تـاليف
المراجعة العلمية
تعليقات
محمد بن رضا اللواتي
بين يدي الكتاب
لعلَّ من أبرز سمات الفكر أنه يُمكن التحاور فيه لأجل إثرائه، وبلوغ الحقيقة التي لأجلها كان. وهذا الكتابُ ينتمي إلى هذه الفئة؛ إذ إن مضمونه عبارة عن محاورة الفيزيائي الشهير «ستيفن هوكنج»، وزميله الفيزيائي «ليوناردو ملودينو»؛ في كتابهما «التصميم العظيم»؛ غايتُها طرح رؤية أخرى تخالف رؤيتهما عن الكون، عبر عرض الدلائل المستندة إلى أشد الأفكار يقيناً في صرح المعرفة البشري؛ تؤكد دعوى هذه المُحاورة؛ وهي أن لهذا الكون مُوجِدًا، وأن فرض عدم وجوده توأم للقول بعدم وجود العالم. وبما أنه لا مناص للعقل إلا أن يعترف بأصل الواقعية ووجود العالم، فتغدو فكرة وجود مُوْجِد العالم ـ بحسب هذه القراءة النقدية ـ حتمية الإذعان.
ودواعي هذه المحاورة تأتي من منطلقين جوهريين؛ هما:
الأول: أن موضوع كتاب العالمين الفيزيائيين يمس جميعَ البشر على وجه الأرض ـ أعني: «الله» ـ فلقد تناول الرجلان الداعي الذي يدعو البشرية إلى افتراض وجوده. وبحسب نظرهما؛ أن ذلك الداعي يكمُن في سبق العدم على الوجود. وقد حاولا في كتابهما المشار إليه ـ ومن خلال مناقشة مجموعة من أسئلة الفكر الكبرى؛ من قبيل: «لماذا هناك وجود؟»، و «لماذا وُجدنا؟»، و»لماذا هناك هذه المجموعة من القوانين العلمية وليس غيرها؟» ـ أن يُقدما، وعبر قراءة للظواهر والقوانين العلمية المكتشفة، طرحاً يُغني البشرية عن اللجوء إلى الألوهية؛ لتفسير منشأ العالم، أطلقا عليه «نظرية الأكوان المتعددة». وبما أن موضوع الكتاب أمرٌ عامٌّ وليس مجالاً يُمكن عدُّه حكرًا على اختصاص مُعين، كان من الضروري أن يتناوله فكرٌ آخر برؤية أخرى، وهذا الذي سعى إليه هذا الكتاب.
الثاني: أنَّ الكاتبين استندا إلى مقدمات في مجال العلوم الطبيعية، إلا أنهما خرجا باستنتاجات تتعلق بمجال علمي آخر؛ وهو: المجال الفلسفي!. وبعبارة أخرى: دون الاتكاء المباشر على القواعد العقلية التي ينبغي الاتكاء عليها لبلوغ نتيجة متوافقة معها، قرأ العالمان الظواهر الكونية، وخرجا باستنتاجات لا علاقة لها بالمقدِّمات التي كان ينبغي لهما أن يستندا إليها ـ كما سيُلاحظ ذلك القارئ من خلال فصول هذا الكتاب ـ ومن هُنا، كان لا بد من قراءة نقدية ـ مُتفحصة ومتأنية ـ للمسيرة الفكرية التي انتهجها الكاتبان في فصول كتابهما ذاك؛ وذلك لتدليل القارئ الكريم على الفجوة الواقعة بين المقدِّمات والنتائج؛ من مُنطلق المقولة الشهيرة : «أهمية الاستنتاج تفرض علينا أهمية البحث ووسائله ودقته».
فالكتاب يقع في قسمين؛ يستعرض الأول منهما مضمون كتاب «التصميم العظيم»؛ وذلك عبر ثمانية فصول. وسيجدُ القارئ فيه المقاطع المُترجمة من أصل الكتاب «بين الأقواس»، مع تصرُّف بسيط للغاية؛ غرضُه: جعل الفقرات المُترجمة مُتسقة مع أسلوب الكتابة بالعربية، دون تغيير لمعنى النص الأساسي إطلاقا. بينما يستعرضُ القسم الثاني قراءتنا النقدية للكاتب؛ في سبعة فصول.
مصب المحاورة؛ هي: الاستنتاجات التي خرج بها «هوكنج» و»ملودينو» من خلال نظريات الفيزياء الكونية، وليس مصبُّها نفس تلك النظريات بما هي نظريات علمية مستندة إلى قوانين مُعينة.
وأما المنهج، فهو مجموعة القواعد العقلية، أو الفلسفية، التي تستند إلى الأفكار البديهية أو القريبة منها.
ولأنه تم عرض القواعد الفلسفية بمقدار حاجة هذه القراءة النقدية لها، ارتأينا أن نمدَّ القارئ العزيز بالخلفية الفلسفية التي تستند إليها تلك القواعد المُستخدمة في المحاورة، عبر أربعة من التعليقات؛ تتناول طبيعة الفلسفة الإلهية ومنهجها، وقانون العلية، والحركة والزمان الجوهريين، وبُرهان الصديقين؛ باعتباره من أنضج البراهين التي طُرحتْ لإثبات المبدأ الأعلى.
نتمنى للقارئ الكريم رحلة فكرية مُمتعة
المُؤلف المُعلق