الباحث : السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي
اسم المجلة : تراثنا
العدد : 41
السنة : السنة الحادية عشر / محّرم - جمادي الآخرة 1416 هـ
تاريخ إضافة البحث : January / 30 / 2016
عدد زيارات البحث : 7318
الصحف المنشرة
في بطلان حديث العشرة المبشرة
السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يدخل من يشاء من عباده الجنة بغير حساب ، والصلاة والسلام على نبينا محمد المؤتى جوامع الكلم وفصل الخطاب ، وعلى آله السادة الأطهار ، وخلص صحبه وتابعيهم ما لاح نجم وهطل سحاب . أما بعد ، فقد شاع وذاع ، وملأ الأطباق والأسماع عن عصابة المخالفين تسمية جماعة من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعشرة المبشرين بالجنة ، وأجمعوا (1) على أنهم أفضل الناس بعده صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، متشبثين في ذلك بما عزاه الحشوية إليه عليه وآله الصلاة والسلام من تبشير أولئك الرهط والشهادة لهم بالجنة .
ونحن قد حدقنا النظر وأمعنا الفكر في ذاك الخبر ، فألفيناه - ويشهد الله -
--------------------------------
(1) هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي - كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص 44 - وانظر : إتمام الدراية - له أيضا - ص 18 ، وعد الإمام أحمد القول به من الاعتقاد اللازم كما في كتابه إلى مسدد به مسرهد ، فراجع : جلاء العينين في محاكمة الأحمدين - لابن الآلوسي - ص 118 لتقف عليه .
(13)
أنه لا يصح مطلقا ، لا متنا ولا إسنادا ، بل هو مما عملته أيدي الوضاعين المقبوحين - أخزاهم الله تعالى - . وليت شعري ، كيف تغافل أئمة الحديث وجهابذة النقاد من أهل السنة والجماعة عن التنبيه على اختلاق هذا الحديث الباطل ، وهم يعرفون هذا الأمر (كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون * الحق من ربك فلا تكونن) . ولعل التحفظ على كرامة هؤلاء العشرة حجزهم على التصريح بذلك ، فأغروا العامة باعتقاد لا أصل له ، وهذا من الخيانة ، وإنها لبئست البطانة (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار) . والمقصود في هذه الرسالة الإبانة عما في هذا الحديث ، والكلام عليه بما يقتضيه الحق والإنصاف ، متنكبا سبيل التعنت والاعتساف إن شاء الله تعالى . فإن قال قائل :
ما أنكرتم من حديث العشرة المبشرة ، وقد وقعت البشارة بالجنة على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لآحاد من الصحابة أيضا من غير العشرة ، كعمار بن ياسر وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وزيد بن صوحان وبلال الحبشي وعبد الله بن سلام وغيرهم رضي الله عنهم ، بل روي التبشير لبعض التابعين كأويس القرني رحمه الله تعالى .
قلنا : لسنا نجحد شيئا من ذلك البتة ، بل نقطع بالجنة لكل من ثبتت له شهادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بها ، وإنما الشأن كله في تبشير أولئك النفر على السياق المذكور في الحديث . على أنه لم ترد البشارة لأكثرهم في غير حديث الباب الذي سنزيح لك عنه غبار الشبهة ، لتقف على جلية حاله وتستبين كنهه ، فتنبه . إذا تقرر هذا لديك فينبغي أولا التنبيه على شناعة صنيع الوضاعين ،
(14)
وفظاعة فعل الكذابين المتقولين على الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل ، وبيان حكم من تعمد ذلك لتعلم أن هؤلاء القوم - قاتلهم الله - أي مقعد من النار تبوؤا بوضع حديث تبشير العشرة بالجنة وغيره مما هو في معناه ، وحسبك في ذلك الحديث المتفق على صحته بين أهل الإسلام - حتى ادعى ابن الصلاح تواتره - أعني قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (2) وفي لفظ أبي هريرة وأبي قتادة : " من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار " (3) .
وقد رواه من الصحابة خلق كثير ، قيل : اثنان وستون (4) ، منهم ابن مسعود وأنس بن مالك وجابر والزبير بن العوام وأبو سعيد ، وغيرهم . وأخرج ابن ماجة عن ربعي بن حراش ، عن علي عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تكذبوا علي ، فإن الكذب علي يولج النار " (5) .
وأخرج أيضا عن علي عليه السلام وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " (6) .
وغير ذلك مما جاء من النهي الأكيد والوعيد الشديد والتحذير البليغ من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
-----------------------------------------
(2) سنن ابن ماجة 1 / 13 - 14 .
(3) سنن ابن ماجة 1 / 13 - 14 .
(4) وقال ابن الجوزي رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفسا ، وذكر النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم عن بعضهم أن عدة من رواه من الصحابة مائتان ، قال الحافظ العراقي : وأنا أستبعد وقوع ذلك ، وقد جمع الحافظ أبو الحجاج الدمشقي طرقه فبلغ بها مائة واثنين . انتهى . أنظر ، تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 9 - 10 .
(5) سنن ابن ماجة 1 / 13 .
(6) سنن ابن ماجة 1 / 14 - 15 .
(15)
وقال الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي في " تحذير الخواص " (7) : لا أعلم شيئا من الكبائر قال أحد من أهل السنة بتكفير مرتكبه إلا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن الشيخ أبا محمد الجويني من أصحابنا - وهو والد إمام الحرمين : -
قال : إن من تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم يكفر كفرا يخرجه عن الملة ، وتبعه على ذلك طائفة منهم الإمام ناصر الدين ابن المنير من أئمة المالكية . قال : وهذا يدل على أنه أكبر الكبائر ، لأنه لا شئ من الكبائر يقتضي الكفر عند أحد من أهل السنة . انتهى . وقال أيضا في " الخصائص الكبرى " (8) : قال النووي وغيره : الكذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم من الكبائر ، ولا يكفر فاعله على الصحيح وقول الجمهور . وقال الجويني : هو كفر ، فإن تاب منه فذهب جماعة منهم الإمام أحمد والصيرفي وخلائق إلى أنه لا تقبل له رواية أبدا - وإن حسنت حاله - بخلاف التائب من الكذب على غيره صلى الله عليه وآله وسلم ومن سائر أنواع الفسوق ، وهذا مما خالف فيه الكذب على غيره . قال السيوطي : وهذا القول هو المعتمد في فن الحديث - كما بينته في شرح التقريب وشرح ألفية الحديث - وإن رجح النووي خلافه . انتهى . قلت : ونقل الحافظ عماد الدين ابن كثير عن أبي الفضل الهمذاني - شيخ ابن عقيل من الحنابلة - أنه وافق الجويني على هذه المقالة (9) .
وقال الحافظ شمس الدين الذهبي في كتاب " الكبائر " : لا ريب أن تعمد الكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في تحريم حلال أو
--------------------------------------
(7) تحذير الخواص : 21 .
(8) الخصائص الكبرى 2 / 254 .
(9) تنزيه الشريعة المرفوعة - لابن عراق - 1 / 12 .
(16)
تحليل حرام كفر محض ، وإنما الشأن في الكذب عليهما في ما سوى ذلك (10) .
انتهى . وهذا أوان الخوض في أصل المراد ، فنقول - مستعينين برب العباد - : إعلم أن حديث تبشير العشرة بالجنة ينتهي إسناده إلى عبد الرحمن بن عوف الزهري وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، ونحن نستوفي الكلام في هذه الألوكة على رواية كل في فصل مفرد ، والله الموفق والمستعان
-------------------------------------
(1) تنزيه الشريعة المرفوعة - لابن عراق - 1 / 12 .
(17)
فصل
في رواية عبد الرحمن بن عوف
أخرج الإمام أحمد في مسنده (11) والترمذي في سننه (12) والنسائي في " فضائل الصحابة " (13) ، قالوا : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد في الجنة ، وسعيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة . قال الترمذي : أخبرنا مصعب (14) قراءة ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه ، ولم يذكر فيه : عن عبد الرحمن بن عوف ، انتهى . قلت : ورواه يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي عن الدراوردي (15) لكن قال فيه أحمد : كان يكذب جهارا ، وقال أيضا : ما زلنا نعرفه أنه يسرق الأحاديث أو يلتقطها أو ينقلها (16) ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال في موضع آخر : ليس بثقة ، وقال الذهلي : ما أستحل الرواية عنه (17) .
----------------------------------
(11) مسند أحمد 1 / 193 .
(12) سنن الترمذي 5 / 647 - كتاب المناقب - باب مناقب عبد الرحمن بن عوف .
(13) فضائل الصحابة : 28 ، وأبو نعيم في " المعرفة " كما في فيض القدير 1 / 92 .
(14) كذا في الترمذي ، لكن في المعاجم : أبو مصعب الزهري المدني .
(15) كتاب الأربعين البلدانية : 107 ، أسد الغابة 2 / 388 .
(16) تهذيب التهذيب 6 / 156 .
(17) تهذيب التهذيب 6 / 157 .
(18)
وأما الحديث من طريق أبي مصعب فإنه مرسل بلا ريب ، لأن حميد ابن عبد الرحمن بن عوف لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك من الطريق الآخر فإنه مرسل أيضا ، لأن حميدا توفي سنة خمس ومائة - وهو قول الفلاس وأحمد بن حنبل وأبي إسحاق الحربي وابن أبي عاصم وخليفة بن خياط ويعقوب بن سفيان وابن معين (18) - وهو ابن ثلاث وسبعين سنة فيكون قد ولد سنة اثنتين وثلاثين - وهي سنة وفاة أبيه عبد الرحمن بن عوف - أو بعد ذلك بسنة ، فكيف تحمل الحديث عن أبيه وهو لم يره إلا أياما معدودات على أكثر تقدير ؟ ! ! فروايته عن عمر منقطعة قطعا ، وكذا عن عثمان وأبيه - كما قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (19) - . ولمكان هذه العلة لا يصح هذا الإسناد ولا يتم - وقد نبه على ذلك شيخنا الأميني رحمه الله من قبل (20) - ومن ثم ذهب البخاري إلى أن حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن سعيد بن زيد أصح من حديثه عن أبيه (21) ، فتنبه ! على أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف لا تندفع عنه التهمة في هذا الحديث وأضرابه ، فإنه ممن صنعوا على عين معاوية لحمل أمثال هذا الحديث ، وللرئاء بالعبادة والتقشف ، وللولوع بالسماع من أعداء علي عليه السلام (22) - كما قال الإمام شرف الدين العاملي رحمه الله تعالى (23) - وهو الذي روى عن أبي هريرة ذلك الإفك البين ، أعني حديث تأمير أبي بكر على
-----------------------------------------
(18) تهذيب التهذيب 2 / 30 .
(19) تهذيب التهذيب 2 / 30 .
(20) الغدير في الكتاب والسنة والأدب 10 / 112 .
(21) سنن الترمذي 5 / 647 ، كتاب الأربعين البلدانية : 107 .
(22) سمع معاوية وحديثه عنه في صحيح البخاري ، وسمع النعمان بن بشير وحديثه عنه في صحيح مسلم ، وله عن المغيرة بن شعبة وابن الزبير ومروان وغيرهم من أمثالهم
(23) أبو هريرة : 117 .
(19)
الحج سنة تسع وبعثه ببراءة - كما أخرجه الشيخان عنه في الصحيحين (24) - .
هذا ، مضافا إلى أن حديث ابن عوف قد انفرد الدراوردي بروايته عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن جده ، ولم يرو من وجه آخر . وقال الحافظ ابن عساكر - بعد تخريجه الحديث في " الأربعين البلدانية " (25) - : هذا حديث غريب من حديث عبد الرحمن بن عوف ، تفرد به عنه ابنه حميد بن عبد الرحمن . انتهى . * وأما عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي فقد تكلموا فيه . قال أحمد بن حنبل : إذا حدث من كتابه فهو صحيح وإذا حدث من كتب الناس وهم ، وكان يقرأ من كتبهم فيخطئ . وقال أبو زرعة : سيئ الحفظ ، فربما حدث من حفظه السيئ فيخطئ . وقال النسائي : ليس بالقوي (26) .
وقال أبو حاتم : لا يحتج به (27) .
وقال الحافظ ابن حجر في " هدي الساري " (28) : لم يخرج له البخاري في صحيحه سوى حديثين قرنه فيهما بعبد العزيز بن أبي حازم وغيره ، وأحاديث يسيرة أفرده لكنه أوردها بصيغة التعليق في المتابعات . انتهى .
------------------------------------------
(24) صحيح البخاري - كتاب الحج - باب لا يطوف بالبيت عريان ، صحيح مسلم - كتاب الحج - باب لا يحج بالبيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان .
(25) كتاب الأربعين البلدانية : 107 .
(26) تهذيب التهذيب 3 / 471 .
(27) ميزان الاعتدال 2 / 634 .
(28) هدي الساري : 441 .
(20)
فصل
في رواية سعيد بن زيد
إعلم أن أكثر طرق حديث التبشير تنتهي إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ، فلنذكرها هنا ولنبين ما فيها من قوادح العلل فنقول : روى حديث الباب عنه عبد الله بن ظالم المازني ، وعبد الرحمن بن الأخنس ، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف ، ورياح بن الحارث وأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي . * أما حديث عبد الله بن ظالم التميمي المازني عن سعيد بن زيد فقد قال العقيلي : لا يصح حديثه ، وكذا ذكره ابن عدي عن البخاري (29) .
وقال الحافظ في (التقريب) : لينه البخاري ، وقال الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " (30) : لم يحتجا - يعني البخاري ومسلما - بعبد الله بن ظالم ، وقال الذهبي في " تلخيص المستدرك " : ذكر البخاري عبد الله بن ظالم فقال : لم يصح حديثه (31) .انتهى .
قلت : ناهيك بشهادة هذين الإمامين المقدمين في صناعة الحديث بعدم صحة حديث تبشير العشرة بالجنة ، ولو كان ثبت عند البخاري بطريق من طرقه لخرجه في صحيحه وبوب عليه ، لتوفر الدواعي على ذلك وموافقته لمذهبه ، ولما اقتصر في جامعه على ما هو دون هذا الحديث من مناقب العشرة ، فليس إعراضه عنه إلا لتفطنه لما فيه ، وذلك أنه لم يروه عن ابن ظالم سوى ابن حيان وهلال بن يساف .
-------------------------------------------
(29) تهذيب التهذيب 3 / 176 ، ميزان الاعتدال (30) المستدرك على الصحيحين 3 / 316 - 317 . (31) تلخيص المستدرك بهامش المستدرك 3 / 317 .
(21)
* فأما ابن حيان ، فقد أخرج أبو داود حديثه في سننه (32) فقال : رواه الأشجعي عن سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن ابن حيان ، عن عبد الله بن ظالم بإسناده . قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (33) : ابن حيان ، عن عبد الله ابن ظالم ، عن سعيد بن زيد : عشرة في الجنة ، وعنه هلال بن يساف ، واختلف عليه فيه .
وقال في (التقريب) و (اللسان) : لا يعرف ولم يسم (34) .
* وأما هلال بن يساف ، فإن النسائي صرح في موضعين من كتابه " فضائل الصحابة " (35) بأنه لم يسمع حديث التبشير من عبد الله بن ظالم ، ولا يظن أن الواسطة غير ابن حيان ، وقد عرفت ما في روايته . ولم يروه عن ابن يساف - فيما أعلم - إلا منصور بن المعتمر والحصين ابن عبد الرحمن السلمي (36) الذي حكى الخزرجي في (الخلاصة) عن أبي حاتم أنه قال فيه : ساء حفظه في آخره ، وقال النسائي : تغير ، وقال يزيد بن هارون : نسي (37) .
وقد رواه عنهما سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (38) وكان يدلس عن
--------------------------------------
(32) سنن أبي داود 4 / 211 ، وكذا النسائي في فضائل الصحابة : 28 عن إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنا عبيد الله بن سعيد ، قال : أنا سفيان . . .
(33) تهذيب التهذيب 6 / 502 .
(34) لسان الميزان 7 / 492 .
(35) فضائل الصحابة : 27 و 31 .
(36) مسند أحمد 1 / 188 ، سنن الترمذي 5 / 651 ، سنن أبي داود 4 / 211 ، سنن ابن ماجة 1 / 48 ، فضائل الصحابة - للنسائي - : 27 و 31 .
(37) تهذيب التهذيب 1 / 548 .
(38) مسند أحمد 1 / 187 - 188 ، وأما ما ذكره أحمد في سند الحديث حيث قال : ثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن حصين ومنصور ، عن هلال بن يساف ، عن سعيد بن زيد ، قال وكيع مرة : قال منصور عن سعيد بن زيد ، وقال مرة : حصين عن ابن ظالم عن سعيد بن زيد ، فإنه منقطع من الوجوه الثلاثة ، إذ لم يسمع هلال بن يساف من سعيد بن زيد ، ولا منصور منه ، ولا الحصين من ابن ظالم ، فتنبه .
(22)
الضعفاء .
قال الذهبي بترجمة الصلت بن دينار الأزدي البصري (39) : قال ابن حبان : كان الثوري إذا حدث عنه يقول : ثنا أبو شعيب ولا يسميه ، وكان أبو شعيب ينتقص عليا عليه السلام وينال منه على كثرة المناكير في رواية . وفي " تهذيب التهذيب " (40) : قال ابن المبارك : حدث سفيان بحديث فجئته وهو يدلسه ، فلما رآني استحيى وقال : نرويه عنك . وقال الخطيب : كان الأعمش وسفيان الثوري يدلسان تدليس التسوية وهو شر أنواع التدليس وأقبحه - كما قال الحافظ العلائي (41) - .
وقال العراقي : هو قادح فيمن تعمد فعله . وقال الحافظ ابن حجر : لا شك أنه جرح ، وإن وصف به الثوري والأعمش فلا اعتذار . وقال البقاعي : سألت شيخنا هل تدليس التسوية جرح ؟ فقال : لا شك أنه جرح ، فإنه خيانة لمن ينقل إليهم وغرور (42) .
وقال شعبة : إذا حدثكم سفيان عن رجل لا تعرفونه فلا تقبلوا منه ، فإنما يحدثكم عن مثل أبي شعيب المجنون (43) .
وقال ابن معين : مرسلاته شبه الريح ، وكذا قال أبو داود .
---------------------------------------------
(39) ميزان الاعتدال ، تهذيب التهذيب 2 / 559 .
(40) تهذيب التهذيب 2 / 355 .
(41) تدريب الراوي 1 / 226 .
(42) فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - للحافظ العراقي - : 82 .
(43) ميزان الاعتدال 2 / 318 رقم 3906 .
(23)
قال : ولو كان عنده شئ لصاح به (44) .
وبالجملة : فإن اشتهار الرجل بالتدليس قد بلغ الغاية ، وكأنه خلق لذلك ويسر له (وكل ميسر لما خلق له) . لكن ما أصلف وجوه القوم إذ لم يفتروا عن نعته بأمير المؤمنين في الحديث (45) وهم يعترفون بصنيعه الشنيع ويحكون عنه قوله : لو أردنا أن نحدثكم بالحديث كما سمعناه ما حدثناكم بحديث واحد (46) ! ليس تعمى العيون لكنما تعمى * القلوب التي انطوت في الصدور على أن سفيان عنعن في حديثه ولم يذكر سماعا ، والمدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع . هذا ، وقد رواه عنه وكيع (47) وأبو حذيفة النهدي البصري (48) .
أما وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي فقد اشتهر عنه شرب النبيذ وملازمته له - كما حكاه الذهبي في الميزان والتذكرة (49) - . وروى الخطيب في " تاريخ بغداد " (50) بإسناده عن نعيم بن حماد ، قال : تعشينا عند وكيع - أو قال : تغدينا - فقال : أي شئ أجيئكم به ؟ نبيذ الشيوخ أو نبيذ الفتيان ؟ قال : قلت : تتكلم بهذا ؟ ! قال : هو عندي أحل من ماء الفرات . وفي " تهذيب التهذيب " (51) : قال يعقوب بن سفيان : سئل أحمد إذا اختلف وكيع وعبد الرحمن ، بقول من نأخذ ؟ فقال : عبد الرحمن موافق ويسلم
----------------------------------------
(44) تهذيب التهذيب 2 / 355 .
(45) تذكرة الحفاظ 1 / 204 .
(46) تذكرة الحفاظ 1 / 205 .
(47) مسند أحمد 1 / 187 - 188 .
(48) المستدرك على الصحيحين 3 / 316 - 317 .
(49) ميزان الاعتدال 4 / 336 ، تذكرة الحفاظ 1 / 308 .
(50) تاريخ بغداد 13 / 472 .
(51) تهذيب التهذيب 6 / 82 .
(24)
عليه السلف ويجتنب شرب النبيذ . انتهى . يشير بذلك إلى أمر وكيع في شرب النبيذ . وهو مع ذلك يخطئ في الحديث كثيرا . حكى عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، قال : ابن مهدي أكثر تصحيفا من وكيع ، ووكيع أكثر خطأ منه . وقال أيضا : أخطأ وكيع في خمسمائة حديث - كما في التهذيب (52) - .
وقال محمد بن نصر المروزي : كان يحدث بآخره من حفظه فيغير ألفاظ الحديث .
وأما موسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي البصري ، فقد قال الترمذي : يضعف في الحديث ، وقال ابن حبان : يخطئ . وقال عمرو بن علي الفلاس : لا يحدث عنه من يبصر الحديث . وقال ابن خزيمة : لا يحتج به . وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقوي عندهم . وقال ابن قانع : فيه ضعف . وقال الحاكم أبو عبد الله : كثير الوهم سيئ الحفظ . وقال الساجي : كان يصحف ، وهو لين الحديث . وقال الدارقطني : قد أخرج له البخاري ، وهو كثير الوهم تكلموا فيه . قال الحافظ ابن حجر : ما له عند البخاري عن سفيان سوى ثلاثة أحاديث متابعة ، وله عنده آخر عن زائدة متابعة أيضا (53) . انتهى . ورواه عن الحصين بن عبد الرحمن السلمي شعبة بن الحجاج ، وعنه غندر وابن أبي عدي (54) .
---------------------------------------------
(52) تهذيب التهذيب 6 / 82 .
(53) تهذيب التهذيب 5 / 580 .
(54) مسند أحمد 1 / 188 ، سنن ابن ماجة 1 / 48 .
(25)
* أما محمد بن جعفر الهذلي ، المعروف بغندر ، فقد حكى الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر في " هدي الساري " (55) عن أبي حاتم ، أنه قال : يكتب حديثه عن غير شعبة ولا يحتج به . انتهى . وهذا ينبئ عن أمر ما في روايته عنه ، ومنه حديثه هذا في تبشير العشرة عند أحمد (56) فإنه رواه عن شعبة . وفي (التهذيب) (57) : قال ابن المديني : كنت إذا ذكرت غندرا ليحيى بن سعيد عوج فمه ، كأنه يضعفه . ومن خفة عقله وطيشه ما رواه العقيلي عن ابن معين ، قال : قدمنا على غندر ، فقال : لا أحدثكم حتى تمشوا خلفي فيراكم أهل السوق فيكرموني (58) . * وأما محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، فقد قال الذهبي في (الميزان) (59) : قال أبو حاتم مرة : لا يحتج به . ورواه عن الحصين أيضا جرير بن حازم بن عبد الله بن شجاع ، وهشيم ابن بشير بن القاسم السلمي (60) .
فأما جرير فكان كثير الغلط وكان يخطئ ، وقد حدث بالوهم بمصر ، ولم يكن يحفظ ، وخرج بها أحاديث مقلوبة ، واختلط في آخر عمره ، ونسبه يحيى الحماني إلى التدليس - كما بترجمته في تهذيب التهذيب (61) - .
وأما هشيم - وما أدراك من هشيم ! ! - فقد اتفقوا على أنه كان مدلسا كثير
----------------------------------------
(55) هدي الساري : 460 .
(56) مسند أحمد 1 / 188 .
(57) تهذيب التهذيب 5 / 65 .
(58) تهذيب التهذيب 5 / 65 .
(59) ميزان الاعتدال 3 / 647 رقم 7939 ، تهذيب التهذيب 5 / 12 .
(60) فضائل الصحابة - للنسائي - : 27 ، سنن الترمذي 5 / 651 .
(61) تهذيب التهذيب 1 / 366 - 367 .
(26)
التدليس ، قال ابن حبان : كان مدلسا (62) .
وقال الحافظ ابن حجر في (التقريب) : كان كثير التدليس والإرسال الخفي . وقال الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (63) : إنه كثير التدليس ، روى عن جماعة لم يسمع منهم - ثم سماهم - . وفي (التهذيب) (64) : قال عبد الرزاق عن ابن المبارك : قلت لهشيم : لم تدلس وأنت كثير الحديث ؟ ! فقال : كبيراك قد دلسا ، الأعمش وسفيان . وقال ابن سعد : يدلس كثيرا ، فما قال في حديثه (أنا) فهو حجة وما لم يقل فليس بشئ (65) .
قلت : لفظه عند الترمذي (66) في سند حديث الباب (أخبرنا) لكن لا تطمئن النفس إلى ذلك لا سيما إذا تأملت ما حكاه الحافظ شمس الدين الذهبي بترجمته من " ميزان الاعتدال " (67) حيث قال : قال ابن القطان : لهشيم صنعة محذورة في التدليس ، فإن الحاكم أبا عبد الله ذكر : أن أصحاب هشيم اتفقوا على أن لا يأخذوا عنه تدليسا ، ففطن لذلك فجعل يقول في كل حديث يذكره (حدثنا) حصين ومغيرة بن إبراهيم ، فلما فرغ قال : هل دلست لكم اليوم ؟ قالوا : لا ، فقال لهم : لم أسمع من مغيرة مما ذكرته حرفا ، إن ما قلت (حدثني حصين ومغيرة) غير مسموع لي . انتهى . وقال الثوري : لا تكتبوا حديثه - كما في الميزان - . وقال أبو داود : قيل ليحيى بن معين في تساهل هشيم ، فقال : ما أدراه
--------------------------------------
(62) تهذيب التهذيب 6 / 43 .
(63) تذكرة الحفاظ 1 / 249 ، وراجع ترجمته في تهذيب التهذيب 6 / 42 - 43 .
(64) تهذيب التهذيب 6 / 42 .
(65) تهذيب التهذيب 6 / 42 .
(66) سنن الترمذي 5 / 651 .
(67) ميزان الاعتدال 4 / 308 ، تهذيب التهذيب 6 / 42 - 43 .
(27)
ما يخرج من رأسه (68) .
هذا ، وأما حديث عبد الرحمن بن الأخنس عن سعيد بن زيد فقد انفرد الحر بن الصياح (69) بروايته عنه ، وعبد الرحمن مستور من الثالثة - كما في تقريب التهذيب (70) - والمستور من لم ينقل فيه جرح ولا تعديل ، وكذا إذا نقلا ولم يترجح أحدهما - كما قال الحافظ السخاوي - وقد اشترطوا في الصحيح أن يكون بنقل عدل مشهور العدالة لا مستورها ، احترازا عمن عرف ضعفه أو جهل عينه أو حاله .
ولم يروه عن الحر سوى الوليد بن قيس السكوني - كما في الأوسط (71) - وشعبة بن الحجاج (72) ، وقد ذكر الحافظ الطبراني في " المعجم الأوسط " (73) أنه لم يرو هذا الحديث عن الوليد بن قيس إلا محمد بن طلحة . انتهى .
قلت : محمد بن طلحة بن مصرف اليامي الكوفي ، قال النسائي في الضعفاء : ليس بالقوي . وقال عبد الله بن أحمد : سمعت يحيى بن معين يقول : ثلاثة يتقى حديثهم محمد بن طلحة بن مصرف وأيوب بن عتبة وفليح بن سليمان ، فقلت ليحيى : ممن سمعت هذا ؟ قال : من أبي كامل مطفر بن مدرك . وعن ابن معين قال : ضعيف . وقال الحافظ في (التقريب) : له أوهام . وقال ابن سعد : كانت له أحاديث منكرة .
----------------------------------------
(68) تهذيب التهذيب 6 / 43 .
(69) كما في التاريخ الكبير والكاشف ، وفي بعض كتب الحديث والتراجم : الصباح .
(70) تقريب التهذيب 1 / 472 رقم 858 .
(71) المعجم الأوسط - للطبراني - 10 / 480 .
(72) مسند أحمد 1 / 188 ، سنن الترمذي 5 / 652 ، سنن أبي داود 4 / 211 - 212 ، فضائل الصحابة - للنسائي - : 32 .
(73) المعجم الأوسط 1 / 480 . .
(28)
وفي " تهذيب التهذيب " (74) و " هدي الساري " (75) قال عفان : كان يروي عن أبيه وأبوه قديم الموت ، وكان الناس كأنهم يكذبونه ولكن من يجترئ أن يقول له : أنت تكذب . وقال أبو داود : كان يخطئ . انتهى . ورواه حجاج بن محمد الأعور المصيصي عن شعبة - كما في الترمذي (76) - وكذا وكيع (77) وقد قضينا الوطر من الكلام عليه . * فأما المصيصي ، فقد قال الحافظ في (التقريب) : اختلط آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته ، ولذا ذكره أبو العرب الصقلي في الضعفاء - كما في الهدي والتهذيب (78) - .
تنبيه : قال الترمذي - عقب تخريجه الحديث - : هذا حديث حسن ، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى . وأما حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن سعيد بن زيد ، فلم يروه عنه غير ولده عبد الرحمن بن حميد ، وانفرد بروايته عنه عمر بن سعيد بن شريح المدني (79) وعنه موسى بن يعقوب الزمعي حسب ، وانفرد به عن الزمعي محمد ابن إسماعيل بن أبي فديك (80) .
هذا مضافا إلى ما تقدم من الكلام على حميد بن عبد الرحمن فيما سلف .
-----------------------------------------------
(74) تهذيب التهذيب 5 / 155 .
(75) هدي الساري : 461 .
(76) سنن الترمذي 5 / 652 ، وفي مسند أحمد 1 / 188 شعبة وحجاج عن شعبة .
(77) مسند أحمد 1 / 188 ، فضائل الصحابة - للنسائي - : 32
(78) هدي الساري : 415 ، تهذيب التهذيب 1 / 446 .
(79) كما في الأربعين البلدانية : 107 ، وفي تهذيب التهذيب 4 / 284 : عمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي المكي .
(80) سنن الترمذي 5 / 648 ، فضائل الصحابة : 28 .
(29)
* وأما موسى بن يعقوب ، فقد قال علي بن المديني : ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، وقال النسائي : ليس بالقوي ؟ وقال الأثرم : سألت أحمد عنه فكأنه لم يعجبه ، وقال الساجي : اختلف أحمد ويحيى فيه ، قال أحمد : لا يعجبني حديثه - كما في تهذيب التهذيب (81) - .
* وأما ابن أبي فديك فليس بحجة - قاله ابن سعد (82) - .
--------------------------------------
(81) تهذيب التهذيب 5 / 585 .
(82) تهذيب التهذيب 5 / 42 .
(30)
تنبيه
حكى الترمذي وابن عساكر (83) عن البخاري أنه قال : هذا - يعني حديث حميد عن سعيد - أصح - يعني من حديثه المتقدم عن أبيه عبد الرحمن - . قلت : لا يذهب عليك أن هذه الأصحية المدعاة - على تقدير تسليمها جدلا - نسبية ، كيف لا ؟ ! ولو كانت على الإطلاق لخرجه البخاري نفسه في صحيحه ، إذ احتج بحميد وولده وعمر بن سعيد وابن أبي فديك في جامعه ، وأخرج لموسى بن يعقوب الزمعي في " الأدب المفرد " . واعلم أن الترمذي وابن عساكر اقتصرا على حكاية كلام أبي عبد الله البخاري ولم يتعقباه بشئ ، فكان ذلك تقريرا منهما له ، ومشى على التصحيح جماعة ، منهم : الحافظ جلال الدين السيوطي في " الجامع الصغير " إذ رمز إلى صحة الحديث من طريق عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد (84) ! وليت شعري كيف صحح رواية عبد الرحمن وهو يرى ما في إسنادها من الضعف والانفراد والانقطاع ؟ ! وقد صرح الحافظ ابن حجر في " نخبة الفكر " بأن خبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته . انتهى . فخرج بقوله : " بنقل عدل " من عرف ضعفه أو جهلت عينه أو حاله . وخرج بقوله : " متصل . . . إلى آخره " المرسل والمنقطع والمعضل ، والمراد بالمتصل ما سلم إسناده من سقوط راو فيه ، بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي من شيخه ، وقد بينا لك حال حميد بن عبد الرحمن في
------------------------------------
(83) سنن الترمذي 5 / 647 ، كتاب الأربعين البلدانية : 107 .
(84) الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير صلى الله عليه وآله وسلم 1 / 6 و 2 / 60 ، ط . أحمد حنفي .
(31)
ذلك ، وكذا الشأن بالنسبة إلى رواية هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم ، وإن كان نعته الحديث بالصحة باعتبار بعض الشواهد فسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى .
واعلم أنه لا ينبغي التعويل على الترمذي في تصحيح الأحاديث وتحسينها ، لتساهله في ذلك ، فكم له في هذا الباب من زلة قدم ! وكم قلده أهل الحديث من غير بصيرة اغترارا به وركونا إلى شهرته وذيوع صيته ، في الحكم على الأحاديث ! وليس هذا من دأب أهل العلم ، وإنما هو شأن المقلدة . قال الشيخ أبو العلى محمد بن عبد الرحمن المباركفوري في مقدمة كتابه " تحفة الأحوذي - شرح جامع الترمذي " (85) :
إعلم أن الإمام أبا عيسى الترمذي مع إمامته وجلالته في علوم الحديث وكونه من أئمة هذا الشأن متساهل في تصحيح الأحاديث وتحسينها . قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " في ترجمة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المدني : قال ابن معين : ليس بشئ ، وقال الشافعي وأبو داود : ركن من أركان الكذب ، وضرب أحمد على حديثه ، وقال الدارقطني وغيره ، متروك ، وقال أبو حاتم : ليس بالمتين ، وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال مطرف بن عبد الله المدني : رأيته وكان كثير الخصومة ، ولم يكن أحد من أصحابنا يأخذ عنه (86) - إلى أن قال - : وأما الترمذي فروى من حديثه " الصلح جائز بين المسلمين " وصححه ، فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي . انتهى . وقال في ترجمة يحيى بن يمان - بعد ذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج - حسنه الترمذي مع
-----------------------------------------
(85) تحفة الأحوذي 1 / 171 - 172 .
(86) وانظر تمام كلامهم فيه في تهذيب التهذيب 4 / 584 .
(32)
ضعف ثلاثة فيه ، فلا يغتر بتحصين الترمذي فعند المحاقة غالبها ضعاف انتهى . وقال في ترجمة محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني الكوفي : قال ابن معين : قد سمعنا منه ولم يكن بثقة ، وقال مرة : كان يكذب ، وقال أحمد : ما أراه يسوي شيئا ، وقال النسائي : متروك ، وقال أبو داود : ضعيف ، وقال مرة : كذاب ، ثم قال - بعدما ذكر حديث أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين (الحديث) - : حديث حسن ، وأنكر عليه ، لأن مداره على الحجاج بن أرطأة ، وهو مدلس ولم يذكر سماعا . انتهى كلام شارح الترمذي . وقال الذهبي : حسن الترمذي حديثه فلم يحسن (87) .
وقال في ترجمة إسماعيل بن رافع المدني : ضعفه أحمد ويحيى وجماعة ، وقال الدارقطني وغيره : متروك ، ومن تلبيس الترمذي أنه قال : ضعفه بعض أهل العلم . قلت : هذا شأن إمام من أجل أئمتهم ، وحجة من أكابر حججهم ، فما ظنك بمن هو دونه بمراحل ؟ ! لكن الذي يهون الخطب أن له في ذلك أسلافا ، بل لم يكد يسلم أحد من رواتهم من التدليس حتى قال شعبة : ما رأيت أحدا من أصحاب الحديث إلا يدلس إلا ابن عون وعمرو بن مرة (88) ، بل لم يسلم الشيخان في صحيحيهما منه . قال الذهبي بترجمة عبد الله بن صالح بن محمد الجهني المصري في " ميزان الاعتدال " (89) : روى عنه البخاري في الصحيح ، ولكنه يدلس فيقول :
--------------------------------------
(87) تهذيب التهذيب 5 / 80 .
(88) تهذيب التهذيب 4 / 382 .
(89) ميزان الاعتدال 2 / 442 رقم 4383 .
(33)
حدثني عبد الله ولا ينسبه . انتهى .
وكذا دلس محمد بن سعيد المصلوب الشامي في صحيحه تبعا لمن سبقه في ذلك من أئمة الحديث ، قال في (الميزان) (90) : وقد غيروا اسمه على وجوه سترا له وتدليسا لضعفه - إلى أن قال : - قال عبد الله بن أحمد بن سواد : قلبوا اسمه على مائة اسم وزيادة ، قد جمعتها في كتاب . انتهى لكن الذهبي اعتذر عن تخريج البخاري حديثه في مواضع من صحيحه بأنه ظنه جماعة ، وقد زاد بذلك الطين بلة إذ كيف يخفى حال مثله على مثل البخاري ؟ ! ولو سلم فهو جهل كبير منه ، وعيب عظيم في صحيحه - كما قال العلامة ابن المظفر رحمه الله (91) - .
ونقل ابن حجر في " تعريف أهل التقديس " (92) عن ابن مندة أنه قال في كلام له : أخرج البخاري قال فلان وقال لنا فلان ، وهو تدليس . ونقل عنه أيضا أنه قال في حق مسلم : كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه : قال لنا فلان ، وهو تدليس (93) .
هذا ، وأما حديث رياح بن الحارث النخعي أبي المثنى الكوفي عن سعيد بن زيد ، فقد انفرد به عنه حفيده صدقة بن المثنى بن رياح ، ورواه عن صدقه يحيى بن سعيد القطان - كما في مسند الإمام أحمد (94) - وعيسى بن يونس ، وعنه هشام بن عمار - كما في سنن ابن ماجة (95) - وعبد الواحد بن زياد ، وعنه أبو كامل مظفر بن مدرك - كما في سنن أبي داود (96)-
----------------------------------
(90) ميزان الاعتدال 3 / 561 رقم 7592 .
(91) دلائل الصدق 1 / 61 .
(92) تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس : 6 .
(93) تعريف أهل التقديس : 7 .
(94) مسند أحمد 1 / 187 .
(95) سنن ابن ماجة 1 / 48 .
(96) سنن أبي داود 4 / 212 .
(34)
* فأما هشام بن عمار ، أبو الوليد السلمي الدمشقي ، خطيب المسجد الجامع بها ، فقد قال أبو داود : حدث بأربعة حديث مسندة ليس لها أصل ، كان فضلك يدور على أحاديث أبي مسهر وغيرها يلقنها هشاما فيحدث بها ، وكنت أخشى أن تفتق في الإسلام فتقا . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : لما كبر هشام تغير ، فكل ما دفع إليه قرأه ، وكل ما لقن تلقن . وقال الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سيار : كان هشام يلقن ، وكان يلقن كل شئ ما كان من حديثه ، وكان يقول : أنا قد خرجت هذه الأحاديث صحاحا . وقال أحمد : هشام طياش خفيف (97) .
قلت : وقد روى عنه البخاري وأبو داود والنسائي ، والترمذي عن البخاري عنه ، وابن ماجة في كتابه في السنن - الذي اشتمل على أحاديث ضعيفة جدا وأخبار كثيرة منكرة) (98) - وجعلوه حجة بينهم وبين ربهم ، ولبئس الصنيع صنيعهم (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) بل الذي يقصم الظهر ويرعد الفرائص أن ينعت مثل هذا الدجال الدمشقي بشيخ الإسلام (99) ! ويقول قائلهم : ما فاته هشام بن عمار يحتاج أن ينزل في عشرة آلاف حديث ! ويقول الآخر : ما كان في الدنيا مثله (100) ! !
قلت : إي والله في الكذب والاختلاق . * وأما عبد الواحد بن زياد العبدي البصري ، فقد أخرج عنه أبو داود
----------------------------------------
(97) تهذيب التهذيب 6 / 37 ، هدي الساري : 741 .
(98) تهذيب التهذيب 5 / 340 ، ولاحظ ترجمة ابن ماجة في معاجم التراجم .
(99) تذكرة الحفاظ 2 / 451 . يا ناعي الإسلام قم فانعه * قد مات عرف وبدا منكر
(100) تذكرة الحفاظ 2 / 451 ، تهذيب التهذيب 6 / 37 - 38 .
(35)
حديث الباب بواسطة أبي كامل (101) لكن قال فيه : عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها (102) .
قلت : ليس ببدع من أبي داود أن يستضعف رجلا ثم يحتج به ، فقد كذب نعيم بن حماد الخزاعي والوليد بن مسلم مولى بني أمية وهشام بن عمار السلمي وروى عنهم في سننه ، وقال في حق صالح بن بشير : لا يكتب حديثه ، وكذا قال في شأن عاصم بن عبيد الله ثم خرج لهما في كتابه ، هذا مع زعمه أنه لا يروي إلا عن ثقة - كما بترجمة داود بن أمية من تهذيب التهذيب - . وقال الذهبي في ترجمة عبد الواحد بن زياد من (الميزان) (103) : قال يحيى : ليس بشئ ، وقد أشار يحيى بن القطان إلى لينه فروى ابن المديني عنه أنه قال : ما رأيته طلب حديثا قط بالبصرة ولا بالكوفة ، وكنت أذاكره بحديث الأعمش فلا يعرف منه حرفا (104) .
وقال ابن حبان : ليس بشئ ، وقال الذهبي : له أوهام (105) .
وأما حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي المكي عن سعيد بن زيد ، فقد انفرد به الوليد بن عبد الله بن جميع القرشي ، ولم يروه عنه سوى ولده ثابت ، ولم يحدث به عن ثابت غير محمد بن بكير الحضرمي . قال الطبراني في (الأوسط) (106) : لم يروه إلا محمد بن بكير الحضرمي . قلت : وهو صاحب غرائب - كما قال أبو نعيم الحافظ (107) - . * وأما الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري المكي الكوفي ، فإن ابن حبان
--------------------------------------
(101) سنن أبي داود 4 / 212 .
(102) تهذيب التهذيب 3 / 521 .
(103) ميزان الاعتدال 2 / 672 رقم 5187 .
(104) تهذيب التهذيب 3 / 521 ، هدي الساري : 443 .
(105) تذكرة الحفاظ 1 / 258 .
(106) المعجم الأوسط 3 / 21 .
(107) تهذيب التهذيب 5 / 54 .
(36)
ذكره في الضعفاء وقال : ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات ، فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به . وقال العقيلي : في حديثه اضطراب . وقال الحاكم : لو لم يخرج له مسلم لكان أولى (108) .
وأما ولده ثابت فلم أقف على حاله ، والله المستعان . هذا ، ومما ينبغي التنبه له أنه ورد في سند هذا الحديث - عند الطبراني - أن سعيد بن زيد كان بدريا (109) ، وهو كما ترى . فقد ذكر ابن عبد البر في " الإستيعاب " وابن الجزري في " أسد الغابة " وابن حجر في " الإصابة " (110) أنه لم يشهد بدرا وإنما شهد ما بعدها من المشاهد .
----------------------------------
(108) تهذيب التهذيب 6 / 90 .
(109) المعجم الأوسط 3 / 21 .
(110) الإستيعاب 2 / 2 ، أسد الغابة 2 / 387 ، الإصابة 2 / 46 .
(37)
تنبيهات
الأول : أن أحاديث سعيد بن زيد - مضافا إلى ما تقدم من الكلام على أسانيدها ، وأنها رواية آحاد غير مقطوع بها - مضطربة المتن ، ففي بعضها (111) عد أبو عبيدة ابن الجراح من جملة العشرة المبشرين بالجنة ، وفي بعضها - وهي الأكثر - ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاشر العشرة (112) ، وفي بعضها (113) إثبات البشارة لابن مسعود . قال ابن عبد البر بترجمة أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح في " الإستيعاب " (114) :
وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة ، جاء ذكره فيهم في بعض الروايات ، وفي بعضها ابن مسعود ، وفي بعضها النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال : ولم تختلف تلك الآثار في التسعة . انتهى . قلت : أجمع أولياء العشرة المبشرة على عد أبي عبيدة منهم (115) - مع ما تبين لك من حال الرواية الواردة بذلك - ولا يكاد ينقضي العجب من أمرهم هذا إذ يجزمون بدخلوه في جملة المبشرين وهم يعترفون باختلاف الأحاديث فيه ! وقد قال شيخ السنة الإمام أحمد بن حنبل (116) : ولا تتأتى أن تقول : فلان في الجنة وفلان في النار إلا العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وآله
-------------------------------------------
(111) وهي رواية الترمذي .
(112) وقد ورد ذكره أيضا في جملتهم في رواية عبد الرحمن بن عوف .
(113) وهي رواية الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3 / 316 - 317 قال الحاكم : هذا حديث تفرد بذكر ابن مسعود .
(114) الإستيعاب 3 / 2 .
(115) جلاء العينين في محاكمة الأحمدين : 118 .
(116) جلاء العينين : 118 .
(38)
وسلم بالجنة . انتهى .
وأبو عبيدة وابن مسعود مختلف فيهما ، فلا يتأتى لأحد أن يقطع لهما بالبشارة بالجنة ، والله المستعان على ما يصفون . الثاني : أن سعيد بن زيد مزك لنفسه مع تزكيته لغيره ، ودخوله في جملة من تضمنه الخبر شبهة وطريق إلى التهمة ، وقد ثبت أن من زكى غيره بتزكية نفسه لم تثبت تزكيته لذلك في شريعة الإسلام ، ومن شهد لغيره بشهادة له فيها نصيب لم تقبل شهادته باتفاق (117) ، ويجري الكلام بحذافيره في رواية عبد الرحمن بن عوف المتقدمة . وقال الشريف رضي الدين ابن طاووس - رحمه الله تعالى - في كتابه " الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف " (118) : ومن طريف هذه الرواية أن سعيد ابن زيد راوي هذه الرواية - وهو من جملة العشرة - روى هذه الرواية لتزكية نفسه ، ولم تسقط شهادته بالتهمة ، وشهود فاطمة عليها السلام بنت نبيهم جارون النفع إلى أنفسهم ومتهمون في شهادتهم ! ! مع أنه لم يكن لهم نفع فيما شهدوا به ، وهذه من المتناقضات . انتهى . الثالث : أن مما يحمل الناظر في دقائق الأمور على القطع باختلاق الخبر ، أن سعيدا - فضلا عن بقية العشرة - لم يحدث به أيام خلافة الشيخين وعثمان وهم أحوج إليه في تشييد خلافتهم وتثبيت ولايتهم من أي وقت آخر ، بل ولم يبح به يوم نقم الناس على عثمان وحصروه في داره ولم ينبس ببنت شفة ، ولكن كتمه إلى عهد معاوية (119) إذ صدع به آنذاك على رؤوس الأشهاد ،
--------------------------------------------
(117) الإفصاح في الإمامة : 71 ، تلخيص الشافي 3 / 241 .
(118) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 523 .
(119) ولشيخنا العلامة الأميني - رحمه الله - كلمة غراء في الكشف عن مغزى هذه الحقيقة ، يجدر بطلاب الحق ورواده الوقوف عليها في ج 10 / 122 - 123 من كتاب القيم " الغدير في الكتاب والسنة والأدب " .
(39)
وبهذا يقوى أن يكون حديثه مما صنع في دولة ابن آكلة الأكباد .
الرابع : أن حديث الباب لم يروه من العشرة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهد لهم بالجنة - بزعمهم - سوى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد ، ولم تؤثر روايته عن غيرهما ، ولا احتج به أحد منهم في موطن من المواطن التي احتاجوا فيها إلى مثل هذه الشهادة والبشارة .
فمن انفراد هذين بالرواية ، وإعراض البقية يكون الريب في أمر هذا الحديث . الخامس : ورد في رواية سعيد بن زيد - عند أحمد والترمذي وابن ماجة والطبراني (120) - قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حقه وحق أصحابه المبشرين : أثبت - وفي رواية : اسكن - حراء ! فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، فيريدون بالصديق أبا بكر - كما اشتهر عندهم تلقيبه بذلك - وأما الشهادة فقد ادعوا أن عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير نالوها ، لأنهم قتلوا ظلما ، وقد ثبت أن من قتل مظلوما فهو شهيد . ولو سلمنا لهم ذلك جدلا فأين موضع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من هؤلاء ؟ !
فلا هم صديقين ولا شهداء ! نعم ، ذكر القاضي عياض أن سعدا إنما سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة - كما حكاه النووي (121) - لكنك خبير بأن هذا التأويل مردود لابتنائه على القول باستعمال اللفظ الوارد في الحديث في أكثر من معنى وقد بينوا بطلانه في الأصول ، مضافا إلى أن الشهادة بالجنة لا تختص بسعد - كما لا يخفى - .
------------------------------------
(120) مسند أحمد 1 / 187 - 188 ، سنن الترمذي 5 / 651 ، سنن ابن ماجة 1 / 48 ، المعجم الأوسط . للطبراني - 3 / 21 .
(121) شرح صحيح مسلم 9 / 296 .
(40)
فصل
ويحظر التمسك بهذا الحديث أمور نذكر طرفا منها : الأول : أن دليل العقل يمنع من القطع بالجنة والأمان من النار لمن تجوز منه مواقعة قبائح الأعمال ، ومن ليس بمعصوم من الزلل والضلال ، فلا يجوز أن يعلم الله تعالى مكلفا كهذا بأن عاقبته الجنة ، لأن ذلك يغريه بالقبيح ، ولا خلاف أن التسعة لم يكونوا معصومين من الذنوب ، وقد واقع بعضهم - على مذهب أكثر مخالفينا - كبائر - وإن ادعوا أنهم تابوا منها - فثبت أن الحديث باطل مختلق ، مضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (122) .
الثاني : أن مما يبين بطلان الخبر أن أبا بكر لم يحتج به لنفسه ، ولا احتج به له في مواطن دفع فيها إلى الاحتجاج كالسقيفة وغيرها ، وكذلك عمر ، وعثمان أيضا كيف ذهب عنه الاحتجاج به - إن كان حقا - لما حوصر وطولب بخلع نفسه وهموا بقتله ، وما منعه من التعلق به لدفعهم عن نفسه ؟ ! بل تشبث بأشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب ، وذكر القطع بالجنة أولى منها وأحرى . فلو كان الأمر على ما ظنه القوم من صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو روايته في وقت عثمان لاحتج به على حاصريه في يوم الدار في استحلال دمه ، وقد ثبت في الشرع حظر دماء أهل الجنان (123) .
ثم ما الذي ثبط سعيد بن زيد - راوي الحديث - والطلحتين الناكثين وسائر الأحياء من العشرة يومذاك عن نجدة وليهم بحديث التبشير بالجنة ؟ ! ولم
--------------------------------------
(122) الإفصاح في الإمامة : 71 - 72 ، تلخيص الشافي 3 / 241 .
(123) الإفصاح : 73 ، تلخيص الشافي 3 / 241 .
(41)
ضن به أولئك الرهط - لو كان - على صاحبهم ، مع أنه من أنجع ما يدرأ به الشر وتحسم به مادة النزاع ؟ !
وعلام نبذوا ابن عفان بعد مقتله ثلاثة أيام ملقى على المزبلة حتى خرج به ناس يسير من أهله إلى حائط بالمدينة يقال له : " حش كوكب " كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فرجم المسلمون سريره ومنعوا الصلاة عليه ، إلى غير ذلك مما هو مسطور في كتب السير والتواريخ في قصة قتل عثمان (124) .
بل روى ابن عبد ربه الأندلسي في " العقد الفريد " (125) عن العتبي ، قال : قال رجل من بني سليم : قدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت : يا أبا إسحاق ، من الذي قتل عثمان ؟ قال : قتله سيف عائشة وشحذه طلحة وسمه علي ، قلت : فما حال الزبير ؟ قال : أشار بيده وصمت بلسانه . انتهى . فلو أن شيئا من تبشير عثمان بالجنة كان قد ثبت عند الصحابة لما ألبوا عليه ولا كتبوا إلى الناس يستدعونهم لجهاده ، والمنصف المتأمل لذلك يجزم بأن حديث التبشير لم يكن له إذ ذاك عين ولا أثر ، وإنما اختلق في دولة بني أمية .
الثالث : قد علم البر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، ما وقع من أكثر هؤلاء المبشرين من المخالفات للإمام علي عليه السلام ، وظهور العداوة بينهم ، وما جرى بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين طلحة والزبير من المباينة في الدين والتخطئة من بعضهم لبعض والتضليل والحرب وسفك الدم على الاستحلال به دون التحريم ، وخروج الجميع من الدنيا على ظاهر التدين بذلك دون الرجوع عنه بما يوجب العلم واليقين ، فكيف يكون كل من الفريقين على الحق والصواب - مع ما ذكرناه (126) - ؟ ! وكيف يحكم للجميع بالأمان من عذاب
--------------------------------------
(124) تاريخ الطبري 5 / 143 - 144 ، الإستيعاب - ترجمة عثمان .
(125) العقد الفريد 3 / 84 .
(126) الإفصاح : 73 - 74 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 522 .
(42)
الجحيم والفوز بجنات النعيم ، والحق مع علي يدور معه حيث دار (127) ؟ !
الرابع : لو كان الحديث صحيحا - كما زعموا - لكان الأمان من عذاب الله لأبي بكر وعمر وعثمان به حاصلا ، ولما جزعوا عند احتضارهم من لقاء الله تعالى واضطربوا من قدومهم على أعمالهم مع اعتقادهم أنها مرضية لله سبحانه ، ولا شكوا بالظفر بثواب الله عز وجل ، ولجروا في الطمأنينة لعفو الله تعالى - لثقتهم بخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - مجرى أمير المؤمنين عليه السلام في التضرع إلى الله عز وجل في حياته أن يقبضه الله تعالى إليه ويعجل له السعادة بما وعده من الشهادة ، وعند احتضاره أظهر من سروره بقرب لقائه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستبشاره بالقدوم على الله عز وجل لمعرفته بمكانه ومحله من ثوابه ، كيف ؟ ! ومن أطاع الله أحب لقاءه ومن عصاه كره لقاءه . قال المفيد رحمه الله تعالى في " الإفصاح " (128) : والخبر الظاهر أن أبا بكر جعل يدعو بالويل والثبور عند احتضاره ، وأن عمر تمنى أن يكون ترابا عند وفاته ، وود لو أن أمه لم تلده ، وأنه نجا من أعماله كفافا ، لا له ولا عليه ، وما ظهر من جزع عثمان بن عفان عند حصر القوم له ، وتيقنه بهلاكه (129) دليل على أن القوم لم يعرفوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تضمنه الخبر من استحقاقهم الجنة على كل حال ، ولا أمنوا من عذاب الله سبحانه لقبيح ما وقع منهم من الأعمال . انتهى .
-------------------------------
(127) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : رحم الله عليا ، اللهم أدر الحق معه حيث دار ، أخرجه الترمذي في سننه ، وراجع ج 2 / 122 - 126 من كتاب " فضائل الخمسة من الصحاح الستة " تجد الحديث بألفاظه المختلفة .
(128) الإفصاح : 73 .
(129) راجع كتاب " السبعة من السلف من الصحاح الستة " : 16 ، 17 ، 43 ، 114 .
(43)
فصل
في رواية عبد الله بن عمر
أخرج الطبراني في الكبير والأوسط (130) قال : حدثنا أحمد بن الحسين بن عبد الملك القصري المؤدب ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن سفيان بن الخمس ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عشرة من قريش في الجنة : أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وسعد في الجنة ، وسعيد في الجنة ، وعبد الرحمن ابن عوف في الجنة . قال الطبراني : لم يروه عن سفيان إلا حامد بن يحيى ، ولا يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه . انتهى . قلت : قد سقط من الحديث ذكر عاشر العشرة ، وفي إسناده : سفيان بن عيينة ، وهو يدلس - كما في الميزان (131) - وصرح الترمذي في سننه (132) بتدليسه في حديث : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . وقد عنعن هنا ولم يبين السماع ، فلا يقبل حديثه ما لم يصرح به . هذا ، مع انفراد حامد بن يحيى به عن سفيان ، بل انحصار الطريق في رواية ابن عمر بهذا الإسناد - كما نبه عليه الطبراني - وهو قدح ظاهر في الرواية.
وفي إسناده أيضا : حبيب بن أبي ثابت .
-------------------------------------------
(130) المعجم الأوسط 3 / 108 ، وكذا أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 11 / 645 .
(131) ميزان الاعتدال 2 / 170 رقم 3327 .
(132) الجامع الصحيح 5 / 609 .
(44)
قال الحافظ في " تهذيب التهذيب " (133) : قال ابن خزيمة وابن حبان : كان مدلسا .
وقال في (التقريب) : كان كثير الإرسال والتدليس .
----------------------------------------
(133) تهذيب التهذيب 1 / 431 .
(45)
تنبيه
أرسل المحب الطبري في " الرياض النضرة " (134) عن أبي ذر رضوان الله عليه أنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزل عائشة فقال : يا عائشة ألا أبشرك ؟ قالت : بلى يا رسول الله ، قال : أبوك في الجنة ورفيقه إبراهيم ، وساق الحديث هكذا إلى تمام العشرة ، قد قرن كل منهم بنبي من أنبياء الله تعالى ، ثم قال : أخرجه الملا في سيرته . انتهى .
قلت : لا يرتاب ذو لب في أن هذا الحديث موضوع مختلق ، بل ظهور أمره أجلى من انبلاج الفلق ، وحاشا الذي ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق منه أن يتفوه بهذا وما ضارعه من الترهات المعلوم بطلانها بالضرورة (والله المستعان على ما يصفون) .
----------------------------------
(134) الرياض النضرة 1 / 20 .
(46)
فصل
ومما يثبت القول ببطلان حديث تبشير العشرة بالجنة ما رواه الشيخان والنسائي عن سعد بن أبي وقاص ، قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن . سلام .
قلت : فهذا سعد - وهو أحد العشرة المذكورين في حديث التبشير - قد شهد بأنه لم يسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشر أحدا بالجنة سوى عبد الله بن سلام ، لكنا نعلم أن قوله هذا لا يصح على إطلاقه ، إذ قد استفاضت النقول بتبشير جماعة من خيار الصحابة بالجنة - كما تقدم طرف من ذلك في أوائل هذا الإملاء - إلا أن القدر المتيقن من كلامه أنه لم تقع البشارة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجميع أولئك العشرة لا سيما على النحو المذكور في حديث الترجمة ، وإن قطعنا بوقوعه لبعضهم في موطن آخر كتبشيره عليه وآله الصلاة والسلام أمير المؤمنين عليا عليه السلام وأهل بيته الكرام بالجنة ، وإخباره بأنه ساقي الحوض وصاحبه عليه وغير ذلك مما دل على هذا الأمر بالمطابقة أو الالتزام ، فتبين أن حديث العشرة المبشرة والشهادة لهم بالجنة لم يكن يعلم به أحد من المبشرين أنفسهم ، وإنما هو من الموضوعات المختلقة على عهد بني أمية ، وضعوه على لسان بعض الصحابة . ومن ثم أحرج المتعبدون به وأشكل الأمر عليهم ، فاضطروا إلى تأويله بوجوه باردة ، وحمله على محامل فاسدة .
منها : أن سعدا كره تزكية نفسه لأنه أحد العشرة المبشرة بالجنة . قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (135) : وتعقب بأنه لا يستلزم ذلك
-----------------------------------------
(135) فتح الباري 7 / 161 .
(47)
أن ينفي سماعه مثل ذلك في حق غيره . انتهى .
ومنها : ما اختاره النووي في (شرح صحيح مسلم) (136) من أن سعدا قال : " ما سمعت " ونفي سماعه ذلك لا يدل على نفي البشارة للغير . انتهى . وفيه : أنه قد وقع التصريح في حديث سعيد بن زيد المخرج في مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة وجامع الترمذي (137) بأن البشارة - على تقدير تسليم ثبوتها ، ولا نسلم - وقعت على حراء ، وكل حديث من أحاديث الباب لم يذكر فيه الموضع ، فالمراد به ذلك ، لأن تبشير هؤلاء العشرة لم يتفق وقوعه إلا مرة واحدة البتة ، فلا بد أن يكون سعد قد سمع البشارة - لو كانت - كما سمعها سعيد ، فتحصل من مجموع ما سلف أن حديثه في تبشير عبد الله بن سلام بالجنة ينفي وقوع البشارة له ولغيره من العشرة جزما .
فما ذكره النووي لا يتم في هذا المقام لما بينا ، وبه يظهر أن ما استروح إليه المناوي في " فيض القدير " (138) في دفع المنافاة بين الحديثين من احتمال أن يكون حديث تبشير العشرة لم يسمعه سعد وسمعه غيره ، غير جيد .
وكذا ما ذكره في حديث : عبد الله بن سلام عاشر عشرة في الجنة - الذي أخرجه أحمد والطبراني والترمذي والنسائي والحاكم عن معاذ ، والبخاري في تاريخه عن يزيد بن عميرة الزبيدي - من أن هذه العشرة غير العشرة المشهود لهم بالجنة (139) وأن هؤلاء خصوا بأنهم بشروا بها دفعة واحدة وغيرهم وقع مفرقا (140) لا يمت إلى الصواب بسبب .
--------------------------------------
(136) شرح صحيح مسلم 6 / 164 .
(137) مسند الإمام أحمد 1 / 187 - 188 و ج 1 / 188 ، سنن ابن ماجة 1 / 48 ، الجامع الصحيح 5 / 651 .
(138) فيض القدير 1 / 92 .
(139) فيض القدير 4 / 300 .
(140) فيض القدير 1 / 92 .
(48)
ومنها : ما تمحله القاري في " مرقاة المفاتيح " (141) من أنه يمكن أن يراد بقوله : " يمشي " أنه وقعت بشارته صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله حين كان يمشي على وجه الأرض بمعنى أنه يسير بخلاف بشارات غيره .
وظن القاري أن الإشكال يزول بذلك ، مع أنه أسخف الوجوه المذكورة في هذا المقام وأوهنها ، إذ لا يكاد يخفى على ذي درية أن قوله " يمشي على وجه الأرض " لا يراد به معناه الحقيقي من السير ، بل هو وارد مورد الكناية عن الحياة - كما اختاره الحافظ ابن حجر وغيره (142) - وهو نظير ما رواه الترمذي في سننه (143) عن جابر بن عبد الله ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله .
ثم من أين درى القاري أن البشارة لعبد الله بن سلام وقعت حين كان يمشي على وجه الأرض حتى حمل الحديث عليه ؟ ! وأي مرمى قصده سعد بن أبي وقاص بهذا النحو من كلامه ؟ ! وأي خصوصية تعقل للمشي على وجه الأرض في وقوع التبشير وصدوره ؟ ! ولذلك قيل (144) : إن قوله " يمشي على وجه الأرض " صفة مؤكدة لأحد كما في قوله تعالى : (وما من دابة في الأرض) لمزيد التعميم والإحاطة . انتهى . هذا ، وقد تقرر في الأصول أن وقوع النكرة في سياق النفي يفيد العموم ، فقول سعد يفيد عموم نفي البشارة إلا لابن سلام ، ويخصص أيضا بمن ثبتت له البشارة بالجنة بدليل قاطع وبرهان ساطع .
------------------------------------------
(141) مرقاة المفاتيح 5 / 622 .
(142) فتح الباري 7 / 162 ، مرقاة المفاتيح 5 / 622 .
(143) سنن الترمذي 5 / 644 - كتاب المناقب - باب مناقب طلحة بن عبيد الله ، وكذا ابن ماجة عن جابر أيضا ، وابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد كما في " الجامع الصغير " .
(144) إرشاد الساري 6 / 164 ، مرقاة المفاتيح 5 / 622 .
(49)
وأما حديث تبشير العشرة ، فإنه مع كونه غير قابل لتخصيص هذا العموم ، لما عرفت من حقيقة أمره ، وظهر لك من مكنون سره ، فهو داخل في عموم النفي دخولا أوليا ، إذ لا قرينة على إخراجه عن العموم ، مضافا إلى أن مدعي النفي على وجه العموم - أعني سعدا - لم يستثن أحدا منه - ولا نفسه على الأقل - سوى عبد الله بن سلام ، واستثنينا نحن بعض المبشرين بدليل قطعي ، فيبقى الباقي على عمومه ، والله الموفق والمعين ، وهو المرشد للصواب . ومنها : ما استظهره شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري " (145) : من أن سعدا قال ذلك بعد موت المبشرين ، لأن ابن سلام عاش بعدهم ولم يتأخر معه من العشرة غير سعد وسعيد .
قال : ويؤخذ هذا من قوله : " يمشي على وجه الأرض " . انتهى .
قلت : وهذا أيضا لا يزيل من الإشكال شيئا ، بل يزيده قوة إلى قوته ، فلو سلمنا له أن ابن أبي وقاص قال ذلك بعد موت أكثر المبشرين فلقد كان هو وسعيد بن زيد حيين يمشيان على وجه الأرض ، كما اعترف بذلك - وهما من جملة المبشرين العشرة بزعمهم - فكيف ساغ لسعد أن ينفي تبشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد من الصحابة ممن كان حيا في زمانه إلا لعبد الله ابن سلام ؟ ! فما ذكره في التأويل تخرص ومجازفة بلا دليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل . ومما قررنا ينكشف لك أن حديث تبشير العشرة بالجنة زخرف من القول ، ليس له أصل ، فلا تغرنك كثرة طرقه ، ولا تهولنك وفرة أسانيده وشهرته ، فلرب مشهور لا أصل له ، فعليك - يرحمك الله - بسبر غور الأحاديث لا سيما ما كان منها من هذا النمط - والتنقيب عن حقيقتها وكنهها ، والوقوف على
---------------------------------------
(145) فتح الباري 7 / 161 - 162 .
(50)
عللها ، خفيها وجليها ، فإنه أصل عظيم في هذا الباب - كما لا يخفى على أولي الألباب - .
(51)
فصل
وإذ فرغنا بحول الله تعالى وقوته من كشف الحال عما افتعله أهل الحيرة والضلال ، وبينا ما فيه من المقال ، فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى التعرض لنبذة مما رواه القوم من الأحاديث المتضمنة لتبشير بعض العشرة بالجنة ، وبيان وهنها وبطلانها ، لئلا يتشبث بها الجهلة فيجعلونها شاهدة بصحة حديث الباب ، فنقول وبالله تعالى التوفيق :
أخرج مسلم في صحيحه (146) من طريقين عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان على جبل حراء فتحرك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اسكن حراء ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، وعليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص . وفي إسناده سهيل بن أبي صالح ، قال ابن معين : ليس حديثه بحجة ، وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ، وذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه عن يحيى ، قال : لم يزل أهل الحديث يتقون حديثه ، وذكر العقيلي عن يحيى أيضا أنه قال : هو صويلح ، وفيه لين كما بترجمته في " تهذيب التهذيب " (147) .
وأخرج البخاري في مواضع من صحيحه (148) عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فضربه برجله وقال : أثبت أحد ، فما عليك
---------------------------------------
(146) صحيح مسلم - كتاب الفضائل - باب من فضائل طلحة والزبير .
(147) تهذيب التهذيب 2 / 450 ، هدي الساري : 428 .
(148) صحيح البخاري - كتاب فضائل الصحابة - باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (لو كنت متخذا خليلا) - باب مناقب عمر بن الخطاب - باب مناقب عثمان بن عفان .
(52)
إلا نبي أو صديق أو شهيدان .
وقد انفرد به قتادة بن دعامة السدوسي ، وكان رأسا في بدعة القدر ، قال علي بن المديني : قلت ليحيى بن سعيد : إن عبد الرحمن يقول : اترك من كان رأسا في بدعة يدعو إليها ، قال : كيف تصنع بقتادة وابن أبي داود وعمر بن ذر ، وذكر قوما . وقال معتمر بن سليمان ، عن أبي عمرو بن العلاء : كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغث عليهما شئ ، يأخذان عن كل أحد . وقال ابن حبان : كان مدلسا على قدر فيه (149) ، وقال الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (150) : كان قتادة معروفا بالتدليس . وقال أبو داود : حدث قتادة عن ثلاثين رجلا لم يسمع منهم (151) .
وأخرج ابن عساكر - في ترجمة عثمان عن ابن مسعود - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : القائم بعدي في الجنة ، والذي يقوم بعده في الجنة ، والثالث والرابع في الجنة (152) .
قال المناوي : وفيه عبد الله بن سلمة بن عبيدة ، قال الذهبي : ضعفه الدارقطني . انتهى . قلت : وقال البخاري : لا يتابع في حديثه ، وقال أبو حاتم : يعرف وينكر . وعن أنس بن مالك ، قال : جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل إلى بستان فأتى آت فدق الباب ، فقال : يا أنس ، قم فافتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة - ثم ساق نحو ذلك في شأن عمر وعثمان - .
-------------------------------------------
(149) تهذيب التهذيب 4 / 541 - 542 .
(150) تذكرة الحفاظ 1 / 123 .
(151) تهذيب التهذيب 4 / 543 .
(152) الجامع الصغير - بشرح المناوي 4 / 532 .
(53)
وقد حكى الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان " (153) عن علي بن المديني أنه سئل عن هذا الحديث فقال : كذب ، هذا موضوع .
وقال في " لسان الميزان " (154) أيضا : رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن سعيد بن سليمان ، عن عبد الأعلى ابن أبي المساور ، عن المختار بن فلفل مثله ، لكن ابن أبي المساور واه ، فالظاهر أن الصقر - يعني ابن عبد الرحمن ابن بنت مالك بن مغول - سمعه من عبد الأعلى أو بكر - يعني ابن المختار بن فلفل - فجعله عن عبد الله بن إدريس ليروج له أو سها ، وإلا لو صح هذا لما جعل عمر الخلافة في أهل الشورى وكان يعهد إلى عثمان بلا نزاع . انتهى . قلت : ابن أبي المساور وبكر بن المختار والصقر بن عبد الرحمن كلهم مطعونون في حديثهم - كما لا يخفى على من سبر أحوالهم في كتب الرجال - . * وأخرج أحمد في " المسند " (155) عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يطلع عليكم من تحت هذا السور رجل من أهل الجنة ، قال : فطلع عليهم أبو بكر ، فهنأناه بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم لبث هنيهة ثم قال : يطلع عليكم من تحت هذا السور رجل من أهل الجنة ، قال : فطلع عمر ، قال : فهنأناه بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : ثم قال : يطلع عليكم من تحت هذا السور رجل من أهل الجنة ، اللهم إن شئت جعلته عليا - ثلاث مرات - فطلع علي .
قلت : ابن عقيل ليس ممن يحتج به ، فقد ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة وقال : كان منكر الحديث لا يحتجون بحديثه
------------------------------------------
(153) لسان الميزان 3 / 192 - تاريخ بغداد 9 / 339 ، ميزان الاعتدال .
(154) لسان الميزان 3 / 193 .
(155) مسند أحمد 3 / 356 و 380 ، ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3 / 73 ، مقتصرا على ذكر أبي بكر وصححه ، ووافقه الذهبي في التلخيص .
(54)
وقال بشر بن عمر : كان مالك لا يروي عنه ، وكذا يحيى بن سعيد كما حكاه عنه علي بن المديني ، وقال يعقوب بن شيبة : في حديثه ضعف شديد جدا ، وكان سفيان بن عيينة يقول : أربعة من قريش يترك حديثهم ، فذكره منهم . وقال ابن المديني : كان ضعيفا . وقال أحمد بن حنبل : منكر الحديث وقال الدوري عن ابن معين : ابن عقيل لا يحتج بحديثه ، وقال أيضا : ليس بذاك ، وقال أبو حاتم : لين الحديث ، ليس بالقوي ، ولا ممن يحتج بحديثه ، وقال النسائي : ضعيف . . إلى غير ذلك مما قيل في جرحه وقدحه (156) .
وذكر الحافظ ابن عساكر في " الأربعين البلدانية " (157) أن ابن عقيل تفرد به عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه . وروى الترمذي قريبا منه في (سننه) (158) عن ابن مسعود ، وقال : هذا حديث غريب من حديث ابن مسعود . * وأخرج الترمذي وابن ماجة (159) من طرق حديث : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ، وقد بين أصحابنا بطلانه إسنادا ومتنا ، فمن شاء فليقف على كلامهم فيه . * وأخرج أبو داود في (سننه) (160) عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي .
------------------------------------------
(156) تهذيب التهذيب 3 / 295 - 260 .
(157) كتاب الأربعين البلدانية : 66 .
(158) سنن الترمذي 5 / 622 - 623 .
(159) سنن الترمذي 5 / 610 - 611 ، سنن ابن ماجة 1 / 36 - 38 .
(160) سنن أبي داود 4 / 213 .
(55)
وفي إسناده : عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، وعبد السلام بن حرب الملائي ، وأبو خالد الدالاني ، وهؤلاء مضعفون في الحديث . * وروى البزار عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عمر سراج أهل الجنة . قال الهيثمي (161) : وفيه عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري ، وهو ضعيف . انتهى . قال أبو داود : شيخ منكر الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات ، وقال الدارقطني : حديثه منكر ، ونسبه ابن حبان إلى أنه يضع الحديث ، وقال الحاكم : روى عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة لا يرويها غيره (162) .
وأخرج الترمذي في (سننه) (163) عن طلحة بن عبيد الله ، قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لكل نبي رفيق ، ورفيقي - يعني في الجنة - عثمان . قال الترمذي (164) : هذا حديث غريب ، ليس إسناده بالقوي ، وهو منقطع .
ورواه ابن ماجة في (سننه) (165) عن أبي هريرة ، قال الهيثمي : إسناده ضعيف ، فيه عثمان بن خالد وهو ضعيف باتفاقهم . انتهى . وفي " تهذيب التهذيب " (166) : حدث بأحاديث موضوعة ويروي
---------------------------------------
(161) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9 / 74 ، ورواه بعض الكذابين عن شيخهم أبي هريرة كما في لسان الميزان 1 / 328 .
(162) تهذيب التهذيب 3 / 93 .
(163) سنن الترمذي 5 / 624 .
(164) سنن الترمذي 5 / 625 .
(165) سنن ابن ماجة 1 / 40 .
(166) تهذيب التهذيب 7 / 114 .
(56)
المقلوبات .
وفي إسناده أيضا عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني ، قال ابن معين : ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث ، ليس بشئ ، وقال أيضا : ضعيف ، وقال ابن المديني : كان عند أصحابنا ضعيفا ، وقال النسائي : لا يحتج بحديثه ، وقال ابن سعد : كان يضعف لروايته عن أبيه (167).
قلت : وهذا الحديث رواه عن أبيه ! ورواه الطبراني في " المعجم الكبير " وابن عساكر عن عبد الله ابن أبي أوفى ، قال المتقي في " منتخب كنز العمال " (168) : وفيه : عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عمار بن سيف يرويان المناكير . انتهى .
وعن جابر بن عبد الله ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : عثمان في الجنة . قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (169) :
رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي وهو كذاب . وأخرج البخاري في صحيحه (170) عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي : أن عثمان حيث حوصر أشرف عليهم وقال : أنشدكم الله ، ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من حفر بئر رومة فله الجنة ، فحفرتها ؟ ! ألستم تعلمون أنه قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة ، فجهزته ؟ ! قال : فصدقوه بما قال .
---------------------------------------
(167) تهذيب التهذيب 3 / 359 - 360 .
(168) منتخب كنز العمال - المطبوع بهامش مسند أحمد - 5 / 80 .
(169) مجمع الزوائد 9 / 88 . (170) صحيح البخاري - كتاب الوصايا - باب إذا وقف أرضا أو بئرا أو اشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين .
(57)
وقد انفرد به أبو إسحاق عن السلمي ، وذكر ابن حبان أن أبا إسحاق كان مدلسا ، وكذا ذكره في المدلسين حسين الكرابيسي وأبو جعفر الطبري . وقال ابن المديني في " العلل " : قال شعبة : سمعت أبا إسحاق يحدث عن الحارث بن الأزمع بحديث ، فقلت له : سمعت منه ؟ فقال : حدثني مجالد عن الشعبي عنه ، قال شعبة : وكان أبو إسحاق إذا أخبرني عن رجل قلت له : هذا أكبر منك ؟ فإن قال : نعم ، علمت أنه لقي ، وإن قال : أنا أكبر منه ، تركته ، وقال معن : أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق - يعني للتدليس (171) - .
وأما أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي القاري ، فلم يسمع من عثمان ، قال شعبة : لم يسمع من ابن مسعود ولا من عثمان . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : ليس تثبت روايته عن علي : فقيل له : سمع من عثمان ؟ قال : روى عنه ولم يذكر سماعا . هذا ، مع أنه متهم في روايته ، إذ كان عثمانيا كما بترجمته في تهذيب التهذيب (172) .
وأخرج الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " (173) عن الحسين ابن عبيد الله العجلي ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد ، مرفوعا : إن عثمان ليتحول من منزل إلى منزل فتبرق له الجنة . قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، وتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك فقال : بل موضوع ، والحسين يروي عن مالك وغيره من الموضوعات ، ثم قال : أفيحتج عاقل بمثله فضلا عن أن يورد له في الصحاح . انتهى .
-----------------------------------------
(171) تهذيب التهذيب 4 / 358 - 359 .
(172) تهذيب التهذيب 3 / 121 - 122 .
(58)
وقال في الميزان : هذا كذب . وقال الدارقطني : كان يضع الحديث ، وقال ابن عدي : يشبه أن يكون ممن يضع الحديث (174) .
ومن هذا ونظائره يتبين لك تساهل الحاكم ، حتى أن ذلك أعدم النفع بكتابه - كما قال الحافظ ابن حجر (175) - والله المستعان .
وأخرج الترمذي والحاكم (176) عن عقبة بن علقمة اليشكري ، قال : سمعت علي بن أبي طالب قال : سمعت أذناي من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول : طلحة والزبير جاراي في الجنة . قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وقال الحاكم : صحيح ، فرده الذهبي فقال : لا . انتهى . وذلك أنفيه عقبة بن علقمة ، قال أبو حاتم : ضعيف الحديث بين الضعف (177) .
وقال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (178) : وروي موقوفا ، وهم أشبه . انتهى.
والعجب من السيوطي كيف حسنه في الجامع الصغير " ! وليست هذه أول زلة منه ، فقد صحح حديث تبشير العشرة بالجنة - كما تقدم - .
هذا بعض ما أردنا سرده في هذه العجالة ، ولو تصفحت الكتب وتدبرت الزبر لاطلعت على جملة وافرة من الأحاديث التي تنادي بوضعها ، وما زال طائفة من الحفاظ المحدثين من العامة يلهجون بها على صهوات المنابر من
-----------------------------------------
(174) لسان الميزان 2 / 296 ، تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 52 و 349 .
(175) مقدمة كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة ج 1 ص (م) - بقلم عبد الوهاب عبد اللطيف .
(176) سنن الترمذي 5 / 644 - 645 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 364 .
(177) تهذيب التهذيب 4 / 157 .
(178) تهذيب التهذيب 4 / 157 .
(59)
دون بيان اختلاقها ، وهذا محظور بالاتفاق ، ومن لطف اللطيف بعباده أن قيض في كل عصر من نياقدة السنة وصيارفة الحديث من يحمي حمى السنة المطهرة ، ويبين إفك المفترين ، ولله الحمد والمنة (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) .
وإن من اطلع على أحوال جل المبشرين العشرة لم يسعه إلا الإذعان باختلاق حديث الترجمة ، وإنهم ليسوا من أهل هذه البشارة ، لما صدر عنهم من هنوات ، ومن رام الوقوف على تفاصيل ذلك فليرجع إليه في مظانه (179) .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين ، وعترته الطيبين الطاهرين .
------------------------------------------
(179) راجع : الاستغاثة في بدع الثلاثة 2 / 60 - 67 ، الغدير 10 / 123 - 128 ، تجد الكلام في ذلك مبسوطا .
(60)
المصادر
1 - أبو هريرة ، للإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي - ط . المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف - سنة 1384 ه .
2 - إتمام الدراية لقراء النقاية ، لجلال الدين السيوطي ، المطبوع بهامش " مفتاح العلوم للسكاكي - ط . مطبعة التقدم العلمية بمصر . سنة 1348 ه .
3 - الأربعون البلدانية ، للحافظ ابن عساكر الدمشقي - ط . مركز جمعة الماجد بدبي .
4 - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، لشهاب الدين العسقلاني - ط . المطبعة الأميرية بمصر ، سنة 1306 ه .
5 - الاستغاثة في بدع الثلاثة ، لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي .
6 - الإستيعاب في معرفة الأصحاب ، لابن عبد البر النمري القرطبي ، المطبوع بهامش الإصابة - الطبعة الأولى ، سنة 1328 ه .
7 - أسد الغابة في معرفة الصحابة ، لعز الدين ابن الأثير - ط . دار الشعب ، سنة 1393ه.
8 - الإصابة في تمييز الصحابة ، للحافظ ابن حجر العسقلاني - الطبعة الأولى ، سنة 1328 ه .
9 - الإفصاح في الإمامة ، للشيخ الإمام محمد بن النعمان المفيد - الطبعة الثانية ، سنة 1413 ه .
10 - تاريخ بغداد ، للخطيب البغدادي - ط . مطبعة السعادة بمصر ، سنة 1349 ه .
11 - تاريخ الخلفاء ، لجلال الدين السيوطي - بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، ط . مطبعة السعادة ، سنة 1371 ه .
12 - تاريخ الطبري ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري - ط . مصر .
13 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ، للمباركفوري - ط . الهند .
14 - تذكرة الحفاظ ، للحافظ شمس الدين الذهبي - ط . حيدر آباد ، سنة 1377 ه .
(61)
15 - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ، للحافظ ابن حجر العسقلاني - ط . مصر ، سنة 1322 ه .
16 - تلخيص الشافي في الإمامة ، للشيخ الإمام أبي جعفر الطوسي .
17 - تلخيص المستدرك على الصحيحين ، للذهبي ، بهامش المستدرك .
18 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ، لابن عراق الكناني - تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف - ط . دار الكتب ، بيروت .
19 - تهذيب التهذيب ، للحافظ ابن حجر العسقلاني - ط . دار إحياء التراث العربي ، سنة 1412 ه .
20 - الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير ، للحافظ جلال الدين السيوطي - ط . عبد الحميد أحمد حنفي .
21 - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ، لنعمان بن محمود الآلوسي - ط . دار الطباعة المصرية ببولاق ، سنة 1298 ه .
22 - الخصائص الكبرى ، لجلال الدين السيوطي - ط . حيدر آباد ، سنة 1320 ه .
23 - الرياض النضرة في مناقب العشرة ، للمحب الطبري - ط . مطبعة الاتحاد - الطبعة الأولى .
24 - السبعة من السلف من الصحاح الستة ، للعلامة الفيروزآبادي - الطبعة الأولى - بيروت ، سنة 1398 ه .
25 - سنن ابن ماجة ، لمحمد بن يزيد بن ماجة القزويني ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - ط . دار الفكر - بيروت .
26 - سنن أبي دود ، لأبي داود السجستاني - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - دار إحياء السنة النبوية - القاهرة .
27 - سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، لمحمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، بتحقيق إبراهيم عطوة عوض - ط . البابي الحلبي .
28 - شرح صحيح مسلم للنووي ، المطبوع بهامش إرشاد الساري - ط . المطبعة الأميرية بمصر ، سنة 1306 ه .
29 - صحيح البخاري ، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري .
(62)
30 - صحيح مسلم ، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري .
31 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، لابن طاووس - ط . مطبعة الخيام ، قم سنة 1399 ه .
32 - العقد الفريد للملك السعيد ، لابن عبد ربه الأندلسي .
33 - الغدير في الكتاب والسنة والأدب ، للعلامة الأميني - ط . دار إحياء التراث العربي .
34 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للحافظ ابن حجر العسقلاني - ط . دار الريان للتراث - مصر ، سنة 1407 ه .
35 - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ، للحافظ زين الدين العراقي - تحقيق محمود ربيع - عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة الثانية ، سنة 1408 ه .
36 - فضائل الخمسة من الصحاح الستة ، للعلامة الفيروزآبادي - ط . مؤسسة الأعلمي ، بيروت - سنة 1402 ه .
37 - فضائل الصحابة ، لأحمد بن شعيب النسائي - ط . دار الكتب العلمية - بيروت .
38 - فيض القدير - شرح الجامع الصغير ، لعبد الرؤوف المناوي - ط . مصر ، سنة 1357 ه .
39 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، لحسان الدين المتقي الهندي .
40 - لسان الميزان ، للحافظ ابن حجر العسقلاني - ط . حيدر آباد ، سنة 1331 ه .
41 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، للحافظ نور الدين الهيثمي - ط . حسام الدين القدسي ، سنة 1342 ه .
42 - مرقاة المفاتيح لمشكاة المصابيح ، لعلي بن سلطان محمد الهروي القاري - ط . الميمنية ، سنة 1309 ه .
43 - المستدرك على الصحيحين ، للحاكم النيسابوري - ط . حيدر آباد ، سنة 1344 ه .
44 - مسند الإمام أحمد بن حنبل - ط . الميمنية ، سنة 1313 ه .
45 - المعجم الأوسط ، للحافظ الطبراني .
(63)
46 - منتخب كنز العمال - المطبوع بهامش مسند أحمد - للمتقي الهندي .
47 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، للحافظ شمس الدين الذهبي - تحقيق محمد علي البجاوي - ط . عيسى البابي الحلبي ، سنة 1382 ه .
48 - هدي الساري - مقدمة فتح الباري ، للحافظ ابن حجر العسقلاني - ط . دار الريان للتراث - مصر ، سنة 1407 ه .
(64)