
المُلخَّص
اقترنت عمليّة البحث عن العلّامة الناقد في دوائر البحث العالميّة بكتاب الاستشراق ومؤلّفه إدوارد سعيد، فما ذكر أحدهما إلّا وارتبط بالآخر، فبعد مرور عقود على صدور الكتاب إلّا أنّه بقي محتفظًا بأهمّيّته، ومصدرًا لمعرفة تأسيسيّة لظاهرة الاستشراق في أسبابها وتحوّلاتها، وتجلّياتها، ووظيفتها الثقافيّة والسياسيّة، وفي تحديد هوية الغرب، وتبرير موقفه من الشرق. ونحن هنا سوف نقوم بتسليط الضوء على ما قام به إدوارد من نقد علميّ للاستشراق وكلّ ما يرتبط به، وفق رؤية معاصرة جديدة يتخلّلها عدد من الأفكار التي طرحها إدوارد وتحليلنا لها من منظار العقل لا الدافع الدينيّ..
الكلمات المفتاحيّة: الاستشراق المعاصر، إدوارد سعيد.
اختلف الحديث عن إشكاليّة الاستشراق وتتباين التصوّرات في معالجة مفاهيمه من باحث إلى آخر، خصوصًا عندما لم تتحدّد هوية البحث ومنهجهِ العلميّ في إيضاح أهداف العمل الاستشراقيّ ومضامينهِ المعرفيّة التي تأخذ مسالك متعدّدة تستدعي التأمل والتقصّي وسبر الأغراض المبيّتة وكشف الأبعاد التاريخيّة وتصويب السقطات الثقافية، إنّ هذه الدراسة تتوخّى أن تكشف الغطاء عن نشاط الاستشراق الواسع الذي امتدّ لقرون، وأثر في الحياة العربيّة، وكَوّن ثقافتها المعاصرة، وأصبح من الصعوبة معرفة حقائق الأمور وخصائصها الذاتيّة والفصل بين مدخلاتها التي أخلّت بالوقائع التاريخيّة وأضرّت بالمعرفة الثقافيّة، فالهدف الأساسيّ من هذه النقطة هو قراءة منظومة الاستشراق من منظور عربي معاصر متحرّر من قيود الماضي وانطباعاته التسليميّة ومتحرّز من الاندفاع في قراءات خاطئة غير متعمّقة في جوهر الموضوع، ففي فترة التحرّر من الاستعمار التي تلت الحرب العالميّة الثانية أصبح الردّ العربيّ على الاستشراق واسع الانتشار، خاصّة وإنّ الاستشراق يعدّ رُكنًا من أركان الهيمنة الفكريّة التي مارستها القوى الأوروبيّة.
فإذا كانت القضايا التي أثارها الاستشراق تعدّ أخطر هجوم قام بهِ أصحابهِ على العرب ورموزهم ودينهم ولغتهم وفكرهم وثقافتهم وأدبهم، فإنّ ردّ الفعل الذي قام بهِ العرب يعدّ بحقّ أروع دفاع عمّا هو عربيّ إسلاميّ، حتّى ليستطيع القارئ أن يعتبر ما أنتجوه خلال مواجهتهم لهذا الهجوم أروع ما في أدبهم المعاصر من فكر وفلسفة وعمق وثقافة ومنطق[2]. وفي هذا المجال برز عدد من الكتابات العربيّة التي كان لها دور كبير في الدفاع عن الفكر الإسلاميّ وعقيدته من خلال الردّ على كتابات المستشرقين وأعمالهم التي تفتقد إلى الدليل العقليّ لإثبات صحّة ما ذكر في منهجهم من نصوص متعلّقة بالإسلام حضارةً وعقيدة وفقًا لِما ذكره فارس الشدياق في «ذيل الفارياق» من كتابهِ الساق على الساق» بقوله:
«إنّ هؤلاء (المستشرقين) لم يأخذوا العلم عن شيوخه، وإنّما تطفّلوا عليهِ تطفّلًا، وتوثّبوا فيه توثّبًا، ومن تخرّج فيه بشيء فإنّما تخرّج على القسس، ثمّ أدخل رأسه في أضغاث أحلام.. وتوهّم أنّهُ يعرف شيئًا وهو يجهله، وكلّ منهم إذا درس في إحدى لغات الشرق أو ترجم شيئًا منها تراهُ يخبط فيها خبط عشواء، فما اشتبه عليهِ منها رقعهُ من عنده بما شاء، وما كان بين الشبهة واليقين حَدس فيه وخمن، فرجع منهُ المرجوع وفضّل المفضول»[3].
نماذج من النخب المثقّفة التي بنى عليها إدوارد عمله في نقد الاستشراق
قبل البدأ في الحديث عن إدوارد سعيد ودوره في المجتمعات الإسلاميّة من حيث دراسته الاستشراقيّة الناقدة لا بد أن نعرج على بعض النماذج من النخب المثقّفة التي كان لها دور قبل إدوارد في الدفاع عن الفكر الإسلاميّ وعقيدته، فبعد أن بدا للمسلمين أنّ حصونهم مهدّدة من الداخل، خصّصوا جُهدًا كبيرًا من نتاجهم للردّ على المستشرقين وتلامذتهم وأَلّفوا في ذلك كتب مطوّلة ومقالات كثيرة كما تمكّنوا من إجراء مناقشات علميّة، انبرت لكشف الثغرات المنهجيّة للدراسات الاستشراقيّة، ولم تقف المسألة عند هذا الحدّ، فالانتقادات الإسلاميّة ذهبت إلى أبعد من ذلك، فدخلت في جدل فيما يخصّ بعض الأفكار العامّة للمستشرقين وتحديد مواقفهم تجاه الإسلام وتقويم الأحكام التي مرروها عليهِ، وذهب بعض إلى حدّ إنكار الصحّة العلميّة جزئيًّا هلى الأقلّ لأعمال كلّ المستشرقين، مستخدمين بذلك حججًا دامغة لا يمكن إثباتها ولا دحضها، ولا بدّ أن ينظر إليها بصفتها جزءًا من احتجاج أوسع ضدّ الهيمنة الغربيّة.
نتيجة لذلك تعرّض الاستشراق لحملات نقدية واسعة كما في المخطط رقم (1) في النصف الثاني من القرن العشرين، فتولّى النقد تجاه الدراسة الغربيّة والنقد التاريخيّ لأدب الحديث النبويّ كلّ من (مصطفى السباعي ومحمّد الغزالي في هجومهما على مؤلف إجناتس جولد تسيهر - العقيدة والشريعة في الإسلام)، أمّا الاتهامات القائلة أنّ المستشرقين عمومًا وبعضهم على وجه الخصوص متورطون في هجوم أوسع على الإسلام والمجتمعات الإسلاميّة بالتحالف مع الاستعماريّين والمبشّرين المسيحيّين والصهاينة من يهود وغير يهود فقد بدأ هذه الهجمات في العالم العربيّ كلّ من: محمّد البهي في كتابه «الفكر الإسلاميّ الحديث وصلته بالاستعمار الغربيّ»، وملحقه «المستشرقون والمبشّرون ومناهضة الإسلام» في الخمسينات من القرن الماضي، وعمر فروخ في كتابه «التبشير والاستعمار في البلاد الإسلاميّة»، ومالك بن نبي في كتابه «إنتاج المستشرقون وآثره في الفكر الإسلاميّ الحديث» ومنذ عام 1960م فصاعدًا أصبح الجدل حولهُ ذا طبيعة إيديولوجيّة واضحة[4].
تابع بعد ذلك الناقد العربيّ أنور عبد الملك[5] عام 1963م في مقالة شهيرة نشرت في مجلّة «ديوجين» بعنوان «الاستشراق في أزمة»[6] crisis in orientalism، وفيها ناقش عبد الملك أنّ الانتصارات التي قامت بها حركات التحرّر الوطنيّة المتنوّعة بعد الحرب العالميّة الثانية أنتجت أزمة في لُبّ الاستشراق الذي لوّثتهُ كثيرًا المركزيّة الأوروبيّة؛ ولهذا كان الاستشراق بحاجة إلى مراجعة جذريّة للعديد من الموضوعات السابقة للدراسة والبحث[7].
رأى عبد الملك أنّ الغايات الأساسيّة للمستشرقين هي الاطلاع على الأرض التي يرغبون في احتلالها والتغلغل في وعي الشعوب للتأكيد من ضمان إخضاعها للقوّة الأوروبيّة، بالإضافة إلى ذلك يميّز عبد الملك بين «الاستشراق التقليديّ» الذي يتكوّن من مزيج من (الأكاديميّين ورجال الأعمال والعسكريّين والموظّفين الاستعماريّين ورجال الدعاية والمغامرين) - «والاستشراق الجديد» (الذي وهب طبيعة خضوع (تاريخيّة)، وهي فوق كلّ شيء غير فاعلة، غير مستقلّة، ولا تمتلك أيّ سيادة على نفسها)، فكلا المجموعتين تعامل الشرق والشرقيّين كموضوع للدراسة، حيث يندرج هؤلاء الشرقيّون في خانة الآخر، وقد عدّ هذا الموضوع سلبيًّا غير مشارك، كما ناقش عبد الملك عدد من آليّات ووسائل البحث التي جمعت مصادر البحث الرئيسيّة، بل صودرت أو على الأقلّ قد أخذت من الشرق وروكمت في المراكز الأوروبيّة العظيمة[8]
وفي المكتبات والمتاحف الأوروبيّة، مثل المتحف البريطانيّ (لندن)، ومتحف غيمية (باريس)، مجموعات عظيمة من المخطوطات الشرقيّة ومواد أخرى تتعلّق بالشرق، وبقي العديد من هذه المجموعات ممنوعة على العلماء، خصوصًا أولئك الآتين من الشرق[9].
أُجْبِرَ الباحثون المحلّيّون على دراسة تاريخهم الوطنيّ والثقافيّ باستخدام مصادر ثانويّة غير مباشرة، إذ إنّ المصادر الثانويّة التي اعتمد عليها المستشرقون اعتمادًا أساسيًّا، والتي تتكوّن من تقارير المسؤولين الاستعماريّين والبعثات التبشيريّة، وكذلك كتابات وتقارير لجان إدارة المجتمعات وكتب الرحلات، هي بصورة عميقة ملوّثة بالعرقيّة والعنصريّة في كلّ أشكالها ونسخها، بل إنّ أقلّها ذو نزعة أبويّة، وهو متأصّل تمامًا في الرغبة على الوقوع على العجب والغريب في الشرق لا تستطيع مثل هذه المصادر ولا توفّر كما يؤكّد عبد الملك بحثًا موضوعيًّا يتمتّع بالأصالة[10]، ودعا عبد الملك الاستشراق إلى دراسة الماضي والحاضر معًا، وأن يعتمد في دراسته هذه على ما هو موجود لدى الغرب من أدوات ووسائل ومؤلّفات عن العالم العربيّ الإسلاميّ، وعلى ما هو موجود لدى الشرق من علمائه ومؤسّساته وباحثيه؛ لكي يصل إلى نتيجة ذات قيمة علميّة، وإلّا فليس في وسعه أن يعمل شيئًا كثيرًا على الإطلاق[11].
خَتم عبد الملك مقالته بعدد من التوصيات حول أعداد الباحثين الغربيّين في الدراسات الاستشراقيّة من حيث معرفة اللغة والتمكّن من المعارف المختلفة الخاصّة بالعالم العربيّ الإسلاميّ وكان ممّا قاله: (لقد حان الوقت لاعتماد توجّه جديد بالضرورة، ويرى المرء من الناحية الموضوعيّة أنّ مختلف قطاعات الاستشراق المعاصر في السنوات الأخيرة قد بدأت تعي هذه الضرورة)[12].
بعدها نَشر عبد الملك بحثًا آخر بعنوان «هل مات الاستشراق» في السنة 1974م، وكذلك عبد الله العروي نشر بحثًا آخر بعنوان «الإيديولوجيّة العربيّة المعاصرة» في عام 1967م، قبل أن ينشر إدوارد سعيد[13]
كتابه الاستشراق، لكن نقد الاستشراق كان مقتصرًا في الدوائر البحثيّة المتخصّصة مثل الدراسات الإسلاميّة واللغويّات والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والتاريخ وفلسفة التاريخ[14].
دراسة إدوارد سعيد
ومن ثمّ جاءت دراسة إدوارد سعيد الشهيرة «الاستشراق» في العام 1978م لتشنّ حملة قاسية على الاستشراق باعتبارهِ مؤسّسة استعماريّة، وعرّفهُ بأنّه «المؤسّسة الجماعيّة للتعامل مع الشرق - التعامل معه بإصدار تقريرات حولهُ وإيجاز الآراء فيهِ، وإقرارها واعتماد آراء معيّنة عنه، ووصفه وتدريسه وتسوية الأوضاع فيهِ، -والسيطرة عليهِ، وباختصار الاستشراق- أسلوبًا غربيًّا للهيمنة على الشرق وإعادة بنائه والتسلّط عليه»[15].
إدوارد سعيد وآرائه في دراسة الاستشراق ونقده
بَنى ادوارد عملَهُ على الدراسات السابقة لعبد الملك وعبد الله العروي وأعمال نُقّاد آخرين للاستشراق، يبدو كتاب الاستشراق في الحقيقة وكأنّه ظهر فجأة جاهزًا كاملًا من لا مكان، وبدأ يشكّل الجدل والنقاش حول الموضوع بصورة مهيمنة وبصرف النظر عن النقاش الذي آثارته ترجمة كتابه «الاستشراق»[16]. يبقى من الضروريّ الوقوف على جوهر أطروحتهِ التي أسّسها على منهج الفيلسوف الفرنسيّ «ميشيل فوكو Michel Foucault» (1984-1926)[17] في دراسة التشكيلات الخطابيّة فقام بدراسة الاستشراق بوصفه معرفة اتحدت بالسلطة لتقوم بتوليد إنشاء معين، بحيث إنّهُ يرى مصطلح الاستشراق فعلًا إبيستملوجيًّا «نظريّة المعرفة» ظلّ غائمًا ونسبيًّا لكونهِ يتضمّن موقفًا تنفيذيًّا للاستعمار الأوروبيّ في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فالاستشراق على حدّ قولهِ هو «الفرع المنظم تنظيمًا عالميًّا الذي استطاعت الثقافة الغربيّة عن طريقه أن تتدبّر الشرق - بل حتى أن تنتجه سياسيًّا واجتماعيًّا وعقائديًّا وعلميًّا في مرحلة ما بعد عصر التنوير»[18] وحتى وإن لم يعد كما كان فإنّه ظلّ حاضرًا في الجامعات والأكاديميّات الغربيّة كخزان للذهنيّات وللأطروحات المذهبيّة عن الشرق والشرقيّ.
ينقسم تحليل سعيد للاستشراق الإنجليزيّ والفرنسي والأمريكيّ إلى ثلاثة أجزاء: مسح للتاريخ المبكر للاستشراق بعنوان «مجال الاستشراق»، ووصف للأسلوب الذي تطوّر فيه الاستشراق فيما بعد بعنوان «البنى الاستشراقيّة وإعادة البنى»، ووصف للاستشراق المعاصر بعنوان «الاستشراق الآن»، وفي الجزء الأوّل «مجال الاستشراق» يقدّم سعيد قضيّته الأساسية، وهي أنّ الاستشراق لا يقتصر على كونه مجرّد موضوع أكاديميّ، بل هو حقل للدراسات أيضًا يشمل تقريبًا كلّ الثقافة الأوروبيّة، وهو أرشيف بني وأنشئ داخليًّا ليشكّل الفكر والرأي الأوروبيّين، وفي فصل «البنى الاستشراقيّة وإعادة البنى »يحدّد سعيد أربعة عناصر ساعدت في إقامة أُسس الاستشراق المعاصر: توسّع الاستكشافات العابرة للبحار، وتطوّر الدراسات المقارنة، خصوصًا في التاريخ والفلسفة والدين، وتطوّر الأفكار التاريخيّة التي وصفت الثقافات بأنّها عضويّة تستمدّ الإلهام من روح معيّنة، وفي فصل «الاستشراق الآن» يلخّص سعيد تفسيره للاستشراق من حيث كونهِ مذهبًا إيجابيًّا عن الشرق وتراثًا أكاديميًّا مؤثرًا، والخلاصة أنّ الاستشراق هو بالأساس مذهب سياسيّ يتمتّع فيه الغرب بالوصاية على الشرق ويتجاهل اختلاف الشرق بسبب ضعفه.
منهجيّة إدوارد سعيد
يذكر سعيد أنّهُ راعى في بحثه حول الاستشراق عدّة نقاط من أهمّها:
1- أن الاستشراق ليس مجرّد موضوع أو ميدان سياسيّ ينعكس بصورة سلبيّة في الثقافة والبحث والمؤسّسات، كما أنّهُ ليس مجموعة كبيرة ومنتشرة من النصوص حول الشرق، بل إنّهُ توزيع للوعي الجغرافيّ-السياسيّ إلى نصوص بحثيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وتاريخيّة وفقه لغويّة، وهو أحكام لا لتمييز جغرافيّ أساسيّ وحسب، فالعالم يتألّف من نصفين غير متساويين الشرق والغرب، بل كذلك لسلسة كاملة من المصالح التي لا يقوم الاستشراق بخلقها، فقط بل المحافظة عليها أيضًا بوسائل كالاكتشاف واستنباء فقه اللغة والتحليل النفسيّ والوصف الطبيعيّ والاجتماعيّ[19].
2- من حيث المسألة المنهجيّة، يرى إدوارد أنّ لتاريخ الاستشراق اتّساقًا داخليًّا وطقمًا من العلاقات على درجة عالية من الفصاحة والوضوح مع الثقافة المسيطرة المحيطة بهِ، فقد كان ثمّة شرق لغويّ وشرق فرويديّ وشرق اشبنجلريّ وشرق داروينيّ .. إلخ، لكن لم يكن أبدًا ما هو شرق صاف غير مشروط، ولم يكن أبدًا شكلًا من أشكال الاستشراق اللامادّيّ؛ ولذلك فإنّني «إدوارد» أنطلق لكي أمتحن.. لا أعمال بحثيّة فقط، بل كذلك أعمال أدبيّة ومقالات سياسيّة ونصوص صحفيّة وكتب رحلات ودراسات دينيّة وفقه لغويّة[20].
تناول إدوارد في تعقيباته على كتابه الاستشراق بعض الانتقادات التي وُجّهت إليهِ وأهمّها هو استثنائه للاستشراق الألمانيّ، مُعلّلًا ذلك بقوله: (لم يُقدّم لي سبب واحد يجعلني أدرج ذلك الاستشراق، بدت لي بصراحة سطحيّة وما من داع للتعامل معها أصلًا) كما يستغرب لانتقادات دنيس بورتر له والقائلة بأنّه لا تاريخيّ وغير منسجم، كانت ستكتسب أهمّيّة كبيرة لو أنّ فضائل الانسجام مهما كان المقصود بالتعبير خضعت لتحليل صارم أمّا فيما يتعلّق بلا تاريخيّ، فهذه بدورها همّة أكثر ثقلًا في التشديد وليس البرهان[21].
سمات الجدل الجديد حول استشراق إدوارد سعيد
بدا كتاب سعيد جدلًا جديدًا ركّز على شيء يسمّى «الشرق»، فما هو ذلك الجدل الذي احتواه كتاب «الاستشراق»؟
استند الجدل الجديد إلى ثلاث سمات مبتكرة تخصّ الاستشراق كما في المخطط رقم (2)، أولى هذه السمات أنّ سعيد أضاف بالمعيار البحثيّ، ومن حيث التحليل التاريخيّ، بُعدًا جديدًا للنقد الأدبيّ، فبالنسبة إلى مستعربين مثل أوكلي، وغيب، وإداريّين استعماريّين مثل كرومر، وكيرزون ورحّالة مثل بيرتون، ودوتي ومؤرّخين مثل موير وفرنسيّين مثل فولني، وشاتوبريان... أضاف سعيد فئة جديدة، أي القيم التي أدّت إلى صعود الامبراطوريّة وعمليّة الاستغلال الإمبرياليّ، كما ويجادل سعيد من أنّها شكّلت لا الأطر الفعليّة لروايات كتاب مثل كبلنغ، وفوستر، وكونراد، بل كذلك لروايات كتاب نادرًا ما تمّ نسبهم إلى الإمبرياليّة مثل أوستن، وديكنز، وهاردي، وهنري جيمس، وفي الحقيقة، وكما يدعي سعيد فما كان للرواية الأوروبيّة أن توجد من دون الامبرياليّة، أمّا السمة الثانية، فهي أنّ لإدوارد كان قادرًا على جمع خيوط النقد جميعها في إطار واحد متداخل الاختصاصات، وأخيرًا السمة الثالثة وهي أنّه استخدم لغة مقترضة من نظريّة فوكو في الخطاب، وكذلك النقد الأدبيّ، لذلك كان قادرًا على وضع خيوط نقد الاستشراق المعاد تجميعها في موضع استراتيجيّ جديد مثل هذا الموضع، وتمثيل سعيد للاستشراق بوصفه «أكبر السرديّات جميعها»، ولكونهِ خطابًا شاملًا مثّل الشرق واحتواه في الوقت نفسه مفتاح نجاح الاستشراق، وبالطبع فإنّ موقع سعيد في المؤسّسة الأكاديميّة الغربيّة المركزيّة ونوع النقد الأدبّي الرائج الذي يمثّل موضة كان شديد الأهميّة في هذا النجاح.
أصبح عمل إدوارد سعيد «الاستشراق» من أكثر الكتب مبيعًا، وقد اقتُبس منه بلا حدود وانتقل ليصبح في قمة الكتب حول دراسات الشرق الأوسط، واللافت للنظر كان تصديق الكونغرس الأمريكي بالإجماع على مشروع قانون يطلب من مراكز الدراسات الدوليّة الجامعيّة إظهار مزيد من الدعم للسياسة الخارجيّة الأمريكيّة، جاء التصديق على القانون أثر جلسات عقدت صيف 2003 استمع فيها أعضاء الكونغرس إلى إفادات عن التأثير السلبيّ لإدوارد سعيد في مراكز الدراسات الشرق أوسطيّة والتي وصفت بأنها جيوب تضمر المعاداة للأمركة، وبهذا فقد أدّى «الاستشراق» إلى فتح المجال أمام دراسات الجندر وما بعد الاستعماريّة والدراسات الثقافيّة والأدبيّة، فبعد مرور 38 عامًا على «الاستشراق» ما زال أحد أهمّ وأشهر الكتب التي أثارت سجالًا عالميًّا، ويمكن القول بكلمات أستاذ علم الاجتماع البريطانيّ «دينيس سميث» إنّه «غيّر الوجه العلميّ حول العرب، والعالم الإسلاميّ والعالم الثالث إجمالًا».
كما اعترف بذلك شخصيًّا غوردون برويت: «نحن كإنسانيّين مدينون لإدوارد سعيد وطريقة تصويره للاستشراق» ثمّ يردف قائلًا:
«هل بفضل نقده أصبحت لدينا فرصة جادّة لتبنّي وجهة نظر بديلة يمكن أن ندعوها بالمضادة للاستشراق أو بلااستشراقيّة، بل أكثر من ذلك، فإنّه توجد فرصة ضمنيّة وصريحة في وجهة النظر هذه من أجل تفكيك البنية الاستشراقيّة وتشكيل مؤسّسة دينيّة وثقافيّة من أجل العلاقات الحاضرة والمقبلة مع المسلمين»[22].
أبرز نتاجات إدوارد سعيد النقديّة حول الاستشراق
يعدّ إدوارد سعيد واحدًا من المفكّرين الأكثر شهرة، الذين أثير حولهم الجدل في العالم اليوم، فهو من النوع النادر من النقاد الأكاديميّين، الذين هم في الوقت نفسه، مفكّرون اجتماعیّون فاعلون، وهذا ما أشار إليه الناقد الإنجليزيّ تيري ليجلتون Terry Eagleton، وهو تفرّد صوت سعيد النقديّ واستقلاله الفكريّ. وربما كان سعيد عصيًّا على التصنيف، لأنّه لا ينخرط في مدرسة نقديّة معيّنة، بل له تصوّره الخاصّ، فموقفه من النقد هو أنّه لا يمكن أن يتوقّف عند إنجازات اتجاه ما، أو يندرج تحت مدرسة ما، وإنّما يجب أن يكون النقد ناقدًا لنفسه، معرّفًا بنواقصه وما يسعى إليه هو خلق وعي نقديّ أو ملكة نقديّة، وعنده أنَّ النقد اكتشاف مستمرّ لأوجه المحدوديّة وتقويمها[23]، فما بين كتابه الأوّل، الذي تناول أدب جوزيف كونراد وتخيّلات السيرة الذاتيّة عام 1966م، وكتابه الأخير «خارج المكان، الذي يمثّل سيرته الذاتيّة، وكتابه الأشهر الاستشراق»، جاء مشروع إدوارد سعيد الفكريّ الذي يؤكّد باستمرار على عدم وجود معرفة إنسانيّة محايدة، فخلف كلّ معرفة تدّعي العلميّة الموضوعيّة ثمّة سلطة ما تريد الهيمنة والاستعباد والتنميط للآخرين. وفي هذا السياق جاء كتابه الاستشراق، محاولةً جادّة لتصفّح ممارسات المعرفة القريبة، خلال العقدين الثامن عشر والتاسع عشر الأوروبيّين، ولم يتوقّف.
لا يسعنا المجال هنا للإطالة في الموضوع بجميع مجرياته وأخذ كلّ كتاب وتحليل محتواه، لكن سنسلّط الضوء على أبرز تلك الكتب حسب تاريخ صدورها كما يلي..
ـ الاستشراق، 1978م.
ـ تغطية الإسلام، 1981م.
ـ الثقافة والإمبرياليّة، 1992م.
ـ تعقيبات على الاستشراق، 1997م.
ـ الاستشراق وما بعده إدوارد سعيد من منظور النقد الماركسيّ (مع إعجاز أحمد)، 2004م.
ـ الإسلام والغرب، 2014م.
استنتاج
من خلال دراستنا تلك اتّضح لنا أنّ المفكّرين المسلمين الذين درسوا في الغرب بصورة عامّة يعبّرون عن انتقادهم للمستشرقين على ثلاث مستويات:
1- إنّ المستوى المتكرّر الوحيد الموجّه للمستشرقين هو افتقارهم للوسائل العلميّة الضروريّة للحصول على معرفة كافية أو صحيحة عن المجتمعات الإسلاميّة والإسلام مثل الكفاءة في العلوم الاجتماعيّة، وإنّ النصوص التي قرأوها لم تمكّنهم من التوصّل إلى استنتاجات صحيحة بشأن المجتمعات والثقافات الإسلاميّة.
2- أمّا المستوى الثاني من النقد الموجّه لهم، فهو أنّ تعاطفهم معدوم أو كراهيّتهم مبطنة، بل وحتى صريحة تجاه الإسلام والمجتمعات الإسلاميّة، ويمكن القول إنّ المستشرقين يفتقرون إلى التواضع ـ إن صحّ التعبيرـ وليست لديهم قدرة أو رغبة كبيرة للفهم على نحو صحيح.
3- والنقد الثالث الموجّه ضدّهم هو افتقارهم للاهتمام، فضلًا عن التعهّد بأي تحسّن حقيقيّ في وضع الشعوب أو أيّ تطوير حقيقيّ للمجتمعات التي يقومون بدراستها.
وبحسب رأينا الشخصيّ من خلال رؤيتنا لموقف النخب المثقّفة ودورها الدفاعيّ عن الإسلام وفكره وعقيدته، يبدو لنا أنّ ما يعترض عليه النقّاد المسلمون فوق ذلك كلّه هو ذلك الموقف غير الإنسانيّ وغير التواصليّ إلى حدّ ما الذي نجده في الغرب وبين المستشرقين، ففي الوقت الذي يزعمون فيه امتلاكهم معرفة صحيحة، فإنّ أبحاثهم تستخدم من جانب الوكالات السياسيّة والإيديولوجيّة، وتؤدّي إلى إذلال إنسانيّة المسلمين وتحطّ من شأن دينهم وهو أسمى القيم عندهم.
لائحة المصادر والمراجع
العربية
عبد الفتّاح نعوم، الاستشراق وثنائيّة القوّة والضعف، »دراسات استشراقيّة» (مجلّة)، العدد 6، 2016.
فارس بن يوسف الشدياق، الساق على الساق في ما هو الفارياق، (باريس، د.مط، 1855).
فريال غزول جبّوري وآخرون الفلسطينيّون والأدب المقارن؛ الهيئة العامّة القصور الثقافة القاهرة، أبريل/ نيسان، ٢٠٠٠.
مجموعة مؤلفين، الموسوعة العربيّة، (دمشق، د.مط، 1998).
هيثم مزاحم، الاستشراق بين النقد والمراجعة التصحيحيّة، مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، 15-يونيو-2014.
الأجنبية والمترجمة
أحمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق، ترجمة: مصطفى محمود، القاهرة، دار الفكر العربي، 1998.
إدوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة: محمد عناني، القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، 2008.
إدوارد سعيد، تعقيبات على الاستشراق، ترجمة: صبحي الحديدي، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 1996.
أنور عبد الملك، الاستشراق في أزمة، ترجمة: حسن قبيسي، الفكر العربيّ (مجلّة)، العدد 32، بيروت، يونيو، 1983.
أليكسندر ماكفي، الهجوم على الاستشراق، ترجمة: بشار بكو، التفاهم (مجلّة)، العدد 43، 2014.
جان دي جاك واردنبرغ، المستشرقون، ترجمة: أنيس عبد الخالق محمود، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 2014.
ضياء الدين ساردار، الاستشراق ـ صورة الشرق في الآداب والمعارف الغربيّة، ترجمة: فخري صالح، (أبو ظبي، أبو ظبي للساحة والثقافة، 2012).
محمّد أركون وآخرون، الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، ترجمة: هاشم صالح، (بيروت، دار الساقي، 1994).
Didier Eribon, Michel Foucault, (Spain: Barcelona, 1992).
[1][*]- استشراق معاصر، سيرة نبوية وفلسفة أديان، جامعة الكوفة، العراق.
[2]- أحمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق، ترجمة: مصطفى محمود، القاهرة، دار الفكر العربيّ، 1998، ص684.
[3]-فارس بن يوسف الشدياق، الساق على الساق في ما هو الفارياق، باريس، د. مط، 1855، ص2.
[4]- جان دي جاك واردنبرغ، المستشرقون، ترجمة: أنيس عبد الخالق محمود، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 2014، ص61-62.
[5]- أنور عبد الملك: ولد في القاهرة عام 1923م، درس علم الاجتماع والفلسفة وأنهى دراسته في الكلّيّة اليسوعيّة الفرنسيّة (القاهرة) والسوربون (فرنسا) ودرس الفلسفة لعدّة سنوات في مدرسة الحرّيّة (القاهرة) وأصبح عبد الملك بعد هذه السنوات كاتبًا وصحفيًّا له مكانته. وبسبب ميوله اليساريّة لم يكن على وفاق مع الحكومة المصريّة، فقرر الانتقال إلى باريس، حيث عمل في المركز القوميّ للبحث العلميّ. وتوفّي عام 2012. لمزيد من التفاصيل ينظر: مجموعة مؤلّفين، الموسوعة العربيّة، دمشق، د.مط، 1998، م2، ص246.
[6]- أنور عبد الملك، الاستشراق في أزمة، ترجمة: حسن قبيسي، الفكر العربيّ (مجلّة)، العدد 32، بيروت، يونيو، 1983.
[7]- أنور بعد الملك، الاستشراق في أزمة، ص70-71؛ أليكسندر ماكفي، الهجوم على الاستشراق، ترجمة: بشار بكو، التفاه (مجلّة)، العدد 43، 2014، ص3.
[8]- أنور بعد الملك، الاستشراق في أزمة، ص71-85؛ ضياء الدين ساردار، الاستشراق- صورة الشرق في الآداب والمعارف الغربيّة، ترجمة: فخري صالح، أبو ظبي، أبو ظبي للسياحة والثقافة، 2012، ص111، 113.
[9]- اليكسندر ماكفي، الهجوم على الاستشراق، ص5.
[10]- ضياء الدين ساردار، الاستشراق، ص113.
[11]- أنور عبد الملك، الاستشراق في أزمة، ص81-82؛ أحمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق، ص706.
[12]- أنور عبد الملك، الاستشراق في أزمة، ص91.
[13]- إدوارد سعيد: مفكّر وناقد أدبيّ أمريكيّ من أصل فلسطينيّ بروتستانتيّ، ولد عام 1935م بالقدس، وتوفي 2003 نشأ وترعرع في فلسطين ومصر وأمريكا، درس في برينستون وهارفرد وبعد حصوله على الدكتوراه من هارفرد 1964م، وجائزة أفضل ناقد في ذات العام انتقل إلى نيويورك، حيث درس الأدب الإنكليزيّ والمقارن في جامعة كولومبيا، وفي أواخر الستينات عمل سعيد بالنشاطات الطلّابيّة المناهضة للحرب على فيتنام، وفي السبعينات بحركة التحرير الفلسطينيّة وفي عام 1977م أصبح عضوًا في المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، نشر عددًا من الكتب قبل كتابه الاستشراق منها (جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتيّة -joseph Conrad and the fiction autobiography) نشر هارفرد 1966، (والبدايات: القصد والمنهج beginning intention and method) نشر بيسك بوكس 1975م، بدأ اهتمامه بالموضوعات التي احتواها كتابه الاستشراق منذ أن شرع يتأمّل تجاور اسمين عربيّ وإنكليزيّ ضمن اسمه زيادة على أنّه أتقن اللغتين معًا في وقت متقارب. لمزيد من التفاصيل ينظر: عبد الفتاح نعوم، الاستشراق وثنائيّة القوّة والضعف، "دراسات استشراقيّة" (مجلّة)، العدد 6، 2016، ص192.
[14]- ضياء الدين ساردار، الاستشراق، ص121.
[15]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة: محمد عناني، )القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، 2008)، ص45-46.
[16]- صدرت الطبعة البريطانيّة المستقلّة عام 1979م في أمريكا وإنكلترا، ومع صدور الطبعة الفرنسيّة عام 1980، ثمّ توالت سلسلة من الترجمات، حيث ترجم إلى اللغات (اليابانيّة والألمانيّة والبرتغاليّة والإيطاليّة والبولنديّة والإسبانيّة والكاتالانيّة والتركيّة والسويديّة)، حيث تصدّرت الترجمة لائحة الكتب الأكثر مبيعًا عام 1993م، وأخيرًا اللغة الصربو-كرواتيا، وتوجد طبعات عديدة بـ(اليونانيّة والروسيّة والنرويجيّة والصينيّة)، ثمّ ترجم إلى العربيّة عام 1995. لمزيد من التفاصيل ينظر: إدوارد سعيد، تعقيبات على الاستشراق، ترجمة: صبحي الحديدي، (بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 1996)، ص99-100.
[17]- ميشيل فوكو: مفكّر فرنسيّ، يعتبر من أهمّ فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، ولد في غرب وسط فرنسا ببلدة poitiers”»، درس في كلّيّة الآداب في كليرمون فران قبل أن يشغل كرسي تاريخ مذاهب الفكر في الكوليج دي فرانس بباريس، من مؤلَّفاته: تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكيّ 1961، أركيولوجيا المعرفة 1969، إرادة المعرفة 1976. لمزيد من التفاصيل ينظر:
Didier Eribon, Michel Foucault, (Spain: Barcelona, 1992), p11-15.
[18]- هيثم مزاحم، الاستشراق بين النقد والمراجعة التصحيحيّة، مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، 15/ يونيو/ 2014، ص2-3.
[19]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص58-59.
[20]- إدوارد سعيد، الاستشراق، ص72-73.
[21]- إدوارد سعيد، تعقيبات على الاستشراق، ص34.
[22]- محمّد أركون وآخرون، الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، ترجمة: هاشم صالح، بيروت، دار الساقي، 1994، ص200.
[23]- فريال غزول جبوري وآخرون، الفلسطينيّون والأدب المقارن؛ الهيئة العامّة القصور الثقافة القاهرة، أبريل/ نيسان، 2000، ص69-70.