فهرس المحتويات

مقدمة المركز | 7

المقدمة | 9

التمهيد:دلالة نهاية التاريخ | 13

■ القسم الأول: نهاية التاريخ في الفكر الديني الفلسفي | 21

(اليهودية، المسيحية، الاسلام) | 21

أولا نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني اليهودي | 23

ثانياً: نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني المسيحي | 26

ثالثاً: نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني الإسلامي | 29

■ القسم الثاني: نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر | 33

أولاً / نهاية التاريخ عند كانط | 34

ثانياً/ نهاية التاريخ عند هيجل | 36

ثالثاً/ نهاية التاريخ عند كارل ماركس | 39

رابعاً / نهاية التاريخ عند كوجيف | 42

■ القسم الثالث: نهاية التاريخ عند فرنسيس فوكوياما | 45

أولاً: فرنسيس فوكوياما - سيرته | 46

ثانيا: نهاية التاريخ عند فرنسيس فوكوياما | 49

■ القسم الرابع: الفيزياء الحديثة بوصفها مرتكزاً لتوجيه | 59

التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية عند فوكوياما | 59

أولاً: المنافسات العسكرية (الحروب) | 63

ثانياً: التطور الاقتصادي | 70

■ القسم الخامس: فكرة (الصراع من اجل الاعتراف) | 79

مرتكزاً لتوجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية عند فوكوياما | 79

أولاً: فكرة (الصراع من اجل الاعتراف) | 80

ثانياً: لماذا اللجوء إلى هيجل؟ | 87

ثالثاً: توظيف فوكوياما لفكرة (الصراع من اجل الاعتراف) | 93

■ القسم السادس: نقد الديمقراطية الليبرالية بوصفها | 105

نهاية للتاريخ | 105

أولاً: الديمقراطية الليبرالية | 106

ثانياً:نقد العدالة والمساواة الليبرالية | 109

ثالثاً: نقد الديمقراطية الليبرالية بوصفها مرتكزاً  لتعدد | 114

الثقافات | 114

الخاتمة: | 121

المصادر: | 125

سلسلة مصطلحات معاصرة 4 العتبة العباسية المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية نهاية التاريخ دراسة تحليلة نقدية للمفهوم وحضوره المعاصر تأليف قيس ناصر راهي
هذه السلسلة تتغيا هذه السلسلة تحقيق الاهداف المعرفية التالية: أولا:الوعي بالمفاهيم واهميتها المركزية في تشكيل وتنمية المعارف والعلوم الانسانية وادراك مبانيها وغاياتها ،وبالتالي التعامل معها كضرورة للتواصل مع عالم الافكار ، والتعرف على النظريات والمناهج التي تتشكل منها الانظكة الفكرية المختلفة. ثانيا:ازالة الغموض حول الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي غالبا ما تستعمل في غير موضعها أو يجري تفسيرها على خلاف المراد منها.لاسيما وان كثيرا من الاشكاليات المعرفية ناتجة من اضطراب الفهم في تحديد المفاهيم والوقوف على مقاصدها الحقيقية ثالثا:بيان حقيقة ما يؤديه توظيف المفاهيم في ميادين الاحتدام الحضاري بين الشرق والغرب،وما يترتب على هذا التوظيف من آثار سلبية بفعل العولمة الثقافية والقيمية التي تتعرض لها المجتمعات العربية والاسلامية وخصوصا في الحقبة المعاصرة. رابعا:رفد المعاهد الجامعية ومراكز الابحاث والمنتديات الفكرية بعمل موسوعي جديد يحيط بنشأة المفهوم ومعناه ودلالاته الاصطلاحية ،ومجال استخداماته العلمية،فضلا عن صلاته وارتباطه بالعلوم والمعارف الاخرى. المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية
(4)

الفهرس

مقدمة المركز7

المقدمة9

التمهيد:دلالة نهاية التاريخ13

القسم الأول: نهاية التاريخ في الفكر الديني الفلسفي21

(اليهودية، المسيحية، الاسلام)

أولا نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني اليهودي23

ثانياً: نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني المسيحي26

ثالثاً: نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني الإسلامي29

القسم الثاني: نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر33

أولاً / نهاية التاريخ عند كانط34

ثانياً/ نهاية التاريخ عند هيجل36

ثالثاً/ نهاية التاريخ عند كارل ماركس39

رابعاً / نهاية التاريخ عند كوجيف42

القسم الثالث: نهاية التاريخ عند فرنسيس فوكوياما45

أولاً: فرنسيس فوكوياما - سيرته46

ثانيا: نهاية التاريخ عند فرنسيس فوكوياما49

(5)

الفهرس

القسم الرابع: الفيزياء الحديثة بوصفها مرتكزاً لتوجيه التاريخ59

نحو الديمقراطية الليبرالية عند فوكوياما

أولاً: المنافسات العسكرية (الحروب)63

ثانياً: التطور الاقتصادي70

القسم الخامس: فكرة (الصراع من اجل الاعتراف)79

مرتكزاً لتوجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية عند فوكوياما

أولاً: فكرة (الصراع من اجل الاعتراف)80

ثانياً: لماذا اللجوء إلى هيجل؟87

ثالثاً: توظيف فوكوياما لفكرة (الصراع من اجل الاعتراف)93

القسم السادس: نقد الديمقراطية الليبرالية بوصفها نهاية للتاريخ105

أولاً: الديمقراطية الليبرالية106

ثانياً:نقد العدالة والمساواة الليبرالية109

ثالثاً: نقد الديمقراطية الليبرالية بوصفها مرتكزاً  لتعدد الثقافات114

الخاتمة:121

المصادر:124

(6)

مقدمة  المركز

تكمن أهمية المصطلحات بما تحتويه من معاني ومفاهيم في أنّها:

1- أداة التعارف وتبادل المعلومات بين بني البشر.

2- انّ العلوم والمعارف ليست الّا مجموعة مصطلحات ومفاهيم مترابطة.

3- انّ المصطلحات بما فيها من علوم ومعارف هي التي تصوغ منظومة الانسان المعرفية وشاكلته الفكرية.

4- انّ سلوك الانسان العلمي والاجتماعي يُصاغ من خلال هذه المنظومة المعرفية وسلامتها واتقانها وبُعدها عن الخطأ يسلم الانسان ويستقيم سلوكه وبتبعه يستقيم المجتمع.

فالمصطلح له أهمية مضاعفة لما يمتلكه من محورية في بناء الفرد والمجتمع، ومن هذا المنطلق جاءت هذه السلسلة: (أي سلسلة مصطلحات معاصرة) تسلط الضوء على ما كثر تداوله في الآونة الأخيرة سيما بعد الثورة المعلوماتية الكبيرة التي رفعت الحدود وأزالت القيود، وسهّلت عملية الوصول إلى الأوعية المعرفية لكل أحد حيث أخرجت العلوم بما فيها من مصطلحات تخصصية معروفة لأهلها؛ وأتاحتها لعامة الناس ممّا أدّى إلى فوضى معرفية هائلة.

وقد أدّت هذه الفوضى - في بعض حالاتها- إلى قطع جسور التواصل وعلق باب التبادل والتفاهم المعرفي بين الكاتب والقارئ،

(7)

فانغلقت النصوص لانغلاق معاني المصطلحات وبُعدها عن ذهن القارئ وعدم أُنسه بها وعدم وقوفه على سير تطورها منذ النشأة والى يومنا الحاضر.

جاءت هذه السلسلة لتسد هذا الفراغ، وتقدّم المصطلحات المعاصرة الى القارئ الكريم بنظرة تحليلية نقدية، ليقف المطالع على حقيقة الأمر ويأمن الخطأ والزلل.

*      *      *

تبحث هذه الحلقة من "سلسلة مصطلحات معاصرة" مصطلح "نهاية التاريخ" وهو موضوع شغل الفكر على مدى عقود، تبدأ من تسعينيات القرن العشرين لتستمر تداعياتها مع بدايات القرن الحالي.

تطرّق الباحث إلى نشأة المفهوم كما جرى تداوله حديثاً مع تنظيرات المفكر الأميركي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما ثم انتقل إلى تأصيله فلسفياً على نحو ما قدّمه فلاسفة الحداثة وفي مقدمهم الفيلسوف الألماني هيغل.

في ختام الدراسة يقدم الباحث رؤية نقدية لمفهوم نهاية التاريخ والتوظيفات التي أجرتها المؤسسات الثقافية والسياسة الأميركية في سياق الهيمنة على عالم بعد الحرب الباردة.

والله ولي التوفيق

(8)

المقدمة

لم يتوقف العقل الإنساني على مر العصور عند حدود مفهوم طرحه مفكر، أو مجموعة من المفكرين، ولا تقتصر وظيفة العقل على طرح المفاهيم، انما تتعداها إلى وظائف أخرى، منها النقد والتحليل، بيد أن كل مفهوم نراه مرهون بظروف واقعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والثقافي......الخ، وهذا قد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على نتاج المفكرين. ومع انتهاء الحرب الباردة دأب عدد من المفكرين على البحث و استشراف صورة العالم، والتحديات التي قد تواجه البشرية في المستقبل، و في هذا الإطار انبثقت أطروحة نهاية التاريخ لفوكوياما مع أطاريح أخرى في ضمنها أطروحة صدام الحضارات لهنتنغتون، وإذا كان لكل مفهوم مرتكز يقوم عليه، فإن الدراسة التي بين يدي (القارئ) تسعى إلى تحديد المرتكزات الفلسفية لمفهوم نهاية التاريخ، فضلاً عن تحليل مضمونه وفق أبعاد الآتية:

البُعد التحليلي أي تحليل مرتكزاته.

البُعد التأويلي المتعلق بأيديولوجيا انتصار الديمقراطية الليبرالية.

لهذا جاءت الدراسة بأقسامها لدراسة هذين البعدين، فضلاً عن التمهيد الذي تكفل ببيان دلالة نهاية التاريخ. ويمكن القول أن أفسام هذه الدراسة قد تكفلت بدراسة جينالوجيا المفهوم،

(9)

وتوظيف الفهم الايديولوجي للمفهوم ولاسيما مع فوكوياما الذي اعاد للمفهوم حضوره من خلال القول بانتصار الديمقراطية الليبرالية،  فضلاً عن  نقد هذا القول من خلال نقد الديمقراطية الليبرالية بوصفها نهاية للتاريخ.

وقد تضمن القسم الأول مناقشة جذور المفهوم الفكرية التي تمتد الى الأديان السماوية، وهنا محاولة لتتبع هذه الجذور عند أبرز من أشار الى فكرة نهاية التاريخ مع أخذ نموذجاً يمثل كل فكر ديني فلسفي. وفي القسم الثاني تم دراسة العناية التي لاقاها هذا المفهوم من فلاسفة العصر الحديث، والوقوف على آراء رواد هذه الفكرة في العصر الحديث، وهم كل من: كانط، هيجل، و ماركس. ولا ندعي أن فكرة نهاية التاريخ في العصر الحديث اقتصرت على هؤلاء الفلاسفة الثلاث، إنما هم يمكن عدّهم أبرز من قالوا بها، ولأرتباط اسم الكسندر كوجيف بهذه الفكرة في الفلسفة المعاصرة، فقد دُرج أسمه ضمن المهتمين في هذه الفترة بفكرة نهاية التاريخ مع الاعتراف بأنه لم يقدم تاريخاً شمولياً، إنما قدم قراءة لفكر هيجل، فجاءت فكرة نهاية التاريخ مقترنة بقراءته.

أما القسم الثالث فقد خُصص  لمناقشة المفهوم عند فرنسيس فوكوياما، إذ حاول فوكوياما تأييد أطروحته عن طريق اللجوء الى حقل الدراسات الفلسفية، وانتقاء الأفكار التي تتناسب وأطروحته، فلجأ الى الفيزياء الحديثة ليبرر إمكانية توجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية،  فضلاً عن ذلك حاول من خلال الفيزياء الحديثة الاستناد الى التفسير الاقتصادي ليصل الى مبتغاه، مع

(10)

تأكيده على اثر الحروب في إعطاء الفيزياء أهمية تعمل ـ من وجهة نظره- على توجيه التاريخ، لكن هذا لم يستطع ان يدعم رؤيته في تحقيق غايته التي هي الديمقراطية الليبرالية، انما استطاع التوصل فقط الى نهاية التاريخ مع الرأسمالية حسب اعتقاده وهذا ماتكفل بدراسته القسم الرابع، ونتيجة ذلك لجأ فوكوياما الى سلطة هيجل ولكن ليس هيجل المعروف انما مركب أطلق عليه فوكوياما اسم (هيجل كوجيف) وهذا هو موضوع القسم الخامس. وقد حاول الباحث في هذين القسمين الوقوف على المرتكزات الفلسفية التي وظفها فوكوياما في أطروحته والجهود التي بذلها في ذلك فابتدأ بتوضيح كيفية توظيف فوكوياما للفيزياء الحديثة، فضلاً عن كيفية توظيف فوكوياما فكرة الصراع من اجل الاعتراف.

أما عن القسم السادس فقد تكفل بنقد النتيجة التي توصل اليها فوكوياما وهو القول بانتصار الديمقراطية الليبرالية، وعلى الرغم من القول بأن هذا النظام يحتوي على عدة ايجابيات لكن هل يعقل يكون نهاية لما توصل اليه العقل البشري في النظم السياسية على وفق المتغيرات والنقد الذي يقدم للديمقراطية الليبرالية قبل واثناء وبعد اطروحة نهاية التاريخ لفوكوياما. اما عن الخاتمة فقد نوقش فيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة.

(11)
(12)

 

 

 

 

 

التمهيد

الدلالة الفلسفية لنهاية التاريخ

(13)

إن المؤرخ المحترف لا يبحث في مفهوم التاريخ[1]، وإنما يكتفي بالقول بأن هذا الموضوع من إختصاص الفلاسفة[2]، ولمعرفة رؤية الفلاسفة لمعنى التاريخ نذكر جملة من هذه الآراء، فهو عند سقراط Socrate)[3] يدل على المعرفة[4]، وعند أرسطو(Aristote)[5] يدل على» مجرد

(14)

ركام من الوثائق «[1]، وعند ابن خلدون[2] «فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال، وتنشد إليه الركائب والرحال وتسموا إلى معرفته السوقه والإغفال وتتنافس فيه الملوك والإقبال ويتساوى في فهمه العلماء والجهال، اذ هو في ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأولى، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال وتطرق بها الأندية إذا غصها الاحتفال، وتؤدي ألينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال، واتسع الدول فيها النطاق والمجال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال وحان منهم الزوال، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق «[3]، والتاريخ عند بيكُن Francis Bacon»[4])  يقوم على الذاكرة، إذ انه يتعارض

(15)

من جهة مع الشعر، وهذا موضوعه أيضا الفردي لكنه الانفرادي الوهمي، ويقابل من جهة ثانية مع الفلسفة، وهذه موضوعها عام وآلتها العقل»[1]، أما التاريخ عند فيكو(Vico)[2] «هو سجل لنشأة المجتمعات الانسانية وما تصطنعه من نظم، وهو عرض لنمو هذه المجتمعات وتطورها وحركتها شداً وجذباً ومداً وجزراً»[3]، أما التاريخ عند هيجل(Hegel)[4] «هو بصفة عادية تطور الروح في

(16)

الزمان كما أن الطبيعة هي تطور الفكرة في المكان»[1]، وان التاريخ لديه لا تحكمه الصدفة أو القدر بل العقل[2]، والتاريخ الإنساني في رؤية هيجل هو المنطقة التي تأتي فيها الحرية الى الوجود بوصفها حصيلة العلاقات العملية كلها، ومضمونها الانعتاقي موجود في بنى التاريخ الإنساني[3]، أما ازوالد اشبنجلر(Spengiler)[4] فقد ميز بين التاريخ والتأريخ أو كتابة التاريخ[5]، اذ هو يرى ان  «تاريخ بألف اللين استعملت للمعنى الأول، أي مسيرة حوادث الماضي البشري، وتاريخ بالهمزة للمعنى الثاني وهو عملية دراسة حوادث الماضي وتدوينها»[6] والتاريخ ليس الذاكرة فقط كما يرى كارل ياسبرز»Karl jaspers[7] التي تقوم بمهمة كشف الماضي فحسب

(17)

بل هو وسيلة معرفة الواقع الذي نعيشه، والأساس الذي يمكن من خلاله التخطيط للمستقبل[1].

يتبين مما سبق أن مفهوم التاريخ لم يكن له دلالة واحدة عند الفلاسفة، فهو عند سقراط  له دلالة عامة لم تحدد مجالات تطبيقها، وعند ارسطو يدل على ما تحتويه الذاكرة من ركام للوثائق، وعند ابن خلدون الذي رفع من شأن التاريخ وأوضح إن الاهتمام به لا يقتصر على فئة من الناس دون فئة أخرى، وإن للتاريخ ظاهراً وباطناً من الممكن أن نعبر عنها بقراءتين، قراءة سطحية للتاريخ، وهذه القراءة تعتمد على ظاهر التاريخ، وقراءة أخرى قراءة علمية دقيقة تعتمد على التعليل والنظر والتحقيق متجاوزةً الاكتفاء بقراءة الماضي فقط، أما بيكن فقد اشترك مع ارسطو بإرجاعه التاريخ إلى الذاكرة، أما عند فيكو فهو سجل لتطور المجتمعات كما هو عند هيجل سجل لتطور الروح، وعند ياسبرز لم يقتصر التاريخ على الماضي، وانما كان من اجل معرفة الحاضر للتخطيط للمستقبل، وهذه هي الاختلافات في معاني التاريخ عند الفلاسفة رغم اشتراكهم بعدة أمور منها: عَدّ الذاكرة مرجعية التاريخ لكن لم يقتصر هذا المعنى على معرفة الماضي وانما تجاوزه للحاضر والمستقبل.

إن التاريخ اليوم يطرح مشكلة الارتسام المستقبلي، وهي المشكلة التي يواجهها كل الحكام في كل بلد في سعيهم لحل المشكلات المتعلقة بتطوير اقتصاد البلد وتوزيع ثرواته، ومن

(18)

الممكن عن طريق معرفة الماضي ومعرفة القوانين الاقتصادية والوقائع النفسية والبشرية جميعاً أن تضفي على التخطيط المستقبلي قيمة موضوعية[1].

وبعد أن تبين مدى اهتمام الفلاسفة بتوضيح معنى التاريخ ننتقل لتوضيح معنى النهاية، إذ أن كلمة نهاية في الفلسفة استعملت في اغلب الأحيان مقرونة بكلمة غاية وكأن النهاية لا تكون إلا بتحقيق الغاية والوصول إليها[2]، ويبين أحد الباحثين أن معنى التاريخ مرتبط بمسار التاريخ ويشير الى ان هذه الفكرة عرفت لدى رجال الدين وخصوصا مع اليهود والمسيح الذين افترضوا وجود هدف يتحرك مسار التاريخ بأتجاهه والذي يمكن من خلاله أن تتحقق غاية التاريخ[3]، ويبين كذلك أن هذه الفكرة أي معرفة غاية التاريخ ومسيرته و تحقق نهاية التاريخ انتقلت إلى رواد فكر عصر الأنوار بوجهة النظر الغائية الدينية، غير أنهم لم يربطوا الرؤية الدينية بالهدف الذي يسعون الى توجيه التاريخ نحوه، وهكذا أمكن لهم أن يبعثوا الطابع العقلاني للمسار التاريخي نفسه، وأصبح التاريخ عبارة عن تقدم نحو هدف يتمثل بكمال وضعية الأنسان على الأرض[4].

ويظهر مما تقدم إن إشكالية مسار التاريخ وهدفه (نهاية التاريخ) لم تنشا من دراسة التاريخ، وإنما تسللت إلى التاريخ من

(19)

حقول معرفية أخرى كحقل الدراسات الدينية و الفلسفية، وحاولت أن تتخذ من التاريخ مجالاً للتطبيق والتوضيح.

ويرتبط بفكرة نهاية التاريخ مصطلح التاريخ العام (Universal History) الذي لم يستعمل أول مرة إلا من قبل رجال الدين المسيح، اذ استند تفسيرهم للتاريخ على فكرة التاريخ العالمي أو الشمولي الذي يخص البشرية باجتماعها في مفهومه[1]، وما يقصد بالتاريخ العام أو الشمولي «هو مجموع الأحوال التي عرضها الكون حتى هذه اللحظة»[2]، وان هدف التاريخ الشمولي هو بلورة المعطى التاريخي وإعادة تعقله، وهو راجع الى روح الباحث ومنطلقاته ومبادئه التي تحدد طريقة تناوله للأَحداث والغايات التي يرسمها للظواهر التاريخية[3]. ومن ثم فإن فكرة نهاية التاريخ تعني معرفة مسار التاريخ، و وضع غاية له، وان أصل هذه الفكرة جاءت من الأديان السماوية، ومن ثم انتقلت الى الفكر الفلسفي الحديث مع اختلاف الرؤيتين الدينية والفلسفية لفكرة نهاية التاريخ  التي ترتبط بفكرة التاريخ الشمولي.

 

 

 

 

(20)

 

 

 

 

 

القسم الأول

نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني

(اليهودي، المسيحي، الاسلامي)

(21)

تُعد فكرة نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني جزءاً من المنظومة الفكرية الدينية للتاريخ التي كانت تعتمد بشكل أساس على تعاليم الكتب السماوية، ومن مميزات هذه المنظومة «أن العقائد السماوية تجمع على أن الله تعالى قد خلق الكون من العدم، وخلق الإنسان ليؤدي مهمته في إعمار الأرض، ثم ليرجع الإنسان بعد موته فيُبعث ويقف بين يدي الله ليحاسبه على أعماله، وتلك كلها تشمل (مسيرة تاريخية) بدايتها الخلق ونهايتها البعث والحساب، ورحلة الإنسان بين تلك البداية وهذه النهاية تجسد مسيرة التاريخ البشري العام، ومن ثم يغدو يوم القيامة هو غاية التاريخ ونهايته، على أن هذه الرحلة قد حظيت على الدوام ومنذ بداية الخلق برعاية الله وعنايته وتوجيهه للإنسان لما فيه خير للمسيرة التاريخية البشرية، وتجلت تلك العناية بتتابع الرسل والأنبياء الذين يبعثهم الله تعالى ليرشدوا الناس إلى الطريق القويم الذي يريد لهم الخالق إتباعه»[1].

 إن هذه الرؤية الدينية أكدت على أن العناية الإلهية محيطة بمسيرة التاريخ الإنساني، ومن ثم فإنها سوف توفر رؤية لبني البشر للخلاص من المحن التي تمر بها البشرية، وذلك في نهاية التاريخ، ولمعرفة تفاصيل الرؤى الدينية الفلسفية لفكرة نهاية التاريخ سنبين مواقف الفكر الفلسفي الديني الممثل للديانات السماوية الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام)، ولكن قبل البدء علينا التعرف على الدلالة الفلسفية لنهاية التاريخ.

(22)

أولاً: نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني اليهودي

 يذكر احد الباحثين إن مسيرة التاريخ في التوراة[1] تبدو حتمية ليس للإنسان أية سلطة فيها كما ان اليهودية أخضعت سلوك الفرد الى أسس يتعامل بها مع مفردات الزمن[2]، وفيما يتعلق ببداية التاريخ البشري من منظور هذه الديانة، فأنه يرجع الى الله (سبحانه وتعالى) فهو الذي خلق الأرض والكائنات والإنسان، كما ارتبط التاريخ لدى اليهود بفكرة «الخطيئة» واحتوائه على الشر وهذه الفكرة يظهر من خلالها أن للإنسان مطلق الحرية في أن يطيع الله أو يعصيه وأن معصية الأنسان لله هو جوهر البشر واصله، ورغم الخطيئة فأن الله (سبحانه وتعالى) لم يباعد بينه وبين البشر إذ ذهبوا الى أن الله ظل دائماً يشمل بعنايته البشر على مسيرة التاريخ، ومع ذلك لم يحصل لدى اليهود أي اقتناع بوجود تقدم متواصل في التاريخ، فهناك أوقات للرخاء وأوقات للشدائد، وثم إن فكرة نهاية التاريخ والخلاص الأبدي اتسمت لدى اليهود بنوع من الغموض[3].

(23)

ارتبطت فكرة نهاية التاريخ لدى اليهود بفكرة المسيح المخلص[1] التي اتخذوا منها تجديداً للعهد الذي قطعه الله مع أنبيائه إبراهيم ويعقوب وموسى(عليهم السلام) بأن يجعل من بني إسرائيل شعبه المختار، ويمنحهم القدرة لحكم بقاع الأرض كلها، وإذا كان هذا العهد لم يتحقق حسب رؤيتهم، فأنه نتيجة لمعاصيهم وذنوبهم التي ارتكبوها ولكن لابد أن يأتي اليوم الذي يجيء فيه المسيح المخلص ويجمع شتات بني إسرائيل في القدس التي ستغدو في حينها مدينة لا مثيل لها بين المدن [2].

وفي الفكر الفلسفي الديني اليهودي نجد أن فيلون(velon)[3] جعل الغاية من الفلسفة هي أن تكون مؤدية الى الخلاص «والخلاص هنا يجب أن يفهم بالمعنى الديني، اعني تخليص المتناهي من حالة التناهي الى الوصول الى حالة اللاتناهي، وهو ما يعبر عنه في المسيحية فيما بعد بفكرة الخلاص من الخطيئة»[4]، ولتحقيق ذلك

(24)

على الإنسان أن يتخلص من الحال التي هو عليها بأن يفنى بنفسه في الله حسب رأي فيلون فلا يمكنه أن يجد الخلاص إلا بالفناء[1] في حضن الألوهية[2].

     يتضح مما سبق أن فيلون مزج بين الدين والفلسفة وهو لا يفصل بينهما فرغم أخذه عن حكماء اليونان واعترافه بعبقريتهم وإبداعهم إلا انه يبدأ بنصوص التوراة ويأولها على ضوء الفلسفة[3]، ولهذا قيل أن فيلون هو المسؤول الأول عن خلط الفلسفة اليونانية بالوحي والإلهام الشرقيين[4]، وكذلك يعرف عن فلسفة فيلون وبالخصوص فكرة الخلاص انها قد انعكست على فكرة نهاية التاريخ اذ انه «استبعد من اليهودية كل طموح سياسي ونقل تصور اليهود من خيرات دنيوية ومستقبل سعيد لشعب إسرائيل إلى وعود بخيرات روحية للنفس الصالحة، وبسيادة الشريعة في العالم، وحتى مسألة التئام شمل اليهود في بلد واحد بعد توبتهم، فأنه يؤلها الى اجتماع الفضائل في النفس وتناسقها بعد ما تحدثه الرذيلة من تشتت»[5].

(25)

ويمكن أن نستنتج مما سبق أن فكرة نهاية التاريخ مع الفكر الفلسفي اليهودي بقيت ضمن دائرة الفكر الديني والشعبي، ولم تتبلور لديهم رؤية فلسفية دينية عن نهاية التاريخ عن طريق كتابة تاريخ شمولي يبينون فيه مسيرة التاريخ وغايته.

ثانياً- نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني المسيحي

لقد ارتبطت فكرة نهاية التاريخ في الديانة المسيحية بفكرة عودة المسيح مرة ثانية الى العالم جالباً معهُ يوم الحساب، وافتتاح مملكة السماء المتسمة بالبركات والكمال، كما ان فكرة نهاية التاريخ في الديانة المسيحية قد تحدد وقتها وزمانها ضمن تعاليم المسيح بالله سبحانه وتعالى كما تبين ذلك من خلال (إنجيل مرقس الإصحاح 13-آية 32-33) «وإما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب»[1]، ويرجع طرح هذه الفكرة الى زمن السيد المسيح(ع) عندما كان الناس يتساءلون عن موعد نهاية التاريخ ومجيء ملكوت الله الى الأرض، ويشير إنجيل متى إلى أن تلاميذ المسيح (ع) قد وجهوا إليه هذا السؤال وهو جالس على جبل الزيتون فقالوا: « قل لنا متى يكون هذا، وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟ فأجابهم إجابة عامة مبهمة عن بعض الظواهر والعلامات التي تسبق ذلك اليوم ثم قال لهم «وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماء، إلا أبي وحده»[2].

(26)

أما في الفكر الفلسفي الديني المسيحي فأن رائد فكرة نهاية التاريخ هو القديس سان أوغسطين   Saint Augustin [1] الذي تصور التاريخ الإنساني كله عبارة عن مدة من الزمان تتحقق فيها خطة الله في خلاص الأنسان منذ أن وقع آدم في الخطيئة[2]، فقد كانت الظروف بحاجة الى طرح نظرية تدافع عن المسيحية، اذ كانت الإمبراطورية الرومانية على وشك السقوط، وكانت الفكرة الشائعة أن انحلال الدولة راجع الى انتشار المسيحية بوصفها بديلاً دينياً أضعف ديانة الدولة والهة الرومان، فتصدى أوغسطين للدفاع عن المسيحية بوصفها مثل اعلى للدولة أو مدينة الله على الأرض[3]، وتعد محاولة اوغسطين أول محاولة لكتابة التاريخ الشمولي[4]، و قد ترجمت محاولته بكتابه (مدينة الله)[5] الذي هو دراسة لجميع مظاهر الحياة الروحية والسياسية والعلمية والفنية على امتداد التاريخ اذ حاول من خلالها الخروج برؤية شمولية للتاريخ[6]، ونظرة اوغسطين قائمة على أن العالم منذ أن خلقة الله

(27)

وهو في صراع بين نوعين من الحب: حب الإنسان لله وحب الإنسان لنفسه، لهذا انقسمت المدينة مدينتين: مدينة أرضية ومدينة سماوية، وقد قسم التاريخ في دراسته الى تاريخ دنيوي وتاريخ مقدس متمثلاً بالإمبراطوريتين البابلية والرومانية نموذجاً للمدينة الدنيوية، والقدس نموذجا  للمدينة السماوية[1]، وهاتان المدينتان ليست إحداهما خيرة بالطبع والأخرى شريرة بالطبع وإنما ينتمي كل شخص الى إحدى المدينتين بمحض إرادته وبينهما منذ البداية حرب هائلة تمتد الى نهاية العالم حتى يفصل بينهما المسيح في آخر الزمان، فتنعم الواحدة بالسعادة الأبدية وتجاهد في سبيل العدالة، وتعمل الأخرى على نصرة الظلم[2]، ومن الدراسات المسيحية الأخرى حول فكرة نهاية التاريخ دراسة جاك بوسوية (Jacques Bossuet)[3] التي يذهب فيها الى أن الحادث الحاسم النهائي في التاريخ هو ظهور الله تعالى في التاريخ (متجسداً في يسوع المسيح) ليمنح به جميع المؤمنين الخلاص من خطيئة آدم وليمهد السبيل لقيام ملكوته في الأرض آخر الزمان[4].

(28)

ويبدو أن الديانة المسيحية اتفقت مع الديانة اليهودية في قولها او في اعتناقها فكرة نهاية التاريخ لكنها امتازت بوضوح الفكرة أكثر من سابقتها، وهذا لم يقتصر على الديانة المسيحية بل تعداه الى الفكر الفلسفي الديني المسيحي متمثلاً بأوغسطين الذي يعد رائد هذه الفكرة لما قدمه في كتابه مدينة الله منطلقاً من ثنائية المانوية[1] مدافعاً عن الديانة المسيحية التي تمثلها في ذلك الحين الدولة الرومانية مستثمراً فكرة الخلاص من الخطيئة الموجودة في الديانة المسيحية، وهي بهذا تشترك أيضا مع الديانة اليهودية في قولها بفكرة الخلاص.

ثالثاً: نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الديني الإسلامي

«لقد جاء الإسلام برسالة سماوية متكاملة من المعتقدات التي توضح طبيعة تلك الرسالة وضرورة الإيمان بها، وتشرح معنى وجود الإنسان على الأرض والمهام والأعمال التي يتوجب عليه تأديتها في الحياة الدنيا ليشكل الإيمان بمعتقدات الإسلام ومبادئه والالتزام بها وإتباعها في الحياة، وتأدية التكاليف التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، ليشكل هذا كله تصوراً لمسيرة البشرية، وبالتالي تقديم تفسير إسلامي للتاريخ مبيناً مفاصله وصولاً إلى نهايته، تفسيراً لا يتعلق بأحداث الماضي فحسب، بل هو تفسير يُمكن الإنسان المسلم من التعرف على حاضره ويمنحه القدرة على تقويمه بسبل

(29)

شتى من بينها التماس العبر من الماضي،.... كما يقترح التفسير الإسلامي للتاريخ في مرحلة تالية تسبق القراءة الواعية للحاضر نوافذ كثيرة تشرق من خلالها الملامح العامة للمستقبل»[1].

إن المنطلق الجوهري للتاريخ حسب الرؤية الإسلامية هو الله فهو خالق التاريخ والحاضر فيه دائماً وهو الذي يحدد نهاية التاريخ، وتعد إرادته محور الزمن، ولقد أشارت بعض آيات القران الكريم الى التاريخ بوصفه ماضياً وحاضراً لكي تحدد رؤيتها الى المستقبل في تنبؤات تاريخية يحيطها علم الله[2]، ثم إن التحول من التاريخ المؤقت[3] إلى التاريخ الأبدي[4] المسؤول عنه هو الله (سبحانه وتعالى) إلا أن القرآن الكريم لم يشر الى الوقت المحدد او الساعة لهذا الفعل الإلهي بل أشار إلى أسماء وصفات وعلامات لاقتراب هذا الوقت (إن الساعَةَ لآتيةٌ لا رَيْبَ فِيها ولكِنَّ أَكَثَرَ الناسِ لا يؤمنون) (سورة غافر: الآية:59)، (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً)  (سورة الاحزاب:الآية: 63)، من خلال الآيتين الكريمتين في القرآن الكريم يتبين ان محصلة الفعل البشري في التاريخ المؤقت يُقَرر شأنها في نهاية الزمان[5].

(30)

وفي الفكر الفلسفي الإسلامي هناك من عُني بفكرة نهاية التاريخ اذ وردت في ثنايا كتاباتهم ما يشير إلى ذلك مثل أخوان الصفا[1]حسب ما يشير اليه احد الباحثين اذ يقول «ذلك انه لا بد انه سيظهر في آخر الزمان سيد أخوان الصفا المحيط بعلوم من تقدمه من الرؤساء الستة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، وبظهوره يكون ظهور السعادات كلها وهو تمام العالم وعود الخلق الى أوله، ورجوع الحق الى أهله ذلك هو المهدي المنتظر الذي سيظهر كالشمس يبعث في العالم روح الحياة وقد حان قيام مملكة الله وظهور المهدي المنتظر اذ ينبئ بذلك انه قد حان القران الأعظم حين يقترن زحل والمشتري وهو القران الموجب للأشياء العظام كبعث الرسل»[2].

ان هذا الكلام يقترب من رؤية الشيعة الإمامية[3] التي تمثلت بالإمام المهدي المنتظر وهي تقترب من رؤية الديانة اليهودية

(31)

والمسيحية حول ظهور المخلص في آخر الزمان مع اختلاف الشخصيات والمُلاحظ أن هذه الديانات الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلامية) اشتركت بعقيدة المخلص وارتباطها بفكرة الخلاص المرتبطة بنهاية التاريخ.

(32)

 

 

 

 

 

القسم الثاني

نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر

(33)

لم تعُد الفلسفة في العصر الحديث تبرر الرؤية الدينية وغايتها كما كانت عليه في العصر الوسيط بل أصبحت لها رؤيتها الخاصة للعالم بعيداً عن سلطة الكنيسة، وأفكارها مستقلة عنها لكن هذا لا يعني انها انفصلت عنه تماماً، وانما قامت باستعارة بعض الأفكار الدينية، إلا أنها جعلت غايات هذه الأفكار مختلفة عن غايات الرؤية الدينية، ومن هذه الأفكار فكرة نهاية التاريخ، ولهذا سنحاول في هذا القسم معرفة الحيثيات التي اعتمدها بعض الفلاسفة في توظيف هذه الفكرة لغايات ربما تكون من نتائج منهجهم، وربما لخدمة أنظمة سياسية أو اقتصادية هم يؤمنون بصحتها.

أولاً / نهاية التاريخ عند كانط (Emmanuel Kant)[1]

لقد حاول ايمانوئيل كانط في دراسته « نظرة في التاريخ العام بالمعنى العالمي «[2]التفكير في التاريخ الشمولي للإنسانية، الذي يرى من خلاله وجود حركة منتظمة في التاريخ الإنساني تتحرك نحو

(34)

غاية تسعى من خلالها تحقيق الحرية الإنسانية، فهو يرى اننا اذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ كل المجتمعات والعصور والحضارات فإنّ هناك عقلاً كونياً يتطلع باستمرار نحو تقدم الإنسان، وتحقيق الحكومة العالمية التي تتحقق من خلالها الحرية والعدالة بموجب السلطة العليا للقانون الذي يمثله الدستور[1].

ويذكر كانط ان غاية النوع الإنساني هي الوصول الى مجتمع مدني يحكمه قانون عام اذ يقول «المشكلة الكبرى للنوع الإنساني والتي أرغمته الطبيعة على أن يجد لها حلاً هي الوصول الى تكوين مجتمع مدني يحكمه قانون عام»[2]، لقد طالب كانط بوضع دستور عالمي يضمن السلام بين الأمم وبإنشاء فيدرالية ذات حكومة مركزية تجمع بين الدول الحرة لتحقيق السلام العالمي وتطبيق القانون الدولي وهذا ما أكده في مشروعه «حول السلام الدائم»[3]، ويشير كانط في مقاله السابق (نظره في التاريخ العام بالمعنى العالمي) الى ضرورة الدستور وفي هذا يقول « فلا بد إذن من أن يكون ثمة مجتمع ترتبط فيه الحرية، في نطاق  القوانين الخارجية إلى أعلى درجة ممكنة بقوة لا تقهر، اعني دستوراً كاملاً عاجلاً للمواطنين، فهذا هو أعلى واجب على الطبيعة نحو بني الإنسان لأن الطبيعة لا

(35)

تستطيع أن تحقق ذلك المجتمع»[1]، ولن يتحقق القانون الدولي إلا بالتدرج عبر اكتمال الوعي بالحرية التي سيصبح من خلالها كل خرق للقانون في مكان ما من العالم محل تنديد في مناطق العالم بأسم الجماعة الدولية و المجتمع العالمي الحر ليتحقق بذلك ما يشكل المحطة النهائية للوعي التاريخي بالحرية [2].

يتبين مما سبق انه بالرغم من صغر حجم البحث الذي قدمه كانط في مشروعه «نظرة في التاريخ العام بالمعنى العالمي» إلا انه كبير بمحتواه لما حمله من تصور للتاريخ العام الذي يبين من خلاله مسار التاريخ وغايته التي يريد تحقيقها عبر إقامة مجتمع مدني يحكمه قانون عام، وبتحقق هذا المجتمع يكون التاريخ قد حقق غايته، ومن ثمَّ نهايته مع المجتمع المدني، هذه الرؤية تعبر عن بداية للتحول في النظرة الى نهاية التاريخ من دائرة الفكر الديني الفلسفي الى دائرة الفكر الفلسفي، فبعدما كانت الرؤية الدينية هي المعين للخلاص مما عليه البشر أصبحت الرؤية الفلسفية الكانطية هي الحل عبر إقامة المجتمع المدني حسب رؤية كانط.

ثانياً/ نهاية التاريخ عند هيجل

يؤمن هيجل بأن التاريخ العام (الشمولي) ميدان لفاعلية الروح، والتي تعبر عن تاريخ الإنسان، وان الدراسة الفلسفية للتاريخ تعني دراسة التاريخ من خلال الفكر من منطلق ربط الفكر بالواقع حسب

(36)

رؤيته لما بين الفكر والواقع من صلة[1]، اذ «أن الهدف الرئيسي لفلسفة هيجل هو تحقيق الوحدة بين الفكر والواقع، وبين الشكل والمضمون على نحو يضمن الجمع بين هذه الإطراف، وتجاوزها في مركب أعلى، ففلسفة هيجل كانت في نظره مركباً يضم كل ما سبقها، لا في ميدان الفلسفة فحسب بل في كل ميادين نشاط الروح الانسانية»[2]، ويبين لنا هيجل ان عنصر الصراع هو المحرك الرئيس للتاريخ مستنداً في ذلك على الوظيفة الأساسية التي يقوم بها الوعي في هذا الصراع، وسعيه في نهاية المطاف إلى استشراف الغاية النهائية التي تتجه إليها مسيرة التاريخ وتسعى إلى تحقيقها[3]، وهو يعتقد ان مسار الروح في التاريخ تفرضها ظروف الطبيعة أو طبيعة العقل الإنساني أو كلاهما معاً، ولا بد من أنْ ينتهي هذا المسار إلى تحقيق الروح لأهدافها في الوصول إلى الكمال[4]، ويوضح هيجل ان التاريخ الشمولي يبين تقدم الشعور بالحرية من جانب الروح وتحقيقها نتيجة لذلك، وكان لهذا التقدم مراحل، فالفكرة تتخذ صوراً متوالية كل صورة منها تسمو على الصورة السالفة، وإن لكل امة عبقريتها القومية التي تبرز من خلال مظاهر وعيها وإن ديانتها وآدابها ونظمها السياسية وقوانينها الأخلاقية وبراعتها الآلية تحمل

(37)

طابع هذه العبقرية، وان الشيء الجوهري في التاريخ هو الشعور بالحرية[1]، وتاريخ العالم لديه يعرض التدرج في تطور المبدأ الذي يكون مضمونه الجوهري هو الوعي بالحرية[2]، و فكرة الحرية عند هيجل هي هدف مطلق ونهائي[3]، حتى إن هيجل سوف يكتب في نهاية حياته إن غاية العالم هو أن تعي حرية الروح اذ يعبر عن ذلك بقوله  «إن الهدف النهائي للعالم هو وعي حرية الروح ولكن احد لم يعرف او لم يعان بالأحرى كما نعرف ونعاني في عصرنا اللا تعين الذي تتسم به هذه الحرية»[4].

    وبناءً على ما تقدم يتضح جلياً أنّ نصوص هيجل عن التاريخ العام ومساره جاءت مرتبطة بفكره ومبين أن التاريخ ينتهي بوعي حرية الروح، لكن بالرغم من هذا فإنَّ القراءات كثيرة من قبل الباحثين لفكرة نهاية التاريخ عند هيجل فنجد احدهم مثلا يقول» ان نصوص هيجل عن مسألة نهاية التاريخ غامضة بصورة ملحوظة»[5]، وهناك من ذكر ان هيجل توقع لنابليون ان يؤسس دولة كونية تشير الى نهاية التاريخ[6]، وانه يعد عند بعض الباحثين الرائد الفعلي لفكرة

(38)

نهاية التاريخ[1]، فقد كانت إمبراطورية نابليون في نظر هيجل تحقيق العقل على الأرض حتى عندما سيكون نابليون قد سقط فإن هيجل سيعد النظام الذي أقامه إكمالاً لعمل الثورة الفرنسية وإنه سينتصر حتماً في كل دولة حديثة[2].

    ويمكن ان نجري مقاربة بين الرؤيتين التي أحداهما تقول ان هيجل تصور أن التاريخ سينتهي بوعي حرية الروح و الأخرى التي تقول بأن التاريخ سينتهي مع تأسيس نابليون لدولةً كونيةً، ذلك بأن هيجل قد ذكر ان وعي الحرية وصل الى نهايته وهذا الوعي قد تحقق مع نابليون لأنه الحاضر فما عملهُ هيجل عبارة عن عقلنة الحاضر الذي كان يعيشهُ وليس عقلنة المستقبل وهذا ما نلاحظه في النص الآتي اذ يقول هيجل «لان اهتمامنا لا بد ان ينصب بالنسبة للتاريخ على ما حدث في الماضي وربما يحدث في الحاضر إما بالنسبة للفلسفة فأن ما يشغلها ليس هو الماضي ولا المستقبل ان شئنا الدقة وأنما هو الحاضر، اعني ما هو موجود ومالهُ وجود ابدي وهو العقل»[3].

ثالثاً: نهاية التاريخ عند كارل ماركس(Karl Marx)[4]

استثمر ماركس الجدل الهيجلي بعد أن أفرغه من الجانب الروحي فضلاً عن استثماره الفكر التنويري والتطوري الداروني

(39)

واتخذ منهجاً اساسياً لتفسير التاريخ تفسيراً مادياً اشترك فيه مع انجلز(Enjels)[1]، وكونا (المادية التاريخية)[2] التي لخصا من خلالها المراحل الخمس للتاريخ والتي هي (المشاعية البدائية[3]، الرق والإقطاع[4]، الرأسمالية[5]، الاشتراكية[6]، الشيوعية[7]»[8]، اذ رأى

(40)

ماركس ان ثورة البروليتارية(Bourletarea)[1] الناتجة من تناقضات النظام الرأسمالي حتمية، وان القضاء على هذا النظام حتمي أيضا، وان ثورة البروليتاريا التي تطور نفسها الى طبقة حاكمة تهدم بالعنف والشدة علاقات الإنتاج القديمة ثم انها ستهدم كل رابطة من الأفكار والآراء التقليدية بما فيها الدين والأخلاق التي نظر إليها على انها مفاهيم برجوازية[2]، وظيفتها القضاء  ـ خلال هذه المرحلة الانتقالية- على تناقضات المجتمع، وذلك عن طريق برنامج العمل الموضح وفتح الطريق الى المرحلة النهائية المنشودة، وهي الشيوعية حيث تختفي الطبقات بما فيها البروليتاريا، ومن ثم يختفي الصراع، ولا توجد هناك حاجة لحكومة كأداة للاستقلال، ومن ثم تتلاشى أو تزول الدولة وتصبح هناك إدارة للأشياء ويصبح كل الإنتاج متمركزاً في أيدي جمعية واحدة تشمل الأمة بأسرها [3]، وفي كيفية الوصول الى الشيوعية التي يكون معها نهاية التاريخ أوضح ماركس إنَّ مرحلة جديدة تبدأ بعد أن يوضع الإنتاج على أساس اشتراكي، ويختفي استغلال الإنسان للإنسان، إذ سيتم الانتقال الى المجتمع الشيوعي، وهو يرى أنّ الاشتراكية ليست إلا مرحلة أولى من مراحل المجتمع الشيوعي، وهي مرحلة قصيرة نسبياً للانتقال من مجتمع قائم على

(41)

استغلال طبقة لطبقة أخرى إلى مجتمع لا طبقي كامل التطور[1].

وبعد أن وصل التاريخ الى غايته مع الوعي الكامل بالحرية عن طريق إقامة الدولة الكونية لنابليون مع هيجل يصل التاريخ الى غايته عند ماركس مع الشيوعية لكن مع هيجل قد تحققت غاية التاريخ أما مع ماركس فيعمل عل تحقيقها.

رابعاً / نهاية التاريخ عند كوجيف(Alexander Kojeve)[2]

    تأتي أهمية كوجيف وما قدمه من رؤية حول نهاية التاريخ ليس مما قام به من تفسير للتاريخ، فهو لا يمكن مقارنته مع كانط أو هيجل أو كارل ماركس، وإنما مما قدمه من قراءة لفكرة نهاية التاريخ عند هيجل، وما ترتب على هذه الرؤية من توظيف لها في أطروحة فوكوياما.

لقد أعلن كوجيف ان الحضارة الغربية والمؤسسات الديمقراطية انتصرت على بدائلها، ولم يعد ممكننا أن تقوم ثورة ماركسية من اجل تحقيق العدالة للمسحوقين، وعلى المجتمع الصناعي ان

(42)

يجذب الناس نحو وفرة متزايدة وحالة من الحرية والمساواة بينهم، وان كل واحد من هؤلاء الأفراد حسب وصف كوجيف قد أصبح بالفعل إنسان نيتشه(Nietzche)[1] الأخير اذ أصبح كئيبا وضعيفا ولا أمل لدية فقد اخضع شخصيته وحيويته لذاته الاجتماعية متخليا عن قدرته على الحب والكره والخلق والتدمير، وتنبأ كوجيف بأن العالم كله في نهاية التاريخ سيصبح أمريكا[2].

    إن التاريخ في نظر كوجيف هو حركة الارتقاء الإنساني الذي يبدأ بالصراع وينتهي بالاعتراف، ففي نهاية التاريخ يعترف كل إنسان بأخيه الإنسان بلا تحفظ ولا يرجعون إلى الصراع، ولأن الإنسان قد انتصر على الطبيعة فأن حالة الاعتراف المتبادل والمتساوي  ستقترن حياته بالراحة والازدهار فلا يقوم الناس إلا بأقل ما يمكن من الأعمال[3]، ويصف التاريخ لديه على أنه قصة بحث الإنسان عن الإشباع على جميع الأصعدة: فعلى الصعيد الاقتصادي ينتهي التاريخ عند الرأسمالية التي تسهل انتصار الإنسان على الطبيعة، وتأذن بمقدم عالم من الرخاء الكوني، وعلى الصعيد السياسي سينتهي التاريخ لدى قيام دولة كونية متجانسة وهي كونية بمعنى أنها تشمل الكرة الأرضية كلها، ومتجانسة بمعنى أنها مجتمع بلا

(43)

طبقات لاسادة فيها ولا عبيداً، ودولة لا تحدد فيها البنى الطبيعية حظوظ الإنسان في الحياة، أما على الصعيد السياسي فإن الحروب الكبرى القائمة على تصارع الرؤى أو الأهداف ستزول ويحل محلها الاتفاق والانسجام والتجانس في مجتمع كوني يقوم بتوحيد  البشر جميعاً، وهذا لا يعني ان الدولة ستزول بل على العكس، فهناك ضرورة لوجود دولة قوية كي تتحقق هذه الأهداف، ويزعم كوجيف ان الدولة الكونية ستكون بحاجة إلى طاغية كوني وعلى الصعيد الفلسفي ينتهي التاريخ بالمعرفة المطلقة[1]. أما فيما يتعلق بالمعارف في نهاية التاريخ، فإن كوجيف يتصور ان الفلسفة ستكون من حب الحكمة إلى الحكمة نفسها، ويحل الحكيم محل الفيلسوف، وعلى الصعيد الفني ينتهي التاريخ بالفن التجريدي اذ كان الفن التصويري لدى الأجيال السابقة يميل إلى تصوير مشاهد ثقافية معينة ويعكس الاختلافات الثقافية، ومع مقدم الدولة الكونية المتجانسة تصبح هذه الفروق شيئاً من الماضي لذلك يكون الفن التجريدي مناسباً لشروط الحياة في نهاية التاريخ، وعلى الصعيد النفسي ينتهي التاريخ عندما يقبل الإنسان فناءه ويعيش بأصالة في وجه الموت ويجب ان ينتهي التاريخ بالإلحاد[2].

(44)

 

 

 

 

القسم الثالث

نهاية التاريخ عند فرنسيس فوكوياما

Fukuyama) Francis)

(45)

أولاً: فرنسيس فوكوياما - سيرته

ولد فوكوياما في 27 أكتوبر 1952، حصل فوكوياما على درجة البكالوريوس في الدراسات الكلاسيكية من جامعة كوريل، وعلى الدكتوراه من جامعة هارفارد في العلوم السياسية، وكان عضواً في مؤسسة راند في الفترة 1979 – 1980 ثم مرة أخرى 1983-1989 ومن 1995-1996 [1].

وفي المدة الزمنية الواقعة بين 1981-1989 كان عضواً في لجنة السياسات والتخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية، اذ بدأ عضواً عادياً متخصص في قضايا الشرق الأوسط، ثم نائباً لمدير الشؤون الأوربية للشؤون السياسية والعسكرية، وفي عامي 1981-1982 كان عضواً في الوفد الأمريكي في محادثات جرت بين مصر وإسرائيل، وفي المدة مابين 1996-2000 كان عضواً في الوفد الأمريكي الذي اجرى محادثات بشأن القضية الفلسطينية، وفوكوياما كان عضواً في المجلس التابع لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية للأخلاقيات البايلوجية ما بين 2001-2005، حصل فوكوياما على شهادة الدكتوراه الفخرية من كلية كونكتيكت Daane  وجامعة Doshisha  في اليابان، وهو عضو في مجلس أمناء راند، [2].

ولعل ابرز ما يميز سيرة فوكوياما انتمائه السابق الى

(46)

تيار المحافظين الجدد[1] لوقت طويل فضلاً عن مؤلفاته المهمة التي سنأتي على الحديث عنها في مكان لاحق من هذه الصفحات، وأفضل مصدر وجدناه عن علاقة فوكوياما بالتيار السابق الذكر هو حديثه عن هذا الأمر في مقدمة كتابه (أمريكا على مفترق طرق)[2] يقول فيه «كنت قد اعتبرت نفسي محافظاً جديداً لوقت طويل واعتقدت أنني شاركت في رؤية مشتركة للعالم مع العديدين من المحافظين الجدد الآخرين ومن جملتهم أصدقاء ومعارف خدموا في أدارة جورج دبليو بوش وعملت للنائب السابق لوزير الدفاع بول دي ولفووتز

(47)

(Bal dewolfets)[1] في مناسبتين، الأولى في الوكالة الامريكية لضبط الأسلحة ونزع التسليح ولاحقاً في وزارة الخارجية وقد كان هو مسؤولاً عن توظيفي للالتحاق في مدرسة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في الوقت الذي كان فيه عميداً هناك وكنت تلميذا من تلاميذ ألن بلوم (Allan bloom)[2]، وهو نفسه كان تلميذاً من تلاميذ ليو شتراوس[3]» [4].

وربما كانت نقطة تحول فوكوياما عن المحافظين الجدد هي الحرب على العراق وهو في ذلك يقول «وخلافاً لآخرين عديدين

(48)

من المحافظين الجدد لم أكن قط مقتنعاً بالأساس المنطقي لحرب العراق وبدأت صقري الموقف نوعاً ما بشأن العراق، وفي عام 1998 وقعت رسالة رعاها المشروع من اجل قرن أمريكي جديد تحث إدارة كلينتون على ان تتخذ خطاً اصلب ضد بغداد بعد ان أعاق صدام حسين مفتشي الأمم المتحدة عن الأسلحة، ومع ذلك لم يكن الغزو الأمريكي للعراق آنذاك مطروحاً على وجه اليقين ولن يكون محتملاً حتى جاءت حوادث 11/أيلول سبتمبر 2001 وطلب مني في السنة السابقة مباشرة للغزو، ان هذه النقطة قررت أخيراً ان الحرب كانت بلا معنى »[1].

ويذكر فوكوياما انه في آخر المطاف وجد ان تيار المحافظين الجدد بوصفه نظاماً سياسياً وفكرياً معاً قد تطور إلى شئ لا يستطيع ان يسانده[2].

ثانياً: نهاية التاريخ عند فرنسيس فوكوياما

لقد طرح فوكوياما فكرته هذه في بادئ الأمر في مجلةThe National Interest  خلال صيف 1989 في مقال تحت عنوان (نهاية التاريخ) تضمن هذا المقال رؤية فوكوياما التي عبر عنها بذكره الى انهُ قد ظهر توافق مدهش في السنوات الأخيرة يتعلق بالديمقراطية الليبرالية كنظام حكم، لانهيار الإيديولوجيات المنافسة ـ كالنظام الملكي الوراثي والفاشية وأخيرا الشيوعية ـ لقد أشرت فضلاً عن

(49)

ذلك الى ان الديمقراطية الليبرالية بإمكانها أن تشكل فعلاً (منتهى التطور الإيديولوجي للإنسانية)، والشكل النهائي لأي فكر أنساني أي أنها من هذه الزاوية نهاية التاريخ[1].

من خلال ما سبق تتضح رؤية فوكوياما حول مفهوم نهاية التاريخ فهو يرى ان الديمقراطية الليبرالية هي النقطة النهائية لتطور الايدولوجيا البشرية، وان التناقضات والعيوب الموجودة في أشكال الحكم القديمة التي تتميز بأخطاء لا يقبلها العقل غير موجودة في النظام الديمقراطي الليبرالي، ويفسر ذلك فوكوياما بقوله «لا يعود ذلك لكون الديمقراطيات الثابتة اليوم كمثل فرنسا والولايات المتحدة وسويسرا، لم تعرف لا المظالم والمشاكل الاجتماعية الخطيرة، ولكن لأن هذه المشاكل كانت تنجم عن التطبيق غير الكامل لمبدأي الحرية والمساواة اللذين هما الركيزتان لأية ديمقراطية حديثة، وليس من هذين المبدأين بالذات قد تفشل بعض البلدان الحديثة في إقامة الديمقراطية الليبرالية، وقد يقع بعضها في أشكال بدائية للحكم مثل البيروقراطية أو الدكتاتورية العسكرية، فالمثال الأعلى للديمقراطية الليبرالية لا يمكن تحسينه على صعيد المبادئ»[2].

ويشير فوكوياما إلى ان الأحداث الكبيرة والصغيرة في التاريخ لن تتوقف بل ان ما توقف هو تطور الفكر الإيديولوجي فيما يختص

(50)

بتفاعلاتهِ مع التاريخ والتغير[1]، وان التاريخ لديه يأخذ بالحسبان تجربة جميع الشعوب[2]، حاول فوكوياما تبرير أطروحته بالتقارب الموجود بين أطروحته ورؤية الفيلسوفين هيجل وماركس، وذلك ما يشير اليه بقوله «كان هيجل وماركس أيضا يعتقدان ان تطور المجتمعات البشرية ليس بلا نهاية، ولكنه يكتمل عندما تجد البشرية الشكل الاجتماعي الذي يشبع حاجاتها الأكثر عمقاً والأكثر أساسية وهكذا يكون المفكران قد وضعا نهاية التاريخ، فبالنسبة لهيجل تتجلى تلك النهاية في الدولة الليبرالية أما بالنسبة لماركس ففي المجتمع الشيوعي»[3]، واستمراراً منه في توضيح نهاية التاريخ لديه فأنه يقول في ذلك «لا يعني ان الدورة الطبيعية الولادة والحياة والموت سوف تتوقف، وان أحداثا مهمة لن تحصل أو ان الصحف التي تتحدث عنها سوف تتوقف عن الصدور، ولكن ذلك يعني انهُ لن يكون هناك إمكانية للتقدم في تطور المؤسسات الرئيسية والمبادئ المتعلقة بها لأن كل المسائل الكبرى سيكون حلها قد تم»[4].

أما أقسام كتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير الذي تضمن الأطروحة (نهاية التاريخ) فيمثلها الآتي:

القسم الأول: حمل عنوان أسئلة جديدة لمسألة قديمة وهو متضمن أربعة فصول:

(51)

الفصل الأول/ حمل عنوان (تشاؤمنا) وفيه يصف حالة التشاؤم التي تعيشها الحضارة الغربية في القرن العشرين الذي يتعارض مع تفاؤل القرون السابقة، ولكن فوكوياما في نهاية الفصل يذكر ان هناك تقدماً حصل في العقد الأخير من القرن العشرين مثل انهيار الشيوعية وبعض هذا الانهيار أدى إلى إقامة ديمقراطيات ليبرالية.

الفصل الثاني/ ضعف الدولة القوية

يناقش في هذا الفصل ضعف السلطات اليمينية المتطرفة ولجوء بعض الدول الى الديمقراطية.

الفصل الثالث / ضعف الدولة القوية، ناقش فيه الشيوعية وضعفها.

الفصل الرابع / الثورة الليبرالية العالمية

عالج فيه قضية استبدال السلطات المنهارة (الأنظمة السلطية) بالديمقراطية، ويمكن اعتبار هذا القسم من الكتاب بمثابة تبرير يقدمه فوكوياما لسبب لجوئه الى صياغة نهاية التاريخ مع الديمقراطية الليبرالية.

القسم الثاني: العهد القديم للإنسانية وهو متضمن ثمانية فصول:

الفصل الأول / جاء بعنوان (تاريخ شمولي) وهو يقول عنه «انه لا يعني تاريخ الكون،فهو ليس فهرساً موسوعياً لكل ما نعرفه عن الانسانية العام، بل انه بالأحرى محاولة لإيجاد ترسيمة للتفسير تستجيب لتطور المجتمعات الانسانية»[1].

(52)

وفي هذا الفصل يناقش نشأة كتابة التاريخ الشمولي في الفكر الفلسفي الغربي منذ اليونان وحتى القرن العشرين.

الفصل الثاني / أوالية الرغبة

ويناقش هنا مسألة إمكانية توجيه التاريخ عن طريق الفيزياء وآلياتها.

الفصل الثالث / ليس البرابرة على أبوابنا

يناقش فيه تأثير التقنية على الانسان ومناقشة موقف روسو الداعي الى العودة الى الطبيعة.

الفصل الرابع / التراكم بلا حدود.

وهنا يناقش التطور التدريجي للعلوم الفيزيائية الحديثة التي تحدد اتجاه التاريخ.

الفصل الخامس / انتصار الفيديو

مناقشة لعدد من النظريات المساندة للاشتراكية أمثال التبعية والمركنتلية(Mercantilism)[1].

الفصل السادس / في بلاد التربية

وهنا يجيب على سؤال، لماذا تقود أوالية الفيزياء الحديثة الى الديمقراطية الليبرالية؟

(53)

الفصل السابع / جواب السؤال الأول

وأجاب بنعم على السؤال الذي طرحه كانط وهو هل من الممكن كتابة تاريخ شامل من وجهة نظر عالمية ؟ ثم نقد الذين يؤمنون بالتفسير الدوري للتاريخ.

الفصل الثامن / لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين

يقدم هنا تفسيراً اقتصادياً للتاريخ لكنه لا يوصل الى نتائج مشابهة لنتائج ماركس وإنما نتائج مؤيدة للرأسمالية ويمكن ان نلخص القسم الثاني بما يأتي:

 ان فوكوياما يُناقش مسألة التاريخ الشمولي عن طريق توظيف آليات الفيزياء مستثمراً تأثير التقنية على الانسان محدداً من خلال ذلك مسار التاريخ وتوجيهه وفي النهاية يكون هذا تفسيراً اقتصادياً للتاريخ حسب رأيه.

القسم الثالث: الصراع من اجل الاعتراف

وهذا القسم متضمن سبعة فصول.

الفصل الأول / يبين فيه انه في البداية كان الصراع فيها حتى الموت من اجل الاعتراف وحده مستثمراً في إيضاح ذلك هيجلية كوجيف، وموضحاً ان الصراع من اجل الاعتراف هو الفعل الأول للإنسان.

(54)

الفصل الثاني / الإنسان الأول

يناقش هنا أفكار هوبز(Thome Hobbes)[1](35) ويقارنها وأفكار هيجل حول الإنسان الأول.

الفصل الثالث / عطلة في بلغاريا

يناقش هنا مفهوم رغبة الاعتراف ويعود بجذوره الى أفلاطون(Plato)[2](36) مقارباً إياه مع الثيموس(Themose).

الفصل الرابع/ الوحش ذو الوجنتين الحمراوتين

إكمال مناقشة الثيموس ورغبة الاعتراف الناشئة عنه.

الفصل الخامس/ عظمة الثيموس وانحطاطه

ويناقش هنا الثيموس والميغالوثيما (Megalothymia) والايزوثيما(Isothymia).

(55)

الفصل السادس/ السيد والعبد

في هذا الفصل عاد الى ما بدأه في الفصل الأول من هذا القسم حول الصراع من اجل الاعتراف  (علاقة السيد بالعبد).

الفصل السابع/ الدولة الشمولية المنتجة

عن طريق التفسير الاقتصادي ورغبة الاعتراف يتوصل فوكوياما الى صياغة نهاية التاريخ مع الديمقراطية الليبرالية ذلك بأن رغبة الاعتراف هي الحلقة المفقودة بين الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية.

وخلاصة هذا القسم انه بعد توظيف فوكوياما التفسير الاقتصادي للتاريخ في القسم الثاني بين ان هذا التفسير يبقى ناقصاً ولهذا لجأ الى رؤية هيجل حول جدلية العلاقة بين السيد والعبد (رغبة الاعتراف) ولكنه لا يكتفي بذلك بل حاول ان يقارب بين رغبة الاعتراف والثيموس عند أفلاطون، وعن طريق رغبة الاعتراف تحل المشكلة لأن التأويل الاقتصادي في القسم الثاني أوصلنا إلى الرأسمالية غير ان رغبة الاعتراف تعد الحلقة المفقودة والمكملة للتفسير السابق وعن طريقهما يتوصل الى الديمقراطية الليبرالية بوصفها نهاية للتاريخ تحت مسمى الدولة الشمولية.

القسم الرابع: سقوط رودوس

يتكون هذا القسم من سبعة فصول يقوم فيها بمناقشة انعكاس رغبة الاعتراف بوصفه محركاً للتاريخ باتجاه المستقبل، فالمؤمن

(56)

المتدين مثلاً يسعى الى الاعتراف بمعتقداته بينما القومي يسعى الى الاعتراف بلغته وثقافته، وهذان الشكلان من الاعتراف هما اقل عقلانية من الاعتراف الشامل للدولة الليبرالية، لأنهما يستندان إلى التمييز الاعتباطي بين المجرم والمحلل، أو بين الجماعات الإنسانية، ولهذا السبب فإن الدين والقومية والثقافة أي مجمل العادات والتقاليد الأخلاقية لشعب معين بالمعنى الواسع قد فُسَّرتْ تقليدياً على إنها عوائق أمام إقامة المؤسسات الديمقراطية الناجحة وأمام (اقتصاد السوق الحر).

القسم الخامس: الإنسان الأخير

يطرح في هذا القسم مسألة نهاية التاريخ والإنسان الأخير وهو هنا لا يحاول معالجة بدائل الديمقراطية الليبرالية وإنما معالجة صلاح الديمقراطية الليبرالية بحد ذاتها وليس بمعرفة ما إذا كانت ستنجح أم لا في الانتصار على خصومها الحاليين[1]، وهو يتفق هنا مع ما جاء به كوجيف من ان التاريخ قد انتهى لأن مسألة الاعتراف قد حلت عن طريق الديمقراطية الليبرالية بالنسبة الى فوكوياما والدولة الشمولية والمنسجمة بالنسبة الى كوجيف وهي (الديمقراطية الليبرالية)، ويذهب فوكوياما الى أنَّ فهم المسألة السياسية خلال آلاف السنين من التاريخ الإنساني يعد مجهوداً لحل مشكلة الاعتراف، الذي يُعد المشكلة المركزية السياسية، لأنه أساس الاستبداد والإمبريالية ورغبة السيطرة[2].

(57)

وفي هذا القسم حاول فوكوياما الإجابة على السؤال الآتي هل الاعتراف الذي يمكن لمواطني الديمقراطيات الليبرالية المعاصرة بلوغه هل يكون مُرضِياً كلياً ؟

يناقش فوكوياما إجابتين على هذا السؤال إجابة يسارية وأخرى يمينية والإجابة اليسارية تقول ان الاعتراف الشامل في منظور الديمقراطية الليبرالية هو بالضرورة غير كامل لأن الرأسمالية تخلق عدم مساواة اقتصادية وتتطلب تقسيماً للعمل يولد من تلقاء نفسه اعترافاً غير متساوٍ أما نقد اليمين الذي يعد نيتشه من أشهر منظريه فإنه يرى إن الديمقراطية الحديثة تمثل ليس فقط انعتاق العبيد القدامى وإنما الانتصار اللامشروط لهؤلاء العبيد أنفسهم وتجسد نوعاً من أخلاقية دينية « فالمواطن النموذجي للديمقراطية الليبرالية كان فعلاً هذا الإنسان الأخير المعد في مدرسة مؤسسي الليبرالية الحديثة والذي تخلى عن الأيمان المتعجرف بقيمته الذاتية العليا مقابل محافظة مريحة على الذات»[1]، وهذا يعني أنَّ الإنسان الأخير من وجهة نظر فوكوياما هو الإنسان الذي يرضيه كل الاعتراف الشامل والمتساوي وليس أكثر من ذلك هو ما دون الكائن الإنساني الكامل بقليل لا بل هو موضوع للاحتقار أي إنسان أخير بلا بطولة ولا تطلعات[2].

(58)

 

 

 

 

القسم الرابع

الفيزياء الحديثة بوصفها مرتكزاً لتوجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية عند فوكوياما

(59)

بعد أن تبين في الاقسام السابقة من هذه الدراسة أن فكرة نهاية التاريخ ليست بالفكرة الجديدة على الساحة المعرفية فإن فوكوياما لم يلجأ إلى ما ذكره القائلون بهذه الفكرة ويتخذه مرتكزاً لدراسته، وانما حاول اللجوء إلى معطيات الفيزياء الحديثة لتبرير فكرته المتضمنة إمكانية توجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية، وهذا ما سنحاول الكشف عنه في هذا المبحث، ولكن قبل البدء بذلك لابد من الوقوف على  مفهوم الديمقراطية الليبرالية.

لكي يُعالج فوكوياما مسألة توجيه التاريخ نحو الغاية التي يسعى إليها وهي نهاية التاريخ مع الديمقراطية الليبرالية يقوم بعدة محاولات أولها إثبات إمكانية توجيه التاريخ، ولكي يثبت هذه المسألة يلجأ إلى منجزات المعرفة العلمية وخصوصاً الفيزيائية منها.

حاول فوكوياما توظيف منجزات علم الفيزياء، وما حققه هذا العلم من نتائج، وقربه من الناس، وبساطة ملاحظتهم لمدى انعكاس تطور هذا العلم على حياتهم، فإنه يلجأ إلى هذا العلم ويتخذ منه مرتكزاً لإثبات ما يصبوا إليه، وهو توجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية، ومن خطاه الأولى يستعين برموز المنهج العلمي في العصر الحديث إذ يقول «وفي محاولة أولى لفهم الأوالية التي تعطي التاريخ توجهه فلنمش على خطى فونتيل وبيكُن ولنسلم بالمعرفة كمفتاح لاتجاه التاريخ، خاصة معرفة العالم الطبيعي الذي

(60)

يمكننا بلوغه بالعلم»[1]، وعن طريق هذا القول يحاول فوكوياما تحقيق أمرين:

الأول / اللجوء إلى فونتيل وبيكُن لأنهما أصحاب رؤية تقدمية تؤمن بالمسار التقدمي للتاريخ، وهذا ما تبين في الفصل السابق.

الثاني / إيجاد منهجية علمية يؤسس من خلالها رؤيته للتاريخ، وهذه المنهجية كما هو معروف رائدها فرنسيس بيكُن، وهي عبارة عن «نزعة تمثل انعكاس منهج العلم الطبيعي على التاريخ وأصبحت هذه النزعة تنشد أن يصبح التاريخ علماً بالمعنى الفيزيقي للعلم ومنها الوصول إلى أحكام كلية تمكن من الاستفادة في الحاضر والمستقبل»[2]، ويمكن حصر جوانب الانعكاس بما يأتي:

1- منهج العلم: جمع اكبر عدد ممكن من الوقائع التاريخية بهدف الوصول إلى أحكام كلية على غرار ما هو داخل في العلوم الطبيعية.

2- غاية العلم وهي غاية برجماتية «عملية» في الطبيعة، تسخير الطبيعة لصالح الإنسان أما في التاريخ فالهدف تزويد الإنسان بأحكام تمكنه من أن يفهم معنى الأحداث الحاضرة في ضوء خبرته بالماضي بل وإلقاء الضوء على المستقبل» [3].

ويذكر فوكوياما ان المنهج العلمي الذي هو منجزات الحضارة

(61)

الغربية كما يدعي قد أعطى فرصة لجميع المجتمعات من اجل السيطرة على الطبيعة بعد أن كانت هذه السيطرة لمجتمعات محدودة[1]، وبناء على ما تقدم يكون فوكوياما قد أوضح أن المنهج العلمي الذي وفرته الفيزياء الحديثة، وخصوصاً مع بيكُن كان له اثر فاعل في تطور المجتمعات، ومن خلاله يتم التقدم في التاريخ.

فضلاً عن طابع المنهج العلمي الذي وفرته الفيزياء، فأن فوكوياما يؤمن بأن للفيزياء طابعاً تراكمياً إذ يقول «إذا استعرضنا مجمل الاكتشافات الإنسانية، فأن الاكتشاف الوحيد بينها وهو ما يجري ألإجماع حوله دون التباس الذي له طابع تراكمي وموجه هو علم الفيزياء الحديث»[2].

ويقول كذلك «لقد تراكمت المعرفة العلمية خلال زمن طويل جداً وكان لها تأثير ثابت على تكوين الطابع الأساسي للمجتمعات الإنسانية وحتى وان لم نتبين ذلك دائماً»[3]، وبقوله بالطابع التراكمي الذي يميز علم الفيزياء الحديث حسب ما يقول فأنه يتعارض مع القائلين بفكرة القطيعة المعرفية[4] في الفكر الغربي المعاصر هذه

(62)

الفكرة التي أخذت حيزاً ليس بالقليل في الساحة المعرفية، والقطعية المعرفية ترى «إن التراكم والاستمرار يعني إلغاء دور العقل الإنساني المتجدد الذي يتسم فعله بالخلق والابتكار»[1].

يتبين مما سبق إن فوكوياما يرى أن التاريخ لا يعيد نفسه لاجئاً في ذلك إلى سلطة الرؤية التقدمية في التاريخ، واستعان بعلم الفيزياء لإثبات ما يصبوا إليه من خلال المنهج الذي وفره العلم، إذ أفادت نواتجه البشرية جمعاء فضلاً عن اثر العلم في إجراء التغيرات التاريخية.

يحدد فوكوياما الوسائل التي تمكن الفيزياء من إجراء التغيرات التاريخية بوسيلتين:

أولاً- المنافسات العسكرية (الحروب)[2]

يقول فوكوياما «فالزاوية الأولى التي من خلالها يحدد علم

(63)

يقول فوكوياما «فالزاوية الأولى التي من خلالها يحدد علم الفيزياء التغيرات التاريخية هي في الوقت نفسه موجهه وشاملة هي زاوية المنافسات العسكرية، إذ إن شمولية العلم توفر قاعدة التوحيد الكلي للإنسانية، ويعود ذلك أولا إلى الحضور الكلي للحروب والنزاعات في النظام الدولي، فعلم الفيزياء الحديث يمنح تفوقاً عسكرياً حاسماً للمجتمعات التي تستطيع تطوير وإنتاج واستخدام تكنولوجياتها بالطريقة الأكثر فعالية هذا التفوق النسبي الذي توفره التكنولوجيا يزداد طبيعياً مع تسارع التغيرات التكنولوجية»[1]، يتبين من قول فوكوياما هذا إنَّ للتقنيات الفيزيائية أهمية في المنافسات العسكرية، وتتجلى هذه الأهمية عند الحروب، والتي يوليها فوكوياما أهمية كبيرة إذ يجعل منها عاملاً مساعداً لعملية تطور المجتمعات البشرية ولتوضيح أهمية الحروب عند فوكوياما نلجأ الى ذكر النقاط الآتية:

1- أن الحرب في منظور فوكوياما تعمل على التطور التكنولوجي للمجتمعات، يقول «إن احتمال الحروب يولد دفعاً كبيراً بهدف عقلنة المجتمعات ومن اجل خلق بنى اجتماعية متماثلة بين الثقافات، فكل دولة تأمل في الحفاظ على استقلالها السياسي هي مضطرة لاعتماد تكنولوجيا أعدائها ومنافسيها»[2].

2- وفضلاً عما تعمله الحروب من سعي المجتمعات لتطورها التكنولوجي، فإنها كذلك حسب رؤية فوكوياما تعمل على إعادة بناء الأنظمة الاجتماعية في الدول المهددة بالحرب إذ يقول «التهديد بالحرب يجبر الدول على إعادة بناء أنظمتها الاجتماعية

(64)

وفق توجهات مسيطرة في إنتاج التكنولوجيا واستخدامها، فعلى الدول مثلاً أن تتمتع بحجم معين لتقف في وجه جيرانها ومنافسيها مما يخلق عوامل قوية تدفع للوحدة القومية»[1].

3- الانتصار في الحروب مرهون بامتلاك المعرفة التكنولوجية، يقول عن ذلك فوكوياما «امتلاك التكنولوجيا كان السبب الذي مكن أوربا من غزو القسم الأكبر مما يشكل حالياً العالم الثالث خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وانتشار هذا العلم نفسه انطلاقاً من أوربا سمح للعالم الثالث باستعادة شيء من سيادته في القرن العشرين»[2].

4- ان الحروب هي التي توحد المجتمعات عن طريق حاجتها الى التقنية والمعرفة الفيزيائية، إذ يقول فوكوياما «أن استمرار الحرب والتنافس العسكري بين الأمم يشكل لها بصورة متعارضة قوة توحيد كبرى، حتى وان أدت الحرب الى تدمير الدول فهي تحثها على القبول بالحضارة التقنية الحديثة وبالبنى الاجتماعية المرتبطة بها، وان الفيزياء الحديثة تفرض ذاتها على الانسان شاء أم أبى، فمعظم الأمم لا تستطيع اختيار رفض العقلانية التكنولوجية للحداثة ان أرادت أن تحافظ على استقلالها الوطني، فالعدوانية بدلاً من التعاون هي التي تقود الانسان أولا الى العيش في مجتمع، ومن ثم الى تطوير امكانيات هذه المجتمعات بشكل أكثر كمالاً»[3].

يتبين من أقوال فوكوياما السابقة انه يولي أهمية كبيرة للحرب

(65)

في عمليه حركة التاريخ، وتقدم المجتمعات نحو المعرفة التقنية، وكذلك ما للحرب من أهمية في هذا الجانب فضلاً عن الدافع نحو التقنية والتكنولوجيا هناك دافع نحو توحيد النظام الاجتماعي للدول، وبهذا فأن الدول ومسيرة التاريخ لا تبقى ساكنة، وإنما متحركة وكذلك ما يلاحظ ان فوكوياما نظر إلى ان أصل الاجتماع البشري هو العدوان وليس التعاون كما هو معروف في الفلسفة اليونانية والإسلامية بأن أصل الاجتماع البشري هو التعاون وأن الإنسان مدني بالطبع.

ولو أجرينا مقاربة بين رؤية فوكوياما عن الحرب، وأفكار بعض الفلاسفة، سنجد لها في التراث الفلسفي من هو مقارب لرؤيته، ومن هو مختلف، فلو تتبعنا مسيرة الفكر الفلسفي منذ اليونان لوجدنا أن هذه الظاهرة (الحرب) نالت عناية خاصة، إذ نجد الفيلسوف اليوناني  هيرقليطس(Heraclites)[1] يجعل الحرب جزءاً أساسيا من الوجود، ويذكر إن « الحرب هي أم الأشياء كلها، هي ملكة جميع الأشياء، أنها ترفع البعض إلى مرتبة الالهه وتجعل من البعض الآخر بشراً: تجعل البعض عبيداً والبعض الآخر أحرارا»[2]، ولكن هذه الأهمية للحرب وما تعطيه من دفع للإنسان نحو تحديد المصير لا تمثل الرؤية المعبرة للفلسفة اليونانية، فهذا أفلاطون وعلى لسان سقراط

(66)

يذم الحرب وما تجلبه من ويلات إذ يقول «الحرب هي مصدر شر الويلات التي تحل بالدولة جماعة وأفرادا»[1].

وفي الفلسفة الإسلامية يذكر الفارابي رأيين عن الحرب «الأول هو الرأي الذي يقول أن غلبة الآخرين والهيمنة عليهم هو الحالة الطبيعية للإنسان، والحرب بالتالي هي المجرى العادل الوحيد، بصورة كلية للسلوك والثاني هو الرأي الذي يقول أن الحالة الطبيعية للإنسان هي السلام الكلي، والتعايش السلمي معاً وذلك بالتالي هو المجرى العادل الوحيد للسلوك»[2]. يتبين ان موقف الفارابي من الحرب هو موقف تحليلي لظاهرة الحرب ولم يكن مؤيداً لها أو رافضا، وانما جاء رأيه لتعامله معها على أنها ظاهرة موجودة في المجتمعات.

وفي الفلسفة الحديثة نجد من هو داعٍ للسلام ونابذاً للحرب مثل كانط عبر مشروعه الداعي فيه الى السلام، وهناك من أعطى للحرب أهمية في تجديد النظام الداخلي للدولة مثل هيجل الذي يرى ان للحرب أهمية كبيرة، لما لها من مغزى، فحسب رؤيته أن هذا المغزى متمثل بما تفرضه الحرب على الدولة من تغيير لنظامها الرتيب حتى لا تبقى ساكنة، وهي ليست علامة على كراهية انسان لانسان، وانما شرط لصحة الشعوب من الناحية المعنوية مثلها مثل (الرياح) التي تحفظ مياه البحيرات حتى لا تأسن [3]. ومثلما هبوب الرياح يحفظ

(67)

البحر من التلوث الذي يتكون نتيجة لفترة طويلة من السكون فإن فساد الأمم قد يولد نتيجة سلام دائم طويلاً [1]. وهذه هي رؤية هيجل لظاهرة الحرب التي اتسمت بأنها تولي أهمية لهذه الظاهرة لما تسهم به من تقدم للبشرية ودليل على صحة الدول المتحاربة.

ولم يكتفِ الفكر الغربي برؤية هيجل للحرب، وانما جاء بعده نيتشه وهايدغر اللذان عظما من شأن الحرب إذ رأى نيتشه أن الحرب هي أداة لـ (إرادة القوة)، وان من طبيعتها قلب كل شئ وتغييره، ورأى هايدغر أنها احد أوجه القدرة على امتلاك الوجود (Dassein) والتصرف والتحكم به بما هو وجه التقنية البارز والمعبر عن إرادة العمل[2].

ولكن أمام هذه الرؤية المبينة لأهمية الحروب في حركة الوجود هناك من هو معارض لها سواء في العصر الحديث أو المعاصر، ففي العصر الحديث فضلاً عن الفيلسوف الألماني كانط هناك من يقف على رأس المعارضين وهو المفكر الفرنسي سان سيمون (Saint Simon)[3] الذي توقع ان يسجل العصر الصناعي نهاية الحروب، فالصناعة عدوة الحروب حسب رؤيته اذ إن المجتمعات الحديثة ستنتج خيراتها وغذاءها، وسيكون طريق الإنتاج غير طريق الحرب، وان التطور التاريخي يحتم تقدم وسائل العيش بعيداً عن

(68)

النظام الحربي، أما اوغست كونت (Augaest comte)[1]، فقد رسخ نظرية سان سيمون ليميز نظام الصناعة عن نظام الحرب، اذ يرى ان النشاط البشري ليس له سوى هدفين اثنين، أولهما يتمثل في الفتح، وثانيهما يتمثل في التأثير على الطبيعة من اجل الإنتاج، فالحرب هدف لنظام قديم، أما الصناعة فهي هدف النظام الحديث[2].

     وفي الفلسفة المعاصرة كذلك هناك من هو معارض للحروب مثل برتراندرسل(Bertrand Russell)[3] إذ إنَّ سيرته تشهد بمعارضته للحروب، وما تعرض له من سجن بسبب معارضته ومواقفه من الحروب فقد تعرض للسجن سنة 1916 بسبب معارضة الحرب العالمية الأولى، وكذلك سجن عام 1961 بسبب تزعمه الحملة الداعية لنزع السلاح النووي[4].

إن هذه الرؤى تحدد بعض المعارضين لظاهرة الحرب من الفلاسفة، والمؤيدين لها منهم، ففي الفلسفة اليونانية هناك من نظر

(69)

الى الحرب نظرة ايجابية، ومن نظر إليها نظرة سلبية، وفي الفلسفة الإسلامية قدم الفارابي رؤيتين لظاهرة الحرب، وفي الفلسفة الغربية الحديثة كان هناك من دعا الى السلام، ومن هو مجد ظاهرة الحرب بوصفها عاملاً مؤثراً في تقدم الانسانية، و في الفلسفة المعاصرة هناك من هو معارض لظاهرة الحرب ومن هو مؤيد لها، ومن خلال هذه الآراء يتبين أن مواقف الفلاسفة من ظاهرة الحرب متباينة من فيلسوف الى آخر، وبعض هذه الرؤى نجدها مقاربة لرؤية فوكوياما مثل هيجل الذي أعطى للحرب أهمية في تجديد حيوية الشعوب، وهذا مقارب لموقف فوكوياما المتعلق بتجديد الأنظمة الاجتماعية للدول نتيجة الحروب، وكذلك مقارب لموقف نيتشه وهايدغر، ولكنه مختلف على وجه الخصوص مع موقف سان سيمون واوغست كونت اللذين فصلا بين الصناعة والحرب، وفوكوياما ربط بينهما من خلال ما تقدمه الحروب من دافع لتطوير التكنولوجية للبلدان المتحاربة.

ثانياً: التطور الاقتصادي

 إن الوسيلة الثانية التي يذكرها فوكوياما والتي من خلالها تتبين أهمية علم الفيزياء في توجيه التاريخ هي التطور الاقتصادي إذ يقول فوكوياما «أن علم الفيزياء الحديث يضبط اتجاه التطور الاقتصادي بإقامة أفق من إمكانيات الإنتاج متغير بأستمرار، والاتجاه الذي فيه يتطور هذا الأفق التكنولوجي يرتبط بشكل وثيق بتطور التنظيم العقلاني المتزايد للعمل»[1].

(70)

ويقول عن التنظيم العقلاني للعمل «والتنظيم العقلاني للعمل يجب ألا يعتبر كظاهرة متميزة أساساً عن التجديد التكنولوجي فهما بالفعل وجهان لعقلنه الحياة الاقتصادية، الوجه الأول في مجال التنظيم الاجتماعي والثاني في مجال الإنتاج المكنن»[1]، وعن طريق التكنولوجيا والتنظيم العقلاني للعمل تنشأ ظواهر اجتماعية مثل التمدن وقطع الروابط بين العائلات الكبيرة أو الروابط العشائرية، والوصول الى مستوى مرتفع من الإعداد والتعليم[2].

يتبين مما سبق ان فوكوياما يولي أهمية للفيزياء الحديثة من خلال الحروب أولاً، والتطور الاقتصادي ثانياً، هذا التطور الذي يكون له تأثير مباشر على حياة الشعوب، ولا يشمل الرخاء فقط وإنما ينحو منحى اجتماعياً وأخلاقياً عن طريق تفكيك الروابط الأسرية بين العوائل الكبيرة ويوصل الى تعليم عالي المستوى، ومن خلال كل هذا يحاول فوكوياما ان يبين أهمية التطور الاقتصادي في بناء المجتمعات.

ولكن بالرغم مما ذكر سابقاً عن جهود فوكوياما المتمثلة بإمكانية توجيه التاريخ عن طريق الفيزياء الحديثة، فإنه لم يتوصل إلى الغاية التي يسعى اليها، وهي توجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية عن طريق الفيزياء، فكيف يتم ذلك ؟

هذا الأمر يعترف به فوكوياما بقوله «إلا إننا لم نبرهن إن العلم يقود بالضرورة إلى الرأسمالية في المجال الاقتصادي أو إلى

(71)

الديمقراطية الليبرالية في المجال السياسي»[1]، إلا انه عن طريق الفيزياء يحاول أن يثبت إن النظام الرأسمالي أفضل من النظام الاشتراكي المنافس له إذ يقول « لقد اتضح ان الرأسمالية هي أكثر فعالية من الأنظمة الاقتصادية ذات التخطيط المركزي في تطوير واستخدام التكنولوجيا وفي التكييف مع الشروط المتغيرة بسرعة للتغيير العالمي للعمل وذلك في وضع الاقتصاد الصناعي الذي وصل إلى النضج»[2].

ويحاول أن يثبت عن طريق الفيزياء نجاح الرأسمالية بعد أن ذكر أنها لا يمكن أن توصل إلى إثبات الديمقراطية الليبرالية في المجال السياسي[3]، فيذكر أن النظام الرأسمالي يوفر أرضية للنجاح التكنولوجي وتقدمه، إذ يقول «يرتبط فشل التخطيط المركزي بمشكلةِ التجديد التكنولوجي، فأن البحث العلمي أكثر إنتاجا في جو من الحرية، حيث يسمح للناس أن يفكروا ويتواصلوا ببعضهم بحرية، وأكثر من ذلك عندما يكافأ الباحثون على اختراعاتهم»[4].

وتبقى جهود فوكوياما التي بذلها في توجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية عاجزة عن إثبات ذلك، وإنما تم له التوصل في هذه المرحلة الى نهاية التاريخ مع الرأسمالية لما لها من تأثير على التقدم التكنولوجي، فإن فشلت الفيزياء في إثبات النظام

(72)

السياسي الغربي  بوصفها نهاية للتاريخ فإنها نجحت في إثبات النظام الاقتصادي الغربي نهايةً للتاريخ حسب رؤية فوكوياما.

ويدعي فوكوياما أن طبيعة دراسته هذه هي تفسير اقتصادي للتاريخ عن طريق أواليات الفيزياء الحديثة[1]، ويبين على أنها نوع من التفسير الماركسي للتاريخ الذي يقود إلى نتائج لا ماركسية وفي ذلك يقول «فالأوالية هي نوع من التفسير الماركسي للتاريخ الذي يقود إلى نتيجة لا ماركسية كلياً غير انه على عكس ما رآه ماركس فان المجتمع الذي يسمح للناس أن ينتجوا ويستهلكوا اكبر كمية من المنتوجات بشكل أكثر مساواة ليس المجتمع الشيوعي بل المجتمع الرأسمالي»[2].

يتبين من ادعاء فوكوياما انه يريد أن يقول أن هذه الأوالية هي أوالية ماركسية في التفسير الاقتصادي لكن هذه الأوالية أوصلته إلى نتائج غير التي توصلت إليها الماركسية، فهل يعني هذا أن تفسير فوكوياما للتاريخ هو تفسير اقتصادي ماركسي[3]؟

(73)

لقد أحكمت الماركسية منهجا في تفسير التاريخ بقوانين أساسية، وهذه القوانين هي:

القانون الأول / التغير من الكم إلى الكيف:

« أن التغير الحادث في جميع الظواهر الطبيعية والإنسانية هو التغير من الكم إلى الكيف، ويتم ذلك التغير طفرة إذ لا يعرف حد فاصل في تدرج التغيرات الكمية عندما يستحيل الكيف إلى كيف آخر، فانتقال الماء إلى ثلج أو إلى بخار بانخفاض أو ارتفاع تدريجي في درجة الحرارة إنما يتم طفرة دون تدرج في عملية التحول، فالتغير التدريجي في الكمية لا يصاحبه تغير تدريجي في الكيف، كذلك تحول مادة كيميائية الى أخرى ذات خصائص متباينة في عملية التفاعل الكيميائي، ونفس الشيء في انصهار المعادن وفي تحول الحركة الى حرارة أو الحرارة الى حركة، فهناك دائماً طفرة في التحول من كيف الى آخر»[1].

القانون الثاني / تداخل الأضداد وصراعها:

«ليس العالم جزيئات منعزلة قائمة بذاتها، ولكن كل ظاهرة

(74)

تشكل وحدة عضوية يكمن التناقض فيها اذ هي لا تتغير بسبب علل خارجة عنها بل يكمن التناقض والصراع في أعماقها وذلك هو سر التطور، فالتناقض هو القوة المحركة للتاريخ الطبيعي والإنساني معاً، وإنكار ذلك يعني افتراض سكون الكائنات وموتها، بل ان الحركة الآلية البسيطة لا تتم إلا بوجود الأضداد: فعل ورد فعل، جذب ودفع، قوة طرد مركزية وقوة جذب مركزية»[1].

القانون الثالث / قانون نفي النفي:

«يشتمل سير التطور في عالمي الطبيعة والإنسان على سلسلة من نفي النفي، كل مرحلة تنفي سابقتها ثم مرحلة ثالثة تنفيها وهكذا، وليس النفي فناء وإنما هو هدم وبناء، تخريب وتجديد، بالموت والتخريب ينبثق ما هو أفضل وأكثر تنوعاً»[2].

هذه القوانين الثلاث هي التي أحكمت المنهج الماركسي في دراسة التاريخ إذ اثر القانون الأول في تفسير الماركسية للتغير في المجتمع عن طريق الثورة التي تحدث تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية لتبرز فجأة أوضاعاً جديدة[3].

أما القانون الثاني فهو واضح من خلال تفسير الماركسية انتقالات طبقات المجتمع من طبقة إلى أخرى[4].

(75)

أما القانون الثالث فهو واضح كذلك من خلال تفسير الماركسية نشوء الملكية الخاصة التي ألغت الملكية العامة، ثم أنّ الاعتماد على الصناعة ألغى وسائل كانت معتمدة في الزراعة[1].

هذه القوانين الثلاثة وتأثيراتها يفترض أن تكون موجودة في كل تفسير يدعي انه تفسير ماركسي للتاريخ فهل قام فوكوياما بتطبيق هذه القوانين ؟ أم لأنه أولى الاقتصاد أهمية في دراسته فهذا يعطيه الحق بأن يدعي ان تفسيره للتاريخ تفسيراً ماركسياً؟ وهل كل من جعل من الاقتصاد عاملاً مهماً في حركة التاريخ انتسب إلى الماركسية؟

   إن الإجابة على هذه الأسئلة تكون واضحة من خلال ما ذكرناه عن فوكوياما سابقاً فقد استعمل العامل الاقتصادي ليثبت أهمية توجيه التاريخ عن طريق الفيزياء، ولم يأتي اهتمامه بالاقتصاد محركاً للتاريخ نتيجة تبنيه أواليات الماركسية في تفسير التاريخ كما يدعي، فهو بعيد عن هذا المنهج وقوانينه التي تحكمه، والمسألة الثانية التي تتعلق بمن أولى الاقتصاد أهمية، فهل هذا يعني انه انتسب الى الماركسية؟  فالتاريخ يثبت ان هناك كثيراً من المفكرين وجهوا عنايتهم الى الاقتصاد في تفسير التاريخ لكنهم لا ينتسبون الى الماركسية، فقد شاع التفسير الاقتصادي لدى مفكري القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أمثال سان سيمون وغيره من الذين يؤكدون على اثر الظروف الاقتصادية في توجيه السياسة في عصرهم، ومع ذلك فهولاء لا يعدون رواداً للنظرية الماركسية[2].

(76)

والخلاصة أن فوكوياما وإن جعل الاقتصاد عاملاً مهماً في حركة التاريخ إلا أنه لا يعني كما يدعي تفسيره بطريقة التفسير الماركسي للتاريخ، وانما استثمر أواليات الفيزياء الحديثة في توجيه التاريخ نحو الرأسمالية، ولكنه لم يستطعْ توجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية.

(77)
(78)

 

 

 

 

القسم الخامس

 فكرة "الصراع من اجل الاعتراف"

مرتكزاً لتوجيه التاريخ نحو

الديمقراطية الليبرالية عند فوكوياما

 

(79)

بعد أن ارتكز فوكوياما في مسألة إمكانية توجيه التاريخ من خلال منجزات الفيزياء الحديثة التي لم تمكنه من توجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية، وإنما مكنته من توجيه التاريخ  ـ حسب ما ادعى ـ نحو الرأسمالية، وهذا ما دفعه إلى الاستعانة بفكرة «الصراع من اجل الاعتراف»، لكي يثبت ما يصبو إليه، فما هذه الفكرة؟ وكيف وظفها فوكوياما في دراسته ؟

أولاً: فكرة «الصراع من اجل الاعتراف»

لقد احتلت فكرة الصراع من اجل الاعتراف مكاناً لا يستهان به في فلسفة هيجل إذ جعلها محركه للتاريخ، ومتمثلة لديه بجدلية العلاقة بين السيد والعبد، ومعبرة عن الصراع بين انواع الوعيات إذ يقول عنها «أن الوعي بالذات في بادئ أمره كون لذاته بسيط، ومساو لذاته عبر صد كل مغاير عن ذاته، فماهيته وموضوعه المطلق إنما هما نظره الأنا، وهو إنما يكون في هذه الحالية أو في هذه الكينونة التي لكونه لذاته فردياً، أما ما هو مغاير فيكون بالنسبة إليه موضوعاً غير جوهري وموسوماً بطابع السلبي، لكن الآخر هو أيضا وعي ـ بالذات، كذا يسهل فرد في مواجهة فرد»[1]، ويبين هربرت ماركيوز[2]

(80)

بداية حركة الوعي عند هيجل بقوله «وتبدأ حركة الوعي بالذات بوصفها (رغبة)[1] فألانا البسيط هو جنس أو هو أيضا «الكلي البسيط» في الحياة، ولكنه لا يكون كذلك إلا في حيث انه الماهية السالبة للحظات المستقلة ذاتياً التي قد تشكلت، وهكذا لا يتيقن الوعي الذاتي بنفسه إلا بواسطة تجاوز ذلك الآخر الذي يمثل أمامه بوصفه حياة مستقلة استقلالا ذاتياً انه رغبة»[2]، «ويجب أن نفهم (الرغبة) هنا باعتبارها الموقف الأصلي للذات اتجاه الموجود»[3]، وإذا كانت الرغبة هي المحرك الأكبر للوعي بالذات، فأن هيجل في وصفه لتطوير الرغبة يذكر» أن الإنسان يبدأ بأن يرغب في موضوع معين، لكنه سرعان ما يكتشف أنه يرغب في موضوع آخر، أنها رغبة جامحة لا يطفؤها هذا الموضوع أو ذاك، بل يطفؤها أن يجد الوعي وحدانيته الذاتية مع نفسه، وهذه الوحدة الذاتية لا يمكن أن يجدها الوعي في هذا الموضوع أو ذاك، ولا يمكن أن يجدها في الموضوعات الحية كلها بل يجدها عندما يلتقي بوعي آخر مثله،

(81)

ولا يقصد هنا باللقاء ذلك اللقاء العابر الذي يتم في الحياة العادية بين البشر والزملاء بل يقصد به ذلك اللقاء العميق المؤثر الذي يربط ذاتين أو شخصين بمصير واحد»[1].

يتبين مما سبق أن هناك أساسين في تحول الوعي إلى وعي بالذات عند هيجل: الأول هو الرغبة التي تتحقق بالعمل والفعل، والثاني أساس اجتماعي قائم في التقاء وعيين[2]، «وهذان الوعيان متصارعان بالضرورة لان كل وعي بالذات يقوم في أساسه على إلغاء وجود الوعي الآخر لكن لمن تكتسب الغلبة في هذا الصراع؟ يقول هيجل أن احد الوعيين يتصف بالمخاطرة، والآخر بالحرص والمحافظة على بقائه والوعي الأول يسميه هيجل بوعي السيد، أما الثاني فهو وعي العبد، ولما كانت الحياة لا تكتب إلا للمغامرين، فأن الأمر ينتهي بالعبد إلى أن يفقد نفسه وحياته من فرط حرصه عليها، أما السيد فتكتب له السيادة لأنه خاطر بحياته، يبدأ السيد بالنظر إلى العبد على انه مجرد أداة لتحقيق أغراضه لكن هذه العلاقة لا تدوم طويلاً إذ سرعان ما يكتشف العبد إن وجوده هام ورئيس لحياة السيد، ويفطن إلى أن عمله وعرقه قد تركتا بصماتهما على الطبيعة، وفي هذه اللحظة يكتشف العبد نفسه ويصبح وعيه وعياً بالذات، ويتحول شعوره وهذا هو المهم من إحساس بالعبودية إلى شعور بالحرية»[3]، وهنا نكون أمام موقفين مختلفين: موقف السيد

(82)

وموقف العبد «موقف الوعي الذي رفض المخاطرة بحياته في سبيل إشباع رغبة في انتزاع اعتراف الآخر به»[1].

وبهذا يبدو الوجود البشري الذي يعبر عنه الصراع بين البشر بوصف كل منهم يبدو شعوراً بالذات، فكل شعور يريد موت الآخر، لأن كل شعور يريد حذف مظهره المحدود في نظر الآخر، ويريد أن يكون معترفاً به من قبل الآخر[2]، وهذا الصراع بين البشر عبارة عن امتحان لهم، يقول هيجل « فالعلاقة بين الوعيين بالذات إنما تتعين على نحو إنهما يمتحنان نفسيهما فيمتحن كل منهما الآخر عبر الصراع من اجل الحياة والموت»[3]، «ولكن هذا الامتحان بالموت يلغي في الوقت نفسه الحقيقة التي كان يجب أن تبرز منه وكل يقين بالذات، بالفعل كما ان الحياة هي التأكيد الطبيعي للوعي، الاستقلال بلا سلبية مطلقة، كذلك فالموت هو النفي الطبيعي، السلب بلا استقلال، الذي يبقى هكذا محروماً من معنى الاعتراف من معناه الضروري»[4].

إن هذا الصراع حتى الموت يجعله هيجل شرط من شروط حركة التاريخ، التي يكون سببها العميق برهان الشخص لنفسه انه لا يعيش مجرد حياة حيوانية، وهذا الصراع يتحقق من خلاله الوجود الخالص

(83)

للإنسان[1]، ويعلق جان هيبوليت (Hyppolite،Jean)[2] على هذه المسألة بقوله «لا يوجد الإنسان إلا بهذه السلبية، فهو يأخذ على عاتقه عملية الموت، ويجعل منها فعل تجاوز أو تخطي لكل موقف محدود، أن وجوده هو هذا الفعل نفسه، ومع ذلك فهو لا يستطيع أن يرفض رفضاً كاملاً وجوده في العالم، وهو الاخرية التي بدونها ما كان حتى ليملك هذه القدرة على أن ينفي أو ينفي ذاته، ولهذا لا يمكن الصراع حتى الموت الذي يجعل التاريخ يبدأ ويضل بدعة أن يكون إلا ردبا (الردب هو بخلاف الدرب الطريق المسدود)، وعندما يرفض المرء الحياة يبرهن انه وجود من اجل ذاته خالص، يختفي ببساطة عن المسرح مثل الحيوان، يجب إذن أن يحافظ في وقت واحد على الحياة وعلى اخريتها، وأن ينفي هذه الاخرية مع ذلك يجب العثور على موت آخر عبر الموت البيولوجي يجب أن يحمل الموت في باطن الإنسان [3]».

ويرى هيبوليت «أن الإنسان منخرط في هذا العالم وهو يحس إحساسا عميقاً بحقه، ولكنه مرغم إذا لم يحترم حقه أما على القتال ليحصل على الاعتراف بهذا الحق، وأما على الاستسلام، ومعناه عنف العالم دون ان يرد بدوره، والإنسان في الحالين يعاني مصيراً ويحصر ضمن تناقض، هل يقاتل من اجل حقه؟ انه اذ ذاك لا

(84)

يعترف بحقه بوصفه حقاً كلياً، انه ينخرط به في الواقع ويعرضه بذلك بالذات للخطر، فقد يغلب وهو أكثر من ذلك أيضا يعترف في المعركة التي تنشب بحق الآخر الذي يجابهه»[1].

ويتحدث احد الباحثين عن فكرة الصراع من اجل الاعتراف عند هيجل فيقول «ولكن هذا الصراع البشري الذي يتحدث عنه هيجل ليس من قبيل الحروب الحيوانية التي يكتفي فيها المحاربون باصطياد رؤوس الآخرين، بل هو صراع من اجل إثبات الذات، والحصول على اعتراف الآخر بالأنا، دون أن يكون في وسع «الأنا» ان تنكر حق الآخر في البقاء لأنها لو فعلت ذلك لما استطاعت أن تظفر منه بالإقرار المنشود أو الاعتراف المطلوب»[2].

وهذا ما يؤكده كذلك باحث آخر إذ يقول «الصراع يسمح لكل من الخصوم أن يؤكد نفسه على انه فوق الحياة فوق الحيوانية، فوق وجوده الطبيعي التجريبي بوصف حياته في خطر»[3]، وجدلية العلاقة بين السيد والعبد تمثل هذا الصراع، فبعد أن خاطر السيد بحياته، ومضى في عملية الصراع حتى النهاية، فأستطاع أن يظفر باعتراف وعي الآخر به، نجد ان العبد قد رفض المخاطرة، وتخلى عن رغبته، ومن ثم فأنه قد اقتصر على إشباع رغبة الآخر، وبذلك اعترف بالآخر دون أن يلقى منه أي اعتراف، ومعنى هذا ان العبد قد اعترف للسيد بأنه « الوعي بذاته» بينما هو بقي متعلقاً بالحياة [4].

(85)

«إذا كان صراع البشر فيما بينهم قد عمل على ظهور مبدأي السيادة والعبودية فأن حركة الصراع الجدلي التاريخي لن تلبث أن تقلب الأوضاع رأسا على عقب، لكي تتأدى بنا إلى «تحرر العبيد» وآية ذلك أن السيادة الحقيقية في تاريخ البشر سوف تكون رهناً بجهد العبد لا بوعي السيد الذي اقتصر على المخاطرة بحياته ثم لم يلبث أن استبعد تماماً وساطة الوجود الحيوي أو الطبيعي»[1]، وبناءً على هذا فإنً جدلية العلاقة بين السيد والعبد ومسيرة الصراع من اجل الاعتراف تختم حسب قول هيبوليت بالاتي: «وهذا هو ديالكتيك السيد والعبد الذي أثار إعجابا شاملاً، أن علاقة السيطرة والخضوع والمباشرة تصبح غير ما كانت للوهلة الأولى، فالسيد يشهد استعباده الخاص به، في حين ان العبد اذ ينشئ الأشياء لينشئ نفسه بنفسه ؟ فهو يصير سيد السيد» [2].

ويمكن ان نخلص مما سبق إلى أنّ عملية الصراع من اجل الاعتراف عند هيجل تبدأ ببروز الوعي بالذات لدى الإنسان، وهذا الوعي يبرز عند إنسان وإنسان آخر، ويعبرون عن بداية الوعي بالرغبة، وهذه الرغبة تدفع إلى الأمام لا بتجاوز الآخر الذي يمثل أمامه فقط، فهي حسب رأي هيجل لا تتوقف إلا بتجاوز الآخر المرتبط معها بالمصير نفسه.

وأنّ تحول الوعي إلى وعي بالذات يحتاج إلى الرغبة واللقاء مع وعي الآخر ليتصارع معه وليثبت وجوده، ويصنف هيجل هذين

(86)

الوعيين الملتقيين والمتصارعين في الوقت نفسه إلى صنفين الأول اتصف بالمخاطر، والثاني حرص على بقائه، والأول أطلق عليه هيجل السيد والثاني أطلق عليه العبد، فالسيادة أتسم بها الوعي الأول لأنه خاطر بحياته، والعبودية أتسم بها الوعي الثاني الذي أصبح أداة بيد السيد لقضاء حاجاته، ولكن هذه العلاقة لا تدوم طويلاً، اذ سرعان ما يكتشف العبد وعيه المتمثل بوجوده المهم بالنظر إلى السيد، فيصبح وعيه وعي بالذات، فينتقل من الإحساس بالعبودية إلى شعور بالحرية، ومن ثم يصبح هذا السلوك رغبةً في انتزاع اعتراف السيد به، وهذا الصراع هو ليس صراعاً دموياً، وانما هو صراع من اجل انتزاع الاحترام والاعتراف ومسيرة أنواع الوعي في التاريخ التي تمثلت عبر وعي السيد ووعي العبد تنتهي بتحرر العبيد ونيلهم الحرية التي يبتغونها.

ثانياً: لماذا اللجوء إلى هيجل ؟

لم يكن الفكر الأمريكي جاهلاً بهيجل، وانما كان معروفاً لديهم منذ القرن التاسع عشر، فقد قيل عن الفلسفة الأمريكية أنها كانت تعتمد على فلسفة هيجل وعلى المثالية الألمانية بعامة بدءً من امرسون إلى جوزيا رويس (J.Royce)[1](22)، ولكن قيل في الوقت نفسه إنها كانت -على وجه الخصوص- رد فعل عنيف ضد

(87)

المثالية الألمانية، وضد فلسفة العقل الألمانية[1]، فبعد منتصف القرن التاسع عشر بدأ الموقف في أمريكا إزاء فلسفة هيجل ينقسم على قسمين، قسم مؤيد وقسم معارض، فكان امرسون يميل إلى الترنسندنتالية، وان كان قد أبدى كثيراً من الإعجاب بهيجل، وكذلك أبدى جوزيا رويس حماساً كبيراً اتجاه الفلسفات الألمانية عموماً، وبجوانب معينة من فلسفة هيجل، ولكنه حرص على إظهار فلسفةِ هيجل وتحفظه إزاء بعض موضوعاتها، فهو يرى ان هيجل ربيب المعاهد الدينية، وفي القرن العشرين انقسم الموقف الفلسفي في أمريكا إزاء هيجل إلى موقفين، موقف رافض متمثل بوليم جيمس، وموقف مؤيد متمثل بجون ديوي الذي يرى ان هيجل اكبر الفلاسفة الواقعيين بالمعنى الحديث والمعاصر، اذ يقول احد الباحثين عن مدى تأثر ديوي بهيجل «لا يستطيع المرء إلا أن يشهد بمدى تأثير فلسفة الادواتية والممارسة بالهيجلية وبمدى خضوع منطق ديوي لمنطق هيجل»[2]، و يبين باحث آخر» إن المرحلة الأولى من تطور ديوي الفكري، والتي كان فيها خاضعاً بشكل او بآخر لمنطق التفكير الهيجلي قد امتدت للمدة الزمنية لدخوله جامعة هوبكنز وتدريسه في جامعة ميشجان وقسم من تدريسه في جامعة شيكاغو»[3]، ولم ينحصر الاهتمام بهيجل في أمريكا بالمستوى الفلسفي فقط بل امتد

(88)

إلى الحقل السياسي وفي ذلك يقول احد الباحثين عن ذلك « إن هيجل ليس رائد الشمولية ولا رائد القومية الألمانية السوداء وإنما هو رائد الديمقراطية الأمريكية حقاً»[1].

 ويتبين مما سبق ان عناية فوكوياما بآراء هيجل لم تكن جديدة على الفكر الأمريكي، فقد كان لهذا الفكر علاقات سابقة مع فكر هيجل، ولكن يبقى السؤال المطروح لماذا لجأ فوكوياما إلى هيجل؟

يحاول فوكوياما تبرير لجوئه إلى هيجل بتقديمه سببين: الأول يقول فيه فوكوياما «انه يعطينا مفهوماً لليبرالية هو أكثر نبلاً من مفهومي هوبس ولوك، فصياغة مبادئ الليبرالية عند لوك شهدت في الوقت نفسه تقريباً بروز استياء ملحاح اتجاه المجتمع الذي تولده هذه المبادئ، واتجاه الإنتاج النموذجي لهذا المجتمع البرجوازي، هذا الاستياء مرده في نهاية التحليل واقع أخلاقي فريد، انه لبرجوازي ينشغل أولاً برفاهيته المادية الذاتية، فهو لا يتحلى بفضيلة الاهتمام بالصالح العام، ولا يعنى مطلقاً بالمجموعة الإنسانية التي تحيط به، وبالاختصار فهو أناني، وهذه الأنانية الفردية كانت تشكل لب انتقادات المجتمع الليبرالي أكان من جانب اليسار الماركسي أم من اليمين الارستقراطي او الجمهوري، أما هيجل فانه يعطينا على عكس هوبس ولوك مفهوماً للمجتمع الليبرالي يرتكز على الجزء اللااناني من الشخصية الإنسانية ويحاول المحافظة على هذا الجزء كنواة للمشروع السياسي الحديث»[2]. أما السبب الثاني فهو «إن

(89)

فهم التاريخ وكأنه «صراع للاعتراف «يعطي فعلاً نظره مضيئة ومفيدة عن العالم المعاصر»[1].

بهذين السببين يحاول فوكوياما تبرير لجوئه إلى هيجل لما يوفره له من رؤية تنسجم وتطلعاته للعالم المعاصر، وفي هذا المجال يُطرح سؤال، هل فهم فوكوياما هيجل بصورة مباشرة؟ أم من خلال فهم احد الباحثين له؟

نجد إجابة هذا السؤال عند فوكوياما، إذ بين أن هيجل لا يعنيه بقدر ما يعنيه التفسير لفكر هيجل، ولفكرة هو يراها متلائمة مع أطروحته، يقدم لنا خليطاً من فكر هيجل وفكر كوجيف الباحث المهتم بهيجل يطلق عليه فوكوياما « هيجل ـ كوجيف»، ودون أن يبحث بمدى صحة فهم كوجيف لهيجل يسلم فوكوياما بصحة ما جاء به كوجيف من فهم لهيجل اذ يقول فوكوياما «هل أن تفسير كوجيف لهيجل كما نعرضه هنا هو حقاً الرأي العميق لهيجل أم انه يحوي خليطاً من أفكار كوجيف الخاصة ؟ وفي الواقع يأخذ كوجيف بعض العناصر من دروس هيجل مثل الصراع من اجل الاعتراف ونهاية التاريخ، ويجعل منها مركز هذه التعاليم بالذات، وهو ما قد لا يفعله هيجل نفسه، وبالرغم من كون اكتشاف هيجل الفريد هو هدف مهم، إلا أن ما يهمنا الآن ليس هيجل بذاته وإنما « هيجل كما يفسره كوجيف «أي فيلسوف مركب جديد يدعى (هيجل ـ كوجيف)[2]».

(90)

وبهذا القول يبين فوكوياما سبب لجوئه إلى هيجل، ولكن ليس هيجل كما نعرفه، وإنما مركب من (هيجل ـ كوجيف)، فمن هو هذا المركب ؟

يُتهم كوجيف بعدم الأمانة في دراسته لهيجل، فبعكس جان هيبوليت كان كوجيف يحتقر الدراسة والبحث، وكان اهتمامه بهيجل بسبب اعتقاده بأن المشكلات التي يعالجها هي أكثر المشكلات قرباً من عصره، ورغم أن كوجيف يعد واحداً من اكبر شارحي هيجل إلا انه لم يقبل بأن يكون معلقا أو شارحاً [1]، فقد حذا حذو ماركس إذ رأى نفسه غير ملزم بالاقتصار على شرح مذهب هيجل، وإنما استعمله ليعرض تصوره الخاص[2]، و»لكي نفهم هيجلية كوجيف لا بد ان ندرك بداية ان كوجيف قرأ هيجل من منظور ماركس وهايدغر في آن واحد، فعلى غرار ماركس يعتقد كوجيف ان الإنسان هو القوة المحركة للتاريخ، وعلى غرار هايدغر يعتقد كوجيف ان الإنسان كائن فان، والنتيجة هما مزيج عجيب»[3].

تقترب قراءة كوجيف لهيجل من قراءة ماركس لهيجل من حيث أنها قراءة علمانية إنسانية، فكوجيف يقتفي اثر ماركس في اعتقاده ان التاريخ من صنع الإنسان وليس الروح[4]، لكنه تجاهل قوله بالنصف

(91)

الثاني من قول ماركس بأن التاريخ يصنع الإنسان[1]، «لدى كوجيف تصور ثابت عن الطبيعة الإنسانية، وبخلاف ماركس لا يعتقد كوجيف بأن الطبيعة الإنسانية تقولبها الظروف الاجتماعية والمادية للحياة، اذ يرى ماركس ان الطبيعة الإنسانية في ظل الرأسمالية هي طبيعة عدوانية مادية وتنافسية، لكن مع قهر الحاجة ومقدم الشيوعية يحتم على الميول العدوانية التنافسية أن تزول أمام زحف الميول الاجتماعية التعاونية، لكن كوجيف يرى ان الطبيعة الانسانية أمر مسلم به، اذ أن لها رغبات وميولاً ثابتة، حتى وان رأى ان بعض هذه الرغبات أكثر إنسانية من غيرها والتاريخ هو مشروع تحويل العالم بحيث يرضي طبيعة الإنسان المفترضة ورغباتها، ومتى تحول العالم بهذه الطريقة بحيث يوفر الإشباع الكامل لرغبات الإنسان وطموحاته فأن المشروع التاريخي قد اكتمل»[2]، و في موضوع رؤية كوجيف للإنسان يُرى أنه متأثر بالمقام الأول بفلسفة هايدغر الوجودية إذ يحاول التوفيق بين رؤية ماركسية للتاريخ، ورؤية وجودية (هايدغرية) للإنسان تؤكد حريته المطلقة، وهذا ما يوقع كوجيف بتناقض في الأفكار لكنه يصر على ان الوعي التاريخي لدى هيجل وماركس يجب ان تكمله وجودية هايدغر، ووجودية هايدغر يجب ان تكملها وعي هيجل وماركس للتاريخ[3].

ومن خلال ما تقدم يتبين ان مركب (هيجل-كوجيف) جاء نتيجة قراءة كوجيف لهيجل، وهذه القراءة لم يكتف فيها بالشرح والتعليق،

(92)

وإنما انطلق من خلفياته المتأثرة بالرؤية الماركسية، والرؤية الوجودية الهايدغرية، وعلى الرغم من معرفة فوكوياما ان قراءة كوجيف لهيجل لم تكن شرحاً وتعليقاً فقط، فقد اخذ فكر هيجل عن طريقه، وهو يعرف ان هذا ليس هيجل وإنما (هيجل ـ كوجيف).

ثالثاً: توظيف فوكوياما لفكرة «الصراع من اجل الاعتراف»

يحاول فوكوياما إكمال عمله الذي بدأه من اجل التوصل إلى ان الديمقراطية الليبرالية نهاية للتاريخ، وبعد أن ارتكز على الفيزياء الحديثة في تقديم رؤية لنهاية التاريخ متمثلة بالجانب الاقتصادي لليبرالية، حاول هنا إكمال تصوره لنهاية التاريخ مع الجانب السياسي لليبرالية، فلجأ إلى فكرة «الصراع من اجل الاعتراف».

يقول فوكوياما «فبحسب تفسير الكسندر كوجيف يعطينا هيجل أوالية بديلة تمكننا من فهم التطور التاريخي، وهي أوالية ترتكز على الصراع من اجل الاعتراف، فدون حاجة إلى التخلي عن تفسيرنا الاقتصادي للتاريخ، تمكننا نظرية الاعتراف من إنقاذ الديالكتيك غير المادي الذي يبدو أغنى بكثير في فهمه للدوافع الانسانية من النظرة الماركسية أو من الطريقة السوسيولوجية التي انبثقت عن ماركس»[1]، من خلال قول فوكوياما هذا يتبين ان الارتكاز على فكرة الصراع من اجل الاعتراف إكمال لارتكازه السابق على الفيزياء، ويحاول فوكوياما أن يبين فهمه لفكرة الصراع من اجل الاعتراف، فيقول الأمور المادية لكنه له أمور غير مادية

(93)

كامتلاكه الرغبة، وفوق كل ذلك فهو يرغب رغبة ال«لكي نعرف ما يعنيه الصراع من اجل الاعتراف علينا أن ندرك المفهوم الهيجلي للإنسان او الطبيعة الانسانية»[1].

يرى فوكوياما ان الإنسان عند هيجل يتقاسم مع الحيوانات بعض ناس الآخرين، أي يرغب باعتراف هؤلاء الناس به، فبحسب هيجل لا يمكن للفرد أن يعي نفسه أي أن يعي هويته الانسانية المتميزة دون أن يعترف به الناس الآخرون[2]. والذي يشكل الطابع الإنساني للإنسان قدرته على المخاطرة بحياته عن وعي «فالإنسان هو في الأساس إنسان اجتماعي يتجه نحو الآخر إلا ان اجتماعيته تقوده ليس نحو مجتمع مدني مسالم وانما نحو صراع مميت من اجل الهيبة والاعتبار فحسب»[3]، وبوصف الإنسان حراً وقادراً على الخيار الأخلاقي، فأن فوكوياما يربط بين الحرية والرغبة بالاعتراف، و يذكر أن الإنسان وحده يخوض المعركة من اجل الرغبة بالاعتراف لأنه حر[4]، واتماما لعرض فوكوياما لفهمه لرغبة الاعتراف فانه يقول» رغبة الاعتراف هذه هي الجانب السياسي بالذات من الشخصية الانسانية لأنه هو الذي يدفع الناس إلى إرادة فرض أنفسهم على الناس الآخرين»[5].

ويلاحظ ان فوكوياما قد خصَّ مسار الرغبة بالاعتراف بالجانب السياسي دون الجوانب الأخرى، وربما يكون ذلك نتيجة عدم

(94)

إيجاده ركائز في الجانب السياسي للنظام الليبرالي كي يثبت أنه نهاية التاريخ، ويحاول فوكوياما أن يجد مقاربات بين الرغبة بالاعتراف وأفكار أخرى ربما تكون قريبة منها في الفكر الفلسفي، فيحاول إيجاد مقاربة بين الرغبة بالاعتراف والثيموس التي هي كلمة إغريقية الأصل تعني مراكز الانفعالات والرغبة والتقلب، وقد ترجمت هذه الكلمة بالروح أحيانا، أو بالنفس أحيانا أخرى[1]، وافلاطون كان يعد الثيموس أساس الفضيلة، ويكون محكوماً بالعقل [2]، ويبدأ فوكوياما إبراز فهمه للثيموس، ويبين أنها تعني حماسة الشعور[3]. من ثم يقول « فالثيموس يظهر إذا في كتاب الجمهورية وكأنه مرتبط بشكل معين بالقيمة التي نضعها في ذاتنا وهو ما يمكن ان نسميه احترام الذات»[4]، ويقول« الثيموس هو ما يشبه الإحساس الفطري بالعدالة لدى الإنسان، يعتقد الناس أن لهم كرامة معينة، وعندما يتصرف الآخرون اتجاههم وكأن لهم اقل من هذه الكرامة، فأنهم يستثيرون غضباً»[5].

وبعد هذا الفهم لفكرة الثيموس عند إفلاطون الذي قدمه فوكوياما يتوصل لنتيجة تقرر أن الثيموس مركز الرغبة إذ يقول «ان الثيموس الأفلاطوني ما هو إلا المركز النفساني للرغبة الهيجلية

(95)

رغبة الاعتراف، فالسيد الارستقراطي يندفع إلى المعركة الدامية بفعل الرغبة في أن يقدره الآخرون بحسب المستوى الذي يعتبر انه يمتلكه، وهو يثور غاضباً عندما يجري رفض هذا المعنى لقيمته الذاتية، فالثيموس و«رغبة الاعتراف» يختلفان بعض الشئ من حيث ان الأول يستند إلى جزء من النفس يشحن الأشياء بالقيمة بينما الثانية هي احد نشاطات الثيموس التي تطلب من الوعي الآخر أن يشاركها في التقدير نفسه، من الممكن أن يشعر الفرد في ذاته بالاعتزاز الثيموسي دون أن يطلب الاعتراف، ولكن تقدير الذات ليس شيئاً مثل التفاحة او السيارة: انه حالة وعي، ولكي تملك يقيناً ذاتياً عن مفهومنا الخاص لقيمة ان يعترف به من قبل وعي آخر، وهكذا فالثيموس يدفع الناس بشكل مميز ولكن دون ان يكون حتمياً إلى البحث عن الاعتراف»[1]، وبالرغم من الاختلاف بين الثيموس ورغبة الاعتراف إلا ان الثيموس يبقى عند فوكوياما مركزاً لرغبة الاعتراف.

ويستمر فوكوياما بإجراء مقارباته، فينتقل من مقاربة رغبة الاعتراف مع الثيموس إلى رغبة الاعتراف مع الميغالوثيما Megalothymia إذ يقول «أن وجود بعد أخلاقي في الشخصية الانسانية، من شأنه أن يقدر باستمرار الذات والآخرين لا يعني وجود اتفاق حول المحتوى الجوهري للأخلاقية، ففي عالم من «الانوات» الأخلاقية والثيموسية دائماً بروز خلافات وصدامات وانفعالات غاضبة يعطيها المفكرون الأسماء المتنوعة بحيث ان الثيموس هو أيضا نقطة انطلاق النزاعات

(96)

بين الإنسان حتى في مظاهره الأكثر تواضعاً.. ليس من سبب للاعتقاد ان كل واحد سوف يقدر نفسه على انه مساوٍ للآخرين، فهو بالأحرى يسعى لان يعترف به كمتفوق على الآخرين ربما على قاعدة قيمة داخلية حقيقية، ولكن غالباً تحت تأثير إفراط عبثي في تقدير الذات، هذه الرغبة بان يعترف بنا كمتفوقين على الآخرين نعطيها اسماً جديداً ذا جذر يوناني الميغالوثيما»[1]، ومن خلال قول فوكوياما هذا يتبين ان فوكوياما يرى أن الرغبة بالاعتراف لا تقف عند حد الاعتراف بأنه مساوٍ للآخرين بل ان يُعترف به متفوقاً عليهم.

ويحاول فوكوياما بعد ان يضمن عباراته بمفاهيم ذات جذور يونانية قديمة مثل الثيموس والميغالوثيما التي تعني جنون العظمة[2]، يحاول أن يجد لها تفسيرات في ارض الواقع فيقول «هذه الميغالوثيما قد تبرز عند الطاغية الذي يجتاح ويستعبد شعباً مجاوراً من اجل ان يعترف بسلطته كما تبرز عند عازف البيانو في حفل موسيقى يريد ان يعترف به على انه أفضل عازف»[3]، ولم يكتف فوكوياما بهذه المقاربات بل انتقل إلى الايزوثيميا Isothymia  وجعلها مظهراً من مظاهر الرغبة بالاعتراف إذ يقول «وعكس هذه الميغالوثيما الايزوثيما أو الرغبة في أن يعترف بنا كمساوين للآخرين، وكلا الرغبتين تشكلان مظهرين لرغبة الاعتراف»[4].

(97)

وبعد أن بذل فوكوياما جهداً في مقارباته ليبين ان الثيموس والميغالوثيما والايزوثيميا ما هي إلا مظاهر لرغبة الاعتراف، وان رغبة الاعتراف نالت اهتمام الفكر الفلسفي عن طريق الاهتمام بمظاهرها التي أجرى مقاربة معها، فالميغالوثيما كانت جزءاً من اهتمامات ميكافللي، متمثلة لديه بشكل الرغبة في المجد التي كان يعتبرها المحرك النفسي الأساسي لطموح الأمراء[1]، أما مؤسسو الليبرالية مثل هوبس ولوك، فقد كانا عدوي الكبرياء الارستقراطي الذي يعد شيمة أخلاق المحارب، فلم يعتقد هوبز ان الميغالوثيميا على أساس من الفضيلة السامية[2]، وبعد أن ذكر فوكوياما محل اهتمام بعض الفلاسفة بالميغالوثيميا سواء بالتأكيد او الرفض انتقل ليذكُر إن نيتشه هو بطل الثيموس[3]، وتعلق شاديا دروري[4] على موقف فوكوياما من نيتشه فتقول «يرى فوكوياما ان نيتشه أعظم وابلغ مناصر للثيموس في العصر الحديث ورسول نهضة فحتى عندما بدا الأمر ميئوسا منه أكد نيتشه برجولة أسبقية الميغالوثيميا، وسعى إلى تعطيل الضرر الذي ألحقته الليبرالية الحديثة بكبرياء الإنسان، ويبذل فوكوياما جهدا شجاعاً لينأى بنفسه عن الاستنتاجات التي توصل إليها نيتشه أي العودة إلى الميغالوثيميا، والفضاضة التي

(98)

تنجم عنها، لذلك يتجه فوكوياما نحو هيجل»[1].

وبعد هذا الجهد الكبير الذي بذله فوكوياما في مقاربته يرجع إلى هيجل ليحاول التوصل من خلال رغبة الاعتراف إلى ان نهاية التاريخ مع الديمقراطية الليبرالية، فلماذا كل هذه المقاربات؟

ربما يكون دافع فوكوياما في مقارباته إيضاح إن الرغبة بالاعتراف لم تكن ميزة الإنسان العادي فقط، وانما نالت اهتمامات الفلاسفة حيث كانت محركاً في دراساتهم وتفسيرهم للإنسان.

يقول فوكوياما «ان هيجل يمنحنا فرصة لإعادة تفسير الديمقراطية الليبرالية الحديثة بتعابير تختلف بشكل محسوس عن تعابير التقليد الانكلو ـ ساكسوني لليبرالية الذي ينبثق من هوبس ولوك، ان هذه الرؤية الهيجلية لليبرالية هي في الوقت نفسه رؤية أنبل مما يتصوره، وتفسير أدق لما تعنيه شعوب العالم عندما نقول أنها تريد العيش في ظل الديمقراطية، بالنسبة لهوبس ولوك، كما بالنسبة لخلفائها الذين كتبوا الدستور الأمريكي، وإعلان الاستقلال يعبر المجتمع الليبرالي عقداً اجتماعياً بين أفراد يملكون بعض الحقوق الطبيعية، وأهمها الحق بالحياة (أي غريزة البقاء)، والحق بالبحث عن السعادة الذي فهم عامة انه حق الملكية الخاصة، فالمجتمع الليبرالي يصبح بهذا اتفاقاً متساوياً ومتبادلاً بين المواطنين يقضي بألا يتدخلوا في حياة بعضهم ولا في ملكيات بعضهم، أما بالنسبة لهيجل، فالمجتمع الليبرالي هو على العكس اتفاق متساو ومتبادل

(99)

بين مواطنين من اجل الاعتراف ببعضهم»[1]، وبحسب هذا القول لفوكوياما، فأنه يحاول إعادة النظر في المرتكزات الفكرية للنظام السياسي والاجتماعي الغربي عبر تغيير منابع هذا الفكر، وربما تكون محاولته هذه نتيجة تنامي سؤال الهوية، وبدافع الحاجة إلى سيادة فكرة الرغبة بالاعتراف بالنظام السياسي نتيجة لما يشعر به فوكوياما من عدم الاعتراف بانتصار النظام الديمقراطي الليبرالي وسيادته على كل الأنظمة في العالم لأنها انتصرت على النظام القائم في الاتحاد السوفيتي سابقاً.

ولا يسعى فوكوياما الى توضيح تحقق الاعتراف على مستوى الفرد تجاه فرد آخر وانما تحقيق الاعتراف على مستوى جماعي لمجموعة أفراد إذ يقول «فإذا كان بالإمكان تفسير الليبرالية بحسب هوبس ولوك، أنها سعي وراء المصلحة الشخصية، فأن الليبرالية الهيجلية يمكن اعتبارها سعياً وراء الاعتراف بكرامة كل شخص بصفته كائناً إنسانيا حراً ومستقلاً من قبل الجميع»[2]، ولتوضيح طبيعة الاعتراف الشامل والعقلاني والاعتراف اللاعقلاني يذكر ان الدولة القومية ليست دولة يتحقق فيها الاعتراف العقلاني الشامل لأنها تقتصر في مواطنيها على المشتركين بقومية او أثينية او عرقية واحدة[3].

ومن هذا يتبين ان فوكوياما في سعيه الى توضيح فكرة الرغبة

(100)

بالاعتراف لم يسعَ لإثباتها على مستوى أفراد وإنما سعى لإثباتها في المجال السياسي على مستوى مجموعة داخل دولة توفر الاعتراف الشامل، والعقلاني لكل الناس، وليس على أساس هويتهم القومية او الدينية او العرقية. فما هذه الدولة التي توفر الاعتراف العقلاني الشامل؟

يجيب فوكوياما بأنها «الدولة الليبرالية بالمقابل، فهي دولة عقلانية لأنها توفق بين متطلبات الاعتراف المتنازعة على القاعدة الوحيدة المتبادلة التي يمكن قبولها أي على قاعدة هوية الفرد باعتباره كائناً إنسانيا»[1]، ويبرر فوكوياما قوله بان الديمقراطية الليبرالية تعترف بجميع الناس بشكل شامل لأنها تؤمن حقوقهم وتحميها [2].

وفوكوياما يؤيد رؤية كوجيف التي تشير إلى أن أمريكا والدول الأوربية مثلت التحقق الكامل للدولة الشاملة والمنسجمة «دولة الاعتراف الشمولي» كما يعبر عنها فوكوياما[3]، وهذه الرؤية لكوجيف مبنية على تفسيره وتأويله لهيجل بأن الدولة الشاملة والمنسجمة قد تكون الدولة الأخيرة في التاريخ الإنساني[4].

وبعد أن أخذ فوكوياما تفسير كوجيف لهيجل ورؤيته بأن التاريخ ينتهي مع الدولة الشاملة والمنسجمة، بدأ يبين مرتكزات هذه الدولة،

(101)

التي هي بالحقيقة مرتكزاته لإثبات فكرته إذ يقول « فالدولة الشاملة والمنسجمة التي تظهر في نهاية التاريخ يمكن رؤيتها إذا مرتكزة إلى دعامة مزدوجة مؤلفة من الاقتصاد، والاعتراف، والتطور التاريخي الإنساني الذي يؤدي إليها قد تحرك بشكل متساو بواسطة تطور الفيزياء الحديثة التدريجي وبواسطة الصراع من اجل الاعتراف»[1].

وبعد هذا العمل الذي قدمه فوكوياما يتوصل إلى الحلقة المفقودة بين الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية عن طريق الرغبة بالاعتراف وفي هذا يقول « رغبة الاعتراف هي إذن الحلقة المفقودة بين الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية»[2].

وبعد أن تم لفوكوياما توضيح مرتكزاته سواء من خلال توظيفه منجزات الفيزياء أو رغبة الاعتراف، فأنه يعلن خطاب الانتصار فيقول «سوف لا يبقى في نهاية التاريخ أي منافس حقيقي للديمقراطية الليبرالية، فقد سبق أن رفضتها الشعوب لاعتقادها أنها كانت لا ترتقي إلى مستوى النظام الملكي، أو الارستقراطي، أو الثيوقراطي، أو الفاشي، أو الشيوعي الكلياني (Totalitaire) أو بقية الأيدلوجيات الأخرى التي ظهرت على الأرض، ولكنه اليوم عدا العالم الإسلامي ثمة على ما يبدو بروز اتفاقاً عام يقبل بشرعية ادعاءات الديمقراطية الليبرالية في ان تكون شكل الحكم الأكثر عقلانية، أي الدولة التي تحقق بوجه أكمل الاعتراف العقلاني بقدر ما تحقق الرغبة العقلانية»[3].

(102)

وفي القول السابق يبين فوكوياما انتصار الديمقراطية الليبرالية، ولكنه في الوقت نفسه  يشير إلى بروز من لا يقبل بهذا النظام، وهو العالم الإسلامي، ولكنه لا يهتم بما سيحدث في المستقبل من علاقة بين النظام الديمقراطي الليبرالي والإسلام وإنما انتهى اهتمامه بالماضي والحاضر فقط، وهذه المهمة المستقبلية ستكون مسؤولية هنتنغتون في صدام الحضارات.

وبعد هذه الرحلة الشاقة التي قطعها فوكوياما من اجل أن يثبت انتصار الديمقراطية الليبرالية التي بذل فيها جهداً كبيراً في سعيه الى أثبات مرتكزاتها سواء من خلال الفيزياء الحديثة أو الصراع من اجل الاعتراف، فأنه يُلاحظ عليه عدة أمور فيما يتعلق بالمرتكز ا2لثاني منها:

لا احد يستطيع إنكار ان الرغبة بالاعتراف متجذرة في كيان كل إنسان سوي، ولكن هل يمكن لنظام ما ان يلبي حاجات هذه الرغبة؟

إن الرغبة بالاعتراف من أهم الأفكار التي قال بها هيجل، وحاول فوكوياما استثمارها من خلال فهم كوجيف لها وهو غير مبال بأصل هذه الفكرة، وهل هي نابعة من فكر هيجل؟ أم هي نتيجة لفهم كوجيف ؟ والمعروف عن كوجيف انه لم يكتف بشرح أفكار هيجل بل أضاف عليها من خلفياته الفكرية، وبالتالي فأن فوكوياما قام بعمليه فهم لما فهمه كوجيف عن هيجل.

حتى يتوصل فوكوياما إلى ان الليبرالية السياسية نهاية للتاريخ، فأنه يبذل جهداً كبيراً في إثبات ان الرغبة بالاعتراف متجذرة في البحث الفلسفي، ومن ثم يبين ان النظام الديمقراطي الليبرالي يلبي

(103)

حاجيات هذه الرغبة.

ويُلاحظ على فوكوياما انه حاول حشد اكبر قدر ممكن من المفاهيم الفلسفية ذات الجذر اليوناني ليضيف الى أطروحته الصبغة او الطابع الفلسفي، فمن خلال خريطة بسيطة لهذا المبحث يلاحظ ان فوكوياما بدأ بالرغبة بالاعتراف بوصفها محركاً للتاريخ، ومن ثم انتقل لمقاربتها مع الثيموس الذي يعده مركزاً للرغبة، ومن ثم إلى مقاربة الرغبة مع الميغالوثيميا والايزوثيما بوصفهما مظاهر لهذه الرغبة، وينتهي بالدولة الشاملة صاحبة الاعتراف العقلاني التي تتحقق معها نهاية التاريخ.

إعلانه انتصار خطاب النظام الديمقراطي الليبرالي الممثل للنظام الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أوضح فيه ان هناك قد يكون من لا يقبل بالنظام الديمقراطي الليبرالي، وانه سوف لا يبقى أي منافس حقيقي للديمقراطية الليبرالية في العالم عدا العالم الاسلامي، فهذا لا يرجع الى رفض الاسلام للنظام الديمقراطي الليبرالي كما ادعى فوكوياما، وإنما الى استقلالية النظام الاسلامي وما يمتلكه من مؤهلات تساعده على حل مشاكل العالم المعاصر، وإنما يحتاج إلى من يفهمه بعقل علمي واعٍ لمتطلبات العصر، وليس بعقل متحجر لا يدري ما الذي يحدث؟ او عقل خاضع ومتأثر بالغرب ينتظر منهم الأفكار حتى يقاربها او يحاول تطبيقها.

(104)

 

 

 

 

القسم السادس

نقد الديمقراطية الليبرالية

 بوصفها نهاية للتاريخ

 

(105)

لقد تعرضت أطروحة نهاية التاريخ عند فوكوياما أو كل من قال بها، وفي هذا الجزء من الدراسة سيتم التركيز ليس على فكرة نهاية التاريخ تجنبا لتكرار ما قُدم لها من نقد، إنما تقديم نقد للنتيجة التي توصل لها فوكوياما، وهي أن الديمقراطية الليبرالية تشكل نهاية للتاريخ، وبمعنى آخر أن العقل البشري يعجز عن الأتيان بنظام سياسي افضل منه. ويوظف النقد هنا المقدم للديمقراطية الليبرالية مجموعة من النصوص الفلسفية في بناء رؤية نقدية.

أولاً- الديمقراطية الليبرالية

يرتبط مفهوم الديمقراطية ارتباطاً وثيقاً بالدولة والنظريات السياسية، ومفهوم الديمقراطية له معايير متعددة اختلفت من حين إلى آخر، وبحسب المجتمعات التي سادت فيها، فالديمقراطية التي برزت في أثينا في القرن الخامس ق.م تختلف عن ديمقراطية القرون الحديثة، حتى إن بعض الأميركيين في القرن الثامن عشر استعمل مفهوم الجمهورية بديلاً لمفهوم الديمقراطية، وقد ارتبطت الديمقراطية بالحكومة الدستورية، وارتبط نقيضها بالدكتاتورية، وعلى الرغم من اختلافات الرؤى حول مفهوم الديمقراطية من عصر إلى آخر إلا أن المفهوم له وقع محبب تحاول الدول- بغض النظر عن نوع النظام الذي يحكمها ـ أن تصف نفسها بأنها دول ديمقراطية، فالدول الصناعية الغربية ذات الحزبين التي ورثت النظام السياسي البريطاني، والدول المتعددة الأحزاب تدعي الديمقراطية، والدول

(106)

ذات الحزب الواحد تدعي الديمقراطية، ولكن بالرغم من مسعى الدول إلى أن يطلق عليها دولة ديمقراطية فإن بعض الفلاسفة أمثال (أفلاطون وأرسطو)[1] قد حطوا من شأن الديمقراطية [2].

وبالرغم من الاختلاف الحاصل في معنى الديمقراطية من عصر إلى آخر فإن المفهوم بقي محافظاً على معناه حيث أن الديمقراطية «تشتق من اللفظة اليونانية ديمو demosوتعني الشعب وكراتاين  kratos وتعني القيادة أي الحكم بواسطة الشعب»[3].

أما الليبرالية فأنها لم تكن نظرية متكاملة في السياسة والاقتصاد والاجتماع على يد مفكر واحد بل كانت نتيجة للجهود المبذولة من قبل عدد من المفكرين قاموا بإعطائها الشكل الأساس والطابع المميز لها، فشكلها المتكامل لا ينسب إلى جون لوك وحده أو إلى جون ستيوارت مل(John stuart mill)[4] أو إلى غيرهما، وان كان كل واحد من هؤلاء الفلاسفة قدم مساهمة بارزة وفعالة

(107)

وان كان كل واحد من هؤلاء الفلاسفة قدم مساهمة بارزة وفعالة في إعطاء الليبرالية الخصائص التي هي عليها، وإذا كان لليبرالية جوهر فهو التركيز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد، فالليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من التسلط بنوعيه: تسلط الدولة وتسلط الجماعة [1]، أما تعريف الليبرالية فهناك من يعرفها بأنها «لون من الفلسفة السياسية ظهر في ظل الرأسمالية وتضرب الليبرالية جذورها الفكرية في مذاهب لوك والمنورين الفرنسيين خاصة، وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر كانت الليبرالية تمثل البرنامج الايديولوجي للبرجوازية الفتية، التي كانت تناضل ضد بقايا الإقطاعية، وتلعب دوراً تقدمياً نسبياً وكانت تدعو إلى حماية مصطلح الملكية الخاصة، وتوفير المنافسة الحرة والسوق الحرة وترسيخ مبادئ الديمقراطية البرجوازية وإشاعة الحياة الدستورية وإقامة الأنظمة الجمهورية»[2].

أما فيما يتعلق بارتباط الديمقراطية بالليبرالية، فيمكن إيجاد ذلك من خلال المعنى الأوسع للديمقراطية الذي عدّه بعض الباحثين مطابقاً لليبرالية، وهذا المعنى تضمن قيام الديمقراطية على الاعتقاد بأن كل قوة مصدر خطر، ومن ثم فإن الحكم العادل هو الحكم المحدود السلطة، فالسيادة المطلقة للأغلبية لا يوثق فيها مثل

(108)

السلطة المطلقة للحاكم الفرد أو للارستقراطية، وكل الحكومات يجب إحاطتها بقيود لحماية الأقليات والأفراد، وهذه القيود تتكون من ضمانات للحقوق المدنية والشخصية، إذ عَدََ جون لوك هذه الحقوق من العناصر الأصلية في قانون الطبيعة، وعدها جون ستيوارت مل مميزات ضرورية بصورة مطلقة لتقدم المدنية، وفي جميع الحالات كانت الديمقراطية من هذا النوع أكثر اهتماماً بالحرية منها بالنظام، وتعنى بسلامة الفرد بقدر عنايتها -على الأقل- بخير المجتمع[1].

ثانياً: نقد العدالة والمساواة الليبرالية

منذ ثمانينيات القرن العشرين، انتقد بعض المنظرين السياسيين وجهات النظر الليبرالية، ولم يكُن نقدهم محدوداً إنما شمل البنية الكاملة للنظرية الليبرالية، التي منها تركيزهم على الفرد وأهمية الحرية الفردية، ويمكن القول أن الليبراليين يشجعون كل فرد على البحث عن الخير وتحديده ضمن البنية السياسية التي تحدد وتفرض ما هو الحق، أما من نقد هذا التصور مثل الجماعاتيون[2] فإنهم يعتقدون

(109)

بأن البنية السياسية لها دور هام في تحديد الحق والخير ومساعدة الناس للحصول عليه، وتؤكد على أن كل فرد يمكنه تطوير هويته ومواهبه ضمن سياق الجماعة التي ينبغي أن تبدأ الحياة السياسية في ضمنها أيضاً، وليست مع الفرد، لأن الجماعة هي التي تحدد طبيعة الأفراد[1].

وهناك نقد مؤثر آخر لليبرالية وفق القول بأن العقلانية العالمية تتطلب تقسيم الثروات بالتساوي[2]، وإن المعيار النقدي الموجه للعدالة الليبرالية يؤيد المساواة، سواءً أكان في شكل تكافؤ الفرص أو الحقوق المدنية والسياسية، لكن الليبرالية تتجاهل الفوارق المادية في شكل من أشكال عدم المساواة، وهذا نقد صريح لليبرالية التي تلتزم بحقوق الملكية الذاتية.    

ويمكن القول إن الليبرالية ليست كما كانت عليه من قبل، إذ تقف عند الاستخدام الحر للسلطة، ولاسيما مع السياسيين الذين يعززون برامجهم من أموال الآخرين[3]. ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، فُتح محوراً آخراً في الفلسفة السياسية المعاصرة من خلال مناقشة المساواة

(110)

الليبرالية، وكانت النتيجة إن النقاش الأكثر أهمية تمثل بإعادة توزيع الثروة الناتجة من الليبرالية، وامتازت المناقشة بثقة عالية، ولهذا نوقش سؤال لمن المساواة؟ هل تعني ارضاء الجميع؟ إذ كان هناك استياء من فكرة  المجتمع العادل المبني على أساس عدم المساواة في الثروة، التي يعتبرها البعض ليس لها أساس أخلاقي، ولهذا كان هناك قلق على مسار العدالة في ظل المساواة الليبرالية[1].

ومما تجدر الإشارة إليه إن بعض النقاد قد أثار العديد من الاعتراضات على المساواة الليبرالية بحجة انكارها للتمييز بين أشكال مفهوم الجماعات الثقافية، أما البعض الآخر فقد انكر امكانية شعور الأفراد بأنهم أعضاء لثقافات، والبعض الآخر يقول إنه حتى إذا كان يمكن الادعاء بأن الأفراد هم أفراد من ثقافات مختلفة، فليس هناك أي سبب لافتراض إن رفاه أو حرية الفرد ترتبط بأي شكل من الأشكال مع ازدهار الثقافة [2]. وهذا يكشف عن وجود أزمة داخل الليبرالية لمن هو ملتزم بالمساواة الليبرالية والتعددية الثقافية، وعلى وفق ما ذكر ينبغي احترام الاختلافات الثقافية التي تفترض عدم المساواة في التعامل من أجل انصاف بعض الجماعات الثقافية [3].

(111)

ويمكن القول إن العلاقة الدقيقة بين المساواة وحقوق الأقليات نادراً ما أشير إليها، لأن الاعتقاد السائد إن الفكرة كانت واضحة بما فيه الكفاية، والدول المتعددة تمنح الحقوق الفردية الشاملة لجميع مواطنيها، بغض النظر عن عضوية الجماعة، ويبدو عليها الحياد، ولكن في واقع الأمر إن طبيعة المؤسسات تكون وفق جماعة الأغلبية مثل: رسم الحدود الداخلية، اللغة في المدارس، المحاكم، الخدمات الحكومية، اختيار العطل العامة، وتقسيم السلطة التشريعية بين المركزية والمحلية[1].

ولعل من أبرز الأسئلة المطروحة في معالجة التعدد الثقافي يتمثل بـ هل يمكن التعرف على دستور عصري يستوعب التعدد الثقافي؟ وهذا يُعدّ من أصعب الأسئلة المُلحة للمرحلة السياسية في فجر القرن الحادي والعشرين، وربما يوصف بأنه سؤال الحقبة القادمة، وليس له علاقة بوصف المرحلة السابقة كـ ما بعد الامبريالية وما بعد الحداثة وكثيراً ما وصف بعصر التعدد الثقافي. فليست المسألة أن تكون مع أو ضد التعدد، إنما ما الذي يمكن أن تقدمه العدالة الليبرالية لمطالب التعدد الثقافي[2]؟

هناك وعي يتنامى للقول بأهمية موضوعات الهوية الثقافية، التي عادة ما يتم تجاهلها من النظريات الليبرالية للعدالة، أو التقليل من

(112)

أهميتها، وهذا سينتج عنه الشعور بالأذى، حتى لو كانت الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية محترمة، فإذا فشلت مؤسسات الدولة بأن تعترف وتحترم هوية الجماعة الثقافية، فإن ذلك سينتج أضراراً جسيمة على احترام الذات، لذلك فإن مبدأ نظرية العدالة القائم على معارضة مبطنة لحقوق الأقليات قد تلاشى، وهذا لا يعني إن المعارضة السياسية والفلسفية قد اختفت أو تضاءلت بشكل ملحوظ، إنما قد أخذت شكلاً جديداً، وبالأحرى أخذت شكلين[1]:

الأول/ يتعلق بالمسألة الأولى لعدالة مطالب حقوق الأقليات، ولاسيما التركيز على سياسات التوزيع غير العادلة للحقوق المرتبطة بالهوية الثقافية.

الثاني/ يتعلق بقضايا المواطنة، مع التركيز ليس على العدالة أو الظلم من سياسيات معينة، إنما على طريقة التعامل مع حقوق الاقليات التي تهدد بتآكل أنواع الفضائل المدنية وممارسة المواطنة التي تدعم الديمقراطية السليمة. أي العمل على ايجاد فضائل مدنية تنظم واجبات الأقليات.

إن التركيز على العدالة يعكس الحقيقة التي تعارض حقوق الأقليات في لغة العدالة التقليدية، فقد جادل النقاد طويلاً في مطالب العدالة بأن تكون مؤسسات الدولة محايدة، ووفق رأي البعض إن مناقشة حقوق الأقليات ستخلق مواطنين من الدرجة

(113)

الأولى والثانية، وهذا بحد ذاته يؤسس لأخلاق تعسفية، وإن العقبة الأولى التي تواجه أي مدافع عن حقوق الأقليات تتمثل بالتغلب على هذا الافتراض، وتبين إن غض البصر عن الاختلاف الذي تم اعتماده كقاعدة من أجل استيعاب الاختلافات الثقافية هي ليست ظالمة بطبيعتها، إنما يرجع لطبيعة المؤسسات السائدة غير المحايدة، بل إنها ضمناً أو صراحة تميل نحو مصالح وهويات الجماعة المسيطرة[1].

ثالثاً: نقد الديمقراطية الليبرالية بوصفها مرتكزاً  لتعدد الثقافات

راودت الباحث مجموعة من الأسئلة المرتبطة بدراسة هذا الموضوع، ومن هذه الأسئلة: هل تُعدّ الليبرالية مرتكزاً لتعدد الثقافات على الرغم من أن العديد من الدول الليبرالية هي دول مبنية وفق هوية الاغلبية؟ وهل يتفق منظرو الليبرالية على مسألة امكانية بناء دولة متعددة على وفق المنظور الليبرالي؟ مع العلم إن البعض حين يذكر التعددية يربطها بالليبرالية.

هناك فجوة بين العالم الحقيقي والديمقراطيات الليبرالية، إذ تظهر مجموعة مطالب معقدة في بناء الدولة مثل حقوق الأقليات، وإن النظرية السياسية الليبرالية تجاهلت إلى حد كبير طريقة التعامل مع حقوق الأقليات، بل تورطت أحياناً بنشاط في قضايا الأمة[2] ويتعلق الأمر بمدى قدرة الديمقراطية الليبرالية على

(114)

معالجة قضايا التعدد الثقافي داخل الدولة المتعددة، وهل تؤهلها أسسها النظرية لذلك؟

تاريخياً [1]، حاولت الديمقراطيات الليبرالية قمع الأقلية القومية، وغالباً كانت محاولتها بلا رحمة[2]، لكن هذا الموقف تجاه الأقليات قد تغير بشكل كبير في أواخر القرن العشرين، وهناك اعتراف بأن قمع الأقلية القومية كان خطأً لأسباب تجريبية ومعيارية على حد سواء، تجريبياً، إذ تبين الأدلة إن الضغط على الأقليات القومية للاندماج في الجماعة المهيمنة لم ينجح، وإن الدول الغربية قد أساءت كثيراً في الحكم على تماسك هويات الأقليات، فمظهر الهوية يمكن أن يتغير بسرعة، مثل: الأبطال والخرافات والعادات التقليدية، ولكن الهوية نفسها بمعنى كونها ثقافة متميزة هي أكثر استقراراً، فالحكومات الديمقراطية الليبرالية في بعض الأحيان تستخدم كل الأدوات المتاحة لديها لتدمير شعور الأقليات بهويتها، ولكن على الرغم من قرون من التمييز الثقافي، فقد حافظت الأقليات على حقها بتشكيل

(115)

أمة متميزة وعلى رغبتها في الاستقلال الوطني، والنتيجة هي في كثير من الأحيان اتهامها بعدم الولاء وإنها انفصالية، في الواقع، إن الدراسات الأخيرة في جميع أنحاء العالم أظهرت بأن ترتيبات الحكم الذاتي تقلل من احتمالات الصراع العنيف، أما الرفض فمن المرجح أن يصعد مستوى الصراع، وفي تجربة الديمقراطيات الغربية فإن أفضل  طريقة لضمان ولاء الأقليات هي قبولها على وفق هويتها المتميزة وليس العكس[1].

ذكر عدد من المنظرين الليبراليين إن الذي يخفى عن الأنظار هو إن الثقافة الامبريالية تجسدت في معظم الدساتير الليبرالية، إذ تم الاعتراف بأمة واحدة على حساب استبعاد أو استيعاب كل الآخرين[2]. وفي جميع الديمقراطيات الليبرالية، تعدّ واحدة من الآليات الرئيسة لاستيعاب الاختلافات الثقافية هي حماية حقوق الافراد المدنية والسياسية، ومن المستحيل المبالغة في أهمية حرية الجماعات الثقافية لحماية اختلافها، مع التأكيد على إن الحماية التي توفرها الحقوق المشتركة للمواطنة غير كافية بالنسبة لكثير من الأشكال الشرعية للتنوع في المجتمع[3].

وفي الواقع لم يكن منظرو الغرب صريحين بما فيه الكفاية

(116)

للحديث عن كيفية تعامل الدولة الديمقراطية مع التعدد الثقافي، لذلك كان لديهم جواباً مطلقاً، ويتمثل هذا الجواب بأن الدولة يجب أن تكون محايدة فيما يتعلق بالاختلافات الثقافية، وينبغي أن تكون الدول الليبرالية محايدة فيما يتعلق بالهويات الثقافية[1].

ووفق القومية الليبرالية، فإن الوظيفة المشروعة للدولة هي حماية وتعزيز الثقافات واللغات الوطنية في ضمن حدود الدولة، ويتم ذلك عن طريق انشاء المؤسسات العامة التي تعمل فيها هذه اللغات الوطنية واستعمال الرموز الوطنية في الحياة العامة، ولا تحاول القومية الليبرالية فرض قسري للهوية الثقافية على أولئك الذين لا ينتمون إليها، لكن بموجب مخططها تكون المؤسسات العامة تعتمد اللغة والعطلات ورموز جماعة محددة، بيد إن الأفراد الذين لا ينتمون إلى تلك الجماعة غير محظورين من التعبير والاعتزاز بهويتهم الخاصة، ويبقون أحراراً في التحدث بلغات أخرى أو الاحتفال بأعيادهم ورموزهم، على العكس من أشكال القومية الأخرى، التي تستخدم الإكراه لتعزيز الهوية المشتركة[2].

ويمكن القول إن الليبرالية تسمح بحرية الأفراد، لكن هذه الحرية لا توجد للجماعات، بمعنى آخر إن حرية التعبير مكفولة للفرد وليس للجماعة، ومهما يكن من نتائج فإن القومية الليبرالية

(117)

هي أفضل أشكال القومية، على الرغم من سعي القومية الليبرالية كذلك إلى فرض هوية جماعة الأغلبية.

ويمكن القول إن هناك أشكالاً من الليبرالية تساوي بين الحقوق، وهذا ما يمكن أن يعطي فقط اعترافاً محدوداً جداً للهويات الثقافية المتميزة[1]. وهناك شكل من أشكال سياسة الاحترام على أساس المساواة، وعلى النحو المنصوص عليه في ليبرالية الحقوق، التي لا تحتوي حقوق الاختلاف بسبب[2]:

أ-التأكيد على التطبيق الموحد للحقوق دون استثناء.

ب- الشك في الاهداف الجماعية، وبالتأكيد فإن هذا الأنموذج يسعى إلى الغاء الاختلافات الثقافية.

ويمكن القول إن الليبرالية في شكل من أشكالها المتعلقة بتطبيقاتها تعدّ مذنبةً ومتهمةً من أنصار التعددية الثقافية، مع التأكيد على وجود أشكال في الثقافة الحديثة قد عالجت حقوق الهويات الثقافية من خلال مراجعة التشريعات الدستورية، وفي النهاية فإن هذه الأشكال ليست من اجرائية الليبرالية، ولكنها ترتكز على كيفية جعل الأحكام جيدة فيما يتعلق بالحفاظ على الثقافات[3].

ومن مظاهر الليبرالية هي الفردية والتزام التسامح، وضرورة

(118)

عدم التدخل في صراع الجماعات الثقافية، وفي حال وجود جماعة ثقافية ليست فردية وربما ضد الفردية، وتعمل على احياء الجماعة أو النقاء الثقافي، فهل يمتد التسامح الليبرالي لهذه الجماعات غير الليبرالية؟ [1] (28) ولابد من الاشارة إلى ما يدعوه كيمليكا بالتشكيك بأسطورة الحياد الثقافي للدولة الليبرالية، لذلك قدم بدلاً عن ذلك أنموذجه المتماهي مع الدولة متعددة الثقافات المدافع فيه عن حقوق الأقليات[2].

يتبين مما سبق وجود التباس في مسألة أن تكون الليبرالية مرتكزاً للدولة التي تحتوي على تعدد ثقافي، فعلى الرغم من ادعاء منظري الليبرالية امكانية ذلك، إلا أن الواقع العملي والنظري أثبت العكس، ففي الواقع العملي هناك ظلم تعرضت له الثقافات المختلفة في ظل الدولة الليبرالية، أما في الواقع النظري فهناك دلالة على غياب للتأسيس النظري للتعامل مع التعددية، وإن كان هناك تماهياً من الباحث مع موقف رولز في تصنيفه الليبرالية إلى شاملة وسياسية واستبعاده للشاملة من ان تكون مرتكزاً للتعددية، إلا أن الليبرالية السياسية كذلك لا تصمد أمام النقد الذي وجه إليها.

وفي ختام هذا الجزء من الدراسة إن مشروع الليبرالية في معالجة التعدد الثقافي ارتبط أكثر بأنموذج الدولة الأمة، وإن لم تعترف

(119)

احياناً بهذا الأنموذج إلا إنها في واقع الأمر قد عملت به، والأمر الثاني إن القاعدة الرئيسة التي تؤمن بها الليبرالية تتعلق بالحياد الثقافي، فاليوم، تبدو الهوية الثقافية لجماعة الأغلبية بأنها حاضرة بكل مفاصل الدولة الليبرالية وإن لم تبدو للعيان عند البعض، فإن البعض الآخر قد أدرك ذلك.

ومن الواجب القول إن الحال الراهن للديمقراطية الليبرالية لم يكن مثلما هو عليه قبل العقد التاسع من القرن العشرين، إذ هناك العديد من المشكلات التي يفترض وضع حلول لها على شرط أن تكون هذه الحلول ليست مقبولة من مبادئ الديمقراطية الليبرالية فحسب، بل عليها اقناع الجماعات الثقافية التي تسعى للحفاظ على ارثها الثقافي وان كانت تعيش في ظل الديمقراطية الليبرالية.

(120)

الخاتمة

لقد احتلت أطروحة نهاية التاريخ مكاناً لا يستهان به في حقل الدراسات الدينية والفلسفية،  وأول من عني بهذه الفكرة هم رجال الدين المعنيين بالفلسفة، سواءً أكان ذلك في الديانة اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية، من ثم انتقل الاهتمام بهذه الفكرة من رجال الدين الفلاسفة إلى الفلاسفة في العصر الحديث، ولكن هؤلاء علمنوا الغاية بالرغم من اشتراكهم بإيجاد صورة لخلاص الإنسان على الأرض، ففي الفكر الديني الفلسفي كانت فكرة نهاية التاريخ خاضعة لتفسير ديني، أما مع الفلاسفة في العصر الحديث فلم تخضع هذه الفكرة لرؤى دينية، وانما خضعت لرؤى فلسفية، ومن أشهر القائلين بهذه الفكرة في العصر الحديث من الفلاسفة هم كانط وهيجل وماركس، وفي الفكر المعاصر هناك من عني بهذه الفكرة مثل الكسندر كوجيف لكن اهتمامه هذا لم يأتِ عن طريق عملية تقديم رؤية للتاريخ الشمولي، وانما جاءت رؤيته نتيجة اهتمامه بفكر هيجل، وتركيزه على هذه الفكرة إذ نالت عنايةً كبيرةً من قبل هيجل، أما في عصرنا، فقد أحيا فوكوياما هذه الفكرة، وبإحيائها  أحيا الاهتمام بحقل فلسفة التاريخ الذي يكون ربما قل الاهتمام به في الفكر الغربي في العقود الأخيرة من القرن الماضي، ولكن فوكوياما لم تعنيه الفكره بقدر ما يعنيه التوصل إلى الغاية التي يسعى

(121)

اليها، والتي يمثلها انتصار الديمقراطية الليبرالية، وتحقق نهاية التاريخ معها بحيث ان الفكر البشري يعجز أن يأتي بنظام افضل من النظام الديمقراطي الليبرالي، وفوكوياما لم يقدم دراسة للتاريخ يبين من خلالها أهمية فكرة نهاية التاريخ بقدر ما كان يعنيه انتصار خطاب أحادي القطبية الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

لم تكن أطروحة فوكوياما غايتها تقديم قراءة للتاريخ الشمولي يتوصل من خلالها الى غاية تكون نتيجة لدراسته وانما هي أطروحة أراد منها أن يثبت ان التاريخ يتجه نحو الديمقراطية الليبرالية فهو في البدء كان يريد أن يثبت إن الديمقراطية الليبرالية ستسود على أنظمة العالم وبالتالي يسخر التاريخ لخدمتها.

لقد استثمر فوكوياما ما يمكنه من الأفكار لكي يثبت صحة أطروحته، فقد وظف منجزات الفيزياء الحديثة في دراسته من اجل أن يثبت ان التاريخ يمكن توجيهه وانه لا يعود الى ما كان علية في الماضي مبيناً أهمية الفيزياء الحديثة في إثبات ذلك عن طريق الحروب والتطور الاقتصادي الذي تدعمه التقنيات الحديثة، وربما جاء استثماره منجزات الفيزياء بسبب مدى قرب نتائج منجزاتها من أغلب الناس، وإحساسهم بتقدمها لما تقدمهُ من تقنيات تعينهم في حياتهم بعكس العلوم الأخرى التي ربما لا يعلم بتقدمها إلا المختصون.

لقد بذل فوكوياما جهدا لا يستهان به من اجل نصرة أطروحته

(122)

فهو قد انتقى بعض المصطلحات من الفلسفة محاولاً إضفاء الطابع الفلسفي على دراسته، وربما يشعر القارئ إن أطروحة فوكوياما هي محاولة لحشد اكبر قدر ممكن من المصطلحات الفلسفية، ولكن في النهاية يتبين أن ما يريده فوكوياما هو المقاربة بين الرغبة بالاعتراف والثيموس والميغالوثيما والايزوثيما من اجل دعم الفكرة التي يريد نصرتها.

لقد فهم فوكوياما هيجل من خلال كوجيف فهو لم يرجع الى هيجل مباشرة في دعمه فكرته، وانما رجع الى هيجل – كوجيف كما يسميه، وهذا يترتب عليه ان الأفكار التي استقاها ربما تكون ليست أفكاراً هيجلية صرفة، فربما تكون إضافات لأفكار هيجل فعلى سبيل المثال الصراع من اجل الاعتراف بين السيد والعبد فهو ليس صراعاً مادياً كما تصوره كوجيف، وإنما هو صراع من اجل الاحترام والاعتراف، ولكن هذا الأمر نجح في فهمه فوكوياما وتمكن من تجاوزه في فكرة نهاية التاريخ لكنه التقى معه في رؤيته حول الإنسان الأخير الإنسان المادي (الحيواني).

يمكن القول أن الباحث يتفق مع القول بنهاية التاريخ، فكما لكل شيء بداية إذن له نهاية، لكن الاختلاف يقع في تصور النهاية، فكل الديانات السماوية ذكرت وجود نهاية لهذا التاريخ وهذا القول من اجل زرع التفاؤل لدى المتدينين، لهذا جاءت النهاية مقترنة مع تحقيق العدالة والسعادة للناس. ومن هذا الرأي، هل يمكن القول بنهاية التاريخ مع الديقراطية الليبرالية التي تحمل الكثير من السلبيات على

(123)

الرغم من امتلاكها لايجابيات عديدة، لكن أن تكون هي نهاية للتاريخ ونهاية للفكر السياسي، فهنا يقع الاشكال، لأن النهاية مرتبطة بالكمال الذي يحقق العدالة، والديمقراطية الليبرالية وفق نظريتها في العدالة والمساواة قد تعرضت ومازالت تتعرض للنقد.

(124)

المصادر والمراجع

المعاجم والموسوعات

1. ارمسون، جي او، الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل، وآخرون، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1963.

2. ديديه، جوليا، قاموس الفلسفة، ترجمة فرنسوا أيوب، واخرون، مكتبة انطوان، بيروت، ط أولى، 1992.

3. روزنتال، م.ب يودين، الموسوعة الفلسفية، ترجمة سمير كرم، دار الطليعة، ط ثانية، بيروت، 2006.

4. زيادة، معن، الموسوعة الفلسفية العربية، مركز الإنماء القومي، بيروت، ط أولى، 1986.

5. صليبا، جميل، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط أولى، 1971.

6. لالاند، اندريه، موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة خليل احمد خليل، منشورات عويدات، بيروت – باريس، ط ثانية، 2001.

7. مصطفى، إبراهيم، وآخرون، المعجم الوسيط، مطبعة باقري، إيران، ط ثانية، 1418هجري.

8. نخبة من المؤلفين الروس، المعجم الفلسفي المختصر رؤية

(125)

ماركسية، ترجمة توفيق سلوم، دار التقدم، موسكو، 1986.

ب- الكتب بالعربية

9. أباه، السيد ولد، التاريخ والحقيقة لدى ميشيل فوكو، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط ثانية، 2004.

10. إبراهيم، زكريا، دراسات في الفلسفة المعاصرة، دار مصر للطباعة، مصر، بلا سنة طبع.

11. إبراهيم، زكريا، هيجل او المثالية المطلقة، دار مصر للطباعة، مصر، بلا سنة طبع.

12. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، اعتناء ودراسة احمد الزعبي، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، بلا سنة طبع.

13. أبو جابر، فايز صالح، الفكر السياسي الحديث، دار الجيل، بيروت،1985.

14. بدوي، عبدالرحمن، فلسفة العصور الوسطى، وكالة المطبوعات الكويتية، الكويت، و دار القلم، بيروت، ط ثالثة، 1979.

15. بدوي، عبدالرحمن، موسوعة الفلسفة، مطبعة سليمان زادة، إيران، ط أولى، 1427هـ.

16. بيرنز، م.ادوارد، النظريات السياسية في العالم المعاصر،

(126)

ترجمة عبدالكريم احمد، منشورات دار الآداب، بيروت، ط ثانية، 1988

17. الجابري، علي حسين، فلسفة التاريخ في الفكر العربي المعاصر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1993.

18. الجابري، محمد عابد، مدخل إلى فلسفة العلوم، ج الثاني، دار الطليعة، بيروت، ط ثانية، 1982.

19. دروري، شادية، خفاية ما بعد الحداثة ودور الكسندر كوجيف فيها، ترجمة موسى الحالول، دار الحوار، اللاذقية، ط أولى، 2006.

20. صبحي، احمد محمود، في فلسفة التاريخ، دار النهضة العربية، بيروت، ط ثالثة، 1994.

21. الظاهر، احمد جمال، دراسات في الفلسفة السياسية، دار مكتبة الكندي للتوزيع، اربد، ط اولى، 1988.

22. الظاهر، احمد جمال، دراسات في الفلسفة السياسية، دار مكتبة الكندي للتوزيع، اربد، ط اولى، 1988، 

23. عبدالحميد، صائب، فلسفة التاريخ في الفكر الفلسفي الاسلامي، دار الهادي، بيروت، ط أولى، 2007.

24. العروي، عبدالله، مفهوم التاريخ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط رابعة، 2005.

25. غارودي، روجيه، فكر هيجل، دار الحقيقة، بيروت، ط ثانية، 1983.

(127)

26. غالي، وائل، نهاية الفلسفة دراسة في فكر هيجل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002.

27. فوكوياما، فرنسيس، نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ترجمة فؤاد شاهين، و آخرون، مراجعة مطاع صفدي، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1993.

28. فوكوياما فرنسيس، نهاية الأنسان عواقب الثورة البيوتكنولوجية، ترجمة احمد مستجير، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2003.

29. فوكوياما، التصدع العظيم، ترجمة عزيز حسن كبة، بيت الحكمة، بغداد، ط أولى، 2004.

30. فوكوياما، فرنسيس، بناء الدولة، ترجمة مجاب الإمام، العبيكان، السعودية، ط أولى، 2007.

31. فوكوياما، فرنسيس، أمريكا على مفترق طرق، ترجمة محمد محمود توبه، العبيكان، السعودية، ط أولى، 2007.

32. قبيسي، هادي، السياسة الخارجية الامريكية بين مدرستين المحافظية الجديدة والواقعية، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط اولى، 2008.

33. كار، ادوارد، ما هو التاريخ، ترجمة ماهر كيالي، وبيار عقل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط أولى، 1976.

(128)

34. كامل، فؤاد، إعلام الفكر الفلسفي المعاصر، دار الجيل، بيروت، ط اولى، 1993.

35. كانط، ايمانوئيل، نظرة في التاريخ العام بالمعنى العالمي، ترجمة عبدالرحمن بدوي، منشور في كتاب النقد التاريخي، القاهرة، 1970.

36. الكحلاني، حسن محمد، فلسفة التقدم (دراسة في اتجاهات التقدم والقوى الفاعلة في التاريخ)، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2003.

37. كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط، مديرية دار الكتب بغداد، بلا سنة طبع.

38. كورنفورث، موريس، مدخل إلى المادية الجدلية، ترجمة محمد مستجير مصطفى، دار الفارابي، بيروت، ط ثالثة، 1990.

39. ماركس، كارل، وانجلز، فردريك، البيان الشيوعي، ترجمة محمود شريح، منشورات الجمل، المانيا، ط اولى،2000.

40. ماركيوز، هربرت، أساس الفلسفة التاريخية (نظرية الوجود عند هيجل)، ترجمة ابراهيم فتحي، دار التنوير، بيروت، ط  ثالثة، 2007.

41. مجاهد، حورية توفيق، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، مكتبة الانجلو المصرية، مصر، ط ثالثة، 1999.

(129)

42. محفوظ، مهدي، اتجاهات الفكر السياسي في العصر الحديث، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، ط ثالثة، 2007.

43. الملاح، هاشم يحيى، وابراهيم خليل احمد، عماد احمد الجواهري، غانم محمد الجفو، دراسات في فلسفة التاريخ، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، بلا سنة طبع.

44. ناجي، عبد الجبار، فلسفة التاريخ والنهاية الحتمية للحضارة والدولة، العارف للمطبوعات، بيروت، ط أولى، 2008.

45. النجار، جميل موسى، دراسات في فلسفة التاريخ النقدية، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط أولى، 2004.

46. النجار، جميل موسى، فلسفة التاريخ مباحث نظرية، المكتبة العصرية، بغداد، ط أولى، 2007.

47. هيبوليت، جان، دراسات في ماركس وهيجل، ترجمة جورج صدقني، منشورات وزارة الثقافة السورية، دمشق،1971.

48. هيبوليت، جان، مدخل إلى فلسفة التاريخ عند هيجل، ترجمة انطوان حمصي، منشورات وزارة الثقافة السورية، دمشق، 1971.

49. هيجل، جورج فلهلم فردريك، العقل في التاريخ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير، بيروت، ط ثالثة،2007.

50. هيجل، جورج فردريك فلهلم، فنومينولوجيا الروح، ترجمة ناجي

(130)

العونلي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط أولى، 2006.

51. هيجل، جورج فردريك فلهلم، مختارات هيجل، ج الثاني، ترجمة الياس مرقص، دار الطليعة، بيروت، ط أولى،1978

ج- البحوث والدراسات

52. إمام عبدالفتاح إمام، قاموس المصطلحات الهيجلية، مجلة الفكر المعاصر، تصدر عن الهيئة المصرية للتأليف والنشر،القاهرة، عدد 67، مجلد 12، 1970.

53. الجابري، علي حسين، فلسفة التاريخ بين هيجل ونيتشه في المصادر العربية، مجلة زانكو، جامعة السليمانية، عدد2، مجلد 5، 1980.

54. الجابري، علي حسين، مصير الحضارة الغربية في المنظور الحيوي لفلسفة التاريخ، مجلة دراسات فلسفية، تصدر عن بيت الحكمة، بغداد، العدد1، 2002.

55. الجميل، سيار، الحرب ظاهرة تاريخية مدخل من اجل فهم سوسيولوجي، مجلة عالم الفكر، الكويت، عدد 2، مجلد36، اكتوبر – ديسمبر 2007.

56. الديدي، عبدالفتاح، إشعاعات هيجل في انكلترا وأمريكا، مجلة الفكر المعاصر، تصدر عن الهيئة المصرية للتأليف والنشر، عدد67، مجلد12،1970.

(131)

57. زكريا، فؤاد، هيجل في ميزان النقد، مجلة الفكر المعاصر، تصدر عن الهيئة المصرية للتأليف والنشر، القاهرة، عدد 67، مجلد 12، 1970.

58. كرم، سمير، ليوشتراوس واليمين الأمريكي، مجلة المستقبل العربي، تصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، عدد295، أيلول 2003.

59. مرسي، فؤاد، الدولة عند هيجل، مجلة الفكر المعاصر، تصدر عن الهيئة المصرية للتأليف والنشر، عدد 67، مجلد12، 1970.

60. الملاح، هاشم يحى، نظرية التقدم في التاريخ «دراسة نقدية لفلسفة التاريخ» مجلة دراسات فلسفية تصدر عن بيت الحكمة، بغداد، العدد3، تموز 2002.

61. ملحم، جهاد، العلم والحرب، مجلة عالم الفكر، الكويت، عدد2، مجلد36، اكتوبر –ديسمبر 2007.

62. ناجي، عبد الجبار، فلسفة التاريخ عند كانت، مجلة دراسات فلسفية، تصدر عن بيت الحكمة، بغداد، عدد 18، 2005.

63. هنا، غانم، مفهوم الحرب بين نيتشه وهايدغر، مجلة عالم الفكر، عدد 2، مج 36، أكتوبر ديسمبر 2007.

64. هويدي، يحيى، الثورة الهيجلية، مجلة الفكر المعاصر، تصدر عن الهيئة المصرية للتأليف والنشر، عدد67، مجلد12، سبتمبر1970.

(132)

د- الكتب باللغة الانجليزية:

65- Carens، Joseph H.، Culture Citizenship and Community (A Contextual Exploration of Justice as Evenhandedness)، Oxford University Press، First Published، 2000.

66-Kymlicka، Will، Multicultural Citizenship A Liberal Theory Of Minority Right، Oxford University Press، U K، First Published، 1995. 

67-Kymlicka، Will، & Ian Shapiro (Edited)، Ethnicity and Group Rights، New York University Press،  USA 1997.

68-Kymlicka، Will، Politics in the Vernacular Nationalism، Multiculturalism، and Citizenship، Oxford University Press، First Published،  2001.

69-Kymlicka، Will، Western Political Theory and Ethnic Relations in Eastern Europe، in Can Liberal Pluralism be Exported? Western Political Theory and Ethnic Relations in Eastern Europe، Kymlicka، Will& Opalski، Magda  (Editors)،Oxford University Press، U K، First Published، 2001.

(133)

70-Kymlicka، Will & Wayne Norman، Citizenship in Diverse Societies، Oxford University Press، Oxford New York، Reprinted، 2003.

71-Kymlicka، Will، Federalism and Secession (East and West)، in Democracy Nationalism and Multiculturalism Justice، Legitimacy and Self Determination Moral Foundations For International Law، Oxford University Press، First Published، 2004.

72-Mason، Anrew، Communitarianism and its legacy، in Political Theory in Transition Edited by Noel O’Sullivan، Taylor & Francis، London، First Published،2000.

73-Narveson، Jan & Susan Dmock، Liberalism (New Essays on Liberal Themes، Kluwer Academic Publishers، USA، 2000.

74-Palmer، Tom G.،G. A. Cohen On Self–Ownership، Property and Equality، Critical Revieill، 12، No. 3، Summer 1998.

75- Sypnowich، Christine، The Egalitarian Conscience(Essays in Honour of G. A. Cohen)، Oxford University Press، Oxford & New York، First published 2006.

(134)

76-Taylor، Charles، The Politics of Recognition، in Multiculturalism، Examining The Politics Of Recognition، Edited by Amy Gutmann، Princeton University Press، Princeton، New Jersey، 1994.

77-Thomas،Alan، Alasdair Macintyre، in Concise Routledge Encyclopedia of Philosophy، Taylor & Francis Routledge، First published،2000.

78-Tully، James، Strange Multiplicity Constitutionalism in an Age of Diversity، Cambridge University Press، UK، First Published،1995.

(135)
المؤلف في سطور قيس ناصر راهي قيس ناصر راهي عضو الهيئة التدريسية في جامعة البصرة باحث في مركز دراسات البصرة والخليج العربي-قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية عضو جمعية المترجمين العراقيين-بغداد استاذ الفلسفة السياسية-الجامعة المستنصرية-العراق البحوث المنشورة: 1-نهاية التاريخ بين محمد باقر الصدر والفكر الوضعي-مجلة رسالة الرافدين-السنة الاولى-العدد الثالث-2005 2-منهجية صموئيل هنتنغتون في دراسة التاريخ مجلة رسالة الرافدين-السنة الاولى-العدد الرابع-2006. 3-دور الدولة في اطروحة صدام الحضارات لصموئيل هنتنغتون-دولة الممكلة العربية السعودية انموذجا، مجلة الخليج العربي العدد 1-2،2012 4-اطروحة تعارف الحضارات عند زكي الميلاد بعدها السياسي ومرتكزها الفكري،مجلة دراسات تاريخية العدد الخامس عشر 2013. 5-مرتكزات التوتاليتارية العراقية ،مجلة اداب الكوفة2013 6-تداعيات احداث الحادي عشر من ، اداب البصرة ، العدد 71،2014 7-فلسفة التغيير مستقبل النظام السعودي من منظور فلسفي،حولية المنتدى،السنة السابعة،العدد التاسع عشر2014 8-رؤية فرنسيس فوكوياما لبناء الدولة-الدولة العراقية ما بعد صدام نموذجا ،مجلة الخليج العربي،المجلد الثاني والاربعون،العدد4-3،2014. 9-دور مراكز البحث الامريكية في صناعة قرار الحرب على العراق ، مجلة الخليج العربي 2017 مؤلفات نقد اطياف التمركز الغربي (مشترك) الفكر السياسي الاميركي المعاصر واثره على الوطن العربي (مشترك) له العشرات من الابحاث والدراسات في ميدان الفكر السياسي المعاصر.
هذا الكتاب نهاية التاريخ تبحث هذه الحلقة من سلسلة مصطلحات معاصرة مصطلح نهاية التاريخ وهو موضوع شغل الفكر على مدى عقود، نبدأ من تسعينات القرن العشرين لتستمر تداعياتها مع بدايات القرن الحالي. تطرق الباحث إلى نشأة المفهوم كما جرى تداوله حديثا مع تنظيرات المفكر الاميركي من اصل ياباني فرانسيس فوكوياما ثم انتقل إلى تأصيله فلسفيا على نحو ما قدمة فلاسفة الحداثة وفي مقدمهم الفيلسوف الألماني هيغل. في ختام الدراسة يقدم الباحث رؤية نقدية لمفهوم نهاية التاريخ والتوظيفات التي أجرتها المؤسسات الثقافية والسياسة الاميركية في سياق الهيمنة على عالم بعد الحرب البادرة. المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية http://www.iicss.iq islamic.css@gmail.com
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف