الباحث : د. قاسم جوادي
اسم المجلة : مجلة المنهاج
العدد : 42
السنة : السنة الحادية عشر صيف 1427هجـ 2006 م
تاريخ إضافة البحث : December / 19 / 2015
عدد زيارات البحث : 5174
التشيع في قراءات السيد حيدر الآملي
د. قاسم جوادي (*)
ترجمة: محمد عبد الرزاق
يعتبر السيد حيدر الآملي من أبرز عرفاء الشيعة ـ بالمعني الاصطلاحي ـ ، ولِد سنة 720هـ. بمدينة (آمل) وبقي فيها حتى الثلاثين من عمرهِ. شغل منصب الوزير فتمتع بحياة معاشية جيدة.
إلاّ أن الحب والحماس ملأ جوانحهُ فتنازل عن كل شيء وهاجر إلى إصفهان ومنها إلى مكة المكرمة حتى وصل به المطاف إلى لعراق فأقام بجوار أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) لينتهل من معين أسراره وألف كتاباً بالعربية والفارسية. فنسب لهُ ما يقارب الثلاثين مؤلفاً، منها جامع الأسرار، ورسالة نقد النقود، ونص النصوص، وأسرار الشريعة، وتفسير المحيط الأعظم في مجلدين.
أما ما يتعلق بمدة حياتِهِ، فإنّ القدر المتيقن هو أنه كان حياً حتى عام 787 .هـ عندما ألف رسالة العلوم الإلهية. ويشير كامل مصطفى الشيبي. إلى أنه توفي بعد عام 794 (1) . وعلى أي حال فقد بقي تاريخ وفاته مجهولاً.
كانت لهُ رؤية خاصة حول مفهوم التشيع والشيعة، وإن خضعت لانتقادات عديدة سواء من قبل فرق الشيعة الامامية وغيرها أم من الفرق غير الشيعية (2) ونحن هنا لا ننوي الدفاع عن آرائهِ ونظرياتِهِ بقدر ما يهمنا شرح وجهة نظرهِ الخاصة لإلمام صاحبها بعلم الكلام الشيعي من جهة، والعرفان من جهة أخرى، ولهُ آراء في المجالين. لذا يقدر لآرائهِ أن تنالَ اهتمام المختصين بأحد المجالين. فالمختص بالفقه ـ مثلاً ـ والناقد لجميع جوانب العرفان بامكانهِ الحصول على معلومات هامة من خلال قراءة
________________________________________
(*)باحث، من إيران.
(1)الصلة بين التصوف والتشيع، ج1، ص 457.
(2)ولشروحاتهِ على نصوص ابن عربي، اعتبرهُ مؤلف أعيان الشيعة من غلاة التصوف (أعيان الشيعة، ج 6، ص 272). ونقل عن صاحب الرياض أنه لم يكن يحبّذ ذكرهُ في كتابهِ نظراً لنوع تصوفهِ الاّ أنهُ أوردهُ جرياً على العادة المتبعة (ن، م). كما اعترض صاحب الرياض على السيد عندما أثنى على حسن البصري معتبراً إياه من تلامذة الإمام علي (عليه السلام) فقال: هذا الكلام غريب، حيث إنّ حسن البصري كان من أعداء الإمام (عليه السلام) بل ومحاربيه. (الرياض، ج2، ص220).
[الصفحة - 278]
الفكر الشيعي عند السيد حيدر. كتب السيد في جامع الأسرار أن الغرض من كتابتهِ هو دعوة الشيعة للتصوف والمتصوفة للتشيع (3) . وهذا يعني أن اتجاه كلٍ من الاثنين كان مخالفاً للآخر. وكما أشار هو في مقدمة الكتاب بأنهُ لا يوجد خلاف بين الفرق الإسلامية بمستوى الخلاف الدائر بين الشيعة الامامية والمتصوفة مع أن مصدرهما متحدٌ، فمرجع الشيعة هو علي (عليه السلام) وأبناؤه وأحفاده، والمتصوفة كذلك، اما ان يعود نسبهم لكميل وهو من خيرة أتباع الإمام علي (عليه السلام) وتلامذته، وأما لحسن البصري وهو الآخر من تلامذتِهِ وفي الطليعة من أتباعهِ. أو أن يعود نسبهم للصادق (عليه السلام) وهو خليفته (4) ، والإمام المنصب من قبل الله ـ عز وجل ـ (عليه السلام).
ويضيف قائلاً:
«دأبت منذ الصغر وحتى الشيخوخة ـ بمد إلهي ـ على تعلّم عقائد أجدادي الطاهرين ـ الأئمة المعصومون ـ واتخاذ مسلك الإنسان وهو مذهب الشيعة الامامية ظاهراً والتصوف باطناً ـ وهم أرباب التوحيد وأهل الله ـ وأيضاً كنت بصدد تطبيق الظاهر والباطن معاً حتى توصلت في النهاية لإثبات حقيقة القاعدتين ... فأصبح حديثي «الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله»(5) .
إذن، فهو يعترف بحقانية الطائفتين، وان ارتكزت إحداها للشريعة والأخرى للحقيقة الجوهرية. فهو يعتبر الاثنين على صراط مستقيم، مع وجود تفاوت بينهما، ذلك لان كلاً منهما له جزء من الحقيقة(6) .
من هنا أصبح من الضروري على كلٍ منهما اكتساب القسم الآخر من الحقيقة وصولاً للكمال.
وقد تفّرد السيد حيدر بهذهِ الرؤية أي اعتبار كلا الطائفتين المتباينتين على حق. وذكر إن المتصوفة هم الممتحن من المؤمنين (7) ، لذا يجدر بالشيعة أن لا يذموا المؤمنين الممتحنين بدون علمٍ. فإن غاية الأئمة وأسرارهم أرفع مما يعتقدهُ الشيعة. في المقابل أيضاً يتحتم على المؤمن الممتحن تجنّب ذمّ الشيعة، ذلك لأن الشيعة ليسوا شيئاً مغايراً للمتصوفة.
________________________________________
(3)جامع الأسرار، ص11؛ وهناك كتاب يحمل اسم الكشكول فيما جرى على آل الرسول موضوعهُ أئمة الشيعة وأفكارها. وقد إختلف القوم في شخصية مؤلفه، فنسبهُ البعض للسيد حيدر الآملي. وذكر آقا بزرك الطهراني في الذريعة بان الجمهور نسب الكتاب للسيد حيدر. إلاّ أنّ صاحب الرياض قال: إن الكتاب لحيدر الآملي وهو غير السيد حيدر الآملي المعروف بالتصوف بل كان صاحب الكتاب قد عاش قبل زمانه. وأيده الطهراني في ذلك. ونسبهُ الحر العاملي للعلامة الحلي، ونفاهُ الشيخ يوسف البحراني (راجع الذريعة، ج18، ص82). وعلى أي حال يبقى القدر المسلم من ذلك هو نفي نسبة الكتاب للعلامة الحلي لأن وفاته كانت عام 726 هـ. بينما تاريخ تأليف الكتاب هو 735 هـ. وكذلك ليس هو للسيد حيدر الصوفي، لان السيد حيدر ذكر في جامع الأسرار عبارات قال إنها لاحد الفضلاء كان بدايتها من ص239 حين قال: ((أول ذلك النقل... )) ثم ختمها في صفحة 242 فقال: ((هذا آخر النقل المذكور )) فنقل ما يقارب الأربع صفحات عن الكشكول. وكذلك جاء في تفسير المحيط الأعظم (ج2، ص537 – 539 ) في بحث أصحاب الشرائع وأوصيائهم الإثنا عشر دون زيادة أو نقصان، فكتب يقول: ((ومن جملة ذلك قول بعض العلماء ...)) فنقل من الكشكول صفحتين تقريباً. ولم يتضمن الكشكول عبارة ((من جملة ذلك قول بعض العلماء )) وهذا يدل على ان العبارة ليست لصاحب الكشكول. ولذا لا يمكن نسبة الكشكول للسيد حيدر حيث إنه كان في الكتب الثلاثة يروي آخرين. .
(4)جامع الأسرار، ص4. .
(5)ن، م، ص5. .
(6)فهرس النسخ الخطية بمركز إحياء ميراث إسلامي (احياء التراث الإسلامي) ( ج1، ص362 ) يوجد هناك كتاب اعتبرهُ تصنيف المركز من كتب القرن الثاني عشر، استقرأ فيه الكاتب رأي المتصوفة في باب التوحيد والنبوة والإمامة، ليثبت من خلال ذلك على أن الشيعة الحقيقيين هم متصوفة. .
(7)إشارة منهُ للحديث المعروف ((إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتملهُ إلاّ ملك مقرب أونبي مرسل أو من امتحن الله قلبهُ للإيمان )) واعتبر السيد حيدر الصنف الأخير وهو ((من امتحن.. )) هم المتصوفة خاصة.
[الصفحة - 279]
وبما أن اعتقادات الشيعة تعتمد على الظواهر والمتصوفة على بواطن الأمور لذا فكل منهما بحاجة للآخر (8) .
ويستكمل السيد حيدر حديثةٌ بأسباب التناحر الدائر بين المتصوفة والشيعة، فيقول:
«إن كان هناك رفض بين الشيعة والمتصوفة لاحدهما الآخر فهو يعود لطريقة سلوك بعض من يطلق عليهم شيعةً أو متصوفة اسماً أما في الواقع فهم ليسوا شيعة ولا متصوفة. فقد ترى الناس ينتقدون الشيعة ويذمونهم لتعامل أو تصرف من هم شيعة بالاسم فقط كالإسماعيلية والزيدية والغلاة الخ... (9) ، بينما تبقى الشيعة الامامية الإثنا عشرية بريئة من أقوالهم وأفعالهم» (10) .
ثم يزيد من حدة انتقادهِ لفرق الشيعة الأخرى مستخدماً عبارات قد لا تليق به وبأفكاره العرفانية:
«هناك العديد من الفرق تنسب نفسها للتشيع والواقع ليست هي غير شيعية فحسب بل هي مما تحكم الشيعة بكفرها» (11) .
أما الفرق التي تشترك مع المتصوفة، فهي من قبيل: الاباحية، الحلولية، الاتحادية، والمعطلة (12) .
ويذهب السيد في آخر كتاب جامع الأسرار أبعد من ذلك فيتخذ نماذجاً للصوفي من قبيل: سلمان، أويس القرني، أبو زيد البسماطي، كميل بن زياد النخعي وجنيد البغدادي ـ وهم من تلامذة الأئمة ـ فهؤلاء هم المتصوفة الحقيقيون أما متصوفة هذهِ الأيام فهم ليسوا من الصوفية بشيء كما أنّ علماء هذهِ الأيام أيضاً ليسوا علماءً في الواقع (13) .
عوامل تشيّع المتصوفة
تطرق السيد حيدر بعد فرضه لكون المتصوفة من الشيعة لمواضيع توضح مراده من تشيع المتصوفة. فهو يعلّل ذلك بكون المتصوفة هم حملة أسرار الائمة (عليه السلام).
________________________________________
(8)جامع الأسرار، ص47.
(9)ن، م.
(10)ن، م، ص221.
(11)هذا هو رأي خاص بالسيد حيدر، ولم يحكم أحد من الشيعة بكفر الإسماعيلية أو الزيدية.
(12)جامع الأسرار، ص48 و 615.
(13)ن، م، ص614.
[الصفحة - 280]
وقبل أن يعرج على إثبات هذا المدعى يشير السيد إلى أن أصحابنا الشيعة يرفضون كون المتصوفة هم حملة أسرار الأئمة ويرفضون أيضاً توفر تلك العلوم والأسرار في غير الأئمة. وجحدوا بالمتصوفة أساساً وكفروهم.
ثم يضيف قائلاً:
«نحن نريد إثبات كون المتصوفة حملةً لأسرار الأئمة وأنهم (المؤمن الممتحن)».
وهنا يستشهد بحديث للإمام علي (عليه السلام) عندما صنف الناس إلى «عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاعِ...».
ثم كتب:
«فالمتصوفة ليسوا من القسم الأول، لأنهُ مختص بالأنبياء والأئمة، وكذلك ليسوا من الصنف الثالث لأنهم أولياء وخلفاء الله تعالى فلا يليق به ذلك. فثبت كونهم من الصنف الثاني».
ثم يعقب بحديث للأئمة: «نحن خزانة الأسرار» فيقول:
«هل تقرون أنتم الشيعة بأنكم لستم حملة الأسرار. وإنهم هم الحملة وحدهم... ».
ثم يكمل استدلاله بصورة المحاججة مع أحدٍ من الشيعة:
«فان قلت إن الصوفية ليسوا حملة أسرار ولا أهلاً لذلك. بل الأسرار ما هو عند الشيعة وحسب. أقول فهي لا تتعدى عدة احتمالات: إذا كان ما هو بحوزتك هو علوم الأئمة وأسرارهم، ففي هذهِ الحالة لا توجد هناك ضرورة أن يوصوا بكتمانها، ذلك لأن علوم الشريعة التي عندك لا داعي من كتمانها وحسب بل نشرها وإظهارها على المنابر من الواجبات وسترها من الكفر... وإن كنت تعتقد بأن علوم الأئمة وأسرارهم منحصرة بما هو عندك ولا يزيد عليه، فهذا اعتقاد باطل وتوهم خاطيء وجهل بمراتب الكمال ودرجات الأئمة، فان ما أنت عليه ليس إلا مرتبة من تلك المراتب، بل ومن أقل الدرجات أيضاً. وإن قلت لماذا لا يمكن لتلك الأسرار
________________________________________
[الصفحة - 281]
المذكورة في نصوص الأئمة أن تكون ما هو متوفر في الظاهر لدى مذهب الإمامية الإثنا عشرية؟ قلتُ لو صح ذلك لانتفت الغاية وراء إبقاء ضرورة الحفاظ على الأسرار وتأكيد الأئمة على هذا الأمر. فقد قام الأئمة أنفسهم بنشر أهدافهم وأسرارهم حتى بالسيف أحياناً. ومعلوم أن الإمام علي (عليه السلام) بقي منكباً في نضالهِ منذ وفاة النبي (رضي الله عنهم) وحتى استشهادهِ (عليه السلام) لدحر المعاندين للدين إذن فهذا ادعاء باطل وأقرب للجنون والصبيانية».
ثم استعرض في هذهِ المسألة وهي لو أنّ أحدهم قال:
«أن يكون هنالك فرق بين المؤمن الممتحن وغير الممتحن هذا أمر مقبول، لكن ما هو الدليل على انحصار هذهِ الصفة بالمتصوفة؟ بل قد يصدق ذلك على غيرهم. قلتُ إن مجرد الاعتراف باختصاص حملة أسرار الأئمة بطائفة خاصة هو كافٍ، ونحن أيضاً لن نضيف عليه شيئاً. فان كانت المشكلة هو اسم الصوفية، إذن استبدلهُ بما يحلو لك. فلا أهمية للاسم بقدر ما يهمنا المعنى، أي المفاهيم الخاصة بأسرار العلوم من معاني التوحيد وسر الوجود. وان كنت تدرك معنى التصوف وسبب تسميتهِ لما رفضتهُ، لان التصوف هو أن تتخلق بالأخلاق الإلهية في العلم والعمل، وماذا أفضل من ذلك!
بعد ذلك ذكر مواضيع أخرى ترتبط بمعنى التصوف فقال:
المتصوف هو من آمن بأحكام الشريعة ظاهراً وبحث حقائقها وحكمها باطناً، زاهدٌ في مال الدنيا ولا يدخر منها شيئاً (14) .
ثم ذكر في جانب آخر من حديثهِ ما يتعلق بنسبة فرقة الصوفية للأئمة (عليه السلام).
وقد وردت الإشارة إلى هذا الموضوع في كلا كتابي التفسير وجامع الأسرار. مع شيء من الاختلاف. حيث لم يمنح في جامع الأسرار قيمة تذكر للخرقة الصورية:
«يرى عوام المتصوفة وغيرهم من الناس أن الخرقة هي السر الموروث عـن الإمـام علي (عليه السلام) وأبنائِهِ، بينما اعتبرت النخبة ذلك في سر الولاية» (15) .
________________________________________
(14)راجع: جامع الأسرار، ص36 – 48 (مع التلخيص)..
(15)ن، م، ص229 – 230.
[الصفحة - 282]
أما بالنسبة للتفسير فورد فيه:
«لقد أجتمع المشايخ والعلماء في باب التصوف على أن (الخرقة الصورية) هي تلك التي كساها جبرئيل بأمر من الله للنبي (رضي الله عنهم) ثم تلقاها الإمام علي (عليه السلام) من لدن الرسول»(16) .
وعلى كل حال يبقى المهم من البحث هو ( الخرقة المعنوية )، فهي تعني سر الولاية والتوحيد عند الخواص من الموحدين، ذلك السر الذي أوحاه الله تعالى لآدم عن طريق جبرئيل أو غيره حتى وصل إلى الإمام علي (عليه السلام) ثم إلى ولدهِ. وليس مقصودنا من الخرقة هو خصوص ثياب الصوف والقطن، فلا دور لها في بلوغ الإنسان لكمالاتهِ ( التي تتوقف على إرشاد وهداية الأنبياء) بل الخرقة هي من قبيل لباس التقوى المشار إليه في القرآن الكريم. ولباس التقوى هو ما يمنح صاحبه التقوى من ورع وزهد وعبادة وتهذيب الأخلاق، والتخلق بالأخلاق الإلهية وبآدابها. وكما يقول رسول الله (رضي الله عنهم): «تخلقوا بأخلاق الله» (17) .
وقد تطرق السيد حيدر هنا أيضاً لخرقة الألف مسمار، حيث يقول:
«ليس المراد من هذهِ الخرقة ثياب بعض المتصوفة وما ينمقون من جلابيب، بل أعني تهذيب النفس وتطهيرها من ألف صفة ذميمة وتزينها بألف سجية حميدة. ليكون تجنيب النفس عن كل صفة كتثبيت المسمار في الجدار» (18) .
السيد حيدر ومتصوفة الشيعة
اعتبر السيد حيدر بعض المشاهير ـ وفقاً لنظرتهِ الخاصة ـ شيعة، في الوقت الذي لم يصنفهم علماء الشيعة في مذهبهم. كحسن البصري ـ مثلاً ـ . فقد صنفهُ في عداد الصوفيين المتصلين بالإمام علي (عليه السلام) وقال فيه:
«كان من أبرز تلامذة الإمام علي (عليه السلام) وأتباعهِ الخلص» (19) .
ومن جملة ذلك أيضاً، فخر الدين الرازي، وإن تفاوت نص السيد هنا عن سابقهِ حسن البصري. فهو من جهة يقول برجوع المدارس العرفانية للأئمة (عليه السلام) (20) ،
________________________________________
(16)التفسير، ج1، 519 – 520.
(17)ن، م، ص524 – 525.
(18)ن، م، ص526.
(19)جامع الأسرار، ص4.
(20)ليس العرفان وحدهُ فحسب بل قال برجوع سائر العلوم لهم (عليه السلام) من قبيل: الفصاحة، النحو، التفسير، الفقه (الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي والامامي)، علم الكلام ((للمعتزلة والاشاعرة والشيعة والخوارج) وكذلك علوم الفلسفة والعرفان. فهو يعتقد بان جميع هذهِ كانت من علوم أهل البيت (عليه السلام). (نص النصوص، ص213 – 216).
[الصفحة - 283]
ثم يعرب من جهة أخرى على أن بعض العلوم الرسمية عادت واتصلت بالعرفان. ثم يضيف:
«فمنهم الإمام العالم الفاضل الكامل فخر الدين الرازي رحمهُ الله» (21) .
من الممكن أن يسعى آخرون لتقديم فخر الرازي شيعياً، إلاّ أن ملاكهم مغايرٌ لملاك السيد حيدر.
كذلك الحال بالنسبة للغزالي، حيث قال فيه:
«فمنهم الإمام الكامل المحقق محمد بن محمد الغزالي رحمة الله عليه» (22) .
وقد شمل الملاك المنفرد لديهِ شقيق البلخي، سري سقطي، جنيد البغدادي والشبلي فكان معياره متبايناً مع رأي العلماء كالفيض الكاشاني.
حيث قال الكاشاني في المحجة البيضاء بتشيع الغزالي ذلك لتصريح الأخير في كتاب سر العالمين بذلك (23) ، ولم ينسب ذلك لمحي الدين لعدم تصريحهِ بهِ فرفضهُ مطلقاً. وبيّن هفواته وتناقضاته في الشرع، كي لا يضل من يجهل بأمرهِ فيتبعهم الناس (24) . في حين كان للسيد حيدر ثناء طويل على محي الدين.
كلاميات السيد حيدر
على الرغم من توسيعه لدائرة التشيع حتى شمل التصوف وفقاً لميولاتهِ في ذلك، إلاّ أنه كان يرفض التعرض للعقائد الكلامية في التشيع الرسمي كما أشرنا سابقاً. ولعلهُ يمكن القول بأنهُ كان يعتبر التشيع الرسمي والتصوف مكملين لبعضهما الآخر بمعنى تبقى الأجزاء ناقصة في حال انفاصلها، وإن كان يرى تفوق التصوف إلاّ أنه يرى صدور التشيع الكامل منهما بالاجتماع خاصة، لذا لا يحق لاحد المساس بالتشيع أو التصوف.
من هنا كانت له نظرة في غالبيةِ أبحاثه كأي متكلم ناطقٍ باسم الشيعة. فهو يستدل على أصل الإمامة بآيات التطهير والمباهلة والمودة وأحاديث الثقلين وهكذا حديث الغدير والمنزلة وجابر وسلمان (25) .
________________________________________
(21)جامع الأسرار، ص488.
(22)ن، م، ص493 – 494.
(23)المحجة البيضاء، ج1، ص1.
(24)بشارة الشيعة، ص150.
(25)التفسير، ج1، ص419، 502، 509؛ جامع الأسرار، ص249، 251، 252.
[الصفحة - 284]
وقد تعرض لبحث الإمامة في كلا كتابيه التفسير والجامع بشكل مفصل وهناك تصدى بحدة لبعض المتصوفة دفاعاً عن الفكر الكلامي الشيعي (في مقابل التشيع الصوفي):
«وكاني بشخص صوفي سني مسلسل بسلاسل التعصب والجدال، محجوب بحجاب أهل التقليد وأرباب المقال، يقول لِمَ لم يخصص الشيعة أئمتهم بالاثنا عشر إماماً وأية فائدة في هذهِ الاعداد»(26) . ``
إلاّ أنه ذكر الموضوع ذاته في جامع الأسرار لكن بلحن أكثر مراعاة:
«ثمة تساؤلات لدى المتصوفة حول حصر الأئمة بالاثنا عشر واصل عصمتهم» (27) .
وفي تعليق له في الفصوص على عبارة ابن عربي حيث قال: «وإن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع». ذكر في ذيلها عبارة للقيصري قال فيها:
«يجب أن لا نتوهم بأن المراد من خاتم الأولياء هو المهدي ، فقد صرح الشيخ نفسهُ بان المراد هو عيسى القادم من الأعاجم، في حين ان المهدي هو من أولاد الرسول ويظهر من العرب» (28) .
بعد ذلك أورد السيد حيدر كلامهُ فقال:
«وإظهار هذا الكلام من القيصري ومخالفته للمشايخ المعطمين واستاذه وشيخهِ ليس إلاّ من إظهار التسنن مع التصوف ترويجاً لمرتبتهِ عند الجمهور» (29) .
أما في خصوص بحث الولاية المطلقة والمقيدة ورأي ابن عربي في رجوع (المطلقة) لعيسى و (المقيدة) لهُ، فكتب يقول:
«أنا اعتقد ـ ولا خلاف فيه ـ بان أدني منصب وزاري عند المهدي هو أرفع بكثير من مقام ابن عربي وأمثاله، وإن نسبة ابن عربي للمهدي، كنسبة العرش وما حواه من قلب العارف في حديث مع يزيد عندما قيل: «لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف لما
________________________________________
(26)تفسير المحيط الأعظم، ج1، ص541.
(27)جامع الأسرار، ص231.
(28)جامع الأسرار، ص435.
(29)ن، م، 436.
[الصفحة - 285]
أحسّ بهِ» (30) .
ثم يضيف:
«المراد من هذا الكلام هو ان نسبة ابن عربي والمئات مثله ـ بل أضعاف ذلك ـ للمهدي هي من هذا القبيل» (31) .
التقية عند السيد حيدر
يقدم السيد في بحث التقية تفاسيراً تتناسب مع موقف المتصوفة ثم يستدل عليها بأحاديث للأئمة. والتقية المتعارف عليها عند الشيعة هي عبارة عن استراتيجية التعامل مع الحكام وسياساتهم. لذا فهي تشمل حتى الموارد المتبعة مع الفقيه لاتصاله بالحاكم. أما السيد حيدر فلهُ تحليل آخر للموضوع.
ينقل السيد ضمن بحثهِ المطول حول أسرار الأئمة (عليه السلام) أحاديثاً متعددة منها حديث للصادق (عليه السلام) حيث قال: أمرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر والسر المستتر وسرٌ مقنعٌ بسر (32) ، مضافاً لقولهِ (عليه السلام): إن التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية لهُ. بما تضمن من إشارة لكتمان السر الوارد في الحديث السابق ومن هنا تقول فتوى علماؤنا بوجوب التقية.
بعد ذلك ذكر مصداقاً لكلامهِ حول التقية برواية للإمام علي في يوم العيد:
«والله لو علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتلهُ»، ثم عقب على ذلك بأبيات منسوبة للإمام السجاد (عليه السلام) تحمل الاتجاه ذاته:
إني لاكتم من علمي جواهرهُ كي لا يرى الحقَ ذو جهل فيفتننا
وقد تقدمنا فيها أبو حسن مع الحسين ووصّى قبلهُ الحسنا
يا ربّ جوهر علم لو أبوح بهِ لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولأستحلّ رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونهُ حسنا (33)
إلى أن يقول:
«وإن الروايات في هذا المجال هي مما لا يعدّ ولا يحصى».
________________________________________
(30)ن، م، ص444، وجه السيد حيدر هنا انتقادات لاذعة جداً لمحي الدين ابن عربي، في حين قد أثنى عليه في مواضع أخرى وهذا من التهافت. وعلى أي حال فالسيد حيدر هنا من مقام التشيع الرسمي قال كلمتهُ. بينما أورد في نص النصوص يقول ( ص105 و 106): ((الشيخ الحاتمي (محي الدين ابن العربي) هو من أولياء الله ولا يصدر من ولي الله سوى الحق والكذب منه محال. فالولي الحقيقي لا ينطق سوى بالحقيقة والواقع. والولي الواقعي هو من كان الله في بصرهِ وسمعهِ ولسانِهِ ويدهِ فالكذب منه محال. لأنه قد ثبت بالدليل إن الإنسان الكامل أفضل من الملائكة ... والشيخ حاتمي من الأولياء)). إذن كيف يخطأ هذا الولي كما يقول السيد، الذي أدعى نسبة كتاب النصوص للرسول مباشرة وأدعى الولاية المقيدة أيضاً؟ فمن هو على خطا هل السيد حيدر أم ابن عربي؟ والله أعلم.
(31)ن، م، ص444.
(32)جامع الأسرار، ص33.
(33)ن، م، 34 و 35.
[الصفحة - 286]