الباحث : د محمد جواد لاريجاني
اسم المجلة : مجلة المنهاج
العدد : 21
السنة : السنة السادسة ربيع 1422 هجـ 2001 م
تاريخ إضافة البحث : February / 8 / 2015
عدد زيارات البحث : 1323
عولمة السَّيطرة الغربيَّة بزعامة أمريكا ومستقبل العالم
د محمد جواد لاريجاني (*)
الكمال العالمي للحكومة وكيفيَّة تحقُّقه
1 ـ شهد العقد الأخير من القرن العشرين اهتماماً بالغاً من قبل رجال السِّياسة والفكر بمسألة الحكومة العالمية، وقد سرت هذه الحمّى إلى وسائل الإعلام وعامة الكتّاب. أمّا السَّبب، في ذلك، فيعود إلى أنَّ جذور المسألة تكمن في خصوصيات العصر الحاضر (1). ومن جملة تلك الخصوصيات نشير إلى ثلاث منها ترتبط ببحثنا:
أ ـ سقوط الامبراطورية السُّوفييتيَّة؛
ب ـ ظهور حركة الصَّحوة الإسلامية؛
ج ـ الثَّورة في مجال المعلومات.
2 ـ يرى رجال السِّياسة الأمريكان أن سقوط الامبراطورية السوفييتيَّة كان نتيجة اندحار السّوفييت في الحرب الباردة. وعلى هذا، لا بدَّ للمنتصرين في هذه الحرب من الاستحواذ على الغنائم. ولكن ما هي غنائم الحرب الباردة؟ بديهي أنّها ليست تغيير حدود والاستيلاء على أراضٍ جديدة، كما هو الحال في الحرب العادية، بل عولمة سيطرة الكتلة الغربية بزعامة أمريكا. وهذا هو منطق سياسيِّي واشنطن الذي تمتدُّ جذوره إلى فهم سياسيِّي الغرب والشرق إبَّان حالة القطبين. فقد كان هؤلاء ينظرون عملياً إلى الدُّنيا من خلال دائرتَي نفوذ لا يوجد من هو خارج عنهما (أو يجب أن لا يكون من هو خارج عنهما!). وعلى هذا الأساس عندما ينهار قطب،
________________________________________
(*) باحث من إيران
(1) راجع: محمد جواد لاريجاني. نظام أشبه باللُّعبة، ص 13 (بالفارسيَّة).
[الصفحة - 302]
تتحوَّل دائرة نفوذه وهيمنته إلى القطب المنافس باعتبارها غنيمة المنتصر. هذا هو منطق محترفي السياسة، أمَّا مفكّرو الغرب السِّياسيون وكتَّابه فقد سعوا، وبإقامة عدَّة أدلَّة، إلى أن يجعلوا قيادة الكتلة الغربية، بزعامة أمريكا للعالم، أمراً طبيعياً ومعقولًا وحتمياً. ولذلك، فإن مساعي سياسيِّيهم للسيطرة على العالم معقولة ومسوَّغة من منظورهم. وهذه الظَّاهرة هي مساعي السيطرة نفسها التي قامت من قبل على أيدي جنكيزخان ونابليون وهتلر، لكن بثوب جديد وأساليب حديثة. ولهذا من المناسب جدَّاً أن يطلق عليها «الفتوحات الحديثة». ويمكن تلخيص أهداف هذه السيطرة والفتوحات من الناحية العملية بما يأتي:
أوَّلًا، على جميع الحكومات (والشعوب أيضاً) القبول بنظام الديمقراطيَّة اللِّيبرالية.
ثانياً، تغيير النِّظام الحالي للأمم المتَّحدة، فتكون له هيئة عليا من أجل الحكومة العالميَّة، وعلى الشعوب والدُّول الأخرى العمل في ظلِّها. ونتساءل الآن: كيف يمكن بسط سيادة الديمقراطية الليبرالية على جميع الحكومات الحالية في العالم، بينما هناك العديد من الدُّول تتعارض معها عملياً ونظرياً؟ ويفهم من طريقة عمل أمريكا (والغرب) التي ترفع لواء السيطرة الليبرالية، أنها تؤكد على ثلاثة موضوعات، هي:
(1) إيجاد مجموعة من الدُّول الحديثة على أنقاض الامبراطورية السّوفييتيَّة، تمتلك تعريفاً جديداً للهويَّة بشكل ينسجم مع المنظومة الليبرالية العالمية، وتندرج داخلها أيضاً.
(2) استخدام الثورة المعلوماتية الهائلة للتأثير على الرأي العام العالمي ونشر الفكر الليبرالي، لكي تتحرك الشعوب نفسها بنحو طبيعي وتضغط على الحكومات من أجل التغيير باتجاه الليبرالية.
(3) استخدام أنواع الضَّغط والاستدراج جميعها بما فيها السعي لإسقاط الأنظمة المقاومة، مثل الصين وإيران ـ وهي معدودة ـ، لكي تصبح أنظمتها ليبرالية، ومن ثم ديمقراطية. وهذا التَّرتيب يستحق الالتفات، لأن الفكرة الأساسية تقول: إن
________________________________________
[الصفحة - 303]
الليبرالية تنبع من صميم الديمقراطية! بينما الدول الغربية وأمريكا تقبل بالدكتاتوريَّات العلمانية بوصفها أرضيَّة للديمقراطية الغربية! وما يحدث في كثير من دول العالم الثّالث يبيّن بدقة هذه السِّياسة.
3 ـ الظَّاهرة الأخرى التي نشهدها حالياً، ونهايتها الطَّبيعية فكرة الحكومة العالمية الواحدة، هي حركة الصَّحوة الإسلامية. أي الظاهرة التي يطلق عليها الغرب خوفاً وحقداً «الأصولية»، وبديهي فإن الدائرة الأولى لعمل الصَّحوة الإسلامية هي العالم الإسلامي، فهي تريد إقامة حكومة إسلامية في جميع دول العالم الإسلامي. والحكومة الإسلامية نظام يقوم على أساس أصالة الوظيفة. وبعبارة أخرى هو نظام «حقَّاني» (2). لكن هذه التغييرات بمفردها تنتهي مباشرة إلى مثالية، أي إقامة أمة إسلامية واحدة، وبعد ذلك محق الكفر من على الأرض! أو بعبارة أخرى: إقامة الحكومة الإسلامية العالمية. ومع أن الحركة الإسلامية تعيش مراحلها الأولى حالياً، وفيما عدا إيران، ومن ثم السودان، لا تزال الحكومات الأخرى بعيدة من الناحية العمليَّة ـ وبدرجات متفاوتة ـ عن الحكومة الإسلامية، ويمكن القول: إن تحقيق ذلك يحتاج إلى وقت طويل ويواجه مشكلات جمّة. ومن جهة أخرى، لا تزال السُّلطة السياسية والقوة العسكرية والخبرات التكنولوجية في مجال الاتصالات والمعلومات بيد القوى الليبرالية. وقد أوجدت هذه الحالة، بشكل طبيعي، نتيجتين: فقد أوحت للغرب بأن الحركة الإسلامية ستخفق في سعيها للبقاء (وبخاصة في المجالين الاقتصادي والمعلوماتي)، ويكفي أن يضغط عليها في الوقت الحاضر، كما أنها خلقت نوعاً من اليأس لدى المسلمين من تحقيق الحكومة الإسلامية.
ولو نظرنا بدقَّة لوجدنا أن انتصار الحركة الإسلامية في إيران وقوَّتها في مصر والجزائر إلخ.. دليل على خطأ هذين الإيحاءين والنتيجتين. لكنَّه ومع الأخذ بالوضع الذي تعيشه الحكومة الإسلامية في إيران على الساحة العالمية، والوقت الذي تحتاجه الحركة الإسلامية لتتحوَّل إلى حكومات في سائر الدول، يمكننا القول: إننا لا نشاهد مثالية إقامة حكومة عالمية صالحة وواحدة في تصرُّفات القادة السياسيين للجمهورية الإسلامية اليوم. وعلى العكس، نجد أن قادة أمريكا والغرب يرون أن الأمر وصل إلى نهايته (أو حسب تعبير فوكوياما: نهاية التاريخ!)، لذلك
________________________________________
(2) راجع: محمد جواد لاريجاني، الحكومة: بحث في المشروعية والفاعلية، ترجمة علاء رضائي، الفصل الثالث.
[الصفحة - 304]
يسعون للتصرُّف على أساس هذه الذهنية في عالم لا يزال بعيداً عن المثالية الليبرالية. ولا عجب من أن تكون نتائج تصرُّفاتهم أزمات أكثر يشهدها العالم.
4 ـ ويتحدَّث رجال السِّياسة، في أمريكا والغرب، عن كيفية إقامة الحكومة العالمية الليبرالية، بينما أسهب كتَّابهم السياسيون في وصف تحقُّق آخر الزمان هذا وكيفيّة ذلك. وبعبارة أخرى، فالجميع يرون أن هذه النتيجة حتمية، حتى لو اختلفوا في كيفية تحقُّقها أو استشراف مسارها التاريخي. وكما أشرت من قبل، فالاستراتيجية التي يتبعها رجال السياسة في أمريكا تهدف إلى تحويل المنظَّمة الدَّولية إلى مؤسسة حكومية متنفِّذة لإدارة العالم. وبهذا الاتجاه، يجب إكمال مجلس الأمن من خلال إضافة أعضاء معيَّنين إليه (مثل اليابان وألمانيا) ولكي يتولى دوره عملياً باعتباره «هيئة سلطة عالمية». ومن أجل تحقيق ذلك، لا بدَّ من توافر شرطين أوّليّين مهمَّين، هما:
أوَّلًا، إدخال عناصر مثل الصين وروسيا إلى دائرة الدِّيمقراطية الليبرالية، وعلى هذا الأساس، نفهم سبب تأكيد أمريكا على قضية حقوق الإنسان في الصِّين! فحقوق الإنسان مجرد حجَّة لدفع التيار الليبرالي وتغيير أنظمة الحكم من غير ليبراليَّة إلى ليبراليَّة.
ثانياً، إيجاد تحوُّل في المنظَّمة الدولية والقدرة على لعب دورها المرسوم لها. وبسبب عدم اطمئنان أمريكا للنتيجة حالياً، فإنها تأبى المضي في هذا المشروع في الوقت الحاضر وتنتظر الفرصة المناسبة للقيام بذلك التغيير. وما قامت به أمريكا إزاء مسألة احتلال الكويت من قبل العراق، أو في ما يتعلّق بقضية هاييتي، ما هو إلَّا أنموذج على هذا السعي. أما الظُّروف غير المؤاتية فنشاهدها في تحرك فرنسا وإرسال قواتها إلى راوندا، أو في تحرك روسيا وتواجدها العسكري في أبخازيا! بعبارة أخرى: فبدل أن تسير المنظمة الدولية نحو هيئة عالمية قويَّة، أصبحت كـ «لحم الأضحية»، محاطة من الأطراف جميعها، ينهشها الجميع، وكل حسب استطاعته! أي أنها تعيش إحدى أضعف مراحل حياتها! وحول عدم إمكانية إيجاد هيئة سلطة عالمية في الظروف الحالية، فإن لهذا الأمر أسبابه الواضحة (3)، لكن المسألة المهمَّة هي أن الامبراطورية السُّوفييتيَّة لم تكن بحاجة إلى شيء في منافستها
________________________________________
(3) محمد جواد لاريجاني، نظام أشبه باللعبة، ص 40.
[الصفحة - 305]
لأمريكا خلال الحرب الباردة، ولا يمكن إرجاع انهيارها إلى خسارتها في الحرب الباردة، فسقوط الامبراطورية كان نتيجة لعوامل داخلية بالدرجة الأولى! تآكل داخلي بسبب فكر خاطىء! لذلك على رجال السياسة الأمريكيين (والغربيين) أن يكفُّوا عن دعواهم وسعيهم إلى كسب غنائم هذه الحرب الوهمية، بل عليهم أن يخافوا من مثل ذلك المصير! إن عليهم أن يسألوا أنفسهم: لمَ لا تكون نتيجة خطأ فكرنا الانهيار أيضاً، كما حدث للسوفييت (بل أسوأ منه!)؟
5 ـ نعرض، في ما يأتي، آراء الكتَّاب المعاصرين في الحكومة العالمية الليبرالية. وجميعهم يسعون إلى إثبات الفرضيّة الآتية:
«إن عالمية الديمقراطية الليبرالية قضية حتمية، لذلك فإقامة حكومة عالمية واحدة أفضل إنجاز للبشرية. وهو الكمال الذي تتفتح فيه كنوز البشر بشكل حقيقي. ومن جهة أخرى، فإن الهدف يبدو عملياً من خلال الإمكانيات التي تمتلكها العناصر الأساسية في العالم الليبرالي. لذلك، على قادة العالم الليبرالي أن يدركوا جسامة مسؤولياتهم في السير نحو إقامة هذه الحكومة العالمية، وعلى سائر القادة في العالم، ومن خلفهم شعوبهم، أن يدركوا أنّ مقاومة هذا التيار التاريخي العظيم، محكوم عليها بالفشل والاندحار».
والأساس الذي ذكرناه يعرض من خلال عدَّة استدلالات، سنشير ـ مجملًا ـ إلى أربعة أنواع منها:
النَّوع الأوَّل، البرهان الذي عرضه الكاتب المعاصر والمشهور، فوكوياما، والذي عُرِف بـ «نهاية التاريخ» أو على حدّ تعبيري «آخر الزمان!» (4).
والاستدلال الذي يقدِّمه فوكوياما فنّي جداً، ويستند إلى فهم هيغل لما يُسمَّى بـ «المسار الحقيقي للتاريخ». و «التاريخ»، على أساس هذا الفهم، له كمال مادِّي ومعنوي، و «آخر الزمان» لا يكون إلّا بحصول هذا الكمال المعنوي والمادّي. ويرى هيغل أن الكمال المعنوي لـ «التّاريخ» حصل سنة 1806م عندما اندحر نابليون في «ينا». لكن الكمال المادي للتاريخ تأخَّر، ولا بدَّ من ظهور هيتلر واندحاره وظهور الماركسية واندحارها حتى يتم هذا الكمال أيضاً.
________________________________________
(4) Francis Fukuyama: The End of History and the last Man, Free Press, New Uork 1992.
[الصفحة - 306]
ولا يُخْفي «فوكوياما» قلقه من ظهور الأصولية الإسلامية (حركة الصَّحوة الإسلامية). لكنه يسعى إلى بيان أنها مسألة سطحية وعابرة، ولذلك يعتقد أن العصر الحاضر هو «نهاية التاريخ» التي قال عنها هيغل. ويرى أن الحكومة العالمية الواحدة هي إحدى مستلزمات «آخر الزمان». لكن آخر الزمان هذا تستتبعه قضايا عديدة أخرى، منها على سبيل المثال: السقوط في هوة العدمية، لذلك يرى ضرورة عدول الديمقراطية الليبرالية عن بعض المباني بعد صعودها إلى قمَّة السيطرة العالمية، أي أنَّ على الحكومة العالمية أن تشحذ نفوس الناس! وأن تعمل على جعل الليبرالية خارج الدائرة الحكومية على الدَّوام!
النَّوع الثَّاني، الاستدلال الذي يطرحه «مارشال مكلوهان»: والبرهان الذي يسوقه «مكلوهان» بسيط وغير فنّي من الناحية الفلسفية (بمستوى العوام)، سريع الهضم، ويمكن للناس قبوله بقرينة ما وقع من أحداث. وزبدة رأيه هي أن الثورة، في مجال المعلومات، قرّبت البشرية، بعضها من بعضها، وجعلتها أقرب من أعضاء قرية في بدايات القرن العشرين! فاختُصرت الحدود وتوحَّدت الثقافات... كما أنَّ العناصر الأساسية في البنية الاجتماعية (الاقتصاد، السياسة، الثقافة و...) تسير جميعاً باتجاه واحد، وهذا الأمر بطبيعته يستلزم إقامة حكومة عالمية واحدة، وهذه الحكومة تظهر بسهولة، وبالفكرة نفسها التي ظهرت فيها حكومات في كل بلد. أي أن الثقافة والبنية الاجتماعية لتلك «القرية العالمية» هما ما يحدِّد نوعيَّة الحكومة.
ومن ناحية أخرى، يضيف «مكلوهان»: بما أن مصدر هذه الثورة المعلوماتية هو الغرب، فقد وجدت الليبرالية فرصة لنشر فكرها وثقافتها. ولو نظرنا بشيء من الواقعية، لرأينا أنَّه علينا أن ننتظر انحلال الثقافات ومختلف الأفكار السياسية ـ وبشكل طبيعي ـ داخل الثقافة الغالبة (أي الديمقراطية الليبرالية). وكما أشرت من قبل، يستشعر الناس العاديون والعقل العرفي مقدمات هذا البرهان بسهولة جداً: كيف كان أهل المدينة الواحدة يتصلون في ما بينهم قبل مئة سنة؟ ثم جاء الهاتف، ومن بعده التلفاز، ومن ثم حصلت الثورة الهائلة في مجال المعلومات؛ حيث ربطت الجميع بسرعة متناهية. والحقيقة هي أنها ربطت الجميع ببحر من المعلومات. وهذا الشعور يجعل الذهن والعقلية العادية يقبلان بنتيجة الاستدلال. لكن النقطة المهمة
________________________________________
[الصفحة - 307]
هي أن النظام الاجتماعي لا يقوم على أساس اتصال الأشخاص، بعضهم ببعض، بل له أسباب وجذور مهمة أخرى.
وبعبارة أخرى: «لو لم تتهيأ الظروف الأخرى، فإن الحصول على معلومات قد يؤدي إلى تباعد المتجاورين فراسخ عن بعضهم، بدل أن يقلل المسافات بينهم!»
النَّوع الثَّالث، برهان «الفين تافلر»، وهو يشبه الموعظة؛ إذ إن كلامه واستدلاله لا يبلغان مستوى النَّوعين الأوَّلين بأي نحو! فلا نرى «تافلر» يقدم أساساً فلسفياً ولا نهجاً اجتماعياً، بل يقدِّم مجرد خطبة جميلة لبقة يقبلها الجميع. فالعصر الحاضر هو عصر الكثرة، أكثر الأفلام مشاهدة هو أفضلها، وأكثر الكتب مبيعاً هو أفضلها و... هكذا. ومع أن مواعظ «تافلر» ليست الأفضل! لكنني لا أنكر استقبال الناس للغتها ولحنها وأدبياتها «الكنفشيوسية». ويسعى «تافلر» إلى رسم مستقبل العالم على أساس نوع «القدرة» و «تقسيماتها». وكغيره من سياسيِّي الغرب في القرنين الأخيرين، يرى أن القدرة هي العامل الأهم، بل الوحيد، على الخارطة السياسية للعالم وفي التركيبة الاجتماعية للحياة البشرية (6).
ويقدم «تافلر» أنموذجاً خاصَّاً للتحوُّل في طبيعة القدرة ومصدرها، ويرى أن القوة العسكرية كانت معيار «القدرة» السياسية على المسرح العالمي خلال القرن التاسع عشر والنصف الأوَّل من القرن العشرين، ثم تغيَّر مصدر القدرة بالتدريج إلى القوة الاقتصادية اليوم. وتستمر هذه الحركة الجوهرية في مسألة القدرة: التغيير التالي في مصدر القدرة سيكون من الثَّروة إلى العلم (الوعي والمعلومات التي تغذي الوعي وترفده!). لذلك ستكون الدول التي تمتلك مستوى عالياً من العلم والمعلومات هي صاحبة القدرة عالمياً في المستقبل! ويخرج «تافلر» من هذه النظرة بنتائج مهمة، هي:
أوَّلًا، بديهي أنَّ الغرب هو محور القدرة الأساس في المستقبل، لأن تمركز العلم والوعي والمعلومات فيه.
ثانياً، يمكن لدول مثل كوريا الجنوبية والصين اكتساب قدرة كبيرة!
ثالثاً، تزداد المسافة بين من يمتلك العلم والمعلومات ومن لا يمتلكها، يوماً
________________________________________
(6) Alvin Toffler, Power Shift, Bantam Books. New York, 1990.
[الصفحة - 308]
بعد يوم، وتصبح هذه المسافة، من النَّاحية العملية غير قابلة للاختزال! لذلك على الدُّول النامية أن تكون واقعيَّة وتحدِّد مستوى تقدمها على أساس تقدمها في مجال المعلومات.
رابعاً، القدرة غداً للذين يمتلكون اليوم مستوى رفيعاً من العلم والوعي والقدرات المعلوماتية، وعلى هذا يمكننا اليوم رسم الخارطة السياسية لعالم الغد؛
خامساً، تعدُّ الديمقراطية الليبرالية أفضل أسلوب في الحياة الاجتماعية، رغم الإشكالات العملية التي واجهتها، والقدرات المعلوماتية للغرب جعلت ـ وبشكل طبيعي ـ دخوله في تجمُّع واحد أمراً ميسَّراً، بل ضرورياً، لذلك على الليبرالية أن تهتم بخطر الأصولية وأن تسعى إلى تعميم القيم الليبرالية وعولمتها بجميع السبل والإمكانيات. وبهذا الشكل سيكون هناك نظام يحكم عالم الغد، العالم الذي يدور على أساس المعلومات.
وعلى أساس ما تقدّم، نستطيع القول: إن «تافلر» يحمل في ذهنه صورة عن «نظام جيِّد» يراه حتمياً، وفي الوقت نفسه يرى أن على القادة الغربيين مسؤولية سياسية خاصَّة في تحقيق ذلك النظام وتخليصه من نواقصه المحتملة. ويعرض «تافلر» هذا الرأي بأسلوب جذَّاب، وضمن موضوعات كثيرة وانتقادات شيِّقة. ولا نجد، في ما كتبه «تافلر»، استدلالًا نهائياً، بل نراه دوماً يبدأ من نقطة معينة ويضرب على ذلك أمثلة، ويأتي بشواهد، ومن ثم ينتقل إلى موضوع آخر. ورغم أن استدلالاته غير منطقية، إلَّا أنها مقنعة للمخاطب الذي يستعجل الحكم! وهو ـ حسب تعبير أرسطو ـ أستاذ فن الخطابة (Rhetoric) في نهاية القرن العشرين، القرن الذي يدَّعي اجتثاث جذور الخطابة وإحلال العقل المنطقي بديلًا منها بشكل تام!
النَّوع الرابع، الفكرة التي يطرحها «صموئيل هانتيغتون» (7). فهو يرى أن مرحلة الحروب الأيديولوجية والاقتصادية قد انتهت. وأن «الثقافة» هي المميِّز بين البشر والسبب في صراعاته القادمة. وبالنسبة للمستقبل، ستبقى الدولة ـ القومية هي اللَّاعب الأساس على المسرح العالمي، لكنَّ الصِّراع الأساس سيكون بين الشعوب
________________________________________
(7) Samuel Huntigton, ٌThe Clash of Civilization? Foreign Affairs, Summer 1993, P.22.
[الصفحة - 309]
والتجمُّعات التي تختلف ثقافياً: بعضها عن بعضها الآخر. وبعبارة أخرى: «سيطغى على السياسة العالمية صراع (صدام) الحضارات. وأن الخطوط التي تفصل بين الحضارات هي خطوط التماس في المعارك القادمة، والصِّدام بين الحضارات هو المرحلة النهائية من تطوُّر الصراع في العالم الحديث» (8).
ويقارن «هانتيغتون» بين رأيه وبين ما شهده الغرب على مدى مراحل مختلفة: منذ أن وجدت المؤسسات والمنظمات الدولية، أي قبل ما يقرب من قرن ونصف القرن (معاهدة وستغالي: Westhalia)، إلى الثورة الفرنسية، فقد كان الغرب غارقاً في الحروب التي يقوم بها الملوك والأمراء لأغراضهم الخاصة. ومن ثم ظهر تحوُّل في طبيعة الدَّولة على أساس مفهوم «القوم أو الشعب»، وبعد ذلك تحوَّلت الحروب في العالم الغربي من حروب بين الملوك والأمراء إلى حروب بين الشعوب. وقد تغيَّر هذا الوضع مع الثورة البلشفية في روسيا بعد الحرب العالمية الأولى تماماً، فأخذت الحروب الغربية طابعاً ايديولوجياً: حرب الديمقراطية الليبرالية مع الفاشيَّة والنازية والشيوعية. وبعد الحرب العالمية الثانية، اتخذت شكل صراع ومنافسة بين القوتين العظميَيْن: أمريكا والاتحاد السوفييتي. أمَّا اليوم فقد تغيَّرت الظروف بعد انهيار الامبراطورية السوفييتيَّة، لذلك يتجه الغرب نحو انسجام أكثر، فتتقابل على الساحة العالمية العناصر الغربيَّة مع غير الغربية.
والحقيقة أنَّ «هانتيغتون» لا يقبل بتقسيم العالم إلى ثلاث مجموعات (العالم الأوَّل، والثَّاني، والثَّالث). ويرى ضرورة إخراج هذا التقسيم من الحالة السياسية والاقتصادية وجعله على أساس الثقافة والحضارة. ونراه يستخدم مفهوماً غير واضح ومبهم عن الحضارة يمكنه استجماع ثقافات مختلفة. والحقيقة أن للحضارة وصفاً خارجياً وآخر «داخلياً»، وهو الهوية الخاصة التي يراها أهل تلك الحضارة لأنفسهم. ويرى أن هناك اليوم ثماني حضارات مهمة هي: الغربيَّة، الكنفشيوسية، اليابانية، الإسلامية، الهندية، الأرثوذكسية، السلافية، الأمريكية اللاتينية واحتمالًا الأفريقية. لذلك فالسَّاحة السياسية العالمية في المستقبل تدور على أساس تعامل (وفي الأغلب صدام وتنافس!) هذه الحضارات الثماني.
________________________________________
(8) Ibid., P 22.
[الصفحة - 310]
ويعتقد «هانتيغتون» أن الحضارة الغربية تعيش ذروة قدرتها، ولا يمكن مقارنة أيّ من الحضارات الأخرى بها من حيث القوَّة، ورغم أن العالم يسير، يوماً بعد يوم، نحو «أصولية أكثر»، أو تعصُّب أشد بلحاظ الهوية الحضارية، إلا أن الحضارة الغربية (وبخاصة النوع الأمريكي منها) يزداد انتشاراً ونفوذاً. ويعترف بأن الغرب يسعى إلى فرض القيم الديمقراطية والليبرالية على الآخرين باعتبارها قيماً عالمية؛ وذلك في الوقت الذي يحافظ فيه على تسلُّطه العسكري وقوته الاقتصادية، لكنه يشعر إلى حدّ ما بالخطر من ردود فعل الحضارات الأخرى إزاء هذه الضُّغوطات.
وبعد أن يقدِّم «هانتيغتون» شرحاً لخطوط التماس الموجودة بين الحضارات، يرى الحضارة الإسلامية في حالة تقابل على جميع الجبهات، ولهذا نراه يصرّح بأن الإسلام مدمّى! في جميع جبهاته. ويعتقد أن أهم قضية في المستقبل هي صراع الحضارة الغربية مع الحضارة الإسلامية ويرى أن جذور الصِّراع تعود للعداء التاريخي للإسلام مع الجذور اليهودية ـ المسيحية للغرب.
وفي الوقت نفسه، فإن محورية الغرب، في أبحاث «هانتيغتون»، تقوده لأن يقول: «الظاهر أن المحور الأساس في السياسة العالمية المقبلة... هو الصدام بين الغرب وغير الغرب» (9).
ثم يقسِّم «هانتيغتون» ردود فعل الدول مقابل هجوم الغرب لفرض سيطرته على العالم، إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوَّل، الدُّول التي تحيط نفسها بجدار سميك وتسعى بكل جهد للحيلولة دون نفوذ الثقافة الغربية إليها.
القسم الثَّاني، الدُّول التي تحاول ركوب الموجة الغربية والحصول على جزء من ثمارها.
القسم الثَّالث، الدُّول التي قرَّرت الوقوف أمام سلطة الغرب من خلال رفع قدراتها الدفاعية والاقتصادية وإيجاد تكتلات على الساحة الدولية، وهذه الدول ـ حسب تعبير «هانتيغتون» ـ اختارت التَّحديث لا التغريب.
________________________________________
(9) Ibid., P. 41.
[الصفحة - 311]
ويرى أن المجموعة الأولى محكومة بالسقوط والإخفاق، أمَّا المجموعة الثانية التي انقطعت عن موروثها وثقافتها فقد تنجح إذا ما توافرت لها ظروف معينة، أحدها قبولها من قبل الغرب، ولهذا السبب بالتَّحديد أخفقت «تركيا» في سياسة القطيعة التي اتخذتها، بينما ستنجح المكسيك! ولكن ما هي حال دول القسم الثالث؟
يعتقد «هانتيغتون» أن الحضارتين الإسلامية والكنفشيوسية ستشكِّلان اتحاداً مقابل الغرب، يمثّل المقاومة الوحيدة في صدام الغرب مع غير الغرب! ويرى أن رمز هذا الاتحاد ـ الذي يسميه في المرحلة الحالية «اتحاد المختلفين!» ـ هو: إيران والصين، مع أنّه يشمل دولًا عديدة أخرى. ورغم ذلك كلّه، يقول «هانتيغتون»، وبنغمة مسالمة:
«في المستقبل المنظور، لن تكون هناك حضارة عالمية، وفي عالم متعدِّد الحضارات، على الجميع أن يتعلّموا كيف يتعايشوا مع بعضهم» (10).
لكن من الواضح جدَّاً تقسيمه العالم إلى الغرب وغير الغرب، ويرى أن تسلُّط الغرب على العالم في الظروف الحالية (من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية) أمر لا يشك فيه، ويرى أن شواهد ذلك واضحة في المنظَّمة الدولية (التي يعبر عنها بمحلِّلة القرارات الغربية) والبنك العالمي (ممهِّد الطريق للسيطرة الغربية) وأمثالهما.
من جانب آخر، يرى أنّ المعارضة الوحيدة لاستمرار السيطرة الغربية تصدر من الحضارتين: الإسلامية والكنفشيوسيَّة (إيران والصين)، لكنه يرى أن كفَّة الصراع تميل لصالح الغرب، والأهم من ذلك هو أن الغرب يستطيع الحفاظ بسيطرته وهيمنته العالمية باتخاذه سياسات صحيحة «من قبيل: الحدّ من قوة الدول الكنفشيوسية والإسلامية عسكرياً، وعدم التعجيل في خفض الميزانيات العسكرية الغربية من أجل الحفاظ على التفوُّق العسكري الغربي، وتشديد الخلافات بين دول الحضارتين، ودعم الاتجاهات والمجاميع التي تميل نحو القيم والمصالح الغربية في هاتين الحضارتين، بالإضافة إلى دعم المؤسسات الدولية التي تعكس منافع الغرب وقيمه وتمنحها المشروعية!» (11).
والآن، سنقوم بتقسيم آراء «هانتيغتون» على أساس تلخيصها الذي قمنا به: في
________________________________________
(10) Ibid., P. 49.
(11) Loc. cit.
[الصفحة - 312]
الصُّورة التي يرسمها «هانتيغتون» لأوضاع العالم السياسية، يحاول أن يكون واقعياً، لذلك يعدّ هيمنة الغرب بزعامة أمريكا أمراً معقولًا ومحتملًا إلى حدّ معيَّن. وهذا لا يعني حذف الأصوات المعارضة، بل إنه يرى الدول المعارضة لقيادة الموجة (اقتصادياً وعسكرياً) في موقع ضعف. لذلك يوصي الغرب وصيَّة مهمَّة مفادها ضرورة الحفاظ على هذا التفوُّق.
والتقابل الثقافي للحضارات قضيَّة مهمة شريطة معرفة جذور الرجوع للثقافة الأم (التي تعد نواة الحضارات)، لكننا إذ تهربنا من الأصالة على الدوام ونظرنا إلى الثقافة بعنوان سلعة بخصوصيات انتروبوليجيكية، لن يكون أبداً مثل ذلك الوعي والمعرفة التامة.
والسؤال المهم هو: لماذا العودة إلى الثقافة؟ والجواب لا يخرج عن حالتين: نحن نأخذ من الثقافة عقيدة أو طريقة في الحياة (وفي الحقيقة «العمل»). وعندما تكون للثقافة طبيعة انتروبولوجيكية مجردة، لا يمكننا نقد تلك العقيدة من حيث «صحتها»، ولا طرح مسألة العقلانية في باب السؤال! بل علينا احترام «الثقافة» والحفاظ عليها فحسب! وهذه القدسية التي ندَّعيها للثقافة، لو كان لها أساس، فهو ومن دون أدنى شك، مصلحي صرف. وفي مقابل هذا الفهم، هناك فهم آخر عن الثقافة، يمكن تسميته بـ «الفهم الوضعي». وفي الفهم الوضعي، تكون الثقافة بحاجة إلى إصلاح وتطوير أكثر من حاجتها إلى الحفظ. والانتروبولوجيا تشرح مسار تحوُّل الثقافة من زاوية محايدة وبلا مضمون، لكنها لن تكون البديل لطبيعتها. والثقافة، في الفهم الوضعي، ترتبط بالعلم والفلسفة وبعنصر العقلانية أيضاً. لذلك فإن قضية التعامل بين الثقافات تكون أهم من مجرد التقابل وأبعد من ذلك.
مستقبل العالم ونهج الحكومات العقلي
1 ـ أدَّى ظهور تطوُّرات سريعة، في أوضاع العالم، إلى طرح تساؤل ملح: «كيف ستكون السياسة العالمية في المستقبل وخلال القرن الحادي والعشرين؟ وكيف نذهب لاستقبال ذلك الوضع؟». هذا التَّساؤل يطرحه رجال السياسة لأنه مهم بالنسبة للقرارات التي يتخذونها اليوم، ويطرحه أصحاب الأموال والمصانع لأنَّ تبعات
________________________________________
[الصفحة - 313]
الجواب مهمة في نوع التنمية والاستثمارات التي يقومون بها. وفي النهاية فالنَّاس العاديون أيضاً يبحثون عن جواب، لأن الهيجان الذي حدث نتيجة التطورات أوجد فيهم شعوراً قوياً بالحاجة إلى المعرفة. ولكثرة المهتمِّين والمستمعين «حميت سوق» التحليل والترويج والنظريات أيضاً. وفي مثل «سوق الجمعة» هذا، من الطبيعي جداً أن تجد كلاماً سطحياً بلا مضمون، لكنه منمّق بأحسن وجه. فيقع في شرائك هذه الأفكار وحبائلها كل من يفتقد للدقة في الأمور ويستعجل القضايا، وليس أولئك السياسيون الذين وقعوا في شراك تلك التحاليل والعبارات، وخاطروا بمستقبلهم ومستقبل بلدانهم بقلَّةٍ. لذلك فإن الخطوة الأولى في تقديم جواب مقنع عن السؤال المذكور هي توضيح أساس العمل وأسلوبه. وفي هذه الحالة فقط سنتمكَّن من استشراف الحلّ المقترح أو المطروح وتقييمه. وفي غير هذه الحالة سنواجه مجرد ظن أو وهم وحتى كذبة!
2 ـ وعلى أساس النهج الذي نتَّبعه، لا بدَّ من دراسة المسائل الآتية من أجل استشراف الوضع المستقبلي:
المسألة الأولى: سنحدِّد الوضع الحالي بعلامة «و»، أمَّا أوَّل وضع ثابت يليه فنحدِّده بعلامة «و ـ 1». طبعاً هناك أوضاع وسطية كثيرة بين «و» و«و ـ 1». ويمكننا معيار «الثبات» تجاوز الأوضاع العابرة والتركيز على أوَّل وضع ثابت. وهنا نجد من الضروري الإشارة إلى ما نقصده بالثبات. ولأننا صوّرنا النظام في الساحة العالمية بأنه «أشبه باللعبة»، فحالة الثبات هي التي يكون فيها اللَّاعبون ثابتون وتكون فيها قواعد اللُّعبة ثابتة (مستقرّة). أمَّا الظروف الوسطية فيمكن تعريفها، في الغالب، من خلال تغيير قواعد اللَّعب، وفي أحيان أخرى نشاهد تغييراً في اللّاعبين، أما أشد حالات عدم الثبات والاستقرار فتكون عندما يتغير اللاعبون واللعبة معاً!
وربَّما يطول العبور من الوضع «و» إلى الوضع «و ـ 1» سنوات، وحسب توقُّعي الحالي، فإنه يكون بين خمس وعشرة سنوات. وقد توصَّلتُ إلى هذا الرقم على أساس عدة متغيِّرات هي:
ـ الوقت الذي تحتاجه دول أوروبا الشرقية لإيجاد إقتصاد حرّ مستقر والوصول إلى حالة نموّ مستمر؛
________________________________________
[الصفحة - 314]
ـ الوقت الذي تحتاجه روسيا لاحتواء ظروفها غير المستقرَّة (حوالى عشر سنوات)؛
ـ الوقت الذي تحتاجه الجمهوريات لإقامة بنية سياسية ـ اجتماعية لازمة للحكم؛
ـ الوقت الذي تحتاجه أوروبا لتحقيق وحدتها؛
ـ الوقت الذي تحتاجه الحركات الإسلامية، في مصر والجزائر، لتتحوَّل إلى حكومات إسلامية؛
ـ الوقت الذي يحتاجه اقتصاد الجمهورية الإسلامية للازدهار والتحرُّك؛
ـ الوقت اللَّازم لحدوث تغييرات في البنى السياسية لحكومات مجلس تعاون دول الخليج الفارسي العربية؛
ـ الوقت اللَّازم لكي تصل التطوُّرات في القارة الأمريكية إلى نتائج؛
ـ الوقت الذي تحتاجه سياسة التغيير في الصين كي تصل إلى حالة التعادل.
ومن المسلّم به أن العوامل المذكورة ليست كافية، لكنها مصيرية بما فيه الكفاية. والسبب، في هذا التفصيل الذي عرضته، هو بيان كيفية محاسبة الوقت. والحقيقة أننا نحتاج في تخمين الوقت ومحاسبته إلى عملين مهمين، هما:
الأوَّل، تعداد العوامل المؤثرة في التغيير الذي نبحثه؛
الثاني، استخراج العوامل الأساسية من بينها ومحاسبة وقت (زمن) عملها، ومن ثم استخراج معدَّل وقت العمل.
المسألة الثَّانية: علينا أن نفهم أنّ جذور الوضع التالي «و ـ 1» تكون في الوضع الحالي «و».
وبعبارة أدق، يكون التّحول من «و» إلى «و ـ 1» تابعاً لقسمين من العوامل:
القسم الأوَّل: العوامل الخارجة عن إرادة الفرد، مثل: الزلزال والقحط والأقدار التي يُعبَّر عنها بلغة العالم الليبرالي بـ «حدث» و «حظ».
والقسم الثاني: العوامل التي لها صلة بعمل الإنسان الإرادي. وهذا القسم من
________________________________________
[الصفحة - 315]
الأعمال هو الذي يمكن بحثه ودراسته علمياً، وهو الأرضية التي تغرس فيها البذور لكي تؤتي في النهاية ثمارها في الوضع التالي «و ـ 1».
وقولنا في «النهاية» سببه أن آثار العمل تظهر أحياناً في الأوضاع الوسيطة، وفي تلك الحالة تتهيأ الأرضية لأعمال أخرى تفضي بالنتيجة إلى الوضع الثابت التالي «و ـ 1». وعلى هذا، فإن معرفة الوضع الحالي بدقة من مستلزمات الحصول على صورة تستند على أساس علمي، عن المستقبل.
المسألة الثَّالثة: أمّا وقد عددنا العوامل (اللاعبين) المؤثِّرة في الوضع الحالي، فلا بدَّ من دراسة الصورة التي يقدِّمها كل واحد منها عن الوضع الحالي بشكل مستقل. والملفت للانتباه أن هذه العوامل تمتلك صوراً مختلفة عن الوضع، حتى أن بعض القوى الداخلية الفاعلة تمتلك صوراً مختلفة أيضاً! وإليكم بعض الأمثلة:
أ ـ تعتقد أمريكا، وكما أشرنا من قبل، أنّ الفرصة مؤاتية حالياً لتثبيت زعامتها على العالم بأجمعه. وتسعى إلى هذه الزَّعامة على أساس مسوّغ عقلاني مفاده أن نظام الديمقراطية الليبرالية أفضل نظام اجتماعي وأكمله، أمّا من الناحية العملية فإن الكتلة الغربية تتبعها باعتبارها أفضل تجمُّع دولي لحل مسائل العالم ومشاكله، بينما أضحت المنظَّمة الدَّولية الأداة المشرِّعة لهذه الحكومة العالمية ووسيلتها في السيطرة.
ب ـ وترى أوروبا الغربية نفسها، وبخاصة ألمانيا، في موقع ممتاز يخوِّلها الدخول إلى السَّاحة العالمية باعتبارها لاعباً قويَّاً ومؤثراً، كأن تحصل على عضوية دائمة في مجلس الأمن، وتكون في مستوى الآخرين. ومع أنها لا ترتضي زعامة أمريكا للغرب، لكنها مستعدَّة للتفاوض حول ذلك في الظروف الراهنة، أي قبول زعامة أمريكا بشكل آني مقابل الحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن.
ج ـ بينما ترفض الصين زعامة الغرب وأمريكا معاً! وترى أن إحياء نفسها، بوصفها قوّة آسيوية مهمَّة تلتف حولها سائر الدول، أمر عملي. وترى، أيضاً، أن الظروف الحالية هي ظروف التحديث التي تجاوزتها، وأنها تمرّ بمرحلة مرونة مشروطة ونفعية مع الغرب.
________________________________________
[الصفحة - 316]
د ـ أما إيران فترى أن انهيار الامبراطورية السوفييتيَّة فتح أمامها مجالات جديدة للعمل، وتعتقد أن بإمكانها أداء دور على الساحة العالمية إلى جانب عدم قبولها التّام بزعامة الغرب وأمريكا. وتحاول إيران تخطِّي مراحلها الأولى في التنمية، بينما تنتظر ثمراتٍ جديدة ومهمَّة للحركة الإسلامية.
المسألة الرابعة: يتّخذ كل لاعب فاعل سياسة معيَّنة على الساحة العالمية، على أساس الصورة التي يمتلكها عن الوضع الحالي (إضافة إلى العوامل الأخرى الموجودة في أنموذجه السلوكي). ومع أن هذه السياسة المتَّخذة من قبل العامل تهدف إلى تحقيق الوضع المنشود، فإنَّها، على مستوى الواقع، ومن زاوية خارجية، تؤدي بدورها إلى ظهور أوضاع وسطية تختلف كلياً عن تصوّرات اللاعب. وإن دراسة هذه الخصوصيات بدقة تمكّن المشاهد الخبير ـ عملياً ـ من الحصول على صورة حقيقية عن الوضع الذي سيستقر بالنهاية (أي: و ـ 1).
المسألة الخامسة: لا بدّ من التمييز تمييزاً تامّاً بين الحلول المقترحة وبين الفهم الواقعي للوضع المستقبلي (و ـ 1). فالحلول المقترحة بالنِّسبة للاعب قد يكون مصدرها داخلياً، أو قد تكون قائمة على أساس موقف «خيالي» بالكامل لا يستند إلى نظريَّة عملية. وطبعاً على أصحاب تلك الحلول أن يستندوا إلى صور واقعية عن الوضع المستقبلي. وللأسف الشديد، نشاهد في العديد من الأحيان أن الخبراء الحكوميين (عندنا وفي سائر الدول) يفضِّلون إصلاح الحلول والمقترحات المقدّمة إلى أصحاب القرار وتعديلها، بدل السعي إلى امتلاك مثل تلك الصورة عن الوضع المستقبلي، ولا أنكر أن امتلاك صورة حقيقية عن الوضع عمل علمي، وربما لا يستطيع الخبير (لمجرد أنه خبير) الحصول عليها، بل الخبير يكون حلقة وصل بين العالم المتخصص وأصحاب القرار. ولهذا، يرد الإشكال نفسه على علماء السياسة العالمية، أي أنه عليهم تقديم صورة حقيقية عن القضايا، لا عن الصور والتحليلات التي يرتضيها رجال السياسة ويطبِّل لها رجال الاعلام، ففي المعارف التي تسمَّى العلوم الإنسانية، مثل الفلسفة، علم الاجتماع، السياسة، العلاقات الدولية والاقتصاد، نجد هذا الخطر أكثر ممَّا هو في سائر العلوم، لأن البحث غير العلمي في مجال العلوم الطبيعية يكتشف بسرعة، بينما لا يتضح ذلك في العلوم الإنسانية
________________________________________
[الصفحة - 317]
بتلك الكيفية، والسبب تداخل عوامل مهمة في الأمر. وأن أحد الأهداف التي يرمي إليها هذا البحث هو لفت انتباه رجال السياسة وخبراء السياسة الخارجية إلى هذه القضية، وكذلك دفع الباحثين الشباب لاستخدام أساليب دقيقة في الأبحاث السياسية (والحكومية).
3 ـ في هذه الفقرة، سأحاول توضيح الصُّورة التي حصلت عليها عن أوضاع العالم مستقبلًا من خلال الأسلوب الذي بيَّنته أعلاه. وقد يحتاج تفصيل ذلك إلى كتاب مستقل بذاته، إلّا أنني تطرَّقت إليه في كتابات أخرى (12).
وفي هذه الصورة أتوقَّع ثلاث مراحل متوالية وأساسية لمستقبل العالم:
المرحلة الأولى: مرحلة «البحث عن الهوية» بالنسبة للشعوب. ومن العوامل المؤثرة، في ذلك، سرعة الاتصال ونشر مظاهر الثقافة الغربية من النوع الأوروبي ـ الأمريكي، وعلى نطاق واسع، ورغم أن هدف الغرب من ذلك إيجاد هويَّة موحَّدة، إلا أن نتائجه عكسية تماماً. فالشعوب المستهدَفة من خلال ذلك النَّشر والضخّ ستسعى بعد مدّة قصيرة من الانفعال إلى البحث عن هويتها. ومن أهم نتائج هذه الحالة الروحية ـ الاجتماعية، تزلزل أسس مشروعية الأنظمة وصلاحيات السياسيين وتصرفاتهم. ومن نتائج هذه المرحلة، كثرة حالات التمرّد والحركات الانفصالية والحركات المطالبة بالحكم الذاتي.
المرحلة الثانية: ظهور عناصر حكومية جديدة على أساس الهويات القومية الضيقة والمجزّأة. فالشعوب التي تبحث عن هوية ـ وبمساعدة العناصر السياسية الانتهازية ـ تستند إلى عناصر سطحية لخلق هوية لها، مثل القومية، الدين (بغض النظر عن مسألة حقانيته) اللغة والجغرافيا، فتقيم تجمعات عاملة متعصبة ونشطة جداً. ولربما يكون هذا الثبات بعد مرحلة من الصراعات الدموية، لكن هذه الحالة تمتلك تعادلًا نسبياً بين عوامل متطرفة جداً وأخرى تعدّدية. وقد يكون التعادل، أحياناً، بين تيارات من هذه المجموعة من الدول، حيث أن كل مجموعة تشكلت على أساس ظروف معينة. أهمها الظروف الجغرافية. ويمكن تسمية هذه الحالة بالوضع المستقبلي «و ـ 1».
________________________________________
(12) راجع، إضافة إلى المقالات التي كتبتها في صحيفة «اطلاعات» بعنوان: «حديث الأسبوع السياسي» وعلى مدى أعوام، الكتابين الآتيين: ـ محمد جواد لاريجاني، التديُّن والحداثة. ـ محمد جواد لاريجاني، نظرية أشبه باللعبة.
[الصفحة - 318]
المرحلة الثالثة: التَّشكيك في أصالة الهويات، وينتج من صميم المرحلة الثانية، فعلى الرغم من أن الشعوب (ودولها) تشعر لمرحلة معينة بالهوية الجديدة، وتقيم بناءً جديداً، لكن هذه الهوية ليست لها جذور! والتشكيك في أصالة الهوية السائدة (وهي في الغالب عاطفية ووراثية أو عرقية وعصبية) بداية للمرحلة الثالثة التي يمكن تسميتها بمرحلة البحث عن الحق. وفيما لو وصلت هذه المرحلة إلى نهايتها، يجب أن ينجذب الجميع إلى الحق الأصيل وتكون هناك حكومة صالحة لإدارة العالم. وطبعاً عاش جميع عقلاء التاريخ بأمل ذلك اليوم وما زالوا ينتظرونه!
4 ـ الذي نلاحظه بوضوح، في المناهج الأربعة لـ «الشموليَّة» العالمية الليبرالية! هو التسليم الكامل لسلطة «الآلة» والوسائل ونسيان «المحتوى». ومما ساعد في ذلك، هو «الحياد» الفلسفي الذي ترفعه الديمقراطية الليبرالية شعاراً لها! فلماذا نتجاوز بسهولة حالة الاكتشاف الوصفي في الذهن إلى حالة اقتراح الحلول؟ ولماذا يجرنا التوسيع الخطّي (الأفقي) للأوضاع إلى تقديم وصايا ساذجة؟ فمن البديهي أن يكون للصورة التي نمتلكها في أذهاننا عن القدرة وطبيعتها، دورٌ مهم في ظهور هذه الزلّات. ومن المهم جداً أن نؤمن بأن قدرة هذا المصدر تتلخص، في النهاية، في التأثير على إرادة الإفراد فقط. فقوة الامبراطور وقدرته تتجليان بشكل سلطة عندما يطيعه أسراه ويستمعون إلى أوامره خوفاً على أرواحهم، وهذا تغيير في الإرادة. فلو قرر الأسرى التمرُّد حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، لن تكون هناك هيمنة، مهما كثرت المفاصل والسيوف! وهكذا القدرة الاقتصادية وسائر أدوات السلطة.
وبعد أن توصَّلنا إلى المصدر، لا بدَّ من الاعتراف بأن تأثير الأفراد في الإرادة ليس أمراً سهلًا! فقد تكون لها صور جماعية مشابهة، لكن ذلك لا يعني بساطتها. وفي هذا المضمار بالتحديد، تطرح مسألة «الحق» و «الحقانية»: فهل يمكن تعريف الحق بشكل مزيّف على الدوام؟ لماذا لا نحتمل أن الحق أصيل ومتجذّر، وفي مثل هذه الحالة، أين تكمن جذوره؟ فهل هي في نفوس الأشخاص؟ وأقصد بذلك الأشخاص جميعهم! فالحقيقة هي أن اكتشاف الحق ليس إلّا الرجوع إلى الجذور، وما هو إلّا الكشف عن الأصل! وهذا ما ذكره بالتحديد حكيم اليونان، سقراط،
________________________________________
[الصفحة - 319]
عندما رأى العودة (Recollection) هي جوهر الكشف. لذلك يمكن لجاذبية الحق الحقيقيَّة أن تكون بنفسها حقيقة أساسية في بنية القدرة.
5 ـ فلماذا لا نسعى إلى بنية تسمح، في المرحلة الأولى، بظهور الحق؟ فحتى بالمقاييس الليبرالية لا يوجد مسوّغ لمناهضة الحق؛ أليست الحرية من أجل إمكان «الظهور» و «البروز»؟ ولماذا نقترح بسرعة أمراً يسدّ الطريق أمام هذا الظهور؟
بعبارة أخرى: يظهر أن وحدة البشرية جعلتنا نرى التعدُّدية خطراً! وأريد القول: إننا لو قصدنا العقلانية في تصرفاتنا السياسية، فالخطوة الأولى هي: «قبول العالم بتعدُّديته الموجودة، بشكل مشروع».
6 ـ الأصل الذي ذكرناه، في الفقرة السابقة، يعني من الناحية العملية قبول الجميع في البداية «رسمياً» وبأية هوية يمتلكونها! فلا مسوِّغ لإخراج جماعة من دائرة المشروعية (Out law) بوصفها أصوليّة، وجعل آخرين في مركزها.
ولا أدّعي، هنا، عدم ترجيح هوية على أخرى، بل يجب تحمل جميع الهويات على أساس السيرة العقلانية. ومن البديهي فهذه بداية: وبعد أن يشعر الإنسان بالأمن من خلال هويته الموجودة، يبدأ بالتشكيك فيها، بينما لو تعرض دائماً للتهديد، سيقوم بالدفاع فقط. لأن الشك في الهوية في حالة وجود تهديد يعني الخسارة والاندحار. ويجب أن لا يترك هذا الشك ناقصاً، بل يجب تتبُّعه حتى النهاية. والبحث المذكور في جذور الهوية، في حقيقته سير نحو «الجذور»، وهو بذلك البحث عن الحقانية.
إحياء السَّعي إلى الجذور (الحقّ) وانتهاج سبل التفاهم بين الهويَّات
والآن، نصل إلى الأصل الثاني في سيرتنا العقلانية، وهو: «إحياء السَّعي للوصول إلى الجذور (الحق) انطلاقاً من أمن الهوية الموجودة».
فما هي أهميَّة هذا الأصل؟
والجواب هو: إن الغرب، منذ عصر التنوير (Enlightment) وحتى اليوم، روّج للعقل التَّقني والوسائلي، أمَّا السَّعي إلى كشف الجذور ومعرفة الحق فقد رآه
________________________________________
[الصفحة - 320]
«بلا فائدة»، وذلك في أكثر انتقاداته أدباً! ولذلك فقد اتحدت الحداثة بالعقلانية التقنية (13) ولكن ما هي الحداثة الموجودة في العصر الحديث؟ فاكتشاف الوسائل الحديثة حدث على مدى عمر الحداثة، إذن، فالحديث الذي يأخذنا إلى ما هو أبعد من الحداثة هو العبور من دائرة العقل التقني، وبديهي أن تكون أبرز علاماته (والسبيل الوحيد فيه) بداية ظهور هاجس الحقَّانية. وفي المناهج الأربعة التي ذكرتها سابقاً حول مستقبل الوضع السياسي العالمي، نشاهد بوضوح قلقاً ووقوفاً حقيقياً أمام أية محاولة للعبور من حدود العقلانية التقنية. وهذه أبرز علامة للتحجُّر ـ وبعبارة أدق للأصولية ـ في نهج الديمقراطية الليبرالية!
أما الأصل الثاني، فيقول لنا: دعوا البشرية تخرج من قشريّة العقل التقني، وتبحث عن الحقانية حتى النهاية. تعالوا لنسلّم بنتيجة هذا البحث بدل أن نشير إليه بقلق ونعده مصدر الخطر. فربما حدثت، في هذه المرحلة، تطوُّرات أساسية وظهرت نتائج غير مرتقبة. علينا أن نذهب إلى استقبال صورة «حقّة» عن العالم، لا أن نهرب منها جهلًا!
أما الأصل الثالث، وهو من أجلّ ثمرات العقلانية الأصيلة وتسهيل نموّها، فهو: «السعي للوصول إلى سبيل صحيح في «التفاهم» بين الهويات الموضوعية الموجودة».
لقد تعوَّدنا دوماً أن نكون نحن المحور في ثقافة التفاهم الغربي. وعلى أساس هذا المنطق، ننظر إلى للآخرين باعتبارهم مجرد ظاهرة لا أكثر! لذلك لم نسع أبداً إلى أسلوب من التفاهم العلمي! فبسهولة نقدم ملاحظاتنا وتوصياتنا ومواعظنا، بينما كان علينا أن نقيم «علاقة» مع الآخرين قبل ذلك. ولماذا نعرّف الوحدة بأنها ترك الذَّات والالتحاق بالآخر؟ بينما الوحدة تعني اختيار أساس واحد للتفاهم بين ذوات مختلفة. فهل تصوّرنا يوماً أن «التفاهم» بين هويات مختلفة، قضية بديهية؟ أم أن الآخرين أقل قيمة من أن نفهمهم؟
وفي اعتقادي أن أفضل استشراف للمستقبل هو إحياء هاجس الحقّانية، حتى لو قام الغرب بحذف منافسيه في الظاهر باستخدام القوة (أو التطميع أو كلاهما) فإن
________________________________________
(13) راجع: محمد جواد لاريجاني، الحكومة: بحث في المشروعية والفاعلية، ترجمة: علاء رضائي، الفصل الثالث.
[الصفحة - 321]