الباحث : السيد محمد رضا الحسيني
اسم المجلة : تراثنا
العدد : 19
السنة : السنة الخامسة / ربيع الثاني ـ جمادى الاولى ـ جمادى الثانية سنة 1410 هـ
تاريخ إضافة البحث : December / 23 / 2014
عدد زيارات البحث : 1946
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام التامين على سيد الانبياء والمرسلين ، محمد الصادق الامين ، الصادع بالوحي المبين ، وعلى خلفائه الائمة المعصومين ، الامناء على الدنيا والدين .
وبعد :
فقد تعرض للحق ـ المتمثل في الاسلام ، منذ نشأته ، والناس حديثو عهد باصوله ـ أعداء ألداء تحينوا كل فرصة للكيد له ، والنيل منه .
لكنهم أخفقوا ، ولم ينالوا مناهم ، فلم يصمدوا لصلابته ، فباءوا بالفشل ، وأنهزموا خاسرين .
ولما أعيتهم أساليب القمع والفتك ، لجأوا إلى الاتهام ، وكيل الافك . وتزوير الباطل ، وتحريف الحقيقة ، بهدف تشويه وجه الحق ، وتعكير صفائه ، وإطفاء نوره ، وبهائه .
لكن لم تنطل أكاذيبهم على أهل الحق وطالبيه ، ولم تحجب شبهاتهم ساطع ضوئه ، وصادق برهانه ، فخابوا ، وانقلبوا خاسئين .
ولما يئس الاعداء الحاقدون من المساس باصول الدين واسس عقائده ،
(الصفحة 7)
عمدوا إلى أعمدته وقواعده ، وهم رجاله ومناصروه ، فخاضوا فيهم قتلا وإبادة ، حتى استنفدوا أساليب الغيلة والغدر فاعجزتهم عن إخضاع اولئك الاساطين ، فلجأوا إلى اسلوب بث الدعاية ، وكيل التهم ، لتشويه سمعة أبطال الاسلام وصناديده ، وهدفهم أن يجعلوا الاسلام غريبا لا ناصر له .
فملاوا الدنيا بما لاكته ألسنة السوء من الباطل ، وما لفظته أبواق الزور من البهتان الزائل .
وقد فشلوا أمام وعد الله ببقاء جذوة الحق وقادة ، حيث قال : (يريدون أن يطفئوا نورالله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [ سورة التوبة (9) الآية (32) ] وقال : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [ سورة الحجر (15) الآية (9) ] .
ولما يئسوا من أن يصيبوا الحق وأعلامه بسوء ، انكفأوا على الباطل ، وانضووا إلى المنافقين بتكديس المدائح المفتعلة لهم ، ووضع الفضائل واختلاقها فيهم ، وترويج باطلهم ، وتحسين قبائحهم ، والستر على فضائحهم ، والتطبيل لهم ، والتزمير للغطهم ، سعيا في ضرب الحق ، وإخفاء شعاعه ، وإظهار الباطل ، ودجله ، وخداعه .
أخرج ابن الجوزي ، عن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال . سألت أبي : ما تقول في علي ومعاوية ؟ فأطرق ، تم قال إعلم أن عليا كان كثير الاعداء ، ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا ، فعمدوا إلى رجل حاربه فأطروه ، كيدا منهم لعلي .
فأشار بذلك إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له (1) .
وقال ابن قتيبة : أهملوا من ذكره [ يعني الامام عليا عليه السلام ] أو روى حديثا من فضائله ، حتى تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها ، وعنوا بجمع فضائل
-----------------------------
(1) ذكرابن حجر في فتح الباري 7|83 . وذكره الهيتمي في الصواعق المحرقة : 76 قال . أخرج السلفي في « الطيوريات » .
(الصفحة 8)
عمرو بن العاص ومعاوية ، كأنهم لا يريدونهما بذلك وإنما يريدونه (2) .
وابتلي الحق ـ ثانية ، وهو متمثل في التشيع باولئك الاعداء ، مقنعين باسم السلف والسنة ، حيت تصذوا له بالمنابذة والمعارضة ، فواجهتهم أدلته القاطعة وحججه الصارمه الناصعة .
ولما تعرضوا لائمة الحق من آل محمد ، خلفاء الرسول من عترته الطاهرة ، أعجزتهم قوة اولئك السادة العلماء بالحق ، وصلابة اولئك الاوتاد العرفاء بالله ، وإخلاصهم في التفاني من أجله ، بما لم يثنهم عن ذلك ، حتى الاغتيال والقتل الذريع ، والسجن والهتك الفظيع ، بل ظلوا صامدين ، مصرين على قول الحق وفعل الصدق ، رغم كل أساليب العدوان وأقاويل البهتان التي استعملها الاعداء ضدهم.
ولقد اضطر أعداء الحق للخضوع أمام عظمتهم ، والاعتراف لم بكل كرامة :
يقول ابن حجر الهيتمي ـ وهو يتحدث عن (حديت الثقلين) المحتوي على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن وأهل البيت ـ : « لا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » (3) .
قال : في قوله صلى الله عليه وآله وسلم دليل على أن من تأهل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما على غيره (4) .
ويقول الذهبي ـ في ترجمة الامام الثاني عشر محمد بن الحسن عليه السلام ـ : محمد ، هذا ، هو الذي يزعمون أنه « الخلف الحجة » وأنه « صاحب الزمان » وأنه حي لا يموت حتى يخرج ، فيملا الارض عدلا وقسطا ، كما ملئت ظلما وجورا . [ قال الذهبي : ] فوددنا ذلك ـ والله ـ !
-----------------------------------------------
(2) الاختلاف في اللفظ : 48 .
(3) انظر : مصادر حديث الثقلين ، بألفاظه المختلفة في مقال « أهل البيت في المكتبة العربية » المنشور في مجلة (تراثنا) العدد (15) السنة الرابعة ، 1409|ص 84 .
(4) الصواعق المحرقة لابن حجر : 136 .
(الصفحة 9)
فمولانا علي من الخلفاء الراشدين ! . . . نحبه أشذ الحب !
وابناه الحسن والحسين ، فسبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلا لذلك ! ؟
وزين العابدين كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للامامة !
وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر سيد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة !
وكذا ولده جعفر الصادق كبير الشأن ، من أئمة العلم ، كان أولى بالامر من أبي جعفر المنصور .
وكان ولده موسى كبير القدر ، جيد العلم أولى بالخلافة من هارون . . . (5).
ولئن اضطرهم الامر للاعتراف ـ هكذا ـ بالحق . والحق مر على أذواق غير أهله ، فبدلا من أن يبحثو عن الطرق التي توصلهم إلى هؤلاء الائمة السادة القادة ، قرناء الكتاب ، وامناء الشرع ، فبدلا من ذلك انثالوا على كل ما يمت إليهم بصلة ، فانهمكوا بإنكاره وتكذيبه ، وعلى أصحابهم وأوليائهم فتعقبوهم بالمطاردة والتنكيل والتهديد ، وعلى رواة حديثهم فرموهم بالقدح والتجريح .
فلم يبخلوا ـ لا در درهم ـ بتهمة أن يلصقوها بكبار شيعة أهل البيت ، اولئك الذين وضعوا ثقتهم عند هؤلاء الائمة عليهم السلام ، وانصاعوا للحق المتمثل في آرائهم .
ونظرة عجلى ، في الميزان للذهبي واللسان لابن حجر ، تكشف أبعادا من التجاوز الذي جاء على أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام ، في هذه المجالات !
ولقد استهدفوا من ذلك نفس الهدف الذي كان لاعداء الحق المتمثل في الاسلام ـ أولا ـ وبنفس الاساليب التي انتهجها اولئك ، يحاولون إخلاء ساحة الحق من أنصاره الصادقين ، وتشويه ناصع الحق بإلصاق كل تهمة ، وتلطيخ سمعة أهله بأية صورة ، ظلما ، وعدوانا ، وزورا ، وبهتانا .
------------------------------------
(5) سير أعلام النبلاء 13|119 ـ 121 ، وانظر : كلمه حول الرؤيه ـ شرف الدين ـ : 42 .
(الصفحة 10)
فهذا « هاشم بن الحكم » الذي التزم بهدي أهل البيت عليهم السلام وهو « شاب » (6) « أول ما اختطت لحيته » (7) و« غلام ، أول ما اختط عارضاه » (8) ، فتمسك بالحق الذي هم عليه ، واستضاء بنور علومهم ، وكان من أنصار الاسلام ، وحمل مشعل الحق في ذلك العصر المظلم ، المدلهم ، الموبوء بالتيارات الالحادية ، والآراء المستجدة على ساحة الفكر والعقيدة ، فكان ـ لما يتمتع به من نبوغ فائق ، وعقلية مقتدرة ـ نبراسا منيرا ، يتهافت حواليه شغب المشككين في الاسلام القويم ، وتندحر به شبه المنحرفين عن صراط أهل البيت عليهم السلام المستقيم .
ولعظمة هشام ، وسمؤ مقامه في الحق ، وعمق أتره في دحر الباطل ، وقف أعداء أهل البيت منه موقفا عدائيا صارخا ، وسعوا لتشويه سمعته ، وإبعاده عن الساحة ، وإفقاد جبهة الحق لمثل هذا العنصر النصير ، لما له من دور في الذب عن حياضه ، ورد كيد المبطلين إلى نحورهم ، لما يتمتع به من قوة على المناظرة وتفنيد شبهات المنحرفين ، والاعتراض على باطلهم بما يعجزون عن مقاومته ، ويوقفهم على صراح الحق بحيث يكلون عن تجاوزه وتخطيه .
ولقد أفرطوا في كيل التهم ، بأشكال مختلفة ، وفي مجالات عديدة ، لهذا الرجل العظيم.
وركزوا ـ بالخصوص ـ على اتهامه في « التوحيد » باعتقاد التجسيم للبارئ تعالى شأنه ، فصوروا منه « رأسا » في هذا المعتقد الباطل ، ونسبوا إليه خرافات تأباها عقول المبتدئين في العلم ، فضلا عن مثل هشام الذي « كان حاذقا في صناعة الكلام » و« فتق الكلام في الامامة ، وهذب المذهب بالنظر » (9) و« له غور في الاصول »
-------------------------------
(6) الاحتباج عل اهل اللباج : 367 وانطر : اختيار معرفة الرجال : 271 .
(7) الاحتجاج على أهل اللجاج : 365 .
(8) الفصول المختارة : 28 ، وانطر : معالم العلماء ـ لابن شهرآشوب ـ : 128 .
(9) الفهرست ـ للنديم ـ : 223 .
(الصفحة 11)
و« لا يغفل عن إلزاماته » (10) .
مع ما يظهر على تلك التهم من التناقض الواضح ، والتهافت المفضوح !
ومحور ما نقلوه عنه في هذه التهمة أنه كان يقول : إن البارئ تعالى شأنه « جسم لا كالاجسام » .
ومع أن هذه المقولة لا تدل على ما يرومون إلصاقه بهشام من الاعتقاد بالتجسيم ، فإن أكثرهم اعتمد ما قاله الخصوم في نقلهم عن هشام ، واستند إلى تلك التهم في ترويج الدعايات المضللة ضد هذا العالم العظيم .
والعجب أن نجد في المتطاولين على هشام كثيرا من المنتسبين إلى السلف والمنتمين إلى السنة ، ممن يذهب إلى إثبات الاعضاء للبارئ جل شأنه ، بعنوان أن الاعضاء « صفات خبرية » له تعالى ، مع التزامهم بإمكان رؤيته ، ومع ذلك يلهثون ، ليخدشوا كرامة هشام بهذه التهمة !
ولا يقنع الاعداء باتهام هشام ، حتى اختلقوا مذهبا وهميا باسم « الهشامية » نسبوه إليه ، وذكروا فيه كل خرافة ، وكفر ، وتناقض ، وباطل !
والاغرب أن تعويلهم في جميع ما تناقلوه ، على ما ذكره خصوم هشام فيه ، وكل واحد منهم يقصع بجرة سابقه ، حتى تكاثروا ، وألهاهم التكاثر عن رؤية الحق ودرك الحقيقة (11) .
ورأيت بعض الكتاب من المعاصرين قد استسلم لتلك الشائعات ، منصاعا لما استهدفته تلك التهم من الاغراض الفاسدة ، فنقل ما لفقه اولئك السابقون من الاكاذيب ، وعنون لفرقة باسم « الهشامية » في فرق الشيعة .
------------------------------------
(10) الملل والنحل ـ للشهرستانى|185 .
(11) إقرأ عن هذا التكاثر ، ما كتبه ألاستاذ القدير المحامى توفيق الفكيكي رحمه الله في مقال « مع الدكتور كمال . . . »
في مجله « الايمان » النجفيه ، العدد 5 ـ 6 ، السنه الاولى ، ص 8 ـ 399 .
وفي العزم أن نكتب عما جناه مؤلفو كتب المقالات والفرق في شأن هشام ، وتفنيد مزاعمهم المفتراة عليه ، وفقنا الله لانجازه ، إنه هو الموفق للخير والمعين عليه .
(الصفحة 12)
غافلا عن أن مصادرنا ـ على الاطلاق ـ خالية عن ذكر فرقة بهذا الاسم ! والخصوم والاعداء ـ على رغم تكاثرهم ـ لم يعتمدوا فيما نسبوه إلى هشام من آراء وعقائد ، وأفكار ، وأدلة ، وشواهد ، وحجج ، على مصدر شيعي أبدا ، ولو على واحد !
ولقد حز في نفسي كل هذا الحيف ! فصممت على كتابة هذا البحث ، لعلي اسهم به في إسفار الحقيقة عن وجهها ، أو أنفض عنه غبار الزمان ، وعجاج العدوان .
والله المستعان .
وكتب
السيد محمد رضا الحسيني
الجلالي
في 20|جمادى الثانية|1410 هـ
(الصفحة 13)