البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

محتوى النص القرآني في فهم المستشرقين

الباحث :  أ.م. د. عادل عباس النصراوي/ كلية التربية الأساسية ـ جامعة الكوفة
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  6
السنة :  السنة الثالثة - شتاء 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 7 / 2016
عدد زيارات البحث :  6497
محتوىُ النصّ القرآني في فَهْمِ المستشرقين

■ أ.م. د. عادل عباس النصراوي(*)

مدخل
اهتمّ المستشرقون بمحتوى النص الكريم والسنة المباركة اهتماماً كبيراً لما لهما من وشائج اتصالٍ قوية من خلال اطلاعهم عليهما عن طريق الترجمة أو الشعر الجاهلي أو اللغة أو غيرها من مصادر الدراسة المعنية بذلك, ورأوا أنّ هناك ضرورة ملحة لدراسة محتوى هذه الأصول التي تشكّل بمجموعها عماد قيام الأمة الإسلامية وتطورها فعكفوا على دراستها بحثاً وتنقيباً وحفراً لأجل كشف مضامين هذا المحتوى, وكانت اللغة العربية المحور الموازي في دراسة المحتوى التراثي الكبير, فلم يتوانوا عن دراستها ومعرفة أساليبها وبلاغتها لتكون لهم دليلاً وموجِّهاً لمعرفة ذلك المحتوى العظيم بعظمة النص المبارك, لأنّ القرآن الكريم يُعَدُّ في الأصل نصّاً لغوياً نزل بلغة العرب, إلاّ أنّه نص مميّز من باقي النصوص البشرية, جاء ليحاكي ألسنتهم وطباعهم, وليكشف عن سلوكهم اللغوي الذي تفاخروا به على الأمم كافة كونهم أهل بلاغة وبيان لم يُدانيهم فيها أحدٌ, وهذا ممّا لفت أذهان العرب وخطباءَهم وشعراءَهم في أن يأتوا بسورة من مثله ـ كما ذكرنا ذلك من قبل ـ إذ كانت اللغة محور ذلك التحدّي الذي تدور في فلكها, بمسائل الإعجاز الأخرى كالإعجاز العلمي مثلاً, فضلاً عن ذلك استوقفهم كثيراً طبيعة السلوك اللغوي في السور المكية والمدنية من حيث الأسلوب والتركيب وغرابة بعض الألفاظ وعروبتها أو عجمة بعضها, والبحث عن علاقة كل هذه القضايا وغيرها بالمحتوى القرآني, إذ إنّ كثيراً منها قد ارتبط ارتباطاً وثيقاً به, حتى أنّ هذه المسائل قد أسّرت هذا المحتوى بأسارها في أكثر من موضع من مواضعه المتمثّلة بالقصص القرآني, وعلاقته بالفن القصصي والشعائر الإسلامية ومصادر القرآن الكريم غير الإلهية ـ بحسب زعمهم ـ وارجاع ذلك كلّه الى مرجعيات توراتية أو انجيلية أو وثنية .
ولعلَّ ذلك يعود الى طبيعة المنهج أو المناهج التي اتبعها المستشرقون في دراسة أي حالة أمامهم, فضلاً عن الطابع الثقافي الذي انطبع به الفرد الغربي وخاصة المثقف تجاه الأديان عموماً, ونبذ المقدّس فيها على الخصوص, مضافاً الى كون طريقتهم في دراسة الأديان تعتمد في الغالب المنهج المقارن, وقد كان هذا المنهج سائداً أبان القرن الثامن عشر, وأنّ معظم المتنوّرين الغربيين قد استعملوه في دراساتهم عموماً, ولماّ كان الإسلام ديناً قد عمّ كثيراً من بقاع الأرض, فقد نظروا إليه من خلال نظرهم الى الديانة اليهودية أو المسيحية ووظّفوا تصوراتهم تلك في دراستهم للدين الإسلامي, لذلك جاءت نتائجهم بما يتوافق مع مناهجهم هم, لا مع التصوّر الإسلامي, فضلاً عن الأثر الثقافي لهم في تلك النتائج .
ثمّ لماّ تطوّرت لدى الغربيين طبيعة المناهج المستعملة لديهم, فقد طوّروا عمّا كان عليه المستشرقون في المنهج المقارن للأديان, فبدؤا يبحثون عن مناهج جديدة في ذلك, ولم يمضِ وقت ٌ طويل حتى ظهر المنهج التأريخي الذي يدرس أي حال وفق معطيات المتغيّر التأريخي لها عَبْر الحقب الزمانية المتعددة الذي تمرّ بها تلك الحالة قيد الدراسة والبحث, فكانت دراسات المستشرقين وفق هذا المنهج قد أفرزت نتائج عدّة تتمحور حول بشرية القرآن الكريم بسبب ما لاحظه هؤلاء المستشرقون من تغيرات في النص القرآني بفعل القراءات القرآنية وقضية النسخ وما سواها, فوصفوا النص القرآني بأنه بشريّ النشأة والتطور وليس نصّاً إلهياً مقدّساّ .
بيد أنّهم لمّا درسوا الظروف التي رافقت نزول النص المبارك عَبْر دراسة وصفية جدلية آنية, برزت لهم نتائج مغايرة لما كان عليه أسلافهم, فآمن بعضهم بأن القرآن الكريم نَصٌّ فوق مقدرة البشر من حيث محتواه وموضوعاته ولغته وأسلوبه, وهكذا تتغير نتائج الدراسة والبحث وفق المنهج المتبع في ذلك .

محتوى النص القرآني:
لم يكن باستطاعة المستشرقين عامة من احتواء كلِّ النص القرآني بدلالاته ومعانيه ونُظُمِه وكل ما يحمله من أُسسٍ لقوانين وتشريعات حياتية, وقد بذلوا كل جهدهم في ذلك إلاّ أنّ قراءاتهم كانت ناقصة, وربما كان ذلك بسبب من المنهج المستعمل في فهم النص القرآني المبارك الذي بُني على مفرداتٍ غريبة لا تتفق مع الفكر الإسلامي ولا البيئة الإسلامية التي انتظمت على وفق تعاليم الإسلام الحنيف الذي صاغه القرآن الكريم والسيرة النبوية المباركة, وما صاحب ذلك من تطوّر عَبْرَ الحقب الزمنية المتعاقبة, إذ إنّ النصَ المباركَ يحملُ في طياته بذرة التطوّر وقابلية التفاعل مع البيئة, فهو لا يتوافق عند حدود زمانية محدودة, لذلك نرى شعلة الضوء التي يحملها القرآن الكريم مزهرة دوماً بأضواء آياته وسُورِهِ ومفرداته, التي انسجمت مع بعضها في تركيب لا نظير له منْ قبلُ ومن بَعْدُ, معبرةً عن ذلك المحتوى العظيم الذي بَهَرَ به العرب حين صدم أسماعهم لأوّل مرة بتعاليم أو قصص, وإن سمعوها من قبل, غير أنّه أضاف لها ما لم يسمعوه, فانبهروا به أيَّ انبهارٍ, فلاذوا بالصمت أو كذّبوا فيما قالوا فيه, وهم يعلمون أنهم لم يقولوا الحقيقة, حتى صُمَّت أسماعهم فلم يقبلوا بما قالوا.
استغل المستشرقون هذه الادعاءات وغيرها من المفتريات التي وضعوها لأنفسهم وللمتلقين من جماهيرهم, فضلاً عن نبشهم عماّ تركه المؤرخون لضعف رواياته أو فساد مضمونها مما لا يتفق مع النص المبارك, فسوّدوا أوراقا كثيرة بأفكارهم المتضاربة, حتى أن بعضهم قد ردّ ما قاله آخرون منهم لعدم منطقيته .
ولعلّ أهم ما درسه المستشرقون لمعرفة محتوى النص القرآني ما يأتي:

أولاً / القصص القرآني :
تُعدُّ القصصُ القرآنية مصدراً رئيساً في محتويات القرآن الكريم, إذ اتسعت هذه القصص على شكل ومضاتٍ مضيئة ونجوم متناثرة في كثير من السور القرآنية, فنجد في بعض السور قصصاً كاملةً عن حالةٍ وقعت, ونرى في أخرى قسماً من قصة, ولعلّ ذلك ما كان إلاّ لأسباب موضوعية تدعو لها السور القرآنية, كأن يكون لأسباب تحذيرية من وقوع العذاب بسبب عدم اتباع الهدى, أو الزيغ عن طريق الحق الذي يدعو له القرآن الكريم فيوظّف تلك القصص لمثل هذه المقاصد لأجل ردع المنحرفين أو إيقاظ الغافلين.
إنّ طريقة عرض القصص القرآنية استرعت اهتمام المستشرقين, فضلاً عن مطابقتها لكثير ممّا جاء منها في التوراة والانجيل, فأعملوا فؤوس الهدم من خلالها في القرآن, واعتماداً منهم على مناهجهم التأريخية أو المقارنة أو غيرها فقد عزوا ذلك بسبب هذا التشابه الكبير في القصص بين القرآن الكريم وبين التوراة والانجيل إلى أن القرآن من تأليف النبي محمد (ص), وأنّ معلوماته في هذه القصص مستوحاة من أخبار الديانتين اليهودية والنصرانية أو منقولة عنهما من نحو قصص الطوفان والخلق وخروج النبي موسى من مصر وقصة النبي يوسف : وغيرها من القصص الأخرى التي ضمتها الكتب المقدسة المذكورة, لذلك نجد أن مونتجمري وبسبب هذا التشابه يقول: (يجد الباحثون الغربيون صعوبة في مقاومة الإغراء في أن يصلوا الى نتيجة مؤدّاها أنّ القرآن الكريم من عمل محمد (ص))([1]).
ويعزو أغلب المستشرقين مصدر هذه القصص الى الرهبان والقسس ممّن كان يسكن جزيرة العرب وما جاورها كسوريا، واتصال النبي محمد (ص) بهم, أو عن طريق الأحبار الذين دخلوا الإسلام في المدينة فأخذوا يروون أو يعلّمون المسلمين بعضها, حتى أصبحت ثقافةً يتعامل بها الناس في عموم الجزيرة, وهذا الأمر يسّر على النبي (ص) ـ بحسب زعمهم ـ الإفادة منها بوصفها إرثاً وثقافة في الجزيرة العربية.
فضلاً عمّا كان في الكعبة المشرّفة من عناوين كثيرة ورجال دين من المؤلّهة والموحِّدين أو المتنصِّرين ممّن كان لهم اتصال مباشر بالثقافة التي اصطبغ بها المجتمع المكي, من نحو ورقة بن نوفل وغيره, ويعزو المستشرقون تلك القصص والأخبار الواردة في القرآن كذلك الى أسفار النبي محمد (ص) مع عمّه أبي طالب, أو في تجارة السيدة خديجة قبل زواجه مها واتصاله بالراهب بحيرى وغيره, فأخذ عنه كثيراً من تعاليم الأنبياء والرسل وأخبارهم .
هذا المنهج التأريخي الذي اتبعه المستشرقون في البحث عن تلك القصص كان يقودهم إلى النتيجة المعروفة لديهم بأنّ القرآن بشري ومن تأليف محمد (ص), أو كما يسميه كانون سيل (محرِّر القرآن) ([2]) .
لقد وصف المستشرقون القصص القرآنية بكونها مجموعة أساطير وخيال ولا تمتّ الى الحقيقة بشيء أو أنّها تحريف لما في التوراة والانجيل, ويمكن أن نختصر مجمل آرائهم بما يأتي:
1 ـ إنّ القصص القرآنية عبارة عن أساطير مقتبسة عن المعتقدات الشعبية اليهودية, وأنها قد وُجدت في كتب متحولة كثيرة كانت آنذاك قيد التداول بين أتباع الكنائس السورية بجنوب سوريا والجزيرة العربية ([3]) .
2 - يرى كانون سيل أنّها لا تتطابق مع التوراة, فيقول: (فالقصص التي يرويها ـ أي النبي محمد (ص) ـ لا تتطابق مع نصوص التوراة, غير أنها تماشي الأسطورة اليهودية وحكاية الأخبار, ويبدو واضحاً أنّه كان لمحمد بعض المعارف اليهود وقد استقى رواياته منهم لتتخذ صيغتها الحالية في القرآن )([4]) .
3 ـ إنّ القصص القرآنية فيها مزج للحقيقة بالخيال, وبتصور خاص, فيقول المستشرق موير عن تصرّف النبي محمد (ص) في تلك القصص,: (مزج الحقيقة بالخيال, والتصوير الروائي بتفاهة طفولية, وتكرار القصص نفسها مرة بعد مرة بتعابير مقبولة عَبْرَ شفاههم وشفاه أعدائهم المزعومين )([5]), وهذا الأمر ممّا يسبّب ـ بزعمه ـ تعباً لقاريء القرآن ويصيبه بالغثيان .
4 ـ يقدّم النبي محمد (ص) هذه القصص القرآنية بوصفها شاهداً على الإلهام المباشر من الله تعالى([6]) طبقاً لقوله سبحانه: )مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْـمَلإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ( ([7]) .
5 - يذهب بعض المستشرقين الى أنّ بعض هذه القصص قد حُرَّفت عمّا جاء في الأصل التوراتي, فقد كان النبي محمد (ص) ـ بزعم كولدزيهير ـ لا يفترض في قصة الذبح إلاّ اسحق ذبيحاً قبل نزول القصة أو هو «مختار الضحية» ويبدوا أنَّ أحداً لم يشك في ذلك في القرن الأول للإسلام, وكذلك أقدم مفسري القرآن, غير أن ظهور اسماعيل ذبيحاً في القرآن الكريم, ما كان إلاّ من تحريفات التوراة([8]), لذلك كان كولدزيهير يرى أنّ القصص القرآنية اذا وافقت التوراة فهي صحيحة, وإلاّ فهي محرّفة, فجعل التوراة هو المقياس الذي تُقاس عليه صحة قصص القرآن من عدمها.
لكنّ مصدر القرآن الكريم في العرُف الإسلامي هو الله تعالى وكذلك التوراة والانجيل, وإنّ ما جاء من قصص فيها, إنّما مصدرها واحد, لذلك فإنّ ما فيها من تطابق يؤيد صحة المصدر, وإلاّ اختلفت اختلافاً كبيراً, حتى أنّ مونتجمري كان يرى أن هذه القصص التي وردت في المصادر اليهودية والمسيحية ليست في الأسفار المعتمدة في العهدين القديم والجديد وإنّما من الأعمال المنسوبة الى الربيين «الأحبار» ومن الكتابات الابوكريفية الملحقة بالعهد الجديد([9]), وأمّا كونها من نسج الخيال أو أنها جمعت أو مزجت الحقيقة بالخيال, فذلك محض افتراء أو تجاوز على كل الكتب السماوية, لأنّ الآثار والصروح الباقية الى يومنا هذا دليل على أنها ليست من جنس الأساطير بل هي حقائق شاهدة على وجودها, فضلاً عن ذلك ما جاء منها في القرآن الكريم في قصة النبي موسى (ع) وانفلاق البحر وغرق فرعون وجنوده, إذ لم يبق منهم إلاّ جسدُ فرعون, وهو اليوم ماثل بالمتاحف العالمية, وهو مصداق لقوله سبحانه: )فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ(([10]).
وسوف أعرض لبعض من القصص القرآنية التي ذُكرت من قبلُ في التوراة أو في الانجيل, ولنرى الفرق الواضح بينهما, وأنّ هذا الفرق سوف يدلّنا على مقدار التحريف فيها عندما وردت في التوراة أو غيره, ومدى التطابق العلمي مع النص القرآني المبارك, ولعلّ ذلك مرجعه الى ما أصاب تلك الكتب غير القرآن من تحريف بسبب تقادم الزمان عليها أو ترجمتها أو امتداد الأيدي اليها.
لقد ذكر القرآن الكريم والعهدان القديم والجديد مجموعة من القصص من نحو قصة الطوفان وقصة الخلق وخروج النبي موسى (ع) من مصر, وقصة النبي يوسف (ع) وحكمه في مصر زمن الفراعنة, وغيرها من القصص الأخرى, وسوف ندرس سوية أنموذجاً واحداً, هو قصة الطوفان في زمن النبي نوح (ع), ولنبيّن نوع الأثر المترتّب على القرآن الكريم من مصادر هذه الرواية, إن كان هناك من أثر فيه .
في البدء لابُدّ من أن نوضح بشكل مختصر الرواية القرآنية عن قصة الطوفان والنبي نوح (ع), وقد ذُكرت القصة بمواضع متعدّدة من القرآن, إلاّ أننّا نستطيع أن نجملها من سورتي هود ونوح, وفي هاتين السورتين تتضح أحداثٌ ربّما تكون مختلفة عن الأخرى, أو لنَقُل متمّمة, ففي سورة نوح تكاد تكون الأحداث أكثر تفصيلاً في تعيين صفات أبطال القصة من نحو النبي نوح (ع) وأفراد قومه الذين يدعوهم الى الإيمان بالله تعالى, فالسورة تكشف عن بطل القصة نوح (ع) ومعاناته والسبل التي اتّبعها في دعوة قومه الى عبادة الله تعالى والخروج من قمقم الكفر بالله سبحانه, إلاّ أن دعوته لم تزدهم إلاّ نفوراً وفراراً, قال تعالى: )قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً(([11]), فكان (هذا الحوار الانفرادي مع السماء يكشف عن المرارة التي كابدها نوحٌ (ع) في دعوته الى رسالة السماء ... لكن القوم كانوا من الانغلاق الى الدرجة التي لم يزدهم دعاؤه الى الله إلاّ فراراً من ذلك )([12]), بل وصل الأمر بهم الى الحد الذي قال عنهم نوح في حواره مع السماء )وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَـهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً(([13]), فنقل القرآن في هذه الآية المباركة صورة هؤلاء القوم وما هم عليه من المرض النفسي, فهم رفضوا كل شيء في الدعوة , بل رفضوا حتى مجرد الاستماع الى طلب المغفرة, فقد بلغ بهم المرض الى الدرجة التي كشفت عن أنّهم يحملون في أعماقهم كراهية شديدة للأصوات الخيرة, وقد ترجموها الى سلوك خارجي, تمثّل بسلوك حركي في وضع الأصابع في الأذان ([14]).
فهكذا يتبيّن في سورة نوح (ع) هذا المحتوى المعبّر عن شخصية البطل ومعاناته من قوم بلغ بهم المرض النفسي حداً لا يمكن معه الاستمرار في دعوتهم الى الله تعالى .
أمّا في سورة هود (ع) فإنّ الأمر يختلف تماماً, ففيها يُبيّن الأحداث التي رافقت النبي نوح (ع) من الدعوة الى الله تعالى الى النفور منها, وصناعة السفينة ثم حادث الطوفان العظيم, من دون الخوض في الواقع النفسي والذاتي لأولئك الأقوام وذلك لأنّ سياق الأحداث لا تستوجب ذكر ذلك, لأن حادث الطوفان قد غطّى على مجمل تلك الأحداث الصغيرة فضلاً عن ذلك الوضع النفسي لقومه الذين دعاهم فلم يكن ذا بالٍ نسبةً الى حادث الطوفان العظيم ويمكن تلخيص حكاية السفينة بالفقرات الآتية:
1 ـ المواقف, وتتمثل بموقف الدعوة الى الايمان بالله, وردود الفعل عليها .
2 ـ الاحداث, وتمثّلت في صناعة السفينة وحدث الطوفان .
3 ـ الجري, وكان الركاب اذا أرادوا أن تجري السفينة قالوا: (بسم الله مجراها ), وان أرادوا أن تقف قالوا: (بسم الله مرساها) .
4 ـ الهبوط أو رسو السفينة, وفقاً لقوله سبحانه: )وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْـمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْـجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(([15]) .
إذن كانت السورتان تكمّل أحدهما الأخرى من حيث تكامل الأحداث وتسلسلها, ففي سورة هود كانت الحدث الأهم هو حادث السفينة وما يتعلق بها من الطوفان والجري والرسو فيما كانت الحدث الأهم في سورة نوح هو معرفة بطل القصة وما يختلج القوم من العناد والنفور وبيان مقدار ما يعانونه من الأمراض النفسية والعصابية تجاه الدعوة الى الإيمان بالله تعالى, وأخيراً تصدمنا القصة بنوع العذاب الذي سُلِّط عليهم حين دعا عليهم نوح (ع), قال تعالى: )وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً(([16]), هذا مجمل الرواية القرآنية لقصة النبي نوح (ع) وظاهرة الطوفان آنذاك .
فبما أنّ هذه القصة التي رويت في التوراة لا تذكر ما كان عليه الواقع النفسي لقوم نوح, وإنّما اكتفت الرواية بحدث الطوفان فقط, وهذا فارق مهم لم يقف عليه المستشرقون, بل ولم يتحدثوا عنه, فلو كانت رواية القرآن مستلة من التوراة لاكتفى القرآن بظاهرة الطوفان فقط من دون ذكر حال قوم نوح (ع).
فضلاً عن ذلك أنّ قصة الطوفان هذه قد رُويت بروايتين اثنتين في التوراة هما([17]): الرواية اليهودية التي ترجع الى القرن التاسع قبل الميلاد, والرواية الثانية هي الرواية الكهنوتية التي ترجع الى القرن السادس قبل الميلاد, واتخذت هذا الاسم لأنّها أُلَّفت لكهنة ذلك العصر .
تتشابك الروايتان في مفاصلهما كافة, وربّما تتناقصّ الروايتان ـ كما يقول موريس بوكاي ـ وتكون تناقضاتهما صارخة واضحة, ويَنْقل عن الأب ديفو (إنهما حكايتان للطوفان تختلف فيهما العوامل التي أدّت الى الطوفان, كما يختلف زمن وقوعه, ويختلف عدد الحيوانات التي شحنها نوح بالسفينة) ([18]) .
بيد أن الدكتور موريس بوكاي لم يقبل رواية العهد القديم (في إطارها العام) وذلك لسببين يتضحان على ضوء المعارف الحديثة:
أ) يعطي العهد القديم للطوفان طابعاً عالمياً.
ب) وعلى حين لا تعطي فقرات المصدر اليهودي للطوفان تأريخاً, تحدّد الرواية الكهنوتية زمن الطوفان في عصر لم يكن من الممكن أن تقع به كارثة من هذا النوع)([19]) .
أمّا التي قدمها موريس بوكاي في عدم قبوله بها, فتتمثل بعدم توافق عمر النبي نوح (ع) المذكور في الكهنوتية عندما حدث الطوفان عالمياً والتأريخ يذكر وجود حضارات أخرى معاصرة لزمن الطوفان لم تتأثر به .
ثم ينتهي الى نتيجة هي أنّه يمكن تأكيد رواية الطوفان, مثلما تقدّمها التوراة في أنّها تتناقض بشكل واضح مع المعارف الحديثة, كما أن وجود روايتين هو دليل حاسم على تعديل البشر للكتب المقدسة ([20]) .
في حين يرى الدكتور بوكاي أنّ القرآن يقدّم (رواية شاملة مختلفة ولا تثير أي نقد من وجهة النظر التأريخية)([21]), ويعلّل ذلك أنّ القرآن لم يقدم الطوفان بشكل عالمي كما قدمته التوراة, وكذلك لم يحدّد القرآن زمن الطوفان, بل لم يعط أي إشارة عن مدة الكارثة كما ذكرتها التوراة, فضلاً عن عدم تقديم أي خلافات أو تناقضات حول القصة في مجمل القرآن ([22]) .
ثم ينتهي الدكتور بوكاي الى أنّ قصة الطوفان المذكورة في القرآن ما كانت إلاّ تنزيلاً من الله, قد جاءت بعد التنزيل الذي تحتوي عليه التوراة([23]), أي: إنّها قصة صدرت عن مصدر إلهي لا دخل لأعمال البشر فيها, كما تلاعبوا بكثير من قصص وتعاليم الكتب السماوية الأخرى.
أمّا في قصة الخلق فإنّ الدكتور موريس بوكاي يوجه نقده اللاذع لها, ويذكر لها روايتين, تحتل الرواية الاولى الإصحاح الأول والآيات الأولى من الإصحاح الثاني ويكر أنّها كانت بناءً يتكوّن من أخطاء من وجهة النظر العلمية, ثم يورد الأخطاء في هذه الرواية, وينتهي الى نتيجة أن الرواية الكهنوتية للخلق كأنها بناء خيالي مبتكر يهدف الى شيء آخر غير التعريف بالحقيقة ([24]) .
أمّا الرواية الثانية للخلق فقد احتواها سفر التكوين, وهي ترجع الى تأريخ أقدم من الرواية الأولى بحوالي ثلاثة قرون, وذكر بوكاي أنّها (لا تشير الى تشكّل الأرض بشكل واضح وخاص, ولا الى تشكّل السماء ), ثم يقول: (ذلك هو الانتقاض الوحيد الذي يمكن توجيهه الى النص اليهودي للخلق)([25]) .
أمّا رواية القرآن الكريم لقصة الخلق في رأي موريس بوكاي, أنها أوقدت عنده إثارات علمية عديدة لم تكن في التوراة, من نحو وجود كواكب أخرى تشبه الأرض في الكون, فضلاً عن الإشارة الى وجود مخلوقات أخرى منها في السماء ومنها في الأرض ومنها ما هو بين السماوات والأرض, وهذه الأمور قد كشف العلم الحديث عن بعضها, ولم يكشف عن بعضها الآخر, فهنا يريد أن يقول بوكاي أنّ الرواية القرآنية عن الخلق رواية لا تتعارض مع الواقع العلمي, في حين أنّ روايتي التوراة قد ابتعدتا عن الشكل العلمي .
وكذا الحال في باقي القصص القرآنية التي درسها الدكتور بوكاي, توضّح أن القصة القرآنية عموماً لا تتعارض مع أي شكل من أشكال المنهج العلمي الرصين, من نحو قصة خروج النبي موسى (ع) وغيرها .
إذن يمكن أن نستنتج من تحليلنا لهذه القصص ورواياتها أنّ القرآن الكريم لم يكن يعتمد فيها على التوراة أو الانجيل, وإنّما كانت وحياً من الله تعالى وذلك لعدم تقاطعها مع متطلبات العلم الحديث في حين نرى واقعاً آخر في التوراة والانجيل قد جانَب المنهج العلمي كثيراً فجاءت الأحداث على غير هدي العلم والمعرفة .

ثانياً / أحكام القرآن الكريم في فهم المستشرقين:
تشكّل الأحكام الشرعية التي وردت في القرآن الكريم كالحج والزكاة والصوم وقضايا الإرث وغيرها, ممّا اصطلح عليها عند علماء الإسلام مصطلح (الفقه الإسلامي ), تُعَدُّ مصدراً رئيساً من محتويات النص القرآني المبارك في فهم المستشرقين, إذ أخذت حيزاً كبيراً فيه, واكتسبت أهمية كيرةً لما لها من تماسٍ مباشرٍ بحياة الناس عامة سواء كانوا مسلمين أم غيرهم في النظام الإسلامي, لأنّ الإسلام في طبعه قانون الحياة, فهو ينظم العلاقة بين المسلمين وغيرهم في بلاد الإسلام وخارجها على وفق تعاليم السماء التي انتظمت في القرآن الكريم بالمنظومة الفقهية الإسلامية التي تضّمنت العبادات والمعاملات والجنايات والحدود وقضايا الأطعمة والأشربة والعلاقات الدولية وغيرها ممّا تضمنتها الشريعة الغراء .
لقد بدت هذه المنظومة الفقهية في أوليات تشريعها عند عصر النبوة بسيطة لاتتعدّى حدود حاجات الناس ومتطلباتهم أبان تلك الفترة التي عاشها النبي محمد (ص), فما أن تقع قضية أو مشكلة حتى ينزل من السماء نصٌّ يشرِّع لتلك القضية, ويحدّد النبيُّ محمدٌ (ص) أبعادَها وحدودَها, بما يتوافق مع متطلبات عصره مع علمه (ص) بأنّ النص المبارك يتّسع لأبعد من ذلك, إلاّ أن الظروف التي وقع فيها الحدث ونزل له النص هي التي حدّدت تلك الدلالة لحلّ ذلك الإشكال, وهذه الحالة تمثّل دلالة سبب النزول, وهي دلالة ضيقة إذا ما قيست بمجمل دلالة النص القرآني ذاته, فإنّه يحمل في طّياته وجنباته حلولاً أخرى أبعد من دلالة تلك الواقعة, وهذا المعنى يُسمى دلالة عموم اللفظ .
إذن هناك أكثر من دلالة يحتملها النص المبارك, وقد أجملها علماء القرآن بدلالة خصوص السبب, ودلالة عموم اللفظ ([26]), ويعتمد بناء ذلك على مقدار اتساع دلالة النص وتضييقها, إذ إنّ الحادثة المسبِّبة للنزول تفرزُ دلالة لا تتعدى حدود الزمان والمكان لتلك الحادثة, وأمّا دلالة عموم اللفظ فإنّها تتعدى حدود الزمان والمكان, وهذا التفصيل في الدلالة القرآنية ربّما يكون أكثر التصاقاً بآيات الأحكام من غيرها .
بيد أن المستشرقين لم ينتبهوا إلى هذه القضية, وأنَّهم تغافلوا عنها, فوسموا التشريع الإسلامي أبان نزول القرآن الكريم بأنّه لا يتعدى حدود ذلك الزمان وإنّ ما جاء من تطوّر في الفقه الإسلامي إِنّما كان في مرحلة ما بعد عصر النبوة, ذلك نظراً لحاجة المسلمين الى التشريع خاصة بعد اتساع الدولة الإسلامية ودخول أقوام وأمم أخرى في الدين الجديد, واتساع متطلبات الناس فاحتاج المشرِّع الإسلامي آنذاك إلى تشريع قوانين أخرى لحلَّ كل الإشكالات الجديدة, في حين كان القرآن ـ بزعمهم ـ لم يستوفِ تلك الحاجات والمتطلبات الجديدة .
وقد عرض كولدزيهير مجمل هذه التطورات في الحياة السياسية العامة للإسلام فخرج بنتيجة أفادها بقوله: (وبالجملة فإنّ الحياة الفقهية الإسلامية سواء في ذلك ما يتعلّق بالدين أو الدنيا, أصبحت خاضعة للتقنين, والقرآن نفسه لم يعط من الأحكام إلاّ القليل, ولا يمكن أن تكون أحكامه شاملة لهذه العلاقات غير المنتظرة كلها ممّا جاء في الفتوح, فقد كان مقصوراً على حالات العرب الساذجة, ومعنياً بها بحيث لا يكفي لهذا الوضع الجديد )([27]) .
فَهَم كولدزيهير هذا الأمر نتيجة لقراءة ناقصة اقتصرت على أساب النزول لآيات الأحكام المكوّنة للفقه الإسلامي, ولو توسَّع في قراءة النص لغة ودلالة وسياقاً لربّما خرج بنتيجة أخرى أكثر وضوحاً مماّ رأى, فضلاً عن ذلك أنه بَنى نتيجته هذه على عدم تمامّية القرآن, حيث يقول: (هكذا يظهر غير صحيح ما يقال من أنّ الإسلام, في كلَّ العلاقات « جاء الى العالم طريقة كاملة » بل على العكس فإنّ الإسلام والقرآن لم يتمّا كلَّ شيء, وكان الإكمال نتيجة لعمل الأجيال اللاحقة )([28]), ناسباً بسببها النقص الى القرآن الكريم, وأنّه كتابٌ نزل في مرحلة معيّنة وما كان باستطاعته أن يتجاوزها الى مراحل متقدّمة, وهذا قصوٌر في الرؤيا, وضَعْف في دراسة المعطيات والأسباب التي أخذت بأعناق النص, لذلك لم ينفتح النص القرآني أمامه على مصراعيه, وبقي موصداً على ناظريه, فلم ير منه إلاّ ما أرضى به شهيّة التشفّي بالقرآن لأثر يهوديته عليه.
كذلك المستشرق «شاخت» يذهب الى رؤية كولدزيهير ذاتها في نظرته الى القرآن بل أنّه تأثّر به في جميع الأحكام التي صرّح بها في كتبه, حتى أنّه وصف نتائج كتابه الشهير «أصول الشريعة المحمدية»: بأنها تأكيد لنتائج كولدزيهير التي توصل اليها في كتابه «العقيدة والشريعة في الإسلام», وأكثر من ذلك أن «شاخت» كان يرى تشريعات الرسول (ص) في المدينة المنورة هي تجديد وابتكار للقوانين العربية آنذاك لأن النبي محمد (ص) ـ بزعمه ـ لم يكن لديه الأسباب التي تدعوه الى تغيير القوانين العرفية المطبّقة ([29]), لذلك فهو كان يرى أنّ الفقه المحمدي لم يُشتق من القرآن مباشرة, لكنه كان نتيجة للتطورات الإدارية والشعبية أبان الدولة الأموية, وهذه التطبيقات العملية تختلف طبقاً للتفسيرات والشروح والنيات المنصبّة على الآيات القرآنية, أي إنّه يعزو مجمل التطورات الفقهية والتشريعات الواسعة الى غير القرآن ([30]), بل هي نشاط قام به المسلمون بعد عصر النبوة, وأنّ القرآن غير قادر على استيعاب كل هذه التطورات, ويعلّل كل ذلك ـ عند ذكر خصائص القرآن الكريم ـ بأنّه مصدر ثانوي للشريعة الإسلامية وليس أصلاً لها, ثم يضرب الأمثال على اختلاف الفقهاء في فهم النص القرآني حول القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية وغيرها ([31]), فهنا يكون قد غفل عن دلالة التركيب اللغوي لتلك النصوص المباركة .
هذا الأمر الأخير في تصوّر «شاخت» ربّما يُوحي الى مقدرة النص القرآني على استيعاب دلالات أخرى, قد فهمها الفقهاء فتدارسوهُ وفق آليات اللغة والتأويل فاستنتجوا منه مجمل هذه الأحكام.
بيد إنّ الفهم الأخير للنص من قبل «شاخت» لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنّ القرآن في عصر التنوير غير قادر على تشريع الأحكام وتقنينها, بل إنّ القرآن يحمل في جنباته أصول فهمه وحدود دلالاته وأبعاد تطورها وتجاوزها حدود المكان والزمان, فمن هنا يظهر تناقض «شاخت» في فهمه لحدود الدلالة القرآنية, فعصبها في حدود ضيقة محصورة في موضوعات عصر النبوة وحاجاته , كذلك المستشرق الانكليزي كولسون, يُشير في كتابه «تأريخ التشريع الإسلامي» الى دور القرآن في تكوين الشريعة الإسلامية, إلاّ أنّه لا يفترق عماّ سبقه في أنّ التطور الفقهي للقانون لم يأت إلاّ في مرحلة متأخرة عن عصر النبوة, وأنّ التشريعات في ذلك العصر ما كانت إلاّ قواعد تتعلّق بالسلوك العام في المجتمع الإسلامي, وتقدّرت طبقاً لمعطيات ذلك العصر, وكان الرسول (ص) فيها «السياسي المشرِّع», غير أنّه يَعُدُّ القرآن الكريم المصدر الرئيس لذلك التشريع في عصر الرسالة فقط, وهو لا يعدو إلاّ أن يكون تعبيراً عن أصول الأخلاق الدينية ([32]).
ثم يرى أنّ قّلة عدد آيات الأحكام البالغة في رأيه ستمئة آية يعود الى غلبة الاتجاهات الخُلُقية على التشريعات القرآنية, وأنّها تُعالج حلولاً خاصة لمشاكل وقضايا معيّنة أكثر من كونها تذهب إلى تقصّي الموضوع الذي تناوله على نحوِ عام شامل([33]).
فضلاً عن ذلك فأنّه لا يبتعد كثيراً عماّ سبقه من المستشرقين في أنّ التشريعات القرآنية كانت تُحاكي زمانها الذي نزلت فيه لأنّها نابعة من مقتضيات الظروف, أي: إنّه جعل من حادث سبب النزول هو الدلالة التي تشير لها آيات الأحكام, وهذا ممّا ضَيَّق دلالة المورد القرآني عندما أهمل الدلالة التي يُشير اليها التركيب اللغوي للنص القرآني فضلاً عن غضّ النظر عن تأويل ذلك لأجل كشف كل أبعاده المنضوية تحت طيات مفرداته وتراكيبه, لذلك نجده قد حدّد دلالة تلك الآيات بحدود زمان نزولها, فيرى أنّ الآيات التشريعية تميّزت عن غيرها بوصفها نابعة من مقتضيات الظروف الخاصة من نحو قاعدة تحريم التبنّي, وتحديد عقوبة القذف بثمانين جلدة, فالأولى لإنهاء الجدل حول زواجه بزينب زوجة ابنه بالتبنّي, والثانية الخاصة بحديث الأفك([34]).
لكن المستشرق كولسون, نسي أن زواج النبي محمد (ص) من زينب بنت جحش, كان يريد من ورائها أن يقضي على حالة كانت مستشرية في المجتمع العربي قبل الإسلام وهي التبنّي, وأن يُدعى الأبناء بالتبنّي الى آبائهم الحقيقيين لأجل حفظ الانسان والدماء وقد قُضي على تلك الظاهرة, عندما نزل قوله سبحانه: )وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْـحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله(([35]), فكان من تطبيق هذه التشريع أن استنكح النبيّ محمد (ص) زوجة ابنه بالتبنّي «زيد بن حارثة» بعد أن نزل قوله سبحانه: )وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْـمُؤْمِنِينَ( ([36]) .
ثم يقرر كولسون أخيراً أنّ ما جاء في القرآن الكريم من تشريعات تمثّل نقطة الانطلاق في بناء التشريع الإسلامي, ذلك البناء الذي طوّرته جهود الأجيال المتتابعة من المسلمين عبر العصور التأريخية للإسلام ([37]) .
أمّا المستشرق «لويس مايو» في كتابه «مدخل لدراسة القانون الإسلامي» فإنّه يذهب بعد عرض خصائص القرآن الكريم الى أنّه مصدر ضيّق للشريعة الإسلامية لأنّ عدد آيات الأحكام البالغة ـ في نظره ـ ستمئة آية غير كافية للتشريع القانوني لكنه يستدرك على ذلك في أنّ تأويل النص المبارك والأسلوب اللغوي الذي يتمتع به القرآن الكريم بفضل نظمه قد أظهر دوراً رئيساً في تكوين قواعد الفقه الإسلامي التي استنبطها الفقهاء من خلال التأويل طبقاً لقواعدهم الأصولية والفقهية ([38]) .
هذه مجمل تصورات بعض المستشرقين, وربما تعبّر عن آراء أغلبهم عن الفقه الإسلامي وتشريعاته منذ عصر الرسالة حتى العصور التي تلته وما صحبها من تطور في المفاهيم والقواعد, غير أنّها كانت مستوحاة عن تعاليم العصر النبوي, فالنبي محمد (ص) كان يفسّر كل آية تنزل عليه ـ خاصة ما كان منها في الأحكام والتشريعات ـ فيوضّحَ أبعادها وتطبيقاتها للمسلمين حوله, فتصبح قانوناً وتشريعاً يُقتدى به, حتى أَنَّهُ كان يحرص كثيراً على ضرورة الاجتهاد في الأحكام عندما يتعذّر وجود نص من قرآن أو سنة, وقد جاء حديث مشهور في ذلك, وهو عمدة الأصوليين إذ رُوي (أنّ رسول الله (ص) لمّا أراد أن يبعث معاذاً الى اليمن قال: كيف تقضي إذا عُرِض عليك قضاء ؟ قال: أقضي بكتاب الله, قال: فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال: فبسُنة رسول الله (ص), قال: فإن لم تجد في سُنة رسول الله (ص) ؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو ([39]). فضرب رسول الله (ص) صدره وقال: الحمدُ لله الذي وفّق رسولَ رسولِ الله كما يرضى رسولُ الله )([40]) .
فهكذا كان النبي محمد (ص) لم يترك الأمة من غير قواعد وضوابط تحدّد أنظمة الدولة الإسلامية المبنيّة على القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة, فضلاً عن العقل المتحكّم بأصول القواعد والضوابط المبنية أصلاً على أصول القرآن الكريم .

أثر التوراة والانجيل والوثنية في أحكام القرآن في فهم المستشرقين:
بعد أن قيّد المستشرقون المحتوى التشريعي للقرآن الكريم بتحديد مدى تمدّده في الساحة الفقهية وحصره بزمان نزوله وعدم تجاوزه الى العصور المتأخرة عنهم ونسبة ما فيه من أحكام وتشريعات الى ما بعد عصر نزول القرآن من خلال عدم النظر العميق في بنية النصّ المبارك, اتجهوا مرة أخرى الى تفريغه من محتواه السماوي من خلال نسبة الأحكام الشرعية الى التوراة والانجيل والوثنية, إذ قاموا بدراسة محتوى هذه الشعائر الإسلامية التي ذكرها القرآن تأريخياً فوجدوا أنّ هناك تشابهاً واضحاً فيها مع ما جاء منها في التوراة والانجيل أو في تعاليم الوثنية كالحج مثلاً .
ونحن نعلم أنّ كثيراً من المستشرقين ينتمون الى الديانتين اليهودية والمسيحية ومنهم العلمانيون أيضاً, فعندما درسوا شعائر الإسلام كان لديهم خزين عقائدي من تعاليم ديانتهم ومذهبهم ومعتقداتهم, فهم لم يأتوا لدراسة الإسلام من دون دافع, سواء كان دينياً أم تبشيرياً أم آثارياً أم علمياً, فكل هذه الأهداف والعقائد لها أثرها في صياغة النتائج التي يتوصلون إليها ومن خلال المنهج الذي يتّبعونه كالمنهج الوصفي أو التأريخي أو المقارن أو غير ذلك, لذا تجد آثار ذلك واضحة في نتائجهم .
لمّا وجدوا أنّ القرآن الكريم قد هيمن على كل تلك الأديان والشرائع السماوية غير الإسلامية بقوانينه وشرائعه رأوا أنّ ذلك يُهدّد كيانهم العقدي والديني, فعملوا جهدَهم على إسقاط الهيمنة القرآنية بتعاليمها وتشريعاتها بمعول تبعيتها الى الأديان الأخرى, فقالوا في كل تشريع أو قانون أنّه تابع أمّا لليهودية أو المسيحية أو الوثنية, من خلال بحث تأريخي غير محايد في الغالب .
لقد اعتذر أغلبهم عمّا قالوه من تبعية التشريع الإسلامي الى التوراة والانجيل والوثنية, لما لهذه الأديان من انتشار في عموم الجزيرة العربية, فقد كانت اليهودية في المدينة المنورة, والنصرانية في أطراف الجزيرة العربية, أما الوثنية فقد كانت ترتع في مكة وباقي قرى الجزيرة العربية المجاورة لها أو على أطرافها, حتى أصبحت تعاليمها وشرائعها ثقافة يومية شائعة في المجتمع العربي بكل أطيافه وقبائله وبطونه, فعندما جاء المستشرقون ودرسوا حالة المجتمع العربي من خلال دراسة معتقداته ودينه من قبل ظهور الإسلام, ومن ثم درسوا التشريعات الإسلامية, وجدوا توافقاً كبيراً في ذلك, فظنوا أنّ هذه التشريعات قد استحوذ عليها النبي محمد (ص) وضمّها إلى دينه الجديد, ولو أنهم كانوا يدينون بأن هذه الأديان مصدرها سماوي, لما قالوا بهذه الفرية.
بيد أنّ من المستشرقين من لم يرضَ بهذه النتائج المنحازة, ونظر الى التشريع الإسلامي بنظرة تكاد تكون بعيدة عن التحيّز الديني والعقدي, فذهبوا الى عدم تأثّر النبي محمد (ص) بهذه الأديان, فهذا ديرمنغم المستشرق الفرنسي قد عزا (عدم تأثّر النبي محمد (ص) بالمسيحية في الجزيرة العربية سبب تفرّق المسيحية فيما بينهم, فقد كانوا متفرقين شيعاً متعدّدة في صراعات ومجادلات عقيمة ), ثم يقول: (فلا عجب أن بقي الإسلام بعيداً عن هذه المناقشات البيزنطية حول العقائد, ولو انتحل محمدٌ واحدةً منها لما ظفر بطائل, ومن الطبيعي أنْ وَضَعَ محمدٌ نفسهُ فوق جميعه ما دام على غير علم بالنصرانية الصحيحة )([41]), ثم يذهب الى أبعد من ذلك بنظرة دقيقة وبصيرة ثاقبة عندما عدَّ ما جاء في القرآن متمّماً للمسيحية, فقال: (وغاية القول أن جميع ما نصَّ عليه القرآن حول النصارى حق, والقرآن إذ لم يحط بكل ما هو حقٌ في الأمر أصبح لزاماً إتمامه بما جاء في الكتب المنزلة قبله) ([42]) .
فيما كان المستشرق مونتجمري واقعياً جداً عندما فسّر قبول العرب للقرآن الكريم وتشريعاته وذلك أنّ القرآن خاطبهم وفق أفكارهم التي هم عليها, أي بالطريقة ذاتها التي يفكرون بها, فوضع تشريعاته بأسلوب يتناغم مع طريقة تفكيرهم, لا كما هو في التوراة أو الانجيل, فاليهودي أو النصراني إذ أراد أن ينشر أفكاره بينهم ربما تكون بطريقة مقحمة لا يقوى العربي على قبولها لعدم وجود توافق في طريقة التفكير بينهم, قال مونتجمري: (لقد بدأ القرآن بالتعامل مع الناس كما هم, أي بالأفكار التي كانت لديهم بالفعل, فلم يكن أي يهودي أو مسيحي يتكلم العربية بقادر على إحراز النجاح الذي حققه محمد (ص) لو وقف بين أهل مكة وراح يكرر الأفكار اليهودية والمسيحية, لقد كان سيبدو غريباً بينهم) ([43]), ولعلّ سب الغرابة شعور عرب مكة بافتراقهم عن تلك الأفكار, فضلاً عن ابتعاد هؤلاء اليهود وأغلب النصارى عن العرب في نسبهم وطريقة تفكيرهم, فمثلاً كان اليهود منغلقين على أنفسهم داخل أسوارهم في المدينة, وربما كان لرطانتهم بلغتهم تجعلهم أكثر بُعداً عن العرب, لأنَّ العربية لغة إفصاح وبيان لا لغة رطانة وغمغمة, فربما كان اليهودي يرطن أمام العربي, والعربي يلعنه في نفسه لأنّه لا يفهم منه شيئاً, أماّ النصارى فكان أغلبهم يعيشون في كنائسهم على أطراف جزيرة العرب, وأمّا ما بقي منهم في مكة وما جاورها من القرى فهم قلّة لا أثر لهم من قوة أو سطوة على قريش, والعربي بطبعه ميّال للقوة, لذا كان تحليل مونتجمري صحيحاً في ذلك, ولذا نجد أنّ القرآن الكريم عندما خاطبهم ودعاهم الى الدين الجديد, كانت الدعوة قد وجدت لها أرضاً خصبة وتقبّلاً من كثير من العرب, وأمّا الذين لم يرتضوا بذلك, فأنّ في قلوبهم رضاً منه, إلاّ أنّ العزة بالأثم وخوف ذهاب السطوة وحرصهم على أموالهم ومواقعهم الاجتماعية هي التي جعلتهم في مصاف المعادين للدين الإسلامي, لذلك نجد مونتجمري يقول (أمّا القرآن الكريم فقد خاطبهم عن الأفكار اليهودية والمسيحية على نسق التفكير العربي, وبفكر كان بالفعل حاضراً عند عقول المتنوّرين منهم, إذ إنّ أصالة القرآن الكريم تظهر في أنّه قدّم لهم مزيداً من التفاصيل عن أفكار كانت موجودة عندهم, وكذلك مزيداً من الدقة والتحديد)([44]), وقد تمثّل أكثر ذلك في القصص القرآني والتشريعات الفقهية, فالقرآن لم يُعارض الحج ومناسكه عند الجاهلين, بل عمل على تهذيب هذه المناسك فمنع أن يُطاف بالبيت الحرام عُرياً ورفض أن تكون الصلاة مُكاء وتصدية, لأنّ ذلك ممّا يُوقر في النفس هشاشة هذه الشعائر وعدم تمكنها من نفس القائم بها, فأراد الإسلام بالتغيير أن تكون شعائره متمكّنة من نفس المسلم كي تُغيّر ما بُني على أساسٍ خاطئ, وكان المتنوَّرون من عرب الجاهلية يدركون سخافة كثير من شعائرهم, لكن الغلبة كانت لعوام الناس فضلاً عن قدرة بعض مشايخ مكة وتمكّنهم في دعم هذه السخافات التي ربّما ترد عليهم بالفائدة المالية أو غيرها .
هذان المستشرقان وغيرهما كانوا منصفين في كثير من طروحاتهم اتجاه القرآن الكريم وتشريعاته, فربّما انطلقوا من منهج صحيح بعيداً عن التأثّرات الخارجية أو الدوافع غير الصحيحة إزاء الإسلام, لكن هناك من المستشرقين من نظر الى القرآن بغير هذه النظرة فحاولوا أن يطمسوا الحقائق الواضحة, ولعلّ ما حصل منهم ما كان إلاّ بسبب من اتباعهم لمناهج لا تتوافق مع البيئة العربية ـ الإسلامية .
هذا الأمر يُورث نتائج غير صائبة حتى أنّ بعضهم لم يُتعب نفسه في البحث والتقصّي وإنما اعتمدوا على أسلافهم فكانت نتائجهم لا تختلف كثيراً عنهم, منهم كانون سيل وشاخت وغيرهما ممّن اتّبع كولدزيهير في خطواته حذوا القذة بالقذة .
المستشرق كولدزيهير كان يرى أن الشعائر الإسلامية مستوحاة من الأديان الأخرى فمثلاً (شعيرة الصلاة التي كانت بصورتها الأولى من قيام وقراءة وبما فيها من ركوع وسجود وبما يسبقها من وضوء تتصل بالمسيحية الشرقية) ([45]), وأمّا الزكاة فقد كانت ـ كما يدعي ـ في أول الأمر صدقات اختيارية ثم قنّنت بما يتفق مع تدبير حاجات المجموع, فيما يرى أنّ الصوم كان أولاً من العاشر من الشهر الأول, أي عاشوراء, محاكاة للصوم اليهودي الأكبر ثم نُقل بعدئذ الى شهر رمضان في الإسلام, وأمّا الحج فكان الى المعبد الوطني العربي القديم في مكة, أي الى الكعبة, وهذه الشعيرة قد احتفظ بها محمد ـ كما يدّعي ـ عن الوثنية إلاّ أنه جعله متفقاً والتوحيد وعدّل معناه مسترشداً في ذلك ببعض الأساطير الابراهيمية([46]), واستند كولدزيهير في تبعية الحج الى الوثنية لقوله سبحانه: )وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُمْ(([47]).
أرجع كذلك شعائر الذبح في الإسلام الى اليهود, فالمسلمون يذكرون اسم الله على الذبائح قبل نحرها, يقول كولدزيهير: (ولكن طعام هذه الحيوانات المسموح بها يجب أن يسبقه ذكر الله كشرط لذلك ويحتمل أن يكون هذا مستنداً الى عادة اليهود بإلزام «barhha» قبل الذبح وقبل الأكل, ويُعدّ ترك هذا فسقاً, وبهذا يتقوّى بشكل مزدوج ما يجب في هذه الحالة ويكون ما لا يُذكر اسم الله عليه قبل الذبح لا يصحّ أكله) ([48]).
فهكذا يكون كولدزيهير قد نسب هذه الشعائر الإسلامية الى الديانات الأخرى ونسي أنّ الإسلام في عُرف المسلمين دينٌ سماويٌّ يستمد أحكامه من السماء كما هو الحال في اليهودية والنصرانية.
أمّا المستشرق كانون سيل, فقد اتجه اتجاهاً آخر في نسبة هذه الشعائر الى التوراة والانجيل, وذلك أنّه يرى النبي محمداً 9 كان يُجامل اليهود والنصارى والوثنيين لغرض استمالتهم الى الإسلام باتباع شعائرهم وجعلها جزءاً من شعائر الإسلام فيقول: (مهما كان من حال ليس ثمّة شك بأنّ محمداً سعى لكسب ولاء اليهود وجاهد بطرق عديدة بجرهم الى جانبه, كانوا يتوجّهون صوب القدس في الصلاة, وكذلك هو فَعَل, وكانوا يحتفلون بعيد الكفّارة في اليوم العاشر من الشهر بالأضاحي والصيام, فأمر أتباعه بفعل الشيء عينه )([49]), وهذا الأمر ـ كما يرى - سهّل كثيراً على اليهود للتحوّل الى الإسلام .
كذلك ذهب الى أنّ النبي محمداً 9 عندما تتعارض مصلحة دينه مع اليهود ويختلف معهم فإنّه يتّبع طريقاً آخر, هو التحالف مع غيرهم, كما حدث ذلك مع المكيين فمثلاً ـ بحسب زعمه ـ غيّر القبلة من بيت المقدس فعندما اختلف مع اليهود ووجدهم متصلبين في موقفهم سأل جبرائيل أن ينقل أمنيته الى الله بتغيير القبلة, فأجابه جبرائيل بأنّ عليه أن يسأل الله بنفسه, وصار بعدها يرنو النبي محمد 9 ببصره الى السماء, فأجابه تعالى الى ذلك بقوله )قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ(([50]) فأمر أصحابه بالتوجه نحو الكعبة بالصلاة وأمرهم أيضاً بالطواف حولها وحول تلّي الصفا والمروة ([51]), اتباعاً لقوله تعالى: )إِنَّ الصَّفَا وَالمرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا(([52]), وكان يرى كذلك أنّ صيام شهر رمضان حلّ محل صيام كان متزامناً مع صيام اليهود([53]).
وذهب كانون سيل الى أبعد من ذلك إذ كان يرى أنّ النبي محمداً 9 قد أقام بعض الشعائر رغم تعارضها مع مبادئ الإسلام, لكنه قصد من ذلك زيادة سلطته وتمكنه, فيقول: (كونه ـ أي النبي محمد 9 ـ من قريش شبَّ على توقير وورع للكعبة والحجر الأسود وكان هذا الاحترام في تعارض مع مبادئ ديانته لكنه نجح في جمع الأضداد من خلال نظريته بأنّ هذه الطقوس المقدسة أسسها ابراهيم, وأنّها قد دُنِّست بالشرك, لقد أُعْلِنت هذه الشعائر الوثنية على أنها «شعائر الله» وأنّ القيام بها يُظهر تقوى القلوب, كما أمر بالاستمرار في أضاحي الجمال, وهكذا أكد محمد بأن الكعبة وجميع شعائرها هي شعائر الإسلام, فكانت عملية التبنّي هذه خطوة ذكية زادت من سلطته في تلك الحقبة من الزمن )([54]), أي: إنّ كانون سيل يرى في إثبات هذه الشعائر التي كانت تُؤدَّى قبل نزول شريعة السماء المحمدية في مكة, لإرضاء القرشيين, ومن ثم السيطرة عليهم وتثبيت أركان حكم الإسلام فيه, فيكون قد نظر الى أنّ إثباتها ما كان إلاّ لهدف سياسي ([55]) سلطوي, لا لنشر تعاليم الإسلام وإنقاذ البشرية من الظلالة والانحراف عن الدين القويم .
ثم ينتهي الى نتيجة يرى تبنّي الشعائر الوثنية كالحج تنازلاً ضعيفاً اتجاه عواطف الوثنيين, وخطأً مهلكاً بالحكم في عموم المنظومة الإسلامية, وكذلك كان يعدّها مصدرَ ضَعْفٍ لأنّها تشدّ على حقيقة مؤدّاها أنَّ الإسلام انطلق وتأسَّسَ ديناً قومياً, وأنّ الالتزام بها وأداءَها يجعل الإسلام ديناً جامداً ([56]).
لكن حقيقة الأمر لا كما أدّعى المستشرقون وغيرهم, لأنَّ تأسيس دين وإقامة أسس في مجتمع معيّن لا يعني في كلَّ حالٍ من الأحوال تهديم كل القيم الاجتماعية, بل إنّ من المعقول والمنطقي الإبقاء على القيم الشريفة التي تتفق مع العقل والمنطق وإصلاح ما انحرف منها قليلاً, واجتثاث القيم الزائفة والمنحرفة عن جادة الحق والصواب وأنّ النبي محمد (ص) عندما حمل رسالة السماء وجاء بها مبشراً قومه, كان يحمل من قيم مجتمعه كثيراً من صفاته الحميدة وقيمه النبيلة, حتى وصفته السماء بقوله تعالى )وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(([57]), لذلك فإنّ إبقاء بعض القيم الاجتماعية والشعائر الدينية التي تُهذَّب النفوس ليس ممّا يُعيب أو ينتقص من الدين الجديد, بل تُسجّل علامة مضيئة في تأريخ الدين, لذلك فإنّ إبقاء الشعائر التي تهذّب النفوس مدعاة الى قوة الدين, ولبيان مدى توافقه مع حركة المجتمع, كما أن وجود بعض الشعائر في الديانات السماوية كاليهودية والنصرانية لا يخلّ بشيء من الإسلام, وإنّما هو محاكاة لطبيعة ثقافية دينية عامة يعيشها المجتمع العربي آنذاك وكذلك المجتمعات الأخرى على مرَّ السنين والأزمان, ليكون الدين الجديد على مقربة ممّا هو عليه حال المجتمع المدعو الى هذا الدين, مازالت هذه الشعائر تهذّب النفوس.
لقد تنبّه الى هذا الأمر المستشرق الانكليزي كولين تيرنر في كتابه (الإسلام والأسس) عندما درس أركان الإسلام الخمسة, فوصف الصلاة بأنها (أشهر التعبيرات الخارجية عن الإسلام التي يتعرّف إليها غير المسلمين بسهولة)([58]), في حين كانت الصلاة قبل البعثة مكاءً وتصدية, وتخلو من كل هيبة ووقار اتجاه المعبود.
أمّا الصيام فقد كان معروفاً لدى عرب الصحراء قبل الإسلام, ويرى تيرنر أنّ الديانات تجد في الصيام فريضة واجبة إلاّ القليل منها يراها مستحبة, لذا فإنّ فرض الصيام على المسلمين لم يكن بدعاً منهم أو تأثّراً منهم بغيرهم من أصحاب الديانات, فضلاً عن ذلك أنّ الصيام كان معروفاً لدى بعض من عرب الصحراء ([59]), لقوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(([60]) .
أمّا الحج, الرحلة المقدّسة الى بيت الحرم في مكة المكرمة, فهي كما يقول تيرنر: (فكرة عالمية ومعروفة حيث تشترك كل الديانات السماوية في مفهوم الحج, ارتحال الشخص من مكان الى آخر على وجه الأرض في سبيل الله, وتختلف الأماكن المقدسة التي يحجّ اليها الأشخاص وكيفية الحج من ديانة الى أخرى)([61]), وأنّ الحج في الإسلام كان إحياءً لمناسك الحج القديمة في زمن ابراهيم (ع), غير أنّ بعض طقوسها نُسِيَت وطُمست مع بعض الشعائر فيها كجزء من طريقة الحج الأولى, إذ كان العرب في مكة قبل الإسلام يحجون بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة الأصلية, مع الاحتفاظ ببعض الشعائر البسيطة منها ([62]) .
أمّا فقه المعاملات, فيرى تيرنر أنه من البديهي أن تندرج فيها ما يخص الحياة العائلية للمسلمين من أحكام الزواج والطلاق والميراث وحقوق الأطفال ([63]), فلا يُعدُّ ما ذٌكِرَ منها وتعارف عليها أبناء المجتمع العربي ممّا لا ينكرها العقل أن تكون مستوردة من القوانين الأجنبية بل هي حالة قائمة أصلاً في المجتمع, وعندما يأتي دين جديد يعمل على تهذيبها وفق قواعده وأحكامه لتكون أكثر تناسباً مع حال المجتمع والقانون .
أمّا تحوّل القبلة من بيت المقدس الى الكعبة المشرفة فكان يعدّها (أهم الأحداث في تطوّر المجتمع المسلم الناشيء في المدينة, حيث تُعدُّ نقطة تحوّل ساعدت في تمييز الأمة من حيث المفهوم عن اليهود الموحِّدين, وهو ما أسهم في تكوين الهوية الدينية المميّزة للمسلمين في المدينة عن غيرهم )([64]), وهذا خلاف ما ذهب إليه كانون سيل من قبل .
وتطرق أيضاً الى مسألة الإرث في الفقه الإسلامي, فوجد أنّ من حق القضاة المسلمين أن يتصرفوا في بعض أحكامه بما يُناسب الحال ([65]), وهذا اجتهاد شخصي لابُدّ من أن يكون قد بُني على رؤية واضحة لا لَبْس فيها كي تُعطي الحقوق الى أصحابها .
ويرى المستشرق «كولسون» في مسألة الإرث في الفقه الإسلامي, أنّ القرآن الكريم قد قدّم اصلاحات جذرية, غير أنّها اتسمت بالغموض, ولكن الرسول (ص) قام بايضاحها وبيان أحكامها, عندما أقام العلاقة بين أصحاب الفروض الذين حدّد القرآن أنصبتهم في التركة ([66]) .
أمّا المستشرق مايكل كوك فيرى أنّ في بداية الحقبة الإسلامية كانت هناك مدرسة فكرية, رأت في القرآن الأساس الفردي والكافي للشرع الإسلامي, غير أنّه كان يرى أنّ إجماع علماء المسلمين ضد هذا الرأي, أي: إنّ القرآن بحسب رأيهم ـ كما يزعم ـ ترك أشياء كثيرة لا يتحدث عنها أي: إنّ المعالجة القرآنية لا تصل الى منظومة شرائعية متكاملة, لأنّ القرآن يهتم بالعموميات, من دون التفاصيل, فلا يعط تفاصيل أعمال الصلاة أو الزكاة أو الحج, وكذلك مسائل الزواج والطلاق والإرث والقتل والسرقة وغيرها وينتهي الى أنّ أسلوب المعالجة القرآنية لهذه الأمور غير متناسق([67]), لكنه نسي أنّ السنة النبوية هي التي عضدّت هذه الأمور بتفصيل واضحٍ.
ثمّ أنّه لا يُخفي توجّسه من مجمل الأحكام, لأنّه كان ينظر في تعدّد الروايات للأمر الواحد فضلاً عن الاختلاف في سند الروايات أنّه أمرٌ يبعث على عدم الاطمئنان فيها, يُرجع ذلك الى الرواية الشفوية عن النبي محمد 9, ونَقْلِ كثيرٍ من الروايات عن القصاصين, لذلك نراه يطرح فرضيته التي يمكن أن تفسّر ذلك هي تلك التي تقول إنَّ كُتّاب القرن الثامن أخذوا كثيراً من موادهم من القصاصين الاختصاصيين التي عرفتهم بدايات الإسلام, فوقعوا على خزين عمومي من مواد متداولة من أولئك القصاصين, لكن لا يمكن أن يطمئن كثيراً لتلك المعلومات الواردة فيها ([68]).
إذن نرى من مجمل ما تقدّم أنَّ المستشرقين قد اختلفوا فيما بينهم بين مَنْ نسب كل ما في المنظومة الإسلامية الى منظومات فقهية غير اسلامية, وآخرين وجدوا طريق الحقَّ من خلال نظرة عقلانية بعيدة عن التعصّب أو المصالح, أو الانتماء الديني والمذهبي فالأوّلون حاولوا أن ينسفوا كل المنظومة الفقهية الإسلامية, وأنّ مِنَ العجب أن لا يجدوا فيها ما يُرضي توجهاتهم أو قيمهم مع أنّ هذه الشعائر فيها من دواعي تهذيب النفوس ما فيها, وقد ظهر واضحاً للعيان .
لكن الحقيقة أنّ مثل هؤلاء المستشرقين قد توصّلوا الى حقيقة مفادها هيمنة القرآن بشعائره وقيمه على العقول والسلوك الإنساني مالم تَستطع أي منظومة فقهية أخرى أن توازيها, لذا شعروا بخطر عقدي وفكري قادم إليهم من جهة القرآن الكريم فعملوا فيه معاول الهدم والتخريب بكل ما أوتوا من قوة غير أنّهم عجزوا عن تحقيق ما يصبون إليه.

(*) كلية التربية الأساسية ـ جامعة الكوفة.

* هوامش البحث *
[1]- محمد في مكة / مونتجمري: 170 .
[2]- ظ: التطور القرآن التأريخي / كانون سيل: 17 .
[3]- ظ: م . ن (الملحق ـ التأثير السرياني / الفونس مينغانا): 3 .
[4]- م . ن: 47 .
[5]- م . ن: 47 ـ 48 .
[6]- ظ: و. ن: 48 .
[7]- سورة ص / الآيتان 69 ـ 70 .
[8]- ظ: مذاهب التفسير الإسلامي / كولدزيهير: 99 .
[9]- ظ: محمد في مكة / مونتجمري: 170 .
[10]- سورة يونس / الآية 92 .
[11]- سورة نوح / الآيتان 5 ـ 6 .
[12]- قصص القرآن الكريم ـ دلالياً وجمالياً / د . محمود البستاني: 2 / 441 ـ 442 .
[13]- سورة نوح / الآية 7 .
[14]- ظ: م . ن: 2 / 443 .
[15]- سورة هود / الآية 44 .
[16]- سورة نوح / الآيتان 26 ـ 27 .
[17]- ظ: القرآن الكريم والتوراة والانجيل والعلم / موريس بوكاي: 248 .
[18]- م . ن: 248 .
[19]- م . ن: 248 .
[20]- ظ: ظ: التوراة والانجيل والقرآن والعلم / د . موريس بوكاي: 249 .
[21]- م . ن: 250 .
[22]- ظ: م . ن: 250 ـ 252 .
[23]- ظ: م . ن: 252 .
[24]- ظ: م . ن: 43 ـ 48 .
[25]- م . ن: 49 .
[26]- ظ: الاتقان / السيوطي: 61 - 62
[27]- العقيدة والشريعة في الإسلام / كولدزيهير: 39 .
[28]- م . ن: 36 .
[29][29]- ظ: نقد الخطاب الاستشراقي / د . سامي سالم الحاج: 2 / 209 ـ 110 .
[30]- ظ: م . ن: 2 / 213, ظ: تراث الإسلام ـ سلسلة عالم المعرفة ـ العدد 12 ـ موضوع الشريعة الإسلامية ـ شاخت: 20 / 146 ـ 147 .
[31]- ظ: م . ن: 2 / 213 .
[32]- ظ: نقد الخطاب الاستشراقي / د . سامي حاج أحمد: 2 / 214 .
[33]- ظ: م . ن: 2 / 214 .
[34]- ظ: م . ن: 2 / 216 .
[35]- سورة الاحزاب / الآيتين 4 ـ 5 .
[36]- سورة الاحزاب / الآية 50 .
[37]- ظ: نقد الخطاب الاستشراقي / د . سامي الحاج أحمد 2 / 219 .
[38]- ظ: م . ن: 2 / 213 .
[39]- آلو: أقصّر
[40]- الحديث أخرجه أحمد والدارمي وابو داود والترمذي, ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه, كما نقله الطبراني في المعجم .
[41]- حياة محمد / دير منغم: 138 .
[42]- م . ن: 134 .
[43]- محمد في مكة / مونتجمري: 169
[44]- م . ن .
[45]- العقيدة والشريعة في الإسلام / كولدزيهير: 17 .
[46]- ظ: م . ن: 17 ـ 18 .
[47]- سورة الحج / الآية 34 .
[48]- م . ن: 56 .
[49]- تطور القرآن التأريخي / كانون سيل: 63 .
[50]- سورة البقرة / الآية 158 .
[51]- ظ: م . ن: 74 .
[52]- سورة البقرة / الآية 158 .
[53]- ظ: م . ن: 74 .
[54]- تطور القرآن التأريخي / كانون سيل: 101 .
[55]- ظ: م . ن: 130 ـ 131 .
[56]- ظ: م . ن: 131 .
[57]- سورة القلم / الآية 4 .
[58]- الإسلام ـ الأسس / تبرنر: 172 .
[59]- ظ: م . ن: 188 .
[60]- سورة البقرة / الآية 183 .
[61]- م . ن: 204 .
[62]- ظ: م . ن: 206 .
-[63] ظ: م . ن: 224 .
[64]- م . ن: 53 .
[65]-: الإسلام ـ الأسس: 228 .
[66]- ظ: نقد الخطاب الاستشراقي / د . سامي سالم الحاج: 2 / 219 .
[67]- ظ: محمد نبيّ الإسلام/ مايكل كوك: 58 ـ 59 .
[68]- ظ: م . ن: 80 ـ 81 .

* مصادر البحث *
القرآن الكريم
ا لإتقان في علوم القرآن/ تأليف الإمام جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (المتوفي سنة 911هـ) ـ ضبطه وصحّحه وخرّج آياته محمد هاشم سالم ـ بيروت ـ لبنان ـ دار الكتب العلمية ـ 1424هـ - 2003م.
الإسلام الأسس –كولين تيرنر ـ ترجمة نجوان نور الدين ـ مراجعة سعود المولى ـ الشركة العربية للأبحاث والنشر ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ـ 2009 م .
- العقيدة والشريعة والاسلام ـ المستشرق اجناس جولد تسهير ـ نقله الى العربية محمد يوسف موسى وعبد العزيز عبد الحق وعلى حسن عبد القادر ـ دار الرائد العربي ـ بيروت ـ لبنان ـ (طبعة مصورة عن دار الكتاب المصري بتأريخ فبراير 1946 م) .
- القرآن الكريم والتوراة والانجيل والعلم ـ دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ـ د . موريس بوكاي ـ مكتبة مدبولي ـ القاهرة ـ الطبعة الثانية ـ 2004 م .
- قصص القرآن الكريم, ودلالياً وجمالياً _ الدكتور محمود البستاني ـ مؤسسة السبطين "عليهما السلام " العالمية- مطبعة برهان ـ الطبعة الأولى ـ 1425 هـ .
- محمد في مكة ـ و. مونتجمري وات ـ ترجمة عبد الرحمن الشيخ وحسين عيسى ـ د. احمد شلبي ـ الهيئة المصرية للكتاب ـ 2002 م .
- مذاهب التفسير الإسلامي ـ المستشرق اجناس جولدتسهير ـ ترجمة د. عبد الحليم النجار ـ دار اقرأ ـ بيروت ـ لبنان ـ الطبعة الخامسة ـ 1413 هـ - 1992 م .
- مجلة عالم المعرفة ـ العدد 12- تراث الإسلام– موضوع الشريعة الإسلامية ـ شاخت.
- نقد الخطاب الاستشراقي ـ د . ساسي سالم الحاج ـ دار المدار الإسلامي ـ الطبعة الاولى ـ 2002م .
***
 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف