البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

((عيد الغدير)) لبولس سلامة ملحمة الواقع والرؤيا في التاريخ العقدي

الباحث :  الدكتور حسام الضيقة
اسم المجلة :  مجلة المنهاج
العدد :  12
السنة :  السنة الثالثة شتاء 1419 هجـ 1999 م
تاريخ إضافة البحث :  December / 17 / 2015
عدد زيارات البحث :  2356

((عيد الغدير)) لبولس سلامة
ملحمة الواقع والرؤيا في التاريخ العقدي

الدكتور حسام الضيقة

((عيد الغدير))((222)) لبولس سلامة منظومة ملحمية دينية تدور حول ((الاحداث الداخلية))((223)) التي واكبت انطلاقة الدعوة الاسلامية.
فهي تقدم لنا صورة فنية واعية لاعمال البطولة والتضحيات التي سجلها رجال الدعوة ضد قوى الجاهلية والظلم. وقدجعل الشاعر بطلها الرئيس الامام علي بن ابي طالب(ع) مع العودة الى الاصول المضيئة والفروع المهدية والى جميع الشخصيات التاريخية المهمة التي تقاطعت مع الخط الرسالي لال البيت(ع)، ودا وعدا من الجاهلية الى ختام ماساة كربلا. فليس الغدير سوى قصيدة في الكتاب، فسمي الكل باسم الجزء.
كما تعرض الملحمة صورا متنوعة، وحية، من طبيعة الحياة العربية الرعوية والحضرية،وتبرز اعجاب الشاعر وافتتانه بشخصية الامام علي(ع) وانحيازه الى جانب الخط العلوي وما يمثله، فاستحق لذلك ان يكون من شعرا الغدير.
تعالج هذه الدراسة القضايا التي تطرحها الملحمة او تتعلق بها، وقد قسمتها الى ثلاثة اقسام وخاتمة، يتناول القسم الاول بايجاز حياة الشاعر والمؤثرات التي طبعت ادبه، ويبحث القسم الثاني في تعريف الفن الملحمي ومعرفة العرب به، ويمثل القسم الثالث القضاياالمضمونية والفنية لهذا العمل الابداعي الفريد.
اما الخاتمة فتقدم خلاصة فكرية ونقدية تجمل ما بسطه هذا البحث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
222 - صدرت عن دار الاندلس، بيروت.
223 - نعني بها الصراعات التي دارت حول الخلافة، عقب وفاة الرسول (ص)، بين الانصاروالمهاجرين وبين الامويين والهاشمين، تمييزا لها عن حركة الفتوحات، والانطلاق خارج‏الجزيرة العربية.

(الصفحة – 213)


القسم الاول
بولس سلامة: حياته وثقافته
درج الباحثون على وصف الملحمة بانها نوع من الشعر اللاشخصي (دچذرژزحرذپ ) الذي يتوارى فيه الشاعر خلف القصيدة. لكن هذا التقليد الذي بدا مع هوميروس (حزحذرب )، لم يتقيد به شعرا الملاحم ابتدا من دانتي (حژذچا ، 12651321م). ولا ينكر بولس سلامة،من ناحيته، خروجه عليه هو ايضا، ان بالحديث المباشر عن نفسه وان بالشعور الذي يخلعه على ابطاله((224)). وقد وضع لذلك عددا من السير الذاتية ك ((مذكرات جريح)) 1950، و((حكاية عمر)) 1961، و ((عيد الستين)) 1964. ولم تخل ملحمتاه: ((عيد الغدير)) و ((عيدالرياض)) في متنيهما، من عناصر ذاتية واضحة واشارات وجدانية تتحدث عن المه وتساميه وشاعريته.
وقد دفعني ذلك الى الوقوف على الملامح البارزة من حياته، للكشف عن ((الهموم والنكبات))((225)) التي طبعت شاعرية ((ايوب القرن العشرين))((226)) كما يصف نفسه،وجعلته يتغني بكل الم ويانس لكل معاناة ويتاسى بها.
آ- حياته وثقافته
ولد سلامة في ((بتدين اللقش))((227)) لاب ريفي ((ملتف الاجلاد))((228))، كان ولوعابالسلاح، شغوفا بالسير الشعيبية((229))، فاغتذى خيال الصبي باجوا الحماسة هذه، ولم ينقطع عنها حتى بعد التحاقة بمدارس القرية وجوارها لتلقي مبادي العربية، ثم التحاقة بمعاهد الارساليات في صيدا وبيروت وجونية ليتخرج عام 1950 في مدرسة الحقوق الفرنسية بشهادة الاجازة (الليسانس)((230)).
وقد كانت المطالعة المنهل الاخر لثقافتة، فتميز بثقافته متنوعة تتعدي السير الشعبية الى الدين الادب والتاريخ فالفلسفة. فانعكس كل ذلك بقوة على نتاجه.
تنبا الشاعر بشيخوخة مبكرة عندما قال: ((ها هي الشيخوخة القسرية تدركني ولم اتم الثامنة عشرة بعد))((231))، وقد بدات مع انتخابه شيخ صلح عام 1919،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
224 - را. سلامة، بولس، ملحمة عيد الرياض، المطبعة البولسية، حريصا، 1955، ص‏18من المقدمة.
225 - سلامة، بولس، الصراع في الوجود، دارالكتاب اللبناني،
بيروت. ط‏2، 1973،ص‏24.
226 - م.ن.، ص‏22.
227 - بتدين اللقش، قرية تقع في قضاء جزين من اعمال لبنان الجنوبي. انظر سلامة، عيدالرياض، ص‏4، من المقدمة، الحاشية‏2.
228 - م.ن.، ص‏5.
229 - را.م.ن.، ص‏22.
230 - را. عيد، منصور، بولس سلامة، دارالمشرق، بيروت، ط‏1، ص‏10.
231 - م.ن.، ص‏11.

(الصفحة – 214)


وهو مركز يقتضي اقامة علاقات اجتماعية مع من هم اكبر منه سنا، فضلا عن التحلي بصفات خلقية جادة ومتماسكة. الا ان شيخوخة اخرى سرت في بدنة منذ عام 1936، ورافقته حتى وفاته،فاوهنت قواه وشلت حركته وجعلته فريسة الامراض والاوجاع حتى لم يبق ((في جسم الجريح الا وشل من حياة وبحر من الم))((232))، ولم تفلح المباضع التي اسلمها جسده سوى بمد عمره دونما امل في شفاء.
ب - شاعريته
غير ان غريزة حب البقا كانت اقوى من جميع الادوا التي كانت تنخر جسده، فبفضلهاتحول الالم الى لغة والمعاناة الى الشعر، وفيما كان الجسد يذبل كانت عبقريته تتفتح، وكان ينتهز فترات سكون الالم ليوقظ شاعريته وافكاره فيكتب، وكانه كان في سباق مع الموت.فنظم المطولات الشعرية ونثر في الادب والفلسفة والسيرة الذاتية اعمالا مهمة تعكس عمق فكره وتجربته((233)).
انطلق سلامة ليفك اسره اذن في خطين متوازيين: الشعر والنثر. الا ان طبعه كان اكثراستئناسا بالشعر، ويعلل ذلك بقوله: ((لانني ولدت شاعرا وشاعرا اموت))((234))، فابحر فيه يحدوه طموح الى امرين:
1- التعبير عما اختزنه في الذاكرة من قصص البطولة.
2- التاسيس لفن جديد لم يعرفه العرب كما زعم، وهو الفن الملحمي.
وقد ساعدته على تحقيق طموحه شاعرية فذة، واتقان لفن النظم، وثقافة واسعة وخيال خصب. فبدا رحلة الشعر، كما قلت، مطولات في ابطال التاريخ الاسلامي والقومي والوطني: ((علي والحسين)) 1946، و ((الامير بشير)) 1947، ((فلسطين واخواتها)) 1947،قبل ان ترسو شاعريته على الملحمة، فوضع ملحمتيه الشهيرتين: ((عيد الغدير)) 1948، و((عيد الرياض)) 1955. وكان دائم التباهي بهما، بل احب ان يعرف بشاعر الملحمة، ((ذلك،كما قال، لان الملحمة في دمي))((235)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
232 - سلامة، بولس، عيدالرياض، ص‏12، من المقدمة.
233 - را. عيد، مصدر سابق، ص 16 ، 18
234 - سلامة، بولس، عيدالرياض، ص‏2.
235 - م.ن.، ص‏4.

(الصفحة – 215)


القسم الثاني
الفن الملحمي والملحمة في الادب العربي
1- تعريف الملحمة ونشاتها
الملحمة فن ادبي، قوامه القصة الشعرية الطويلة التي تصور احداثنا من التاريخ باسلوب السرد، تجلى فيها البطولة الخارقة باشكال شتى. يحوكها الخيال الشعبي فيضفي عليها من الخواطر ما يزيد في اغرابها، وفي تضاعيفها تساق الاساطير.
ورد تعريفها في احدى دوائرالمعارف على النحو التالي: ((هي قصة طويلة من النظم، او من النثر، حيث يمتزج الخارق بالواقع، اما هدفها فهو تمجيد الاعمال البطولية التي انعكس اثرها على قدر تجمع غلب عليه ماض اسطوري((236)). وقد ازدهرت الملحمة في طفولة الشعوب، مجالا رحبا اتسع لكل ما نسجته اخيلة الشعوب حول ابطالها القوميين، ومااسبغته عليهم من مثر بطولية عرفانا بتضحياتهم من اجل قضية تتصل بوجودها الانساني والقومي ودفاعا عن ماثوراتها ومقدساتها العريقة. يقول لامارتين(lamartin ، 1790 1869) فيها، في مقدمة جوسلين ( Joeslin ): ((آنهاالشعر في طفولة الشعوب حيث اختلط التاريخ بالاساطير والخيال بالحقيقة، وحيث كان الشعرا بمثابة المؤرخين للامم))((237)).
لذلك جات الملاحم على شكل شعر بدائي حافل بالحكايات البسيطة الجميلة التي تستثير في البسطا مختلف العواطف، وقد نظمت لتنشد في المجموع. فتلقائية التاثير اولى صفاتها، انها لذلك لون خاص من الوان السير الشعيبية التي ((تربط الحاضر بالماضي،وتساعد على يقظة الوعي في المجامعات، وعلى تقوية احساسها بالديمومية زمنياومكانيا، على انه يفرض فيها تقادم الزمن على مضمون الحكاية ليتيسر تحليتها بالاعجازوالاغراب، فيزخرفها القدم ويضفي عليها جوا من السحر العجيب))((238)).
لكن الزمان لم يبق الملحمة على صورتها البدائية الاولى، بوصفها قصيدة شعرية طويلة عامرة بالبطولات الخارقة والاحداث التي تلتف حول ابطالها القوميين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
236 -
237 -
238 - عبدالنور، جبور، المعجم الادبي، دارالعلم للملايين، بيروت، ط‏2، 1984،ص‏264. مادة (ملحمة).

(الصفحة – 216)


لتعجل منهم نماذج البستها اخيلة الشعوب اخلاقها وتطلعاتها وعواطفها، ولذلك عدها الباحثون نتاجا لعملية تطورية بطيئة من محفوظات الشعوب الناشئة، فقد راقت هذه الاعمال العظيمة بعض القرائح، فاستلهمتها لصنع ملاحم مشابهة شكلا وتنسيقا ومضمونا، الا انها تختلف عنها في انها صنع مجتمع متطور وانها من انتاج شخص معين((239)). فهي ملاحم صنعية كآ((الانياذة)) اللاتينية ل فرجيليوس (Virgile ، 70 19 ق.م)، و ((الكوميديا الالهية)) لدانتي، و((الفردوس المفقود)) لملتن (Milton ، 1608 1674)، و ((الشاهنامه)) للفردوسي (940 آ1020) وغيرها.
كما لم يقتصر الفن الملحمي على الشعر، اذ نجد ميلا الى اطلاقه على بعض الاعمال الروائية الكبرى كقصة ((الحرب والسلام)) لتولستوري (Tolstori ، 1828 1910 م)، وعلى السير الشعبية، بل على كل عمل ابداعي كبير يتمتع بالروعة والجلال والعظمة.
2- الملحمة في الادب العربي
آ- في اللغة
الملحمة، الحرب ذات القتل الشديد والوقعة العظيمة في الفتنة، وهى من اللحم والالتحام لكثرة لحوم القتلى فيها واشتباك الناس واختلاطهم((240))، وما ينتج عن ذلك من تغيرالاحوال وسيادة الفوضى. وقد روي عن النبي (ص) قوله: ((عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح قسطنطنية، وفتح قسطنطنية خروج الدجال))((241)). وقد استعملت هنا في معنى الفتنة التي تفضي الى احداث جسام وانقلاب في شؤون الحياة.
كما وردت، عند ابي حيان التوحيدي، في معنى المناظرة الفنية والمجادلة والمناقضة،حيث يقص الكاتب لاحد الوزرا حديث المناقشة التي جرت بينه وبين ابي عبيد الكاتب في تفضيل الحساب على الانشا، فيقول الوزير فيها: ((هذه ملحمة منكرة))((242))، اي مناقشة مستهجنة غير معقولة او مقبولة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
239 - را.م.ن. ص.ن.
240 - لسان العرب، مادة: لحم.
241 - الجاحظ، البيان والتبيين، دارالكتب العلمية، بيروت، لاط، لاتا. ج‏2، ص‏18.
242 - ابوحيان التوحيدي، الامتناع والمؤانسة، تحقيق احمد امين واحمد الزين، دارمكتبة‏الحياة، بيروت. لاط، لاتا. ج‏1، ص‏97.

(الصفحة – 217)


ب - في الادب
اما الملحمة، بالمعنى الفني الذي انتهى اليه العلما في خلاصة ابحاثهم حول ملاحم الامم،فقد عرفها العرب وتحدثوا عنها.
وفي التراث ما يدل على ذلك: اقدم نص ترد فيه لفظة الملاحم هو للجاحظ في كتاب ((البيان والتبيين)) حيث يقول: ((واماابويس الحاسب فان عقله ذهب بسبب تفكره في مسالة. فلما جن كان يهذي انه سيصيرملكا، وقد الهم ما يحدث في الدنيا من الملاحم. وكان ابونواس والرقاشي يقولان على لسانه اشعارا على المذاهب اشعار ابن عقب الليثي، ويرويانها ابايس. اذا حفظها لم يشك انه الذي قالها))((243)). والمعنى المستفاد من هذا النص ان الملحمة الهام ما يحدث في الدنيامستقبلا من الفتن والوقائع الخطيرة التي تطال ارزاق الناس ووجودهم. وهذا الالهام كان ابويس يصوغه شعرا على مذهب ابن عقب الذي تطال ارزاق الناس ووجودهم. وهذاالامام كان ابويس يصوغه شعرا على مذهب ابن عقب الذي كان معلم الحسن والحسين كمايقول صاحب كشف الظنون، وملحمته منظومة لامية اولها:
رايت من الامور عجيب حال لاسباب يسطرها مقالي((244))
فابن عقب هذا اذن هو اول من نظم شعر الملاحم، يتهكن فيه ما يحدث في المستقبل الزمان من الامور العظيمة. وهو الذي ذكره الاصفهاني بقوله: ((صاحب قصيدة الملاحم))((245)).
اما ابن خلدون فيعقد فصلا كاملا في ذلك، عنوانه: ((فصل ابتدا الدول والامم، وفي الكلام على الملاحم والكشف عن مسمى الجفر))((246)). وقد ورد هذا المصطلح عنه تسع عشرة مرة، مما يدل على انه كان معروفا ومتداولا بين اهل العلم. وبمقدورنا ان نتبين خلال هذاالفصل المعنى العام للملحمة كما فهمه العرب.
يبني ابن خلدون فصله على مبدا نفسي، قوامه تشوق النفوس البشرية الى علم عواقب الامور الخاصة والعامة بوسائل مختلفة مما وقع طبعا من الناس الى انتحال المعاش من ذلك، فاشتهر امرهم في التنجيم والكهانة. ومع ان ذلك من العلوم المذمومة في الشريعة لانه ضرب من علم الغيب الذي لا يعلمه الا اللّه تعالى، غير انه برز في الاسلام علماخاضوا فيه قولا وكتابة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
243 - الجاحظ، م.س. ج‏2، ص‏118.
244 - حاجي خليفة، كشف الظنون، عن امين، محمد شوقي، الملاحم بين اللغة والادب،عالم الفكر، ص‏228.
245 - الاصفهاني، كتاب الاغاني دارالفكر العربي، بيروت، لاط. لاتا. م‏1، ج‏1، ص‏196.
246 - ابن خلدون، المقدمة، دار احياء التراث العربي، بيروت، ط‏7، لاتا. ص‏334.

(الصفحة –218)


وقد اعتمدوا ظواهر ماثورة وتاويلات مختلفة تواترت اخبارها، ومانقل الى اللسان العربي من كتب الحكما في الملك والدول وسائر الامور العامة. وصاربعض ذلك الى اهل الاثر وعلما الدين.
واشهر المؤلفات في ذلك هو الجفر الذي يقول فيه ابن خلدون: ((واعلم ان كتاب ابجفر كان اصله ابن هارون بن سعيد العجلي، وهو راس الزيدية. كان له يرويه عن جعفر الصادق، وفيه علم ما سيقع لاهل البيت على العموم، ولبعض الاشخاص منهم على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذى يقع لمثلهم من الاوليا.وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير.. وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق))((247)).
ويستمد الجفر اهميته من كونه لامام شيعي عالم بمضامين الشريعة. والكتاب المنسوب للامام جعفر الصادق (ع) حافل بالرموز والاشارات التي تعصى في بعض المواضع على الفهم.
وقد وضع، كما يبدو، للخاصة من الناس، ويستند الى احكام النجوم باسلوب الايجازوالاشارات المجملة.
ولم يكن الكتاب الوحيد الذي وضع، فقد وضع الكندي لبني العباس جفرا، وذكر ابن خلدون للموحدين في المغرب آخر((248)) ((ثم كتب الناس من بعد ذلك في حدثان الدول منظوما ومنثورا ورجزا ما شا اللّه ان يكتبوه، وبايدي الناس متفرقة كثير منها وتسمى الملاحم))((249)).
ويتبع ابن خلدون قوله هذا بامثله من الملاحم، ما كان منها متداولا او محفوظا من الناس: ((كان في جبل البربر كهان من اشهرهم موسى بن صالح... له كلمات حدثانية على طريقة الشعر.. وهي متداولة بين اهل الجبل))((250)). ((فمن هذا الملاحم بالمغرب قصيدة ابن مرانة من بحر الطويل على روي الرا، وهي متداولة بين الناس))((251)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
247 - م.ن.، ص‏334.
248 - را. م.ن.، ص‏338.
249 - م.ن.، ص‏338و339.
250 - م.ن.، ص‏331.
251 - م.ن.، ص‏339.

(الصفحة – 219)


((ومن الملاحم بيد اهل المغرب ايضا قصيدة تسمى التبعية..
قريبا من خمسمئة بيت اوالف))((252)).
((ومن الملاحم بالمغرب ايضا ملعبة من الشعر الزجلي منسوبة لبعض اليهود، وابياته نحوالخمسمئة))((253)).
((ومن ملاحم المغرب ايضا قصيدة من عروض المتقارب، وعلى روي اليا، منسوبة لابن الابار))((254)).
((ومن الملاحم في المغرب ايضا الملعبة المنسوبة الى الهوئني على لغة العامة في عروض البلد، وهي طويلة ومحفوظة بين عامة المغرب الاقصى))((255)).
((ووقفت بالمشرق على ملحمة منسوبة لابن العربي الخاتمي في كلام طويل شبه الالغاز))((256)).
((وسمعت ايضا ان هناك ملاحم اخرى منسوبة لابن سينا وابن عقاب))((257)).
نستخلص من ذلك كله ما يلي:
1- ان هذه الملاحم كانت عبارة عن قصائد طويلة ومتداولة بين اهل عصرها ومحفوظة بين العامة.
2- انها تلتزم بحرا واحدا وقافية واحدة في الغالب.
3- انها بنيت على لغة العامة وعروض البلد، منسوبة في غالبيتها الى مؤلف واحد، لكن ابن خلدون يشكك احيانا كثيرة في امر هذه النسبة.
4- وان الممالك تقاسمت هذا الفن. فلكل دولة ملحمة خاصة، لاهل المغرب والمشرق،والعباسيين والموحدين والترك.
5- وكثيرا ما يقرن ابن خلدون الملحمة بالحرب حينا وبالحدثان حينا آخر. اما المفهوم بالحدثان فهو ما يكون من الفتن والحروب وسفك الدما وظهور الخوارج وحركة العساكروعصيان الجند والوبا والقحط، وغير ذلك مما يصحب انقلاب الدول والازمان على اصحابها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
252 - م.ن.، ص.ن.
253 - م.ن.، ص.ن.
254 - م.ن.، ص.ن.
255 - م.ن.، ص‏340.
256 - م.ن.، ص.ن.
257 - م.ن.، ص‏341.

(الصفحة – 220)


ان الاطلاق العصري لكلمة ملاحم على معنى القصائد المطولة التي تتناول التاريخ الاسطوري للامم والدول لا يختلف عن الاطاق العربي القديم الا في امر واحد، وهو ان الملاحم العربية، خصوصا تلك التي يصفها ابن خلدون، كانت تروي ما عسى ان يكون من احداث الامم والدول في المستقبل المجهول. واما الملاحم في آداب الامم الاخرى فتناول قصص تاريخها الماضي وما يشيع فيه من اساطير((258)).
ورب راد يسال: واين هي الملاحم اليوم؟ لا شك في انها كانت موجودة باعتراف هؤلاالعلما، متداولة ومحفوظة بين اجيال عصورها، وبعضها لايزال مخطوطا يحتاج الى اخراجه من اماكن وجوده وطباعته، ولكن اكثرها ضاع بفعل عوامل مختلفة، ليس اقلهاخطرا انكار العلما لها لمخالفتها احكام الشريعة.
واذا اضفنا الى ما ذكره ابن خلدون، ما وصلنا من اشعار الجاهلية والفتوحات الاسلامية واشعار البطولة والحماسة والفخر لعنترة بن شداد وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة والنابغة والاخطل والمتنبي وغيرهم، وبعض السير الشعبية كسيرة عنترة وحزة العرب،لانتهينا الى القول: ان الملحمة بالتحديد الفني المعروف، لم تكن غريبة عن الادب العربي فهي لاتزال لصيقة بوجدان العربي ما عاش التراث الادبي الخالد. وما علينا سوى العودة الى هذا التراث العظيم وتاليفه، وسوف نخرج منه، كما ارى، بملحمتين عربيتين خاصيتين هما:الملحمة البدوية والملحمة الاسلامية. اليس ((الشعر ديوان العرب ومستودع حكمتهم والضابط لايامهم وقيد كلامهم والحاكم لهم والشاهد عليهم)) كما يقول ابو هلال العسكري((259)). ولن نكون بعد ذلك دون الامم العسكري في هذا المجال.
ولكن هناك من يشكك في ذلك كله. وعلى راس المشككين سليمان البستاني (1856 آ1925) مترجم الالياذة الى العربية الذي يقول: ((لم يتصل بنا ان العرب وضعوا اسمالمنظومات الشعر القصصي من نظائر الالياذة، الا ان يكون ذلك ما استحدثه اهل المغرب وسماه بعضهم بالملاحم، وهو عندهم كالملاعب بالشعر العامي ما تضمن من المنظوم احوال امة او قوم وفصلت فيه وقائع الحروب والتاريخ((260)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
258 - را. امين محمد شوقي، الملاحم بين اللغة والادب، عالم الفكر، الكويت، م‏16، ع‏1،1985، ص‏230.
259 - ابوهلال العسكري، كتاب الصناعتين، دارالكتب العلمية، بيروت، ط‏1، 1981،ص‏156.
260 - الياذة هوميروس، ترجمة وشرح سليمان البستاني، دار احياء التراث العربي،بيروت. ج‏2، ص‏162و163، من المقدمة.

(الصفحة – 221)


وينكر بولس سلامة هو ايضا وجود هذا الفن في الادب العربي، ويستعسن بقواعد الفرنجة في هذا المضمار، عندما شرع في تاليف ملحمتيه.
ان من يدعي ان العرب لم يعرفوا الملحمة، فهو اما انه لم يقرا التراث العربي واخذ بالشائع منه، واما انه تعلق باسباب ثقافة غريبة ارجع اليها كل علم وادب وابداع. وهذا الجهل والتعصب هما، على اية حال، آفتا الفكر العلمي.
ج- يتبني بولس سلامة القواعد التي وضعها الغرب للفن الملحمي. ويحدد، في مقدمة ((عيدالرياض))، وفي اطار رده على المواقف النقدية حول ((عيد الغدير))، مفهومة لهذا الفن والمنهج الذي يتبعه.
اما مفهومة لهذا الفن فهو مفهوم الفرنجة، فهم كما يقول: ((اساتذتنا في هذا الضرب من الشعر)). وتاسيسا على هذا المفهوم، يرى ان الادب العربي يخلو من الملاحم))((261)).وشاعرنا يرى في هوميروس القدوة لكل من جا بعده((262)). واما منهجه فيقوم على القواعد التالية((263)):
1- التاكيد على ان الملحمة لا تجافي التاريخ الحقيقي، وان غلب الابداع على الملاحم الكلاسية، ولا ضير في ان تتلبس الحقيقة بصدق وامانة.
2- الارتفاع بالعمل الفني عن الوقائع اليومية الى عالم الفن، من دون ان يغرقه ذلك في دنياالاوهام والاساطير، ما يؤمن الاتزان بين طبع الحياة وطبع الفن.
3- عدم تخلي الشاعر عن شخصيته، واكثر ما تبرز هذه الشخصية في الشعور الذي يخلعه الشاعر على ابطاله: ((ان الشاعر الذي يعدم الاحساس نقطة انطلاق ليس بشاعر))((264)).
4- الابتعاد عن السرد الجاف الذي يقتل الشعر.
5- الاخذ بجميع الاتجاهات المذهبية في الفن، وان كانت الكلاسية ابرز ما يلائم الملحمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
261 - سلامة، عيدالرياض، ص‏15 من المقدمة.
262 - را. م.ن.، ص.ن.
263 - را. م.ن.، ص‏15الى‏41 من المقدمة، وعيد، منصور، بولس سلامة، ص‏74.
264 - م.ن.، ص‏19.

(الصفحة – 222)


6- اتباع المنهج القديم في وحدة الوزن لتاكيد النفس الشعري الطويل، وعدم التخلي السريع عن الروي حتى وان بلغ مئات الابيات.
فسلامة، اذن، لا يخالف رواد الملاحم في التاريخ سوى في امرين: صدق التاريخ والنزعة الذاتية اللذين وجدهما ملائمين لفنه.
د- عيد الغدير
1- تاليف الملحمة:
نظم سلامة هذه الملحمة سنة 1948، وهي تقع في سبع واربعين قصيدة او نشيدا، وقد بلغ مجموع ابياتها ثلاثة آلاف واربعمئة وخمسة عشر بيتا. شرع العمل بها آخذا بتوجيهين:الاول للعلامة الشيخ ((عبداللّه العلايلي الذي تمنى عليه نظم ((ايام العرب)) في ملحمة لافتقار الادب العربي الى الملاحم، والثاني للسيد ((عبدالحسين شرف الدين)) الذي اقترح عليه نظم ((الغدير)). فمالت قريحة الى الموضوع الثاني لاهميته ورحابته. وانتهى من نظمهافي مدة يسيرة لاتتعدى بضعة اشهر كما قال((265)).
2- مضمون الملحمة:يعرف الشاعر منظومته بقوله: انهااول ملحمة عربية تتناول اهم نواحي التاريخ الاسلامي وبخاصة الهاشميين العلويين وما يتعلق بهم من الجاهلية الى آخر دولة بني امية))((266)).ويضم هذا العنوان الجزئى للملحمة الحلقات التاريخية التالية:
1- الجاهلية وارومة بني هاشم: الاناشيد، من 2 الى 5.
2- البعثة الشريفة: الاناشيد، من 6 الى 8.
3- موقع علي (ع) في البعثة ومثرة البطولية: الاناشيد، من 9 الى 21.
4- عيد الغدير بشارة للمسلمين عموما ولل البيت على الخصوص: النشيدان: 22 و 23.
5- علي (ع) والخلافة الراشدة، من 24 الى 32.
6- الحسين بن علي (ع) والهجرة الى الشهادة / واقعة الكربلا: الاناشيد، من 33 الى 45.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
265 - را. مقدمة عيد الغدير، ص‏7.
266 - العنوان الهامشي للملحمة.

(الصفحة – 223)


وتشتمل الملحمة، من ناحية ثانية، على قصيدتين وجدانيتين تشكلان المطلع والخاتمة: الاولى بعنوان: ((صلاة))((267)) يدعو فيها الشاعر اللّه مده بالقوة والعزيمة والالهام الشعري من اجل علي (ع) ((زين العصور)) و ((رب الكلام)) و ((ليث الحجاز)). ويضمنها الشكوى من الالم والمرض والعذاب، راجيا ان يكون ذلك تطهيرا لنفسه من الضلالة.
والثانية هي ((الخاتمة))((268)) على الروي نفسه، يكمل فيها الشكوى من الدا المريرفيتاسى بما حاق بعلي (ع) ((فخر التاريخ)) وبل بيته (ع) من الظلم. فيجمع، وهو النصراني،بين سفك نيرون دما النصارى، وسفك عبيداللّه بن زياد دما المسلمين. ويتابع مدح على وبنيه (عليهم السلام) وهجا بني امية ويفتخر بحبه لعلي (ع) وبشاعريته ومزاياها. وينسب هذه الشاعرية الى عبير الامام.
وهاتان القصيدتان يوحدهما الموضوع والروي في قصيدة واحدة، لكن الشاعر شا ان يختم القصيدة بما بداها للدلالة على الروح الواحدة التي نسجتها.
وتتلاحق حلقات الملحمة اذن في تسلسل متماسك، هو، في الواقع، تسلسل الاحداث التاريخية نفسها. واجد ان لا حاجة الى الاسهاب في تكرارها، ولكن ساكتفي بالمفاصل الكبرى التي وقف عندها الشاعر يسرد تفاصيلها باسلوب شاعري اخاذ.
1- الجاهلية وارومة بني هاشم
هي الجاهلية عصر الظلمات التي امتدت ازمنة طوالا. كان شعبها يحيا غرائز البهائم وشريعة الصحرا. سلبتهم الضلالة كل قيمة، فهم يتمرغون في الفواحش، يشربون الخمر ويتدافعون حول الخيام الحمر، ويطلبون الربح النتن، يئدون البنات ويعبدون اللات ومناة. فاي عصرهذا:
اقفر الخلق والصعيد، فقحط في السجايا وثورة في البلاعم((269))
لكن قبسا لمع في افق هذا الغهيب، فاذا هو ((فهر بن مالك بن نزار)) الذي لقب ب ((قريش)) و((طوق الجزيرة)). فهو اصل القبيلة التي حباها اللّه بالنبوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
267 - عيد الغدير، ص‏13.
268 - م. ن. ، ص‏306.
269 - م. ن. ، ص‏16.

(الصفحة – 224)


و((هاشم)) فرع كريم من فروعها ولدتواما مع اخيه ((عبد شمس بن عبد مناف)). كان الاول ((يرفد الحجيج)) و ((كفة تسكب الندى))وقد ((حمل المجد صيته))، وهو الذي ارسى رحلة الشتا والصيف، اما الاخر فكان يناصبه العدا حسدا وضغينة، اما ذكره ف ((وصمة الدهور سيبقى))، الى ن نفى نفسه الى الشام ذليلا.و ((عبد المطلب)) سر ابيه جودا، لقب ب ((شبية الحمد))، وقد بلاه اللّه بضد هو ((حرب بن عبدشمس)) مبطل المروءات. وكفى عبدالمطلب فخرا ان قريشا كانت تستسقي به في السنين المجدبات، فيضرع الى السما بحفيده اليتيم ((محمد)) (ص) الذي ولد عام الفيل:
انني ضارع اليك بهذا الطفل يا رب فلا تخيب دعائي((270))
لينهمر المطر من كل صوب.
2- البعثة الشريفة
ولد الهدى فالكائنات ضياء ، وها محمد ((طلعة الصبح)):
مبسم من للئ الفجر انقى وجبين كالنجمة الغراء ((271))
ولد النور يتيما ليشع في احلام الناس والامم، فتهتز لمولده الاصنام، وترتج عروش الفرس والروم، والصبي فقير الكف لكنه كان يحمل بين جنبيه قدر البشرية الساطع ((ذاك عرس الدنيا)). وقد استظل بجناح جده الذي كان يحنو عليه حنو الكريم ويصبحه في التجارة،فيتنبا له اهل الاديرة بعز وطيد، ويحذرون من غدر اليهود به.
وشب محمد (ص) على الصدق، فعمل في تجارة لسيدة قرشية هي ((خديجة)) التي شهدت امانته فاصطفته لنفسها زوجا كريما. مال الى ((غار حرا))، طلب السكينة والتفكر والدعا،فمده اللّه بالوحى: ((اقرا))، فاصاب الرعب محمدا (ص):
قال جبريل: يا محمد كبر باسم رب مل الوجود قدير
صفحة الكون بدلت في ثوان بين مرآتها ضمير الدهور
فاذا احمد العظيم نبي والمجيد القرآن حلم العصور((272))
3- موقع علي (ع) في البعثة، مآثره وبطولاته
واهدى اللّه الاسلام وليدا جديدا هو ((علي بن ابي طالب)) (ع) الذي ولد في ((البيت العتيق))ودعته امه ((حيدرة))، ودعاه ابوه عليا، وهو الاسم الخالد:
يهرم الدهر، وهو كالصبح باق، كل يوم ياتي بصبح جديد((273))
احتضن محمد (ص) عليا (ع)، ورعته خديجة. حتى اذا نادى النبي (ص) وتلاه علي (ع)يسعى وحيدا فريسة الصحرا اللاهبة واخطارها، الى ان وصل يثرب سليما، ليعمل، من ثم،في زراعة النخل بداية. تلكم الكف الكريمة التي ستعانق ذا الفقار حينا وتسطر الوحي والحكمة حينا آخر.
وهذي يثرب مقصد المؤمنين المهاجرين الذين يؤاخيهم النبي اهلها، ليصبح علي (ع) اخاصاحب الدعوة والعيون تهمس غيرة.
وتهتز المدينة لحلم ((عاتكة)) عمة الرسول (ص). وكان الحلم نذيرا ببدر. ((فابو سفيان)) سيدالمشركين اعترض ركبه قادما بتجارة من الشام، فانفر الى مكة يدعو اهلها لنجدته، فتهادت قواها الى لقا المسلمين تختال في البيدا مصحوبة بالوان فجورها. والمسلمون يلتفون حول نبيهم (ص) يتقدمهم علي (ع) الى بدر، وينزلون قرب البئر حيث تكرمهم السما بمطرغزير.
وفي بدر يدعو النبي ربه: ((اكفني قريشا))، ويامر رجاله بالدفاع، ويصطف الفريقان، ويبدآن البراز فالقتال. ويلمع نجم علي في ساح الوغى وتدور على المشركين الدوائر، فولواهاربين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
270 - م. ن. ، ص‏25.
271 - م. ن. ، ص‏27.
272 - م. ن. ، ص‏35.
273 - م. ن. ، ص‏37.

(الصفحة – 226)


ان وقعة بدر، حقا، فاتحة عصر جديد:
بدر، يا فجر امة اغرقتها ظلمة الجاهلية العمياء((274))
وكانت مكافاة النصر زواج علي (ع) من ((فاطمة)) كريمة الرسول (ص)، زهرته وامه وعلي على حيا من الفقر. فوضعت له ((الحسن)) ثم ((الحسين)) (ع).
لكن قريشا، اثنا ذلك، كانت تحشد قواها في مكة. وما لبث ان عادت الى الميدان بجيش لجب يقوده ابوسفيان بحقده وماله وفجوره، وهند زوجه على راس القيان والبغايا يدفعها الحقد الاموي.
والتقى الجمعان قرب ((احد))، وانجلى غبار المعركة عن فتنة وقعت في صفوف المسلمين فضعضعتهم. واذ بهند تغدر ب((الحمزة)) عم الرسول وتمثل به، فكان مصاب المسلمين جليلا.
ولم تكف قريش عن الرسول اذاها. فاستجمعت قواها مرة اخرى في غزوة الاحزاب يساندها اليهود، وقد بات هذه الغزوة بالفشل اثر مقتل احد ابطال المشركين: ((عمرو بن ودالعامري)) بسيف علي (ع). ثم اظهر اليهود، عقب ذلك عداهم للاسلام معتصمين بحصونهم المنيعة، فوجه النبي (ص) عليا اليهم ففتح حصن خيبر، وقتل بطلهم ((مرحبا))، وعاد منتصرا.
واستمر علي (ع) في نهجه البطولي يدفع عن المسلمين جور اليهود والاعراب، ينازلهم في وادي الرمل والطائف وحنين،ويواجههم في مكامنهم ويكشف غدرهم ويبرهن عن حنكة وعلم بامور القتال. فاذا هو بطل الاسلام الذي يثلج قلب النبي (ص) وقلوب المسلمين.
4- الغدير بشارة للمسلمين في آل البيت (ع)
ثم سجل الاسلام لال البيت(ع) فضلا عظيما، فهم بعد الكتاب هداة الامة بما ورثوه من الفضيلة والحكمة والايمان. وكان النبي يوصي بهم خيرا، وفي خطبة الوداع، عند غديرخم، يدعوهم النبي(ص) الى سماع البلاغ الاخير، فاذا هو نعي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
274 - م. ن. ، ص‏61.

(الصفحة – 227)


وتذكير وبشارة: نعي نفسه الطاهرة اليهم، وتذكير بوجوب التمسك باهداب الدين القويم، وبشارة بامانة ستكون في عهدة خليفته علي(ع) باسم جديد هو الولاية. وتاكيدا لهذه البشارة يرفع النبي(ص) يدعلي(ع) فوق ايدي الناس، داعيا السما له بالخير ولاعدائه بالويل:
فكان النبي يرفع بند العز عيدا للقائد المنصور((275))
واستجاب الرسول الكريم(ص) لندا ربه، فترك مهجا حرى تتلوع لفراقه، بينما كان آخرون يمهدون الدرب لانتزاع الحق من صاحبه. ويصبر علي(ع) على المحنة الجديدة خوفا على الاسلام، وقد اصبح وحيدا اسير الهم، وزاده ماض مشرق وعلم غزير، وقد ارتفع في السمادرجات، فهو منبت المجد والبطولة ورمز العترة الشريفة وحوض الولاية.
5- علي(ع) والخلافة الراشدة
انتهى امر الخلافة، بعد الشيخين الى عثمان، فنحا فيها نحوا جديدا متخليا عن سياسة عمروابي بكر في الزهد واستشارة علي(ع). ففشا في عهده تبذير المال بين افراد البيت العثماني، واتبع اسلوب البذخ وحب الحياة، يقرب اليه من عادوا الاسلام وابرزهم((الحكم))، في حين كان الفقرا يشكون والصحابة يذلون وولاة عثمان، وفي طليعتهم((الوليد))، في غيهم وفجورهم يعمهون. فاقبل علي(ع) يسعى لتقويم الاعوجاج، ونهض الناس يستنكرون من عثمان تهاونه مع الفاسقين الى ان اقتحموا داره وقتلوه. وكان ((ابو ذرالغفاري)) ابرز الثائرين على سياسة عثمان، فنفاه الى الفلاة حيث مات شهيد الظلم وضياع الحق.
وآل الامر الى علي(ع)، وسكن المعاندون على مضض. اما سلاح علي(ع) فكان الزهدوالعدل والمساواة، وكان الناس قد الفوا ما القاهم فيه عثمان من حب الدنيا، فلم ترق لكثيرين منهم سياسة علي(ع)، فاثاروا الفتنة، بقميص عثمان وحروب طلحة والزبير، عليه.فالتقاهم علي(ع) في حرب الجمل وقد اطمعوا عائشة فخرجت معهم. ثم التقى معاوية في صفين، حيث لجا معاوية الى خدعة التحكيم خوف الهزيمة المحدقة، والتي اعقبها خروج اصحاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
275 - م. ن. ، ص‏111.

(الصفحة – 228)


علي(ع) عليه، فواجههم في ((النهروان))، وقضى على شوكتهم. فدفع الحاقدون الى علي(ع) رجلا قتله في مسجد الكوفة بسيف مسموم، فانتهت بذلك حياة فارس الاسلام ومتنه.
ويتبع الشاعر هذه المرحلة بقصائد رثائية في علي(ع) يتناول بطولاته وعلمه واخلاقه وسياسته، ويهجو بني امية.
6- الحسين(ع) والهجرة الى الشهادة:
كربلا ظن معاوية انه استراح بمقتل خصمه علي(ع). غير ان الجمر كان يتاجج في آل البيت(ع)،لتبدا مسيرة بطولية ثانية مع الحسين بن علي(ع).
وقد جلس معاوية على عرش الشام خليفة يحف به دهاة قومه كالثالوث الشيطاني الممثل بعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزيادابن ابيه.
قام عرش الدهاء ثبتا مكينا فوق برج مثلث الاركان
وقد نهج معاوية الوسائل الدنيئة لتمكين سلطانه، فسم الحسن بيد زوجه، وامر بسب علي(ع) على المنابر. وتبعه يزيد على السيرة نفسها بشذوذ اشد فرفض الحسين(ع)مبايعته.
وكان الناس في العراق يتململون، فدعوا اليهم سبط الرسول(ع) اميرا، فارسل الحسين(ع)اليهم ابن عمه مسلم بن عقيل الذي وصل الكوفة متخطيا اهوال الرحلة.
فجمع اعيانهاواخذ منهم المواثيق، وارسل الى الحسين(ع) يعلمه بنصرة القوم له ويدعوه. غير ان القوم هابوا بطش الامويين فخذلوه وقتل مسلم بطلا على قائم سيفه.
انطلق الحسين(ع) باهله الى العراق مدفوعا بامل الكتب. لكن الامل ضعيف فالرؤى توحي بموته، ولكن الهدف كان اقوى من كل ضعف، ودولة الظلم يجب ان تبيد.
وفي كربلا، احاطه جند ابن زياد. وسدت المناقد في وجهه، فادرك ان كربلا منزل المنايا،وصدقت الرؤيا:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الصفحة – 229)


هاهنا يشرب الثرى من دمانا ويثير الجماد دمع العذارى
بالمصير المحتوم انباني جدي وهيهات ادفع الاقدارا((276))
وانبرى الحسين(ع) يخاطب الاعدا بغرض اقناعهم بالهدف الاسمى الذي جا به، واحيانخوة الدين في نفوسهم. لكن النفوس جافة واصروا على قتله فانقلب ((الحر)) اليه، فابدل بابن سعد على الخيل والشمر على المشاة. فما كان بد من القتال. فجمع الحسين(ع)اصحابه وخيرهم، فاختاروا درب سيدهم. وبدى القتال بسهم ابن سعد.
وكانت ملحمة كربلا عظيمة تضاهي ملاحم الاب الهصور علي(ع)، فاستشهد اصحاب الحسين(ع). وكل واحد يسجل بطولة خارقة قبل مصرعه. وجلجلت نخوة النبوة في صدرسيد الشهدا، فاقبل على الاعدا عطشا يشبعهم ضربا وقتلا حتى اسقطته اسهم الرماة،فاتاه عدو يضرب راسه الشريف. وقام الشمر اللعين بذبحه.
وحمل الراس الى ابن زياد مع سبايا آل البيت(ع) ثم حمل الجمع الى الشام. وزينب راعيتهم تتلوى اسى ولوعة. وقدحولها الهم الى لبوة حكيمة تتصدى لكل من يطمع في اذية الايامى والثكالى. . وتتامل ارث جدها يتبعثر بين ايدي اللصوص والفجار.
هذه هي المفاصل الاساسية التي تمحورت حولها ملحمة الغدير، والتي يعرفها تماما كل ملم بالتاريخ الاسلامي الاول.
وهي تشكل في تسلسلها وتماسك حلقاتها ما كان ارسطو قدسماه وحدة الحدث او الفعل (1unite de 1action) الا ان الملحمة حافلة ايضا بالاحداث الثانوية التي لم يدفع اليها الاسترطاد في القص، وانماهي تفريعات تتعلق بمرويات شعبية حول الاحداث الاساسية، او هي اضافات شعرية خيالية، اندفع فيها الشاعر ليفضي اجوا الحماسة والعاطفة والحياة على احداث الملحمة.وقد راينا الا نغرق هذه الدارسة في تفاصيلها، على انه سيبرز بعضها في موضعه في سياق مايلي من البحث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
276 - م. ن. ، ص‏251.

(الصفحة – 230)

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف