون بذلك دليلًا وحجّةً على صدق دعوى النبوّة[2].

 وعرّف السيد الخوئي (ت:1413هـ) الأمر المعجز بـ «أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهية بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره شاهدًا على صدق دعواه»[3].

فالمعجز أو المعجزة هو حجّة ودليل مَن ادّعى أنّه نبيّ مبعوث من قِبل الله تعالى للناس؛ وهذه المعجزة لا بدّ من أن تكون خارقة لما اعتاده الناس من نواميس للطبيعة وخارجة عن إمكانيّة التعلّم، وأفضل ما جاء به نبي الإسلام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من المعجزات هو القرآن الكريم، وهو معجزته الخالدة.

المطلب الثاني: الإعجاز البياني:

القرآن الكريم معجز في كلّ شيء، فهو معجز بإخباره عن الحوادث الماضية والأمم الخالية، وهو معجز بإخباره عن الحوادث المستقبلية، وهو معجز ببراهينه وأدلّته في المخاصمة والاحتجاج، ومعجز بتشريعاته العادلة، وعلومه ومعارفه، وغيرها من وجوه الإعجاز، فضلًا عن إعجازه البياني.

وإعجازه في بيانه ـ كما سيتّضح في أقوال العلماء لاحقًا ـ هو ما كان برصف كلماته ونظمها، وحسن تأليفها، مع دقّة المعنى وعمقه، وهذا الأسلوب هو ما لم تعهده العرب من قبلُ في

(76)

وجوه كلامها، لا في شعرها، ولا في محاوراتها، ولا في خطبها، ولا في غيرها من أساليب العرب.

المطلب الثالث: بلغاء العرب والإعجاز البياني:

قبل بيان أقوال بلغاء العرب وفصحائهم لا بدّ من أن نعرّج على أساليب العرب السائدة وقت نزول القرآن الكريم.

فقد كانت العرب آنذاك تعتمد في كلامها على أربعة أساليب مشهورة عندهم؛ وهي[1]:

1 ـ أسلوب المحاورة: وهو الأسلوب الذي كان متداولًا في المحادثات اليومية ولم يكن مختصًّا بطائفة منهم.

2 ـ أسلوب الخطابة: وهذا الأسلوب هو الأسلوب المتداول بين خطباء العرب وبلغائهم.

3 ـ أسلوب الشعر: وهو الأسلوب المتعارف عليه بين الشعراء المعتمد على بحور الشعر المعروفة في علم العروض.

4 ـ أسلوب السجع المتكلّف: وهو أسلوب الكهنة والعرّافين.

هذه أساليب العرب وقت نزول القرآن الكريم، ولم يأتِ الوحي المنزل على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على أيّ صورةٍ من هذه الصور، وإنّما جاء في قالب مغاير لهذه الأساليب جميعًا، فلم يعهد بلغاء العرب وفصحاؤهم من قبلُ الصورة التي نزل بها القرآن الكريم، ومن ثَمّ بدأ استغرابهم من الأسلوب والصورة الأدبية التي جاء بها. وهذا ما شهدوا به؛ حيث عبّروا عن هذه الحقيقة بأقوال شتّى نكتفي منها بأنموذجين:

ـ قول لوليد بن المغيرة: «وماذا أقول، فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّي، ولا أعلم برجز، ولا بقصيدة منّي، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، ووالله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنّه ليعلو وما يُعلى...»[2].

(77)

قول عتبة بن ربيعة: «إنّي قد سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قطّ، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة... فوالله ليكوننَّ لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم»[1].

المطلب الرابع: أقوال العلماء في الإعجاز البياني:

قال القاضي أبو بكر الباقلاني (ت:403هـ): «وجه إعجازه ما فيه من النظم والتأليف والترصيف وأنّه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب، ومباين لأساليب خطاباتهم»[2].

وذكر الزملكاني (ت:651هـ) أنّ: «وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به، لا مطلق التأليف، وهو بأن اعتدلت مفرداته تركيبًا وزنةً، وعلت مركباته معنًى، بأن يوقع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى»[3].

وأقوى الأقوال عند الشيخ الطوسي (ت:460هـ) هو ما كان الإعجاز فيه خارقًا للعادة؛ بسبب اختصاصه بالفصاحة في هذا النظم المخصوص، دون الفصاحة بانفرادها، أو النظم بانفراده، ومن دون الصرفة[4].

وذهب حسن مصطفوي إلى أنّ إعجازه البياني هو من خلال: «استعمال كلّ كلمة في معناها الحقيقي، وانتخاب أيّ كلمة مخصوصة بالمورد من بين الألفاظ المترادفة والمتشابهة، ورعاية صيغة مخصوصة من صيغ المادّة على مقتضى ما يستدعيه المورد، وتركيب الكلمات على أجمل نحو يذكر في علم الفصاحة»[5].

(78)

المطلب الخامس: أقوال المستشرقين السويديين في الإعجاز البياني:

لم يتطرّق المستشرقون في الإعجاز البياني إلّا إلى التكرار الموجود في القرآن الكريم؛ كالقصص ونحوه، والحروف المقطّعة.

التكرار في القرآن:

ينظر المستشرقون السويديون إلى التكرار الموجود في قصص القرآن الكريم أنّه مملٌّ ومتعبٌ في الوقت نفسه ويولّد انطباعًا مزعجًا لدى القارئ.

1. كارل يوهان تورنبيرغ:

 قال: «إنّ القرآن كرّر مرارًا وتكرارًا قصص الشعوب القديمة نفسها عن الأنبياء القدماء، وعن الشعوب الذين تم تدميرهم من دون السماح لهم بالتحذير... ويمكن للمرء أن يرى بسهولة التمييز غير المفهوم بين هذا السجل الديني والكتابات المقدّسة لدينا»[1].

ويوجّه هذا التكرار الموجود في القصص بقوله: «ولكن في كثير من الحالات أنّ المقارنة بين هذه القصص المتكررة يُثير الاهتمام، عندما تتصور أنّها نوع من الخطب لمناسبات مختلفة ولأسباب مختلفة، ومن ثَمَّ تمت إعادة الصياغة لهذا الغرض»[2].

2. كارل فلهلم زترستين:

ولم يختلف رأيه عن رأي (تورنبيرغ) في التكرار، فقال: «غالبًا ما تكون هناك الكثير من التكرارات المتعبة، فضلًا عن التحوّلات المباشرة من موضوع إلى آخر، ما يجعل انطباعًا مزعجًا للغاية عند القراءة، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ هذا أمر شائع في الشعر العربي القديم»[3].

ثمّ عرّج على نواحٍ أخرى في الإعجاز البياني منها: أنّ القرآن من الناحية الأسلوبيّة يحمل كثير من الفجوات كتبديل الشخصيّة غير الضروري، والاستبعاد، واعتماد القرآن على القافية،

(79)

وطبق ذلك ـ أي: اعتماد القرآن على القافية ـ على بعض الآيات من سورة الرحمن في الآية (46) ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ وفي الآية (50) ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ وفي الآية (52) (فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ)، وفي الآية (62) ﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ وبيّن أنّ التراكيب العربية المزدوجة (جَنَّتَانِ) و(عَيْنَانِ) و(زَوْجَانِ) و(جَنَّتَان) ستبدوغير مبرّرة إلى حدّ ما إذا لم يتم تفسيرها من خلال القافية (آن) التي تم استخدامها في هذه السورة، ثمّ ذكر السبب في القصور اللغوي أنّه كان نتيجة عدم وجود أيّ أسلوبٍ نثري مُدَرّس تدريسًا كاملًا، فالقصور اللغوي المذكور أعلاه كانت نتيجةً لا مفرّ منها إلى حدّ كبير؛ لعدم وجود نماذج مناسبة[1].

وفي ما بعد ذكر المفردات اللّغوية المستعارة من اللّغات الأخرى وعلّل ذلك بأنّه: «لم تكن هناك أيّ مصطلحات لاهوتيّة قبل محمد؛ لذلك لا بدّ له من اللجوء في بعض الأحيان إلى مثل هذه التعبيرات التي استعملها الناطقون المسيحيون واليهود له مثل: كلمة (الحواريون: وهم تلاميذ المسيح)، وكلمة (التوراة: وهي أسفار موسى الخمسة)»[2].

 كما أنّه يزعم أنّ النبي محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله «في بعض الأحيان يبدو أنّه قد اخترع كلمات جديدة بحرّيّة لإقناع جمهوره غير المتعلّم، كما في كلمة (سلسبيل) الموجودة في (الآية 18 من السورة 76، الإنسان):  ﴿فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا»[3].

المناقشة:

نذكر في ما يأتي مناقشة المستشرقين والردّ عليهم من خلال النقاط الآتية:

أوّلًا: لا يوجد عقاب إلهي نزل على قرية من القرى أو بلد من البلدان أو أمّة من الأمم الماضية إلّا وسبقه تحذير وتنبيه من قِبل أنبيائهم ورسلهم، قال تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [سورة فاطر، الآية24]، فزعم (تورنبيرغ) من دون تحذير باطل وليس له أساس من الصحّة.

ثانيًا: وقوع التكرار في القرآن الكريم لهذه القصص لا يخلو من حكمة، لا سيّما وأنّ القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد وتشريع، فإنّ أهم ما يؤدّيه هذا التكرار هو أخذ العبرة من تلك

(80)

الأمم التي خالفت الله سبحانه وتعالى في ما أمرها، كما أنّ في التكرار يتبيّن أنّ هناك مزيد عناية بالمكرر، علاوةً على ذلك أنّ في التكرار تثبيت وتوكيد للمكرر في ذهن المتلقي[1].

ثالثًا: من الغريب والعجيب أنّ مَن لم يفهم أسس اللغة العربية وقواعدها وبلاغتها ينتقد أبلغ كتاب وأفصحه على وجه البسيطة، هذا الكتاب الذي تحدّى بأسلوبه المعجز فطاحل العرب من الفصحاء والبلغاء ولم ينبسوا ببنت شفة في مواجهته، فضلًا عن نقد أسلوبه، بل راحوا يستأنسون عند سماعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى وصفوه بالسحر لما له من التأثير عليهم وسكون أنفسهم عند سماعه، فالذي يجهل معاني البلاغة ليس من حقّه الاعتراض على أسلوب من أساليب القرآن الكريم، بل من المعيب أن يتطرّق لشيء من ذلك.

رابعًا: لنفترض أنّ بعض المفردات الموجودة في القرآن الكريم هي كانت موجودة في التوراة والإنجيل هل يُعدّ ذلك دليلًا على أنّ القرآن الكريم مستقى من هذه الكتب؟! ألا يُعدّ ذلك دليلًا على أنّ أصل الأديان السماوية واحد، وأنّها تتلاقى على إله واحد[2].

ولماذا لم يعترض النصارى واليهود وقتئذٍ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يقولوا على الأقل للعرب أنّ محمدًا اقتبس من كتبنا. وذلك لم يحصل منهم إطلاقًا.

المطلب السادس: الإعجاز الصوتي:

بحث المستشرقون السويديون موضوع الإعجاز الصوتي متمثلًا بفواتح السور (الحروف المقطعة في بداية بعض السور) وكلٌّ أدلى بدلوه في بيان معنى هذه الحروف وما هو المراد منها؛ لذلك سيقتصر بحثنا في الإعجاز الصوتي على بحث فواتح السور وبيان معناها وآراء العلماء فيها، ثمّ بعد ذلك مناقشة آراء المستشرقين السويديين.

الحروف المقطعة في بداية بعض السور:

هي حروف عربية افتتح الله بها سبحانه بعض سور القرآن الكريم، وطريقة قراءة هذه الحروف تكون بالتهجي فمثلًا: (ألم ) تقرأ (ألف، لام، ميم)

(81)

وعدد هذه السور هو تسع وعشرون سورة، أولها سورة البقرة وآخرها سورة (ن)، وهذه السور منها ست وعشرون نزلت في مكة، وثلاث سور في المدينة، وفي ما يأتي نورد بعض السور التي وردت في بدايتها هذه الحروف:

سورة البقرة: قوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ.

سورة يوسف: قوله تعالى: ﴿الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ.

سورة مريم: قوله تعالى: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا.

سورة (ق): قوله تعالى: ﴿ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ.

سورة القلم: قوله تعالى: ﴿ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ.

اختلفت أقوال أرباب اللغة والعلماء والمفسّرين في المراد من هذه الحروف المقطعة في أوائل هذه السور، فهل هي أسماء للقرآن؟ أو هي حروف حساب الجمل؟ أو هي اسم الله الأعظم؟ ونحو ذلك، وهذا الاختلاف جاء تبعًا للأحاديث الواردة فيها، ومن تلك الأحاديث:

1ـ حديث «عن ابن عباس: الر، و(حم)، و(ن)، حروف الرحمن مقطعة»[1].

2ـ حديث «عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال: (ألم) هو حرف من حروف اسم الله الأعظم، المقطع في القرآن، الذي يؤلفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام، فإذا دعا به أجيب»[2].

3ـ «(كهيعص)... عن قتادة، هي اسم من أسماء القرآن»[3]

4ـ كهيعص «عن ابن عباس: هو قَسَم أقسم الله تعالى به»[4].

5ـ عن «محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يحدّث أنّ حييًا وأبا ياسر ابني أخطب ونفرًا من يهود أهل نجران، أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له: أليس في ما تذكر في ما

(82)

أنزل الله عليك (ألم)؟ قال: بلى. قالوا: أتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال: نعم. قالوا: لقد بعث أنبياء قبلك وما نعلم نبيًّا منهم أخبر ما مدّة ملكه، وما أجل أمّته غيرك! قال: فأقبل حيي بن أخطب على أصحابه فقال لهم: الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، فعجب أن يدخل في دين مدّة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة...»[1].

هذه خمسة أحاديث كل حديث يُشير إلى معنى من معاني الحروف المقطّعة، وهناك معانٍ أخرى ذكرتها الأحاديث لم نوردها للاختصار.

يرى قطرب (ت:206هـ)[*] «أنّها جيء بها؛ لأنّهم كانوا ينفرون عند استماع القرآن، فلمّا سمعوا (آلم) و(المص) استنكروا هذا اللفظ، فلمّا أنصتوا له صلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل عليهم بالقرآن المؤلف ليثبت في أسماعهم وآذانهم، ويُقيم الحجة عليهم»[2].

وعدّها حبيب الله الهاشمي (ت: 1312هـ) من المتشابهات، فقال: «ومن المتشابه الحروف المقطعة في أوائل السّور؛ مثل: ألم، وحم، وطه، ونحوها»[3].

وقال الطباطبائي (ت:1402هـ) في تفسيره: «إنّ هذه الحروف رموز بين الله سبحانه وبين رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله خفية عنّا لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلّا بمقدار أن نستشعر أنّ بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطًا خاصًا»[4].

ولكن جعفر مرتضى العاملي لم يوافق على ما ذهب إليه الطباطبائي، ووصل إلى نتيجة؛ هي:

(83)

«أنّ ورود هذه الحروف في خصوص السور المكية، وفي ثلاث سور نزلت في أجواء لا تختلف كثيرًا عن أجواء مكة، ليدل دلالةً قاطعةً على أنّها إنّما جاءت في مقام التحدّي للمشركين، ولأعداء الإسلام.. وأنّ عدم اعتراض هؤلاء، أو حتى عدم سؤالهم، وكذلك عدم سؤال أيّ من الصحابة المؤمنين عن معاني هذه الحروف، إنّما يُشير إلى أنّهم إنّما فهموا منها معانيَ قريبة إلى أذهانهم، كافية للإجابة على ما ربما يختلج في نفوسهم من أسئلة حولها، وليس ذلك إلّا ما ذكرنا من التحدي بهذا القرآن»[1].

والمترجح  لدى الباحث هو أنّ هذه الحروف هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلّا الله والراسخون في العلم، والراسخون في العلم، هم: رسول الله وأهل بيته الكرام (صلوات الله عليهم أجمعين)، فهم ترجمان وحيه تعالى، وعيبة علمه.

المطلب السابع: رأي المستشرقين السويديين في الحروف المقطعة ومناقشتهم:

يقول (كارل يوهان تورنبيرغ): «يوجد أمام الآية الأولى في كثير من الأحيان أحرف التي تعطي فرصة لخيال المترجم لابتكار تفسيرات عبثية، والتي بقيت دائمًا لغزًا، ورأي نولدكه أنّها نوع من علامات للمالكين الأصليين للفصول (السور) المحفوظة بدقة عند الهيئة الأولى»[2].

في حين يذهب (كارل فلهلم زترستين) إلى أنّ: «الافتتاحيات القرآنية المحددة تمت كتابتها أوّلًا من حكومة الخليفة الثالث عثمان (الذي تولى الخلافة من عام 644 ـ 656م)»[3].

وخالفهم (محمد كنوت برنستروم) في ما ذهبوا إليه وبيّن أنّ: «حوالي ربع سور القرآن يكون فيها‏ رموز غامضة، والتي تُدعى الحروف المقطّعة، والتي تكون في مقدّمة السورة، وهي بدايات السور أو فواتح السور، وتكون بالضبط (14) حرفًا أي نصف الحروف الأبجدية العربية من مجموع (28) حرفًا ساكنًا، وهي إمّا أن تكون حرفًا وحدًا أو في مجموعات مختلفة من اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة أو خمسة. والأحرف تُنطق دائمًا بشكل فردي وواضح، أي: فقط

(84)

مع الأصوات التي تمثلها (على سبيل المثال: الف لام ميم، أوقاف)»[1]، وذكر أنّه: «لا توجد معلومات عن النبي ذكرها في أحاديثه عن هذه الحروف، أو أنّ أحد أصحابه قد طلب منه تفسيرًا لذلك، ومع ذلك، لا شك في أنّهم جميعًا عبّروا عن الحروف المقطّعة كجزء لا يتجزأ من السور؛ لأنّها تبدأ بها، وأنّهم قد قرؤوها بنفس الطريقة»[2]، إلّا أنّ «البعض من صحابة النبي وأتباعهم المباشرين والمعلّقين في الزمن السابق، كانوا مقتنعين أنّ هذه الأحرف هي اختصارات لبعض الكلمات، أو حتى لعبارات كاملة، والتي تُشير إلى الله وصفاته، وأنّ إعادة بنائها هو براعة كبيرة، ولكن تركيبها غير ممكن هنا تقريبًا، لذلك تصبح كلّ هذه التفسيرات تعسّفية تمامًا ولا تخدم أيّ هدف مفيد»[3].

وبعد ذلك ذهب إلى أنّ حلّ المشكلة لا يزال بعيدًا عن متناول الإنسان.

المناقشة:

يمكن أن يُرد على قولهم بأنّها لغز وغامضة تستلزم تفسيرات عبثية، من خلال النقاط الآتية:

1ـ إنّ علماء المسلمين ـ كما تقدّم آنفاـ قد ذكروا تفسيرات لهذه الحروف.

2ـ إنّ بلغاء العرب من المشركين قد سمعوها من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم ينكروها، ولعلّ السبب في عدم إنكارها هو أنّهم كانوا يستعملون في كلامهم بعض الحروف للدلالة على بعض المعاني من قبيل قول الشاعر:

قلنا لها قفي فقالت قاف      لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف

بمعنى قالت: أنا واقفة[4].

(85)

3ـ اُفتتحت بعض السور بهذه الحروف للدلالة على الإعجاز، فالقرآن مؤلّف من هذه الحروف الهجائية ولكنّكم لا تستطيعون الإتيان بسورة من مثله.

أمّا ما ادّعاه (زترستين) من أنّها وُجدت أيام الخليفة الثالث، فهذه الدعوى فيها إشارة إلى كون هذه الحروف هي رموز تدلّ على أسماء أصحاب المصاحف، وقد سبقه إلى ذلك (نولدكه) كما ذكر (تورنبيرغ) آنفًا.

وجواب هذه الدعوى هو:

أوّلًا: ما الدليل على أنّ هذه الحروف هي رموز لأسماء أصحاب المصاحف من الصحابة؟ لم يُقم كلاهما أيّ دليل على ذلك، سوى ذكر الدعوى فقط.

ثانيًا: لو تنزّلنا وقلنا إنّ هذه الحروف هي رموز لأسماء أصحاب المصاحف، فلماذا لم يدّعِ أحد هؤلاء أنّ الحرف الكذائي هو ما يدلّ على مصحفي الذي أُخذت منه السور أو الآيات الكذائية، ولكان ذلك ما يفتخر به أصحاب المصاحف، ولكن الواقع يكشف لنا بطلان هذه الدعوى؛ لعدم ادّعاء أيّ أحدٍ من الصحابة بذلك.

 

(86)

 

 

 

 

المبحث الثالث

مصدر القرآن الكريم في نظر المستشرقين السويديين

 

المطلب الأوّل: مصدر القرآن الكريم.

المطلب الثاني: أقوال المستشرقين السويديين في مصدر القرآن.

المطلب الثالث: مناقشة شُبه المستشرقين ومزاعمهم.

 

(87)
(88)

توطئة:

لمّا كان القرآن الكريم يمثّل الأصل والدستور الذي يستقي منه المسلمون أحكامهم وشريعتهم وعقيدتهم؛ لذلك أعمل المستشرقون أقلامهم في تشويه هذا الكتاب المقدّس من خلال إنكار كون القرآن موحى من الله تعالى إلى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله [1]، وأخذوا يتخبّطون في العوامل والتأثيرات التي مكّنت النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الإتيان بهذا الكتاب المقدّس، فتارةً ينسبون التأثّر باليهودية، وأخرى بالمسيحيّة، وثالثة بمصادر أخرى، لكن الجدير بالذكر أنّ هناك من المستشرقين المنصفين الذين ردّوا على أقرانهم كما سيأتي من خلال البحث، ويُسجّل لهم هذا الموقف المنصف والموضوعي.

المطلب الأوّل: مصدر القرآن الكريم:

يمكن أن يُثار التساؤل الآتي وهو: لماذا ركّز المستشرقون هجومهم على مصدر القرآن الكريم؟

 الجواب:

لقد عمل المستشرقون على تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والتشكيك في معتقداتهم وثقافتهم، وتصوير الإسلام باعتباره خطرًا، يقول (ماكسيم رودنسون) في كتابه جاذبية الإسلام: «لقد كان المسلمون خطرًا على الغرب، قبل أن يصبحوا مشكلته»[2].

وأهم الأسباب التي دفعت المستشرقين إلى أن يركّزوا هجومهم على القرآن الكريم وخصوصًا التشكيك في مصدره الإلهيّ:

1ـ النظرة المقدّسة للقرآن الكريم من قِبل المسلمين، كما أنّ القرآن والوحي من أظهر الأدلّة وأقواها على صدق دعوى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(89)

2ـ ما يتمتّع به القرآن الكريم، فهو يعدّ الأساس الأوّل الذي تقوم عليه العقيدة الإسلامية، والمصدر الأساس للنظام والشريعة الإسلامية[1].

3ـ كراهيّة الكثير من المستشرقين وحقدهم على الإسلام دينًا، والقرآن دستورًا لهذا الدين.

4ـ الطعن بقدسيّة القرآن الكريم كونه وحيًا معصومًا لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، كي يصبح نصًّا قابلًا للنقد في محتواه، ثمّ بعد ذلك يدّعون قصور هذا المحتوى، وعدم ملاءمته لمقتضيات الحياة وتطوّرها، حتى يتمّ لهم ما أرادوا من الطعن في هذا الدين القيم[2].

و«يتظاهر المستشرقون بالتجرّد في البحث العلمي عندما يشككون في القرآن، وينطلقون من هذه القاعدة، وهدفهم إنكار أن يكون القرآن وحيًا إلهيًا، وإثبات أنّه كلام بشري، أنشأه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أو انتحله عن غيره»[3].

هذه الأسباب ونحوها دفعت المستشرقين للطعن بمصدر القرآن الكريم وبالوحي وجمع القرآن الكريم؛ لأنّ هذه المسائل الثلاث تمثّل العمود الفقري عند المستشرقين في هدم الإسلام، فأيّ مسألة من هذه المسائل الثلاث استطاعوا التشكيك أو الطعن فيها، بلغوا مرادهم من الوقيعة بالمسلمين في دينهم.

المطلب الثاني: أقوال المستشرقين السويديين في مصدر القرآن الكريم:

يستعرض البحث هنا آراء المستشرقين السويديين وما جاء في مؤلفاتهم حول مصدر القرآن الكريم.

1ـ كارل يوهان تورنبيرغ:

يزعم أنّ النبي محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله بقيَ على اتّصال دائم مع اليهود الذي تلقى منهم شفويًّا عددًا من المعلومات، ومن ثَمَّ فإنّه قد أعاد صياغتها في الوحي المنزل إليه، لكنّه لم يقرأ أبدًا كتاباتهم المقدّسة، وأنّه كان قليل المعرفة تقريبًا في التفريق بين التعاليم المسيحية واليهودية، كما أنّه

(90)

كان يعتقد أنّ المسيحيين واليهود كانوا مؤمنين، شريطة أنّ الوحي لا يمكن أن يتعارض مع الآخر، ومن ثَمَّ أشار إلى العهد القديم والجديد، وكذلك إلى الكتب التي أُوحي فيها إلى إبراهيم والأنبياء الآخرين والذين كان لهم وجود فقط بسبب خيال بعض اليهود[1].

وبعد ذلك سعى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى توطيد العلاقات مع اليهود، و«أبدى آمالًا كبيرةً عليهم، حيث بدا له أنّ إيمانهم لا يختلف في جوهره عن الإسلام؛ ولذلك يجب عليهم أن يعترفوا بواعظهم كنبي، ولأجل كسب أمانهم اتّخذ بعض الترتيبات الدينية منهم، على سبيل المثال: (صيام عيد الغفران، وتحويل القبلة إلى القدس)، وهذا على خلاف ما كان عليه في مكة حيث كان يتّجه بالصلاة إلى الكعبة»[2].

2ـ كارل فلهلم زتّرستين:

وهو يرى أنّ أتباع النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من العرب كانت عندهم ثقة عمياء بسلطة سيدهم؛ بسبب أنّهم «لم يتمكنوا من قراءة كلمة واحدة من كتابات اليهود المقدّسة»[3]، وأنّ «محتوى القرآن مستمد جزئيًا من المصادر المسيحية واليهودية»[4]؛ وبسبب كون النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتمكّن من قراءة الكتب المقدّسة، فزعم (زترستين) أنّه وجد في القرآن الكريم معلوماته تشهد على سوء فهم صحيح ومشكوك فيه عند النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن ذلك ما يذكر في مريم العذراء من أنّها أخت موسى وهارون، كما في قوله: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [سورة مريم، الآية28]، أو يَصف هامان بأنّه مستشار لفرعون: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ [سورة القصص، الآية38]، وفي (سورة غافر: 38): ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ. ويبدو أيضًا من قوله: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [سورة

(91)

المائدة، الآية112] أنّ لديه أفكارًا غريبةً جدًا حول القربان المقدّس المسيحي[1]، وعلاوة على ذلك يرى (زترستين) أنّ الحكايات العربية القديمة عرضت موضوعًا سهلًا للنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أخذ منها عددًا من الأمثلة التعليمية للإنذار والمتابعة، كما «أنّ خُطب يوم القيامة المتكررة غالبًا‏ تشهد بشكل لا لبس فيه بشأن النفوذ المسيحي ومع ذلك، فإنّ معرفة محمد عن المسيحية كانت سطحية إلى حدٍّ ما؛ وسبب ذلك هو أنّه لم يدرس أبدًا أيّ سجلات مكتوبة تتعلّق بالظروف المسيحية واليهودية»[2].

ويبيّن -أيضًا- أنّ استقاء المعلومات من قِبل النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت شفوية؛ إذ إنّ مسألة هل إنّ محمدًا كانت له معرفة بالقراءة والكتابة نوقشت كثيرًا، ولكن من دون أن يجد أحد أيّ نتيجة مؤكدة، ولكن إذا كان يمكنه القراءة والكتابة بالعربية تقريبًا ـ وهو أمر غير مؤكد تمامًا ـ فإنّه تقرر على أنّه لم يتمكن من قراءة الكتابات المسيحية أو اليهودية في اللغات الأصلية مثل: اليونانية، والعبرية والآرامية، كما أنّ بعض الترجمات العربية لم تكن موجودة[3].

3ـ تور أندريه:

يرى (أندريه) أنّ محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله «قد يكون مسيحيًّا، أو صحوته كانت قد حرضته على السعي إلى العيش حياة التقوى والزهد وفقًا لمطالب الرهبان المسيحيين، والتي قد حان له أن يعرفها، وكان يسعى في البحث عن بعض الأفكار الصلبة والثابتة المتعلّقة بالكتابات المقدّسة والوحي الإلهي، التي يجب أن يكون قد احتضنها محمد قبل وقت طويل من دعوته»[4].

ويذكر -أيضًا- أنّ القلق والاضطراب الناجمين عن التفكّر في أحكام الله قد دفعته إلى التأمل بعُزلة، وقد تمنّى بشدّة أن يسير في طريق الاستقامة بالقدر الذي كان يعرفه؛ إذ إنّ مواعظ المسيحيين الزاهدين والرهبان قد لمست قلبه، وأعطت انطباعًا عميقًا لديه من خلال تمارينهم التعبدية العقدية الصارمة، وكان يعتقد أنّ المفتاح الأساس لهذه الممارسة التعبدية ـ الخلوة والعزلة ـ هي فاعليتها الدينية التي تُقام بشكل كامل عبر قراءة النص المقدّس، فكيف

(92)

يمكن لمحمد أن يُصلّي بشكل صحيح إذا لم يكن لديه كتاب مقدّس لقراءته؟ ولم يستطع استخدام الكتاب المقدّس لليهود أو المسيحيين؛ لأنّهم كتبوها بلغة أجنبية، ولم يحدث أنّ محمدًا تمكّن من ترجمتها؛ إذ إنّ الكتابات المقّدسة باللغة العربية كانت ضرورية له ولأصحابه قبل كل شيء، ولقد عرف محمد أنّ سِجِل الوحي يتكوّن من كتاب أو مجموعة كتب وفكر أشخاص في قراءة الكتاب المقدّس؛ لأجل الخدمة الإلهية أو الصلاة[1].

و«ما كان يحلم به وأراده هو واضح لنا من حقيقة أنّ صوت الملاك لم يتحدّث إلى أذنه حقًّا، فالكلمات الإلهية حدّدها بقراءة، وقد استخدمت الكلمة في الكنيسة السورية (السريانية) لقراءة الكتاب المقدّس في الخدمة الإلهية (قِريانًا أوكِريانًا) والتي أخذها محمد وطبقها عنوانًا للوحي، كما أنّه دعا كل وحي فردي هو(قرآن)، فضلًا عن الوحي في مجمله، وأيضًا كل جزء من الوحي الذي يتم قراءته في كل ممارسة تعبدية»[2].

4ـ كريستر هيدين:

وهو ينفي أن يكون مصدر القرآن الديانة اليهودية والمسيحية؛ لأنّ محمدًا لم يتمكّن من القراءة، فعلى الرغم من أنّه كانت لديه العذرية الفكرية، لكنّه لم يستطع الحصول بها على مضمون الوحي من خلال الاتصال مع اليهود والمسيحيين[3].

ويستدلّ على أنّ القرآن هو ثمرة (ولادة عذراء)؛ إذ إنّ الربّ (الله) نفسه يقف وراء كلّ هذا، وسلطته هي التي أبلغت (العذراء) من خلال الملاك جبرائيل، وهذه المعجزة دليل على أنّ الله هو المبشّر بمحمّد، وقد حصل الذين كانوا يُهاجمون محمدًا على جواب في قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ‎﴿٢٣﴾‏ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [سورة البقرة، الآيتان23 ـ 24][4].

(93)

كما يُثبت أنّ النبي محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله قد اتّصل بالوحي السماوي من خلال وحي الملاك جبرائيل[1].

ويرى «أنّ القرآن ليس رؤية محمد من نصوص الكتاب المقدّس، وإنّما الربّ (الله) هو الذي أتاح لمحمد أن ينقل رؤية غير مزورة من الوحي الذي أُنزل على كل الأنبياء السابقين»[2].

ما تقدّم يُظهِر موضوعيّة كريستر هيدين وإنصافه في بحثه واستدلاله على عدم تأثر القرآن الكريم بالكتب السماوية السابقة عليه؛ كالتوراة والإنجيل، حيث يرى أنّه كتاب مستقل موحى من قِبل الله تعالى إلى نبي الإسلام، وهو ذات رؤية مستقلة متمِّمة للرؤى الإلهيّة السابقة.

المطلب الثالث: مناقشة شبه المستشرقين ومزاعمهم:

أولًا: دفع شبهة أنّ القرآن مأخوذ من الديانة المسيحية أو اليهودية:

هذه الفرية ليست جديدة؛ وإنّما طُرحت من قبلُ من جولد تسيهر وفنسنك ومَن لفّ لفّهم من المستشرقين حتّى وصلت النوبة للمستشرقين السويديّين.

وللإجابة عن هذه الشبهة نقول: إنّ في القرآن الكريم آيات معارضة ومخالفة لما هو موجود في هاتين الديانتين، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [سورة النساء، الآية157]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا[سورة النساء، الآية171]، وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [سورة المائدة، الآية72].

ومن الآيات التي لا تتوافق مع العقيدة اليهودية، بل تندّد باليهود، قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ  

(94)

الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [سورة المائدة، الآية64]، وقوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [سورة الجمعة، الآية5].

فكيف يوفّقون بين هذه الآيات وقولهم إنّ القرآن الكريم مصدره الديانتين اليهودية والمسيحية؟!

 وإذا كان القرآن مقتبس من هاتين الديانتين، فلا بدّ من أن ينقل الفكرة كلّها أو بعضها، في حين نجد أنّ القرآن يتجاوز ذلك، فيأتي بجديد لم يذكر في قصص التوراة والإنجيل، بل ويصحح خطًا وقع فيها؛ كما في قصة مريم عليها‌السلام ونحوها [1].

وقد اعترف بعض المستشرقين أنفسهم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يطّلع على الإنجيل والتوراة، ولم يقرأ أيّ كتابٍ منهما؛ إمّا لعدم معرفته القراءة، أو لأنّها مكتوبة بلغة أجنبية ولم تترجم إلى العربية، علمًا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يجالس أهل الكتاب قبل البعثة، ولقاءاته بهم بعد بعثته صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت على قلّتها عامّة؛ لغرض دعوتهم إلى الإسلام، لا للتلقّي عنهم، كما حدث مع نصارى نجران ويهود المدينة، ولو تنزلنا وافترضنا جدلًا احتمال جلوس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أهل الكتاب سرًّا، فإنّه من المستحيل أن يكون هذا الدين العظيم بما فيه من عقائد وأحكام وشرائع وأخبار مستقبلية وماضية، وآداب، وأخلاق هو حصيلة تلك الاجتماعات مطلقًا[2] .

أمّا التوراة والإنجيل ذاتها فهي متعدّدة النسخ؛ إذ إنّ للتوراة ثلاث نسخ: النسخة المعتبرة عند اليهود وعلماء البروتستانت باللغة العبرانية، والنسخة المعتبرة عند الكنائس الشرقية وروما باللغة اليونانية، والنسخة المعتبرة عند السامريين باللغة الآراميّة، والتعارض بين هذه النسخ يدل على أنّ في التوراة تحريفات كبيرة[3].

وللإنجيل أربع نسخ معتبرة عند النصارى، وهي: نسخة متى، ونسخة مرقس، ونسخة لوقا، وأخيرًا نسخة يوحنا، وهذه النسخ قد كُتبت بعد النبي عيسى عليه‌السلام ما بين سنة (37م ـ

(95)

98م)، وأنّ النسخ المتوافرة اليوم بأيدي النصارى هي ليست هذه النسخ، بل هي مكتوبة بعد ثلاثمئة سنة في القرن الرابع الميلادي، ومع ذلك فإنّ التعارض وارد اليوم بين هذه النسخ الأربع، حتى أنّ التعارض موجود في النسخة الواحدة، كما أنّ فيها -أيضًا- مسائل تتعارض مع العلم، فكيف يتصور أنّ هذه الأناجيل مصادر للقرآن الكريم الذي: ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [سورة فصلت، الآية 42][1].

وأخيرًا نقول لو كان القرآن مستقى من التوراة والإنجيل: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ [سورة الطور، الآية34]؛ فهم بشر، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر مثلهم!!

فهم عاجزون كما عجز غيرهم من قبلُ، وهذا التاريخ يسجّل لنا بعض مَن زعم أنّ له القدرة على الإتيان بمثله، فحينما اجتمعوا من أجل ذلك تبيّن لهم عجزهم عن الإتيان بمثله؛ على الرغم من كونهم من كبار فصحاء العرب وبلغائهم[2].

ثانيًا: دفع شبهة (يا أخت هارون):

مفاد الشبهة: ذُكرت مريم العذراء في قوله تعالى: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا[سورة مريم، الآية28] على أنّها أخت هارون أخو موسى؛ والتاريخ يخالف ذلك؛ لأنّ ما بين مريم وهارون ألف وستمئة سنة تقريبًا.

وجوابها:

ورد في القرآن الكريم أشباه هذه اللفظة كثيرًا، منها:

قوله تعالى: ﴿وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [سورة هود، الآية50] فقد سمّى الله تعالى هودًا النبي أخًا لعاد؛ وهم كفار.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا[سورة

(96)

الإسراء، الآية27] وفي هذه الآية جعل المبذرين إخوانًا للشياطين، أي: يشاكلونهم ويشابهونهم.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ۖ وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [سورة الزخرف، الآية48] أي: مثلها وشبهها.

وممّا تقدّم يتبيّن أنّ أسلوب القرآن الكريم في استعمال هذه اللفظة يدلّ على المشابهة والمشاكلة والمثل.

كما أنّ لفظة الأخت عند إطلاقها في اللغة العربيّة لا يستلزم ذلك الإطلاق انحصارها بإخوّة النسب، بل لها أكثر من معنى، ومن تلك المعاني هو الشبيه والمماثل[1]، فعند قولك: شوقي أخو المتنبي تريد من الأخوة بينهما هو التشابه بينهما في الشاعرية، ولم تقصد أنّ شوقي يكون أخًا للمتنبي، ويدل على ذلك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لنصارى نجران حينما جاؤوا لمناظرته: كان عيسى أخي [2]. علمًا أنّ الفارق بينهما أكثر من خمسمئة سنة، والنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس له أخ إطلاقًا، ولكن أراد أخوة النبوة، وفي قوله تعالى لمريم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ ليس المراد الأخوة النسبية قطعًا؛ للفارق الزمني الطويل بينهما، ولكن المراد الشبه بينهما من حيث التقوى والورع، فحينما جاءت بعيسى عليه‌السلام إلى قومها وهي لم يسبق لها أن تزوجت، ظنّ قومها أنّها ارتكبت فاحشة واستغربوا ذلك؛ لتقواها وورعها، فكأنّهم قالوا لها: كيف تفعلين ذلك وأنت شبيهة هارون بطهارته وعبادته[3].

وهناك رأي آخر يذهب إلى أنّ نسب مريم العذراء يرجع إلى عمران الذي هو أب موسى وهارون، فيكون رئيس العائلة التي مريم من ذرّيته هو عمران، واسم أبيها المباشر هو (يهويا قيم) كما في إنجيل يعقوب، وبعدئذٍ يصح إطلاق يا أخت هارون بمعنى أنّ كلاهما يرجع إلى عمران[4].

وقيل: كان لمريم أخ يقال له هارون [5].

(97)
(98)

 

 

 

 

المبحث الرابع

تفسير القرآن الكريم عند المستشرقين السويديين

 

المطلب الأوّل: تعريف التفسير في اللغة والاصطلاح.

المطلب الثاني: نشأة علم التفسير والحاجة إليه.

المطلب الثالث: موقف المستشرقين السويديين من علم التفسير ومناقشتهم.

 

(99)
(100)

توطئة:

لم يكن للمستشرقين السويديين مزيد من الاهتمام بتفسير القرآن الكريم؛ بقدر ما كان من الاهتمام بمسألة الوحي وجمع القرآن ومصدره، وفي ما يأتي نتتبع كلماتهم وآراءهم في تفسير القرآن الكريم ونناقشتها، بعد بيان معنى التفسير في اللغة والاصطلاح ونشأته ووجه الحاجة إليه.

المطلب الأوّل: التفسير لغةً واصطلاحًا:

التفسير لغةً: قال الخليل (ت:175هـ): «التفسير، هو بيان وتفصيل للكتاب، وفسّره يفسّره فسرًا، وفسّره تفسيرًا»[1].

ويقول ابن فارس (ت:395هـ): «الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدلّ على بيان شيء وإيضاحه من ذلك الفسر يقال: فسّرت الشيء وفسرته»[2].

والراغب الأصفهاني (ت:425هـ) يذهب إلى أنّ المراد من الفسر هو إظهار المعنى المعقول؛ ولذلك قيل لما ينبئ عنه البول: بالتفسرة، وسمّى بها قارورة الماء، والتفسير هو في ما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها، وكذلك بالتأويل؛ ولذلك يقال: تفسير الرؤيا وتأويلها، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان:33][3].

ويبدو من التعريفات اللغويّة المتقدّمة أنّ التفسير يدل على الظهور والبيان والإيضاح.

التفسير اصطلاحًا: عرّفه الزركشي (ت:٧٩٤هـ) بأنّه: «علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها، ثمّ ترتيب مكّيّها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصّها وعامّها، ومطلقها ومقيّدها، ومجملها ومفسّرها»[4].

(101)

وعرّفه الزرقاني (ت:1367هـ): بـ«علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية»[1].

ويُعدّ التعريف الثاني من تعريفات المتأخّرين التي لا تخلو من بُعد في النظر.

المطلب الثاني: نشأة علم التفسير ووجه الحاجة إليه:

أولًا: نشأة علم التفسير:

نشأ علم التفسير متزامنًا مع نزول آيات القرآن الكريم، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المفسّر والمعلّم الأوّل لكتاب الله تعالى؛ حيث كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يفسّر لأصحابه ما عَسُر وغَمُض عليهم فهمه، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ[سورة الجمعة، الآية2].

ثمّ بعد رحيله صلى‌الله‌عليه‌وآله ازداد الاهتمام بالقرآن الكريم؛ فهمًا وتدوينًا، فاشتهر مجموعة من الصحابة بذلك؛ كعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وابن عباس، وابن مسعود وغيرهم، ثمّ جاء من بعدهم مجموعة من التابعين ممَّن اهتمّوا أيضًا بتفسير القرآن الكريم؛ كسعيد بن جبير، ومجاهد، وغيرهما، ثمّ أتباع التابعين؛ كالضحّاك بن مزاحم، وشهر بن حوشب، والسدي الكبير، ونحوهم، وفي هذه المراحل الثلاث كان التفسير بابًا من أبواب علم الحديث، ولم يكتب له الانفصال؛ بوصفه علمًا مستقلًا بحدّ ذاته، واستمرّ الحال حتى ظهور جماعة من العلماء؛ منهم: ابن ماجة (ت:273هـ) والطبري (ت:310هـ) وعلى أيدي هؤلاء العلماء وأمثالهم انفصل علم التفسير عن الحديث، فوضع التفسير لكل آية من القرآن، ورتب ذلك على حسب ترتيب المصحف، ولم يخرج التفسير في هذه المرحلة عن المأثور حتى مجيء العصر العباسي الذي تميّز فيه علم التفسير عن سابقه باعتماده على أكثر من مصدر في بيان مراد الله، فأضيف إلى المصدر النقلي المصدر العقلي واللغوي[2].

(102)

وقبل الانتقال إلى بيان وجه الحاجة إلى علم التفسير، لا بدّ من معرفة موضوع علم التفسير ومسائله والغرض منه.

 فموضوع علم التفسير: هو كلام الله تعالى المسمّى القرآن الكريم.

ومسائله: هي ما يمكن استظهاره من الآيات على أنّه مراد الله تعالى.

أمّا الغرض منه: فهو الوصول إلى معرفة مراد الله تعالى في مجال المعارف واستنباط الأحكام الشرعية منه[1].

ثانيًا: وجه الحاجة إلى علم التفسير:

قد يتساءل البعض عن وجه الحاجة إلى تفسير القرآن الكريم، وقد أنزله الله تعالى:
﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [سورة النحل، الآية89].

والجواب: أنّ القرآن الكريم نزل في زمن فصحاء العرب، الذين كانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، ومع ذلك فإنّهم التمسوا بيان بعض ما أُبهم وأُجمل في القرآن الكريم وتفسيره من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ كسؤالهم إيّاه لمّا نزل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ[سورة الأنعام، الآية82] فقالوا أيّنا لم يظلم نفسه! ففسّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم ذلك وبيّن أنّ المراد من الظلم في الآية الكريمة هو الشرك. وغير ذلك ممّا سألوه صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه، وأمّا في زماننا الحاضر فنحن أحوج منهم بكثير إلى تفسير كتاب الله تعالى؛ لأنّه لم يُنقل إلينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام تفسير القرآن الكريم بتمامه، ولقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم[2]، هذا من جانب، ومن جانب آخر فالقرآن الكريم «وضع في سلّمه المعرفي كمًّا كبيرًا من المفاتيح المعرفية على صعيد التحقيق والتحقّق معًا؛ لتحقيق هدفه المعرفي الغائي ـ كما هو واضح ـ الذي به تكتمل الرؤية الكونية الإلهية»[3].

(103)

علاوةً على ذلك، فإنّه دستور المسلمين الذي يلتجأ إليه لحلّ المعضلات التي تواجه المسلمين، فالحاجة إليه مستمرة ومتجددة بتجدد الحوادث المستحدثة الذي يتحتم علينا إيجاد حلول لها من القرآن الكريم؛ لأنّه المعجزة الخالدة.

المطلب الثالث: موقف المستشرقين السويديين من علم التفسير ومناقشتهم:

من المستشرقين السويديين الذين تطرّقوا إلى علم التفسير المستشرق (كارل يوهان تورنبيرغ)، فتتبع ظهور نشأة علم التفسير وبدايته، ثمّ بعد ذلك أخذ في نقد التفسير بالمأثور، بل حتى تفسيرات المسلمين المتأخرة.

فاستهل كلامه بذكر وقت اشتغال المسلمين بالتفسير بقوله: «في وقت مبكر، شرع المسلمون في شرح القرآن»[1].

ثمّ ذكر أنّ نشأة علم التفسير لم تكن مستقلة، وإنّما نشأ في أحضان علم الحديث من خلال «جمع هذه الذكريات من جميع الجهات من زمنه، وسرعان ما ظهر علم خاص وهو علم الحديث الذي يكون بجانب القرآن، وتشكّل تدريجيًا؛ بوصفه قانونًا جديدًا، ويُسمّى بـ (السُّنة) التي تستند على كلمات النبي المفسّرة، ومعلومات (تصريحات) القرآن المحددة، أو التكميلية (الإضافية، البديلة)»[2].

ثمّ انتقل إلى مرحلة الاعتماد الكلي على الأحاديث في تفسير القرآن فقال: «أصبح تفسير كلمات القرآن يعتمد اعتمادًا كليًّا على الأحاديث، وقد كلّف المرء نفسه بشغف لاستخراج كلّ الأسباب والظروف التي أدّت إلى كلام (خطابات) محمد، على الرغم من أنّ الأحاديث في مثل هذه الحالات غالبًا ما تكون محددة وتتحدّث عن نفسها؛ لذلك يهتز ويتداعى في لحظة النقد»[3].

واعتبر السُّنة المفسّرة «زائدة عن الحاجة للإشارة إلى الوقت والأحداث التي شكّلت

(104)

أساس وحي محمد»[1]، واعتمد في بحثه على الأحاديث «التي لا يمكن فيها الشك في احتمال المعلومات»[2].

كما أنّه أوضح وجهة نظره في تفسيرات المسلمين حيث قال: «ليس من الضروري أن نقول إنّه في تفسير القرآن يجب أن نعلّق على تعليقات المسلمين الخاصة؛ لأنّ محتواها مختلف للغاية، ومع ذلك، فهي ذات طبيعة مختلفة جدًا؛ إذ إنّ مؤلفيها التزموا بالأرثوذكسية الصارمة»[3].

وكذلك بيّن اهتمام الكنيسة بتفسيرات المسلمين؛ إذ إنّها «من دون أيّ اعتراض احتفظت الكنيسة بكل التفسير (الشرح) المحدد، أو أصبحت أكثر أو أقل تلمسها الآراء الفلسفية التي توغّلت في نهاية المطاف إلى الإسلام وخُتمت من قِبل الأتقياء، وكالمعتاد تم تسميتها كفر (بدعة)»[4].

ثمّ انتقد ثلاثة مترجمين غربيين في اتّباعهم التفسيرات التابعة للمسلمين من دون أيّ انتقاد، وهي: «كل من ترجمة القرآن لـ (لويجي مرتشي) إلى اللاتينيّة التي تُعتبر لغة لاتينية غريبة في (بادوفا عام 1698م)، وترجمة (جورج سيل) للّغة الإنجليزية (في لندن عام 1734م)، وكانت في وقته ممتازة (رائعة) في عدد من النواحي، إلّا أنّ كليهما اتبع التفسيرات المحمدية التي تم اتباعها في أيامنا هذه للسبب نفسه، حيث يمكن للمرء أن يرى كلمات (لويجي مرتشي) و(جورج سيل) في كلّ من ترجماتهما المنقولة حرفيًا من دون أن يكلّفا أنفسهما استخدام لغة الانتقاد في التفسيرات العقدية والخرافات»[5].

ثمّ يعقب على هذه التراجم بقوله: «لم تجرأ تمامًا أن تُفرق بين التفسير المعقول وإخفاء جملهم المختلفة الخاصة»[6].

(105)

مناقشة تورنبيرغ والرد عليه:

لا شك في أنّ علم التفسير لم ينشأ علمًا مستقلًا كما تقدّم آنفًا، وما ذكره (تورنبيرغ) صحيح من ناحية نشأته في أحضان علم الحديث، وأنّ التفسير الأوّل لكتاب الله هي الأحاديث التي جمعت عن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله . وفي مقام الرد عليه نقول: لم يكن اعتماد المسلمين في تفسير القرآن الكريم على السنّة وحدها، فضلًا عن الالتزام بالأحاديث الموثوقة والصحيحة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهناك أكثر من مصدر يعتمد عليه المسلمون في تفسيرهم للقرآن الكريم كما تقدّم، فالمصدر الأول كان كتاب الله ذاته، فهو مفسّر لبعض آياته، وبالمرتبة الثانية السنّة الصحيحة، ثمّ إنّ هناك مصدرًا آخر لم يتطرّق إليه هذا المستشرق وهوالمصدر اللغوي الذي اعتمد عليه ثُلّة من الصحابة في تفسير القرآن الكريم؛ كابن عباس  رضي‌الله‌عنه  ، فتفسيرات المسلمين تعتمد في تفسيرها للقرآن الكريم على أكثر من مصدر، أمّا وصفه المفسّرين المسلمين بأنّهم التزموا الأرثوذكسية الصارمة، فقبل الرد عليه في هذه الجزئية لا بدّ من بيان معنى (الأرثوذكسية).

 فنقول: هي كلمة تطلق على مجموعة من المسيحيين الذين يعتقدون بالطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة للمسيح عليه‌السلام ، وتدلّ هذه الكلمة في معناها الأصلي على الرأي المستقيم، أي: إنّ الأرثوذكس يعتقدون أنّهم أصحاب الرأي المستقيم، وأنّهم وحدهم الذين يدينون بالنصرانية الصحيحة، أمّا إطلاقها على اليهود فإنّها تعني المتمسكين بالقواعد والتقاليد[1].

وإطلاقها على المفسّرين المسلمين أمّا يراد بها الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب الرأي السديد والمستقيم، أو يراد بها المتمسكون بالقواعد والتقاليد الإسلامية التي لا يمكنهم الخروج عنها، ويرمي من ذلك بيان أنّ المفسّرين المسلمين تقليديون لا يأتون بشيء جديد في تفسيراتهم للقرآن الكريم؛ إلا ما أُثر عن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله  من أحاديث، ولا يُعملون العقل والعلوم الحديثة في تفسيراتهم؛ لذلك لم يلتزم بتفسيراتهم وانتقد مَن لم يخرج عن تفسيرات المسلمين؛ كـ (لويجي مرتشي) و(جورج سيل) في ترجمتيهما؛ لعدم نقدهما تفسيرات المسلمين المتضمنة للأساطير والخرافات.

والحقّ يقال: إنّ بعض التفاسير حوت تفسيرات غير صائبة ومجانبة للحق والمنطق؛

(106)

لاعتمادها على بعض الأحاديث المدسوسة والموضوعة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمعروفة بالإسرائيليات؛ ولكنّ ذلك لا يمنع من أخذ تفسيرات المسلمين الأخرى، فضلًا عن نقد المسلمين أنفسهم تلك التفسيرات المتضمنة أحاديث موضوعة وملفّقة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أنّ هناك تفاسير اعتمدت المناهج العلمية الرصينة، وأكبر الظنّ أنّ هذا المستشرق لم يطلع على جميع تفاسير المسلمين؛ فضلًا عن أغلبها، حتى يصدر مثل هذا الحكم.

(107)
(108)

 

 

 

 

الفصل الثاني

تاريخ القرآن

بنظر المستشرقين السويديين

 

المبحث الأوّل: نزول القرآن الكريم بمنظار المستشرقين السويديين.

المبحث الثاني: المكي والمدني برؤية الاستشراق السويدي.

المبحث الثالث: السور القرآنية ومتعلّقاتها على رأي الاستشراق السويدي.

المبحث الرابع: جمع القرآن الكريم وموقف المستشرقين السويديين منه.

(109)
(110)

 

 

 

 

المبحث الأوّل

نزول القرآن الكريم بمنظار المستشرقين السويديين

 

المطلب الأوّل: الإنزال والتنزيل.

المطلب الثاني: أوّل ما نزل من القرآن الكريم.

المطلب الثالث: آخر ما نزل من القرآن الكريم.

المطلب الرابع: موقف المستشرقين السويديين من نزول القرآن ومناقشة آرائهم.

(111)
(112)

توطئة:

لا شك في أنّ القرآن الكريم امتاز عن غيره من الرسالات السماوية الأخرى بنزوله منجمًا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا ما لم يتحقق لغيره؛ فالتوراة نزلت على شكل ألواح دفعةً واحدةً، كما أنّه نزل بأرقى صور الوحي، وتاريخ نزوله يمثل تاريخ القرآن في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو تاريخ استغرق ثلاثة وعشرين عامًا[1]. وتشكّل هذه الحقبة الذهبية تاريخ الرسالة المحمدية في عصر صاحب الرسالة[2]. و«كان اهتمام المسلمين في عصر الرسالة مركزًا على رسالة القرآن أكثر من أيّ جانبٍ آخر، ومن ثَم لم يركز في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله على التسلسل التاريخي لما نزل من القرآن، واختلفت الروايات، ومن ثَمّ الأقوال في تحديد أول ما نزل وآخر ما نزل»[3].

وليس ببعيد أنّ اختلاف الأقوال في أوّل ما نزل وآخر ما نزل من القرآن الكريم تابع لاختلاف الروايات، واختلاف الروايات تابع لاختلاف مصادرها، وهذه المصادر تتفاوت في ما بينها سعةً وضيقًا في ما تتلقاه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو أُوكل الأمر لعِدل القرآن وأولو الأمر ـ أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله  ـ لما حصل هذا الاختلاف.

المطلب الأوّل: الإنزال والتنزيل:

للقرآن الكريم نزولان، أحدهما ما يُعبّر عنه بالإنزال والآخر بالتنزيل، والمراد من الإنزال: هو نزول القرآن الكريم دفعةً واحدةً على قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من دون تدريج أو تفصيل، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ...[سورة البقرة، الآية185]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ[سورة الدخان، الآية3] وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [سورة القدر، الآية1].

(113)

و«الإنزال الذي تتحدّث عنه هذه الآيات ليس هو التنزيل التدريجي الذي طال أكثر من عقدين، وإنّما هو الإنزال مرةً واحدةً على سبيل الإجمال»[1].

لأنّ الفعل (أنزل) غير المضعّف يدلّ على حدوث فعل الإنزال لمرّةٍ واحدةٍ، وهو بخلاف الفعل (نزّل) المضعّف الذي يدلّ على أنّ النزول كان لأكثر من مرّةٍ، وهو النزول التدريجي للقرآن الكريم[2].

وفي تفسير هذا النزول ثلاثة آراء:

الرأي الأوّل: نزل القرآن الكريم إلى بيت العزّة من السماء الدنيا، عن ابن عباس قال: «فُصِل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزّة من السماء الدنيا، في ليلة القدر جملة واحدة، وكان الله ينزله على رسوله بعضه إثر بعض نجومًا... »[3]. يقول الزركشي(ت:794هـ): «وهذا القول أشهر وأصح، وإليه ذهب الأكثرون»[4]. وأنّ نزوله إلى بيت العزّة من السماء الدنيا؛ كان تعظيمًا لشأنه عند ملائكته، ثمّ نزّل بعد ذلك منجمًا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منذُ بعثته إلى أن توفي[5].

الرأي الثاني: قال الزنجاني (ت:1360هـ) «على أنّه يمكن أن نقول بأنّ روح القرآن وهي أغراضه الكلية التي يرمي إليها تجلّت لقلبه الـشريف، في تلك الليلة المباركة قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ»[6].

فالمراد من النزول هو نزول المعارف الإلهية القرآنية على قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كي تمتلئ روح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنور المعرفة القرآنية[7].

(114)

الرأي الثالث: هو نزول القرآن الكريم جميعه بتفاصيله وآياته على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بصورةٍ كاملةٍ، وصاحب الميزان يستدل لذلك بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا [سورة طه، ص114]، وقوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [سورة القيامة، الآية16].

 لأنّه من خلال الآيات يظهر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان له علم بما سينزل عليه، فنُهي عن الاستعجال بالقراءة قبل انقضاء الوحي[1].

أمّا التنزيل: فهو نزول القرآن الكريم تدريجًا منجّمًا على سبيل التفصيل، لا على سبيل الإجمال، ومعنى نزوله منجمًا على سبيل التفصيل «هو نزوله بألفاظه المحددة وآياته المتعاقبة والتي كانت في بعض الأحيان ترتبط بالحوادث والوقائع في زمن الرسالة وكذلك مواكبة تطورها»[2].

قال تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا[سورة الإسراء، الآية106].

فـ«قوله سبحانه (فرقْنَاه) دليل جلي على أنّ القرآن قد نزل على شكل مراحل على الرسول الأكرم فضلًا عن قوله تعالى في نهاية الآية الكريمة (ونزلّناه تنزيلًا)؛ ذلك بأنّ الفعل (نزّل) مضعّف العين، فهو على زنة (فعّل) وهذا الوزن الصرفي يدلّ على كثرة وتكرار حدث الإنزال غير مرة»[3].

وقد كان كمّ الآيات يتفاوت في النزول، فأحيانًا تنزل آية واحدة، وأحيانًا كانت تنزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الآيتين والخمس والعشر، وأحيانًا تنزل سورة كاملة؛ كما في سورة الفاتحة، والكوثر، والمرسلات، وغيرها.

حِكم التنجيم وأسراره: ومن فوائد نزول القرآن منجّمًا:

(115)

1ـ تثبيت فؤاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

2ـ تيسير حفظ القرآن.

3ـ موالاة الحجة بعد الحجة.

4ـ فضح المنافقين والمشركين.

5ـ التذكير والتأثير في النفس.

6ـ رعاية المجتمع الإسلامي والأخذ بيده في الحياة الجديدة على ضوء هداية الله عزوجل .

7ـ بيان الإعجاز[1].

المطلب الثاني: أوّل ما نزل من القرآن الكريم:

الكلام في هذا المطلب هو في النزول التدريجي لكتاب الله العزير ولا يشمل الكلام النزول الدفعي، وفي تحديد أوّل ما نزل من القرآن الكريم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث البعد التاريخي نجد تفاوتًا بين وجهات النظر عند الباحثين[2].

وتنحصر وجهات النظر المختلفة في أوّل ما نزل من القرآن الكريم في أربعة أقوال، وهي:

ـ القول الأوّل: إنّ أوّل ما نزل من القرآن الكريم كان هو الآيات الخمسة الأولى من سورة العلق: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ‎﴿١﴾‏ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ‎﴿٢﴾‏ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ‎﴿٣﴾‏ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ‎﴿٤﴾‏ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [سورة العلق، الآيات1 ـ 5][3].

قال السيوطي (ت:911هـ): «وهو الصحيح»[4]. وفي الأثر: «نزل جبرئيل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا محمد، اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»[5]. وقال الزنجاني

(116)

(ت:1360هـ ): «الصحيح أنّ أوّل ما نزل من القرآن قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»[1].

وممَّن اقتنع بصحة هذا الرأي الدكتور محمد حسين الصغير، وكان اقتناعه لسببين: أولهما تاريخي، والآخر عقلي، وسبب الاقتناع التاريخي كان «مصدره إجماع المفسـرين تقريبًا، ورواة الأثر وأساطين علوم القرآن»[2].

وسبب الاقتناع العقلي كان بسبب كون القرآن الكريم «أُنزل على أميٍّ لا عهد له بالقراءة ليبلغه إلى أميين لا عهد لهم بالتعلّم، فكان أوّل طوق يجب أن يُكـسر، وأوّل حاجز يجب أن يتجاوز، وهو الجمود الفكري، والتقوقع على الأوهام، وما سبيل ذلك إلّا الافتتاح بما يتناسب مع هذه الثورة، وقد كان ذلك بداية للرسالة بهذه الآيات: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ‎﴿١﴾‏ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ‎﴿٢﴾‏ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ‎﴿٣﴾‏ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ‎﴿٤﴾‏ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»[3].

ـ القول الثاني: سورة الفاتحة هي أوّل ما نزل من القرآن الكريم، قال الزمخشري (ت:538هـ): «وأكثر المفسّرين على أنّ الفاتحة أوّل ما نزل، ثمّ سورة القلم»[4].

و «عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال: سألت النبي عن ثواب القرآن، فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء، فأوّل ما نزل عليه بمكة فاتحة الكتاب، ثمّ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ»[5].

وهذا الرأي ضعيف؛ بسبب إرساله، والاستدلال عليه غير تام، لإمكان نزول الفاتحة بعد الخمس آيات من سورة العلق[6].

(117)

ـ القول الثالث: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ هو أوّل ما نزل من القرآن الكريم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، «فَقَالَ أبُو سَلَمَةَ سَألْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله أيُّ القُرْآنِ أُنْزِلَ أوَّلُ؟ فَقَال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. فَقُلْتُ أُنْبِئْتُ أنَّهُ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. فَقَالَ لا أُخْبِرُكَ إلّا بِمَا قَالَ رَسُولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإذَا هُو جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السَّماءِ وَالأرْضِ فَأتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ‎﴿١﴾‏ قُمْ فَأَنذِرْ ‎﴿٢﴾‏ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [سورة المدثر، الآيات1 ـ 3]»[1].

وهناك مَن وفّق بين الآراء الثلاثة لعدم التنافي الجوهري بينها بقوله: «لأنّ الآيات الثلاث أو الخمس من أول سورة العلق إنّما نزلت تبشيرًا بنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله  وهذا إجماع أهل الملة، ثمّ بعد فترة جاءت آيات ـ أيضًا ـ من أول سورة المدثر...، أمّا سورة الفاتحة فهي أول سورة نزلت بصورة كاملة»[2].

ـ القول الرابع: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ هو أول ما نزل من القرآن الكريم حكى هذا الرأي ابن النقيب في مقدّمة تفسيره، إلّا أنّ هذا القول لا يعدّ قولًا؛ لأنّ نزول السورة الكاملة يلزم معها نزول البسملة[3].

الظاهر أنّ هناك فرقًا بين أول ما نزل من القرآن الكريم من آياته وبين أول ما نزل منه من السور، فعلى صعيد الآيات يبدو أنّ الآيات الخمس الأولى من سورة العلق هي أول ما نزل من القرآن.

وأمّا على صعيد السور فتكون أول سورة نزلت على رسول الله كاملة هي سورة الفاتحة. والبسملة بالنسبة للسورة نازلة معها، فضلًا عن كونها جزءًا من سورة الفاتحة لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ[سورة الحجر، الآية87].

(118)

المطلب الثالث: آخر ما نزل من القرآن الكريم:

اختلفت وجهات النظر -أيضًا- بالنسبة إلى آخر ما نزل من القرآن الكريم؛ كما هو الحال في أوّل ما نزل، وهي:

1ـ قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [سورة المائدة، الآية3] فهو آخر ما نزل من القرآن الكريم، وقال اليعقوبي(ت:284هـ) بعد ذكر هذه الآية: «وهي الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة»[1].

2ـ عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، قال: «آخر ما نزل من القرآن: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»[سورة التوبة، الآية128][2].

3ـ إنّ آخر ما نزل من القرآن الكريم: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ[سورة النصر، الآية1][3]. إنّ فيه «علي بن زيد بن جدعان وهو ثقة سيء الحفظ، وبقيّة رجاله ثقات»[4].

4ـ آخر ما نزل آية الربا فـ«عن الشعبي، فقال: عن عمر، أخرجه الطبري بلفظ: كان من آخر ما نزل من القرآن آيات الربا، وهو منقطع؛ فإن الشعبي لم يلقَ عمر»[5].

بعد التأمّل في هذه الأقوال المختلفة يترجّح لدى الباحث أنّ القول الأوّل هو الصحيح؛ لأنّ الآية الكريمة تتحدّث عن إكمال الدين، وليس إكمال أحكامه، وإكمال الدين يعني انتهاء الوحي المنزل من السماء؛ لاختتام الرسالة وتماميتها من حيث البلاغ والأداء.

المطلب الرابع: موقف المستشرقين السويديين من نزول القرآن الكريم ومناقشة آرائهم:

لم يكن للمستشرقين السويديين مزيد عناية واهتمام بمسألة نزول القرآن الكريم وكيفية

(119)

نزوله، وهل له نزول واحد أو نزولان؟ وما هي أوّل سورة أو آية نزلت على النبي؟ وما هي آخر سورة أو آية نزلت عليه؟ ولكنّ المستشرق السويدي (كريستر هيدين) أشار في طي كلامه إلى مسألة كون القرآن الموجود عند محمد هو نسخة من الكتاب السماوي، وهذه إشارة إلى أنّ القرآن الكريم نزل من السماء والكتاب السماوي هو اللوح المحفوظ، فالقرآن الكريم هو المحتوى والمضمون نفسه الموجود في اللوح المحفوظ، فالنبي محمد: «حصل على مهمة نقل محتوى النص السماوي (الكتاب السماوي) أو مضمونه إلى الأرض، ويتم ذلك عن طريق وحي الربّ (الله) إليه»[1].

وطريقة نقل الوحي الإلهي من السماء جاءت عن «وحي الملاك جبرائيل لمحمد» كما في قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ‎﴿١﴾‏ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ‎﴿٢﴾‏ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ‎﴿٣﴾‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ‎﴿٤﴾‏ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ‎﴿٥﴾‏ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ‎﴿٦﴾‏ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ‎﴿٧﴾‏ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ‎﴿٨﴾‏ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ‎﴿٩﴾‏ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ‎﴿١٠﴾‏ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ‎﴿١١﴾‏ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ‎﴿١٢﴾‏ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ‎﴿١٣﴾‏ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ ‎﴿١٤﴾‏ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ‎﴿١٥﴾‏ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ‎﴿١٦﴾‏ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ‎﴿١٧﴾‏ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ[سورة النجم، الآيات1 ـ 18]. ويؤكد أنّ الطريقة كانت بالمشاهدة للملك جبرائيل؛ كما في النص القرآني المتقدّم، فيقول: «حيث كانت الرؤى والوحي تظهر بصورة تامة»[2]، وأنّ نزول القرآن الكريم «أُوحي إلى محمد لمدّة عشرين عامًا، من حوالي (612م) إلى وفاته في (632م)»[3].

وهذه المدّة التي أشار إليها (كريستر هيدين) هي تبعًا لأحد الأقوال التي ذُكرت في مدّة نزول القرآن الكريم، وتقدّم الكلام فيها بأنّ المسألة مختلف فيها بين العشرين، والثلاث والعشرين، والخمس والعشرين، تبعًا للمدّة التي قضاها النبي في مكة بعد ذلك.

وتأسيسًا على ما تقدّم ـ وبحدود ما اطلعت عليه من كتب المستشرقين السويديين ـ لم أجد أحدًا منهم تطرّق لهذه المسألة سوى (كريستر هيدين) المتقدّم ذكره، ما يعني أنّهم لم يكن لديهم ميل في الحديث عن مشروعية القرآن ومصدره السماوي، ولم تكن من أولويات بحثهم عن القرآن والإسلام.

(120)

 

 

 

 

المبحث الثاني

المكي والمدني برؤية الاستشراق السويدي

 

المطلب الأوّل: نظريات المكي والمدني.

المطلب الثاني: الفائدة المترتّبة على معرفة المكي والمدني.

المطلب الثالث: خصائص السور المكية والمدنية.

المطلب الرابع: رأي المستشرقين السويديين في المكي والمدني ومناقشتهم.

 

(121)
(122)

توطئة:

تنقسم آيات القرآن الكريم وسوره إلى قسمين عند علماء التفسير وأرباب مدونات علوم القرآن وتاريخه، فالقسم الأوّل منها يسمّى في عُرفهم مكي، والقسم الآخر  بالمدني، ولكن تباينت واختلفت وجهات نظرهم في تحديد مفهوم المكي والمدني؛ تبعًا لمنظارهم وفهمهم للمكي والمدني، ولكنّهم توافقوا على قسم كبير من الآيات والسور ووقع اختلافهم في القسم الباقي[1]*.

المطلب الأوّل: نظريات المكي والمدني

هناك ثلاث نظريات في تعيين المكي والمدني، وهي:

1ـ النظرية الأولى: تعتمد على الزمان في تعيين المكي والمدني، وتعتبر هجرة الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله هي الحد الزماني الفاصل بين المرحلتين، وبناءً على هذه النظرية يكون كل ما نزل من القرآن الكريم قبل هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كان محلّ نزوله غير مكة يصطلح عليه بالمكي، وكل ما نزل من القرآن الكريم بعد هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله يصطلح عليه بالمدني، حتى لو كان محلّ نزوله في غيرها، فالمدار في هذه النظرية هو الهجرة الشريفة للرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله [2].

2ـ النظرية الثانية: تعتمد على المكان في المكي والمدني، فكل ما نزل في مكة وحواليها يسمّى مكيًّا حتى لو كان بعد الهجرة، وكل ما نزل في المدينة وحواليها يسمّى مدنيًّا، فالضابطة في التمييز عندهم هي مكان نزول السورة أو الآية، وتبقى هذه النظرية غير شاملة لكل آيات القرآن الكريم؛ لأنّ بعض الآيات لم يكن محلّ نزولها مكة ولا المدينة، فبناءً على هذه النظرية هناك آيات لا تسمّى مكية ولا مدنية كقوله تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ[سورة الرعد، الآية30] قيل: إنّها نزلت في الحديبية، وكذلك آية

(123)

الأنفال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[سورة الأنفال، الآية1] التي كان محلّ نزولها في بدر[1].

3ـ النظرية الثالثة: تعتمد على نوع الخطاب، فإذا كان الخطاب بالنص القرآني موجهًا لأهل مكة فهو مكي، وإذا كان موجهًا لأهل المدينة فهو مدني، وعليه يكون «المكي ما وقع خطابًا لأهل مكة، والمدني ما وقع خطابًا لأهل المدينة»[2]. وهذه النظرية قائمة على أساس خاطئ؛ لأنّها تقوم على أساس كون الخطاب القرآني بعضه خاص بأهل مكة والبعض الآخر خاص بأهل المدينة، وهذا غير صحيح؛ لأنّ الخطابات القرآنية عامة ما دام اللفظ فيها عامًا[3].

وبعد عرض النظريات الثلاث والمآخذ عليها تترجح النظرية الأولى التي تعتمد على هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من كونها الحد الزمني الفاصل بين ما هو مكي وما هو مدني.

المطلب الثاني: الفائدة المترتّبة على معرفة المكي والمدني:

وذكروا لذلك فوائد جمّة؛ منها: 

1ـ معرفة الناسخ والمنسوخ.

2ـ معرفة الخاص والعام.

3ـ معرفة المقيد والمطلق[4].

4ـ تعيين اتّجاه الآية[5].

5ـ معرفة التسلسل التاريخي لأحداث الإسلام[6].

(124)

المطلب الثالث: خصائص السور المكية والمدنية:

من الخصائص التي يغلب وجودها في السور المكية:

1ـ مجادلة المشركين وتسفيه أحلامهم.

2ـ الدعوة إلى أصول الدين؛ كالإيمان بالله، والوحي، وعالم الغيب، واليوم الآخر.

3ـ الدعوة إلى التمسّك بالأخلاق الكريمة، والاستقامة[1].

4ـ قصر السور والآيات والشدّة في الأسلوب.

5ــ احتوت الوعد والوعيد، والتوبيخ، والزجر؛ ولذلك كان الخطاب فيها (يا أيّها الناس)، وجاءت (كلا) فيها بنحو متكرّر للردع والزجر.

6ـ امتازت بظاهرة القسم، وضرب الأمثلة الحسية، والتشبيه، والفاصلة القرآنية[2].

ومن الخصائص التي يغلب وجودها في السور المدنية:

1ـ إقامة البراهين والأدلّة على الحقائق الدينية.

2ـ محاورة أهل الكتاب ودعوتهم إلى عدم الغلوّ في دينهم.

3ـ التكلّم عن المنافقين ومشاكلهم[3].

4ـ السور المدنية طويلة مع لين في الأسلوب[4].

المطلب الرابع: رأي المستشرقين السويديين في المكي والمدني ومناقشتهم:

يرى المستشرقون السويديون أنّ المكي والمدني قد وثّق عند المسلمين في فترة مبكرة، ولكنّهم يرون أنّ هذه المعلومات غير موثوق بها دائمًا.

(125)

يقول (كارل يوهان تورنبيرغ): «بالتأكيد أنّ كلّ فصل [سورة] يحمل رمزًا أو تعبيرًا (مكية) أو (مدنية) أي: إنّه يطلق عليها من خلال نزول الوحي في مكة قبل الهجرة، أو خلال الانتقال إلى المدينة، أو بعد ذلك في المدينة؛ وبذلك فإنّ هذه المعلومات تُثبت بالفعل أنّه لا يمكن الاعتماد عليها؛ لأنّه في كثير من الفصول (السور) المكية تظهر قطع تبدو على أنّها في مكة أو على العكس من ذلك»[1].

وقال (كارل فلهلم زتّرستين) إنّ: «في كلّ فصل، تُشير المخطوطات العربية وطبعات القرآن إلى مصدر بعض الآيات والسور لجهة كونها مكيّة أو مدنيّة، ولكن للأسف هذه المعلومات ليست دائمًا موثوقة تمامًا»[2].              

وذكر أنّ هناك ثلاث مراحل مختلفة في السور المكية يصعب التمييز بينها، فيقول: «فإنّه من الصعب التمييز بين ثلاث مراحل مختلفة من النشاط التبشيري لمحمد في مك»[3].        

وبيّن أنّ خلال الفترة الأولى: كان يصف الوحي المُنزل عليه على أنّه ذو لغةٍ كبرى وشعرية، معزّزة بالصور الملونة، والتوكيدات الغريبة على مختلف الظواهر الطبيعية، مثل: والليل والنهار، الشمس والقمر، والسماء والأرض، ونحوها[4].

وخلال الفترة الثانية: جاء التعبير أكثر هدوءًا وتعليميًّا، مع تعويض التصوّرات الخيالية السابقة بالملاحظات التفصيلية عن عجائب الله سبحانه وتعالى، ومعجزاته في الطبيعة، والشرح المفصّل للأنبياء الذين تم إرسالهم لأجل الوعظ والتكفير عن الذنب والتوبة في العصور القديمة؛ إذ إنّ كلًا من الآيات والسور جاءت أطول من ذي قبل، وكذلك سمة مميّزة أخرى هي أنّ الله غالبًا ما يظهر باسم (الرحمن)[5].

وفي الفترة الثالثة: يفترض أنّ النمط أصبح ذا طابع نَثري، وما ينقص في الوحي تم استبداله

(126)

من خلال التكرار المستمر، وفضلًا عن ذلك، أنّ الآيات الخاصة قد تزايدت أكثر فأكثر[1].

ويرى أنّ هناك آيات تبدو مدنية ولكنّ مضمونها مكي؛ وهي: «كما في (الآيات 25- 42 من سورة الحج): ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ‎﴿٢٥﴾‏ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ‎﴿٢٦﴾‏ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ‎﴿٢٧﴾‏ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ‎﴿٢٨﴾‏ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ‎﴿٢٩﴾‏ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ‎﴿٣٠﴾‏ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ‎﴿٣١﴾‏ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ‎﴿٣٢﴾‏ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ‎﴿٣٣﴾‏ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ‎﴿٣٤﴾‏ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ‎﴿٣٥﴾‏ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‎﴿٣٦﴾‏ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ‎﴿٣٧﴾‏ ۞ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ‎﴿٣٨﴾‏ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ‎﴿٣٩﴾‏ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ‎﴿٤٠﴾‏ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا

(127)

الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ‎﴿٤١﴾‏ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ، وفي الآيات (من السورة السابقة نفسها): ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ‎﴿٥١﴾‏ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‎﴿٥٢﴾‏ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ‎﴿٥٣﴾‏ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ‎﴿٥٤﴾‏ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ‎﴿٥٥﴾‏ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ‎﴿٥٦﴾‏ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ‎﴿٥٧﴾‏ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ‎﴿٥٨﴾‏ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ  وفي الآية (76) وما بعدها من السورة السابقة: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»[1].

وآيات تبدو مكية ولكن مضمونها مدني؛ وهي: «(الآيات 158 ـ 166 من سورة البقرة)، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ‎﴿١٥٨﴾‏ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ‎﴿١٥٩﴾‏ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ‎﴿١٦٠﴾‏ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ‎﴿١٦١﴾‏ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ‎﴿١٦٢﴾‏ وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ‎﴿١٦٣﴾‏ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ‎﴿١٦٤﴾‏ وَمِنَ النَّاسِ

(128)

مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ‎﴿١٦٥﴾‏ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ»[1].

وكانت نظرته للوحي في الفترة المدنية هي: «أنّ الوحي من زمن بعد الهجرة إلى المدينة يختلف في المصطلحات الأسلوبية قليلًا عن تلك المكية، أمّا بالنسبة للمحتوى فقد دخلت التكهنات العقدية هنا بدلًا من الإعلان عن كلّ قانون وتشريع‏ ولوائح ذات طابع قانوني بحت»[2].

ومن خلال ما تقدّم نرى أنّ (كارل فلهلم زتّرستين) قد قطع بالتداخل بين المكي والمدني كما ذكره آنفًا.

أمّا (كريستر هيدين) فيذكر أنّ المسلمين كان لهم عناية منذُ البداية في مكان نزول الوحي حيث قال: «في الإسلام يهتم المرء منذُ فترةٍ طويلةٍ بمكان نزول الوحي»[3].

ويشير إلى خاصيّة من الخصائص والمميّزات للسور المكية والمدنية، وهي: قصر السور المكية وطول السور المدنية، فيقول: «إنّ السور الطويلة كانت من المدينة والسور القصيرة الموجود في نهاية القرآن كانت من مكة... والسور الأولى وُجدت في الجزء الأخير من القرآن»[4].

فهو يُشير إلى أنّ هذه السور رتّبت في القرآن الكريم الموجود عند المسلمين ترتيبًا زمنيًّا عكسيًّا، أي: ما نزل أولًا في مكة جاء ترتيبه في نهاية القرآن الكريم، وما نزل في المدينة جاء ترتيبه في بداية القرآن الكريم.

مناقشة المستشرقين السويديين:

أوّلًا: إنّ تقسيم (زترستين) للمكي إلى ثلاث مراحل فيه متابعة لما ذهب إليه (ثيودور نولدكه) حيث قسم الأخير الفترة المكية إلى ثلاث مراحل معتمدًا في ذلك على النقل التاريخي

(129)

والاجتهاد العقلي، ولكن (نولدكه) لم يكن الأول في هذا التقسيم، بل سبقه إليه المستشرق (جوستاف فايل)[1]. وهذا التقسيم للفترة المكية لم يكن مبتكرًا من قِبل المستشرقين، وإنّما هو وليد الفكر العربي؛ حيث أشار إلى تقسيم الفترة المكية لنزول القرآن أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري (ت:406هـ)[2]، فقسّمها بالابتداء والوسط والانتهاء؛ بقوله: «من أشرف علوم القرآن علم نزوله، وجهاته، وترتيب ما نزل بمكة: ابتداءً ووسطًا وانتهاءً...»[3].

ثانيًا: بالنسبة إلى رأيه بالتداخل بين الآيات المكية والمدنية؛ فهو مردود، ولو كان رأيه في السور لكان هناك وجه له، أمّا الآيات فلا يوجد أيّ مجال للنقاش فيها؛ لأنّها كانت بترتيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق جبرئيل، فيقول له ضع هذه الآية في المكان الكذائي وضع تلك الآية في المكان الكذائي، وفعلًا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر كتّاب الوحي بأنّ يضعوا هذه الآية ـ مثلًا ـ في الطول، وتلك الآية في المئين وهكذا كما سيأتي تفصيل ذلك في مبحث ترتيب الآيات والسور الآتي، فالترتيب للآيات أجمع الفريقان من أبناء العامة وأتباع أهل البيت على أنّه توقيفي، فهو من ترتيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليه فلا مجال لقول (زتّرستين)، علمًا أنّ سورة البقرة والحج كلاهما مدنيتان، فكيف يقول هناك آيات تبدو مكية ولكن مضمونها مدني ويذكر سورة البقرة، وآيات تبدو مدنية ولكن مضمونها مكي ويذكر سورة الحج.

(130)

 

 

 

 

المبحث الثالث

السور القرآنية ومتعلِّقاتها بمنظار الاستشراق السويدي

 

المطلب الأوّل: السورة لغةً واصطلاحًا.

المطلب الثاني: تسمية السور

المطلب الثالث: ترتيب السور

المطلب الرابع: تقسيم سور القرآن الكريم.

المطلب الخامس: آراء المستشرقين في تسمية السور وترتيبها ومناقشتهم.

 

(131)
(132)

توطئة:

قبل الشروع ببيان أسماء السور وأسباب تسميتها وكيفية ترتيبها، لا بدّ من التعرّض أوّلًا لمعنى السورة بحسب اللّغة والاصطلاح، وما هي أعدادها، ثمّ نبيّن بعد ذلك أسرار التسمية والترتيب.

المطلب الأول: السورة لغةً واصطلاحًا:

السورة في اللغة: قال الجوهري (ت:393هـ ): «السُّوْرُ جمع سُورَة، مثل: بُسْرَة وبُسْرٍ، وهي كل منزلة من البناء؛ ومنه سُورَةُ القرآن؛ لأَنّها منزلةٌ بعد منزلة مقطوعةٌ عن الأُخرى، والجمع سُوَرٌ بفتح الواو»[1]، ويرى ابن فارس (ت:395هـ): أنّ السين والواووالراء أصل واحد يدلّ على العلو والارتفاع، ومنه سار يسور إذا غضب وثار، وإن لغضبه لسورة، والسور جمع سور[2]، ويقول ابن منظار (ت:711هـ): «السُّورَةُ الرِّفْعَةُ، وبها سمّيت السورة من القرآن، أَي: رفعة وخير»[3].

يتبيّن ممّا تقدّم أنّ لفظة السورة في اللغة لها أكثر من دلالة، فهي تارةً تدلّ على المنزلة، وأخرى على العلو والارتفاع، وثالثةً على الرفعة.

السورة في الاصطلاح: عرّفت السورة في الاصطلاح بتعريفات عدّة منها: أنّها «قرآن يشتمل على آي، ذي فاتحة وخاتمة، وأقلّها ثلاث آيات»[4].

وعرّفها الزرقاني (ت:1367هـ) بأنّها: «طائفة مستقلة من آيات القرآن ذات مطلع ومقطع»[5].

(133)

وعليه، فالسورة هي ما اشتملت على آي من الذكر الحكيم ذات مبدأ ومنتهى وأقلّها هي ما كانت متألّفة من ثلاث آيات.

عدد سور القرآن الكريم:

يحتوي القرآن الكريم ما بين دفتيه على (114) سورة، أوّل هذه السور هي سورة الفاتحة المباركة وآخرها سورة الناس؛ بحسب الترتيب المعتمد في المصحف الموجود بين أيدينا؛ وهو على غير ترتيب النزول.

المطلب الثاني: تسمية السورة:

في تسميات السور يطرح هذا التساؤل: هل تسمية السورة بالبقرة أو آل عمران أو الكوثر أو غيرها من الأسماء كانت معروفة في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أنّها استُحدثت في ما بعد؟ أي: هل هذه التسميات للسور توقيفيّة جاءت من قِبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أنّها اجتهاديّة أُطلقت على السور من قِبل الصحابة بعد رحيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ هذا ما سيتكفّل ببيانه هذا المطلب.

أـ التسمية توقيفية:

الروايات والأقوال الدالة على التوقيف، هي:

1ـ «عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: هنّ من العتاق الأول، وهنّ من تلادي»[1]؛ أي من قديم ما أخذت من القرآن.

2ـ «عن حذيفة قال: صلّيت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، فمضى فقلت: يركع عند المائتين، فمضى، فقلت: يصلّى بها في ركعة، فمضى، فافتتح النساء، فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران، فقرأها»[2].

3ـ قال الطبري (ت:310هـ): «لِسوَر القرآن أسماءٌ سمّاها بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله »[3].

(134)

4ـ «عن النواس بن سمعان الكلابي، قال: سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة، وآل عمران، قال: وضرب لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أمثال، قال: يأتيان كأنّهما غمامتان، أو غيايتان، أو كأنّهما ظلتان سوداوان»[1].

وبسبب هذه الروايات وغيرها جزم السيوطي (ت:911هـ) بتوقيفية أسماء السور؛ حيث قال: «وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبيّنت ذلك، وما يدلّ لذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم، عن عكرمة، قال: كان المشركون يقولون سورة البقرة، وسورة العنكبوت، يستهزئون بها، فنزل ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ[الحجر:95]»[2].

هذه الطائفة من الروايات تُشير إلى أنّ التسمية توقيفية وليست اجتهادية، وسيأتي لاحقًا مناقشة ذلك.

ب ـ التسمية اجتهادية:

قال داوُد العطار (ت:1403هـ): «نحن لا نملك ما نستطيع معه الجزم على أنّ أسماء السور توقيفية مع ما لدينا من كثرة أسماء للسورة الواحدة... وأنّ لدينا بعض المصاحف خالية من هذه الأسماء ما يرجح القول أنّها أسماء اجتهادية وليست توقيفية»[3].

 ويرى محمد عزة دروزة (ت:1404هـ) أنّ التسمية اجتهادية متأخرة عن زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث قال: «إنّما هوعمل تنظيمي متأخّر عن نسخ هذا المصحف»[4].

ويقول أحمد عبد الرزاق الدويش: «لا نعلم نصًا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدلّ على تسمية السور جميعها، ولكن ورد في بعض الأحاديث الصحيحة تسمية بعضها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كالبقرة، وآل عمران، أمّا بقيّة السور فالأظهر أنّ تسميتها وقعت من الصحابة رضي‌الله‌عنهم »[5].

(135)

يبدو أنْ لا دليل تامًا على توقيفيّة أسماء السور، ولو وجد لما حصل هذا الاختلاف.

والمختار في تسمية السور هو:

ـ أوّلًا: الظاهر أنّ هناك سورة تم تسميتها من جانب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا ما ذكرته الروايات آنفًا، ولكن لم يؤثر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سمّى جميع سور القرآن الكريم، وإنّما الروايات تضمّنت تسمية مجموعة من السور، نحو: سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، ومريم، والكهف، وطه، والأنبياء، وإبراهيم، أمّا باقي السور فلم ترد فيها تسمية منه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ـ ثانيًا: إنّ أسماء السور لم تكن موجودة في مصحف عثمان وإلّا لما حصل الاختلاف بالتسمية.

ـ ثالثًا: كثرة أسماء السورة الواحدة، وبعضها وصلت أسماؤها إلى نيّف وعشرين اسمًا؛ كما في سورة الفاتحة المباركة، علماّ أنّ الصحابة كانوا لا يعلمون بانتهاء السورة إلّا بعد أن تأتي البسملة كما في قول الإمام الصادق عليه‌السلام : «ما أنزل الله من السماء كتابًا إلّا وفاتحته (بسم الله الرحمن الرحِيم وإّنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول (بسم الله الرحمن الرحِيم) ابتداءً للأخرى»[1].

ـ رابعًا: إنّ القاعدة أو الأصل العام في تسمية السور القرآنية على ما يظهر من أسمائها هو تسمية السورة بكلمة، أو باشتقاق كلمة واردة فيها[2].

لذلك تكون تسمية السور القرآنية ليست توقيفية مطلقًا، كما أنّها ليست اجتهادية مطلقًا، وإنّما بعضها توقيفي؛ كما أشارت الروايات إلى تسميتها، وبعضها اجتهادي وهي السورة التي لم ترد في حقّها تسمية من قِبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

المطلب الثالث: ترتيب السور:

والسؤال هنا عن الترتيب الموجود حاليًا للسور في المصحف الشريف هل هو ترتيب

(136)

من قِبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو حصل الترتيب لهذه السور بعد رحيله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟. وبعبارة أخرى: هل ترتيب سور القرآن الكريم توقيفي أو اجتهادي من قِبل الصحابة؟

والجواب: إنّ مسألة ترتيب سور القرآن الكريم مختلف فيها بين العلماء، فمنهم مَن قال: إنّه توقيفي، ومنهم ذهب إلى أنّه اجتهاد من قِبل الصحابة، ولنفصّل قليلاً هذه الأقوال:

أـ  ترتيب السور توقيفي:

ـ التوقيف في جميع سور القرآن الكريم:

1ـ قال أبو جعفر النحاس (ت:338هـ)[1]: «المختار أنّ تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله  صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لحديث واثلة: أعطيت مكان التوراة السبع الطوال...»[2].

2ـ قال الكرماني (ت:505هـ)[3]: «أول القرآن سورة الفاتحة، ثمّ آل عمران، على هذا الترتيب إلى سورة الناس، وهكذا هو عند الله تعالى في اللوح المحفوظ، وهو على هذا الترتيب كان يعرضه (عليه الصلاة والسلام) على جبريل عليه‌السلام كلّ سنة... »[4].

3ـ يقول محمد الحسيني الشيرازي (ت:1422هـ): «لا يخفى أنّ ترتيب السور - كما ورد - إنّما كان بأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أنّ إدخال كل آية في سورة خاصة كان كذلك»[5].

4ـ دكتور طه عابدين رجح القول «بأنّ ترتيب سور القرآن كلّها توقيفي»[6].

(137)

التوقيف في بعض سور القرآن الكريم:

1ـ قال البيهقي (ت:458هـ): «كان القرآن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرتبًا سوره وآياته على هذا الترتيب إلّا الأنفال وبراءة»[1].

 2ـ قال ابن عطية (ت:542هـ)[2]: «وظاهر الآثار أنّ السبع الطوال، والحواميم، والمفصّل، كان مرتبًا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان في السور ما لم يرتب»[3].

ب ـ ترتيب السور اجتهادي:

1ـ قال القاضي عياض (ت:544هـ)[4]: «إنّ ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف، وأنّه لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل وكّله إلى أُمته بعده»[5].

2ـ قال السيوطي (ت:911هـ): «كان القرآن كُتب كلّه في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور»[6].

3ـ قال الطباطبائي (ت:1402هـ): «إنّ ترتيب السور إنّما هو من الصحابة في الجمع الأول والثاني ومن الدليل عليه ما تقدّم في الروايات من وضع عثمان الأنفال وبراءة بين الأعراف

(138)

ويونس، وقد كانتا في الجمع الأول متأخرتين»[1].

والذي يترجّح هو القول باجتهاد الصحابة في الترتيب الموجود لسور القرآن الكريم، والدليل على ذلك: اختلاف مصاحف الصحابة، والأرجح هو أنّ بعض السور كان ترتيبها من قِبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ذهب إلى ذلك ابن عطية والبيهقي؛ لأنّ بعض السور القرآنية معلوم ترتيبها منذ زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعن «سليمان بن بلال يقول: سمعت ربيعة يسأل لِم قدّمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة، وإنّما نزلتا بالمدينة؟ فقال ربيعة: قد قدّمتا وأُلّف القرآن على علم ممَّن ألّفه وقد اجتمعوا على العلم بذلك، فهذا ما ننتهي إليه ولا نسأل عنه»[2]. وبعضٌ آخر جاء ترتيبه من قِبل الصحابة مقدّمين السور الطوال، ثمّ المئين، ثمّ المثاني، ثمّ المفصّل، فترتيب الصحابة للسور القرآنية جاء بحسب طول السورة وقصرها. أمّا ترتيب الآيات فقد «أجمع العلماء سلفًا وخلفًا على أنّ ترتيب الآيات في السور توقيفي، أي: اتبع الصحابة فيه أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله، وتلقاه النبي الكريم عن جبرئيل عليه‌السلام ، ولا يشتبه في ذلك أحد»[3].

المطلب الرابع: تقسيم سور القرآن الكريم:

قُسّمت سور القرآن الكريم إلى أربعة أقسام؛ وهي[4]:

1ـ الطوال: سمّيت بهذا الاسم؛ لأنّها أطول سور القرآن الكريم، وهي: سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، واختلف في السابعة هل هي الأنفال وبراءة ـ بسبب عدم الفصل بينها بالبسملة ـ أو سورة يونس، أو سورة الكهف.

2ـ المئون: المراد بها هي السور التي تتجاوز عدد آياتها المئة أو تساويها.

(139)

3ـ المثاني: وهي السور تكون عدد آياتها أقل من المئة؛ وقيل في سبب تسميتها بالمثاني: إنّها جاءت بالمرتبة الثانية بعد الطوال، أو لتثنيتها الأمثال التي ذكرتها.

المفصّل: وهي السور القصار وتبدأ من سورة (ق)، أو الحجرات حتى سورة الناس، وسمّيت بالمفصّل؛ لكثرة ورود البسملة الفاصلة بين سورها.

المطلب الخامس: رأي المستشرقين السويديين في تسمية السور وترتيبها ومناقشتهم:

أـ تسمية السور:

يرى (كارل يوهان تورنبيرغ) أنّ التسمية تارةً لا توافق المحتوى، بل تأتي مختلفة، وأحيانًا تكون التسمية عشوائية، «كلّ فصل (سورة) يحمل اسمًا، وأحيانًا يحمل اسمًا مختلفًا وعشوائيًا من كلمة أو جملة مثل: (البقرة، والرعد، والزلزلة)...إلخ»[1].

أمّا (كارل فلهلم زتّرستين) فإنّه يذهب إلى أنّ «كل سورة لها اسم معين، غالبًا ما تم اختيارها بشكل اعتباطي؛‏ بسبب كلمة تظهر بشكل مؤقت أو أكثر في النص، على سبيل المثال: البقرة، الشمس، إلخ»[2].

في حين نجد نظرة (كريستر هيدين) لتسمية السور تختلف عمّا ذكره (تورنبيرغ) و(زتّرستين) من كون التسمية عشوائية أو اعتباطية، فقال: «كلّ سورةٍ لها اسم مأخوذ (مشتق) من المحتوى، في بعض الأحيان هذا الاسم يكون لإعلان محتوى جيد، على سبيل المثال: عنوان (سورة 12، يوسف)؛ لأنّ كلّ هذه السورة تتحّدث عن يوسف»[3].

إلا أنّه يُشير إلى أنّ التسمية هي عبارة عن مصطلح تسمية لا أكثر، فـ«اسم السورة هو مصطلح تسمية فقط، على سبيل المثال: عنوان (سورة 2، البقرة) ولكن محتواها يختلف كثيرًا عن البقرة التي ضحى الإسرائيليون بها وفقًا (للآية 63-66 من السورة 2، البقرة): ﴿وَإِذْ  

(140)

أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ‎﴿٦٣﴾‏ ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ ‎﴿٦٤﴾‏ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ‎﴿٦٥﴾‏ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ »[1].

المناقشة:

تقدّم الكلام في أقوال العلماء والباحثين في تسمية السور، فعلى القول الأول الذي ذهب إلى أنّ تسمية السور توقيفي، وهو من عمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا مجال للكلام حينئذٍ طالما التسمية توقيفية، فلا تخلو التسمية من حكمة إلهية نجهلها نحن، كما يجهلها المستشرقون، ونسلّم بها نحن تعبدًا؛ لأنّها من رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، أمّا المستشرقون فبسبب جهلهم وجه الحكمة بالتسمية، رموها تارةً بالعشوائية وأخرى بالاعتباطية.

وبناءً على القول الثاني القائل بأنّ تسمية السور عمل اجتهادي من قِبل الصحابة، فهنا يأتي الإشكال الذي ذكره المستشرقون، أي: الاعتباطية والعشوائية، فالكلام يوجّه إلى الصحابة لماذا سمّيتم سورة البقرة بهذه التسمية وكذلك تسمية باقي السور؟ وهل التسمية جاءت كما ذكر المستشرقون بأنّها اعتباطية وعشوائية، أو هناك سبب ودافع وراءها؟

 والجواب: إنّ تسمية السور من الأمور الاجتهادية والاعتبارية التي تصحّح تسمية السور لأدنى مناسبة، كما في سورة النساء، فإنّها ذكرت النساء وأحكامهن، أو باعتبار أول السورة كما في سورة التوبة؛ فإنّها تسمّى براءة؛ بسبب افتتاحها بهذه الكلمة، وهكذا بقيّة السور فإنّ تسميتها لا تخلو من وجه وليس في ذلك من اعتباطية[2].

ب ـ ترتيب السور:

يرى (كارل يوهان تورنبيرغ) «أنّ علماء الأزمنة الأخيرة كانوا يحاولون ترتيب القطع القرآنية في تسلسل زمني محدد، ولكنّهم تمكنوا فقط من ترتيب القطع في زمن بعد الهجرة،

(141)

على الرغم أيضًا من الاختلافات المهمة في التجارب الخاصة»[1].

ولم يخالف (كارلُ فلهلم زتّرستين) سابقه (كارلَ يوهان تورنبيرغ) في مسألة ترتيب السور؛ حيث ذهب إلى أنّ القرآن الكريم يجب ترتيبه بحسب نزوله مبيّنًا أنّ هذه المهمة صعبة بالنسبة للسور المكية؛ إذ إنّ «تحديد هذا الترتيب في أجزاء مختلفة من القرآن هو مهمة صعبة للغاية»[2]، ثمّ يبيّن أنّ هذه الصعوبة تتذلل حينما نعرف أنّ هذه السورة مكية وتلك مدنية، فيمكن ترتيب المكي، ثمّ المدني بحسب نزولها، حيث قال: «عمومًا لا يرتبط مع أيّ صعوبات كبيرة لتحديد ما إذا كان يوجد فصل خاص قد أُنزل في مكة أو المدينة، وفي هذا الصدد تتوافق عمومًا التقاليد المحمدية من النتائج العلمية الأوروبية»[3] ويذكر «أنّ محاولة جعل الفصول المكية في الترتيب الزمني سيجعلها تصبح غير مؤكدة إلى حدّ ما»[4].

أمّا ترتيب السور المدنية «فإنّ المهمة أسهل عمومًا؛ لأنّ الأحداث خلال المراحل اللاحقة من أنشطة وأعمال محمد هي أفضل بكثير، أي: معروفة أكثر من أحداث الفترة الأولى، وعلاوةً على ذلك، فإنّ المعلومات الحديثة تتحدّث كثيرًا عن الأحوال الحقيقية أكثر من المعلومات القديمة، إلى حدّ ما عن الوحي الوهمي»[5].

أمّا (كريستر هيدين) فلم يخالف المسلمين في هذا الأمر فبيّن أنّه «لم يكن هناك اقتراح مشكوك فيه عن أيّ سورةٍ سوف تكون مقدّمة للقرآن، وتكون في الأول، والتي تُسمى مقدّمة السور أو افتتاحية السور، ولكن السور المتبقية (113) لم يكن هناك أيّ مبدأ معين لها، وقد تم اختيار ترتيبها حسب طول السورة؛ بحيث أصبح أطولها في الترتيب الثاني، ثمّ تأتي بعدها الأقل في الطول إلى السورة (114)»[6].

لكن (محمد كنوت برنستروم)، يقول: «إنّ الترتيب التاريخي للوحي لا ينعكس في القرآن

(142)

الكريم، وإنّما جاء الترتيب على يد زيد بن ثابت وغيره من الصحابة الذين سمعوا النبي نفسه يتلو القرآن في رمضان»[1].

وما تقدّم يتبيّن أنّ كل من (تورنبيرغ) و(زتّرستين) قد ركّزا على ترتيب السور القرآنية زمنيًّا، وأنّ السور المدنية من ناحية ترتيبها زمنيًّا أسهل من السور المكية، وهما في ما ذهبا إليه تبع لمَن تقدّمهما من المستشرقين كما تقدّم ذكر ذلك تفصيلًا[2]، أمّا (هيدين) فلم ينسَق وراء تخرّصات المستشرقين، وقال بما قال به المسلمون، ولكن الغريب أن يذهب (برنستروم) إلى أنّ الترتيب كان على يد زيد بن ثابت من دون ذكره أنّ هناك سورًا قد رُتّبت من قِبل
النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ذكرنا ذلك آنفا.

مناقشة آراء المستشرقين السويديين في ترتيب السور:

يبدو أنّ الترتيب الزمني الذي أشار إليه المستشرقان (كارل يوهان تورنبيرغ) و(كارل فلهلم زتّرستين) هو ترتيب وجيه؛ لأنّ هناك مصحفًا من المصاحف قد رُتّب على هذه الطريقة، أي: جاءت سور هذا المصحف بحسب ترتيب نزولها، وهو مصحف علي بن أبي طالب عليه‌السلام الذي«أوله اقرأ، ثمّ المدثر، ثمّ ق، ثمّ المزمل، ثمّ تبت، ثمّ التكوير، وهكذا إلى آخر المكي والمدني»[3].

ولا يبعد أن يكون هذا الترتيب الذي سار عليه الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام في مصحفه هو بأمر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذا كان كذلك فحينئذٍ يكون ترتيبه توقيفيًا.

ولكن هناك مصاحف أخرى تختلف عن مصحف علي عليه‌السلام ، كمصحف عبد الله بن مسعود، ومصحف أُبي، وغيرهما من الصحابة الذين عُرفوا بكتّاب الوحي، كما أنّ مصحف عثمان أيضًا يختلف في ترتيب سوره.

 يظهر من ذلك أنّ الصحابة كانت ترى في ترتيب السور أمرًا سائغًا لها؛ لذلك اختلفت مصاحفهم، وجاء مصحف عثمان مرتّبًا بحسب الترتيب المعلوم.

(143)
(144)

 

 

 

 

المبحث الرابع

جمع القرآن الكريم وموقف المستشرقين السويديين منه

 

المطلب الأوّل: معاني جمع القرآن الكريم.

المطلب الثاني: رأي المستشرقين في جمع القرآن.

المطلب الثالث: لفظة القرآن.

المطلب الرابع: تسمية القرآن عند المستشرقين.

المطلب الخامس: مناقشة المستشرقين السويديين.

 

(145)
(146)

توطئة:

 ترتبط قضيّة جمع القرآن الكريم بتاريخه وتدوينه عمومًا، وهي مسألة شغلت فكر العلماء والباحثين، حيث تناولوها بالبحث والبيان في كتب التفسير وعلوم القرآن، ووصلوا إلى نتائج تدلّ على وقوع الجمع في زمن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ على أقلّ تقدير بالنسبة لجمع القرآن ضمن الصدور؛ بمعنى حفظه، وتدوين آياته مرتّبة ضمن السور من قِبَل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتدوين بعض الصحابة لما كان ينزل من القرآن وعرضهم ما دوّنوه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من مرّة... ولكنّ بحث هذا الموضوع عند «المستشرقين اتخذ منحى آخر اتسم بالتشكيك واعتماد النصوص الشاذة، والروايات الضعيفة والواهية، ما كان نتيجته مواقفَ مريبةً حول توثيق النص القرآني بما يفتح المجال واسعًا للشك في صحة القرآن، أو في وجود عناصر أجنبية عنه تسربت إليه؛ بسبب تأخر تدوينه، أو بدائية الوسائل المستعملة، أو ضعف المنهج المعتمد، أو غير ذلك»[1]. وفي ما يأتي بيان للمراد من الجمع، ومتى حصل الجمع؟ وهل كان في زمن
النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أو كان بعد رحيله إلى الرفيق الأعلى؟ ومن ثمّ ذِكر آراء المستشرقين السويديين ومناقشتها.

المطلب الأوّل: معاني جمع القرآن:

يبدو أنّ للجمع أربعة معانٍ، وهي:

أوّلًا: الجمع بمعنى الحفظ في الصدور:

أـ حفظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للقرآن الكريم:

لا شكّ في أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله كان مولعًا بالوحي، يترقّب نزوله في كلّ حين من أجل حفظه وفهمه، فهو أوّل الحفّاظ وسيدهم، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان «إذا أتاه جبريل عليه‌السلام بالوحي لم يفرغ حتى يزمل من الوحي حتى يتكلّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأوله؛ مخافة أن يغشى عليه، فقال له جبريل: لِمَ تفعل ذلك. قال: مخافة أن أنسى. فأنزل الله عزوجل

(147)

﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى [سورة الأعلى، الآية6]»[1]. فلم يكن تكلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتحريك لسانه بما يوحى إليه إلّا شوقًا وشغفًا وحرصًا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله لحفظه، ومن ثَمّ تبليغه لأمته، فكان يتلوه عن ظهر قلب ليل نهار كما أنّ القرآن كان يُعرض عليه بالسنة مرّة، وفي عامه الأخير عُرض عليه مرتين، فعن أبي هريرة، قال: «كان يُعرض القرآن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ عام مرّة، فلمّا كان العام الذي قُبض فيه عرض عليه مرتين»[2]، كما أنّ الصحابة كانوا يَعرضون ما عندهم من القرآن عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيُخبرهم بحسن حفظهم، فعن ابن مسعود، قال: «إنّي قرأت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعين سورةً، وكان يُعرض عليه القرآن في كلّ سنة، وكنت أعرض عليه، فيخبرني أنّي محسن حتى كان عام قُبض فيه، فعُرض عليه مرتين، ثمّ قرأت عليه»[3].

لا ريب في حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب من قِبل النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث تكفّل الله تعالى بذلك بقوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ [سورة الأعلى، الآية6].

ب ـ حفظ الصحابة للقرآن الكريم:

هناك عوامل عدّة توافرت للصحابة لحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وأهم تلك العوامل هي[4]:

ـ امتيازهم  بقوّة الحافظة، فقد كان الواحد منهم يحفظ القصيدة الطويلة من الشعر بمجرد أن يسمعها أوّل مرّة.

ـ النزول التدريجي للقرآن أسهم إلى حدٍ كبير في سهولة حفظه.

ـ فرض قراءة شيء من القرآن الكريم في الصلاة، فضلًا عن الأجر والثواب.

(148)

ـ وجوب العمل بالقرآن الكريم؛ إذ إنّه دستورهم الذي يرجعون إليه في عباداتهم ومعاملاتهم.

ـ حث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين على قراءته والترغيب بما يناله قارئ القرآن من الثواب والأجر الجزيل فـ«عن عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه  قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله  يقول: مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن (ألف) حرف، و(لام) حرف، و(ميم) حرف»[1].

ـ تعليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله  بنفسه الصحابة القرآن الكريم، فكان الصحابة تلاميذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو شيخهم ومعلمهم، وإذا أسلم أحد من الناس كان يوكل به مَن يُعلّمه كتاب الله وأحكامه.

فهذه العوامل وغيرها أنتجت لنا مجموعة كبيرة من الصحابة حفظة للقرآن الكريم في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار»[2]. وقد اشتهر مجموعة من الصحابة بإقراء القرآن الكريم وهم: سبعة: عثمان، وعلي، وأُبي، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء. وأخذ عن أُبي جماعة من الصحابة، منهم: أبو هريرة، وابن عباس، وعبد الله بن السائب، وعبد الله بن عياش، وأبو عبد الرحمن السلمي، كما وأخذ عنهم خلق من التابعين[3]. وما يدلّ على أنّ القراءة كانت عن ظهر قلب قول الله تعالى في الحديث القدسي «...وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه نائمًا ويقظانًا»[4]، فـمن «يفهم أنّ القرآن يقرأ عن ظهر قلب في كلّ حال، فلا يحتاج جامعه إلى النظر في صحيفة كُتبت بالمداد الذي ينطمس ويزول إذا غسل بالماء»[5].

وقد «ثبت حفظ الصحابة للقرآن في صدورهم بما يبلغ رتبة التواتر بل يزيد عليها أضعافًا،

(149)

تجعلنا نتيقن ما قاله الإمام أبو الخير بن الجزري: إنّ الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة»[1].

فحفظ الصحابة لكتاب الله ربما لا يحتاج إلى دليل لتواتر النقل بذكر حفاظ القرآن الكريم الذي بلغ عددهم مئات.

ثانيًا: الجمع بمعنى كتابته:

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكلّف جماعة من الصحابة، كعلي عليه‌السلام، وعبد الله بن مسعود، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وغيرهم بكتابة الوحي المنزل عليه، ويرشدهم إلى موضع المنزل من سورتها، فعُرفوا بكتّاب الوحي، فكان هؤلاء الكتّاب يخطّون بأناملهم ما ينزل من القرآن في العُسب، واللخاف، والرقاع، والأقتاب، والأكتاف، فعن «زيد بن ثابت قال: كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نؤلف القرآن من الرقاع»[2]. وإنّما أراد زيد بن ثابت بقوله (نؤلف القرآن من الرقاع) تأليف ما نزل من الآيات المتفرّقة في سورتها وجمعها فيها، بإرشاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله [3]. و«عن يزيد الفارسي، قال: سمعت ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني، فجعلتموهما في السبع الطوال، ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحِيم)؟ قال عثمان: كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا تنزل عليه الآيات فيدعو بعض مَن كان يكتب له، ويقول له: ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وتنزل عليه الآية والآيتان، فيقول مثل ذلك، وكانت الأنفال من أول ما أُنزل عليه بالمدينة، وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنّها منها، فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال، ولم أكتب بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحِيم)»[4].

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال: «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي: يا علي القرآن خلف فراشي

(150)

في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه، ولا تضيعوه كما ضيّعت اليهود التوراة، فانطلق علي عليه‌السلام فجمعه في ثوب أصفر، ثمّ ختم عليه في بيته، وقال: لا أرتدي حتى أجمعه، فإنّه كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه»[1]، وعن عامر الشعبي أنّه قال: «جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستة من الأنصار: زيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وسعد بن عبادة، وأُبي بن كعب، وفي حديث زكريا وكان جارية بن مجمع بن جارية قد قرأه إلّا سورة أو سورتين»[2].

إنّ هذه الكتابة لم تكن في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مجتمعة في مصحف واحد، بل كان مكتوبًا عند هذا، ليس عند ذاك، وقد نقل العلماء أنّ نفرًا منهم: علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، قد جمعوا القرآن كلّه على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر العلماء أنّ زيد بن ثابت كان متأخرًا عن الجميع[3].

ومن خلال ما تقدّم يتبيّن أنّ القرآن كان مكتوبًا عندهم بنسخ متعدّدة في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وبذلك تحقق للقرآن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الحفظ التام بنوعيه: حفظ الصدور وحفظ السطور[4].

كما يمكن القول: إنّ المصحف لم يكن مجموعًا بكامله في كتاب واحد عند أيّ صحابي في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّهم كانوا يتوقعون نزول الوحي في أيّ لحظةٍ، ولم يكونوا يعلمون بنهاية الوحي إلّا بوفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثالثًا: الجمع بمعنى وضعه في مصحف واحد:

بعد رحيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جوار ربّه بقيَ القرآن الكريم منتشرًا في قراطيس لم يُعمد إلى جمعه في مصحف واحد، ثمّ انبرى علي بن أبي طالب عليه‌السلام لهذه المهمّة بوصيّة من
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث أقسم على أن لا يرتدي رداءه إلّا لصلاة حتى يجمع كتاب الله عزوجل ،

(151)

وفعلًا قام بجمعه حسب ترتيب نزوله، مقدّمًا منسوخه على ناسخه، ذاكرًا أسباب نزوله، وقدّمه لأبي بكر في ما بعدُ، وبعد أن اطّلع عليه أحد الصحابة تم رفض هذا المصحف، فرجع به علي عليه‌السلام إلى بيته ولم يُظهره، وهذه بعض النصوص الدالة على أنّ المتولّي الأوّل لجمع القرآن كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام . يصف عكرمة مولى ابن عباس (ت:105هـ) هذا المصحف بقوله: «لو اجتمعت الأنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا»[1]. والسبب في عدم استطاعتهم الإتيان بمثل مصحف علي؛ لأنّه جمعه عليه‌السلام «وفق ترتيب النزول: المكي مقدّم على المدني، والمنسوخ مقدّم على الناسخ، مع الإشارة إلى مواقع نزولها ومناسبات النزول»[2].

ويذكر ابن النديم (ت:438هـ): «إنّه [أي: علي بن أبي طالب عليه‌السلام ] رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقسم أن لا يضع على ظهره رداءه حتى يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه، وكان المصحف عند أهل جعفر»[3]. ثمّ يعقّب بقوله: «ورأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى حمزة الحسنى رحمه‌الله مصحفًا قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب يتوارثه بنو حسن على مرّ الزمان»[4].

والدليل على عدم إظهاره للناس بعد رفضه هو قول طلحة لعلي عليه‌السلام : «لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك عنه من أمر القرآن، ألّا تظهره للناس؟! قال: يا طلحة، عمدًا كففت عن جوابك، فأخبرني عمّا كتب عمر، وعثمان، أقرآن كلّه؟! أم فيه ما ليس بقرآن؟! قال طلحة: بل قرآن كلّه. قال: إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة»[5].

ولكن الذي حدث بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي زمن خلافة أبي بكر، بعد معركة اليمامة، وبعد أن استحرّ (أي اشتدّ) القتل بالقرّاء، الذي بلغ عددهم سبعين قتيلًا، طلب عمر بن الخطاب من أبي بكر أن يجمع القرآن الكريم؛ خوفًا من ضياعه، بسبب كثرة مَن قُتل من القرّاء

(152)

في هذه المعركة، فلم يوافق أبو بكر أولًا، ثمّ بعد الأخذ والرد وإلحاح عمر بن الخطاب وافق على جمعه، واختير لهذه المهمة زيد بن ثابت؛ لأسباب عدّة؛ منها: أنّه شاب، وكاتب للوحي، وشهوده العرضة الأخيرة، وغيرها من الأسباب.

ينقل لنا زيد بن ثابت كيفيّة تكليفه بجمع القرآن قائلًا: «أرسل إليّ أبو بكر مَقتَل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي‌الله‌عنه : إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وأنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنّك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتتبع القرآن فاجمعه. [قال زيد]: فوالله لو كلفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ما أمرني به من جمع القرآن. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب، واللخاف، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثمّ عند عمر حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر »[1].

قال الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن مبيّنًا عمل الخليفة الأوّل ما نصّه: «كتابة القرآن ليست بمحدثة، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر بكتابته، ولكنّه مفرّقًا في الرقاع والأكتاف والعسب، فإنّما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعًا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها القرآن منتشر، فجمعها جامع وربطها بخيط، حتى لا يضيع منها شيء»[2].

(153)

من رواية زيد بن ثابت وقول الحارث المحاسبي يتبيّن لنا ما هو العمل الذي قام به الخليفة الأوّل، ولكن يرد مفاده: بحسب رواية زيد فإنّ عمر بن الخطاب خاف على القرآن من الضياع؛ بسبب كثرة مَن قُتل في معركة اليمامة من القرّاء، وهذا الشعور من قِبل عمر بن الخطاب في غاية الأهميّة والحرص على كتاب الله عزوجل، ولكن بعد أن قام زيد بهذه المهمّة الشاقة، وجمع القرآن من اللخاف والعسب وغيرها، وجعلها في مصحف واحد وسلّمه لأبي بكر، لماذا بقيَ هذا المصحف عند أبي بكر ولم يُعمم على المسلمين جميعًا؟! فإنّه إذا عُمّم على المسلمين ارتفع خوف الضياع من عمر بن الخطاب وغيره ممَّن كان حرصهم على القرآن، ولَمَا حصل الاختلاف في مصاحف الصحابة أيضًا؛ الذي أجبر عثمان بن عفّان على توحيد تلك المصاحف، وينقل هذا التساؤل أيضًا لعمر بن الخطاب بعد وفاة أبي بكر؛ حيث انتقل المصحف إليه واحتفظ به، ثمّ انتقل إلى ابنته حفصة بعد وفاته؟!

والجواب الذي يخطر على البال: ربما يكون جمع القرآن بالنسبة للخليفة الأول والثاني كان لمزية تخصّهما من كونهما أول مَن تصديا لجمع القرآن الكريم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولكن هذه المزيّة لا تثبت مع تقديم علي بن أبي طالب عليه‌السلام لمصحفه الذي تولى جمعه قبل معركة اليمامة؛ حيث شرع بجمعه بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرةً؛ بدليل خبر ينقله ابن سعد(ت:230هـ) عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب وابن عون عن محمد قال: «نبئت أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر فلقيه أبو بكر فقال أكرهت إمارتي؟! فقال: لا، ولكنني آليت بيمين أن لا أرتدي بردائي إلّا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن... قال: محمد فلو أصيب ذلك الكتاب كان فيه علم»[1].

لذلك يثبت أنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام هو أوّل مَن تصدّى لجمع القرآن في مصحف واحد، من دون أن يسبقه سابق بذلك، فلا مزيّة لغيره عليه في جمع القرآن الكريم، فضلًا عن تقدّمه على غيره من الصحابة بأمور أخرى لا مجال لذكرها في هذا البحث.

رابعًا: الجمع بمعنى توحيد المصاحف:

لا شكّ في أنّ زمن عثمان بن عفّان كان زمن توحيد المصاحف على قراءة واحدة، وكان

(154)

السبب والدافع لهذا العمل هو تعدّد المصاحف وتمايزها واختلافها من حيث القراءة، ما أفزع حذيفة بن اليمان، الذي ذهب إلى عثمان بن عفّان وطلب منه أن يدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في كتاب الله اختلاف اليهود والنصارى، وفعلًا استجاب عثمان بن عفّان لهذا الطلب، واستجلب نسخة المصحف الموجودة عند حفصة  بنت عمر بن الخطاب، وطلب من زيد بن ثابت وثلاثة من قريش أن ينسخوا هذه النسخة في المصاحف، وإن اختلفوا مع زيد في شيء فيكتبوه بلسان قريش؛ لأنّ القرآن نزل بلسانهم. ولكنّ هؤلاء الأربعة لم يستطيعوا القيام بالأمر لوحدهم، ومن ثمّ وسّع عثمان لجنة توحيد المصاحف إلى اثني عشر رجلًا؛ منهم: أُبي بن كعب الأنصاري، وأنس بن مالك، وعبدالله بن عباس، وجعل أبي بن كعب على رأسها وأوكل إليه مهمّة أن يملي عليهم القرآن وهم يكتبون[1].

ويروي لنا البخاري (ت:256هـ) في صحيحه عن «ابن شهاب أنّ أنس بن مالك حدّثه أنّ حذيفة بن اليمان قدِم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنّما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كلّ أفق بمصحف ما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يُحرق»[2].

وينقل لنا السيوطي (ت:911هـ) سبب آخر لقيام عثمان بن عفّان بهذا العمل، فيقول: «أخرج ابن أشته من طريق أيوب، عن أبي قلابة، قال: حدّثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك، قال: اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلّمون، فبلغ ذلك عثمان بن عفّان، فقال: عندي تكذبون به وتلحنون فيه، فمن نأى عنّي كان أشدّ تكذيبًا وأكثر

(155)

لحنًا، يا أصحاب محمد، اجتمعوا فاكتبوا للناس إمامًا، فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤوا في آية قالوا هذه أقرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلانًا، فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة، فقال له: كيف أقرأك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا. فيكتبونها، وقد تركوا لذلك مكانًا»[1].

ولكن «المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان، وليس كذلك، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد، على اختيار وقع بينه وبين مَن شهده من المهاجرين والأنصار، لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، فأمّا قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن»[2].

ومسألة إحراق المصاحف من قِبل عثمان فإنّه إن لم يكن «قد أضاع على المسلمين شيئًا من دينهم، فقد أضاع على العلماء والباحثين كثيرًا من العلم بلغات العرب ولهجاتها...»[3].

ويرى السيد الخوئي (ت:1413هـ) «أنّ عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة، وهي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين، والتي تلقوها بالتواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه منع عن القراءات الأخرى المبتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف.. أمّا هذا العمل من عثمان فلم ينتقده أحد من المسلمين... ولكن الأمر الذي انتقد عليه هو إحراقه لبقيّة المصاحف، وأمره أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين، حتى سمّوه بحرّاق المصاحف»[4].

ويقول الدكتور محمد حسين الصغير: «في عقيدتي أنّ أهم الأعمال التي قام بها عثمان هو جمع الناس على حرف واحد، فقد قطع به دابر الفتنة والخلاف، وفيه جرأة كبيرة تحدّى بها كثيرًا من الصعوبات»[5].

نعم، لا شك في أنّ ما قام به عثمان بن عفّان من توحيد المصاحف قد دفع به إشكال

(156)

تعدد القراءات بين الصحابة واختلافهم في ما بينهم، وأيهما أصح قراءة من الآخر، ولكنْ بفعل الاختلاف الموجود في نسخ المصاحف العثمانيّة المنتسخة من النسخة الأمّ والتي أرسلها عثمان إلى الأمصار، وبفعل خلو المصاحف العثمانيّة عن النقط والإعجام والتشكيل، وكذلك طبيعة الخطّ العربيّ آنذاك وخلوّه عن الألفات الداخليّة، واختلاف اللهجات، وغيرها من العوامل... لم يحقّق هذا الجمع غايته بتوحيد الناس على قراءة واحدة؛ فبقية القراءات القرآنيّة مختلفة ومتعدّدة إلى يومنا هذا.

المطلب الثاني: رأي المستشرقين السويديين في جمع القرآن ومناقشتهم:

1ـ كارل يوهان تورنبيرغ:

يذكر (كارل يوهان تورنبيرغ) أنّ «القرآن في حالته الحالية ليس هو نفسه الملخّص من قِبل محمد نفسه«[1].

و«أنّ الذي جمعه خلال حياته بشكل منهجي نوعًا ما فسمّي (الإلهام، الوحي) هو أمر محتمل جدًا، وربما لم تكن جمل محمد المتروكة في كتاب مكتوب، أو نوع من الكتاب المقدّس لتعليم المؤمنين، وكان هذا الأمر سهلًا، أن يكتب خطابه خطيًا، ولكن من المحتمل أنّه قد كتب جزءًا منه لهم»[2].

خصوصًا مع وجود «أتباعه الذين كانوا يطلقون عليهم اسم (قُرّاء القرآن)، والذين كان لهم تأثير كبير في المجتمع... [و] قرّاء القرآن كان عددهم كبير جدًا، وقد كانوا موجودين خلال حياة محمد، واستقروا في كلّ مكان في الجزيرة العربية»[3]. إذًا من الطبيعي أنّ «قرّاء القرآن يمتلكون مجموعات كبيرة أو صغيرة من قطع القرآن، ثمّ إنّ الأحرف هنا تُعتبر مهمة جدًا، وإنّ الكلمات يجب أن تكون منقولة تمامًا، أي: كما تم أخذها من لسان النبي»[4].

(157)

وهؤلاء القرّاء «قد سمعوا محمدًا نفسه واتّبعوا خطبه وتعليماته... إلخ، ولدى كل واحد سجلاته أو مذاكراته[إلّا أنّه] لم يمضِ وقت طويل لاكتشاف أنّ كلّ قارئ قرآن لديه نصّ مختلف عن النصّ الآخر»[1].

وهذه الاختلافات «غالبًا ما كانت بسيطة جدًا، ولكن يُعتبر أصغر تغيير في الكلمة المقدّسة، والتي يجب أن لا يشوبها أيّ خطأ، جريمة يمكن أن تؤدي إلى فساد الدين واضطرابات اجتماعية؛ لأنّ الإلهام اللفظي هو دائمًا من عقيدة الإسلام الأساسية»[2].

وبعد نقل حذيفة بن اليمان الخبر في اختلاف المصاحف الموجودة بين المسلمين رأى عثمان بن عفّان «أنّه من الجيد السماح لإنشاء هيئة قرآنية جديدة ويكون ما جمعه زيد بن ثابت أساسًا لها؛ لأنّه أول مَن جمع أجزاء الكتاب المتناثرة، وقد قام بإرسال النصوص إلى جميع المدن الرئيسة، والمجموعات الأخرى، كما تمّ تدمير قطع من القرآن بأوامر من الخليفة، وهكذا، صدر القرآن بوصفه قانونًا لا يتغيّر لجميع المسلمين»[3].

ثمّ يبيّن بعد ذلك أنّه لا يوجد اختلاف بين الهيئة المشكلة من قِبل الخليفة الأول وبين الهيئة المشكلة من الخليفة الثالث من حيث الجوهر، فقال: «ليس لدينا أيّ سبب للافتراض بأنّ هذه الهيئة الثانية لتحرير القرآن أو ما تسمّى بهذا الاسم تختلف جوهريًا عن الأولى أو تختلف عن نسخة أبي بكر»[4]. والنتيجة «أنّ الترتيب الحالي والشكل الخارجي هو عمل تمّ جمعه في وقت لاحق، والذي اعتبر أمرًا ضروريًا بعد وفاة النبي»[5].

الدافع لجمع القرآن الكريم في رأي (كارل يوهان تورنبيرغ):

يقول: «لقد تغيّرت العلاقة بشكل سريع بعد وفاة النبي، حيث في اليمامة ظهر شخص ادّعى النبوة والذي كان يسمّى (مسيلمة) وقد حصل في بلده على حزب له أهمية كبيرة، وخلال حكومة (خلافة) الخليفة الأول أبي بكر قاد حروبًا دامية ضدّه، وحُسمت المعركة في

(158)

عام (632م أو633م)، حيث سقط عدد كبير من المسلمين ومن بينهم عدد من قرّاء القرآن»[1].

وطلب عمر بن الخطاب من «أبي بكر أن يرتّب مجموعة منها، والتي يمكن الحصول عليها منهم... ما دام يوجد في ذلك الوقت الحفّاظ الذين يعلمون أهمية هذه المسألة»[2].

كُلّف بهذه المهمة الشاقة «زيد بن ثابت الذي كان أمين النبي (محضر النبي، سكرتير النبي) والذي جمع من جميع الجوانب وقد وحّدها من وحي محمد الحقيقي»[3].

وفعلًا قام زيد بهذا العمل «وسلّم لأبي بكر أوّل نسخة كاملة للقرآن، ولا تزال هذه النسخة غير منظمة»[4].

فبعد تسليم زيد نسخة القرآن الذي جمعه من الصحابة بعد عناء طويل ومشقّة يستغرب هذا المستشرق من عمل الخليفة الأول وكذلك الثاني؛ بسبب احتفاظهم بهذه النسخة وعدم نشرها بين المسلمين للاستفادة منها، وبقائها ملكية خاصّة قال: «هذه المخطوطة لا تختلف عن النص الكنسي. أي: إنّ الرأي لم يكن واضحًا، وبهذه الطريقة تُرِك كتاب قانون مكتوب ولم يُنشر في جميع أنحاء مناطق الإسلام، وكانت النسخة ملكية خاصة للخليفة، انتقلت بعد وفاة عمر إلى ابنته حفصة أرملة النبي»[5].

2ـ كارل فلهلم زتّرستين:

يذهب (كارل فلهلم زتّرستين) إلى أنّ هناك مشكلة في عدم إكمال جمع القرآن الكريم في زمن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذه المشكلة هي تراجع النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الأحيان عمّا قاله سابقًا، فيقول: «بالفعل كُتب الوحي المُنزل في حياة محمد من قِبل أتباعه، ولكن بعد ذلك اكتشف أنّ الوحي المُنزل لم يكن دائمًا منطقيّا، وإنّما تراجُع‏ محمد في بعض الأحيان عمّا قاله

(159)

من قبلُ»[1]. ما أدى إلى عدم تنظيمه حتى جاء الخليفة الأول فرتب مجموعة من آياته التي كانت متفرقة عند الصحابة بعضها كان مكتوبًا وبعضها أخذ من ذاكرتهم. قال: «إنّما قد وُجد القرآن عندما توفي في وضع خاص وغير منظّم، وفي ظل الخليفة أبي بكر ـ الذي تولى الخلافة من عام (632م ـ 634م) ـ فرتب مجموعة من الآيات القرآنية المُتَفَرقة (المنتشرة)، التي كان المؤمنون يحتفظون بها في ذاكرتهم، وجزء منها مكتوب خطيًا»[2].

3ـ كريستر هيدين:

 خالف (كريستر هيدين) أصحابه في جمع القرآن الكريم وذهب إلى أنّ الجمع قد حصل في زمن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بإملائه «حيث كان محمد يقرأ النصّ ويُمليه بعد ذلك إلى كاتب يكتب النص»[3]. ويُشير إلى مواكبة نشاط المسلمين مع بدء الدعوة مع الوحي من حيث حفظه وتعلّمه، فقال: «بدأ محمد نشاطه في مكة، وبعد ذلك انتقل إلى المدينة في عام (622م)؛ ولذلك بدأ المسلمون بتعلّم القرآن في وقت مبكر في مكة أو في المدينة»[4].

 فالقرآن الكريم «نصّ كُتِبَ باللغة العربية في القرن السابع، ثمّ استُنسِخَ في المستقبل من دون أيّ تضارب في صياغة النصوص الصحيحة، وإنّ النصّ الأصلي احتُفظ به من دون أيّ تغييرات أو إضافات»[5]. وحصل هذا الاستنساخ بعد أن «مسّت الحاجة إلى النص المكتوب (الصياغة الصحيحة)، فدوِّن من قِبل الخليفة عثمان حوالي عام (650م)»[6].

4ـ محمد كنوت برنستروم:

يرى (محمد كنوت برنستروم) أنّ القرآن قد «دوِّن في عهد الخليفة الثالث عثمان، أي: بعد حوالي عشرين عامًا من وفاة النبي، واستمر حتى يومنا هذا»[7].

(160)

5ـ قانيتا صديق:

 يقول (قانيتا صديق): «على الرغم من أنّ فنّ الكتابة لم يسبق له مثيل ولم يكن منتشرًا في الجزيرة العربية في ذلك الوقت، فقد دوِّن القرآن المقدّس (الكريم) من البداية، وقد وظِّف كُتّاب في أوقات مختلفة مُعدّين لهذا الغرض، ومن أبرز هؤلاء الكُتاب: أبو بكر، وعلي، وزيد بن ثابت، وزبير بن العوام »[1].

وعلاوةً على ذلك، فقد حفظ عدد كبير من الصحابة القرآن الكريم ‏عن ظهر قلب؛ إذ إنّ حفظ الأعمال الكبيرة والأدبية ‏عن ظهر قلب لم يكن شيئًا جديدًا على العرب، ومن المعروف أنّ بعضهم قد حفظ حوالي مئة ألف بيت من الشعر العربي عن ظهر قلب[2]، «وهكذا، تحقّق الحفاظ على القرآن الكريم من خلال نظام مزدوج من البداية إلى النهاية، ما أدى إلى أنّ نصّ القرآن الكريم بقيَ من دون تغيير وسليمًا»[3]. وبعد ذلك ذكر أنّه فشلت محاولات بعض الباحثين الغربيين لإثبات العكس، واضطر النقّاد أخيرًا، بعد استخدام قواعد الانتقاد الصارمة إلى الاعتراف بأنّ القرآن الكريم اليوم، هو بالضبط  الوحي الربّانيّ نفسه الذي أوحاه إلى رسوله الكريم وبلّغه محمّد إلى أتباعه[4].

ثمّ استشهد بأقوال بعض المستشرقين المؤيدة لما قاله، نختار منها أنموذجين اثنين:

القول الأول: هو للسير ويليام موير حيث قال: «لقد ظهرت جماعات متقاتلة ومثيرة للجدل منذُ قتل عثمان وبعد أقل من ربع قرن من وفاة محمد، ومنذُ ذلك الحين انقسم العالم المحمدي، ومع ذلك لم يقبلوا من بعضهم البعض سوى القرآن، وأنّهم جميعًا وبالإجماع يستخدمون الكتاب نفسه في كلّ عصر وحتى اليوم، وهذا دليل قاطع على أنّه لدينا الآن بالضبط النصّ الذي أُعِدّ بأمر من الخليفة، ومن المحتمل أنّه لا يوجد أيّ عملٍ آخر في كلّ العالم قد حُفِظَ نصّه بشكل أصلي وغير زائف لمدّة اثني عشر قرنًا»[5].

(161)

والقول الثاني: هو لـ(إلوود موريس) حيث قال: «نصّ القرآن هو الأكثر أصالة وغير زائف من جميع الأعمال التي تنتمي للحقبة نفسها»[1].

وغيرها من الأقوال التي نقلها عن المستشرقين أعرضنا عن ذكرها لتضمنها مفاد القولين المتقدّمين.

مناقشة آراء المستشرقين في جمع القرآن:

إنّ (كارل يوهان تورنبيرغ) يحتمل أنّ القرآن الكريم قد كُتب جزء منه في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ بعد ذلك يُشير إلى أنّ قرّاء القرآن أيضًا كتبوا القرآن، ولكن حصل الاختلاف البسيط في مصاحفهم، ثمّ تولى الخليفة الثالث عثمان بن عفّان تصحيح هذا الاختلاف.

فنقول: إنّ القرآن الكريم لم يُكتب جزء منه فقط في زمن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل كان جميعه مكتوبًا، ولكنّه لم يكن مجموعًا في مصحف واحد بين دفتين، وإنّما كان مفرّقًا في القراطيس والرقاع واللخاف، فكلّ كاتب للوحي كان يحتفظ بنسخته من القرآن الكريم، فضلًا عن نسخة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واختلاف المصاحف الذي أشار إليه لدليل على كتابته في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمّا (كارل فلهلم زتّرستين) فقد ذكر نقطتين أساسيتين في مسألة جمع القرآن الكريم؛ هما:

النقطة الأولى: عدم حصول الجمع في زمن الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لوجود مشكلة عند النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي تراجعه عمّا يقوله للمسلمين من الوحي!

والنقطة الثانية: هي أنّ مسألة جمع القرآن حصلت في زمن الخليفة الأول حصرًا.

مناقشة النقطة الأولى:

أولًا: يعترف هذا المستشرق أنّ المسلمين الأوائل قاموا بتدوين القرآن الكريم وتسجيله.

ثانيًا: لم يذكر لنا متى تنبّه المسلمون لتراجع النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عمّا قاله لهم، هل كان ذلك

(162)

في بدء الدعوة في مكة أو كان بعد هجرته إلى المدينة؟

والظاهر أنّ هذا الطعن الذي وجّه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ بسبب قصة الغرانيق المتقدّم ذكرها؛ حيث لم يعهد من المستشرقين أن ذكروا تراجع النبي عمّا قاله من الوحي سوى قصة الغرانيق، وإذا كان هذا السبب أو الدافع وراء تهمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، فالجواب كما تقدّم نذكره باختصار:

ـ القرآن الكريم يُثبت زيف هذا الطعن وبطلانه، قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ‎﴿٤٤﴾‏ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ‎﴿٤٥﴾‏ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [سورة الحاقة، الآيات44 ـ46].

ـ في قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ ‎﴿١٩﴾‏ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ ‎﴿٢٠﴾‏ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ ‎﴿٢١﴾‏ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ‎﴿٢٢﴾‏ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ [سورة النجم، الآيات19 ـ 23]. لا يمكن أن تقحم (تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى)؛ لأنّها مناقضة لقوله تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ....

ـ هذه القصة موضوعة ولا أساس لها من الصحة، وضعها أهل الزندقة طعنًا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

مناقشة النقطة الثانية:

إنّ القرآن كان مجموعًا في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤلفًا في الرقاع وغيرها من قِبل كتّاب الوحي، كما أنّ هناك نسخة للقرآن الكريم كانت موجودة عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها للإمام علي عليه‌السلام ، فعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال: «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي: يا علي القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيّعت اليهود التوراة. فانطلق علي عليه‌السلام فجمعه في ثوب أصفر، ثمّ ختم عليه في بيته، وقال: لا أرتدي حتى أجمعه فإنّه كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه»[1]، كما أنّ بعض الصحابة كانت عندهم نُسخ أخرى للقرآن الكريم، فروي عن عامر الشعبي أنّه قد قال: «جمع القرآن

(163)

على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستة من الأنصار: زيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وسعد بن عبادة، وأُبي بن كعب، وفي حديث زكريا وكان جارية بن مجمع بن جارية قد قرأه إلّا سورة أو سورتين»[1].

أمّا الجمع في زمن الخليفة الأول، فقد قام الخليفة الأول بتكليف زيد بن ثابت بتوجيه من عمر بن الخطاب بجمع القرآن الكريم في نسخة واحدة، تم الاحتفاظ بها في ما بعد عند الخليفة الأول، ثمّ الثاني، ثمّ بنت الثاني، حتى تسلّم عثمان بن عفّان زمام أمور المسلمين ووحَّد جميع المصاحف في مصحف واحد وأرسله إلى الأمصار.

الغريب في الأمر أنّ (محمد كنوت برنستروم) يذهب إلى أنّ التدوين حصل في وقت متأخر حيث قال: «تم تدوينه في عهد الخليفة الثالث عثمان، أي: بعد حوالي عشرين عامًا من وفاة النبي، واستمر حتى يومنا هذا»[2].

فنقول: إذا كان (محمد كنوت) يقصد بالتدوين جمعه في مصحف وتوحيد باقي المصاحف الموجودة عند المسلمين عليه، فهذا ما أشرنا إليه في ما تقدّم من أنّ عثمان بن عفّان قام في زمنه بتوحيد المصاحف؛ بسبب تفشي الاختلاف في قراءة القرآن الكريم، وأمّا إذا كان يقصد من تدوينه كتابة القرآن، فهذا غير صحيح لما تقدّم من كون الجمع حصل في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

المطلب الثالث: لفظ القرآن:

للقرآن الكريم أسماء كثيرة وكلّ اسم من هذه الأسماء يُشير إلى خاصيّة من خصائص القرآن، وهذه الأسماء هي على خلاف ما سمّى به العرب كلامهم، وقد اعتنى العلماء بإحصاء هذه الأسماء وشرحها، ومن أشهرها:

1ـ القرآن: «القرآن في الأصل مصدر، نحو: كفران ورجحان»[3].

(164)

ولفظ (القرآن) كما أنّه يصدق على الكتاب العزيز كلّه كذلك يصدق على الجزء منه، فيقال لمَن قرأ الكتاب العزيز كلّه، إنّه قرأ قرآنًا، ويقال لمَن قرأ ثلاث آيات ـ وهي أقصر السور ـ إنّه قرأ قرآنًا، بل لمَن قرأ آيةً واحد منه يقال له: إنّه قرأ قرآنًا[1].

وخصوصيّة هذا الاسم هي أنّ «تسميته بالقرآن إيماءة إلى حفظه في الصدور؛ لأنّ القرآن مصدر القراءة، وفي القراءة استذكار»[2]. وهذا الاسم هو من أشهر أسماء القرآن الكريم، بل بات علمًا للكتاب العزيز[3]. ويبدوأنّ للفظ القرآن معنيين[4]:

ـ أحدهما: القرآن بالمعنى المصدري كما في قوله تعالى:﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [سورة القيامة، الآية17]، وقوله تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [سورة الإسراء، الآية78]

ـ والآخر: القرآن بالمعنى العلم الشخصي للكتاب العزيز كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [سورة الإسراء، الآية9]. وقوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [سورة الأنعام، الآية19].

2ـ الكتاب: من «كتب كَتَبهُ، يَكْتُبُ، كَتْبًا بالفَتْح المَصْدَرُ المَقِيسُ، وكِتَابًا بالكسر على خِلاف القياس. وقيل: اسْمٌ كاللِّباس، عن اللِّحْيَاِنّي. وقِيل: أَصلُهُ المصدرُ»[5]. وأنّ في تسمية القرآن بالكتاب إشارة إلى أنّه مجموع في السطور؛ لأنّه جمع للحروف ورسم للألفاظ، قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ[البقرة:2] [6]. ويرى نور الدين عتر أنّ مادة الكتاب مأخوذة من «الكتْب، أي: الجمع، ومنه الكتيبة للجيش لاجتماعها، ثمّ أُطلقت على الكتابة؛

(165)

لجمعها الحروف»[1]

إذًا، هذا الكتاب هو جامع للسور والآيات، كما أنّه جامع للمعاني والحقائق والحلول التي يتطلع إليها البشر أيضًا[2].

3ـ الفرقان: «الفاء والراء والقاف أصيل صحيح، يدلّ على تمييز وتزييل بين شيئين، من ذلك الفرق فرق الشعر»[3]. ووجه هذه التسمية هو أنّ «مادة هذا اللفظ تُفيد معنى التفرّقة، فكأنّ التسمية تُشير إلى أنّ القرآن هو الذي يفرّق بين الحق والباطل، باعتباره المقياس الإلهي للحقيقة في كلّ ما يتعرّض له من موضوعات»[4]. ولفظة الفرقان مصدر أُطلق على القرآن فبات علمًا له كما في قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، وقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185][5].  هذه أشهر أسماء الكتاب العزير ومنهم مَن أوصلها إلى خمسة وخمسين اسمًا، بل نيّف وتسعين اسمًا[6]، والظاهر أنّها صفات للكتاب العزيز وليست أسماء.

المطلب الرابع: تسمية القرآن عند المستشرقين السويديين:

1ـ لفظ القرآن:

 فهي عند (كارل يوهان تورنبيرغ ) «تعني: شيء مقروء أو مُرسل، وفي معنى آخر في القرآن (الوحي الخاص)، ومع ذلك، فمن المرجح أنّ اسم الكتاب المقدّس هو (معجزة) الذي أتى من الأصل نفسه، وقد تم استخدامها من قبل الحاخام، والذي يظنّ محمد أنّ التسمية من إلهامه»[7].

(166)

وعند (كريستر هيدين) «تعني (القراءة أو التلاوة)»[1].

ثمّ يذكر (كريستر هيدين) أنّ «القرآن هو معجزة الإسلام وأعظم ما يحدث في تاريخ العالم»[2]، و«هو النص المقدّس للإسلام، وهو أساس الإسلام»[3]، ويُشير إلى ما يشتمل عليه القرآن من معارف وقوانين وأنظمة، فيقول: «يحتوي القرآن على تعليمات‏ وأنظمة أخلاقية وطقسية واجتماعية التي من شأنها أنّ تساعد الناس على تشكيل حياتهم)»[4].

2ـ لفظ الفرقان:

إنّ لفظ الفرقان عند (كارل فلهلم زتّرستين) ليس عربي أصيل، وإنّما هو أجنبي أصله آرامي، قال: «لم تكن هناك أيّ مصطلحات لاهوتية قبل محمد؛ لذلك لا بدّ له من اللجوء في بعض الأحيان إلى مثل هذه التعبيرات التي استخدمها الناطقون المسيحيون واليهود له، وبما أنّ أستاذه بالتأكيد لم يكن دائمًا على دراية كاملة باللغة العربية، فإنّه لم يكن يفهمها (اللغة العربية) أحيانًا، ولهذا السبب قد استخدم الكلمات الأجنبية بطريقة خاطئة‏، كما هو الحال عندما بدل كلمة (purkana) والتي تعني: الخلاص في اللغة الآرامية إلى كلمة (فرقان)، وبمعنى (التمييز، الانفصال)»[5]. مستشهدًا لذلك بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ[البقرة:50].

المطلب الخامس: مناقشة المستشرقين السويديين:

مناقشة (كارل فلهلم زتّرستين) في أصل لفظ الفرقان:

قوله: «وبما أنّ أستاذه بالتأكيد لم يكن دائمًا على دراية كاملة باللغة العربية» إشارة منه إلى أنّ محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتلقى التعليم من رجل غير عربي رومي ـ كما قيل ـ وهذه الفرية والتهمة سبقه بها المشركون من قبلُ؛ حيث قالوا: إنّ (بلعام) ـ الذي كان روميًّا نصرانيًّا ـ هو

(167)

الذي علّم محمدًا، فكان المشركون يرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدخل عليه ويخرج من عنده فقالوا: إنّما يعلّمه بلعام[1].

فنزل قول الله تعالى داحضًا ومفنّدًا لقولهم بقوله: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ‎﴾ [سورة النحل، الآية103]. كما أكّد القرآن على عربية ما أنزل بقوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [سورة يوسف، الآية2].

ولو كان في القرآن الكريم كلمات من غير العربية لاحتجّ المشركون على رسول الله بذلك، وكان أيسر لهم من مواجهته بالسيف، ولما صحّ من الرسول تحدّيهم بالإتيان بمثله، أو بعشر سور، أو بسورة من مثله.

ومن جانب آخر فإنّ لغة العرب تعدّ من أوسع اللغات وأكثرها ألفاظًا.

أمّا عن بناء لفظ الفرقان وأعجميته فنقول:

أولًا: من ناحية اللغة فقد ذكر ابن فارس (ت:395هـ) أصل كلمة الفرقان بقوله: «الفاء والراء والقاف أصيل صحيح يدل على تمييز وتزييل بين شيئين من ذلك الفرق فرق الشعر» [2]. فدلالتها في اللغة على ما ذكره ابن فارس هو التمييز بين الشيئين والتفرّقة بينهما، وهي كلمة أصيلة صحيحة، وليست من الكلمات المعربة، أو الدخيلة على اللغة العربية.

ثانيًا: ورد لفظ الفرقان في القرآن الكريم في ست آيات، وهي:

1ـ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[سورة البقرة، الآية53].

2ـ قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ [سورة البقرة، الآية185].

(168)

3ـ قوله تعالى: ﴿مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [سورة آل عمران، الآية4].

4ـ قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة الأنفال، الآية41].

5ـ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرا لِلْمُتَّقِينَ [سورة الأنبياء، الآية48].

6ـ قوله تعالى:﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرا [سورة الفرقان، الآية1]

وبعد تتبع معنى ورود لفظ الفرقان في الكتاب العزيز تبيّن أنّها لم ترد بالمعنى الذي أشار إليه هذا المستشرق إطلاقًا، وإنّما جاءت إمّا بمعنى التمييز بين الخير والشرّ كما في (الآية77 من سورة البقر) و(الآية 48 من سورة الأنبياء)، وإمّا بمعنى القرآن كما في (الآية 4 من سورة آل عمران) و(الآية1 من سورة الفرقان)، وإمّا بمعنى التمييز بين الخير والشرّ والحق والباطل كما في (الآية185 من سورة البقرة) و(الآية41 من سورة الأنفال)[1].

وأخيرًا فمن الراجح أنّ هذه المطالب هي أهم المطالب وأكثرها تناولًا عند المستشرقين السويديين في ما يخصّ تاريخ القرآن الكريم؛ وسبب قلّة ذلك يعود إلى تركيزهم على حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأثر الإسلام وانتشاره على حياة الناس بصورة عامّة، وحياة المسلمين بصورة خاصّة.

(169)
(170)

 

 

 

 

الفصل الثالث

ترجمة القرآن الكريم

عند المستشرقين السويديين

 

المبحث الأوّل: الترجمة وأنواعها.

المبحث الثاني: حكم الترجمة.

المبحث الثالث: أهداف ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية ودوافعها.

المبحث الرابع: ترجمات المستشرقين السويديين للقرآن الكريم.

(171)
(172)

 

 

 

 

المبحث الأوّل

الترجمة وأنواعها

 

المطلب الأوّل: الترجمة لغةً واصطلاحًا.

المطلب الثاني: أنواع الترجمة.

أولًا: الترجمة الحرفية.

ثانيًا: الترجمة اللفظية.

ثالثًا: الترجمة التفسيرية (المعنوية).

 

(173)
(174)

توطئة:

أرسل الله تعالى نبيّه محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس كافّة على اختلاف ألسنتهم وأعراقهم بشيرًا ونذيرًا، فقال عزوجل : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[سبأ: الآية28]، وقال أيضًا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: الآية107]. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما بُعثت رحمة للعالمين»[1]. فالرسالة التي حملها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هي رسالة عالمية لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:الآية85]، لها من المنزلة ما لم تنله رسالة أخرى لأيّ نبي من أنبياء الله ورسله، فإنّ سائر الأنبياء والرسل عليهم‌السلام كانت رسالاتهم لأقوامهم وبلغتهم وبلسانهم ليبيّنوا ما أُمروا به، فقال تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّه مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[إبراهيم: الآية4].

والترجمة تعدّ وسيلة من وسائل التبليغ لرسالة السماء ـ المتمثلة بكتاب الله العزيزـ لغير الناطقين باللغة العربية، وحلقة وصل بين الثقافات، وأداة اتصال وتفاهم بين بني البشر، قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[آل عمران: الآية104]، كانت اللّبنة الأولى لترجمة القرآن الكريم على يد الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه  ؛ حيث ترجم لفرس اليمن سورة الفاتحة[2]، وبعد ذلك قام دعاة الإسلام بتراجم لسور وآيات القرآن الكريم في  جزء لا يستهان به من المعمورة؛ وكان ذلك عن طريق شرح معاني القرآن الكريم وتعاليمه وتشريعاته من خلال ثُلّة من المترجمين، لتلك الشعوب غير العربية[3]، وتلك الجهود آتت ثمارها في أغلب بقاع الأرض في نشر الدين الإسلامي بفترة وجيزة لم يشهد التاريخ مثيلًا لها[4].

(175)

المطلب الأوّل: الترجمة لغةً واصطلاحًا:

الترجمة في اللّغة:

قال الجوهري (ت:393هـ): «قد ترجم كلامه، إذا فسّره بلسان آخر، ومنه الترجمان، والجمع التراجم»[1].

وقال ابن منظور (ت:711هـ): «ترجم: التُّرْجُمانُ والتَّرْجَمان: المفسِّر للسان، وفي حديث هِرَقْلَ: قال لتُرْجُمانه. الترجمان، بالضم والفتح: هو الذي يُتَرْجِم الكلام، أَي: ينقله من لغةٍ إلى لغة أُخرى...، وقد تَرْجَمه وتَرْجَم عنه»[2].

ومن خلال هذين التعريفين للترجمة في اللغة يتبيّن أنّها بالمعنى العام تدلّ على النقل والتفسير المستلزم للبيان والتعبير، ومن ثَمَّ يمكن القول بأنّ الترجمة تدل على التعبير بلغة أخرى.

الترجمة في الاصطلاح:

ذكر الزرقاني (ت: 1367هـ)، أنّ الترجمة هي: «نقل الكلام من لغةٍ إلى أخرى، ومعنى نقل الكلام من لغةٍ إلى أخرى: التعبير عن معناه بكلام آخر من لغةٍ أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده كأنّك نقلت الكلام نفسه من لغته الأولى إلى اللغة الثانية»[3].

وعُرّفت بأنّها: «هي نقل الكلام من لغته الأصلية إلى لغة أجنبية مع الحفاظ على المعاني والخصائص والإشارات للغة الأولى في اللغة الثانية، نصيًّا أو تعبيريًا، بحيث يؤدي المعنى المراد بمميزاته في اللغة الأُم»[4].

المطلب الثاني: أنواع الترجمة:

تنوّعت ترجمات القرآن الكريم إلى ثلاثة أنواع، وهي:

(176)

أوّلًا: الترجمة الحرفية: «هي التي يراعى فيها محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه»[1].

والمحاكاة تكون من خلال «مطابقة الأصل في ترتيبه ونظمه تمام المطابقة، ولا اختلاف بينهما إلّا في اللّغة فقط، وهي في واقع الأمر غير ممكنه ولا مقدور عليها، فهي تكاد تكون نظريّة بحتة»[2].

فكلّ لغة لها خصوصياتها، فما هو موجود في هذه اللغة ليس بالضرورة أن يكون له مثيل أو مقابل في اللغة الأخرى[3]، فالمطابقة الحرفية من البُعد بمكان إن لم تكن مستحيلة.

ثانيًا: الترجمة اللفظية: «وهي إبدال لفظ بلفظ آخر يرادفه في المعنى الإجمالي أو في المعنى القريب، بصرف النظر عن المعاني التبعية والبعيدة عن الخصائص والمزايا، وهذه ممكنة على وجه الإجمال بالقدر المستطاع في بعض الألفاظ دون بعض، وفي بعض اللغات دون بعض، وتكون ساذجة ولا تسلم من الخطأ والبعد عن المراد»[4].

وسبب وجود الخطأ والبعد عن المراد هو اختلاف اللغات من حيث الأسلوب والأداء البلاغي، وكذلك ما تتضمنه كل لغة من النكات والدقائق الكلامية السائدة فيها بحسب عرفها الخاص[5].

وهذه الترجمة تعتبر «أردأ أنحاء الترجمة، وفي الأغلب توجب تشويشًا في فهم المراد، أو تشويهًا في وجه المعنى، وربما خيانة بأمانة الكلام؛ حيث المعهود من تراجم لفظية كهذه هو تغيير المعنى تمامًا»[6].

وتتّسم هذه الترجمة بالرداءة لما تقوم به من تشويه المعنى وتحريفه، ومن ثَمَّ لا يمكن الاعتماد على مثل هذه الترجمات؛ لأنّها بعيدة عن نقل المعنى المراد من اللفظ في اللغة الأُم.

(177)

ثالثًا: الترجمة التفسيرية (المعنوية): «وهي التي لا يراعى فيها تلك المحاكاة ـ أي: محاكاة الأصل ـ في نظمه وترتيبه، بل المهم فيها حسن تصوير المعاني والأغراض كاملة، ولهذا تسمّى ـ أيضًا ـ بالترجمة المعنوية، وسمّيت تفسيرية؛ لأنّ حسن تصوير المعاني والأغراض فيها جعلها تشبه التفسير، وما هي بتفسير»[1].

وهذا النوع من الترجمة عند الشيخ محمد هادي معرفة ينقسم إلى قسمين[2]:

ـ القسم الأوّل: الترجمة التفسيرية غير المبسّطة (الترجمة المعنوية) وكذلك تسمّى بالمطلقة (المسترسلة)، أي: إنّها غير مقيّدة بالنظم الأصلي؛ وهي ترجمة مقبولة ومعقولة.

وهذا النوع هو المعتمد عند أرباب الفن؛ إذ إنّهم ينظّمون الترجمة بحسب فنون اللغة المترجم إليها وأساليبها، فلا يتقيدون بنظم الأصل، من ناحية التقديم والتأخير؛ لأنّ الملحوظ عندهم هو إيفاء المعنى بتمامه وكماله.

ـ القسم الثاني: الترجمة التفسيرية المبسطة، وهي أكثر بُعدًا عن الترجمة، وأقرب ما تكون إلى الشرح والتفسير.

بعد الاطلاع على أنواع الترجمات يظهر أنّ الترجمة الأولى لا مجال لها تطبيقيًّا لاستحالتها؛ بسبب خصوصيات كلّ لغةٍ في نظمها وترتيبها، وأمّا الترجمة الثانية فهي إن كانت ممكنة من حيث التطبيق إلّا أنّها لا يمكن الاعتماد عليها من ناحية نقل المعنى المراد من اللفظ في اللغة الأصلية؛ لما يشوبه من تغيير وتشويه؛ بسبب قصور اللغة المترجم إليها، أو استعمال لفظ يغيّر المعنى الحقيقي في اللغة الأصلية.

 وتبقى الترجمة التفسيرية، التي يكون مدارها المعنى، ولا تتقيّد بالمحاكاة من حيث النظم والترتيب، ولا من حيث إبدال لفظ بلفظ آخر يرادفه، هي المتعارف عليها في وقتنا الحاضر، وهذا النوع من الترجمة هو المرجَّح؛ لما تقدّم بيانه.

(178)

 

 

 

 

المبحث الثاني

حكم الترجمة

 

المطلب الأوّل: هل يترجم الوحي الإلهي بعبارات بشرية؟

المطلب الثاني: الترجمات بين الرفض والقبول.

المطلب الثالث: آراء فقهاء المذاهب الإسلامية بشأن الترجمة.

المطلب الرابع: الشروط الواجب توفرها في المترجم.

 

 

 

(179)
(180)

المطلب الأوّل: هل يترجم الوحي الإلهي بعبارات بشرية؟

لا شكّ في أنّنا: «عندما نعالج موضوع ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، شرقية كانت أم غربية، فإنّما نعالج موضوعًا مهمًّا جدًّا وخطيرًا جدًا؛ ذلك أنّ كتاب الله العزيز الكريم ليس كمثله كتاب، وهو لفظ ومعنى، فلا يمكن اعتبار المعنى وحده قرآنًا، بل هو بلفظه ومعناه قرآن»[1].

وقد اجتمعت فيه ثلاث خصال جعلته كتابًا سماويًّا مقدّسًا، ومهيمنًا على سائر الكتب السماوية الأخرى، وهذه الخصال هي[2]:

أوّلًا: إنّه كلام الله المتعبّد بتلاوته.

ثانيًا: إنّه كتاب هداية للبشر ويهدي إلى الصراط المستقيم.

ثالثًا: كونه المعجزة الخالدة لصدق نبوّة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذه الخصال التي اجتمعت في كتاب الله هي رهن أسلوبه وفصاحته وبيانه وتشريعاته، ونظمه.

ويرى محمد صالح البنداق «أنّ القرآن الكريم تحدّى العرب خاصّة بأنْ يأتوا ولو بسورة مثله، فعجزوا ويعجزون هم وغيرهم عن ذلك، فلمّا كان معجزًا لمَن حاول معارضته، فإنّه كذلك معجزًا في ترجمته لفظًا ومعنى. وعلى هذا الأساس فإنّ الإعجاز كما هو بالنسبة للعرب تحدٍّ يُظهر عدم إمكانهم من الإتيان بمثله، فإنّه كذلك أيضًا بالنسبة لمَن غامر في الترجمة؛ لأنّه معجز في حالتيه لفظًا ومعنًى وتستحيل ترجمته»[3].

والظاهر أنّ هذا المنع من الترجمة منصرف إلى الترجمة الحرفية التي تقدّم ذكرها والحكم باستحالتها، أمّا الترجمة المعنوية فتجوز؛ لأنّ القرآن الكريم كتاب هداية للبشر جميعًا وليس

(181)

مقصورًا على العرب فقط، وإلّا لما كان معجزًا للبشر جميعًا، فعند ترجمة معاني القرآن «يرجع إلى المعاني الأصلية التي يشترك في تفهمها وأدائها جميع الناس، وتقوى عليه جميع اللغات، وهذا النوع من المعاني يمكن ترجمته حتى يستفيد منه ذلك مَن لا يعرف العربية من المسلمين»[1].

المطلب الثاني: الترجمات بين الرفض والقبول:

تباينت آراء العلماء والمفكّرين المسلمين حول ترجمات القرآن، فمنهم مَن يرى أنّ ترجمة المعاني ضرورة حتى يفهم غيرُ العربي القرآن ويتدبّر أحكامه، شرط أن يقوم بهذه الترجمة مسلمون أتقياء للحفاظ على قدسية النصّ من الفئات المحاربة له والمناهضة لمعانيه السامية، وأن تخضع عمليات الترجمة للإشراف الدقيق من قِبل[2] «علماء مسلمين ثقة يعرفون اللغتين العربية لغة القرآن والأجنبية التي يراد ترجمة القرآن إليها»[3]؛ لأجل تجنب الوقوع في الخطأ؛ إذ إنّ الترجمات الموجودة لا تخلو من الأخطاء، وهذا يشكل عبئًا كبيرًا في هذا الصدد، ومرجع ذلك هو عدم الإلمام باللغة العربية وقواعدها، وهذه الأخطاء أهم ما يُعيب الترجمات التي قام بها المسلمون، أمّا بالنسبة لمحاولات المستشرقين فأغلبها مسبوقة باتجاهات معيّنة مناهضة للإسلام؛ ولذلك تُنجَز عمليات الترجمة وفقًا لأهوائهم، فيتعمدون الأخطاء، ويفسّرون المعاني بما تهوى أنفسهم لأجل التشويه والتزييف[4].

و«يقترح البعض جمع النصّين العربي والمترجَم في نسخة واحدة؛ حيث يمكن وضع الآية باللغة العربية، ثمّ يليها معنى النص باللغة المترجَم لها، وهذا من منطلق قطع الشك باليقين»[5].

ومنهم مَن يرفض ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى؛ لأنّ ترجمته مستحيلة، فهي لا تُعطي المعنى الكامل ولا تفي بالمقصود من الآيات، فتكون عاجزة عن التعبير عن المعنى

(182)

الأصلي، كما أنّ مقاصد القرآن أمر لا يمكن الوصول إليه عن طريق الترجمة، والأجدر العمل على نشر اللغة العربية باعتبارها لغة عالمية وتدريسها في الدول الأجنبية؛ لكي يتعلّمها ويتقنها مَن يُريد قراءة القرآن ومعرفة الإسلام وتاريخه معرفة حقيقية، ودليلهم على ذلك قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ‎﴿١٩٣﴾‏ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ‎﴿١٩٤﴾‏ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ[الشعراء: 193 ـ 195][1].

فضلًا «عن أنّ أيّ ترجمةٍ للنص تعدّ نقلًا للمعنى الظاهري بعيدًا عن العمق المراد من الآيات القرآنية، ولا توجد أيّ لغةٍ أخرى تحتمل أن تؤدي من المعاني ما تؤديه اللغة العربية التي تلم ألفاظها بأوسع المعاني والدلائل»[2].

بعد عرض آراء الطرفين يبدو أنّ مَن ذهب إلى جواز ترجمة القرآن الكريم كان يتكلّم عن الترجمة التفسيرية التي مدارها نقل المعنى إلى اللغات الأخرى، فهي ترجمة تفسيرية شارحة لآيات القرآن الكريم، وأنّ مَن قال بالمنع كان نظره منصباّ على الترجمة الحرفية، التي يُراعى بها المحاكاة بالنظم والترتيب لآيات القرآن الكريم، وهذا غير ممكن اطلاقًا؛ لأنّ آيات القرآن الكريم معجزة في نظمها وترتيبها وبلاغتها.

المطلب الثالث: آراء فقهاء المذاهب الإسلامية بشأن ترجمة القرآن الكريم:

سنعرض في ما يأتي آراء فقهاء المذاهب الإسلامية في المسألة؛ وفق الآتي:

ـ أوّلًا: المذهب الجعفري:

لم يتطرّق العلماء سابقًا إلى مسألة الترجمة ـ أي: ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية ـ ولم تُبحث عندهم بحثًا مفصّلًا لجميع نواحي المسألة، وإنّما ذُكرت مسألة ثانوية في سياق بحثهم شروط القراءة في الصلاة[3]، وادعى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(ت:1373ه)

(183)

إجماع العلماء على عدم المنع عنها قائلًا: «ترجمة القرآن باللغة الفارسية شائعة من زمن قديم، ولم يذكر أحد من علمائنا الأفاضل (رحمهم الله) المنع عنها، وإذا جاز بالفارسية جاز بغيرها قطعًا»[1].

وقال الشيخ الطهراني(ت:1389هـ): «نعم، يمكن ترجمة خصوص ظواهر آيات الأحكام والآداب والقصص وأمثالها من القرآن بلغة أخرى وإن فات بالترجمة جميع المزايا التي بها عجزت الإنس والجن عن الاتيان بآية واحدة مثله»[2].

وذهب أيضًا إلى الجواز الشيخ محمد جواد مغنية (ت:1400هـ) بقوله: «لا شبهة ولا ريب في جواز ترجمة القرآن إلى كل اللغات، بل ورجحانها أيضًا لأن القرآن هو رسالة الله والإسلام إلى الإنسانية كلها، والترجمة عامل أساسي على بث هذه الرسالة الإلهية المحمدية وانتشارها»[3].

وكذلك السيد الخوئي(ت:1413هـ) حيث قال: «لا شك أنّ ترجمته[القرآن الكريم] ما يُعين على ذلك [فهمه] ولكنّه لا بدّ من أن تتوفر في الترجمة براعة وإحاطة كاملة باللغة التي يُنقل منها القرآن إلى غيرها»[4].

ـ ثانيًا: مذهب الحنفية:

 اختلفت أقوال أتباع هذا المذهب؛ فمنهم مَن ينقل لنا رأي أبي حنيفة بالجواز وآخر ينقله بعدم الجواز، قال السرخسي (ت:483هـ): «إذا كان ما قرأ موافقًا لما في القرآن تجوز به الصلاة عند أبي حنيفة ؛ لأنّه تجوز قراءة القرآن بالفارسية وغيرها من الألسنة، فيجعل كأنّه قرأ القرآن بالسريانية والعبرانية، فتجوز الصلاة عنده لهذا»[5].

ويذكر لنا محمد صالح البنداق ما كتبه عالم من علماء الحنفيّة ونُشر في مجلّة الأزهر جاء

(184)

فيه: «أجمع الأئمة على أنّه تجوز قراءة القرآن بغير العربية خارج الصلاة، ويمنع فاعل ذلك أشدّ المنع؛ لأنّ قراءته بغيرها من قبيل التصرّف في قراءة القرآن بما يخرجه عن إعجازه، بل بما يوجب الركاكة»[1].

إلّا أنّ ابن تيمية (ت:728هـ)، يقول: «إنّه[أبا حنيفة] رجع عنه»[2]. وذُكر أيضًا أنّ «ما يُنسب إلى أبي حنيفة أنّ مَن قرأ في الصلاة بالفارسية أجزأه فقد رجع عنه»[3].

ـ ثالثًا: مذهب المالكية:

ذهبت المالكية إلى المنع حيث قالوا: «لا تجوز قراءة القرآن بغير العربية، بل لا يجوز التكبير في الصلاة بغيرها، ولا بمرادفه من العربية، فإن عجز عن النطق بالفاتحة بالعربية وجب عليه أن يأتم بمَن يحسنها، فإن أمكنه الائتمام ولم يأتم بطلت صلاته، وإن لم يجد إمامًا سقطت عنه الفاتحة، وذكر الله تعالى، وسبّحه بالعربية، وقالوا: على كلّ مكلّفٍ أن يتعلّم الفاتحة بالعربية، وأن يبذل وسعه في ذلك، ويجهد نفسه في تعلّمها وما زاد عليها إلّا أن يحول الموت دون ذلك، وهو بحال الاجتهاد، فيعذر»[4].

ـ رابعًا: مذهب الشافعية:

قال الغزالي (ت:505هـ): «لا تقوم ترجمتها [أي: الفاتحة] مقامها»[5].

 وقال النووي (ت:676هـ) في المجموع: «مذهبنا [أي: الشافعيّة] أنّه لا تجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب سواء أمكنته العربية أم عجز عنها، وسواء أكان في الصلاة أم في غيرها، فإن

(185)

تى بترجمته في الصلاة بدلًا عنها لم تصح صلاته، سواء أحسن القراءة أم لا، وبه قال جماهير العلماء، منهم مالك، وأحمد، وأبو داوود»[1].

خامسًا: مذهب الحنابلة:

 قال ابن قدامة (ت:620هـ): «لا تجزئه القراءة بغير العربية، ولا إبدال لفظ عربي، سواء أحسن القراءة بالعربية... فإن لم يحسن القراءة بالعربية لزمه التعلم فإن لم يفعل مع القدرة عليه لم تصح صلاته»[2].

وقال ابن تيمية (ت:728هـ): «فأمّا القرآن فلا يقرأه بغير العربية، سواء قدر عليها أم لم يقدر عند الجمهور. وهو الصواب الذي لا ريب فيه، بل قد قال غير واحد: إنّه يمتنع أن يترجم سورة أو ما يقوم به الإعجاز»[3].

وقال الزركشي (ت:794هـ): «لا تجوز قراءته بالعجمية سواء أحسن العربية أم لا، في الصلاة وخارجها لقوله تعالى: ﴿إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا [يوسف:2]، وقوله تعالى: ﴿ولو جعلناه قرآنا أعجميًا [فصلت:44]، ثمّ قال استقر الإجماع على أنّه تجب قراءته على هيئته التي يتعلّق بها الإعجاز؛ لنقص الترجمة عنه، ولنقص غيره من الألسن عن البيان الذي اختص به من دون سائر الألسنة. وإذا لم تجز قراءته بالتفسير العربي لمكان التحدي بنظمه فأحرى أن لا تجوز الترجمة بلسان غيره»[4].

هذه آراء المذاهب الخمسة، ويبدو أنّ مَن منع الترجمة إلى اللغات الأخرى قصد الترجمة الحرفية للقرآن الكريم، وأمّا مَن أجاز الترجمة أراد بها الترجمة المعنوية التي من خلالها يتم ايصال تعاليم القرآن الكريم إلى الناس كافة؛ لأنّ القرآن هو المعجزة الخالدة والمهيمنة على

(186)

جميع رسالات السماء السابقة والمكمل لها، فلا بدّ من إيصال أحكامه وتعاليمه إلى البشر كافة، ولا يتأتى ذلك إلّا من خلال ترجمته إلى تلك اللغات.

المطلب الرابع: الشروط الواجب توافرها في المترجم:

أمّا شروط المترجم فيمكن استعراضها في النقاط الآتية:

1ـ لا بدّ أن يكون المترجِم خبيرًا بكلتا اللغتين، أي: اللغة الأصل واللغة المراد ترجمة الأصل لها، متمكّنًا من معرفة مزايا كلتا اللغتين ودقائقهما وآدابهما وأسرارهما معرفة كاملة.

2ـ أن يترجم المعنى المستفاد من الآيات من خلال اعتماده على التفاسير الموثوقة والمعتمدة عند عامّة المسلمين، وأن لا يلجأ إلى ما يستظهره من الآية بحسب فهمه بأوضاع اللغة؛ لأنّه قد تغيب عنه شواهد ودلائل ـ على خلاف ما استظهره ـ تُصرِف معنى الآية إلى خلاف ظاهرها.

3ـ أن يكون موضوعيًا في ترجمته بحيث لا يميل إلى عقيدته أو ينحاز إلى مذهبه؛ لأنّه سوف ينجر إلى إسقاطات تجعلها ترجمة لعقيدة وليس ترجمة لمعاني القرآن الكريم.

4ـ أن لا يتعرّض في ترجمته إلى بيان الألفاظ المتشابهة، ويتركها كما هي من دون توضيح، ويكتفي بمرادفاتها من تلك اللغة؛ لأنّ بيانها وشرحها ليس من مهمة المترجم؛ وإنّما هي من شؤون المفسّر فحسب.

5ـ أن يترك فواتح السور ـ أي: الحروف المقطعة في بداية السورـ من دون تبديل أو تفسير؛ لأنّها رموز.

7ـ عدم التعرّض للنظريات العلمية، فلا يتطرّق إلى التفسير العلمي للرعد والبرق ـ مثلًا ـ عند آية فيها رعد وبرق، وإنّما يفسّر الآية بما يدلّ عليها اللفظ العربي.

8ـ أن يبتعد عن استعمال المصطلحات العلمية أو الفنية في ترجمته، إلّا إذا توقف فهم الآية عليها؛ لأنّ مهمته هي بيان المعاني المستفاد لغويًا.

9ـ عدم التعرّض إلى الآراء والنظريات العلمية، فلا يترجم الألفاظ الواردة في القرآن الكريم بمعان قد تحقّق اكتشافها علميًا، وإنّما يترجمها بحسب ما يدلّ عليها اللفظ العربي.

(187)

10ـ أن يضع المترجم الأصل مصحوبًا بالترجمة، ولا يترجم النص فقط من دون ذكر الأصل معه؛ كي لا يتوهّم المترجم إليهم أنّ هذا النص قرآنًا، وإنّما القرآن هو الأصل وبصحبته الترجمة المبيّنة والموضحة لمعانيه.

11ـ أن يعتمد في ترجمته للقرآن الكريم على قراءة حفص من دون التعرّض إلى القراءات الأخرى إلّا عند الحاجة إليها.

12ـ إذا توقف فهم الآية على ذكر سبب النزول، فيجب عليه ذكر ذلك السبب؛ دفعًا للتوهم.

13ـ في الترجمة يأتي بذكر الآية كاملة أو الآيات المرتبطة بموضوع واحد، ثمّ تحرّر معاني الكلمات في دقّة، ثمّ تفسير معاني الآية أو الآيات بعبارة واضحة جليّة.

14ـ توضع في مقدّمة كلّ سورة معلومات توضّح مكيّة السورة أو مدنيّتها.

15ـ في بداية الترجمة توضع مقدّمة تشتمل التعريف بالقرآن الكريم وفضله ومنزلته، وجملة من تعاليمه.

إذا توافرت هذه الشروط في المترجِم نحصل على ترجمة للقرآن الكريم هي أقرب ما يكون من المعنى المراد من الآيات  القرآنية، خالية تقريبًا من الأخطاء، موجزة في بيان المعنى، بعيدة عن الإطناب والإسهاب، لا تحتوي على تفسيرات غير معتمدة، رافعة لغموض الألفاظ المتشابهة، مصحوبة بالأصل، ذاكرة لسبب نزول الآية عند توقف فهمها عليه، ومثل هذه الترجمة الحاملة لهذه الصفات لا بدّ من القيام بها من قِبل المؤسسات والمراكز المختصّة بالدراسات القرآنية أو مراكز الترجمة المختصّة بنقل التراث الإسلامي إلى اللغات الأجنبية، وخصوصًا ترجمة معاني القرآن الكريم؛ لما له من أثر بالغ في نفوس النّاس، فمَن استمع إليه أو قرأه هدأت نفسه وتأثّرت به.

(188)

 

 

 

 

المبحث الثالث

أهداف ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية ودوافعها

 

المطلب الأوّل: لماذا ترجم الغربيون القرآن الكريم إلى لغاتهم؟

المطلب الثاني: نبذة عن ترجمات القرآن الكريم.

المطلب الثالث: ترجمات المستشرقين.

المطلب الرابع: تقويم ترجمات المستشرقين.

(189)
(190)

المطلب الأوّل: لماذا ترجم الغربيون القرآن الكريم إلى لغاتهم؟

إنّ الدراسة الأولى للّغة العربية عند الغربيين كانت في أديرة الرهبان، وكان أوّل وأهمّ عمل في مجال الترجمة من العربية الذي خصّصوا له الوقت والجهد هو القرآن الكريم، ولم يكن الهدف من ترجمته الاطلاع عليه والاستفادة منه فحسب، وإنّما لأجل محاربته بعد الوقوف على مضمونه[1]. وقد أثبت هذا الواقع أنّ الدافع الأصيل للاستشراق هو العمل على إنكار المقوّمات الروحية، والثقافية، والتاريخية، في ماضي هذه الأمّة وحاضرها ومستقبلها، والاستخفاف بها وتشويهها[2].

كما أنّهم اتخذوا «الترجمات سلاحًا فتّاكًا لهدم الإسلام، ووسيلة من وسائل التنصير لتنْزيل معتقدات النصارى على بعض ما قد يكون متشابهًا من آي القرآن؛ تلبيسًا وتضليلًا كما ضلّوا سواء السّبيل»[3].

و«حتى تلك الترجمات التي قام بها علماء غرضهم الدراسة والتعرّف على نصوص القرآن وبحسن نية، لم تكن هذه الترجمات موفّقة ولا أدت الغرض المطلوب، بل إنّها زادت من الصورة المشوّهة عن الإسلام لدى المثقّف الأوروبي»[4].

وعندما ترجم الغربيون القرآن الكريم إلى لغاتهم قاموا بوضع فهارس له بألفاظه، ووضعوا الدراسات التي لا تحصى عنه، ونشروا (دائرة المعارف الإسلامية) الشهيرة بلغات متعدّدة... لأنّهم فعلًا لم يتركوا بابًا إلّا وطرقوه، ولا موضوعًا إلّا وتخصّصوا فيه وعالجوه وتوسعوا به، فالواقع في كلّ ذلك وعلى الرغم من الخدمات الهائلة التي قدّموها عبر هذه الأعمال للمكتبة العربية وللشعوب العربية وغير العربية، فقد كان عملهم هذا ذا هدف معيّن ومحدّد[5].

(191)

المطلب الثاني: نبذة عن ترجمات القرآن الكريم:

انصبّت جهود المستشرقين على دراسة القرآن الكريم ومن ثَمّ ترجمته من لغته العربية إلى اللغات الأخرى من بعد ترجمته إلى اللاتينية، كما أنّهم لم يغفلوا ترجمة مئات الكتب العربية والإسلامية إلى اللغات الأوروبية.

وفي العصور الإسلامية الأولى سجّلت محاولات لترجمة بعض الآيات إلى السريانية، ففي مكتبة مانشستر مخطوط فيه ترجمة لآيات القرآن الكريم، كما أنّ في متحف لندن مجموعة من المخطوطات باللغة السريانية تعود إلى عهد خلافة هشام بن عبد الملك، وفيها بعض آيات القرآن الكريم مترجمة إلى اللغة السريانية.

وتعدّ أوّل محاولة لتعريف الغرب بالقرآن الكريم هي بين (1096م ـ 1270م)؛ أي (490هـ ـ 669هـ)؛ حيث ترجمت معاني القرآن إلى اللغة اللاتينية في عام ( 1143م) (528هـ)،  وقام بهذه الترجمة مجموعة من الرهبان وعلى رأسهم روبرت أوف تشتر(Robert) of Chester)[1] الإنجليزي الأصل[2].

وكانت ترجمة (Robert of Chester) ومَن كان معه من الرهبان بإيعاز من بطرس الراهب[3] وبتشجيع من الكنيسة في أوروبا ورعايتها[4].

ولكن الدوائر الدينية المسيحية «جابهت هذه الترجمة باتخاذها من مخطوطاتها موقفًا

(192)

حازمًا، وهو منعها من الظهور بعد أن اعتبرتها ـ هذه الدوائر ـ عاملًا مهمًّا من شأنه أن يسهّل التعريف بالإسلام وانتشار هذا الدين بدلًا من أن تخدم الهدف الذي سعت إليه الكنيسة أصلًا، وهو محاربة الإسلام  كما هو معروف»[1].

وهذه الترجمة ظلّت محفوظة في الدير ولم ترَ النور إلّا في سنة (1543م)، أي: بعد أربعة قرون على وضعها، حتى ظهرت المطابع، فطبعت على يد الطبّاع (ثيودور ببلياندر)
(Bibliander Theodore) في مدينة بازل(BASEL) السويسرية، وبعد طباعتها اعتمدت ـ لفترة طويلة ـ أساسًا لترجمات عدد من اللغات الأوروبية[2].

وتوجد رواية أخرى لهذه الترجمة، تُشير إلى أنّ بعض الرهبان من إيطاليا وألمانيا قد أحرقوها؛ خوفًا من تأثيرها على عقول بعض الناس من الناشئة وضعاف الإيمان، ثمّ طبعت في سنة (1554م) في مدينة (بازل)؛ ولعلّها لترجمة أخرى قام بها رهبان كاثوليك من إيطاليا[3].

و«بعد صدور طبعة من هذه الترجمة على يد العالم الإيطالي (باغانيني) أمر البابا بولس الثالث بإتلافها، ولم تسمح الكنيسة بطبع ترجمة القرآن الكريم باللاتينية إلّا في عهد البابا ألكسندر السابع (1555م ـ 1567م)، وبعد ذلك أخذت الترجمات تتوالى بعدد من اللغات، ومنها العبرية التي وضعها حاخام (جزيرة زانتي) يعقوب بن إسرائيل عام (1634م) نقلًا عن الترجمة اللاتينية»[4].

 وهذه الترجمات كانت قاصرة عن بيان المعنى القرآني المطلوب، كما أنّها اشتملت على مقدّمات كُتبت لكلّ ترجمة، كان الهدف من بعضها نقل فكرة مشوّهة عن الإسلام ونبيّه وكتابه؛ فهي مملوءة بالتخرّصات والقصص الأسطورية، وكان تأثيرها على الأوروبيين سلبيًا، وهذا ما كان تهدف إليه الكنيسة الأوروبية منذُ البداية[5].

أمّا «المسلمون غير العرب فقد شعروا بالحاجة إلى معرفة القرآن الكريم، فلم يتوانوا

(193)

عن ترجمته بلغاتهم وتعليمه أبنائهم، وكان رائدهم في ذلك النية الحسنة، فبدأت تظهر ترجمات للقرآن الكريم بلغات أهلها المسلمين: كالفرس، والأتراك، والأندونسيين، وأهل السند والبنجاب، وأهل الملايو، كما ظهرت ترجمات أيضًا بلغات المسلمين الذين يشكّلون مجموعات ضخمة ضمن شعوب بلدان ضخمة السكان كالصين، وروسيا، واليابان، وغيرها»[1].

ومن منطلق الرد على الترجمات الأوروبية التي شوّهت نصوص القرآن الكريم، قام عدد من العلماء المسلمين ـ خاصة الهنود والباكستانيين ـ بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، ومنها ترجمة العلامة الهندي عبد الله يوسف علي، وكذلك محمد علي اللاهوري[2].

والظاهر أنّ بعض مَن ترجم شيئًا من آيات القرآن وكانوا من غير المسلمين هم السريان؛ ويتضح ممّا تقدّم أنّ الخطوة الأولى لترجمة القرآن إلى اللغة اللاتينية، كان المحرك لها هو الدافع الديني؛ لأنّ الرهبان هم أول مَن تصدوا لهذه المهمة، ولكن لم يكتب لهذه الترجمة الانتشار؛ لأنّ دوائر الديانة المسيحة اعتبرتها ترويجًا للإسلام، واستمر المنع حتى ظهور المطابع، ثمّ أخذت هذه الترجمات بالانتشار شيئًا فشيئًا، إلّا أنّ معظم هذه الترجمات نقلت صورة مشوّهة عن الإسلام ونبيّه وكتابه؛ لذلك ظهرت ترجمات للقرآن الكريم قام بها علماء مسلمون ردًا على تلك الترجمات التي شوّهت صورة الإسلام.

المطلب الثالث: ترجمات المستشرقين:

إنّ معظم الترجمات التي قام بها المستشرقون تعدّ من أسوأ الترجمات لمعاني القرآن الكريم على الإطلاق؛ لأنّ الهدف الوحيد كان هو إيجاد حاجز بين القرآن وبين من يُريد فهم الإسلام[3]، وهناك هدف آخر لهذه الترجمات وهو التنصير وبث الشكوك في قلوب المسلمين الضعفاء[4].

فلأجل «ذلك شوّهوا معاني القرآن أيّما تشويه، وجهلوا – أو تجاهلوا - أيسر قواعد اللغة ونظام التراكيب ومعنى المفردات العربية، ولم يحاولوا فهم معاني القرآن على الإطلاق، ولم

(194)

يعتمد أحد منهم البحث العلمي للوصول إلى الحقيقة، وهناك مغالطات كثيرة في ترجماتهم، والفكرة السائدة فيها أنّ القرآن ليس إلّا مجموعة أقاويل متفرّقة وقصص سمعها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من علماء اليهود والنصارى»[1].

وجاءت ترجمات المستشرقين على نوعين؛ هما: الترجمة الكليّة، والترجمة الجزئيّة.

والمراد بالترجمة الكليّة: «هي التي تشمل القرآن عمومًا ابتداءً من سورة الفاتحة وانتهاءً بسورة الناس، أو بحسب ترتيب النزول عند البعض، ولكنّها تستقطب جميع مفردات القرآن»[2].

ومن الترجمات التي جاءت مرتبة على ترتيب المصحف أي: تبدأ بسورة الفاتحة وتنتهي بسورة الناس، هي ترجمة: (جورج سيل)[3]، وترجمة: (آربي)[4]، وأمّا الترجمات التي جاءت مرتبة بحسب نزول الآيات والسور؛ فهي ترجمة: (راد ويل)[5]، وترجمة: (بالمر)[6].

(195)

وأمّا الترجمة الجزئيّة: «فهي التي تعتمد على مختارات مترجمة من القرآن، بحسب الموضوعات أو السور أو الأجزاء»[1].

المطلب الرابع: تقويم ترجمات المستشرقين:

تضمّنت ترجمات المستشرقين جملة من الأخطاء والهفوات والمغالطات ، وقد قام مجموعة من الباحثين المسلمين بجملة من الدراسات العلمية التي تتبعت الترجمات الموجودة لمعاني القرآن الكريم للغات متنوعة، والوقوف على أخطائها؛ ومن تلك الدراسات ـ التي ذكرها الباحث (أحمد محمود أبو زيد) ـ رسالة الباحثة (إيمان الزيني) عن الترجمات المستقبلية (قدّمت للحصول على درجة الماجستير من جامعة الأزهر)، وفي هذه الرسالة بيّنت أنّ المترجمين الغربيين الذين قاموا بترجمة القرآن الكريم جاءت ترجماتهم مفرغة من روح القرآن، كما أنّها لا تمكّن القارئ غير العربي من إدراك حقيقة معانيه؛ لأنّه من الصعوبة بمكان على الذين لم يولدوا في بيئة إسلامية فهم معاني القرآن الكريم، وذكرت أنّ هنالك اتجاهات متعددة لهذه الترجمات، منها: ترجمة (جورج سيل) عام (1734 م)، وترجمة (أربري) (1955م)، أمّا ترجمة (جورج سيل) فهي من أسوأ الترجمات؛ لأنّها جاءت بتغيير ترتيب سور القرآن الكريم من دون الالتزام بتوقيفيتها، وكذلك اختار الألفاظ التي توحي بتناقضها مع اللفظ العربي، ما جعلها ترجمة مجانبة للحقيقة مائلة إلى الطعن بالإسلام، وترجمة (أربري) جاءت بتفضيل أسلوب النص الأصلي على حساب المعنى، فأصبحت وكأنّها أشعار خالية من معانيها، وفقد النص جزءًا من معناه الدلالي وبلاغته، وساعده على ذلك عدم وجود هوامش توضيحية، وقد اتضح من خلال مقارنة الآيات بترجمتها أنّ هناك مجموعة من العيوب الخطيرة لهذه الترجمات[2].

وأمّا أبرز مغالطات المستشرقين وأخطائهم في ترجماتهم؛ فهي:

(196)

1ـ زعمهم أنّ الإسلام لم يكن إلّا دعوة محلية[1].

2ـ زعمهم أنّ الرسالة التي جاء بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هي عبارة عن حركة إصلاحية محلية زمانية مقصورة على أهل مكة.

3ـ العمل على تشويه مقاصد القرآن وتفريغه من قدسيته[2].

4ـ التلاعب بالنصّ القرآنيّ من خلال إزاحة الآيات من مكانها التوقيفي.

5ـ السعي إلى إنكار لغة القرآن الكريم[3].

(197)
(198)

 

 

 

 

المبحث الرابع

ترجمات المستشرقين السويديين للقرآن الكريم

 

المطلب الأوّل: ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السويدية.

المطلب الثاني: نماذج من ترجمات المستشرقين السويديين.

 

(199)
(200)

المطلب الأوّل: ترجمة القرآن الكريم إلى اللّغة السويدية:

في اللغة السويدية  نرصد أكثر من ترجمة لمعاني القرآن الكريم، وقد جاءت هذه الترجمات متباينة في ما بينها؛ تبعًا لأهدافها ومراميها، وهي بحسب ترتيبها الزمني وفق الآتي:

ـ الترجمة الأولى للقرآن الكريم:

 كانت الترجمة الأولى للقرآن الكريم على يد كبير القساوسة (بيشوب يوهان آدم تنجستاديوس) (Biskop Johan Adam Tingsatius) (1627م ـ 1748م)، وهي ترجمة لمعاني القرآن الكريم، كما أنّها لم تشمل جميع آيات القرآن، فكانت ترجمة لبعض آياته وسوره، ولم يُكتب لها أن تطبع وبقيت مخطوطة[1].

2ـ الترجمة الثانية للقرآن الكريم:

الترجمة الثانية للقرآن الكريم شملت جميع سور القرآن الكريم وآياته، وهذه الترجمة قام بها (يوهان فريدرك سبستيان كروزينستولبه) Johan Fredrik Sebastian) rusenstolpe) (1801م ـ 1882م)، وطبعت في عام (1843م)[2]، في دار نشر (با نورستدت وسونر) في (أستوكهولم)، وهذه الترجمة لم يقم بها مستشرق أكاديمي، وإنّما قام بها ضابط ودبلوماسي شارك في حرب الحرية اليونانية، وتضمّنت ترجمته مقدّمة مكونة من (158) صفحة، تناول فيها الإسلام وأهميته بصفته دينًا، وتطرّق إلى ذكر سيرة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعطى صورة منصفة ـ بالقياس مع غيره ـ عن الإسلام، كما احتوت ترجمته حواش تفسيرية، اعتمد في إعدادها على مجموعة من الترجمات، منها: ترجمة (ماراشي) باللغة اللاتينية، وترجمة (سيل) باللغة الإنجليزية، وترجمة (سي سافاري) باللغة الفرنسية[3].

(201)

الترجمة الثالثة للقرآن الكريم:

 قام بهذه الترجمة المستشرق (كارل يوهان تورنبيرغ) (Carl Johan Tornberg) (1807م ـ 1877م)، وكانت المدّة التي استغرقتها هذه الترجمة هي سنتين (1873م ـ 1874م)[1]. وظهر الاهتمام بهذه الترجمة بسبب زيادة عناية السلطة في السويد بالبحوث الاستشراقية بعد المؤتمر الاستشراقي الكبير، الذي انعقد في العاصمة السويدية (أستوكهولم) في عام (1889م)، فجاءت ترجمة (كارل يوهان تورنبيرغ)، الذي كان يشغل منصب أستاذ اللغات الشرقية في جامعة لوند، وعمل بشكل وثيق مع المستشرقين في أوروبا خلال منتصف القرن التاسع عشر، وبدأ ترجمته بمقدّمة مؤلفة من (79) صفحة، تناول فيها سيرة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله [2]، وكان المصدر الذي اعتمد عليه في بيان حياة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هو كتاب (حياة محمد) للمستشرق الألماني (ثيودور نولدكه)، وهو كتاب صغير، ولكنّه ـ بحسب تعبير تورنبيرغ ـ احتوى أهم السمات في حياة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ والسبب الذي دعاه للاعتماد على هذا الكتاب الصغير دون غيره؛ هو أنّ المصدر الرئيس لسيرة محمد هو القرآن الكريم بالذات؛ لذلك لا يمكن قراءته بسهولة أو حتى فهمه بشكل صحيح، باستثناء استعراض سابق لمصير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ هذا من جانب، ومن جانب آخر لم يتسنَّ له الاطلاع على سيرة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من المصادر العربية التي تناولت سيرته، أمّا الكتابات الغربية التي تناولت سيرة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد كانت كتابات مختصرة لا تغطي جميع جوانب حياة النبي محمد[3].

كما أنّه أضاف بعض الإضافات التفسيرية والتعليقات، واعتمد على التفسيرات الإسلامية، وكذلك ترجمات المستشرقين الأوروبيين؛ أمثال: (فليشر، نولدكه، غوستاف لوبون، ألويس سبرينجر، ويليام موير) وتميّزت ترجمته بعبارات سلسة وأسلوب جيد[4].

ويذكر (تورنبيرغ) أنّه استخدم في ترجمته التعليقات الممكنة والمفيدة مع إبعاد التفسيرات

(202)

الزائدة، وجاءت هذه الترجمة نتيجة لعمل طويل في التراث العربي دام مدّة أربعين سنة؛ فقد أعدّ هذه الترجمة في السنوات الأخيرة من عمره، حيث يقول: «أتيحت لي الفرصة... أن أترجم القرآن الكريم بأكمله، وقد تم تنقيح هذه الترجمة بالكامل»[1]، كما أنّه يؤكد أنّ كلّ كلمة أو معنى استخدمه في ترجمته له وزنه ومبرّره من جميع الجوانب، ثمّ بعد ذلك تطرّق إلى المشاكل والمعوقات التي رافقت عمله هذا؛ وهي:

المشكلة الأولى: «أنّ لغة القرآن تكون غامضة في معظمها وليس نادرًا؛ إذ إنّ التعبير غير الواضح جعل الترجمة الحرفية في عدد من المواضع مستحيلة تمامًا؛ ولذلك كان من الضروري أن نفكر جزئيًا في المعاني وجزئيًا في الشرح القصير الذي يبيّن للقارئ كيفية فهم التعبير، وقد حُدّدت كلّ الأجزاء في النص وبخط مائل ووضعت بين قوسين لتجنب أكبر قدر ممكن من الملاحظات التي تعكّر القراءة»[2].

المشكلة الثانية: «إنّ القرآن كرّر مرارًا وتكرارًا قصص الشعوب القديمة نفسها عن الأنبياء القدماء، وعن الشعوب الذين تم تدميرهم من دون السماح لهم بالتحذير؛ حيث يُعدّ هذا التكرار مملًا حقًّا للقارئ غير المسلم»[3].

ثمّ ذكر سببًا وجيهًا لتكرار القصص في القرآن الكريم بقوله: «يمكن للمرء أن يرى بسهولة التمييز غير المفهوم بين هذا السجل الديني والكتابات المقدّسة لدينا، ولكن في كثير من الحالات إنّ المقارنة بين هذه القصص المتكررة يُثير الاهتمام عندما تصوّر أنّها نوع من الخطب لمناسبات مختلفة ولأسباب مختلفة، ومن ثَمَّ تمّت إعادة الصياغة لهذا الغرض... ولذلك فقد أشرت إلى الأماكن التي توجد فيها؛ إذ إنّ تدقيقها له أهمية قصوى سواء بالنسبة للمترجم أو للقارئ الذي يريد أن يتعمّق في فهم الكلمات»[4].

(203)

4ـ الترجمة الرابعة للقرآن الكريم:

 اقتصرت هذه الترجمة على بعض سور القرآن الكريم ولم تشمل جميع آياته، قام بها المستشرق (أوكه أوهلمارك) في عام (1876م)[1]، وقد استند في ترجمته هذه على الترجمة الألمانية التي قام بها المستشرق الألماني (لودفيغ أولمان) في سنة (1840م) وهي ترجمة لا يمكن الاعتماد عليها؛ لأنّها مجرد انتقادات[2].

5ـ الترجمة الخامسة للقرآن الكريم:

 تعدّ هذه الترجمة أكثر انتشارًا في السويد من سابقاتها، وهي من الترجمات المعتمدة في المكتبات السويدية العامة، قام بها المستشرق (كارل فلهلم زترستين) (K.V. Zettersteens) (1866م ـ 1953م)، في عام (1917م)[3]، وهو أستاذ اللغات الشرقية في جامعة لوند من (1895م) ولغاية (1904م)، ثمّ أستاذ اللغات السامية في جامعة أوبسالا إلى عام (1931م) ويتعلّق ظهور هذه الترجمة للقرآن الكريم بتطور التاريخ الديني؛ حيث ينظر إلى القرآن باعتباره وثيقة تعكس تجربة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الدينية، وفي هذه الترجمة عمد (زترستين) إلى تشويه صورة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعلها أكثر سلبية، وهذا العمل يحتوي على تفسير سلبي واضح لشخصية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على أساس طريقة النظر في البيانات السلبية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ القرآن نصٌّ تاريخي يمكن فهمه على أساس ظروفه المعاصرة.

وتضمّنت ترجمته مقدّمة من (15) صفحة، تناول فيها شخصية النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بصورة سلبية، واعتمد إلى حدّ كبير على أشهر التعليقات من قِبل المترجمين؛ كتعليقات (محمد أسد) ـ التي اعتمد فيها على ما كتبه أئمة التفاسير؛ مثل: البيضاوي، والبغوي، والزمخشري، والرازي ـ وغيره، وكان يضع النص القرآني في سياق التاريخ الديني، ثمّ يوضح العلاقة ما بين النص القرآني والقصص، والظواهر التي يُشير إليها، والتقاليد اليهودية، والمسيحية، وفي عام (1970م) تم

(204)

نشر ترجمة (زترستين) بإضافة تعليق تكميلي لها من قِبل كريستوفر تول بـ (51) صفحة[1].

ويرى الدبلوماسي السويدي (محمد كنوت برنستروم) أنّ الطبعة الجديدة لترجمة القرآن الكريم للأستاذ (كارل فلهلم زتّرستين) الصادرة عام (1917م) مهمة، ولا تزال متاحة في الأسواق؛ لأسباب عدّة، منها: أنّ هذه الترجمة هي عمل معرفي كبير، ومن الناحية اللغوية جيدة؛ لأنّ مجموعة من خبراء اللغة قاموا بها، ولكنّها من ناحية المضمون غير كافية؛ لأنّ ترجمة الكلام من دون معانيه لا يوضح المراد من ذلك النص، وتكون الصورة بالنسبة للنص ناقصة وغير مكتملة، كما أنّ اللغة التي كتبت بها تلك الترجمة صارت قديمة وأجنبية بالنسبة إلى قرّاء اليوم[2].

ويذكر (كارل فلهلم زترستين) أنّ ترجمة القرآن هذه مقدّمة إلى الجمهور السويدي، وفي المقام الأول موجهة إلى القرّاء الذين يرغبون في دراسة السجل المحمدي المقدّس (الوثيقة المحمدية المقدّسة) ـ بحسب تعبيره ـ والذين لا يمكنهم معرفة اللغة العربية.، ثمّ يبيّن أنّ المعلومات المتعلّقة بالتسلسل الزمني للقرآن مستمدة بشكل حصري من (نولدكه وشفالي)، وأنّ مقترحات التصحيح‏ تستند بالكامل إلى نتائج أبحاث (بارث)، وأنّ بيان قضايا ومسائل النزاع النظرية البحتة بين محمد وأبناء بلده يتصل بشكل أساس بـ (بوهل)، هذه الوسائل المساعدة، التي تستخدم بصورة مؤقتة كثيرًا، سيتم الاستشهاد بها من ناحية أخرى بالطريقة المعتادة[3].

واعتمد في ترجمته على المصادر التفسيرية العربية الآتية:

ـ تفسير الطبري.

ـ تفسير الفخر الرازي.

ـ تفسير الكشاف للزمخشري.

ـ تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي.

ـ تفسير البغوي.

(205)

كما اعتمد في ترجمته على المصادر الأجنبية الآتية:

ـ جاكوب بارث، دراسات على نقد وتفسير القرآن: الإسلام، الجزء السادس، من ص 113-148.

ـ فرانتس بوهل، حياة محمد، مع مقدّمة للظروف في شبه الجزيرة العربية قبل محمد (كوبنهاغن، 1903م).

ـ ليون كايتاني، حوليات الإسلام (ميلانو، 1905م).

ـ هوبيرت غريم، محمد، الجزء من 1-11 (مونستر، ١٨٩٢م - ١٨٩٥م).

ـ مارتاين تيودور هوتسما، دائرة المعارف الإسلامية (لايدن، 1913م).

ـ ثيودور نولدكه، تاريخ القرآن، الجزء الثاني، تعديل بقلم فريدريش شكوالي (لايبزيغ، 1909م)، والمساهمات الجديدة في العلوم اللغوية السامية (ستراسبورغ، 1910م)، والرسومات الشرقية (برلين، 1892م)[1].

6- الترجمة السادسة للقرآن الكريم:

هذه الترجمة جاءت من قبل الفرقة (القاديانية الأحمدية) قام بها الدكتور قانيتا صدّيق (Qannita Sadiqe)، وتم طباعة هذه الترجمة بعنوان (الكتاب المقدّس)، ولكنّها لم تلقَ قبولًا من الجاليات المسلمة في السويد، وكذلك المؤسسات الإسلامية السويدية [2]؛ والسبب وراء رفض هذه الترجمة من قِبل المسلمين في السويد؛ هو: كونها تعكس تفسير الفرقة القاديانية الأحمدية فحسب من دون التطرّق إلى أيّ تفسيرٍ آخر، أي: إنّها لا تخرج عن اعتقادات ومبتنيات الفرقة الأحمدية[3].

ويقول قانيتا في حق الترجمات السويدية: «هذه الترجمات بغالبيتها تعتمد على ترجمات أوروبية فرنسية، وألمانية، وإنجليزية، الأمر الذي جعلها بعيدة عن الأصل، ومليئة بالأخطاء

(206)

اللغوية والفقهية الفاحشة، والتشويهات المتعمّدة وغير المتعمّدة للقرآن الكريم»[1].

ويتبيّن ممّا تقدّم أنّ الدافع الأول للترجمة الأولى كان دينيًّا؛ لأنّها جاءت على يد كبير القساوسة (بيشوب يوهان)، في حين اتسمت الترجمة الثانية بالإنصاف بالقياس مع غيرها، وأمّا الترجمات الثالثة والرابعة والخامسة فقد اتّصفت بالطعن والنقد والتشويه لصورة القرآن الكريم ولنبي الإسلام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أنّها لم تعتمد بصورة مباشرة على المصادر الإسلامية الرصينة والموثوقة، أمّا الترجمة السادسة فقد أعرض المسلمون عنها بسبب كونها تعكس صورة الفرقة الأحمدية للقرآن الكريم فقط.

7- الترجمة السابعة للقرآن الكريم:

 تعدّ الترجمة التي قام بها الدبلوماسي السويدي (محمد كنوت برنستروم) من أهم الترجمات التي قام بها السويديون وأفضلها على الإطلاق، وهي الترجمة العصرية للقرآن الكريم في السويدية.

كان (برنستروم) ينتمي إلى عائلة سويدية تدين بالدين المسيحي (البروتستانتي)، ثمّ تحوّل إلى (الكاثوليكية)، وبعدها عمل سفيرًا لدولة السويد في المغرب العربي ما يقارب سبع سنوات، وتعرّف على الإسلام والمسلمين في ذلك البلد، وأُعجب وانبهر بالقرآن الكريم والطقوس الإسلامية هناك، فأعلن إسلامه سنة (1985م) وحمله إيمانه على تعلّم اللغة العربية؛ كي تكون قراءته للقرآن الكريم بلغته الأصلية[2].

عمل (بيرستروم) على إنجاز أكمل ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة السويدية، فصدرت ترجمته عن (دار بروبريوس) في العاصمة السويدية (أستوكهولم)، سنة (1999م)، وكانت مؤلفة تقريبًا من ألف صفحة، وتحمّلت وزارة الخارجية السويدية العبء الأكبر من تكاليفها طباعةً وإصدارًا، هذا وكانت المؤسسات الإسلامية في السويد تعمل جاهدة على تحمّل تكاليف طباعة هذه الترجمة، إلّا أنّ وزيرة الخارجية السويدية آنذاك (لينا ولم فالين)

(207)

رفضت ذلك، وأشارت إلى أنّ إصدار ترجمة كهذه على نفقة الدولة السويدية لمدعاة للشرف والفخر ولا يمكن التضحية به[1].

الأسباب الداعية لهذه الترجمة:

قال برنستروم:» أحسست بمسؤولية ثقيلة على كاهلي بعد اعتناقي الإسلام اتجاه ربّي أولًا، واتجاه المسلمين في بلدي السويد ثانيًا، سواء ممّن هاجروا إليها من العالم الإسلامي أو مَن اعتنقوا الإسلام، فهم بحاجة جميعًا إلى ترجمة صحيحة ودقيقة لمعاني القرآن الكريم، ولا سيّما في نشاطاتهم الدعوية، وشعرت أنّ هذه المهمة تقع على عاتقي أنا خاصّة؛ لأنّي الأكثر تأهلًا لها، ومن هنا بدأت وقررت تعلّم لغة القرآن بهدف ترجمة معانيه على أكمل وجه ممكن»[2].

استغرقت ترجمته عشر سنوات متواصلة، بعد أن قرر القيام بهذا العمل الضخم، الذي رام به بناء جسور تفاهم دينية وثقافية مع المجتمع الغربي، ولكنّه لم يبدأ بهذه الترجـمة إلّا بعد أن انتظر سنوات عدّة حتى تعمق في اللغة العربية أكثر، وبدأ يشعر بواجب يجب أن يقوم به. يقول: «عندما قررت القيام بترجمة معاني القرآن الكريم اتصلت ببعض مسؤولي الجمعيات الإسلامية في السويد وطرحت تلك الفكرة عليهم ولمست من جهتهم بأنّ هناك حاجة ماسة لمثل هذه الترجمة» فالإسلام هو الدين الثاني في السويد بعد المسيحية، فمن الضروري جدًا أن توجد ترجمة لمعاني القرآن الكريم، تختلف عن سابقاتها من حيث السعة والتفصيل، وأشار (برنستروم) إلى أنّه لا تقتصر استفادة أجيال المسلمين السويديين من هذه الترجمة فحسب، بل يستفيد منها حتى المهاجرين الأجانب الذين لا يتكلّمون اللغة العربية[3].

(208)

المصاعب التي واجهت برنستروم في ترجمته:

 قال: «كنت أواجه أثناء الترجمة مصاعب جمّة وعقدًا مستحكمة أحيانًا، وكانت المصاعب تتذلل واحدة بعد أخرى، ويفتح الله سبحانه وتعالى أمامي سبل النجاح والهداية والتوفيق حتى اكتملت الترجمة»[1].

ومن تلك المصاعب والعقد عندما شرع في ترجمة القرآن الكريم يذكرها بقوله: «بدأت أصلًا بمحاولة ترجمة معاني السور الأخيرة في القرآن الكريم؛ لأنّها صغيرة ولا تحتوي على كلمات عدّة، ولكن اكتشفت وقتها بأنّ تلك الكلمات القليلة كانت الأصعب؛ لأنّها مقتضبة، ولكنّها تتضمّن عاصفة من المعاني والصور، واكتشفت بأنّ القرآن الكريم ليس كأيّ كتابٍ ديني آخر يتكلّم فقط عن أشياء تاريخية، أو يروي سيرة معينة، وإنّما هو مضمون حيوي من الصعب اختصاره أو وصفه»[2].

و«بعد وفاة السفير (محمد كنوت برنستروم) نجح موقع دليل الإسلام السويدي بشراء حقوق نشر معاني القرآن الكريم على شبكة المعلومات العالمية؛ ليستفيد من الترجمة المسلمون وغيرهم»[3].

المطلب الثاني: نماذج من ترجمات المستشرقين السويديين:

تيمنًا بالثلاثين جزءًا من القرآن الكريم نذكر في ما يأتي ثلاثين آية قرآنية مترجمة إلى اللغة السويدية، موزّعة على خمس ترجمات للمستشرقين السويديين؛ بدءًا بـ (يوهان فريدرك) وانتهاءً بـ (محمد كنوت)، وهي:

نماذج من ترجمة يوهان فريدرك سبستيان كروزينستولبه:

1ـ قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ[سورة الزخرف، الآية31].

(209)

مترجمة بالسويدي:

«Och de säga: hvarföre har denna Koran ej blifvit nedsänd till någon stor man af de båda städerna» [1].

ترجمتها في اللغة العربية:

 (ويقولون: لماذا هذا القرآن لم ينزل على رجل عظيم من هاتين المدينتين؟)[2].

2ـ قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ[سورة البقرة، الآية4].

مترجمة بالسويدي:

«Och hvilka tro på det som blifvit nedsändt till dig, och det som blifvit nedsändt föredig, och hvilka äro fullt öfvertygade om det tillkommande lifvet»[3].

ومدلول الترجمة في اللغة العربية:

 (والذين يؤمنون بما قد تم إرساله إليك، وما قد تم إرساله قبلك، والذين هم مقتنعون تمامًا بالحياة اللاحقة (القادمة).

3ـ قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[سورة آل عمران، الآية61].

مترجمة بالسويدي:

«Och ho som tvistar med dig derom, efter den kunskap som till dig kommit, säg: kommer, kallom våra söner och edra söner, och våra qvinnor

(210)

och edra qvinnor, och oss sjelfva och eder sjelfva, låtom oss sedan göra besvärjelse och lägga Guds förbannelse på lögnarne»[1].

ومدلول الترجمة في اللغة العربية:

 (وأيًّا كان مَن يتجادل معك، ووفقًا للمعرفة التي تم منحها إليك، قُل لهم: تعالوا، ندعوا أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثمّ دعونا ندعوا ونلقي لعنة الرب (الله) على الكاذبين).

4ـ قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [آل عمران:65].

مترجمة بالسويدي:

«O, J Skriftens folk! hvarföre tvisten J om Abraham? Icke blefvo Lagen och Evangelium medsände förr än efter honom: skolen J då ej förstå»[2].

ومعنى ترجمتها في اللغة العربية:

 (يا أهل الكتاب (المقدّس)! لماذا هذا الخلاف حول إبراهيم؟، لم ينزل القانون (التوراة) والإنجيل إلّا بعده: أفلا تفهمون ذلك؟).

5ـ قوله تعالى: ﴿هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [سورة آل عمران، الآية66].

مترجمة بالسويدي:

«Se, J ären de som tvista om det hvaruti J hafven kunskap, huru kunnen J då tvista om det hvarom J icke hafven kunskap? Men Gud vet och J veten icke»[3].

(211)

ومعناها في اللغة العربية:

 (اُنظر، يا أيّها الذين تجادلون حول ما كان من معرفة، كيف يمكنكم أن تجادلوا في ما ليس لديكم من معرفة؟ ولكن الربّ (الله) يعلم وأنتم لا تعرفون (تعلمون).

6ـ قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[سوررة آل عمران، الآية67].

مترجمة بالسويدي:

«Icke var Abraham Jude, ej heller Christen, men han var renlärig, rättrogen; och han var icke utaf afgudadyrkarne».[1]

ومعنى الترجمة في اللغة العربية:

 (لم يكن إبراهيم يهوديًا، ولا مسيحيًا، لكنّه كان ورعًا (تقيًّا)، ومُؤمنًا‏، وأنّه لم يكن من عُبّاد الأصنام).

7ـ قوله تعالى: ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ[سورة الحجر، الآية88].

مترجمة بالسويدي:

«Du skall ej kasta dina ögon begärligt på hvad vi låta någre ibland dem njuta; ej heller må du sörja Öfver dem: men var nedlåtande mot de rättrogne»[2].

ومعناها في اللغة العربية:

(يجب عليك أن لا تلقي النظر بشراهة على ما سمحنا للغير التمتع به، ولا تحزن عليهم، ولكن يجب عليك أن تتواضع تجاه الصالحين المؤمنين).

(212)

8ـ قوله تعالى: ﴿لَو كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ[سورة الأنبياء، الآية22].

مترجمة بالسويدي:

«Om det vore i dem båda gudar, utom Gud, visserligen skulle de blifva förderfvade: men prisad vare G ud, thronens Herre, långt öfver hvad de yttra»![1]

ومدلول الترجمة في اللغة العربية:

 (لو كان بينهما آلهة، غير الرب (الله)، فإنّهم بلا شك سوف يكونون مفسدين، ولكن المجد للربّ (الله)، ربّ العروش، هم أبعد ما يقولون!).

نماذج من ترجمة كارل يوهان تورنبيرغ:

9ـ قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فَآوَى.... وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى[سورة الضحى، الآيات6 ـ 8].

 مترجمة بالسويدي:

«Fann han (Gud) dig (Muhammed) icke såsom faderoch moderlös och upptog dig?..... och såsom fattig och gjorde dig rik »[2].

ومعنى الترجمة في اللغة العربية:

 (ألم يجدك (الربّ، الله) يا (محمد) بلا أم ولا أب وأخذك؟...... وألم يجدك فقيرًا وجعلك غنيًا؟).

(213)

10- قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ [سورة هود، الآية91].

مترجمة بالسويدي:

«I sanning, vi se dig svag ibland oss, och vore ej din familj, så skulle vi stena dig» [1].

ومعناها في اللغة العربية:

 (في الحقيقة، نحن نراك ضعيفًا بيننا، وكذلك بين عائلتك، لذلك نحن سوف نرجمك).

نماذج من ترجمة كارل فلهلم زترستين:

11ـ قوله تعالى: ﴿وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ[سورة الأنعام، الآية92].

مترجمة بالسويدي:

«Detta är en skrift som vi nedsänt, välsignad och avsedd att bekräfta vad som fanns före den» [2].

ومدلول الترجمة في اللغة العربية:

 (هذا هو الكتاب المقدّس الذي أنزلناه مباركًا ويهدف إلى تأكيد ما كان موجودًا من قبلُ).

12ـ قوله تعالى: ﴿حم ‎﴿١﴾‏ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ‎﴿٢﴾‏ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[سورة فصلت، الآيات1 ـ 3].

(214)

مترجمة بالسويدي:

«Se, en sändning från den barmhärtige Förbarmaren, en skrift, vars verser är tydligt utlagda, en arabiska Joran för människor som har kunskap, en glädjebudbärare och varnare, men de flesta av dem vänder sig bort och hör inte på» [1].

ومعناها في اللغة العربية:

 (اُنظر/ شاهد، هذه رسالة من الرحمن الرحيم، وهو الكتاب الذي تكون آياته واضحة، هو قرآن عربي للأشخاص الذين لديهم معرفة، وهو حامل الفرح ونذير، ولكن معظمهم يتهربون ولا يستمعون).

13ـ قوله تعالى: ﴿الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ‎﴿١﴾‏ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[سورة يوسف، الآيتان1ـ2].

مترجمة بالسويدي:

«Detta är den tydliga skriftens verser. Vi har förvisso sänt ned den som en arabiska koran, för den händelse ni må har förstånd» [2].

ومدلولها في اللغة العربية:

(هذه هي آيات الكتاب المقدس الواضحة، وقد أرسلناه بالتأكيد قرآنًا عربيًّا، في حال كنتم تفهمون).

14ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ[سورة فصلت، الآية41].

(215)

مترجمة بالسويدي:

«Om vi hade gjort den till en Koran på utländskt tungomål, så skulle de ha sagt: varför har verserna i den inte tydligt utlagts? Är det en utländsk skrift och (=för) en arabiska läsare? Säg: Det är en vägledning och läkedom för dem som tror». [1]

معناها في اللغة العربية:

(لو جعلنا القرآن في لغة أجنبية، لقالوا: لماذا الآيات لم تكن واضحة؟، هل هذا كتاب مقدّس أجنبي لقارئ عربي؟ لذلك قُل لهم: إنّه دليل (هِداية/ إرشاد) وشفاء لأولئك الذين آمنوا).

15ـ قوله تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ[سورة النحل، الآية2].

مترجمة بالسويدي:

«Han sänder ned änglarna med anden, som utgår från hans ord, till vem han vill bland sina tjänare med dessa ord: Förkunnen, att det inte finns någon gud utom mig, och frukta mig».! [2]

ومعنى الترجمة في اللغة العربية:

 (هو أرسل الملائكة (يُنزل الملائكة) والروح، استنادًا إلى كلماته التي قالها إلى مَن يُريد اختياره من عباده: نحن نعلن أنّه لا يوجد إله إلّا أنا، فخافوا منّي! (يجب عليكم أن تخافوا منّي!).

(216)

نماذج من ترجمة قانيتا صدّيق:

16ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [سورة البقرة، الآية158].

مترجمة بالسويدي:

«alsafa och almarwa är förvisso bland allahs minnesmärkn. därför är det ingen synd för den,som är på pilgrimsfärd till huset eller utför umra att gå runt de två.och för den,som gör gott utöver det nödvändiga,är allah sannerligen erkännande av goda gärningar och allvetande». [1]

ومعنى الترجمة في اللغة العربية:

(ومن المؤكد أن الصفا والمروة من شعائر الله؛ لذلك لا خطيئة لأولئك الذين يؤدون العمرة أو الحج مشيًا حول الاثنين[أي: الصفا والمروة]، وبالنسبة لأولئك الذين يفعلون ما هو أبعد من الضرورة، والله هو الذي يعلم حقًّا الأعمال الصالحة ويعلم جميع الأمور).

17ـ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا [سورة الأحزاب، الآية7].

مترجمة بالسويدي:

«och (kom ihåg) när vi sltö förbunder med profeterna och med dig och med noak och abraham och moses och jesus, marias son, och vi slöt (sannerligen) ett högtidligt förbund med dem ».[2]

(217)

ومدلولها في اللغة العربية:

و(تذكر) عندما أخذنا العهد من الأنبياء ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى ويسوع ابن مريم، ونحن (في الواقع) اختتمنا العهد الرسمي معهم).

18ـ قوله تعالى: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [سورة الزمر، الآية1].

مترجمة بالسويدي:

«uppenbarelsen av denna bok är från allah, den mäktige, den vise»[1].

ومعناها في اللغة العربية:

 (الوحي في هذا الكتاب هو من الله القوي الحكيم).

19ـ قوله تعالى: ﴿لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‎﴾ [سورة الواقعة، الآية79].

مترجمة بالسويدي:

«vilken ingen skall beröra utom de som är renhjärtade»[2].

ومدلولها في اللغة العربية:

 (التي يجب أن لا يلمسه إلّا من قِبل أصحاب القلوب الخالصة).

20ـ قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا[سورة الفرقان، الآية32].

مترجمة بالسويدي:

«och de som icke tror sägervarför uppenbarades icke hela quranen på en gång för honom vi har uppenbarat den på detta sätt så att vi kan styka ditt hjärta med den. och vi har ordnat den i den bästa utform ningen»[3].

(218)

ومعناها في اللغة العربية:

(أولئك الذين لا يؤمنون بالكتاب يقولون: لماذا لم يظهر القرآن كلّه في آن واحد بالنسبة له؟ لقد أظهرناه بهذه الطريقة لكي نُثبت قلبك، وقد رتبّناه في أفضل تصميم).

21ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‎﴾ [سورة الحجر، الآية9].

مترجمة بالسويدي:

«det är i sanning vi som har sänt ned denna förmaning ,och vi är helt förvisso dess beskyddare».[1]

ومدلولها في اللغة العربية:

 (في الحقيقة نحن الذين أرسلنا هذا الكتاب، ونحن على يقين تمامًا من حفظه).

22ـ قوله تعالى: ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا [سورة الفتح، الآية2].

مترجمة بالسويدي:

«att allah skall beskydda dig mot följderna av dina förgångna och framtida, (mänskliga) felaktigheter ,och att han skall fullkomna sin ynnest över dig, och skall leda dig på rätt väg»[2].

ومدلول الترجمة في اللغة العربية:

(إنّ الله سوف يحميك من عواقب أخطائك السابقة والمستقبلية، وأنّه سوف يحقّق نعمته عليك، ويقودك في الاتجاه الصحيح).

(219)

نماذج من ترجمة محمد كنوت:

23ـ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ[سورة الصف، الآية6].

مترجمة بالسويدي:

«Och [minns] Jesus, Marias son, som sade: “Israeliter! Jag är sänd till er av Gud för att bekräfta vad som ännu består av Tora och för att förkunna för er det glada budskapet att ett sändebud skall komma efter mig vars namn skall vara Ahmad.” Men när han kom till dem med klara tecken och vittnesbörd, sade de: “Detta är uppenbart vältalighet som bländar och förhäxar!”.[1]«

ومعنى الترجمة في اللغة العربية:

 (و[تذكر] يسوع ابن مريم، الذي قال: إسرائيليون! أرسل إليكم من قبل الله لتأكيد ما لا يزال من التوراة وإعلان رسالة سعيدة لكم بأن سوف يأتي بعدي اسمه أحمد).

24ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[سورة البقرة، الآية62].

مترجمة بالسويدي:

«DE SOM tror [på denna Skrift] och de som bekänner den judiska tron och de kristna och sabierna - ja, [alla] som tror på Gud och den Yttersta dagen och som lever ett rättskaffens liv - skall helt visst få sin fulla lön av sin Herre och de skall inte känna fruktan och ingen sorg skall tynga dem»[2].

(220)

ومعناها في اللغة العربية:

(أولئك الذين يؤمنون [على هذا الكتاب] والذين يعترفون بالإيمان اليهودي والمسيحيين والصابئين - نعم، كلّ الذين يؤمنون بالله واليوم الأخير، الذين يعيشون حياة البر، بالتأكيد أجره الكامل من ربّه، ولا يشعرون بالخوف، ولا حداد يقسمهم).

25ـ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا[سورة النساء، الآية22]. 

مترجمة بالسويدي:

«NI FÅR inte ta till hustru den som varit er faders hustru - dock, det som har skett, har skett - detta var ett skamlöst beteende, en ond och avskyvärd sed».[1]

ومدلول الترجمة في اللغة العربية:

(أي: لا يمكن أن تأخذ الزوجة التي كانت زوجة والدك - ولكن ما حدث قد حدث - كان هذا سلوكًا قاسيًا، وممارسة شرسة وبغيضة).

26ـ قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ[سورة الضحى، الآية8].

مترجمة بالسويدي:

«Och såg Han dig inte lida nöd och skänkte dig allt vad du behövde»[2].

ومدلولها في اللغة العربية:

(ورأى أنّك تعاني من الضيق وأعطاك كلّ ما تحتاجه).

27ـ قوله تعالى: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[سورة البقرة، الآية106].

(221)

مترجمة بالسويدي:

«Varje vers [uppenbarelse] som Vi upphäver eller överlämnar åt glömskan ersätter Vi med en bättre eller en lika god»[1].

ومعناها اللغة العربية:

(كل آية [الوحي] نلغيها أو يتحقّق فيها الاستسلام للنسيان؛ نستبدل مع الأفضل أو مع المساوي. ألا تعرف أنّ الله لديه كلّ ما في وسعه؟)

28ـ قوله تعالى:﴿غُلِبَتِ الرُّومُ ‎﴿٢﴾‏ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ[سورة الروم، الآيتان2 ـ 3].

مترجمة بالسويدي:

«bysantinerna är slagna; [de har besegrats] i ett närbeläget land, men efter detta nederlag skall de åter segra»[2].

 ومدلولها في اللغة العربية:

 (هُزم البيزنطيون في بلد مجاور، ولكن بعد هذه الهزيمة سوف ينتصرون مرةً أخرى).

29ـ قوله تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [سورة الأنبياء، الآية5]

مترجمة بالسويدي:

«Och de går så långt att de säger: [“Detta är bara] ett virrvarr av drömmar” [eller] “nej, han har [själv] hittat på alltsammans” [eller] «nej, han är ju poe[3]«.

(222)

ومعنى الترجمة في اللغة العربية:

 (ويذهبون إلى حدّ أنّهم يقولون: هذا مجرد زوبعة من الأحلام [أو] لا، أوجده كلّه من تلقاء نفسه [أو] لا، إنّه شاعر فليظهر لنا علامة كما أُرسلت الأنبياء).

30ـ قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [سورة محمد، الآية33].

مترجمة بالسويدي:

«Lyd Gud och lyd Sändebudet och låt inte era [goda] handlingar gå förlorade[1]«.

ومعناها في اللغة العربية:

(أيّها المؤمنون، استمعوا وانصاعوا إلى قول الله وقول الرسول، ولا تجعلوا أفعالكم الجيدة تضيع).

(223)
(224)

النتائج والتوصيات

النتائج:

بحمد الله تعالى، تحطّ رحالنا في نهاية مطاف هذه  الجولة العلميّة في أروقة الاستشراق السويدي وبحوثه ودراساته القرآنيّة، حيث نعرض نتائج هذا الجهد العلمي واستخلاصاته، آملين أن يجد الباحثون والأساتذة الأجلاء الفائدة المرجوّة:

1ـ يعدّ الاستشراق السويدي حديث العهد إذا ما قُورِن بالمدارس الاستشراقية الأخرى؛ كالمدرسة الاستشراقيّة الفرنسيّة، والإنجليزيّة، والألمانيّة، ونحوها.

2ـ يعود الفضل في تأسيس الدراسات الشرقيّة في دولة السويد إلى المستشرق الفرنسي  البارون (سلفستر دي ساسي)؛ إذ تلقّى على يده المستشرقون السويديون، ورتّبوا الاستشراق في بلادهم؛ وفق مدرسة تميّزت بخلوّها عن الدافع الاستعماري.

3ـ المؤسّس والمنظّم للاستشراق السويدي؛ وفق المدرسة الأوروبية هو المستشرق السويدي (كارل يوهان تورنبيرغ)، بعد تلقيه ذلك على يد كبير المستشرقين الفرنسيين (سلفستر دي ساسي).

4ـ أغلب الدراسات الاستشراقيّة السويديّة كانت على أيدي أساتذة جامعيين، حازوا على شهادات عليا ـ ماجستير ودكتوراه ـ في الدراسات الشرقيّة سواء أكانت في اللّغات السامية أم الأديان ونحوها.

5ـ اهتمّ المستشرقون السويديون بترجمة القرآن الكريم في وقت مبكِّر؛ حيث كانت أوّل ترجمة للقرآن الكريم إلى اللّغة السويدية على يد كبير القساوسة (بيشوب يوهان آدم تنجستاديوس) (Biskop Johan Adam Tingsatius)  (1627م ـ 1748م)، ثمّ توالت في ما بعد الترجمات الأخرى حتى وصل عددها إلى ست ترجمات للقرآن الكريم.

(225)

6ـ اختصّت بعض الدراسات الاستشراقية السويدية بسيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ بُغية التعرّف على مدى صدق دعواه في نزول الوحي، كالدراسة التي قام بها المستشرق السويدي (تور أندريه) في كتابه ( محمد حياته وعقيدته).

7ـ احتوى الاستشراق السويدي على دراسات دافعها الأوّل والأخير هو الدافع الديني، من ذلك ما ذكرناه آنفًا من قيام كبير القساوسة (بيشوب يوهان آدم تنجستاديوس) بترجمة القرآن الكريم: وكذلك دراسة المستشرق السويدي (تورنبيرغ) للقرآن الكريم في كتابه (القرآن)، ودراسة المستشرق السويدي (زترستين) في كتابه (القرآن)، ونحوها، فكان وراء هذه الدراسات الكنيسة الكاثوليكية.

8ـ توجد دراسات في الاستشراق السويدي للقرآن الكريم لم يكن المحرّك لها الدافع الديني، وإنّما سعت للأنصاف والحياد معتمدة في بحثها على المنهج العلمي، ومن تلك الدراسات ما قام به المستشرق السويدي كريستر هيدين في كتابه (الإسلام وفق القرآن)، وكذلك ترجمة القرآن الكريم للدبلوماسي السويدي (محمد كنوت)، وترجمة قانيتا صدّيق للقرآن الكريم.

9ـ اتّسمت الدراسات الاستشراقية ذات الطابع الديني بالتشويه والطعن والتشكيك، واضعة نصب عينيها الهدف الذي تحرّكت لأجله، وهو إضعاف هذا الدين وتشويهه عبر الطعن بالقرآن الكريم وبرسول الإسلام محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

10ـ بذل السويديون جهودًا كبيرةً في اقتناء المخطوطات والكتب وفهرستها في وقت مبكر؛ حيث حوت المكتبة الملكية السويدية على وثائق ونُسخ في غاية الأهميّة، فإنّ عدد المجموعات التأريخية فيها (850) مجموعة تأريخية  تتضمّن دراسات تعود إلى عام 1850م.

(226)

التوصيات:

سنتجنّب في التوصيات، إيراد ما اعتادت الرسائل الأكاديمية، التي تتناول الاستشراق، ذكره من عموميات؛ من قبيل: إنشاء كليات، أو أقسام متخصّصة بالدراسات الاستشراقية، وإعداد معهد أو مركز متخصّص لترجمة النتاجات الاستشراقية؛ بُغية التعرّف عليها ومناقشتها، ونحو ذلك.

وسنكتفي بالتوصيات والمقترحات الآتية:

1ـ مد جسور التواصل مع المستشرقين المعاصرين خصوصًا المنصفين منهم؛ لأجل التعرّف على تلك الدراسات من مصدرها الأصيل.

2ـ استقطاب الأساتذة العرب المتواجدين في الغرب؛ لأجل التعرّف عبرهم على المستشرقين المعاصرين، وكذلك أهم الدراسات الاستشراقية المعاصرة في تلك البلدان.

3ـ  دعم طلبة الدراسات العليا المتخصِّصين في الدراسات الاستشراقية، وإرسالهم إلى تلك البلدان؛ للتعرّف على جديد الدراسات الاستشراقية القرآنية في الغرب، واستقصاء جميع ذلك.

4ـ ترجمة الدراسات العلمية النقدية الرصينة إلى لغة تلك الدراسة الاستشراقية؛ بُغية معرفة مستشرقي تلك البلدان وما كُتب عنهم.

5ـ  إصدار كتيبات تتضمّن ردودًا موجزة محكمة ورصينة ضدّ افتراءات المستشرقين على القرآن الكريم والنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مترجمةً إلى أكثر من لغة ونشرها في تلك البلدان.

وختامًا أسأل الله العلي القدير أن أكون قد وُفّقت في إماطة اللّثام عن الدراسات القرآنية في الاستشراق السويدي؛ خدمةً للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ودينه الحنيف.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

(227)
(228)

ثبت المصادر والمراجع

 

القرآن الكريم.

1- الكتاب المقدّس (العهد القديم)، الكنيسة, دار الكتاب المقدّس, 1980م.

2- الكتاب المقدّس (العهد الجديد)، الكنيسة، دار الكتاب المقدس، 1980م.

المصادر:

1- ابن إدريس الحلي، محمد بن منصور (ت:598هـ)، إكمال النقصان من تفسير منتخب التبيان (موسوعة ابن إدريس الحلي) تح: محمد مهدي الموسوي، الناشر: العتبة العلوية المقدسة، ط/1، 1429هـ ـ 2008م.

2- الأستربادي، رضي الدين محمد بن الحسن (ت:686هـ)، شرح شافية ابن الحاجب، تح: محمد نور الحسن وآخرون، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1395ه‍ - 1975م.

3- الباقلاني، محمد بن الطيب (ت:403هـ)، الانتصار للقرآن، تح: محمد عصام، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1422هـ ـ 2001م.

4ـ إعجاز القرآن، تح: السيد أحمد صقر، دار المعارف، مصر،(د. ط)، (د. ت).

5- البحراني، هاشم بن سليمان بن إسماعيل (ت:1107هـ)، حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأخيار، تح: الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، قم ـ إيران، ط/1، 1411هـ.

6- البخاري، محمد بن إسماعيل (ت:256هـ)، صحيح البخاري، دار الفكر، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول، 1401ه‍ - 1981 م.

7- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد (ت:274هـ )، المحاسن، تح: السيد جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط/1، 1370 ـ 1330ش.

(229)

8- البيهقي، أحمد بن الحسين (ت:458هـ)، دلائل النبوة، وثّق أصوله وخرّج حديثه وعلّق عليه: الدكتور عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1405 هـ ـ 1985م.

9- شعب الإيمان، تح: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، تقديم: دكتور عبد الغفار سليمان البنداري، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1410هـ - 1990 م.

10- المدخل إلى السنن الكبرى، دراسة وتحقيق: الدكتور محمد ضياء الرحمن، الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي،(د. ط)، (د. ت).

11- الترمذي، محمد بن عيسى (ت:279هـ)، سنن الترمذي، حقّقه وصحّحه: عبد الرحمان محمد عثمان، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، ط/2، 1403هـ ـ 1983م.

12- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (ت:728هـ)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم، وابنه محمد، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، (د. ط)، 1416هـ.

13- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، تح: حامد الفقهي، مط/ السنة المحمدية، القاهرة، ط/2، 1950م.

14- الثعلبي، أحمد بن محمد (ت:427هـ)، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تح: الإمام أبي محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1422هـ ـ 2002م.

15- الجوهري، إسماعيل بن حمّاد (ت:393هـ)، تاج اللغة وصحاح العربية، تح: أحمد عبد الغفور العطار، مط/ دار الملايين، بيروت ـ لبنان، ط/4، (د. ت).

16- الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله (ت:405هـ)، مستدرك الصحيحين، تحقيق وإشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، (د. ط)، (د. ت).

17- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (ت:852هـ)، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، (د. ت).

18- الحنفي، محمد بن علاء الدين علي بن محمد ابن أبي العز الحنفي الدمشقي (ت:792هـ)، شرح العقيدة الطحاوية، المكتب الإسلامي، بيروت، ط/4، 1391هـ.

(230)

19- ابن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل (ت:241هـ)، مسند أحمد، دار صادر، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، (د. ت).

20- الحموي، ياقوت بن عبد الله (ت:626هـ)، معجم الأدباء، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1399هـ ـ 1979م.

21- ابن خلكان، أحمد بن محمد (ت:681هـ)، وفيات الأعيان وأنباء الزمان، تح: إحسان عباس، دار الثقافة، لبنان، (د. ط)، (د. ت).

22- الذهبي، محمد بن أحمد (ت:748هـ)، تذكرة الحفاظ، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، (د. ت).

23- سير أعلام النبلاء، تح: شعيب الأرنؤوط، محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1406هـ ـ 1986م.

24- طبقات القرّاء، تح: أحمد خان، ط/1، 1418هـ ـ 1997م.

25- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد (ت:425هـ)، مفردات ألفاظ القرآن، تح: صفوان عدنان داوودي، مط/ أمير، ط/3، 1424هـ.ق.

26- مقدّمة جامع التفاسير مع تفسير سورة الفاتحة ومطالع البقرة، حققه وقدم له وعلق حواشيه: أحمد حسن فرحات، دار الدعوة، الكويت، ط/1، 1984م.

27- الرازي، محمد بن عمر (ت:606هـ)، التفسير الكبير، دار الفكر، بيروت ـ لبنان ط/1، 1401هـ ـ 1981م.

28- الزركشي، محمد بن بهادر (ت:794هـ)، البرهان في علوم القرآن، تح: مصطفى عبد القادر عطا، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط/1 لونان، 2007م.

29- الزمخشري، محمود بن عمر (ت:538هـ)، الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأوي، الناشر: عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاهم، مط/ مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، (د. ط)، (د. ت).

30- الزملكاني، كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم (ت:651هـ)، البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن، تح: خديجة الحديثي، وأحمد مطلوب، مط/ العاني، بغداد، ط/1، 1394هـ.

(231)

31- السجستاني، سليمان بن الأشعث (ت:216هـ)، سنن أبي داوُد، تح: سعيد محمد اللحام، دار الفكر، ط/1، 1410هـ ـ 1990م.

32- السرخسي، محمد بن أحمد (ت: 483هـ)، المبسوط،، دار المعرفة، بيروت، ط/ دار السعادة، 1331هـ.

33- ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الزهري (ت:230هـ)، الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت، (د. ط)، (د. ت).

34- السمعاني، منصور بن محمد (ت:489هـ)، تفسير السمعاني، دار الوطن، الرياض ـ السعودية، ط/1، 1418هـ ـ 1997م.

35- السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت:911هـ)، الإتقان في علوم القران, تحقيق وضبط النص: محمد سالم هاشم, دار الكتب العلمية , بيروت، ط/1، 1425 هـ ـ 2004م،، ط2، 2007م.

36- الشريف المرتضى، علي بن الحسين (ت:436هـ)، الناصريات، تح: مركز البحوث والدراسات العلمية، الناشر: رابطه الثقافة والعلاقات الإسلامية مديرية الترجمة والنشر، مط / مؤسسة الهدى، (د. ط)، 1417 هـ ـ 1997 م.

37- ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد (ت:235هـ)، المصنف، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1409هـ ـ 1989م.

38- الصالحي الشامي، محمد بن يوسف (ت: 942هـ)، سبل الهدى والرشاد، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1414 هـ ـ 1993م.

39- الصدوق، محمد بن علي (ت:381هـ)، معاني الأخبار، تصحيح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، (د. ط)، 1379- 1338 ش.

40- الصفار، محمد بن حسن بن فروخ (ت:290هـ)، بصائر الدرجات، تصحيح وتعليق وتقديم: حسن كوجه باغي، منشورات الأعلمي، طهران، (د. ط)، 1404هـ.

41- الطبراني، سليمان بن أحمد (ت:360هـ)، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي، ط/2 مزيدة ومنقحة، 1406 هـ ـ 1985م.

(232)

42- مسند الشاميين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/2، 1417هـ ـ 1996م

43- الطبرسي، الفضل بن الحسن (ت:548هـ)، مجمع البيان في تفسير القرآن، دار المعرفة، ط/6، 1421هـ.

44- الطبري، محمد بن جرير (ت:310هـ)، جامع البيان عن تأويل القرآن، تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1415هـ ـ1995م.

45- ابن طاووس، السيد رضي الدين علي بن موسى(ت:664هـ)، إقبال الأعمال، تح: جواد القيومي الأصفهاني، مكتب الإعلام الإسلامي، ط/1، 1415هـ.

46- الطوسي، محمد بن الحسن (ت:460هـ )، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، تح: مهدي الرجائي، منشورات آل البيت (عليهم السلام) لأحياء التراث، مط/ بعث، قم، (د. ط)، 1404هـ.

47- التبيان في تفسير القرآن، تح: أحمد حبيب قصير العاملي، نشر وطبع: مكتب الإعلام الإسلامي، (د. ط)، 1409هـ.

48- الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، منشورات مكتبة جامع چهل ستون، مط/ الخيام، قم، (د. ط)، 1400هـ.

49- ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله (ت:463هـ)، جامع بيان العلم وفضائله، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1398هـ.

50- ابن عطية، عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ)، المحرر الوجيز في تفسير الله العزيز، تح: عبد السلام عبد الشافي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1422هـ ـ 2001م.

51- العياشي، محمد بن مسعود (ت:320هـ)، تفسير العياشي، تصحيح وتعليق وتحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران، (د. ط)، (د. ت).

52- العيني، محمود بن أحمد (ت: 855هـ )، عمدة القاري في شرح صيحح البخاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. ط)، (د. ت).

(233)

53- الغزالي، أبوحامد محمد بن محمد (ت:505هـ)، المستصفى من علم الأصول، تح: حمزة بن زهير حافظ، نشر شركة المدينة المنورة للطباع، (د. ط)، (د. ت).

54- الوجيز في الفقه الشافعي، تح: علي معوض وعادل عبد الموجود، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1997م.

55- الطريحي، فخر الدين بن محمد علي(ت: 1085هـ )، مجمع البحرين، نشر مرتضوي، تهران ـ إيران، ط/2، 1362ش.

56- ابن فارس، أبوالحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت:395هـ)، معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، (د. ط)، 1404هـ.

57- الفراهيدي، الخليل بن أحمد (ت:175هـ)، كتاب العين، تح: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، ط/2، 1410هـ.

58- الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب (ت:817هـ)، القاموس المحيط، تح: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، نشر مؤسسة الرسالة، ط/6، 1988م.

59- الفيض الكاشاني، محمد محسن (ت:1091هـ)، الوافي، تح: ضياء الدين الحسيني «العلامة» الأصفهاني، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام العامة، أصفهان، (د. ط)، (د. ت).

60- ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم (ت:276هـ)، المعارف، تح: دكتور ثروت عكاشة، دار المعارف، مصر، ط/2، 1969م.

61- ابن قدامة، أبومحمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي (ت:620هـ)، المغني، تح: عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار عالم الكتب، الرياض، ط/3، 1417هـ.

62- القرطبي، محمد بن أحمد (ت:671هـ)، الجامع لأحكام القرآن، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، ط/2، 1405هـ ـ 1985م.

63- قطب الدين الراوندي، سعيد بن هبة الله (ت:573هـ)، الخرائج والجرائح، تح: مؤسسة الإمام

(234)

المهدي عليه‌السلام ، بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطح، الناشر: مؤسسة الإمام المهدي، قم المقدسة، مط/ العلمية، ط/1، 1409هـ.

64- القمي، علي بن إبراهيم (المتوفى نحو: 329هـ)، تفسير القمي، تح: السيد طيب الموسوي الجزائري، مط: النجف، (د. ط)،1387هـ.

65- ابن كثير، إسماعيل بن عمر (ت:774هـ)،، تفسير القرآن العظيم، تقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشي دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1412هـ ـ1992م.

66- الكرماني، أبوالقاسم محمود بن حمزة بن نصر(ت:505هـ)، البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان، تحقيق وشرح وتعليق: الدكتور السيد الجميلي، مركز الكتاب للنشر، القاهرة ـ مصر، (د. ط)، (د.ت).

67- الكليني، محمد بن يعقوب (ت:329هـ)، الكافي، تح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، مط/ حيدري، ط/4، 1365ش.

68- المازندراني، المولى محمد صالح  (ت:1081هـ)، شرح أصول الكافي، ضبط وتصحيح: علي عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1421هـ ـ 200م.

69- المتقي الهندي، علي بن حسام الدين (ت:975هـ)، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تح: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1409هـ - 1989م.

70- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت:1111هـ )، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تح: عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار إحياء التراث، بيروت ـ لبنان، ط/3 مصححة، 1983م.

71- المسعودي، علي بن الحسين (ت: 346هـ )، مروج الذهب ومعادن الجوهر، منشورات دار الهجرة، قم ـ إيران، ط/2، 1984م.

72- المشغري العاملي، يوسف بن حاتم (ت:664هـ)، الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

(235)

73- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (ت:413هـ)، سهوالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دار المفيد، بيروت ـ لبنان، ط/2، 1414هـ ـ 1993م.

74- ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري (ت: 711هـ)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، (د. ط)، (د.ت).

75- النحاس، أحمد بن محمد (ت:338هـ)، معاني القرآن، تح: محمد علي الصابوني، نشر جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ط/1، 1409هـ.

76- ابن النديم، محمد بن إسحاق (ت:438هـ)، فهرست ابن النديم، تح: رضا تجدد، (د. ط)، (د.ت).

77- النسائي، أحمد بن شعيب بن علي (ت:303هـ)، سنن النسائي، دار الفكر، بيروت، ط/1، 1348هـ ـ1930م.

78- النووي، أبوزكريا محي الدين يحيى بن شرف (ت:676هـ)، المجموع شرح المهذب، دار الفكر، مط/ المنيرية، (د. ط)، (د.ت).

79- شرح صحيح مسلم، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1407هـ ـ 1987م.

80- النيسابوري، مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد (ت:261هـ)، صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة، (د. ت).

81- ابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (ت:218هـ)، السيرة النبوية، تحقيق وضبط وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، مطبعة المدني، القاهرة، 1383هـ ـ 1963م.

82- الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر (ت:807هـ)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1408هـ ـ 1988م.

83- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب (ت:284هـ)، تاريخ اليعقوبي، دار صادر، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، (د. ت).

(236)

المراجع:

1- إبداح، إقبال عبد الرحمن، الوحي القرآني بين المفسرين والمستشرقين، منشورات دار دجلة، المملكة الأردنية الهاشمية، ط/1، 2011م.

2- أغا بُزرك الطهراني(ت:1389هـ)، محسن، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان، ط/3، 1403هـ - 1983 م.

3- الآلوسي، محمود بن عبد الله، (ت:1270هـ)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. ط)، (د. ت).

4- الأميني، عبد الحسين بن أحمد (ت:1392هـ)، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، ط/3، 1967م.

5- بدوي، عبد الرحمن(ت:1423هـ)، دفاع عن القرآن ضد منتقديه، تر: كمال جاد الله، الناشر: الدار العالمية للكتب والنشر، (د. ط)، (د. ت).

6- موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، ط/3 منقحة ومزيدة، 1993م.

7- البستاني، محمود، دراسات في علوم القرآن الكريم، نشر مدينة العلم، مط/ البقيع، ط/1، 1427هـ ـ 2007م.

8- البلاغي، محمد جواد بن حسن بن طالب (ت:1352هـ)، موسوعة العلامة البلاغي (آلاء الرحمن في تفسير القرآن)، مركز إحياء التراث الإسلامي،ط2، 1431ق ـ 2010م.

9- البنداق، محمد صالح، المستشرقون وترجمة القرآن الكريم، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، 1980م.

10- البهي، محمد، المبشرون والمستشرقون في موقفهم من الإسلام، الجامع الأزهر، الإدارة العامة للثقافة الإسلامية، مط: الأزهر، (د. ط)، (د. ت).

11- الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان ـ الأردن، ط/1، 1421هـ ـ 2001م.

(237)

12- جحى، ميشال، الدراسات العربية والاسلامية في أوروبا، معهد الإنماء العربي، ط1/، (د. ت).

13- الجلالي، محمد حسين، دراسة حول القرآن، تح: علي النجيدي الإحسائي، دار المحجة البيضاء، ط/2، 1435هـ ـ2014م.

14- الجنابي، سيروان عبد الزهرة، تاريخ القرآن وعلومه، دار الأمير عليه‌السلام ، النجف الأشرف، ط/1،1437هـ ـ 2015م.

15- حسين، طه بن حسين بن علي بن سلامة (ت:1390هـ)، الفتنه الكبرى, دار المعارف بمصر، القاهرة، (د. ط)، 1968م.

16- الحسن، طلال، مناهج تفسير القرآن (أبحاث السيد كمال الحيدري)، مؤسسة الهدى للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1435هـ ـ 2013م

17- حسن، محمد خليفة، آثار الفكر الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية، عين للدراسات والبحوث الإسلامية والاجتماعية، ط1، 1997م

18- الحكيم، محمد باقر بن محسن (ت:1420هـ)، علوم القرآن، نشر مجمع الفكر الإسلامي، مط: شريعت، قم، ط/6، 1425 هـ. ق.

19- المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1405هـ ـ 1985م.

20- الحكيم، رياض بن سعيد، علوم القرآن دروس منهجية، دار الهلال، قم، ط/5، 1435هـ. 2014م.

21- الحويزي، عبد علي بن جمعة (ت:1112هـ)، تفسير نور الثقلين، تح: هاشم الرسولي المحلاتي، مؤسسة إسماعيليان، قم، ط/4، 1412هـ ـ 1370ش.

22- الخفاجي، حكمت عبيد حسين، التفسير الموضوعي للقرآن الكريم وموضوعاته، دار الرضوان للنشر والتوزيع، عمّان، ط/1، 1434هـ ـ 2013م.

23- أبوخليل، شوقي (ت:1427هـ)، الإسلام في قفص الاتهام، دار الفكر، دمشق، ط/5، 1402هـ ىـ 1982م.

(238)

24- الخوئي، أبوالقاسم (ت:1413هـ)، البيان في تفسير القرآن، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم ـ إيران، ط/30، 2003م.

25- دروزة، محمد عزة (ت:1404هـ)، التفسير الحديث، دار الغرب الإسلامي، ط/1 منقحة، 1421هـ ـ 2000م.

26- درويش، أحمد، الاستشراق الفرنسي والأدب العربي، الهيئة المصرية للكتاب، 1997م، (د. ط)، (د.ت).

27- الدسوقي، شمس الدين محمد عرفة (ت:1230هـ )، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، طبع دار إحياء الكتاب العربي، عيسى البابي الحلبي وشركاءه، (د. ت).

28- الدويش، أحمد عبد الرزاق، فتاوي اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، الرياض ـ المملكة العربية السعودية.

29- الذهبي، محمد حسين (ت: 1397هـ )، الوحي والقرآن الكريم، نشر مكتبة وهبة، ط/1، 1986م.

30- الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم، الناشر: مكتبة وهبة، ط/3، 1406هـ ـ1986م.

31- رضا، محمد رشيد(ت:1354هـ)،، الوحي المحمدي، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، ط/3، 1406هـ.

32- رضوان، عمر بن إبراهيم، آراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره، دار طيبة للنشر والتوزيع، (د. ط)، (د. ت).

33- الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني (ت: 1205هـ)، تاج العروس من جواهر القاموس، تح: علي شير، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، (د. ط)، 1414هـ.

34- الزرقاني، محمد عبد العظيم (ت:1367هـ)، مناهل العرفان في علوم القرآن، تح: فواز أحمد زمرلي، دار الكتب العربي، بيروت، ط/1، 1995م.

35- الزركلي، خير الدين بن محمود (ت:1396هـ)، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان، ط/5، 1980م.

36- زقزوق، محمود حمدي، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، طبع كتاب الأمة، قطر، (د. ط)، 1404هـ.

(239)

37- زكريا، زكريا هاشم، المستشرقون والإسلام، لجنة التعريف بالإسلام يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (الكتاب العشرون)، (د. ط)، 1385هـ ـ 1965م.

38- الزنجاني، أبوعبد الله بن عبد الرحيم بن نصر الله (ت:1360هـ)، تاريخ القرآن، قدم له: أحمد أمين (مؤلف كتاب فجر الإسلام ), مؤسسة الأعلمي للمطبوعات, بيروت ـ لبنان، ط3/, 1388 هـ ــ 1969 م.

39- الزيادي، محمد فتح الله، الاستشراق أهدافه ووسائله، دار قتيبة، ط1/، 1998م.

40- السايح، أحمد عبد الرحيم، الاستشراق في ميزان نقد الفكر الإسلامي، الدار المصرية اللبنانية،، ط/1، 1417هـ ـ 1996م.

41- السبحاني، جعفر، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، نشر مؤسسة الصادق عليه‌السلام ، قم ـ إيران، ط/4 منقحة ومصححة،1423هـ. ق.

42- محاضرات في الإلهيات، مؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام ، قم، (د. ط)، (د. ت).

43- السباعي، مصطفى، الاستشراق والمستشرقون مالهم وما عليهم، دار الوراق للنشر والتوزيع، (د. ط)، (د. ت).

44- سعيد، همام وآخرون، الوجيز في الثقافة الإسلامية (الاستشراق والتبشير)، دار الفكر، (د. ط)، (د. ت).

45- سعيد، إدوارد، الاستشراق، ترجمة: كمال أبوديب، مؤسسة الأبحاث، (د. ط)، (د. ت).

46- الشاطر، محمد مصطفى، القول السديد في حكم ترجمة القرآن المجيد، مط/ حجازي، القاهرة، (د. ط)، 1936م.

47- الشاهرودي، علي النمازي (ت:1405هـ)، مستدرك سفينة البحار، تح: حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة، (د. ط)، 1409هـ.

48- شبلي، عبد الجليل، الإسلام والمستشرقون، مطبوعات دار الشعب، القاهرة، (د. ط)، (د. ت).

49- أبوشهبة، محمد بن محمد، المدخل لدراسة القرآن الكريم، دار اللواء للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية ـ الرياض، ط/3، 1407هـ ـ1987م.

(240)

50- الشيخ الأعظم، مرتضى الأنصاري(ت:1281هـ)، كتاب الصلاة، تح: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، قم، ط/1، 1415هـ.

51- الشيرازي، السيد محمد الحسيني (ت:1422هـ)، تقريب القرآن إلى الأذهان، دار العلوم، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1424هـ ـ 2003م.

52- الصالح، صبحي، مباحث في علوم القرآن، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان، ط/10، 1977م.

53- الصباغ، محمد بن لطفي، لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير، المكتب الإسلامي، ط/3، 1410هـ ـ 1990م.

54- صبرة، عفاف، المستشرقون ومشكلات الحضارة، دار النهضة، القاهرة، (د. ط)، 1980م.

55- الصدر، محمد باقر بن حيدر (ت:1400هـ)، المدرسة القرآنية، إعداد وتحقيق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، نشر مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، الطبعة المحققة في المؤتمر/1421ق.

56- الصغير، محمد حسين، المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق، دار المؤرخ العربي، بيروت ـ لبنان، ط/1، 2000م.

57-  المستشرقون والدراسات القرآنية، دار المؤرخ العربي، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1999م.

58- تاريخ القرآن، دار المؤرخ العربي، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1420هـ ـ 1999م.

59- القاسم، خالد عبد الله، مفتريات وأخطاء دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية، دار الصميعي للنشر والتوزيع، ط/1، 2010م.

60- الطباطبائي, محمد حسين (ت:1402هـ)، القرآن في الإسلام, طبعة سبهر, طهران، 1404هـ.

61- الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، (د. ط)، (د. ت).

62- العاملي، جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة الإمام علي عليه‌السلام ، دفتر تبليغات اسلامي، ط/1، 1430 هـ - 1388 هـ.

(241)

63- الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله، دار الحديث، قم ـ إيران، ط/1، 1426هـ ـ 1385ش.

64-  العاني، عبد القهار داوُد، الاستشراق والدراسات الإسلامية، دار الفرقان للنشر والتوزيع، ط/1، 1421هـ ـ 2001م.

65- عبد الوهاب، أحمد، الوحي والملائكة في اليهودية والمسيحية والإسلام، مكتبة هبة، ط/1، 1399هـ ـ 1979م.

66- عبده، محمد (ت:1323هـ)، رسالة التوحيد، تعليق وتصحيح: محمد رشيد رضا، الهيئة العامة لقصور الثقافة، (د. ط)، (د. ت).

67- عبد الحميد، عبد الغني أكوريدي، المستشرق القسيس إيليجا كولا أكلاندي ومنهجه في ترجمة معاني القرآن الكريم الى لغة اليوربا، (د. ط)، (د. ت).

68- عتر، نور الدين، علوم القرآن الكريم، مط/ الصباح، ط/1، 1414هـ ـ 1993م.

69- العطار، داوُد (ت:1403هـ)، موجز علوم القرآن،،مط: الزهراء، بغداد، ط/1، 1393هـ.

70- عقيقي، نجيب، المستشرقون، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1964م.

71- عللوه، محمد، الغزوالفكري والرد على افتراءات المستشرقين، دار الأقصى، دمشق ـ سوريا، ط/1، 2002م.

72- عميرة، عبد الرحمن، الإسلام والمسلمون بين أحقاد التبشير وضلال الاستشراق، دار الجيل، بيروت، (د. ط)، (د. ت).

73- عيسوي، عبد الرحمن، معالم علم النفس، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية ـ مصر، ط/1، 1996م.

74- فوزي، فاروق عمر، الاستشراق والتاريخ الإسلامي، الأهلية للنشر والتوزيع، ط/1، 1998م.

75- الفيومي، محمد إبراهيم، الاستشراق في ميزان الفكر الإسلامي، قضايا إسلامية (سلسلة يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ـ 3 ـ)، مصر، 1414هـ ـ 1994م.

76- القطان، منّاع، مباحث في علوم القرآن، نشر مكتبة وهبة، ط/7، (د. ت).

(242)

77- كاشف الغطاء، الشيخ محمد حسين (ت: 1373هـ)، دائرة المعارف النجفية، إعداد مركز النجف الأشرف للتأليف والتوثيق والنشر، نشر: مجمع الذخائر الإسلامية، النجف الأشرف، ط/1، 1436هـ ـ 2015.

78- الكوراني، علي، جواهر التاريخ، دار الهدى، مط/ظهور، ط/1، 1427هـ.

79- المحقق الداماد، محمد باقر بن محمد (ت:1041هـ)، الرواشح السماوية، تح: غلام حسين قيصريه، نعمة الله الجليلي، دار الحديث، قم، ط/1، 1422هـ ـ 1380ش.

80- المجلس الإسلامي السويدي، الإسلام والمسلمين في السويد2001م، (د. ط)، (د. ت).

81- المشهدي، محمد رضا القمي (ت:1125هـ)، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، تح: حسين درگاهي، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، ط/1، 1411 هــ 1990م.

82- المصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، الناشر: مؤسسة الطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ردمك، ط/1، 1417هـ.

83- المطعني، عبد العظيم، الاسلام في مواجهة الاستشراق، دار الوفاء، المنصورة، ط/1، 1407هـ..

84-  معرفة، محمد هادي (ت:1423هـ)، التمهيد في علوم القرآن، ط2/ مزيدة ومنقحة، مط: ستاره، 2009م.

85- مغنية، محمد جواد(ت:1400هـ)، تفسير الكاشف، دار الملايين، بيروت ـ لبنان، ط/3، 1981م.

86-  الندوي، عبد الله عباس، ترجمة معاني القرآن وتطور فهمه عند الغرب، كتاب شهري يصدر عن رابطة العالم الإسلامي، السنة الخامسة عشر، جمادى الآخر1417هـ، العدد 174.

87-  النوري، الحاج ميرزا حسين (ت:1320هـ )، مستدرك الوسائل، تحقيق: مؤسسة
آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث، بيروت ـ لبنان، ط/2، 1408 هـ- 1988 م.

88-  النملة، علي بن إبراهيم، الاستشراق والدراسات الإسلامية، مكتبة التوبة، الرياض ـ المملكة العربية السعودية، ط/1، 1418هـ ـ 1998م.

(243)

89- الهاشمي، حبيب الله (ت:1324هـ)، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح: سيد إبراهيم الميانجي، المطبعة الإسلامية، طهران، ط/4، (د. ت).

90- الهاشمي، حسن علي حسن مطر، قراءة نقدية في (تاريخ القرآن) للمستشرق ثيودور نولدكه، العتبة العباسية، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية (قسم الاستشراق، دار الكفيل، ط/1،1435 هـ ـ 2014م.

91 هيكل، محمد حسين، حياة محمد، طبعة القاهرة، (د. ط)، (د. ت).

الرسائل الجامعية:

1- الأعرجي، ستار جبر، الوحي ودلالته في القرآن الكريم والفكر الإسلامي، رسالة ماجستير، كلية الشريعة، جامعة بغداد، 1992م

2- الجنابي، أمجد يونس، آثار الاستشراق الألماني في الدراسات القرآنية، أُطروحة دكتوراه، كلية الآداب، الجامعة العراقية،2012م.

3- الحجار، عدي جواد علي، الأسس المنهجية في تفسير النص القرآني، أُطروحة دكتوراه، كلية الفقه، جامعة الكوفة، 2009م.

المصادر الأجنبية:

1-Tornberg, Karl Johann , Koranen, kristian fylhlm shyl ghalirub, lund 1874.

2-Sadiqa,qanita, Den Heliga Quranen,published by: s.H.Abbasi ,additional Vakil-ut-Tasnif and Nazir Eshaat.

3- Zettersteen, Karl Vilhelm, Koranen, Stockholm. wahlstrom and widstrand.

4-Bernström,Mohammed Knut, Koranens budskap, Stockholm,2000

5-Hedin, Christer, Islam Enligt Koranen, Förlag:Alhambra,  Upplaga2, 2010.

6-Andrae,Tor, Mohammed: The Man and His Faith, translated by Theophil Menzel, Unied States,2016.

(244)

7-Jonas Svensson och Stefan Arvidsson, Människor och makter 2.0, En introduktion till religionsvetenskap, Utgiven av Högskolan i almstad,2010.

8-Crusenstolpe, Fredrik, Koran, Norstedt, Stockholm, 1843.

البحوث والمقالات:

1- التركماني، عبد الحق، شخصية الرسول في كتاب (محمد حياته وعقيدته) للمستشرق السويدي تور أندريه، بحث في مؤتمر نبي الرحمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1431هـ.

2- الخطيب، عبد الله، دراسة نقدية لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية للمستشرق ج. م. رودويل، بحث ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية 16-18/10/1427هـ، 7-9/11/2006م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

3- العبيد، علي بن سليمان، ترجمة القرآن الكريم حقيقتها وحكمها، بحث ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل عام 1422هـ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

4- العيص، زيد عمر عبد الله، علم المكي والمدني في عيون المستشرقين، بحث ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية 16-18/10/1427هـ، 7-9/11/2006م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

5- كمارا، فودي سوريبا، دراسة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية التي أعدها ريجيس بلاشير، بحث مقدم في ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل عام 1422هـ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

6- كومش، صدر الدين، مصادر القرآن الكريم عند المستشرقين، بحث ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية 16-18/10/1427هـ، 7-9/11/2006م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

7- محمد، إدريس حامد، آراء المستشرقين حول مفهوم الوحي، بحث ندوة القرآن الكريم في الدراسات

(245)

الاستشراقية (16-18/10/1427هـ، 7-9/11/2006م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

8- المطعني، عبد العظيم، (الكلام المكرر) بحث ضمن كتاب حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، إشراف وتقديم: محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1423هـ ـ 2002م.

9- مقبول، إدريس، الدراسات الاستشراقية للقران الكريم، بحث ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية (16-18/10/1427هـ، 7-9/11/2006م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

10- المليباري، محمد أشرف علي، أهداف الترجمات الاستشراقية لمعاني القرآن الكريم ودوافعها، بحث ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية (16-18/10/1427هـ، 7-9/11/2006م، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

المجلات والدوريات:

1- أبوعساف، رفعت، مقال بعنوان: المكتبة الملكية السويدية وعاء ثقافي جامع، جريدة البيان الإماراتية، تاريخ النشر:17/ أكتوبر/ 2014م.

2- الحمداني، مهند محمد صالح، الوحي في القرآن الكريم وموقف المستشرقين منه، مجلة كلية التربية الأساسية، العدد السادس والستون، 2010م.

3- طه، طه عابدين، (ترتيب سور القرآن الكريم دراسة تحليلية لأقوال العلماء، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد التاسع، السنة الخامسة والسادسة.

4- النجار، شكري، لِمَ الاهتمام بالاستشراق، مجلة الفكر العربي، العدد31/1983م.

5- حمادي، قاسم، مقال بعنوان: ترجمة معاني القرآن الكريم الى اللغة السويدية لمحمد كنوت برنستروم، مجلة الحياة، العدد13098، تاريخ النشر15/1/1999م.

6- محيسن، محمد سالم، تاريخ القرآن، مجلة دعوة الحق سلسلة شهرية، 15جمادى الأخرة، لسنة 1402هـ.

(246)

المواقع الإلكترونية:

1- islamguiden.com/islam/islam_sweden.html.

2- mawdoo3.com.

3- Hellquist، Elof (1922). Svensk etymologisk ordbok. Stockholm: Gleerups förlag.

4- www.marefa.org

5- www.almaany.com/ar/dict/ar-en/

6- ‘U.S. State Department Background Notes: Sweden

7- www.alukah.net

8- www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=26829

9- www.oversattarlexikon.se/artiklar/Svenska_Koranöversättningar

10- http://heliga-koranen.se/koranen/surat/61 /as-saff.

11- https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar.

12- wikipedia.org/wiki/Petrus_Kirstenius.

13- http://sv.rilpedia.org/wiki/Nicolaus_Olai_Bothniensis.

14- https://islamhouse.com/ar/books/450165.

 

 

(247)
(248)

 

 

 

 

 

الملحق الأوّل

(249)

معلومات الكتاب

ـ  اسم الكتاب: القرآن

ـ المؤلف: كارل يوهان تورنبيرغ

ـ دار النشر: كريستيان فيلهلم شيل غليروب لوند 1874م

 

قام بهذه الترجمة المستشرق (كارل يوهان تورنبيرغ) (Carl Johan Tornberg) (1807 م ـ 1877م)، وكانت المدّة التي استغرقتها هذه الترجمة هي سنتان (1873م ـ 1874م). وجاءت هذه الترجمة بسبب زيادة اهتمام السلطة في السويد بالبحوث الاستشراقية بعد المؤتمر الاستشراقي الكبير الذي انعقد في العاصمة السويدية (أستوكهولم) في عام (1889م)، على يد الأكاديمي (كارل يوهان تورنبيرغ)، الذي يشغل منصب أستاذ اللغات الشرقية في جامعة لوند، وعمل بشكل وثيق مع المستشرقين في أوروبا خلال منتصف القرن التاسع عشر، وبدأ ترجمته بمقدّمة مؤلفة من (79) صفحة، تناول فيها سيرة النبي محمد بصورة سلبية، كما أنّه ذكر في هذا الكتاب سيلًا من الاتهامات والطعون ضدّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن الكريم، فهو يمثّل الصور السلبيّة والمتعصّبة للمستشرق السويدي.

(250)

معلومات الكتاب

ـ اسم الكتاب: القرآن

ـ  المترجم: مُترجم من قِبل كارل فلهلم زتّرستين

ـ دار النشر: والستروم وويدستراند أستوكهولم

 

هذا الكتاب هو ترجمة للقرآن الكريم، تضمّن مقدّمة من (15) صفحة، تناول المترجم فيها شخصية النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بصورة سلبية، واعتمد إلى حدّ كبير على أشهر التعليقات من قِبل المترجمين؛ كتعليقات (محمد أسد) وغيره، وكان يضع النص القرآني في سياق التاريخ الديني، ثمّ يوضح العلاقة ما بين النص القرآني والقصص والظواهر التي يُشير إليها، والتقاليد اليهودية، والمسيحية، كما أنّ المعلومات المتعلّقة بالتسلسل الزمني للقرآن مستمدة بشكل حصري من (نولدكه وشفالي)، وأنّ مقترحات التصحيح‏ تستند بالكامل إلى نتائج أبحاث (بارث)، وأنّ شرح وبيان قضايا ومسائل النزاع النظرية البحتة بين النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبناء بلده يتصل بشكل أساس بـ (بوهل). هذه الوسائل المساعدة، التي استخدمها كثيرًا، وتم الاستشهاد بها.

(251)

معلومات الكتاب

ـ اسم الكتاب: محمد حياته وعقيدته

ـ المؤلف: المستشرق السويدي: تور أندريه

ـ المترجم: مترجم إلى اللغة الإنجليزية من قِبل: ثيوفيل منزيل

ـ النشر الأصلي: نيويورك: سكريبنر، 1939م.

 

هذا الكتاب هو نتيجة لسلسة من المحاضرات عن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألقاها (تور أندريه) في المعهد العالي لتاريخ الأديان في العاصمة السويدية أستوكهولم، صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب في أستوكهولم عام (1930م)، ثمّ تُرجم الكتاب في ما بعد إلى لغات عدّة منها: الإيطالية، والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، وجميع هذه الترجمات كانت عن الطبعة السويدية الأولى، تناول في هذا الكتاب حياة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله منذُ ولادته حتى وفاته، مقسّمًا بحثه إلى مقدّمة وسبعة فصول: تكلّم في الفصل الأول: عن الجزيرة العربية في زمن
النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي الثاني: تحدّث عن حياة النبي محمد منذُ الطفولة حتى البعثة، وجاء الفصل الثالث: عن الرسالة الدينية للنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والرابع: تكلّم فيه عن الوحي، والخامس: كان في الصراع مع قريش، والسادس: خصّصه لحاكمية النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة، وآخرها السابع: الذي تحدّث فيه بخصوص شخصية النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

 اعتمد في هذا الكتاب على مصادر المسلمين، من كتب السنّة (الصحيحين، والسنن، وغيرها)، وكتب السيرة (سيرة ابن هشام، وطبقات ابن سعد، وغيرها).

يعدّ صاحب هذا الكتاب ـ مقارنة بغيره من المستشرقين ـ منصفًا في حكمه وبعيدًا عن التعصّب والتحامل.

(252)

معلومات الكتاب

ـ اسم الكتاب: الإسلام وفق القرآن الكريم

ـ المؤلف: كريستر هيدين

ـ نشر: الحمراء

ـ اللغة: السويدية

ـ الطبعة: الثانية

ـ السنة: 2010م

ـ عدد الصفحات: 142صفحة

 

كتاب الإسلام وفق القرآن الكريم مؤلَّف من (141) صفحة، هو من أفضل الكتب الاستشراقية السويدية التي تناولت حياة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن والإسلام؛ إذ معظم ما جاء في هذا الكتاب من الآراء في شخص الرسول، أو في وصف القرآن، أو المسلمين، جاء منصفًا وعادلًا، فلم يوجّه في هذا الكتاب طعنًا أو تهمةً أو فريةً إلى الرسول الكريم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله  أو للقرآن الكريم، وإنّما كان المدافع الأول ضدّ تهم المستشرقين ومفترياتهم بصورة عامة، والسويديين بصورة خاصة. تناول في هذا الكتاب حياة النبي، والوحي، وعملية جمع القرآن، ترتيب السور والآيات، والمكي والمدني، والإعجاز، وغيرها من المباحث القرآنية، بصورة مؤدبة ومنصفة، وقد اختار أفضل الكلمات والعبارات التي لا تسيء للمسلمين في بيانه للمسائل الحساسة، فهو كتاب من خيرة كتب المستشرقين السويديين.

(253)

معلومات الكتاب

ـ اسم الكتاب: قرآن مجيد (القرآن المقدّس)

ـ المترجم: مترجم من قِبل د. قانيتا صديق

ـ هذه الترجمة طُبعت برعاية زعيم الطائفة (الحركة) الأحمدية حضرة ميرزا طاهر أحمد (الخليفة الرابع بعد حضرة ميرزا غلام أحمد، المسيح الموعود).

ـ تم النشر بواسطة: س.ه. عباسي، بالإضافة إلى فاكيل تسنيف ونذير ايشات

ـ اللغة: السويدية

ـ عدد الصفحات:635صفحة

 

جاءت هذه الترجمة من قبل الفرقة (القاديانية الأحمدية)، وقام بها الدكتور قانيتا صدّيق (Qannita Sadiqe)، وطبعت بعنوان (الكتاب المقدّس) ضمن (635) صفحة، ولكنّها لم تلقَ قبولًا من الجاليات المسلمة في السويد، وكذلك المؤسّسات الإسلامية السويدية؛ والسبب وراء رفضها من قِبل المسلمين في السويد، هو كونها تعكس تفسير الفرقة القاديانية الأحمدية فحسب، من دون التطرّق إلى أيّ تفسيرٍ آخر، أي: إنّها لا تخرج عن اعتقادات الفرقة الأحمدية ومبتنياتها.

(254)

معلومات الكتاب

ـ اسم الكتاب: رسالة القرآن الكريم

ـ المؤلف: محمد كنوت برنستروم، مع تعليقات محمد أسد

ـ اللغة: السويدية

ـ دار النشر: أستوكهولم، 2000م

ـ عدد الصفحات: 1166 صفحة.

 

 

هو كتاب ترجم فيه مؤلِّفه القرآن الكريم كاملًا، ضمن (1166) صفحة، وهذه الترجمة هي الترجمة المعتمدة حاليًا في دولة السويد، لما لها من الأهمية الكبرى، فقد جاءت هذه الترجمة على يد الدبلوماسي الكبير الذي قضى معظم حياته ممثلًا لدولة السويد في البلدان الأجنبية والعربية.

صدرت هذه الترجمة عن (دار بروبريوس) في العاصمة السويدية (أستوكهولم)، سنة (1999م)، وتحمّلت وزارة الخارجية السويدية العبء الأكبر من تكاليفها طباعتها وإصدارها، وكانت المؤسسات الإسلامية في السويد تعمل جاهدة على تحمّل تكاليف طباعتها، ولكنّ وزيرة الخارجية السويدية (لينا ولم فالين) رفضت ذلك، وأشارت إلى أنّ إصدار ترجمة كهذه على نفقة الدولة السويدية مدعاة للشرف والفخر ولا يمكن التضحية بذلك.

(255)
(256)

 

 

 

 

 

الملحق الثاني

 

(257)

أهمّ المباحث القرآنيّة التي وردت في الكتب السويديّة الستة:

 

1ـ كتاب (القرآن)، المؤلِّف: كارل يوهان تورنبيرغ

والمباحث القرآنية التي وردت في هذا الكتاب؛ هي:

أـ تسمية القرآن: ذكر أنّها تعني الشيء المقروء، وفي معنى آخر تدلّ على الوحي، وأنّها مقتبسة من اليهود.

ب ـ الوحي: في هذا المبحث يذكر (تورنبيرغ) سيلًا من الاتهامات ضدّ النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ نافيًا كونه موحى إليه من قبل الرب، ومن تلك الاتهامات: أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حاشاه ـ محتال، وأنّ ما جاء به هوعن طريق التعلّم والتأمل، أو نتيجة الأرواح الشريرة، وكونه كان مهووسًا بالشياطين، ويخيّل إليه، وكونه مصابًا بالصرع والهستيريا، وغيرها من الاتهامات، وذكر بالتفصيل قصة الغرانيق، وكذلك تطرّق إلى مسألة الإسراء والمعراج.

ثمّ انتقل إلى تشخيص صفات النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الناحية الاجتماعية أو العامة وذكر صفات عدّة.

ج ـ جمع القرآن الكريم: ضمن هذا العنوان ذكر أنّه قد كُتب شيئًا من القرآن في زمن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وحياته، ويتطرّق إلى وجود القرّاء وكثرتهم، كما ذكر حرب اليمامة وقتل عدد كبير من القرّاء، ودعوة عمر بن الخطاب لأبي بكر بجمع القرآن، فأمر أبو بكر بجمعه، وكلّف  زيد بن ثابت بذلك، واحتفظ بهذه النسخة عند الخليفة الأول، ثمّ انتقلت إلى الخليفة الثاني، ثمّ إلى ابنته حفصة، حتى فشا الاختلاف بين الصحابة في القراءة، فعمد الخليفة الثالث عثمان بن عفّان إلى رفع ذلك الاختلاف بتوحيد المصاحف وإرسالها إلى الأمصار، ولكن يبيّن أنّ القرآن في وضعه الحالي ليس هو نفسه الملخّص من قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(258)

د ـ المكي والمدني: يذكر أنّ كلّ سورة تحمل تعبير (مكية) أو (مدنية)؛ تبعًا لمكان نزولها، ولكنّ هذه المعلومات لا يمكن الاعتماد عليها؛ بسبب ما نجده من التداخل بين الآيات المكية والمدنية.

هـ ـ تسمية السور القرآنية وترتيبها: يتطرّق إلى علماء الأزمنة الأخيرة ومحاولتهم في ترتيب سور القرآن الكريم بحسب نزولها، لكنّهم تمكنوا فقط من ترتيب السور النازلة بعد الهجرة.

و ـ مصدر القرآن الكريم: تحدّث عن تواصل النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مع اليهود وتلقيه المعلومات منهم شفويًا، ثمّ بعد ذلك أعاد صياغتها على كونها وحيًا من قبل الرب، ويذكر أنّ محمدًا لم يقرأ الكتابات اليهودية والمسيحية أبدًا، وأنّه على الخصوص سعى لتوطيد علاقته باليهود في المدينة.

ز ـ الإعجاز البياني: ذكر التكرار الموجود في القرآن الكريم لبعض القصص، وقد وجّهه بتوجيه جيد، وهو كون القصص ذكرت في خطابات مختلفة ومتنوعة ولمناسبات متعدّدة، وتطرّق إلى الحروف المقطعة الموجودة في بداية بعض السور؛ حيث ذهب إلى أنّها غامضة وتعطي فرصة للخيال لابتكار تفسيرات عبثية، ثمّ ذكر رأي نولدكه في هذا الشأن.

ح ـ تفسير القرآن الكريم: تطرّق إلى أنّ المسلمين شرعوا في شرح القرآن الكريم في وقت مبكر، وذكر أنّ هناك رافدًا مهمًّا لتفسير القرآن الكريم؛ أَلا وهو السنّة التي دوّنها المسلمون وكان في كثير من أحاديثها شارحة للقرآن الكريم ومبيّنة له، ثمّ أصبح تفسير القرآن الكريم يعتمد اعتمادًا كليًا على تلك الأحاديث، بعد ذلك يبيّن أنّ هذه الأحاديث كانت محدودة وتتكلّم عن نفسها، وأنّها لا تصمد أمام النقد، ثمّ دخلت التفسيرات الفلسفية إلى المسلمين، ولكنّها مُنعت من قِبل بعض الأتقياء وسمّيت بالبدعة، وينتقد بعض المستشرقين باعتمادهم على التفسيرات التابعة للمسلمين حرفيًا من دون أن يستخدموا لغة النقد في التفسيرات العقديّة وردّ الخرافات.

(259)

2ـ كتاب (القرآن)، المؤلف: كارل فلهلم زتّرستين:

المباحث القرآنية التي وردت في هذا الكتاب؛ هي:

أـ الوحي: ذكر (زترستين) أنّ ما يدّعيه محمد من نزول وحي الرب عليه وأنّه مبعوث من قِبل السماء لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، وإنّما كان ذلك وهمًا توهّمه محمد، كما أنّه نفى كون محمد شاعرًا، وأنّ الوحي الذي يدعيه محمد لم يكن منطقيًا؛ لأنّ محمدًا كان يتراجع عمّا يقوله من قبل، ويُشير بذلك إلى قصة الغرانيق، ويذهب (زترستين) إلى أنّ القرآن الذي جاء به محمد هو وثيقة من تأليفه ويعتبره مؤسّسًا لهذا الدين الجديد.

ب ـ تسمية السور وترتيبها: تكلّم باختصار عن هذا الموضوع فذكر أنّ تسمية السور جرت بشكل اعتباطي؛ بسب كلمة تظهر في النصّ؛ كما في البقرة، الشمس ونحو ذلك، والترتيب جاء بحسب طول السورة، لا بحسب ترتيب نزولها.

ج ـ المكي والمدني: يرى أنّ المخطوطات العربية وطبعات القرآن تذكر أنّ هذه السورة مكية أو مدنية، ولكن مع الأسف هذه المعلومات ليست دائمًا موثوقًا بها، ثمّ يقسم الوحي في مكة إلى ثلاث مراحل، ويسير في هذا التقسيم تبعًا لملهمه المستشرق الألماني نولدكه، فالمرحلة الأولى: يتصف الوحي باللغة الشعرية وتأكيدات على مختلف الظواهر الطبيعية؛ مثل: الشمس، والقمر، والليل، والنهار، ونحوها.

وفي المرحلة الثانية: اتّصف الوحي فيها بالتعبير الهادئ، واشتمل على بيان عجائب الرب ومعجزاته في الطبيعة.

والمرحلة الثالثة: تضمّنت النمط النثري للوحي، وما ينقص من الوحي يتم تعويضه من خلال التكرار المستمر.

ثمّ يذكر التداخل في الآيات القرآنية المكية والمدنية.

د ـ جمع القرآن: في هذا الموضوع تكلّم عن الثغرات والإضافات التي رافقت عملية الجمع فذكر أنّ مسألة تدوين الوحي قد حصلت فعلًا، ولكن تراجع محمد عمّا قاله أثّر في ذلك، فالوحي لم يكن منطقيًا، ما دعا خصومه إلى لومه في تبديل كلامه وتراجعه عنه، وعليه فقد

(260)

وجد القرآن بعد وفاة محمد بوضع خاص وغير منظم، فجمعت مجموعة من الآيات ورتّبت في عهد الخليفة أبي بكر، ثمّ ذكر سلبيات الجمع.

هـ ـ مصدر القرآن: يذكر أنّ القرآن مستمد جزئيًا من المصادر اليهودية والمسيحية، وخاصة خطب يوم القيامة التي تشهد بشكل لا لبس فيه على النفوذ والتأثير المسيحي، ومع ذلك فإنّ معرفة محمد بالمسيحية كانت سطحية، والمعلومات التي اقتبسها من الديانتين كانت شفوية، ما أدّى في بعض الأحيان إلى سوء فهم وعدم تلقّي المعلومة بشكل صحيح كما في قصّة مريم؛ إذ ذكرها محمد على أنّها أخت هارون أخي موسى، وكذلك في مسألة هامان من أنّه مستشار فرعون، وغيرذلك...

و ـ الإعجاز البياني: تكلّم عن الإعجاز البياني ذاكرًا الفجوات الموجودة في القرآن ـ بحسب زعمه ـ من الناحية الأسلوبية والتي منها الاستبعاد، والتكرار، وتبدل الشخصية غير الضروري، وما إلى ذلك، وتطرّق إلى القافية، ثمّ بعض المصطلحات المستعارة من اللغات الأخرى.

3ـ كتاب (محمد حياته وعقيدته)، المؤلِّف: تور أندريه:

المباحث القرآنية التي وردت في هذا الكتاب هي:

الوحي: حدّد أندريه فصلًا كاملًا للوحي، واختلفت رؤية (أندريه) عن غيره من المستشرقين السويديين في ظاهرة الوحي الذي تلقاه النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيرى أنّ النبي محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله كان صادقًا في دعواه مخلصًا لها أشدّ الإخلاص، لكنّه كان يرجع هذا الوحي إلى الإلهام النفسي، وأنّ تجربة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تجربة ذاتية صادقة، وأنّ محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يتوقع أنّه سيأتي بكتاب مقدّس للعرب؛ كاليهود والنصارى، فذكر ذلك بقول:«لم يكن محمد يتوقع أنّ الكتاب سيمنح له، ولم يكن يدرك أنّه سيكون نبيًا لقومه، وأنّه سيُقدّم للعرب كتابًا مقدّسًا مثل اليهود والمسيحيين». ثمّ يُشير إلى أنّ النبي محمدًا يمتلك قوة نفسية مكنته من الإلهام؛ لأنّ «روح الوحي لا تعمل من فراغ، وإنّما توظف المواد التي تمتلكها الروح بالفعل، سواء أكانت في الواقع في الوعي أو مخفية في ظلام اللاوعي». وأنّ التواصل مع عالم الغيب كان سببه «النشوة ورحلة البصيرة إلى السماء وهو الوضع الطبيعي للاتصال مع عالم الغيب (عالم غير مرئي)، ومن ثمّ تجربة الوحي سوف تتّخذ حتمًا هذا الشكل، لا سيّما بين الناس من ثقافة بدائية، تجارب الوحي تقريبًا دائمًا

(261)

تكون بين مستوى نفسه للناس الذين يتبعون نوعًا موحدًا، كما أنّ العملية العقلية هي مبدأ تكويني لحين بدأ العمل بالوحي». وبعد ذلك يصل إلى النتيجة الآتية؛ وهي: «أنّ الشكل الذي يفترضه عرض محمد من وحيه النبوي تم تحديده مسبقًا من قِبل الأفكار، ومن قِبل الرغبات السريّة التي قد سكنت في ذهنه من خلال سنوات من الترقّب». أمّا باقي فصول الكتاب، فقد جاءت عن حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلاقته مع قومه ونحو ذلك.

4ـ كتاب (الإسلام وفق القرآن)، المؤلِّف كريستر هيدين:

المباحث القرآنية التي وردت في هذا الكتاب؛ هي:

أ ـ لفظ القرآن: تطرّق إلى أصل لفظ القرآن وبيّن دلالته على القراءة والتلاوة، ولم ينحو منحى غيره من المستشرقين ممّن أنكر الأصل العربي للفظ وأرجعه  إلى أصول غير عربية.

ب ـ الوحي: تحدّث عن الوحي بأسلوب مهذّب ومؤدّب جدًا؛ إذ كانت تعبيراته دقيقة جدًا ولا تسبّب للقارئ المسلم أي خدش أو امتعاض، ومن تلك العبارات المهذبة، يقول: «وفقًا لاعتقاد المسلمين أنّ الله هو الذي يتكلّم في القرآن»، وأنّ محمدًا قد كانت له رؤيا حقًا، ثمّ نفى تأثير الديانة اليهودية والنصرانية على القرآن الكريم، وأنّ نص القرآن أُوحي إلى محمد لمدّة عشرين عامًا، ثمّ ذكر اتصال النبي بالملك جبرئيل، وأنّه هو الواسطة في نقل الوحي إلى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج ـ أُمّيّة الرسول: يقول من الناحية التاريخية يستحيل إثبات كون محمد كان يقرأ ويكتب أو لم يكن كذلك، وفقًا لاعتقاد المسلمين، ثمّ يبيّن أنّ محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلٌ أميٌّ، أي: لا يقرأ ولا يكتب، ثمّ بعد ذلك يستغرب ويتعجّب من كون هذا الرجل الأميّ يأتي بكتاب يملأ الأجيال اللاحقة بالدهشة.

د ـ تسمية السور القرآنية وترتيبها: وتحدّث ضمن هذا العنوان عن سبب تسمية السور القرآنية وذكر أنّ التسمية هي مجرد اصطلاح من قِبل الواضع لها، وفي بعض الأحيان لا يوجد تناسب بين التسمية ومحتوى السورة، أمّا ترتيب السور القرآنية فذكر أنّه لم يكن هناك أيّ مبدأ لترتيب معين للسور القرآنية، ولكن تم اختيار الترتيب الموجود حاليًا في القرآن الكريم

(262)

على أساس طول السورة القرآنية وقصرها، فالسور الطوال جاءت في مقدّمة القرآن والقصار كانت في نهايته.

هـ ـ المكي والمدني: في هذا المبحث تطرّق إلى مسألة المكي والمدني، فبيّن أنّ المسلمين منذُ البداية كان لديهم اهتمام بمكان نزول آيات القرآن الكريم، ثمّ ذكر أنّ الترتيب الموجود في القرآن الكريم للآيات لم يكن بحسب مكان نزولها.

و ـ تدوين القرآن الكريم: بيّن أنّ الوحي عند نزوله على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أتباعه يتعلّمونه عن ظهر قلب، وكان النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يُملي ما ينزل عليه من الوحي على أتباعه الذين يدوّنون كلّ ما ينزل، ثمّ في القرن السابع تم استنساخ ما كُتب من دون أيّ تضارب في صياغة تلك النصوص، وأنّ النصّ الأصلي تم الاحتفاظ به من دون أيّ تغيير أو إضافات.

ز ـ نفي تأثر القرآن الكريم باليهودية والنصرانية: ذكر أنّ محمدًا على الرغم من أنّه لم يكن يقرأ ويكتب؛ إلّا أنّه كان يمتلك من العذرية الفكرية الجيدة، وأنّ القرآن هو ثمرة ولادة عذراء؛ إذ إنّ الرب نفسه يقف وراء كلّ ذلك، ووحي الرب إلى محمد عن طريق جبرئيل ينعكس في قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ‎﴿١﴾‏ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ‎﴿٢﴾‏ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ‎﴿٣﴾‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ‎﴿٤﴾‏ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ‎﴿٥﴾‏ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ‎﴿٦﴾‏ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ‎﴿٧﴾‏ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ‎﴿٨﴾‏ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ‎﴿٩﴾‏ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ‎﴿١٠﴾‏ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ‎﴿١١﴾‏ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ‎﴿١٢﴾‏ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ‎﴿١٣﴾‏ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ ‎﴿١٤﴾‏ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ‎﴿١٥﴾‏ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ‎﴿١٦﴾‏ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ‎﴿١٧﴾‏ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ [سورة النجم، الآيات1ـ 18]، ما يثبت أنّ محمدًا كانت عنده رؤيا حقًّا، وختم قوله في هذا العنوان بقوله: «وإنّ القرآن ليس رؤية محمد من نصوص الكتاب المقدّس، وإنّما الرب (الله) هو الذي أتاح لمحمد أن ينقل رؤية غير مزوّرة من الوحي الذي أُنزل على كلّ الأنبياء السابقين».

ح ـ تفسير القرآن الكريم: ذهب إلى أنّ بعض النصوص القرآنية يصعب تفسيرها، ومنها ما يستلزم التناقض؛ ولذلك قام ببعض التوضيحات على مثل هذه النصوص، ثمّ ذكر جملة من الآيات التي ترجمها إلى اللغة السويدية واستلزمت توضيحات.

(263)

5ـ كتاب (القرآن الكريم) المؤلِّف: محمد كنوت برنستروم:

المباحث القرآنية التي وردت في هذا الكتاب، هي:

أ ـ الوحي: تحدّث عن الوحي من كونه كلمات الرب (الله) المُنزلة بواسطة جبريل إلى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقرآن هو آخر سلسلة الوحي في الديانات الإبراهيمية، والتي لم يستطع الزمن أو الأشخاص تحويرها، أو تغييرها، أو تشويهها، أمّا غير المؤمن فيقرؤه باعتباره وثيقة تاريخيّة مهمة، أو أعمالًا أدبية فريدة من نوعها في الأدب العالمي؛ كالملاحم، والدراما، والشعر المنسوج في التراث الديني.

ثمّ تطرّق إلى نقد المستشرق السويدي (زترستين) الذي ذهب إلى أنّ القرآن من تأليف النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله، فـ (زتّرستين)، الذي لم يكن مسلمًا في عقيدته، لم يعتبر القرآن وحيًا إلهيًّا، وإنّما وثيقة من تأليف مؤسّس الدين محمد، ولذلك كان النص المرفق والنقد والتعليقات في الغالب مصمّمة بطريقة يمكن أن تسيء إلى القرّاء المسلمين.

وذكر -أيضًا- الإسراء والمعراج، وتساءل هل حصل ذلك بالروح فقط؟ أو كان بالجسم أيضًا؟ وانتهى إلى القول الأوّل.

ب ـ تدوين القرآن: ذكر أنّ الترتيب التاريخي للوحي غير متحقّق في القرآن الكريم، وإنّما جاء الترتيب على يد زيد بن ثابت وغيره من الصحابة الذين سمعوا النبي نفسه يتلو القرآن؛ لذلك تم تدوينه في عهد الخليفة الثالث عثمان؛ أي: بعد حوالي عشرين عامًا من وفاة النبي، واستمر حتى يومنا هذا.

ج ـ الإعجاز القرآني: تكلّم فيه عن فواتح السور القرآنية في مقدّمة بعض السور، وذكر أقوال العلماء والباحثين في هذه الحروف، وإلى ماذا ترمز وتدلّ؟

(264)

6ـ كتاب قرآن مجيد (القرآن المقدّس)، المؤلف: قانيتا صديق:

المباحث القرآنية التي وردت في هذا الكتاب؛ هي:

أ ـ الوحي: تحدّث عن الوحي وأنّ الله تعالى أوحى إلى نبيّه شفويًا، وكان نزول الوحي على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حينما بلغ من العمر (40) سنة، ثمّ ذكر أنّ الوحي الإلهي ليس مقصورًا على الأنبياء السابقين المذكورين في العهد القديم والعهد الجديد؛ مثل: النبي إبراهيم، ونوح، وموسى، وعيسى، وإنّما مشيئة الله في العالمين مستمرة، فيبعث لهم الأنبياء ليرشدوهم إلى الصراط المستقيم، وأنّ النبي محمدًا صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بدعًا من الرسل، بل هو نبي آخر الزمان وخاتم الأنبياء، واستشهد بالآيات الدالة على بعثة النبي وكونه نبيًّا؛ كالأنبياء السابقين.

ب ـ تدوين القرآن الكريم: يذكر أنّ الكتابة؛ وإنْ كانت غير متعارفة في الجزيرة العربية أو لم تكن منتشرة فيها؛ إلّا أنّه قد تم تسجيل الوحي منذُ البداية من خلال كتّاب الوحي، ثمّ يتطرّق إلى الصحابة الذين حافظوا على القرآن الكريم الكرين  في ذلك العهد، ومن خلال كتابة الوحي وحفظه في صدورهم، وصون القرآن الكريم من أيّ تغيير، ويستشهد بأقوال بعض المستشرقين المؤيدين لما ذهب إليه.

ج ـ عالميّة الإسلام: ذكرت هذا العنوان؛ لأنّ قانيتا صدّيق من خلال عالميّة الإسلام ينفذ إلى الحركة الأحمدية، فالعالمية الموعود بها المسلمون في نهاية الزمان تتحقّق على يد الإمام المهدي المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ووفقًا للعقيدة الأحمدية فإنّ الله -تعالى- قد اختار ميرزا غلام أحمد ـ وهو مؤسّس الحركة الأحمدية ـ أن يكون هو المصلح الموعود.

(265)
(266)

 

 

 

 

 

الملخّص باللّغة الإنجليزية

 

(267)

Abstract

The orientalism studies had threw light on a number of the orientalism schools. Some of these studies neglected by all the orientalism studies. The orientalism studies in the Scandinavian countries are one of those neglected ones, especially the studies in Sweden that deals with the holy Qur’an and the Prophet of Islam.

The researcher chose the Swedish Orientalism studies for different reason: Sweden had not been occupied by Islam so there is no colonial reason to study Islam in it, its general nature is secular and most of the previous studies of Islam were academic.

In this thesis the researcher followed the critical, analytic inductive method: the Swedish orientalists’ opinions were analyzed, discussed and criticized.

The study depends on different resources where the Swedish resources were the first represented by( Al-Qur’an) for the orientalist (Karl You Han Thornburg),  ( the translation of Al-Qur’an) for the orientalist (Karl Felhelm Zeter Stin), ( Islam according to Al-Qur’an) for orientalist( Chester Hidin), ( Mohammed: his life and doctrine) for orientalist( Tur Andreh), (the translation of the holy Qur’an) for the Swedish diplomatic ( Mohammed Kenot Brinstrom) and ( Qur’an Majeed) for Dr.( Qhanita Sedeeq).

The study concluded a number of results such as: Comparing with the

(268)

other orientalism schools like the French, the English and the German one, the Swedish school is a new school. Their studies added nothing to the previous orientalism studies and that they were varied according to the motive; the religious reason resulted in studies full of suspicions and invalidities while the scientific motive resulted in fair and objective studies.

Ministry of Higher Education & Scientific Research

University of Kufa

College of   Jurisprudence

Department of the Shari ‘a and Islamic Science

The Qur’anic Studies in the Swedish Orientalism

An Objective Study

A Thesis

Submitted to:

 The Council of the College of Jurisprudence / University of Kufa

as a Partial Fulfillment of the Requirements of the M.A Degree  in Shari ‘a and Islamic Science

by:- Esam Hadi Kadhim Al-Sa’idy

Supervised by:-

 Prof. Dr. Hikmet Obaid Hussain Al-Khafajy 

(269)
هذا الكتاب الدراسات القرآنية في الاستشراق السويدي ، دراسة أكاديمية قرآنية تتناول الاستشراق السويدي ، وما تناوله المستشرقون السويديون في دراساتهم وأبحاثهم حول بحوث علوم القرآن ومنهج تفسيره ، ابتداء من الوحي القرآني من منظار الاستشراق السويدي ، ونزول القرآن ، والإعجاز القرآني وآراء المستشرقين السويدين فيه ، وصولا الى جمع القرآن الكريم وترجمته من قبل المستشرقين السويدين . والكتاب الذي بين ايدينا هو بحق محاولة جريئة من الباحث ، مع قلة المصادر وندرتها ، وعدم توفر دراسات المستشرقين السويديين باللغة العربية . وقد اقتحم الباحث هذا الغمار ، وبذل جهودا في ترجمة النصوص ، وحاول ان يقدم قراءة علمية موضوعية في تقويم اعمال أشهر المستشرقين السويديين حول القرآن ، تاريخا ، وتفسيرا ، وترجمة . ولهذا تشكّل الدراسة عملا مميزا واضافة نوعية للمكتبة الاستشراقية ، ولا سيما ان الباحث اعتمد منهجا وصفيا تحليليا مع المناقشة والنقد حيث تدعو الحاجة لذلك . المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية http://www.iicss.iq islamic.css@gmail.com
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف