الندوة الثالثة من سلسلة الندوات في الفكر الإسلامي المعاصر تحت عنوان( نقد وتحليل للمشروع الفكري لعبد الله العروي) ألقاها المفكر المغربي الأستاذ إدريس هاني.
ضمن سلسلة الندوات حول الفكر الإسلامي المعاصر التي تقام من قبل المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجيّة، التابع للعتية العبّاسيّة،أقام ندوته الثالثة بعنوان: نقد وتحليل للمشروع الفكري لعبد الله العروي، في يوم الأحد 3 ديسمبر(كانون الأول) في الساعة 15:00 في منزل المرحوم أية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي.
كان ضيف هذه الندوة المفكر والباحث والكاتب في الفكر الإسلامي المعاصر ومواطن الدكتور عبد الله العروي الأستاذ إدريس هاني. وللأستاذ هاني أكثر من 20 مؤلّف في مجال الفلسفة والإجتماع والفكر الإسلامي المعاصر، وآخر ما نشر له في عام 2017م كتاب بعنوان:" سرّاق الله، الإسلام السياسي في المغرب تأمّلات في النشاة والخطاب والأداء".
في بداية الجلسة تطرّق الأستاذ إدريس هاني عن دور ومكانة الدكتور عبد الله العروي وأهميّته في العالم العربي وعند المفكرين المعاصرين العرب، وأشار إلى كتابه الأساسي" الأيديولوجيا العربيّة المعاصرة" واعتبره من أهم كتبه التأسيسيّة الذي ألّفه باللغة الفرنسيّة في سنة 1967 للميلاد، ولأهميّته قدّم له المستشرق الفرنسيوالباحث في الإسلاميّات ماكسيم رودنسون. وبعد ذلك ومن دون إذن المؤلّف ترجم الكتاب إلى العربيّة، أثارت هذه الترجمة الرديئة غضب العروي واعتبرها إساءة له، فترجمه بنفسه إلى العربيّة ونشره في عام 1995 م. ونظراً لبعض المستجدّات التي استجدّت للعروي ترجم الكتاب مرّة أخرى من العربيّة إلى الفرنسيّة. يقول هاني ما يريد أن يقوله العروي في كتابه"الأيديولوجيا العربيّة المعاصرة" هو تكرار لما قاله المفكر اللبناني شكيب أرسلان(ت 1946م)، وهو:لماذا تأخّر العرب وتقدّم الغرب.
في القسم الثاني من محاضرته أكّد الأستاذ هاني عن علاقة المفكر ومحيطه والرؤى التي يخرج منها، والعروي لم يكن استثناءاً عن ذلك، حيث أفكار العروي هي ناتجة عن بعض الأحداث السياسيّة والإجتماعيّة في المغرب والعالم العربي والإسلامي. أثّرت على أفكاره ورؤاه الإحتلال الفرنسي للبلدان العربيّة، واستقلال المغرب عن فرنسة في سنة 1956م وكذلك القضيّة الفلسطينيّة، والحروب العربيّة الإسرائيليّة وخسارة العرب في هذه المواجهات المدمّرة، كل هذه الأمور وأمور أخرى شكّلت السؤال الأساسي للعروي" لماذا تأخّر العرب؟".
ذكر الأستاذ هاني عن إحدى خصال المغرب بأنّه لم يكن خاضعاً لسلطة بغداد في زمن الخلافة العبّاسيّة، وقد خرج عنها في زمن هارون الرشيد، وكذلك المغرب لم يخضع إلى السلطة العثمانيّة، كل هذه جعلت من المغرب دولة استطاعت أن تحافظ على تراثها من خلال العنصر الوطني-الإسلامي. ولكن بعد ذلك وقع المغرب في فخ الإستعمار الفرنسي والإسباني، حيث سعى المغرب منذ ذلك الوقت على الإستقلال من الهيمنة الإستعماريّة. وبحسب رأي الأستاذ إدريس هاني، مع أنّ العروي لم يكن سياسيّاً ولم ينتمي إلى أي حزب سياسي، ولكن فترة ومرحلة استقلال المغرب تعتبر المفتاح الرئيسي للدخول في العالم الفكري والمعرفي للعروي. كانت من أهم المسائل المطروحة بعد استقلال المغرب قضيّة تشكيل الدولة وكتابة القانون الأساسي، ومن خلال هذا الفضاء والأجواء المغربيّةبدأ العروي بطرح مسألة الحداثة وكيفيّة الدخول إلى العصر الحديث.
ومن خلال بحثه رصد الأستاذ هاني تيّارتين أساسيين أو رؤيتين حول النسبة أو الجدل الدائر بين المفكرين في العالم العربي حولالتراث والسنّة، أو العلاقة التراث والحداثة:
التيّار الأول: يؤمن بالقطيعة الكاملة بين التراث والسنّة، ويقول علينا أن نتركهما لكي نتمكّن من الدخول إلى الحضارة العالميّة.
التيّار الثاني: يقع في المقابل من التيّار الأوّل. ويعتقد هذا التيّار بإمكانيّة الإستفادة من التراث، بل هناك قسم مضيء من تراثنا العربي-الإسلامي علينا أن نجيّره لأهدافنا للدخول في الحضارة العالميّة.
عبّر هاني عن العروي بأنّه كان من أنصار التيّار الأوّل، والجابري من أتباع التيّار الثاني، والدكتور محمد أركون يقع بين الإتّجاهين.
تطرّق الأستاذ هاني إلى التيّارات الفكريّة والسياسيّة النشطة في المغرب ومكانة العروي في هذه التيّارت، ومن ثمّ قسّمها إلى ثلاث أقسام:
- التيّار الليبرالي.
- التيّار السلفي الوطني.
- والتيّار الصوفي.
وبحسب هذا التقسيم وضع هاني، العروي في خانة التيّار الليبرالي واعتبره من أبرز الداعمين له للدخول في عصر الحضارة. ومن خلال رؤيته التاريخانيّة يعتبر العروي الدخول إلى عصر الحداثة ليس أمراً اختياريّاً، بل الحداثة هي التي تفرض نفسها على الآخرين. في المقابل من هذا التيّار الليبرالي، الجابري يعتبر من أبرز ممثلي التيّار السلفي-الوطني، وطه عبد الرحمن وضعه على التيّار الصوفي.
وأشار هاني إلى التوجّهات الماركسيّة في فكر العروي، وذكر بما أنّه يؤمن بالقطيعة مع التراث والسنّة للدخول إلى الليبراليّة، ولكن يعتبر هذا الدخول أو الوقوف على الليبراليّة هو بشكل مؤقّت، وفي النهاية يميل العروي إلى ايجاد حكومة يساريّة-ديمقراطيّة شبيهة ببعض الحكومات الغربيّة التي تلائم فضاء وثقافة المغرب، وهي تختلف عن الحكومات القائمة في الصّين أو روسيا. ومع أنّ الشيوعيّة والرأسماليّة جناحي الحداثة، إذن لايوجد تضاد بين الإثنين، وبإمكاننا أن نعتبر العروي شيوعيّاً ليبراليّاً. وبما أنّه من الناحية التاريخانيّة هو ماركسي، ولكن قد استفاد وتأثّر العروي من البراغماتيّة الأمريكيّة، والمدرسة البريطانيّة التجريبيّة، وبعض الأفكار والنظريّات المتداولة في فرنسا.
تطرّق الأستاذ هاني إلى المشروع المفاهيمي للعروي قائلاً: من منظاره التاريخي هناك مفاهيم مثل: الدولة، الأيديولوجيا، العقل، الحريّة، وماشابه ذلك، وإذا أردنا أن ندرس أو أن نفهم هذه المصطلحات او المفاهيم علينا أخذها في سياقها التاريخي والإجتماعي، وليس من خلال المداخل المعجميّة أو القاموسيّة. لانّ العروي من خلال هذه المفاهيم ينطلق من الواقع ولا يرجع إلى القوامسي المتداولة والكلاسيكيّة.
حاول هاني أن يلخّص آراء ومفاهيم العروي المفتاحيّة بنقاط عدّة منها:
- يميل إلى الواقعيّة التاريخيّة.
- علينا أن نلتحق بالتاريخ الحديث وأن نندمج به.
- القطيعة مع التراث والسنّة، للدخول في عصر الحداثة.
- نفي كل التيّارات المنافسة له، واعتبارها من التيّارت الأيديولوجيّة التي تحاول خداع المجتمع بالترويج لمعلومات كاذبة وغير حقيقيّة.
وفي الختام لخّص الأستاذ إدريس هاني نقوده على العروي ومشروعه بالنقاط التالية:
- المشروع الذي طرحه العروي لا يمكن تطبيقه على الواقع، حيث لا يمكن أن ننقطع عن التراث الإسلامي المتأصّل والمتجذّر في الشعوب، وإذا انقطعنا عنه سنقع في أحضان الغرب، وسنغرق في بحر العولمة.
- قمّة العقل البشري عند العروي هو العقل الأوربّي المتنوّر، والنظام اليساري-الديمقراطي الحاكم في الغرب هو نهاية التأريخ البشري بالنسبة إلى العروي. في حين أنّ العقل الغربي في العصر الحاضر ينتقد بشدّة من قبل الغرب نفسه، ويعيش في أزمة حقيقيّة مع الواقع.
- يعتبر مشروع العروي نوع من أنواع التقليد الليبرالي من الغرب. وبدل أن يعبر أو أن يجتاز من الرأسماليّة، يضع العالم الثالث أمام العولمة الغربيّة.
- رؤيته الأوحاديّة للتاريخ، وحثّ العالم الثالث لإتّباع نفس الطريق الذي اتّبعه الغرب للدخول في عصر الحداثة.
هذه من أهم المؤاخذات والنقود على العروي.