تأليف
د. رباح صعصع عنان
المقدمة
كتب المستشرقون في مجالاتٍ عدةٍ، بل في المجالات المعرفية كلِّها، الدينيّة، والثقافيّة، والتاريخيّة، والعلميّة، تخصصيةً كانت أو غير ذلك، فكتبوا في كل ما يخص الشرق ولأجل ذلك سُمُّوا بالمستشرقين، فهم أقرب للأنثروبولوجيا (علم الإنسان) من غيرها من العلوم، ما دعاهم (أي قربهم للأنثروبولوجيا) إلى الكتابة في مجالاتٍ متعدّدةٍ، فلا غَرْوَ أنْ كتبوا وبحثوا عن عقيدة المهدي المنتظر عند المسلمين، لما لها من ثقلٍ كبيرٍ في مناحي عقائد المسلمين، وتدخلها وارتباطها بالأديان السماوية الأخرى من جهةٍ، والتصاقها بأشراط الساعة وآخر الزمان من جهةٍ أخرى.
فكانت بحوثهم وكتاباتهم، سبباً في لفت الانتباه وشدِّ الفكر تُجَاهَ قضيةٍ عقديةٍ مهمةٍ، لكنها كانت في ما جرت عادتهم، تحمل النهج السيئ عند أغلبهم، وهو أنْ ينظروا للمسألة بعينٍ بحثيّةٍ واحدةٍ (عوراء) من جهة عدم رجوعهم إلى المصادر التي من شأنها أنْ تغني البحث بصورةٍ شاملةٍ، واعتمادهم الأُحادية في انتقاء المصادر التي تخدم أغراضهم المُعَدّة سلفاً، فكتبوا وأدلوا بدلوهم في هذا المجال بمناهجَ عدّةٍ وأساليبَ وطرقٍ متنوّعةٍ؛ فقسمٌ منهم كان منصفاً محايداً، وقسمٌ كان مغرضاً، والآخر كان حاقداً متجنياً، يكتب بعداءٍ واضحٍ وصريحٍ هذا التعميم في الكتابات والأقوال أدّى إلى غموضِ المسألة لدى المتلقي وتشويشٍ في فهم الحقائق كما هي.
هذا الكتاب يتناول دراسة آراء المستشرقين في القضيّة المهدويّة، دراسةً نقديّةً موضوعيّةً، فكانت هذه الدراسة محاولةً جادّةً للوقوف على ما كتبه المستشرقون عن مسألة المهدي المنتظر وما يكتنفها من ورائياتٍ وغيبياتٍ حول الشخص الذي اتفقت حوله كلمة علماء المسلمين، ونطقت الأحاديث الصحيحة الصريحة، بأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وسيحقق نتاج وثمرة وجهود جميع الأنبياء والمرسلين.
الموضوع وأهميّته وأسبابه:
لمّا كانت المقدمة هي المرآة الصغيرة العاكسة للكتاب الكبير، سيُعرضُ فيها توضيحٌ لما هو كامنٌ في وريقاته، وإذكاءٌ لما هو دفينٌ تحت رماده، على أنه يجب لحظُ أنَّ هناك فرقاً، يبدو غيرَ واضحٍ بين أهمية الموضوع وأهدافه وأسبابه، غالباً ما يحدث التداخل الذي لا يضرُّ بين هذه المصطلحات الثلاثة، وسيتبين هذا الفارق عن طريق المثال التالي: لو أنَّ شخصاً أراد أنْ يبني مسجداً جامعاً في مدينةٍ ما، نسأله عن الأسباب: لِمَ تبني هذا الجامع؟ ما السبب في بنائه؟ يجيب لعدم وجود مسجدٍ في هذه المنطقة، ورأيت الناس يقيمون صلواتهم وشعائرهم في الشارع.
ونسأله ما أهميته؟ هل توجد له أهميّةٌ معتدٌّ بها؟ يجيب بأنَّ أهميته تأتِي من ارتباطها بعبادة الله تعالى، وما دامت عبادة الله تعالى مهمّةً بصريح القرآن لأن الله خلق الجنّ والإنس حتى يعبدوه، فهذا مكانٌ للعبادة.
ونسأله: ما الأهداف التي ترمي لها من وراء بنائه والتي ستحققها عن طريقه؟ يجيب: تحقيق السلام والأمن والأمان والتراحم والتواصل والأُلفة والمحبة بين الناس. ويكمل إجابته قائلاً: لأن الناس عندما ستتردد وتزداد أعدادها في المجيء للمسجد وسيقرأون القرآن ويسمعون الخطب على المنبر والوعظ والنصيحة، سيتجهون جماعياً لله تعالى، وسيتأثرون بكل ذلك، فينعكس على سلوكهم وتعاملهم وستنحسر حوادث السرقة والقتل وغيرها من المشكلات.
لذا كان لاختيار موضوع الدراسة أسباب:
السبب الأول: وجود الإشكالات المتعددة والمُثارة من المستشرقين حول عقيدة المهدي المنتظر وتأليفهم الكم الهائل من الكتب والبحوث والدراسات، لكن بقراءةٍ خاطئةٍ لهذه العقيدة، ومحاولة التشكيك بما هو متّفقٌ عليه ومشتركٌ بين المسلمين، وهو خروج المهدي المنتظر وبشارة النبي لآخر الزمان، والاستهزاء بعقيدة المسلمين بانتظاره. وكذلك الرؤية القاصرة للثقافة الاستشراقيّة المرتبطة بفلسفة الحضارة الغربية التي تستند على التحليل المادي الذي لا يؤمن بالغيب، بل يؤمن بالتفسيرات الحسِّية والتحليل العلمي المادي.
السبب الثاني: عدم وجود الدراسات الكافية والمستفيضة التي من شأنها إغناء البحث وإشباعه، مما يختص بالمستشرقين حول هذه المسألة بالذات، ولا سيَّما لمناقشة مستشرقين اختصوا بالكتابة عن المهدي المنتظر إنّ هذه محاولةٌ جادّةٌ لإيضاح وعرض شبهات المستشرقين بمناقشاتٍ موضوعيّةٍ بعيدةٍ عن التعصب بكل أشكاله، ولإعطاء صورةٍ إيجابيّةٍ عن اتّفاق الاتّجاهات الإسلاميّة في النظر إلى حقيقة عقيدة المهدي المنتظر، وإنْ كانت التفسيراتُ مختلفةً، إلا أنَّ الاتفاق حاصلٌ على حقيقة هذه العقيدة التي استفاضت أخبارها في السُّنّة المشرفة بما لا يدع مجالاً للإنكار، وبما يعطي أملاً للتفسير الإسلامي مع شدة ظلام الفتن.
السبب الثالث: عدم وجود تنظيرٍ وتعبئةٍ ثقافيّةٍ كافيةٍ لهذه المسألة العقديّة الأساسيّة، على مستوى العالم عموماً، والعالم الإسلامي على وجه الخصوص، ومع كثرة الدراسات والكتب والبحوث التي أُلّفت لها، تبقى تفتقر إلى جوانبَ عدّةٍ لم تُبحث فيها.
أهميّة الموضوع:
1 - تأتي أهميته بوصفه مرتبطاً بعقيدةٍ تخص وتهمُّ جميع المسلمين في شتى نِحَلِهم، فقد يتوهم بعضهم أنَّ عقيدة المهدي المنتظر هي عقيدةٌ خاصّةٌ بطائفةٍ معيّنةٍ من المسلمين، بينما هي كمفردةٍ إيمانيّةٍ أصيلةٍ متجذرةٌ يجب الإيمان بها كباقي الواجبات الإيمانيّة، لا فرق بين الجميع في ثبوت البشارة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخروج المهدي المنتظر في آخر الزمان ولا في مهمته العالميّة، بأنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ولا في صفات شخصيّته المتميّزة، ولا في علامات خروجه ومعالم ثورته، نعم توجد هناك مختصاتٌ وفروقاتٌ لكل طائفةٍ من المسلمين؛ لكنَّها لا تؤثر على أصل العقيدة والإيمان بها. منها مثلاً: أنَّ الشيعة الإمامية يعتقدون بأنَّه هو الإمام الثاني عشر من أئمتهم، المولود سنة 255هـ وأنَّه حيٌّ وغائبٌ الآن، بينما يعتقد أهل السنّة بما توافر لهم من معطياتٍ، أنه غيرُ مولودٍ بعدُ، ولا موجودٌ الآن، بل سوف يولد يوماً ما، ويحقق ما بشّر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
2 - تكمن أهميّته العالميّة، بوصفه تشترك به الأديان السماوية أيضاً، بل تشترك به باقي الملل والنحل من غير الأديان - على ما سيثبت لاحقاً - فالأطروحة المهدوية أطروحةٌ إنسانيّةٌ نعم، الإنسانيّة جمعاء بانتظار القائد، المنقذ، المصلح، المخلِّص، الفادي، المسيح، المهدي، المنتظر، الذي سيحقق ويجني جهود جميع الأنبياء والصالحين وثمرة دعوات الأنبياء والمرسلين، فهو حتماً القائد الذي سيملأ الأرض عدلاً.
3 - تنبعث أهمية الموضوع بوصفه يبحث في نتاجٍ كبيرٍ وثقيلٍ، لا يُستهان به من المستشرقين المتخصصين، ويناقش ويوضح مغالق كلماتهم التي مآلُها شبهاتٌ، والتي سيطرت عليها الضبابية وأحاطها الغموض، وهي مؤطرةٌ بإطارٍ وغلافٍ علميٍّ مُبطَّنٍ، قد يخفى على بعض المتتبعين. وزيادة على ذلك أنَّ المستشرقين، لهم المقبولية والشعبية في بلدانهم، عند شعوبهم وقرَّائهم. وفي العالم الإسلامي هناك فئةٌ من المثقفين ممن تأثر بالخطاب الاستشراقي وفكره.
فمن الأهمية بمكان الإجابة على تلك الشبهات، لأن الشبهة المغلوطة إذا لم تتبين وتتوضح ستبقى عالقةً تتأرجح في عقل المتلقي وستأتي بنتيجةٍ سلبيّةٍ حتماً على كافة الأصعدة.
مشكلة الدراسة:
1 - المشكلة الأساسيّة، هي محاولة المستشرقين تهميش وإنكار وجود هذه العقيدة عند المسلمين، فهم يحاولون إنْ لم يستطيعوا أنْ ينكروها أو يهمشوها، أنْ يضفوا عليها ضبابيةً، ويعملون على تشويشها عند عقل المتلقي، عن طريق تعمّد الفهم الخاطئ والقراءة غير الصحيحة لما تحتويه مادة هذه العقيدة. هؤلاء يحاولون تبعيض وتشتيت وتقطيع وتفصيل هذه المسألة العقدية بحسب أغراضهم الدفينة وأهوائهم ونزعاتهم التبشيريّة والعنصريّة والفئويّة.
2 - إنَّ أغلب المستشرقين قد أظهروا عقيدة المهدي المنتظر كأنها مختصةٌ فقط بفئةٍ معيّنةٍ من المسلمين وهم (الشيعة) وهذه المسألة تكمن وراءها أغراضٌ وأهدافٌ من أهمها وأخطرها أنْ يوقعوا شرخاً كبيراً في النسيج الإسلامي، عن طريق بيان أنَّ هذه العقيدة شاذةٌ وغريبةٌ عن المفردات الإيمانية الأخرى، ومِنْ ثَمَّ فإنَّ من يعتقد ويؤمن بها، سيكون غريباً عن حضيرة الإسلام والمسلمين، وليس منهم.
فالعقيدة المهدويّة ـ بحسب الزعم الاستشراقيّ - مقترنةٌ بعقائد وأصول المذهب الشيعي، دون غيرهم من الطوائف والمشارب الإسلامية. فإذا كان هناك نقدٌ على مبتنيات هذه العقيدة وتفرعاتها وما يرتبط بها وبمدّعيها، سيتوجه صوبَ تلك الطائفة، لأنها هي المعنية بذلك، ولا يوجد أحدٌ يؤمن ويعتقد بها غيرهم، لذا سوف لا تجد ذكراً لهذه العقيدة في مؤلفات المستشرقين وكتاباتهم، إلا عندما يكتبون عن الشيعة، ولا سيَّما الشيعة الإمامية، كما سيظهر جلياً بحسب ما ترشَّح من كتاباتهم. فهم يحاولون الولوج من هذا الباب لاستغلال وانتهاز موطِئ قدم فكري، للتفريق وتعميق الهوة بين فرق المسلمين ومذاهبهم، معتمدين بتصورهم، بوصف مسألة المهدي المنتظر. مسألةً خلافيّةً بامتيازٍ بين المسلمين بحسب فهمهم وقراءتهم لها، ولا يؤمن بها إلا من شذّ منهم.
وللأسف فإنّهم قد نجحوا في ذلك بنسبةٍ معيّنةٍ، لأن المتلقي والشباب العربي المسلم عموماً يستهوي البضاعة والأفكار المستوردة الجاهزة والمغلفة بإطارٍ غربيٍّ حداثويٍّ.
لقد نجحوا في ذلك بإيهام عقل المتلقي عن طريق مغالطةٍ ومصادرةٍ للمطلوب اعتمدها المستشرقون، وهي ذكر الموارد والنقاط والتفاصيل والمختصات، المختلف فيها بين المسلمين في موضوع القضية المهدوية، وتغييب وتضييع البحث في النقاط المشتركة فيها، ومحاولة نفي وتشويه صورة تلك النقاط المختلف فيها، وحاولوا كذلك أن يجعلوا من نفي موارد الاختلاف منطلقاً ومبدأً لنفي نقاط الاشتراك والاتفاق، ومن ثَمَّ وتبعاً لذلك ستنتفي العقيدة المهدوية برمتها.
وسيتبين في طياّت الكتاب هل إنّ هذه العقيدة فعلاً لا يؤمن بها المسلمون بجميع أطيافهم؟ أو هي عقيدةٌ إسلاميّةٌ أصيلةٌ لدى جميع المسلمين بكل مشاربهم ومذاهبهم؟ باتفاق المدارس الإسلاميّة على جوهرها وإنْ اختلفت أساليب التعبير عنها، أو بعض الجزئيات فيها.
أسئلة مثيرة:
1 - ماذا قال أو كتب المستشرقون عن عقيدة المهدي المنتظر؟ ولِمَ يكتبون هذا الكم الهائل عن عقائد المسلمين وركزوا على هذه العقيدة خاصّةً؟ وهل يجب أنْ نقرأ للمستشرقين ونهتم وندقق ونحلل ونناقش ما كتبوا؟ وما الضير إذا لم نقرأ ونناقش ولم نُولِهم الاهتمام؟
2 - هل مفردة (المهدي المنتظر) الإيمانيّة، من العقائد والمفردات الإيمانيّة المشتركة بين المسلمين، أو هي عند فئةٍ دون أخرى؟ وما هي نقاط الاختلاف فيها بين فرق المسلمين؟ ومدى نقاط الاشتراك فيها؟ وأيُّ النقاط مرجحة فيها؟
3 - هل وجود أطروحة (المهديّ المنتظر) على أنها مفهومٌ عامٌّ للمنقذ والمصلح والمخلِّص في النِحَل والمِلَل وأهل الكتاب من الأديان السابقة على الإسلام، هل وجودها يفيد ويخدم القضية الإيمانية الدينية الإسلامية، أو يزيد الأمور تعقيداً باعتبارها ستُعدُّ اقتباساً من تلك الديانات السالفة؟
4 - هل تأصيل هذه الأطروحة والعقيدة المهدوية في القرآن الكريم والسُّنّة الشريفة، كافٍ في الرد والإجابة على شبهات المستشرقين؟ وهل يكفي فقط وجود الأحاديث النبوية الشريفة للتأصيل لمثل هذه العقيدة الحيوية في الجسد الإسلامي؟ أم يجب أنْ يؤصَّلَ لها أصلٌ قرآنيٌّ يُعتدُّ به؟
فرضيّاتٌ مطروحةٌ:
- أقوال المستشرقين ومؤلفاتهم يجب ألاَّ تهمل في هذا المجال، لأن مجرد التغاضي عن الشبهات، لا يصنع حلّاً للشبهة نفسها.
- يجب ألَّا يحتكم المسلمون لأقوال المستشرقين ومؤلفاتهم في صحة عقائدهم أو عدمها، أو حتى جعل أقوال المستشرقين وآرائهم تأييداً لتلك العقائد.
- أشار القرآن الكريم لعقيدة المهديّ المنتظر، والسُّنَّة الشريفة صرحت تصريحاً مباشراً بها، والأديان أو الشرائع السابقة أشارت لها في الكتب والألواح والصحف السماوية.
- بعض المستشرقين لهم كلماتٌ منصفةٌ في هذا المجال يمكن استثمارها والاستفادة منها في مناقشة وجواب بعضٍ آخر منهم.
- الأخذ بنظر الاعتبار أنَّ توجيه وإثارة أيِّ شبهةٍ حول مسألةٍ وعقيدةٍ ما، من عقائد المسلمين، أو قد تكون مختصةً بأيِّ اتجاهِ أو مذهبٍ من مذاهب المسلمين، إنَّما هو ضربٌ وتوجيه للإسلام بصورةٍ عامّةٍ، لأن المستشرقين عندما يكتبون ويتحدثون للمتلقي بقولهم (المسلمون يعتقدون كذا، أو الطائفة المعيّنة من المسلمين تعتقد بكذا) كأنهم يتحدثون عن جميع المسلمين، فلا مناص من مواجهتهم فكريّاً، والدفاع عن الإسلام برمته من غير تبعيضه، بلحاظ أنَّ المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
منهج الدراسة:
لمّا كانت الدراسة تدخل في مجال الدراسات الوصفيّة الاستقرائيّة التي تتطلب نوعاً من الدراسة المسحية، بحيث تشمل أقوال المستشرقين في هذه القضية، فيكون المنهج المناسب هو المنهج الاستقرائي التتبعي، وذلك عن طريق جمع أقوال وكتابات المستشرقين وتتبّعها. ومن ثَمّ بعد دراسة مناهجهم فإنَّ المنهج المناسب هو التحليلي وقد يحتاج إلى توظيفٍ جزئيٍّ للمنهج التاريخي، فكان ذلك عند الحديث عن استقراء مؤلفات المستشرقين. وأحياناً أُحتيج للمنهج البيبليوغرافي، لذكر ووصف مجموعة كبيرة من أسماء لشخصياتٍ أو مؤلفاتٍ ووصفها وصفاً عامّاً. ولا يخفى بأنَّ المنهج النقدي كان حاضراً أكثر من غيره.
خطة الدراسة:
اشتملت الدراسة على مقدمةٍ ومبحثٍ تمهيديٍّ وخمسةِ فصولٍ وقائمةٍ بالمصادر. المبحث التمهيدي تم فيه شرح وتوضيح الكلمات الرئيسة للعنوان والتعريف بها، مرةً باختصارٍ غيرِ مُخِلٍّ، وأخرى بتطويلٍ غيرِ مُملٍّ.
وبعده يأتي الفصل الأول، الذي جاء للتعرف على المصادر والمؤلفات والدراسات التي أنتجها المستشرقون حول المهدي المنتظر، فجاءت فيه قائمةٌ بأسماء المستشرقين ومؤلفاتهم بالتفصيل، وتطرق هذا الفصل أيضاً إلى مناهج المستشرقين التي ساروا عليها في العقيدة المهدوية، وعن الأسباب والدوافع التي جعلتهم يتجهون هذا المنحى، وكذلك أقوالهم في العوامل والمنطلقات التي أدت إلى نشأة انتظار المهدي برأيهم.
الفصل الثاني جاء مباشرةً في صلب الموضوع وهو عرضٌ لآراء المستشرقين وأقوالهم وكلماتهم ومناقشتها والجواب على ما اشتبه فيها. جاء هذا الفصل هكذا في صميم الموضوع، فنوقشت فيه محاولاتهم في إقصاء هذه العقيدة وجعلها مختصةً بالشيعة فقط وتصوير الحالة كأنها مؤدلجةٌ شيعيّاً ضمن إطار معين. بحسب الزعم لا يوجد أصلٌ قرآنيٌّ أو حديثيٌّ للعقيدة المهدويّة. وجاء الجواب عنه عن طريق عرض محاور الاشتراك والاتفاق بين المسلمين في عقيدة المهدي المنتظر، والآيات التي يمكن أنْ تشير إلى عقيدة الإيمان بالمهدي المنتظر، بما جادت به قريحة مفسري المسلمين، والقرائن والأدلة التي تؤيد إشارة تلك الآيات.
ويأتي الفصل الثالث تباعاً الذي استوجب إتيان مكانه هنا –أي بعد الفصل الثاني - لأنه مكمِّلٌ لما قبله في إثبات الأصل الحديثي لأطروحة المهدي المنتظر، في مقابل إنكارها وتضعيفها حديثيّاً من قِبَلِ المستشرقين، وكان هذا الفصل أسهلَ من سابقه، لأن الأحاديث جاءت صريحةً في ذكر اسم المهدي المنتظر، أو شأنٍ من شؤونه، فتمَّ ذلك بذكر أحاديث فيها تصريحٌ بلفظ (المهدي) وأحاديث فيه غير مصرِّحةٍ باسمه، ومحاولة إثبات تواترها، وذُكِرَ فيه أسماء وعدد الرواة بالتفصيل من أهل بيت النبي والصحابة الكرام، وكذا إكمالاً للحجة، ذكر أسماء من خرّجَ أحاديث المهدي المنتظر من علماء المسلمين، من أرباب علوم الحديث وبعض من صرَّحَ بصحتها، ومناقشة وجواب إشكاليْن مهمّيْن، أوردهما المستشرقون، الأول: عدم ذكر المهدي المنتظر في صحيحي البخاري ومسلم، والأخر: إشكال تضعيف ابن خلدون لمجمل الأحاديث في هذا الشأن.
الفصل الرابع، جاء شبيهاً ملاصقاً للفصل الثالث من جهة عرضه لأهم شبهات المستشرقين حول الأطروحة المهدوية، وهي شبهة التأثر بالديانات الأخرى التي طالما أوردها المستشرقون في مناسباتٍ عدّةٍ عند التطرق للإسلام والمسلمين وعقائد الإسلام، فهي أسهلُ وأسرعُ شبهةٍ يمكن أنْ يأتوا بها، فتمَّ عرضها ونقدها وتحليلها، والجواب عليها، في مبحث التأصيل الديني للأطروحة المهدوية في الأديان الأخرى.
والفصل الخامس كان لا بدَّ أنْ يكون هو الفصل الأخير، لأنه يبحث عن مسائلَ مرتبطةٍ بعقيدة المهدي المنتظر، وليست هي المهدي المنتظر، فلا بدَّ من بحثها ولا يمكن تعدِّيها، وهو مناقشة الإشارات في الكتب المقدسة في الأديان التي تتفق مع التفسير الإسلامي للموضوع، كمبحث (الفارقليط) الذي ذُكِرَ في كتب العهدين للمسيحيين واليهود، ويُقصد به النبي محمد (ص) أو يُقصد به المهدي المنتظر على رأيٍ آخر، أو يمكن أن يُقصد به الوجهان. وهذا المبحث جاء مرتبطاً بالفصل السابق وكأنه انتقالٌ من الكلي إلى الجزئي، إذ كان الفصل السابق تأصيلاً دينيّاً للأطروحة المهدويّة في الأديان الأخرى، ولا سيَّما المسيحيّة واليهوديّة.
وأيضاً بُحِثَ في هذا الفصل مسألة مُدَّعي المهدوية على مر التاريخ، وكيف حاول المستشرقون توهين عقيدة المهدي المنتظر بسبب ادعاءات المهدوية من مجموعةٍ من الكَذَبَةِ ومدعي الإيمان والنفعيين، مع أنَّه لا ملازمة بين الأمرين، بين ادعاء الشيء كذباً، وبين أصل صحته وصدوره من الله تعالى. وبحثت كذلك مسألة الإسماعيلية، إذ كان قوام ومِلاكُ مذهبهم ومحوره، الوعد برجوع المهدي الذي تجسد بإسماعيل أو ابنه محمد، على شرحٍ سيُفصّل في محله.
وكذا بُحِثت ولادة الإمام المهدي المنتظر وغيبته، وهي من أهم النقاط المفصلية بين الشيعة الإمامية وبين عموم المسلمين، باعتبار أنَّ عموم المسلمين من أهل السنة والجماعة، بحسب المعطيات والأدلة المتوافرة يؤمنون بأنَّ المهدي المنتظر غيرُ مولودٍ بعدُ وليس موجوداً الآن، وأنَّه سوف يولد في ما بعد عند أجلٍ غيرِ مسمًّى، بخلاف الشيعة الإمامية الذين يعتقدون بولادته ومن ثَمَّ فإنّهم يؤمنون بوجوده وإمامته ما دام مولوداً، وبغيبته بالتَبَع، وانتظاره إلى أنْ يظهر آخر الزمان.
هذا الكتاب إنْ شاء الله تعالى، سيمثّل مطارحاتٍ علميةً لعرضٍ وتحليلٍ ونقدٍ موضوعيٍّ بنّاءٍ لكلمات المستشرقين حول القضية المهدوية، وكيف فهموا هذه القضية، ومن ثَمَّ توصلهم إلى تلك النتائج، ومحاولة نقد هذا النتاج الفكري ومدى استيعابه لمفهوم العقيدة المهدوية، وسيمثِّل مطارحةً بحثيةً مع علماء الغرب من المستشرقين المختصين، الذين لا يُستهان بنتاجهم الفكري، لخوض غمار البحث والفكر والعلم فيها ﴿وَإِنَّآ أَوإِيَّاكُم لَعَلَىٰ هُدًى أَو فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ سبأ: 24.
في النهاية، قلمي يرجو السماح والاعتذار لهفواته لأنه غيرُ معصومٍ وما دام هذا العمل من نتاجي وأنا إنسانٌ من عامة البشر، إذاً سوف يكون عملاً غيرَ كاملٍ لأن الكمال لله وحده.
وحسبي الله ربي ﴿عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلعَرشِ ٱلعَظِيمِ﴾
المؤلف د. رباح صعصع