فهرس المحتويات
مقدّمات تأسيسيّة في علم الاستغراب / هاشم الميلاني.
في إمكانية معرفة الغرب (ملاحظات منهجية) / رضا داوري الأردَكاني.
الواقع الغربي برؤية الباحث المسلم ... / محمد علي توانا
الاتجاهات الحضارية في الاستغراب / حبيب الله بابائي.
الغرب والهيمنة الاستعمارية: دراسة تحليلية / غلامرضا جمشيديها السيّد محمدجواد قربي.
مابعدالعالم الغربي تداعيات الديمقراطية الرأسمالية وتهافتها / أوليفر ستونكل.
الغرب والمسيحية / أحمد رضا مفتاح.
المباني النظرية لحضارة الغرب الحديثة / علي بيكدلي.
الإسلام والغرب / أحمد كلاته ساداتي.
أزمة الغرب (الأخلاق والمعنويات والإيكولوجيا) / غلامعلي سليماني.
الإسلاموفوبيا في معطيات نظرية صِراع الحضارات / عباس عيسى زاده، السيّد حسين شرف الدين.
النظريّة النقديّة للتكنولوجيا …/ آندرو فينبيرغ.
المقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [1]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [2]
علم الاستغراب بمقتضى سعة نطاقه المفهومي والموضوعي ذو ارتباط بعدّة فروع تخصّصية، لذا ينبغي للباحث الذي يتطرّق إلى بيان مواضيعه، الاعتماد على النظريات والأساليب التخصّصية في غالبية الفروع العلمية ولا سيّما العلوم الإنسانية، وأهمّها: التأريخ، الجغرافيا، الفلسفة، اللاهوت، الأديان، الفنّ، الآداب، الأركيولوجيا، دراسات ثقافية، الاقتصاد، السياسة، القانون، الاجتماع والأنثروبولوجيا، حيث يحتاج الباحث إلى هذه العلوم بشكل أساسي. استناداً إلى ما ذكر، فالنتائج التي يتوصّل إليها كلّ باحثٍ بخصوص الغرب ضمن تحليله مختلف جوانب هذه العلوم، بمثابة قطعات لعبة الألغاز التي يجب تنظيمها إلى جانب بعضها واحدةً قرب الأخرى حسب ترتيب خاصّ، لذا لا بدّ من تنظيم هذه النتائج بتدريج وترتيب خاصّ كي تتّضح صورة الغرب بنحوٍ أوثق وأتمّ. وجدير بالذکر أن أثر وأهمية کل من هذه العلوم في سبيل معرفة ماهية الغرب وأبعاده المختلفة لم يکن متساوياً، وأن في البحوث المسبقة لهذه الدراسات حتی الآن، نجد بعض الإتجاهات کالدراسات الثقافية والفلسفية أو البحوث التاريخية والسياسية، لها الحظ الأوفر ولذلک:
رغم أنّ تقليل غاية دراسات الاستغراب إلى مستوى «مناهضة الغرب» أو «معرفة العدو» ليس مقبولاً، لكن واقع سابقة مواجهة الغرب مع الشرق حتی الآن، زاخر بشتّى أنواع الظلم والاعتداء والاضطهاد والفساد وإراقة الدماء والنهب والتخريب؛ لذا ليس اعتباطاً أن ينظر الشرقيون للغربيين برؤية سلبية ويشعرون بخطر وتهديد من جانبهم، بل وحتّى طلب الثأر منهم. مع ذلک کله، تعميم هذه الرؤية في معرفة الغرب في كافّة جوانبه، سبّب الجهل ببعض حقائق الغرب. إن إنجازات الغرب، رغم كلّ سلبياته في التعامل معنا، لا تخلو من حسنات وخدمات، فالتراث الغربي يحتوي علی قسط هامّ من تجارب وافکار بشرية ثمينة في شتّى المجالات.
الاستغراب بالنسبة إلينا نحن المسلمون، ذو أهمية وماهية «استراتيجية» بمعناها الحقيقي، وفي هذا السياق فإنّ كافّة العناصر والخلفيات اللازمة لـ «منافسة» شاملة ومحتدمة بيننا وبين الغرب مهيّأة لنا. فإنّنا ما لم نعرف «المخاطر» و«الفرص» الحقيقية في مواجهة الغرب، سوف لا نتمكّن من اتّخاذ «استراتيجيات» فاعلة في مضمار هذه المنافسة، ومن ثمّ سيتحتّم علينا انتظار مصير فاشل وعدم تحقق «الرؤية» و«الأهداف المرتقبة»؛ وهذا الأمر يتجلّى لنا بشكل أفضل حينما نلقي نظرة عابرة على تعاملنا السابق مع العالم الغربي.
منذ سنوات مديدة والعالم الغربي لم يعد محدوداً بموطنه والرقعة الجغرافية التي نشأ فيها. لقد بات نفوذه في عصرنا الحاضر على الخصوص في صعيدي المعرفي والثقافي، امراً عالمياً، لذا قلّما نجد مظاهر من حياة الشرقيين على الصعيدين الفردي والاجتماعي خالصةً وغير متأثّرة بالمباني والمظاهر الفكرية والثقافية الغربية لدرجة أنّها اضمحلّت بالكامل وانصهرت، وقد تفاقم هذا الأمر إلى أقصى حدّ، لذا لو أردنا إعادة الأصالة، لوجب علينا انتشالها من تحت ركام من الرماد الذي حجبها طوال العصور؛ وهنا لا يعدّ الغرب مجرّد ذلك «الغير» كما كنّا نعتبره سابقاً، فالغيرية قد زالت بشكل ملحوظ، لذا أصبح الاستغراب بالنسبة إلينا في الواقع، شكلاً من «معرفة الذات الثقافية».
لم يعد نطاق دراساتنا الاستغرابية ومستقبل مواجهتنا مع الغرب محدودين ببحوث باثولوجية وانتقادية، ولا يقتصر الأمر في عصرنا الحاضر على اتّخاذ مواقف دفاعية أو انفعالية، لأنّ خارطة طريق مستقبل البشر اللتي تقتضيه السنن الإلهية، تمهيد الأرضية المناسبة للقسط والعدل وتوفير الظروف الملائمة لحياة إنسانية طيّبة في رحاب تفعيل كافّة القابليات على الصعيدين المادّي والمعنوي كي نتمكّن من طيّ مسيرة متعالية، ومن مقتضيات الحركة في هذا الطريق وتحقيق الأهداف المرجوّة منه، طرح نظريات أساسية ومعتمدة بديلة عمّا سبق إلى جانب إعادة هيكلة النظامين الاجتماعي والثقافي وفق توجّهات حضارية وإصلاحية بمحورية تعاليمنا الإسلامية الأصيلة. حينما ننجز هذه المهمّة الملقاة على كاهلنا في مسيرة تعاملنا مع الغرب، فهذا يعني تجاوز المراحل الأولى من المواجهة والصراع لتبدأ خطوة جديدة بمستوى أكثر عمقاً ودقّة على ضوء تعامل فكري بنّاء.
ربّما يمكن اعتبار الشرق والغرب خارجة عن نطاق الزمان والمكان التأريخيين، عبر التأويل والتأمل في «استغراب معنوي» و «استشراق معنوي». الشرق المعنوي هو الذي أشرقت منه شمس الحقيقة والهدى نيّرةً مُنعِشة، فالغرب المعنوي هو المنفى البعيد عن نور شمس الحقيقة، فبات نور الحقيقة فيه خافتاً أفلاً. يا ترى نحن البشر و سكان الأرض، بغض النظر عن الحدود الجغرافية والمُسَمّيات الإعتبارية، نستوطن أي موطن ونسكن أيّة أرض؟ تلك الديار التي بغروب شمس الهدی وغیابها، شاعت العمياء والغفلة والضلال، وفشت الأنانية واللذة والجشع والجموح والضياع والعبثية؟ أم تلك الديار التي في شعاع شمسها، بدت آثار الأمن والإيمان والطمأنينة والإنسانية والرحمة والقرب إلى الحقيقة؟ فيا ترى أين نحن وأين موطننا الحقيقي؟ واقع إنسان الیوم، مظهر للأنانية بكلّ ما لها من معنى؛ فقد انصهر البشر في شياطين الشهوات والأهواء وأصبح تعيساً منفياً من جنّة القرب إلی جحيم الفراق. بهذا الإعتبار، نعم، إن الغرب هي «سلطة النفس» والأنانية، هو «التغرب». كلّنا في مشارق الأرض ومغاربها، غرباءٌ مستغربون، ننتظر شروق الشمس.
* * *
هذه السلسلة من المقالات التي تدرج تحت عنوان «الاستغراب: النظرية والمنهج»، عبارة عن محاولة تمهيدية للتأمل في بعض المسائل والتحدّيات الهامّة في مجال مواجهتنا مع الغرب. ومن جملة المواضيع التي طرحت على طاولة البحث والتحليل في هذا المضمار من قبل عددٍ من الباحثين المتخصّصين، عبارة عمّا يلي:
ـ المبادئ والأهداف في تأسيس علم الاستغراب.
ـ السؤال عن الإمکان وميثودولوجيا الاستغراب.
ـ المبادئ النظرية للحضارة الغربية الحديثة.
ـ التوجّهات الحضارية في الاستغراب.
ـ تاريخ دراسات الاستغراب بين المسلمين.
ـ أواصر الغرب المعاصر والمسيحية.
ـ المواجهة بين الإسلام والغرب.
ـ الأزمات المعنوية والأخلاقية في الغرب.
ـ الاستشراف والدراسات المستقبلية عن الغرب.
ـ نقد التكنولوجيا.
ـ الهيمنة الاستعمارية الغربية.
ـ نظرية صراع الحضارات.
ـ ظاهرة الإسلاموفوبيا في العالم الغربي.
نأمل لهذه الخطوة التي تعتبر تمهيدية ومستهلة في هذا المجال، أن تصبح منطلقاً إيجابياً يفسح المجال للخطوات اللاحقة والدراسات المستجدة، ونودّ هنا أن نتقدّم بالشكر الجزيل والثناء الحسن للباحثين المحترمين الذين تعاونوا على تدوين البحوث والمقالات، كما نشكر كافّة الزملاء الذين ساهموا في تدوين ونشر هذه السلسلة وعلى رأسهم مدير قسم الاستغراب الدكتور محمد حسين كياني وسكرتير القسم الدكتور محمد رضا لايقي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علی رسوله الأمين وآله الميامين.
السيّد محسن الموسوي
مدير المرکز فرع قم
ربيع الثاني 1443هـ
--------------------------------
[1]. سورة البقرة، الآية 115.
[2]. سورة الحجرات، الآية 13.