البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

June / 11 / 2023  |  960تهافت الإلحاد القائم على مشكلة وجود الشر في العالم

د.غيضان السيد علي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية شتاء 2023 م / 1444 هـ
تهافت الإلحاد القائم على مشكلة وجود الشر في العالم

الملخّص

مشلكة الشر  في بعدها الفلسفي وتداولها الفكري شغلت أذهان الفلاسفة والمفكرين، هذا البحث وقف مفهوم الإلحاد والشر وكيف وظفت في الآراء اللالحادية وانتهى الى تهافت هذه الفكرة من خلال النظر في التطور التأريخي للمشكلة كشبهة إلحادية، مؤكداً دحض مزاعم الفلاسفة الذين اتخذوا فكرة الشر حجة إلحادية مظهراً البعد الفلسفي لوجود الشر في العالم بعيداً الإلحاد.

موظحاً بأن الإسلام الدين السماوي يمتلك رؤية متكاملة لتفسير وجود الشر في العالم.

 

الكلمات المفتاحية

{الإلحاد، تهافت الإلحاد، الشر، وجود الشر في العالم}

 

Abstract

The problem in its philosophical dimension and its mental deliberation captured ‎philosophies minds, and thinkers, this study stopped the notion of atheism and evil, and ‎how invested the atheism opinions and end to absurd this idea through the consideration ‎of the historical progress for the issue as theism suspicious, confirming the deny the ‎philosophies who had taken the idea of evil as atheism excuse showing the philosophical ‎dimension for the existence of evil in the world away from atheism‏.‏

Explaining that Islam is a heavenly religion that has a perfect vision to explain the existence ‎of evil in the world‏.‏

 

Keywords: atheism, the absurdity of atheism, the existence of evil in the world. ‎

 

مدخل:

لا شك أنَّ مشكلة وجود الشر في العالم من أهم المشكلات الفلسفية التي شغلت الفلاسفة والمفكرين منذ أن وعى الإنسان وجود ذاته، وأخذ يفكر في وجود نفسه ووجود الله ووجود العالم من حوله. وقد أخذت مشكلة وجود الشر في العالم صورًا مختلفة ومتباينة، وتمَّ استخدامها استخدامات شتى كان من أهمها توظيفها كشبهة أو حجة تبريريَّة لمزاعم الإلحاد والملحدين. وإذا كانت هذه الشبهة أو المعضلة  قد بدأت في البداية على استحياء إلّا أنَّها قد صارت اليوم أهم حجج الملحدين، والمبرر الأهم لإلحادهم. فقد اعتبرها الأديب الألماني كارل جورج بوخنرKarl Georg Buchner  (1813-1873 “صخرة الإلحاد”، في حين وصفها مايكل تولي Michael Tooley (1941-؟ بالحجة المركزيّة للإلحاد، وعدَّها أنتوني فلوAntony Garrard Newton Flew  (1923- 2010 أشهر الملحدين في القرن العشرين مع الفيلسوف الكندي مايكل روس Micheal Ruse ( 1940-؟ السبب الأول للإلحاد وإنكار الإله الخالق. كما ذهب الفيلسوف الأمريكي رونالد ناش Ronald H. Nash (1936-2006م  إلى أنَّ معضلة وجود الشر في العالم هي أقوى تحدٍ للإيمان بوجود الله في الماضي والحاضر والمستقبل.

وتتبلور المشكلة في أن وجود الشر في العالم -من منظور الملحدين- لا يتسق مع وجود الإله الخيّر المحب للبشر، الحريص على إسعادهم، الرحيم بهم، العليم بأحوالهم، الخبير بمعاناتهم وآلامهم. وقد تشكلت معضلة وجود الشر في العالم عبر مجموعة من الأسئلة التي صيغت بشكل شبه عقلاني متعمد ليقود إلى الإلحاد، من قبيل: كيف يترك الإله كل هذه الشرور المتمثلة في الكوارث والأزمات والأوبئة والأمراض التي تفتك بالأطفال والنساء والشيوخ وسائر البشر دون رحمة أو شفقة؟ ولماذا يخلق الإله أطفالا مشوهين إذا كان قادرًا على أن يخلقهم أسوياء؟ ولماذا يترك الله نيران الحروب مشتعلة حتى تلتهم الأخضر واليابس وتعصف بحياة الأبرياء والضعفاء دون تدخل بقدرته اللامتناهية على إيقافها ورفع المعاناة عن كاهل البشر؟ وهذه التساؤلات -من منظور إلحادي- تؤدي إلى ثلاثة احتمالات رئيسية، وهي: إمّا أن لا يكون هناك إله. وإمّا أن يكون هناك إله ولكنه عاجز لا يستطيع أن يوقف كل هذا الشر الموجود في العالم. وإمّا أن يكون هناك إله ولا يريد منع الشر، فهو إله شرير يستمتع بصراخ الأطفال ونحيب الضعفاء، ويتلذذ بإراقة الدماء وقتل العزل والأبرياء؟ مما يضع الإله بين احتمالات ثلاثة، هي: عدم وجود الإله، أو الإله العاجز، أو الإله الشرير.

وإذا كانت أهم صفات الإله في كل الأديان السماوية وجُلّ الأديان الوضعية، هي: أن يكون الإله كليّ الخير، فهو خيّر يحب الخير ويفعل الخير. وأن يكون كليّ القدرة، أي أن قدرته لا متناهية يفعل ما يشاء متى يشاء وأينما شاء. وأن يكون كليّ العلم يعلم ما حدث وما يحدث وما سوف يحدث في المستقبل. هذا فضلاً عن الصفات الإلهية الأخرى التي تدور حول الجلال والكمال. ولما كان من غير المنطقي أن يليق بجلال وكمال الإله أن نلحق به صفات النقص كالشَّرارة أو العجز. فإن الملحدين ينتقلون عبر هذا الاستدلال إلى إنكار وجود الإله؛ فيرون أنَّه مع التسليم بوجود الشر في العالم، فإننا بإزاء ثلاثة احتمالات تجاه الإله، تتمثل في: إِمَّا أن هذا الإله المزعوم وجوده ليس كليّ الخير، فهو  يعرف آلام البشر ومعاناتهم وقادر على رفعها لكنه لا يبغي ذلك. وفي هذه الحالة لا يصلح أن يكون إلهًا. وإمّا أنّه ليس كليّ القدرة، يرى آلام البشر ولا يقدر على رفعها، وفي هذه الحالة لا يصلح أن يكون إلهًا أيضا. وإمَّا أن يكون ليس كلي العلم، فلا يعلم بما يحدث للبشر من آلام ومعاناة، وفي هذه الحالة لا يصلح أن يكون إلهًا أيضا.

ولمناقشة هذه المزاعم الإلحادية الناتجة عن مشكلة وجود الشر في العالم وبيان تهافتها، عمد الباحث إلى تقسيم بحثه إلى مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة، جاءت على النحو التالي: تناولت المقدمة موضوع البحث وأهميته وتساؤلاته ومناهجه. في حين عمل المبحث الأول على تعريف أهم مفاهيم البحث وهما مفهومي الشر والإلحاد، فجاء تحت عنوان: “ما الإلحاد؟ وما الشر؟”، أمّا المبحث الثاني فعالج التطور التاريخي لمشكلة الشر من بدايتها كشبهة إلحادية مع الارتيابيين والشكاك في العصر اليوناني حتى عصرنا الراهن،  فجاء بعنوان: “الشر الشبهة الأهم في عالم الإلحاد قديمًا وحديثا”، في حين تناول المبحث الثالث: “دحض مزاعم الفلاسفة الذين اتخذوا من معضلة الشر حجة إلحادية”. أما المبحث الرابع فتناول “التبرير الفلسفي لمعضلة وجود الشر في العالم” بعيدًا عن الإلحاد، وتوفيقًا بين وجود الشر في العالم ووجود الله. أما الخاتمة فقد رصدت لأهم نتائج البحث.

وتكمن أهمية هذا البحث في أنه يحاول أن يقوض الدعائم الأساسية لاستدلالات الملاحدة التي تقوم على “مشكلة وجود الشر في العالم” بوصفها الحجة الأهم من بين الحجج العقلية والفلسفية التي يطرحها الملاحدة لتدعيم إنكارهم لوجود الإله، وبوصفها أيضًا الحجة المحورية في الفكر الإلحادي والتي ينطلق منها العديد من الحجج.

وقد اعتمد الباحث في بحثه على مجموعة من المناهج البحثية كالمنهج التحليلي بغية تحليل نصوص الملحدين للوقوف على حقيقة مضامينها وكشف زيفها ومناطق ضعفها وتهافتها؛ ولذلك كان استخدام المنهج النقدي بمثابة ضرورة بحثية لا مناص منها. كما كان استخدام المنهج التاريخي المقارن من الأهمية بمكان لمقارنة آراء الملحدين ومدى اتفاقهم واختلافهم عبر العصور المختلفة؛ حيث إنَّ الإلحاد لم يكن وليد عصر بعينه، ولكن كان هناك دائمًا إلحاد وملحدون في كل العصور.

المبحث الأول: ما الإلحاد؟ وما الشر؟

الإلحاد Atheism في اللغة يعني الميل عن القصد، والعدول عن الشيء، فيقال: أَلْحَدَ أي مالَ وعدَل، وألحد الرجل إذا مال عن طريق الحق. والمُلحدُ: العَادلُ عن الحق المُدخِلُ فيه ما ليس فيه[1]. ويُقال أَلحَدَ في الدين ولَحَدَ أي حَادَ عنه وطَعَنَ فيه[2]. والإلحاد في الاصطلاح يُقال على عدة حالات، منها: إنكار وجود الله، وإنكار النبوات بكل ما فيها، وإنكار الكهنوت، وإنكار البعث، وإنكار العالم الغيبيّ. بل قد يُطلق بمعنى آخر غير المعاني السابقة، وهو أن ينكر المرء أصلًا من أصول الدين أو اعتقادًا من الاعتقادات المألوفة، أو رأيًا من الآراء الشائعة. والملاحدة- قديمًا- فرقة تسمت بالدهرية، ذهبوا إلى قدم الدهر، واستناد الحوادث إليه، كما ذهبوا إلى ترك العبادات رأسًا، لأنها لا تفيد، وإنما الدهر بما يقتضيه مجبول من حيث الفطرة على ما هو الواقع فيه، فما ثم إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وسماء تقلع.

ونظرًا لتعدد معاني الإلحاد واختلافها من عصرٍ إلى آخر ومن مجتمعٍ  إلى آخر، ومن حضارةٍ إلى أخري* يذهب البعض إلى أنَّ أشهر تحديد لمصطلح الإلحاد هو: إنكار وجود الله، أو «الاعتقاد بأنَّه لا يوجد إله من أي نوع»[3]، والمُلحد Atheist هو الذي يحكم على عبارة «الله موجود» بأنها قضية كاذبة، والمُلحِد مُنكر لله، قاطع في إنكاره، ومُتعصب لهذا الإنكار. ولهذا اقتصرت بعض الموسوعات والمعاجم الفلسفيّة على تعريف الإلحاد بأنّه فقط إنكار وجود الله، مثل «موسوعة لالاند الفلسفية» التي عرفت الإلحاد في جملة واحدة وهي «عقيدة قوامها انكار وجود الله»[4]. وكذلك «المعجم الفلسفي» الذي اقتصر على هذا المعنى وإن صاغه في صورٍ ثلاث هي:

 إنكار وجود الله

أطلقه بوسويه Bossuet على أولئك الذين يحيون وكأن الله غير موجود.

عند ماكس بنس Max Bense الإلحاد ضربان: إلحاد كسمولوجي وهو تفسير العالم من غير حاجة إلى افتراض موجود مجاوز للعقل الإنساني والتجربة. وإلحاد وجوديّ يفسر الإنسان كوعي وفكر ووجود مبدع دون افتراض موجود مفارق ومباين[5].

في حين يؤكد معجم الأديان العالمية أنَّ الإلحاد مصطلح متعدد الدلالات وأكثر دلالاته انتشارًا واستخدامًا هي إنكار وجود الله. ومن المعروف أنَّ المُنكرين لوجود الله يرفضون كل قضايا ما بعد الطبيعة الأخرى وكافة الغيبيات، مثل: الروح، والملائكة، والنبوات...الخ. ويرفضون الاعتراف بالعلل الأولى للطبيعة؛ لأنّها أمر يجاوز الإحساسات والمشاهدات. ومن ثمَّ يكون الإلحاد نقدًا للمعتقدات الغيبيّة التي تتعلق بالله أو الموجودات القدسيّة ونكرانها[6]. ويصبح المُلحد- كما عرّفَهُ أشهر المنظرين للإلحاد في العصر الراهن وهو ريتشارد دوكينز Richard Dawkins في كتابه الشهير “وهم الإله The God Delusion”: “بأنّه الشخص الذي لا يؤمن بوجود شيء فيما وراء العالم الطبيعيّ الماديّ، وليس هناك من مبدعٍ خالقٍ وراء هذا الكون المرئي، ولا هناك روح تبقى بعد فناء الجسد، ولا معجزات، لكن هناك بعض الظواهر الطبيعيّة التي لم نفهمهما بعد، إذ ثمة أشياء كامنة فيما وراء هذا العالم ما زالت غير مفهومة لنا بشكلٍ كامل”[7].

وبناء على ذلك يكون الإلحاد نهجًا في التفكير يرفض الاعتقاد بكل ما يجاوز الطبيعة فكرًا ووجودًا ومثالًا متطلبًا. ويرجع الفكر الإلحادي أصل الدين إلى بواعث نفسيّة واقتصاديّة وثقافيّة واجتماعيّة. ويُبنى المذهب الإلحادي– في الغالب- على الماديّة التي تنبذ كل تصور فكري يخرج الإنسان من دائرة واقعه الملموس. وقد واكب المذهب الإلحادي في تطوره تطور العلوم والمعارف، وفي كل حقبة يعكس المدى الحقيقيّ لما وصل إليه المستوى المعرفيّ في الفكر الإنساني؛ ولذلك كان لكل عصر إلحاده الذي يستنفر الشعور الديني ويضطره إلى تبرير نشوئه وتأسيس مقولاته وتدعيم رؤاه[8]. وينشغل بحثنا هذا بإشكالية معرفية أخلاقية هي مشكلة الشر وكيف يمكننا تبرير التسليم بوجود الشر في العالم مع وجود إله خيّر رحيم؟ 

وبعد أن عرضنا لمفهوم الإلحاد وتعريفه ننتقل إلى تعريف الشّر، والوقوف على معناه في اللغة والاصطلاح، حيث يشير معنى الشر في اللغة، كما يقول ابن منظور: الشَّرُ: السّوءُ والفعلُ للرجلِ الشّريرِ. والمصدر الشَّرَارَةُ. وقوم أَشرار: ضد الأخيار. وفي حديث الدعاء: والخير كله بيديك والشر ليس إليك؛ أي أنَّ الشر لا يتقرب به إليك، ولا يُبتغى به وجهك[9]. والشر هو العيب والنقص والسوء والفساد[10]

كما يُعَرَّف الشر في الاصطلاح كما يقول عزت قرني، صاحب أحدث الكتب العربيّة حول نظرية الشر: «الشر هو إيذاء إيجابي أو سلبي، بالإضافة أو الحذف، ويكون مصدره إنسانيًا أو من العالم، وموضوعه الذات أو الآخر، أو حتى كيان ما ينتمي إلى أحدهما أو يهتم به، وتكون نتيجته كيانًا أو نشاطًا أو حالة أو حدثًا أو علاقة، وكلها من نوع غير المناسب للذات ومصالحها»[11].  ويعرّف المعجم الفلسفي الشَّرَ بأنّه:»كل ما كان موضوعًا للاستهجان أو الذم، فترفضه الإرادة الحرة وتحاول التخلص منه، ويقابل الخير. والشر على ثلاثة أنواع: (أ طبيعي كالألم والمرض. (ب وأخلاقي، كالكذب والعدوان.(ج وميتافيزيقي، وهو نقصان كل شيء عن كماله[12].

والشَّرُ كما يعرّفَه الباحث، هو: كل اعتداء أو ظلم أو فسادٍ أو سوءٍ أو عيبٍ أو ضررٍ من الممكن أن يُلحق الأذى والألم بالإنسان(الذات أو الآخر، سواء أكان ذلك الأذى حسيًا أو معنويًا. ويشمل الشرور الطبيعية التي يكون مصدرها الطبيعة: كالزلازل والبراكين والأعاصير والسيول والفيضانات والأوبئة.. وغيرها. أو الشرور الأخلاقية التي يكون مصدرها الإنسان: كالقتل والعقوق والكذب والسرقة وشهادة الزور..وغيرها من الآثام الأخلاقية. أو تلك الشرور التي قد تصدر من الحيوان: كالأفاعي والثعابين والوحوش الضارية. أو تلك الشرور التي تصدر عن الجماد كالمواد السامة أو المتفجرات وغيرها. أو ما يُعرف بالشرور الميتافيزيقية وهي كل نقص يحول بين الشيء وبين كماله.

المبحث الثاني: الشر الشُّبهة الأهم في عالم الإلحاد قديمًا وحديثًا

تعد معضلة وجود الشر في العالم أهم الشُّبَه الإلحادية في عالم الإلحاد القديم والمعاصر؛ وإذ كنا قد أشرنا في مستهل هذه الدراسة إلى  بعض رؤى الملحدين المعاصرين  الذين يرون أنَّ معضلة وجود الشر في العالم كانت أهم مبررات الإلحاد في الوقت الراهن. فإن هذه الدراسة تحاول الغوص للوقوف على جذور المشكلة في تاريخ الإلحاد. إذ يكاد يتفق الخائضون في مشكلة الشر اليوم أن موضوعها الأكبر الذي يؤدي للإلحاد هو ثبوت التعارض بين وجود إله قدير، عليم ، رحيم، ووجود الشر، غير أن هذا الإشكال الواحد، مجملٌ في صياغته، وحقيقته أنه مجموع مشكلات متعلقة بالشر ووجوده في عالم مخلوق من رب كامل، وهي:

المشكلة المنطقية للشر The logical problem of Evil : وهي المشكلة المتعلقة بالتناقض المحض بين دعوى وجود إله قدير، عليم، رحيم، ووجود الشر.

المشكلة البرهانية The evidential problem ، وتسمى أيضًا بالمشكلة الاحتمالية. تزعم هذه المشكلة أنَّه وإن لم يكن هناك تعارض صميمي بين وجود الله ووجود الشر، إلا أن المرء يميل إلى الاستبعاد الاحتمالي لوجود إله قدير، عليم، رحيم، بسبب وجود الشر، سواء بسبب طبيعة الشر، أو لوجود قدر عظيم منه، أو لطبيعته المجانية التي لا خير من ورائها[13].           

1- بدايات الشبهة:

يرى الكثير من الباحثين أن شبهة وجود الشر في العالم ينفي وجود الإله هي شبهة بدأت مع الفيلسوف اليوناني أبيقور (341-270 ق.م الذي بنى مذهبه الفلسفي على المذهب الذري، فرأى أنّه لا أثر في هذا العالم إلا للذَّر والفراغ والمصادفة، وأن الإنسان مهما نقّب في هذا الكون، فإنه لن يعثر على أثر للآلهة. وإذًا، فلا فائدة ألبتة في الآلهة، لأن اجتماعات الذرات تبقى مادامت قابلة للفناء، فإذا انمحت منها هذه القابلية بسبب ظرف من الظروف حدث التفكك حالا. ولهذا لم يكن عالمنا الحاضر إلا اجتماعًا متينًا لا يزال النجاح حليفه، وأن العلة الوحيدة في وجود النظام في بعض الأشياء هي زوال عدم النظام من هذه الأشياء، وهذا الزوال يقع من نفسه. وفوق ذلك فإن دراسة الطبيعة وخواص الأجسام ومظاهر الكون وتتبع التاريخ البشري لا تنتهي بنا- في رأيه- إلى الآلهة كعلة لوجودنا، بل لا تدلنا على أن لهم أية صلة بنا[14].

وهكذا يفسر أبيقور بقاء العالم وفساده، حيث يبقى العالم ما بقي النظام يحكم أركانه، وأن أي جزء منه افتقد إلى النظام فسد وكان مصيره إلى العدم. ومن ثم أنكر أبيقور العناية الإلهية، وانتقد قول القائلين بالعناية الغائية في هذا الكون كأحد الأدلة على وجود الإله، بل ذهب إلى القول صراحة إن العناية الإلهية وهمٌ من الأوهام، وبرر انتقاده وتصريحه هذا بوجود الشر في العالم، وأخذ يتساءل: أين العناية الربانية في عالم  ملئ بالشرور. ويلخص لاكتانس Lactance (240-320 م هذا الاستدلال الأبيقوري كما يلي:” إمَّا أن الإله يريد القضاء على الشر ولكنه لا يستطيع؛ أو إنه يستطيع ذلك ولكنه لا يريد؛ أو إنه لا يريد ذلك ولا يستطيع؛ أو إنه يريد ذلك ويستطيع. فإن كان يريد ذلك ولا يستطيع فهو عاجز وهذا لا يناسب الإله، وإن كان  يستطيع ذلك ولا يريد فهو إله حسود وهذا أيضًا لا يناسبه؛ وإن كان لا يريد ذلك ولا يستطيع فهو في نفس الوقت حسود وعاجز وعليه فهو ليس إلهًا، فمن أين إذن يأتي الشر؟  أو لماذا لا يقضي الإله عليه؟”[15]. وكان أشهر من نسب هذه الشبهة إلى أبيقور هو الفيلسوف الاسكتلندي الشهير ديفيد هيوم David Hume (1711-1776م عندما أورد هذه الحجة في كتابه “محاورات في الدين الطبيعي” على لسان أبيقور، قائلًا: “إن أسئلة أبيقور القديمة لا تزال بلا أجوبة: هل الإله يريد القضاء على الشر ولكنه لا يستطيع، فهو إذن عاجز، أم أنه يستطيع ولكنه لا يريد فهو إذن حقود؟ أم أنه قادر ويريد معًا؟ فمن أين يأتي الشر إذن؟” [16].

وهكذا بدأت تلك الإشكالية التي اتخذت من مشكلة وجود الشر في العالم حجة لإنكار وجود الله، ومن ثم الإلحاد به وإنكار وجوده. وتمت نسبة هذه الشبهة الإلحادية إلى أبيقور رغم أن ذلك القول يتناقض مع المذهب الأبيقوري، وهو الأمر الذي سوف نناقشه في بيان تهافت معضلة الشر كسبب للإلحاد.

2- إعادة إنتاج الشبهة في العصر الحديث:

لم تتوقف تلك الشبهة عند العالم القديم، بل وجدت لها طريقا ووجودًا في العصور الوسطى والعصر الحديث، إذ وقف بعض فلاسفة العصور الوسطى -خلال رحلتهم التوفيقية بين الفلسفة والدين- عند معضلة وجود الشر؛ إذ كيف يمكن أن نفسر ما يعيش فيه الأشرار من رغدٍ ورفاهية، وما يعاني منه الأخيار من محن وعذاب وبلاء؟ ما الأساس الذي يقسِّم الله على أساسه الأرزاق بين الناس، وكيف يوزع الخيرات والنعم وكذلك المحن والنقم. لقد هزت هذه المشكلات إيمان العوام أولًا، وإيمان الفلاسفة ثانيًا[17]. مما أدى بفيلسوف كبير مثل توماس هوبز Tomas Hobbes (1588-1679م إلى أن يعلن عن حل للمشكلة بشكل غير عقلاني، فيقرر أن الله فوق الخير والشر بالمعنى الحرفي للكلمة. وأن قوة الله التي لا تقاوم تجبر الناس في النهاية على طاعتها لأنها لا تقاوم، وهي وحدها التي تفسر بها أعمال الله في خلقه. واستدل توماس هوبز بسؤال الحواريين للسيد المسيح عن الرجل الذي ولد أعمى:”يا معلم من أخطأ؟ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه، فقدرة الله تظهر وتتجلى في كل شيء: حتى الحيوانات نفسها تخضع لألوان من العذاب والآلام، والموت، ومع ذلك فهي لم تخطيء ولم تأثم، إنها إرادة الله، إنها إرادة الله التي تريد لها أن تكون كذلك، قوة الله التي لا تقاوم تبرر جميع أفعاله أينما وجدت”[18].

وهكذا يصور هوبز الإله كقوة غاشمة قاهرة، فهو أشبه بحاكمه التنين الذي يبسط سلطانه على الجميع عبر قوته التي لا تقاوم، فيرى أن البشر جميعًا يعلنون ولاءهم، على نحو طبيعي، لأولئك الذين لا يمكن مقاومة قوتهم، وهذا هو السبب الذي يبرر للملك أن يحكم رعاياه، وذلك- في رأيه- هو حق الإله في ابتلاء الناس وفق مشيئته الخاصة التي لا تبرر، وإنما تعتمد على قدرته وقوته اللامتناهيتين. وهنا يبدو لنا أن  إله هوبز يشبه إلى حد كبير حاكمه البشري. فلا مجال للرحمة أو الحكمة في وجود الشر، وإنما هو تعبير عن القوة والقدرة التي لا حدود لها. فهذا الإله – عند هوبز-لا يمكن أن نسأله عن فعله، فمن أنت أيها الإنسان الذي تجادل الله، هل يحق للمصنوع أن يسأل الصانع: لماذا صنعتني هكذا؟ فعلى الإنسان الخضوع والخنوع وألا يبحث عن تبرير وجود الشر في العالم، فقوة الله التي لا تقاوم تبرر جميع أفعاله أينما وجدت. الأمر الذي ينتهي بهوبز إلى تصور إله مختلف تمامًا عن إله المسيحية الذي يعبر عن الرحمة والعدل. بل اعتقد أننا لن نبتعد كثيرًا عن الصواب إذا قلنا إن تبرير معضلة وجود الشر في العالم جعلت هوبز يتصور إلها بعيدًا تمامًا عن تصور الإله في الأديان السماوية.

وقد رأى فولتير Voltaire (1694-1778 أنّ مشكلة الشر الموجود في العالم هي السبب الأول للإلحاد؛ حيث رأى أن الذين يؤكدون وجود إله “خالق يثيب ويعاقب” مضطرون إلى أن يقولوا بأن هذا الإله يعرف لماذا يفعل ما يفعل، وما هو العالم الذي خلق. فكيف يمكنهم أن يقولوا ذلك وهم يرون في كل مكان نواقص المخلوقات، والألم الجسماني، والعذاب المعنوي، وخاصة الظلم والجرائم؟ فإن منظر الكون مخيف، حتى يبدو أن الله لم ينفخ الحياة في جميع المخلوقات إلا كي “ يفترس بعضها بعضًا”. فأين الحكمة والعدل والطيبة في هذا الكون، فنحن أمام أمرين: إمّا أنّ الله كان باستطاعته أن يتحاشى الشر، ولم يرد ذلك، وإمّا أنه أراد أن يتحاشى الشر ولم يستطع؟! وفي الحالة الأولى: هل يمكن أن نقول إنّه طيب وعادل؟! وفي الحالة الثانية: هل يمكن القول بأنه قادر على كل شيء؟![19]. ومن الملاحظ هنا أن فولتير تحت تأثير وجود الشر في العالم لم ينكر  وجود الله  ولكنه طرح تساؤلات ارتيابية فيما يتعلق بصفاته اللامتناهية حول القدرة والرحمة والعدالة.

أما ديفيد هيوم، وهو أشهر من أثار هذه الشبهة في العصر الحديث، فيرى أن الكون مليء بالشرور؛ فالقوي يفترس الضعيف، ويحيل حياته إلى شقاء وقلق وفزع دائم، بل إنَّ الحشرات التي تتوالد على جسد حيوان لا تسلم من وجود حشرات أخرى تنمو بالقرب منها لتعذبها وتشقيها، ففي كل حدب وصوب من هذا الكون، من أعلى ومن أسفل، ومن الأمام ومن الخلف، يمتلأ هذا الكون بالأعداء التي تحيط ببعضها تتغيا شقاء الآخر وإبادته[20].  وأن الإنسان- الكائن العاقل في هذا الكون- هو أعظم عدو للإنسان بما يهدد به أخيه الإنسان من استبداد وظلم وهوان وعنف وشغب وحرب واستلاب وخيانة وغدر وغير ذلك من صفات سيئة، هذا فضلا عن الأمراض والأوبئة التي تعمل على زيادة شقاء الإنسان[21]. ويسهب هيوم في بيان وجود الشر في العالم ، فيقول:”إذا أتى غريب فجأة إلى هذا العالم لأريته –كنموذج من رزايا الحياة- مستشفى مكتظًا بالمرضى، وسجنًا مليئًا بالمجرمين، وساحة معركة مليئة بالجثث، وأسطولا يتخبط في المحيط، وأمة تعاني وطأة الاستعباد والمجاعة والوباء، قل لي لو كان بإمكانك أين أقوده لأريه وجه الحياة السعيد؟!”[22]. وهكذا لا يكون  الإنسان ولا أي حيوان آخر سعيد في هذا الكون، ومن ثم فالإله لا يريد سعادتهم! وهذا لا يليق أبدا بمقام الإله إذا كان موجودًا. أي هكذا يرتاب هيوم في وجود الله -بخلاف فولتير- نتيجة لوجود الشر في العالم، ويرى أن المنهج الوحيد لدعم وجود الإله في الطبيعة هو عنايته بها وحفظها من هذا الشر. فإذا افترضنا وجوده فعلينا أن ننكر إنكارًا مطلقًا شقاء الإنسان ومعاناته، الذي يحيط بنا من كل مكان مع الأسف.

وينطلق أرثر شوبنهاور Arthur Schopenhauer  (1788-1860م من المعضلة نفسها لينكر وجود الإله؛ حيث يرى شوبنهاور أن الإنسان يقضي حياته لاهثًا وراء إشباع رغباته وحاجاته التي لا تنقطع ولا تنقضي جميعها؛ لِمَا يعترض تحقيقها من عقبات وصعاب؛ ولذلك فهو في آلام متصلة وعذابات مستمرة. ومما يزيد من مرارة الحياة الإنسانية هو إدراك الإنسان أنه منهزم في نهاية الأمر أمام الموت الذي يختبأ في مكان ما  ليعلن ظهوره في أي لحظة. فالحياة عند شوبنهاور ليست شيئًا إيجابيًا وإنما هروب من الموت. فالشقاء الإنساني لا محيص عنه ولا مفر منه، وكل ألم يزول ليحتل غيره مكانه، ولكل فرد نصيبه المحدد من الشقاء. والسعادة -إن وجدت- فإنما هي ليست شيئًا إيجابيا، فهي ليست سوى خلاص مؤقت من الألم. ولذلك فهي لا تبقى طويلا فسرعان ما تنتهي ليحل محلها ألم أو حرمان جديدان[23].

ومن ثم يرى شوبنهاور أن حياة الفرد في جملتها مأساة مستمرة، وإذا نظرنا إليها في تفصيلاتها لم تكن غير ملهاة مضحكة، فلكل يوم عمله وهمومه، ولكل لحظة حيلها الجديدة، ولكل أسبوع مطالبه ومخاوفه، ولكل ساعة فشلها وتبديد آمالها، فإن المصادفة على استعداد دائما لتضيف إلى الحياة شيئا من مكرها وخبثها. أمَّا الأماني فقلما تتحقق، والتعب يُبذل عبثًا، والآمال يحطمها مصير لا يرحم، والآلام تزداد شدة مع الأيام، وأخيرًا يتسلل الموت ليختم المأساة المضحكة إن صح هذا التعبير. ومن ثم يرى شوبنهاور أن وجود الإله الذي يعتني بالخلق والمخلوقات لا وجود له، إنَّه اختراع من اختراعات البشر، فالبشر –حسب شوبنهاور- يخترعون عالمًا خياليًا بآلهته وشياطينه وقديسيه لتقدم له الضحايا والقرابين والصلوات والاعترافات وما شاكل ذلك[24]. وهكذا يصبح الإله عند شوبنهاور من اختراع الإنسان، لتملأ خدمة هذا العالم الخيالي فراغ الحياة الواقعية وخلوها من الآلام والمتاعب، وتصبح كل حادثة من حوادث الدنيا نتيجة لعمل من أعمال تلك الكائنات  المخترعة اختراعًا. ومن ثم بنى فكرته في تعليل أحداث الكون وكل ما يجري فيه على أساس “أن العالم إرادة فقط” بلا علم ولا حكمة ولا عناية ولا رحمة ولا عدل. وقد ترتب على هذه الإرادة العمياء كفاح وجهاد وكدح متواصل، وهذه الأمور لا بدّ أن ينتج عنها بؤس وشقاء؛ لينتهي شوبنهاور إلى إنكار وجود إله بناء على وجود كل هذا الشر في العالم.

ولم يبتعد كثيرًا كارل ماركس Karl Marx (1818-1883عن سلفه شوبنهاور، حينما رأى أنَّ الفقر والعوز والجوع والخوف(كلها شرور هم من جعلوا الإنسان البائس يخترع وجود إله يعد الفقراء والمعوزين بالفردوس في العالم الآخر. ومن ثم رأى ماركس أن الدين يعد بمثابة القاعدة العامة للمجتمع التي يقوم عليها التعزية والمواساة والتبرير، وأن البؤس الديني ما هو إلا تعبير عن البؤس الحياتي الحقيقي واحتجاج عليه. فتوهُم وجود الإله -عند ماركس- أو أي تصور ديني يلزم عنه في الحقيقة تعزية للمستضعفين والفقراء والمعوزين، وقلب لعالم لا قلب له، وروح لأوضاع لا روح لها، وبالجملة فإن الدين قد أصبح أفيون الشعوب[25].  

وإذا كان ماركس يرى أن الدين سوف ينتهي من العالم بنهاية الجوع واختفاء الفقر والخوف والعوز من على وجه الأرض فإن الفيلسوف الانجليزي برتراند رسل B. Russel (1873-1970) يرى أن السعادة التي يبحث عنها العالم لن تتحقق إلا بتخلص الإنسان من الأوهام التي خلقها بنفسه، فأخذت تخيفه وترهبه. ومن أهم هذه الأشياء الوهمية هو تصور وجود الإله والأديان. إذ اعترض رسل على وجود الله بسؤاله لنا عن شعورنا ونحن أمام سرير عليه طفل ينازع الموت. وهو بذلك يسألنا عن قدرتنا على تقبل منظر موت طفل في عالم خلقه رب كامل الصفات.

3- معضلة الشر كمبرر للإلحاد في العصر الراهن:

أخذت معضلة الشَّر في العصر الراهن مكانًا بارزًا وخاصة بعد الحربين العالميتين، ومع انتشار مذهب اللذة والنزعة الفردانية حتى باتت مادة الاعتراض الأولى التي يتشبث بها الملحدون في سجالاتهم مع المؤلهين، الأمر الذي رأى معه الكثير من الباحثين الغربيين أنَّه من الضروري أن لا نكف عن مطالبة اللاهوتيين بضرورة تقديم إجابة معقولة لسؤال: كيف يمكننا الحديث عن وجود الله وسط المعاناة التي يعيشها البشر[26]. فهذا هو التحدي الذي ما زال يشهره الملحدون في وجه المؤمنين، ومن ذلك ما ذهب إليه أشهر منظري الإلحاد في النصف الثاني من القرن العشرين أنتوني فلو- قبل تراجعه عن الإلحاد واتجاهه إلى الربوبية- أن شبهة الشر كانت الشبهة الأهم، وأحد الأسباب المبكرة التي قادته للإلحاد، وجعلته ينكر وجود الخالق[27]. كما يشير كل من جورج جانسيل Gregory E. Ganssle ويينا لي Yena Lee  إلى أنَّ معظم الحجج الإلحادية التي تُطرح ضد وجود الله هي التي تقوم على معضلة وجود الشر في العالم؛ حيث ترى تناقضًا منطقيًا في التأكيد على وجود الله والشر معًا[28].

في حين اكتفى الفيلسوف البريطاني الملحد ستيفن لاو Stephen Law في مناظرته مع وليم لين كريغ William Lane Craig  حول “ هل يوجد إله؟” بشبهة وجود الشر في العالم كحجة كافية لإنكار وجود الخالق. وهو ما فعله- أيضًا- الفيلسوف الأمريكي مايكل تولي  في مناظرته لكريغ (2010 مصرحًا أن “الحجة المركزية للإلحاد هي حجة الشر”. وهو ما تكرر في جل المناظرات الشهيرة بين الملحدين ومناظريهم من اللاهوتيين أو المؤمنين في الغرب، بل وحتى ما كان مرتبطًا من المجادلات بالشأن العلمي، ومن ذلك  تصريح مايكل روس- أشهر فلاسفة العلوم المنافحين بشراسة عن الداروينية-في مناظرته للداعية النصراني فزالا رنا Fazale Rana، والتي كانت تحت عنوان”أصل الحياة: التطور أم التصميم؟”(2013م، أنه لا يرفض الإيمان بوجود الله إلا لسبب واحد، وهو مشكلة الشر. إنها الشّبهة نفسها التي وصفها الشاعر الألماني الملحد “جورج بوخنر” بأنها صخرة الإلحاد. في حين اعتمد الفيلسوف الملحد مايكل مارتن Michael Martin في مؤلفه “الإلحاد: تبرير فلسفي” على شبهة وجود الشر في العالم بوصفها الحجة الأقوى على نفي وجود الرب الخالق[29]. والتي استند إليها بشكل رئيسي في مناظراته مع المؤلهين.

كما قُدِّمت أكثر من أطروحة علميّة في الجامعات الغربية تعمل على محاولة حل معضلة وجود الشر في العالم لإثبات وجود الله، كاستمرار لتلك المؤلفات التي لم تتوقف عن تناول هذه المشكلة بالذات، فقد رصد “باري وتني Whitney Barry” عبر دراسته الببليوغرافية عن المؤلفات الفلسفية واللاهوتية التي نُشرت عن مشكلة الشر في ثلاثة عقود فقط من الزمان (1960-1990 فإذ هي تبلغ 4200 دراسة[30].  وكان من أشهر تلك الأطروحات الجامعية تلك الأطروحة التي تقدم بها الباحث الإنجليزي “طوبي جورج بيتنسون Toby George Betenson” إلى قسم الفلسفة بكلية الآداب والقانون بجامعة برمنجهام للحصول على درجة الدكتوراه في سبتمبر 2014 تحت عنوان: (مشكلة الشر كاعتراض أخلاقي على الإيمان بالله الواحد The Problem of Evil as A Moral Objection to Theism والتي زعم فيها أن مشكلة الشر يمكن أن تكون اعتراضًا أخلاقيا على الإيمان بالله الواحد، ومن ثم فإنها ما زالت تمثل تحديًا خطيرًا للمعتقد الديني، وخاصة من الناحية الأخلاقية إذ يصبح الإيمان بالله في ظل وجود الشر أمرًا مرفوضًا أخلاقيا، ولذلك كان من الضروري إذا أردت الإيمان بالله فعليك أولا بحل مشكلة الشر، لأن هناك اعتراض أخلاقي على الإيمان بوجود إله في وجود الشر، ومن ثمَّ راح “بيتنسون” يؤسس لمعقولية الإلحاد غير المعرفي ذي الدوافع الأخلاقية من خلال تقديم الإله الذي يفتقر إلى الإنسانية، حيث الفشل في تبرير شرور العالم من الناحية الإنسانية، ولذلك يصبح الإيمان بالله لديه ليس خيارًا أخلاقيًا سهلا، وعلى المؤمنين بالله أن يفكروا فيما يقولونه عن الله وأن يقوموا بتأييد أفكارهم الأخلاقية[31]. وهو الاعتراض نفسه الذي أشهره الملحد الشهير ريتشارد دوكينزRichard Dawkins في كتابه وهم الإله The God Delusion  قائلا: إذا كان علينا أن نسلم بوجود إله في ظل وجود هذا الشر فيجب أن نفترض وجود إله قذر! إو إله مستقلا بذاته لا يأبه لمعاناة البشر[32].

ومن ثم يمكننا القول إنَّ ملحدي العصر الراهن اعتمدوا في إلحادهم بشكل رئيسي على معضلة وجود الشر في العالم؛ إذ عدّها الصحافي والكاتب الأمريكي المعاصر والملحد السابق لي ستروبل Lee Strobel (1952-؟ في كتابه (The Case for Faith  أهم الحجج الإلحادية التي حصرها في ثماني حجج والتي أطلق عليها الحواجز العاطفية أو “حواجز القلب الثمانية أمام الإيمان heart barriers to faith” [33]. ومن ثم كان من الضروري الوقوف على هذه الحجة وبيان تهافتها وتهافت الإلحاد القائم عليها على أمل توجيه ضربة قاصمة للصرح الإلحادي.

المبحث الثالث- دحض مزاعم الفلاسفة الذين اتخذوا من معضلة الشر حجة إلحادية

وبعد أن رصدنا لوجود معضلة الشر كاعتراض رئيسي وأساسي على الإيمان بوجود الله منذ العصر اليوناني وحتى العصر الراهن كان من الضروري تفنيد هذا الزعم الذي تبناه الكثير من الفلاسفة في كل العصور.

فإذا ما عدنا إلى الشبهة وَمَنْ أثارها لأول مرة، وهو – كما سبق أن ذكرنا- هو الفيلسوف اليوناني أبيقور، وإذا عدنا إلى مصادره وكتاباته فإننا نجد أنه لم يكن ملحدًا وأنه كان لا ينكر وجود الآلهة، إذ يقول صراحة:”الآلهة موجودة، لا شك، ونحن على يقين من وجودها... وليس الكافر من لا يؤمن بآلهة الجمهور، بل هو ما ينسب إليها صفات وهمية كالتي ينسبها الجمهور”[34]. ولكنه- مع ذلك- كان يرى أن الآلهة مهما كانت صفاتها فإنها لا تهتم بشئون البشر، ومن ثم فإنها لا تسعى إلى عقاب أفراد البشر لا أثناء حياتهم ولا بعد موتهم.

ومن ثم يظهر خطأ نسبة هذه المقولة إلى أبيقور، وأنَّ المسئول عن إلصاق هذه المقولة -التي اتخذ منها الملحدون حجة للإلحاد- بأبيقور هو اللاهوتي المسيحي “لاكتانس” الذي كان عدوًا لدودًا للأبيقوريين. ولذلك يرى البعض أن هذه المقولة ربما يكون قد صاغها أحد الشكاك الأوائل ويقصد به “كارنياديس”، بينما يرى آخرون أن هذه المقولة أو الشبهة لا تعود إلى أبيقور أو إلى أي أحد من أتباعه، وإنما هي ترجع لمذهب مضاد للمذهب الأبيقوري. وأنَّه بعد البحث المتأني عن أصل هذه المقولة تبين أنّها ظهرت للمرة الأولى في أعمال الكاتب الشكاك سكستوس إمبريقوس[35].

إلا أن ذلك لا يبرأ ساحة أبيقور وأتباعه تمامًا؛ لأن الأبيقوريين كان لديهم موقف مسبق مناهض للدين، حيث يقول تيتوس لوكريتيوس Titus Lucretius Carus  (99-55 ق.م أحد الأبيقوريين: “إنّ الدين شرُّ ما بعده شرّ، وإنَّ الواجب على الإنسان ومهمة الفلسفة الأولى أن تتخلص نهائيًا من كل دين؛ لأن الدين هو ينبوع كل شر”، ورغم ذلك يمكن الدفاع عن مثل هذا القول، حيث يمكن القول إنَّه ربما لم يكن في عهد الأبيقوريين صورة صحيحة عن دين رباني صحيح، وإنما كان لديهم أديان وثنية خرافية، لذلك شجبوا الدين الذين رأوا نماذجه في عصورهم[36].

ولكن الثابت في مذهب الأبيقوريين هو إنكار العناية الإلهية، فالآلهة موجودة ودليل وجودها تلك المعرفة البدهية الطبيعية الموجودة لدى كل البشر عن وجود الآلهة، لكنها ليس لها أي دخل بهذا العالم الطبيعي الذي نعيش فيه، وهي ليست معنية في واقع الحال بما يجري في عالم البشر، فهم يعيشون في عوالمهم سعداء، ولا يكدر صفوهم أيّ هَم يتعلق ببني البشر أو بعالمهم[37]. واستند إنكار الأبيقوريين للعناية الإلهية إلى وجود الشر في العالم، فلو كان الإله ذي القدرة اللامتناهية يعتني بهذا الكون لما ترك فيه مثقال ذرة من شر، ولذلك زعموا أن العناية الإلهية ما هي إلا وهم من الأوهام؛ لأنَّ حظ الشر في العالم أكثر من حظ الخير فيه، ومصير فاعل الخير فيه أسوأ من مصير فاعل الشر.

وبذلك يمكن القول إنَّ معضلة وجود الشر وجدت عند الأبيقوريين رغم إقراراهم بوجود الإله أو الآلهة، لكنَّ رؤيتهم لها عبرت عن رؤية فلسفية ناقصة وقاصرة ومحدودة اقتصرت على رؤية ضيقة وتناولت جانبًا جزئيًا صغيرًا جدًا من المجموع الكلي الكبير، والتي لا تسمح لصاحبها أن يدرك معاني الحكمة الكلية، وتجعله يصدر أحكامًا باطلة، فالأبيقوريون لمَّا أنكروا المعاد الأخروي عجزوا عن تفسير النعيم الدنيوي الذي قد ينعم به الأشرار في الدنيا والشقاء الذي قد يصيب الأخيار. ولو أنهم افترضوا وجود حياة أخروية لاستطاعوا أن يفسروا تلك الإشكالية التي لم يجدوا لها تفسيرًا إلا إنكار العناية الإلهية. ولاستطاعوا أيضًا تفسير وجود الشر الذي يتمثل في وجود مصائب ومكاره تصيب الإنسان في الحياة الدنيوية؛ ليختبر بها الله صبر الإنسان واحتماله، ورضاه عن الله فيما تجري به مقاديره، واستقامته على طاعته، وثباته على إيمانه بربه وبكمال حكمته، رغم كل ما أصابه من مكاره. إذن، فلابد من وجود مصائب ومكاره، يراها الإنسان شر، ليستوفي الامتحان شروطه اللازمة له. بذلك تقتضي الحكمة. وفي ظروف الحياة الدنيا قد تقضي الحكمة بمعاقبة بعض المسيئين والمجرمين، عناية بالمسيء حتى يتوب، أو تنبيهًا على قانون العدل الرباني، أو مكافأة للمظلوم وجبرًا لخاطره. على أن الجزاء الأوفى مدّخر إلى يوم الدين، ونظير ذلك يكون في بعض صور الثواب العاجل[38].

وإذا ما احتج الأبيقوريون بآلام الأطفال أو من هم دون التكليف، فإننا نقول إنها إمَّا أن تكون للإعداد والتربية أو للبحث عن سُبل لتفاديها في المستقبل كحث العلماء على دراسة وباء أو جائحة لتقديم العلاج الناجع لها، وإمَّا أن تكون من معجّل الجزاء الذي اقتضته الحكمة الإلهية العظيمة أو السنن الثابتة العامة.

كما يتضح ضيق أفق الأبيقوريين الفكري من إنكارهم للعناية الإلهية، فلو أنهم تأملوا جيدًا في الكون؛ في السماء ونجومها ورفعتها بغير عمد، وفي الجبال ورسوخها والأرض وفجاجها، وفي البحار وأمواجها، وفي كل مظاهر الحياة من حولهم، لوجدوا علامات بارزة تدل على تنظيم منفذ بحكمة كبيرة طبقًا لمقصد معين، ولوجدوا تنوعًا لا يمكن الإحاطة به، سواء من حيث مفهومه أو من حيث كمه اللامحدود. فالشمس مثلًا لو كانت أعظم جرمًا مما هي أو أقرب لهلك كل كائن حي من شدة الحر، ولو كانت أصغر حجمًا أو أبعد مسافة لهلكت المخلوقات من شدة البرد. كذلك الأرض فهي مخلوقة بصورة يتأتى لنا المقام عليها، ولو كانت بشكل آخر غير شكلها، أو في موضع آخر غير الموضع الذي هي عليه، أو بقدر غير هذا القدر، لما أمكن أن نُوجد فيها أو نُخلق عليها، ولولا دورانها حول نفسها بهذه الدقة ما كان هناك ليل أو نهار، ولولا دورانها حول الشمس ما كان هناك صيف ولا شتاء، ولا ربيع ولا خريف. وكل ذلك وغيره يعكس تدبيرًا وعناية إلهية لا يمكن أن نعزوه للمصادفة أو الضرورة الطبيعية.

ولا أعرف كيف يتغاضى منكرو العناية الإلهية كالأبيقوريين وغيرهم وهم يرون ذلك الإتقان اللامتناهي في كافة المخلوقات من الذرة إلى المجرة، ومن الخلية إلى الجسم كله. ألم تثبت العلوم التقنية المعاصرة كثيرًا من أوجه العناية الربانية التي لا يملك معها الإنسان إلا أن يسلم تسليمًا. لقد كانت رؤية الأبيقوريين قاصرة، فقالوا بوجود الله وأنكروا عنايته بالكون فاقتربوا كثيرا من مذهب الربوبيين في شكله المعاصر.

أما توماس هوبز رغم ماديته فإنه خلط مشكلة وجود الشر في العالم بفلسفته السياسية وتصوره للحاكم التنين الذي يقهر الجميع، ومن ثم ارتأى أن الله فوق الخير والشر بالمعنى الحرفي للكلمة، رغم أنَّه في مواضع أخرى وتماشيًا مع نزعته المادية اعتبر الطبيعة ليست إلا مادة متحركة، وبالتالي فهي ليست فاضلة أو غير فاضلة، إنها فقط لا تبالي بالفضائل لذلك لا ينبغي أن نتحدث عن خير وشر مجردين، فالخير والشر مجرد انعكاسات لرغبات الإنسان، فهي مجرد مفاهيم نسبية، أي ما يكون خير لك من الممكن أن يكون شر لخصمك. وهي الفكرة نفسها التي سنجدها عند  فريدرك نيتشه الذي رأى أنَّ كونًا بدون إله يكون خاليًا من مفاهيم الخير والشر، وأن تلك المفاهيم ما هي إلا تصورات يفرضها الإنسان على الكون الذي لا يبالي به. ولا شك أن كليهما وسائر من نهج نهجهما قد وصل إلى النهاية المنطقية من إنكار وجود إله، ومن ثم فليس هناك حياة أخروية، ومن ثم كان على الإنسان أن يحصِّل أقصى ما يستطيع من متع، وبالتالي يصبح ما قد يواجهه من ألم وحرمان شر لا جدال فيه.

أمّا فولتير بعد أن أورد الشبهة أخذ يناقشها كفيلسوف ويحاول تفنيد حجج الملحدين عقليًا، ورأى- بداية- أن إعطاء جواب يحيط بالمسائل جميعها ويرد على مسألة الشر هو أمر فوق امكاناتنا. ولكن الاعتراضات التي يأتي بها الملحدون يجب ألا تجعلنا نتخلى عما نعرفه معرفة وثيقة من نواحٍ أخرى. فإننا إذا رأينا بناءً بديعًا لا يمكننا أن نشك في أن مهندسًا موجودًا -أو قد وجد- قام ببنائه. ولكننا نرى على مراقي الدرج دمًا وقاذورات. فهل هذا يكفي كي نخلص إلى القول بأن المهندس غير موجود؟ فالملحدون يقعون في هذه السفسطة. وليس في الإمكان إنكار وجود منظم لهذا القصر البديع، ألا وهو الكون، لأننا نجد دمًا وقاذورات توسخ أدراجه[39].

وهكذا وضع فولتير المسمار الأول في نعش هذه الشبهة التي حاول ديفيد هيوم أن يستعيدها- مرة أخرى- زاعما أن الشر والمعاناة يحيط بنا من كل جانب فكيف يكون هناك إله عليم وقدير رحيم؟ ويمكن دحض شُبَه هيوم بأن موقفه لا ينم عن موقف عقلاني بقدر ما ينم عن موقف انفعالي ساعد على تكونه رؤيته الحسية التجريبية التي لا تعترف إلا بما هو مادي، حيث يجعل من المادة الحقيقة القصوى، فلا يفسح أي مساحة للغيبيات، بل يؤكد على أنَّ كل ما لا يتمثل لمعيار التجربة الحسيّة يجب أن يُقذف به في النار (Commit it then to the flames ؛ لأنَّه – من وجهة نظره - لا يمكن أن يحتوي إلّا على السفسطة والوهم» [40].

وهنا يمكن الرد على هيوم بالقول إنّ الإله الخالق العادل قد أعطى الحرية الكاملة للإنسان، ومن تلك الحرية نشأ الشر. وهو الأمر الذي سيتضح بقوة عند إيمانويل كانط I. Kant (1724-1804 الذي سيؤكد على أنَّ كل الشرور الموجودة في العالم تنبع من الحرية»[41].  ذلك الشر الذي عجز هيوم - بإنكاره للبعث- عن تبرير مصير أصحابه إذا لم يكن هناك معاد أخروي. فكيف يتساوى الخيّر والشرير في المآل الأخير؟ ولماذا يصرّ هيوم- دون تبرير- على استبعاد رؤية الفلاسفة الإلهيين الذين يرون أنَّ الكوارث الطبيعيّة فيها ما ينفع الناس ويحافظ على الطبيعة بشكل ما؟ أو أنَّ الله سمح بوجود الشر في العالم، لكنه جعله شرطًا لا غاية من أجل صلاح العالم وانتظامه[42]. وخاصة أنّه إذا ما نظر الإنسان من هذا المنظور، وأعاد تقييم حُسن الحوادث وقبحها ضمن أفق أوسع. فإنّه سيرى كل علاقات القوانين الكلية بطريقة أخرى، وسيراقب في حالة من الحمد، رحمة الله وصحة أعماله من بين منعطفات ودقائق العناية الإلهيّة[43]. كما يرى كثير من الباحثين أنَّ وجود الشر في العالم ليس دليلًا على عدم وجود الله، حتى لو استطاع التشكيك في كفاءة برهان الغائية والنظام[44].

كما يمكننا القول إنَّ أهمّ النقود التي وُجِهت لهيوم في هذا الإطار هو نقد «جون هيك John Hick” الذي رأى أنَّ هيوم قد أخطأ حينما استخدم مشكلة الشر بكونها حجة تدحض الإيمان بالله، فقد رأى هيك أن هيوم قد خلط بين ما يجب أن يكون عليه الفردوس، بصفته بيئة للموجودات المتناهية الكاملة، وما يجب أن يكون عليه العالم، بصفته بيئة للموجودات التي تمر بعملية التحول إلى الكمال. فإذا كان تصورنا العام عن الغاية الإلهية صحيحًا، فليس المقصود إذن من العالم أن يكون فردوسًا، وإنما مشهدًا من التاريخ قد تتشكل فيه الشخصية الإنسانيّة، متجهة صوب نموذج المسيح. ومن ثم فإنّه لا يجب النظر إلى البشر قياسًا على الحيوانات الأليفة التي يخلق الله لها حياة مريحة بقدر الإمكان، وإنما قياسًا على الأطفال الذين سيسير نموهم نحو مرحلة البلوغ، في بيئة ليست غايتها الأساسية والأسمى هي المتعة المباشرة، وإنما إدراك الإمكانيات ذات القيمة العليا للشخصية الإنسانيّة[45].

أمَّا بالنسبة لاعتراضات شوبنهاور الإلحادية، فمن المعروف أن فلسفته قد تأسست على مبدأ «إن العالم إرادة فقط»، فاستغنى بذلك عن كل عون إلهي يمكن أن يأتي من الخارج، ولذلك تراه يجد أن العالم الغيبي هو عالم من اختراع البشر- كما سبق أن أشرنا- معترضًا على رأي ليبنتز الذي يقول فيه إنَّ هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة، ورأى أنَّه أسوأ العوالم الممكنة، وإلا كيف يكون أفضل العوالم الممكنة مع كل هذه الشرور الموجودة فيه[46]. فمن الطبيعي أنَّ ما يقوم على الإرادة الإنسانيّة وحدها لابد أن ينتج عنه تعب وكدح ومعاناة مما يملأ العالم بالبؤس والشقاء، فالإرادة لا تنتهي مطالبها، وما يحققه الإنسان اليوم لا يرضيه غدًا، فيظل هكذا في شقاء دائم متواصل لا ينقطع. ومن ثم يعمل الإيمان بالله والتوكل عليه  على تحقيق السكينة والطمأنينة التي افتقدها شوبنهاور.  ولو أنه آمن بوجود حياة أخروية لاستيقن أن الدار الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأنها كأية امتحانات لا تمر دون كفاح وعناء وجهاد ،يعقبها- للأخيار فقط- راحة مستمرة وسكينة أبدية.

كما أنَّ اعتراض رسل على وجود الإله في حالة وجود طفل ينازع الموت في عالم خلقه رب كامل الصفات، لا يعبر- في حقيقته- إلا عن موقف اعتراضي انفعالي يعبر عن حالة فارغة معطلة بلا أية دلالة. فهل وَجَدَ رسل ما يقوله لهذا الطفل، غير: لقد انتهى رصيد خلاياك، وحان الوقت لتعود إلى التراب! إنك من لاشيء وإلى لاشيء. لقد حان الوقت أن تصبح وجبة للدود، وداعًا بلا  لقاء، ولا رجاء[47].

ومن تلك الردود على هؤلاء المذكورين من الفلاسفة الملحدين الذين أثاروا شبهة وجود الشر كحجة على عدم وجود الله يمكننا الرد – بشكل عام- على كل الفلاسفة والكتّاب والمفكرين الملحدين القدماء والمعاصرين الذين اتخذوا من شبهة وجود الشر في العالم الشبهة الأولى لإلحادهم، وذلك من خلال ما يلي:

في بداية دحض هذه المشكلة الخاصة بوجود الشر في العالم وما ينتج عنها من إنكار وجود إله، يجب أن نسلم- صراحةً- أنها حجة غير منطقية؛ لأن وجود الشر من الممكن أن يشكل اعتراض أخلاقي على وجود إله  قادر، عليم، رحيم. لكنّه لا يقوم كحجة دامغة لإنكار الإله؛ أي أنَّه -كما رأى أنتوني فلو- أن وجود الشر والألم في العالم لا ينفي الوجود الإلهي، وأنَّه لا علاقة بين وجود الإله وتبرير أو عدم تبرير وجود الشر، لكن- أقصى ما يفعله أنه يدفعنا لإعادة النظر بخصوص الصفات الإلهية[48].

كما أنَّه يمكن النظر إلى المشكلة بشكل معكوس من خلال السؤال التالي: هل معضلة تفسير وجود الشر في العالم هي التي تنتج الإلحاد؟ أم أن الإلحاد هو الذي ينتج معضلة تفسير وجود الشر؟ أرى أن الصيغة الثانية هي الأقرب للصواب؛ حيث إنَّ الإلحاد المتمثل في إنكار وجود إله يثيب المحسن ويعاقب المجرم في حياة أخروية هو الذي أنتج معضلة تفسير وجود الشر؛ إذ إن غاية الإنسان الذي لا يؤمن بحياة أخروية هو التمتع بكل الملذات الحسية والمعنوية الموجودة في هذا العالم، ولذلك يصبح كل ما يشعر به من ألم، وكل ما يمنعه عن الوصول إلى هذه المتع شر يسعى للتخلص منه. وانطلاقًا من هذا المنظور- كما يرى عمرو شريف- يصبح  كل ما يتعرض له الإنسان من شرور وآلام أمورًا عشوائية تمر به خلال حياته في دنيا نشأت بأسلوب عشوائي، ومن ثم يصبح القول بوجود إله كله رحمة ومحبة ينظم هذه الحياة هراء وعبثًا[49].

 لكنه لو آمن بوجود إله يثيب ويعاقب في حياة أخروية لعرف أن الحياة الدنيوية بداية لرحلة أبدية وهي بمثابة «لجنة اختبار» يثاب فيها على ما قدمه من خير ويعاقب على ما ارتكبه من شرور. كما يمكنه ببساطة تبرير وقوع الشر على الأطفال والضعفاء وغيرهما ممن يقع عليهم الشر في العالم ويعانون، حيث سيتعرف المؤمن على جلال ربه من خلال البلايا، وعلى جماله من خلال العطايا. كما ستكون الحياة الدنيا ليست إلا لحظة إذا قورنت بالحياة الأخرى الأبدية، ومن ثم يهون كل ما عاناه الإنسان في الدنيا بغمسة واحدة في نعيم الجنة، حيث يثاب المؤمن على قدر ابتلائه، فكلما زادت المعاناة في الدنيا زاد النعيم في الآخرة حتى يتمنى المؤمن لو كانت حياته كلها شقاء.

ومن ثم يمكننا القول أن معضلة الشر تبدو مستحيلة الفهم عند إنكار وجود الله.، أما في حالة الإيمان فإنها تعكس أبعادًا وأسرارًا أخلاقية بعيدة الغور، ودروس بالغة العظة والحكمة، بل يمكن القول إن وجود الشر هو دليل على تمتع الإنسان بإرادة حرة، تلك التي تدحض التناقض بين وجود الشر ووجود الإله، ومن ثم تصبح  مشكلة الشر سبيلا للبرهنة على وجود حرية الإرادة الإنسانية كنعمة إلهية.

إن التمييز المنطقي بين الإله الكامل والمخلوقات الناقصة ينتج عنه وجود نقص يتمثل في كافة الشرور الموجودة في العالم. وذلك لأن لو كان  العالم خلوا من الشر لتساوى مع الإله الخالق في الكمال، وهذا لا يصح منطقيا. والشر الذي نراه في العالم من زلازل وبراكين وفيضانات وسيول وأوبئة وكوارث ما هي إلا تعبير عن أوجه النقص في العالم؛ لأن الكمال لا ينبغي أن يكون إلا لله وحده.

كما أن الحياة الدنيا لا يكون لها طعم لو أنها لذة دائمة، فبضدها تتميز الأشياء، فلا معنى للصحة بدون المرض، ولا للنور بدون الظلام، ولا للجوع بدون الشبع، ومن ثم لن يكون هناك معنى للخير بدون وجود الشر، ويعد هذا مبرر وجودي لوجود الشر، وبالتالي لن يكون هناك معنى لحياة الإنسان إن لم يخطأ، ولذلك كان من صفات الله أنه غفور يغفر الخطايا لمن تاب وأناب.

كما يمكن القول إن الله لا يخلق شرًا محضًا، فما قد نراه شرًا –بادئ الرأي- قد نلمح فيه الخير إن تلمسناه من كل جوانبه، وليس شرطًا أن تكون الحكمة ظاهرة، فربما تغيب عنا الحكمة أو المنفعة من وجوده، وربما ما نراه شرًا لنا، يكون فيه نفع وخير لغيرنا. فالزلازل والبراكين مثلا هي نتاج قوانين فيزيائية وضعها الله في الأرض، وهي ليست شرًا في حد ذاتها؛ لأنها قد تحدث في مكان ليس فيه إنسان ولا حيوان يتضرر،  ثم إنَّ هناك خير كامن فيها، فهي من أسباب تهيئة الأرض للعيش، فهي تنفس عن الطاقة المخزونة في باطن الأرض. وكذلك في كل باقي أمور الحياة قد يرى الإنسان الأمر على أنه شر وهو فيه الخير الكثير[50]

إن غياب مفاهيم الصبر على الابتلاء، والجزاء، والثواب،... وغيرها من مفاهيم تحث على تحمل المعاناة نظرًا للجزاء العاجل أو الآجل، مع انتشار الرفاهية التي وفرتها المخترعات التكنولوجية في العصر الراهن – كل هذه الأمور- ترفع حساسية الإنسان المعاصر، وتجعل صدره ضيقًا حرجًا مع أبسط ما يلاقي من أوجه الشر، فلا يطيقه ولا يتحمله، ومن ثم يكون الانفعال الزائد بسببه، مما يجعله ينكر وجود الخالق. ولكنه عندما يلحد وينكر وجود الله هل ينتهي الشر من العالم؟! هل تغمره السعادة والراحة الأبدية؟! وعندما يكون الجواب بالنفي، فإنه سيكون الإلحاد الناتج عن الشر ما هو إلا موقف انفعالي غير معقول ولا مبرر له.

 ومن ثم فليس هناك أي تلازم منطقي صحيح بين وجود الشر ونفي وجود الله أو نفي صفاته، فليس معنى وجود الإله، أنه لابد أن يمنع وجود الشر، فهذا إطلاق لا وجه لصحته، ولا دليل منطقي عليه، بل حجة المؤمنين برد الشر لحكمة عليا أَوجه وأَوفى، فالله عز وجل لا يفعل شيئًا إلا لحكمة، فلا تخرج أفعال الله تعالى عن الحكمة والمصلحة والإحسان والرحمة والعدل والصواب، كما لا تخرج أفعاله عن العدل والصدق[51].  

وهكذا تتهاوي المعضلة الإلحادية المحورية؛ «معضلة الشر والألم»، وهي كما سبق أن بيّنا أهم الحجج العقلية والفلسفية التي يطرحها الملاحدة في كل العصور لتدعيم إنكارهم لوجود الله، وهو الأمر الذي تنبه له الكثير من الفلاسفة والملحدين السابقين، فعندما عاد «أنتوني فلو» إلى الإيمان، أعلن أن وجود الشر والألم في حياة البشر لا ينفي وجود الله، وأنه مهما تعددت تفسيراتنا لهذه المشكلة سيظل التفسير الديني هو الأكثر قبولًا والأكثر انسجامًا مع طبيعة الحياة.  كما أن العديد من الفلاسفة  قد حاولوا تبرير مشكلة وجود الشر في العالم دون أن يؤدي ذلك إلى الإلحاد، وهو ما سوف نشير إليه في المبحث التالي.

المبحث الرابع- التبرير الفلسفي لمعضلة وجود الشر في العالم:

تدخل مشكلة الشَّر ووجود الله في التقاليد الفلسفية في ما يعرف بمبحث الثيوديسيا Theodcy؛ وهي كما يبدو من تكوينها الحرفي كلمة يونانية تتكون من مقطعين Theo أي (الله و(decy أي (عدل، ومن ثم يكون معنى الثيوديسيا اللغوي (عدل الله أو (العدالة الإلهية أو (علم تبرير العدالة الإلهية. وقد ظهرت هذه الكلمة لأول مرة مع الفيلسوف الألماني ليبنتز في كتابه (Theodicy الذي نشره في عام 1710م، وتُرجم إلى معظم لغات الدنيا إلا اللغة العربية مع الأسف الشديد. ويكاد يكون الموضوع الرئيسي للثيوديسيا هو أنّ الشَّر الموجود في العالم لا يمنع من الإقرار بوجود إله، وقد عرّفها الفيلسوف الأمريكي المعاصر ألفين بلانتيغا  Alvin Carl Plantinga (1932-؟ بأنها “الإجابة على سؤال لماذا يسمح الله بوجود الشر”[52].

وتعد الثيوديسيا مبحثًا فلسفيًا يمكن الاعتماد عليه كمرجعيّة فلسفية تحاول البرهنة العقلية على أنَّ الشر الموجود في العالم لا يمنع من الإقرار بوجود الله، وهي تختلف عن دفاع علماء الكلام واللاهوتيين الذي يعتمد على مناهج شبه فلسفية، بينما تعتمد الثيوديسيا على المناهج الفلسفية العقلانية مستخدمة الطرق البرهانية. ومن ثمَّ يمكننا تعريف الثيوديسيا اصطلاحيًا على أنَّها: ذلك المبحث الذي يحاول أن يجعل من وجود إله كلي المعرفة، لا متناهي القدرة، رحيم، أمر متماسك عقلانيًا مع وجود الشر في العالم.

وكان  ليبنتز من أشهر الفلاسفة الذين تصدوا لمشكلة الشر بوصفها حجة إلحادية؛ حيث سلَّم ليبنتز بوجود الشر في هذا العالم الذي يعده أصلح العوالم الممكنة، وهو أمر يسلّم به كل إنسان، ولكنّ ليبنتز يرى أنَّ الله لا يريد الشر بل يسمح بوجوده، وهو قليل وعارض، إذا ما قورن بالخير الموجود في العالم، بل يمكن القول بأنّه خير في حقيقة الأمر؛ لأنه يستخدم من أجل الخير[53]. فربما خير لا يمكن الوصول إليه دون شر ما؛ بل يحدث في أغلب الأحيان أنّ شرّين يُوِجدان خيرًا كثيرًا[54]. فالخير إذن هو الأصل والشر أمر عارض يراد منه الخير؛ فالله الخيّر لا يمكن أن يخلق الشر من أجل الشر. أمّا الشر فمنبعه الإنسان الذي تصدر منه الشرور نتيجة نقصه الطبيعي، ونتيجة تلك الحرية التي وهبها الله للمخلوقات[55]. بل يرى ليبنتز أن الخطيئة الأولى - التي يرى فيها علم اللاهوت المسيحي أنها السبب في خطايا الإنسان وشروره وآثامه – كانت سببًا لخير أكبر هو نزول المسيح من أجل خلاص الإنسانيّة، كذلك كانت خطيئة يهوذا الإسخريوطي الذي خان المسيح وسلمه لمن صلبوه، كان ذلك سببًا لخير أكثر هو فداء الإنسانية وخلاصها، حتى خطيئة الإنسان نفسه قد تكون سببًا لخير أعظم. ومن ثم تكون مثل هذه الخطايا خطايا سعيدة[56].

ومن ثم يجيب ليبنتز على هذا السؤال طالما ساقه الملحدون في وجه اللاهوتيين، ورأى أن الإجابة المثلى عليه تتلخص في التفرقة بين  ثلاثة أوجه من الشر: الشر الميتافيزيقي، والشر الفيزيائي، والشر الأخلاقي[57].

أمَّا الشر الميتافيزيقي فهو النقص الفيزيائي والعقلي والأخلاقي الملازم لكل مخلوق. إنّه شر اقتضت حكمة الله أن يكون موجودًا، لأنه نتيجة لازمة عن كونه  سبحانه وتعالى هو الخالق الكامل،  الذي لا يمكن أن تكون مخلوقاته كاملة مثله، وإلا انتفى التمييز والفارق  بين  الخالق والمخلوق، إن خاصية  المخلوق هي أنَّه ليس الله، فكيف يطلب من الله أن يجعل مخلوقاته كاملة مثله؟! وعلى هذا فلا يجوز لنا أن نلوم الله على ما في مخلوقاته من نقص.

أمَّا الشر الفيزيائي فهو الألم بكل أشكاله. ويفسر ليبنتز وجوده بأن الله لم يرده، ولكنه وجد نتيجة  لتحقيقه خيرات. فإن الارتباط بين الموضوعات والأحداث وثيق إلى درجة أن بعضها لا يمكن أن يتحقق، إلّا إذا تحقق البعض الآخر. أي أنّ من أجل تحقيق خير أكبر، علينا أن نتحمل بعض الشرور بوصفها شرطًا لتحقيق هذه الخيرات الأكبر. أي أننا نتحمل بعض المتاعب لنفوز بثمرة النجاح في النهاية، ثم أنَّ الله عادل، والعدل يقتضي عقاب الأشرار، ولهذا كانت الآلام في أحيان كثيرة نوعًا من العقاب على الخطايا والذنوب.

بقي الشر الأخلاقي، وهو الخطيئة بكل درجاتها، ولا يمكن أن ندَّعي أنَّ الله أرادها، لأنَّ الله حرَّم ارتكاب الخطايا. كما لا يمكن أن نقول إن الله يسمح بها، ذلك لأنه يجعل من الواجب تجنبها، لذلك لم يبق غير تفسير وحيد ممكن هو أننا قد نجد أنفسنا في بعض الأحوال مجبرين على الاختيار بين خطيئتين أو اختيارين كلاهما سيء. كالطبيب الذي يجد نفسه بين أن يصارح المريض بحقيقة مرضه الخطير مما قد يؤدي إلى موته أو أنه يكذب عليه إنقاذًا لحياته. فيفترض ليبنتز أنَّ الله كان بين شرين: أحدهما أن لا يخلق العالم، والثاني أن يقبل بعض الخطايا الأخلاقيّة بوصفها شرطًا لوجود أحسن عالم ممكن. ولقد اختار الله أهون الشرين: وهو أن يخلق العالم رغم ما ينطوي عليه من خطايا بالضرورة.

ورغم أن فولتير قد انحاز إلى الجانب الإيماني وهاجم الإلحاد حين قال:»من الجنون أن يرتمي المرء في أحضان الإلحاد كما فعل ديدرو وهولباخ وغريم. ففي الرأي القائل بوجود الله صعوبات، إلا أن في الرأي المعاكس محالات»[58]. ومع ذلك لا نجد أنفسنا أمام موقف واحد ونهائي حول تصوره لصفات الإله، بل نجد تردد وحيرة، فتارة يقول بوجود إله كامل متعالٍ ولا متناه، وأنه خيّر وعادل، وتارة يقول بتناهي الإله. ومع ذلك لا يمكن أن نتجاهل تلك الاعتراضات التي وجهها فولتير لشبهة وجود الشر في العالم وذلك لوجاهتها وتماسكها العقلاني، وكان من أهمها:

إن وجود الشر لا ينفي وجود الله، لأن وجود دم وقاذورات على درج سلم قصر كبير لا ينفي وجود المهندس الذي قام بتصميمه.

ليس هناك دليل على أن الفكرة الإنسانية عن الشر مطابقة للفكرة التي يراها الله، فهل نحن موجودون في الكون في النقطة اللازمة كي نتبيّن النفع والجلال والجمال في الأشياء التي تصدمنا. أليس من السخف أن يحاول الإنسان بمقاييسه الصغيرة أن يخضع العبقرية.

إنه سيكون من التناقض أن يوجد الخير ولا يوجد الشر.

لينتهي فولتير من ذلك إلى القول:” فلنعتقد إذن بوجود الله، ولندع المماحكات لمن يشاء دون أن نتأثر بها”[59].

وفي العصور الراهنة أكد الفيلسوف الأمريكي جوزيا رويس Josiah Royce (1855-1916 على الوجود الأصيل للشر.  فقد جعلت دراسة شوبنهاور للشر مستحيلا عليه أن ينكر وجود الشر ويصفه بأنه وهم، أو مجرد شيء ظاهري. وعلى ذلك، فإنَّ الله عند رويس – وهو يختلف عن “إرادة الحياة” عند شوبنهاور- لم يرد العالم بشروره بطريقة عابثة. لقد أراد الله الشر لكي ينتج الخير الأعظم الذي لولاه ما تحقق[60]. ومن ثم يتم تبرير كل الشرور العارضة من حيث إنها أجزاء ضرورية من الخير الأزلي القائم. ويقدم “رويس” أمثلة أخلاقيّة يدّعم بها رؤيته؛ فيرى أن يوسف- عليه السلام- في القصة التي يرويها الكتاب المقدس، خانه أخوته، لكنَّ الخيانة جعلت -في نهاية الأمر- مهمة يوسف الناجحة في مصر، وتم لم شمل الأسرة بشكل أكثر سعادة مما لو لم تحدث الخيانة على الإطلاق. ويحذر جوزيا رويس من الفهم الخاطئ لهذا التفسير في أن يشعر كل مخطئ بالرضا، معتقدًا أن ما فعله من شر هو مساهمة في السرور الإلهي. إذ يرى أن الله – حقًا- يسمح للمخطئ بأن يخطئ، وأنه يحول هذا الشر إلى خير دائم عن طريق خدمات أرواح أخرى متناهية، لكن المخطئ يُلام ويُدان على نحو أزلي بسبب الشر الذي ارتكبه الذي لا يصبح خيرًا إلا عن طريق تضحيات بطولية من الآخرين[61].

أما الفيلسوف الإيطالي بندتو كروتشة B.Croce (1866-1952 يرى أن وجود الشر في العالم ضرورة لاستمراره، فهو المحرك الدائم للحياة الروحية؛ وما الحياة الروحية في -نظره- سوى كفاح مستمر ضد الشر، ووصول تدريجي إلى الخير. والحق أن كروتشة يتصور الحياة على أنها صراع دائب وجهد مستمر، لا مجرد تحسر فارغ على المثل العليا، أو مجرد حنين أجوف إلى بعض المدن الفاضلة كما يتصور بعض المثاليين. وليس من شأن الشر سوى أن يكون بمثابة حافز يدفعنا إلى العمل على النضال المستمر من أجل إبداع الخير وتحقيق القيم[62]. كما يرى كروتشه أن الشر ضروري لوجود الخير، إذ لولا إمكانية الشر لكانت إمكانية الخير ضربًا من المحال. ووجود الشر أكبر دليل على الحرية الإنسانية؛ إذ لولاه لحقق الإنسان الخير بطريقة آلية (ميكانيكية، ومعنى هذا أننا لو رفعنا عن الإنسان إمكانية الشر أو الخطأ أو الضلال لأصبح كائنًا مجبرًا لا يملك أدنى قسط من الحرية على الإطلاق[63].

كما قدّم الفيلسوف الأمريكي المعاصر ألفين بلانتينجا دفاعًا عاد فيه إلى الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط وتابعه فيه العديد من الفلاسفة المعاصرين، ركَّز فيه بلانتينجا على إظهار الإمكانية المنطقية لوجود الله مع وجود الشر. وجادل بلانتنجا عن دفاع الإرادة الحرة بأن وجود الله مع وجود الشر ليس مستحيلاً منطقيًا، وأن الإرادة الحرة تعلل وجود الشر دون التأثير على الاعتقاد بوجود الله[64].

وهكذا يذهب العديد من الفلاسفة إلى نقد شبهة وجود الشر في العالم كدليل على عدم وجود الإله. ويرى الكثير من الباحثين أن القول بأن وجود الشر في العالم دليل على عدم وجود الله، هو  قول أو حكم متسرع، يكتفي بالرفض والوجوم، دون أن يُرضي وجدان الإنسان، ولا أن يروي أعماق نفسه المتعطشة لنموذج العدل؛ إذ الإلحاد يجعل الشرور التي في هذه الدنيا بلا عاقبة، ينجو الشرير من شروره، ويمنع المحسن من الجزاء، ولا يُنتصف للمظلوم. إنها مسرحية تراجيدية قاتمة المقاطع، لا تقود فيها الحبكة الدرامية المتقنة في فصولها الأولى إلى نهاية منطقية، وإنما تنتهي المسرحية في فصولها الأولى القصيرة بلا أمل  في “حكمة!”[65]. ولذلك تصبح الحياة أشد إيلامًا للملحد، فكل لحظة هي قلق، عقارب الساعة تشير دائما إلى اقتراب الموت والفناء، ويتساوى الخير مع الشر إذا غاب القانون، وأؤتمن العقاب. ليصير الإلحاد انتحار عقلي مغرور، وسقوط لزج يقود إلى اللانتيجة؛ إذ هو جواب صارخ بالصمت يغتال بضجيجه لهفة المعرفة العطشى على لسان النفس التائقة إلى حقيقة الحقيقة [66]. ومن ثم يتهافت الإلحاد ويسقط ويهوي ويصبح بلا مبرر عقلي سوى العناد والتكبر والاستجابة للهوى وللنفس الأمارة بالسوء.

خاتمة:

انتهي هذا البحث إلى مجموعة من النتائج المهمة التي خلص إليها، لعل من أهمها ما يلي:

أولاً: إنَّ مشكلة وجود الشر والألم والمعاناة في العالم هي أهم الحجج العقلية والفلسفية التي طرحها الملحدون على مر العصور لتدعيم إنكارهم لوجود الإله، وصاغوها بصيغ مختلفة تبين أنها تعاني من ناحية التماسك المنطقي؛ حيث إن وجود الشر لا ينفي وجود الإله، فغاية ما في الأمر أنه قد يدفع المتشكك إلى إعادة النظر بخصوص بعض الصفات الإلهية (القدرة- العلم- الرحمة، ولكنه لا يؤدي أبدًا إلى إنكار وجود الإله؛ فوجود بعض الدم والقاذورات- كما قال فولتير- على درج سلم قصر كبير لا ينفي وجود المهندس الذي قام بتصميمه. كما أن التقصي حول أول من أثار هذه الشبهة في التاريخ الفلسفي بيَّن خطأ هيوم الذي أرجعها إلى أبيقور، وهو الأمر الذي تابعه فيه الكثير من المفكرين والباحثين، ليعود  أصل الشبهة إلى أحد الشكاك الأوائل في الفلسفة اليونانية -وهو أمر له دلالته- وهو سكستوس أمبريقوس.

ثانيًا: إنَّ مشكلة وجود الشر في العالم تعد نتيجة للإلحاد، وليست سببًا له كما يريد أن يقنعنا الملحدون؛ لأنهم عندما انصاعوا إلى المنظور المادي الذي يرى أن الحياة الدنيا ليس وراءها غرض، ولا تحكمها غاية، وأنه ليس هناك حياة غير هذه الحياة وأن الإنسان إذا مات صار عدمًا، أخذ يؤرقهم كل ما يحول بينهم وبين المتع والملذات الحسية الدنيوية فيعدونه شرًا محضًا يجب أن يتدخل الإله ليزيله أو يُعد –من وجهة نظرهم- إله شرير أو عاجز أو غير موجود. لكنهم لو آمنوا بوجود حياة أخروية، وأن الموت ليس فناء محضًا، وأن هناك حياة برزخية تعقبها نشأة أخرى، تُوتى فيها كل نفس بما كسبت، وتخلد فيها بما عملت، ويوفى الصابرون على الشدائد والمكاره أجرهم بغير حساب، ولا يفلت  من العدل الإلهي جبار ولا مستكبر،  لطابت أنفسهم وعلموا حقيقة حياتهم، وأنهم بصدد دار تكليف وابتلاء طبيعتها المشقة والكبد. وعليهم أن يجتازوا الامتحان في هذه الدار بفعل الخيرات والصبر على الشدائد والمكاره حتى ينعموا بالفردوس السماوي الذي لا شر فيه ولا ألم ولا معاناة.

ثالثًا: إن الحركة الإلحادية حركة سلبية عجزت عن تقديم بديلا للدين، وإنما اكتفت بالتشكيك في كافة أركانه ودعائمه، ليظل الإلحاد في جوهره حالة فارغة ومعطلة وبلا أية دلالة ما لم يكن هناك ما يمكن الإلحاد به.  كما بدت نظرة الحركة الإلحادية للإنسان على أنها نظرة ضيقة، فلم تستطع تبيّن الحاجات الروحية فيه، ولم تعط أجوبة لأسئلته الوجودية المُلّحة من قبيل: من أين؟ وإلى أين؟ ولما؟! فهل يعقل أن تكون قصة الحياة عبارة عن “أرحام تدفع وأرض تبلع”، ولا شيء بعد ذلك؟ وكيف تستوي نهاية الأخيار الطاهرين الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الحق والخير، ونهاية الأشرار الملوثين الذين ضحوا بغيرهم في سبيل الهوى والشهوة؟  ليعبر الموقف الإلحادي عن موقف تملأه الحيرة والشكوك والاضطرابات النفسية والعقلية.

رابعًا: إنَّ الشر الفعلي الذي يُشقي الملحدين ليس هو الشر الموجود في العالم، وإنَّما هو الشر الذي اقترفه الملحد في حق نفسه حينما أنكر وجود إلاله، فتاهت نفسه في دروب لا نهاية لها من جحيم الشك والحيرة، وظلمات العمى والجهل، فيما يتعلق بأخص ما يخصه: في حقيقة نفسه، وسر وجوده، وغاية حياته. ففقد بذلك الركن الآمن الذي يأوي إليه، وهو الإله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء،  والذي يبقى الملاذ والمأوى المتين لكل مؤمن يلوذ به ويلجأ إليه ويعتمد عليه إذا ألمت به الشدائد، وحلت بساحته الكوارث، ففقد ما يحب، أو واجه ما يكره، أو خاب ما يرجو، أو وقع ما يخاف. هنا يأتي الإيمان بالله ليمنح صاحبه القوة عند الضعف والأمل في ساعة اليأس، والرجاء في لحظة الخوف، والصبر في السراء والضراء. فتهون أمامه كل المصائب والمصاعب، ويملأ التفاؤل نفسه، وتتسع في عينيه دائرة الوجود، وينشرح صدره فلا يضيق، فيجد من العزاء والرجاء والسكينة ما لا يقوم مقامه شيء آخر.

خامسًا: خلص هذا البحث إلى أن التفسير المنطقي والعقلاني لمشكلة وجود الشر في العالم هو ذلك التفسير الذي يرى أنَّ الشر والألم والمعاناة والأحداث غير المعقولة الموجودة في العالم ليست إلا أداة اختبار للإنسان، وتعبيرًا عن إرادة الإنسان الحرة، وإشعار الإنسان بقيمة النعم وحقيقتها، ومعرفة حقارة الدنيا وضآلتها، وحتى يكون هناك معنى للحياة فلا معنى لحياة بلا شر. وليس ما ذهب إليه الملحدون من إنكار لوجود الله أو القول بمحدوديته وتناهيه- تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-.ولذلك يمكننا القول إن بإمكان الإسلام بوصفه دينًا سماويًا يمتلك رؤية متكاملة لتفسير وجود الشر في العالم أن يقدم “ثيوديسيا” تكشف عن الحِكم الإلهية من وجود الشر في العالم، ولا تكتفي ببيان تهافت حجج الاعتراض الإلحادي.

مصادر البحث

أولًا- المصادر والمراجع العربية والمعربة:

أبيقور، رسالة إلى مينيسي، ضمن كتاب: الرسائل والحكم، ترجمة جلال الدين سعيد، الدار العربية للكتاب، 1991.

أحمد ماهر أحمد علي، حجاج الإلحاد في قضايا الإلهيات- دراسة نقدية في الفكر العربي المعاصر، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الفلسفة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة المنيا، 2019.

إمام عبدالفتاح إمام، توماس هوبز فيلسوف العقلانية، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، د.ت.

أندريه كريسون، فولتير (حياته- آثاره- فلسفته، ترجمة صباح محي الدين، بيروت، منشورات عويدات، الطبعة الثانية، 1984.

جلال الدين سعيد، أبيقور- الرسائل والحكم، الدار العربية للكتاب، 1991.

زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، ج1، القاهرة، مكتبة مصر، 1968.

زكريا إبراهيم، المشكلة الخلقية(مشكلات فلسفية-6، القاهرة، مكتبة مصر، ط1،1969.

سامي عامري، مشكلة الشر ووجود الله- الرد على أبرز شبهات الملاحدة، لندن، مركز تكوين للدراسات والأبحاث، ط2، 2016.

عبدالرحمن حنبكة الميداني، كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة، دمشق، دار القلم، ط2، 1991.

عبدالمعطي أحمد شعراوي، مقدمة كتاب لوكريتيوس، في طبيعة الأشياء، ترجمة على عبدالتواب علي وآخرون، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط1، 2018.

عزت قرني، نظرية الشر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 2018.

عمرو شريف، وهم الإلحاد، تقديم محمد عمارة، هدية مجلة الأزهر، 1435ه.

فردريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة(المجلد الرابع، ترجمة وتعليق: سعيد توفيق- محمود سيد أحمد،مراجعة إمام عبدالفتاح إمام، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2013.

فؤاد كامل، الفرد في فلسفة شوبنهاور، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1991.

محمد غلاب، الفلسفة الاغريقية، الجزء الثاني، القاهرة، ط1، 1938.

محمد فتح على خاني، فلسفة الدين عند هيوم، ترجمة حيدر نجف، بيروت، المركز الإسلامي للدراسات الاسترتيجية، العتبة العباسية المقدسة، 2016.

محمود قاسم، محيي الدين بن عربي، القاهرة، مكتبة القاهرة الحديثة، ط1، 1972.

مشير باسيل عون، نظرات في الفكر الإلحادي الحديث، بيروت، دار الهادي للطباعة والنشر، ط1، 2003.

مصطفى النشار، تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي،- المدارس الفلسفية اليونانية في العصر الهللينستي، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، ط1،2013.

منى أحمد محمود، فلسفة الدين عند جون هيك، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة  سوهاج، 2015.

وليم كلي رايت، تاريخ الفلسفة الحديثة، ترجمة : محمود سيد أحمد، القاهرة، المشروع القومي للترجمة، ط2، 2005.

ثانياً- المعاجم والموسوعات والقواميس:

ابن منظور، لسان العرب، المجلد الثالث، مجموعة من المحققين، بيروت، دار صادر، د.ت.

أندرية لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، المجلد الأول (A-G، بيروت /باريس، منشورات عويدات، تعريب: خليل أحمد خليل، إشراف: أحمد عويدات، ط2، 2001.

المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، القاهرة، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1983.

المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، القاهرة، طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم، 2005.

جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الأول، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1982.

عبدالرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، الجزء الثاني، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1984.

محمد عثمان الخشت، معجم الأديان العالمية، المجلد الأول، القاهرة، مركز جامعة القاهرة للغات والترجمة، الطبعة الثانية، 2016.

مراد وهبة، المعجم الفلسفي، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 1998.

ثالثاً: المصادر والمراجع الأجنبية:

Alvin Plantinga, God, freedom, and evil, William B. Eerdmans Publishing Company, First published by Harper and Row, United States of America,1974.

Antony Felw with Roy Abraham Varghes, There Is A God: How The world’s Most Notorious Atheist Changed his Mind, Harper Collins e_books, NewYork,2007.

 David Hume, Dialogues Concerning Natural Religion, in The English Philosophers from Bacon to Mill, edited with an introduction by Edwin A. Burtt, The Modern philosophy, New York, 1939.

David Hume, An Enquiry Concerning Human Understanding, in The English Philosophers from Bacon to Mill, edited. with An Introduction by Edwin A. Burtt, The modern Philosophy, New York, 1939.

Gloria L. Schaab, If God Is for Us: Christian Perspectives on God and Suffering, Created by the publishing team of Anselm Academic, United States of America, 2016.

Gregory E. Ganssle and Yena Lee, Evidential Problems of Evil, in :God and Evil :The Case for God in A World  filled with Pain, Edited by Chad Meister and James K. Dew JR., IVP Books, USA,2013.

Immanuel Kant, Lectures on Ethics, Translated by: Louis Infield, B.A.,O.B.E, With An Introduction by: J. MacMurray, M.A., Methuen. & Co. LTD, First Published, 1930.

John Hick, Philosophy of Religion (Englewood Cliffs: Prentice-Hall, Inc., 1963.

Karl Marx, Collective Works, Progress Publishers, Moscow, 1975.

Lee Stroble, The Case for Faith : A Journalist Investigates the Toughest Objections to Christianity,  Harper Collins, Zondervan, Michgan, USA, 2000.

Leibniz, Theodicy: Essays on the Goodness of God, the Freedom of Man and Origin of Evil, edited with Austin Farrer, translated by E.m., Huggard, open court, Chicago and La Salle, Illinois, 1990.

Richard Dawkins, The God Delusion, Bantam Press, London, 2006.

Toby George Betenson, The Problem of Evil as A Moral Objection to Theism, A thesis submitted to the University of Birmingham for the degree of DOCTOR OF PHILOSOPHY, USA, 2014.


[1]  ابن منظور، لسان العرب، مج3، مجموعة من المحققين، بيروت، دار صادر، د.ت، ص 388-389.

[2]  جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الأول، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1982، ص 119.

[3]John Hick, Philosophy of Religion, Englewood Cliffs: Prentice-Hall, Inc.,1963, p. 4.

[4]  أندرية لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، المجلد الأول (A-G ، بيروت /باريس، منشورات عويدات، تعريب: خليل أحمد خليل، إشراف : أحمد عويدات، الطبعة الثانية، 2001 ، ص 107.

[5]  مراد وهبة، المعجم الفلسفي، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 1998، ص 89. (مادة إلحاد)

[6]  محمد عثمان الخشت، معجم الأديان العالمية، المجلد الأول، ص 104-105.

[7]Richard Dawkins, The God Delusion, Bantam Press, London, 2006, p.14.

[8]  مشير باسيل عون، نظرات في الفكر الإلحادي الحديث، بيروت، دار الهادي للطباعة والنشر، 2003، ص 93.

[9]  ابن منظور، لسان العرب، المجلد الرابع، ص400.

[10]  المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، القاهرة، طبعة حاصة بوزارة التربية والتعليم، 2005، ص340. (مادة: الشرار).

[11]  عزت قرني، نظرية الشر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2018، ص46.

[12]  المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، القاهرة، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1983، ص102.

[13]  سامي عامري، مشكلة الشر ووجود الله- الرد على أبرز شبهات الملاحدة، لندن، مركز تكوين للدراسات والأبحاث، الطبعة الثانية، 2016، ص 108-109.

[14]  محمد غلاب، الفلسفة الاغريقية، الجزء الثاني،  القاهرة، 1938، ص 201.

[15]  جلال الدين سعيد، أبيقور- الرسائل والحكم، الدار العربية للكتاب، 1991، ص 95.

[16]Hume, Dialogues Concerning Natural Religion, in The English Philosophers from  Bacon to Mill, edited with an introduction by Edwin A. Burtt, The Modern philosophy, New York, 1939,p. (.Part 10, P.741

[17]  إمام عبدالفتاح إمام، توماس هوبز فيلسوف العقلانية، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، د.ت، ص418.

[18]  المرجع السابق، ص 418-419.

[19]  أندريه كريسون، فولتير (حياته- آثاره- فلسفته، ترجمة صباح محي الدين، بيروت، منشورات عويدات، ط2، 1984، ص68- 69.

[20] Hume, Dialogues Concerning Natural Religion, in The English Philosophers from  Bacon to Mill,(.Part 10, P.738.

[21] Ibid, p.738.

[22] Ibid, p.739.

[23]  فؤاد كامل، الفرد في فلسفة شوبنهاور، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1991، ص 87-88.

[24]  المرجع السابق، ص89.

[25] See, Karl Marx, Collective Works, Progress Publishers, Moscow, 1975, p.175.

[26] See, Gloria L. Schaab, If God Is for Us: Christian Perspectives on God and Suffering, Created by the publishing team of Anselm Academic, United States of America, 2016, p.26.

[27] See, Antony Felw  with Roy Abraham Varghes, There Is A God: How The world’s Most Notorious Atheist Changed his Mind, Harper Collins e_books, NewYork,2007, p. 13.

[28] See, Gregory E. Ganssle and Yena Lee, Evidential Problems of Evil, in :God and Evil :The Case for God in A World  filled with Pain, Edited by Chad Meister and James K. Dew JR., IVP Books, USA,2013, p.15.

[29]  سامي عامري، مشكلة الشر ووجوده، ص18-19.

[30]  المرجع السابق، ص19-20.

[31] See,Toby George Betenson, The Problem of Evil as A Moral Objection to Theism,  A thesis submitted to the University of Birmingham for the degree of DOCTOR OF PHILOSOPHY, USA, 2014, pp.180-182.

[32] See, Richard Dawkins, The God Delusion, p.108.

[33]See, Lee Stroble, The Case for Faith: A Journalist Investigates the Toughest Objections to Christianity,  Harper Collins, Zondervan , Michgan, USA, 2000.

[34]  أبيقور، رسالة إلى مينيسي، ضمن كتاب:الرسائل والحكم، ترجمة جلال الدين سعيد، الدار العربية للكتاب، 1991،[ف:125 ص 204.

[35]  عبدالمعطي أحمد شعراوي، مقدمة كتاب لوكريتيوس، في طبيعة الأشياء، ترجمة على عبدالتواب علي وآخرون، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2018، ص67.

[36]  عبدالرحمن حنبكة الميداني، كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة، دمشق، دار القلم، ط2، 1991، ص 447.

[37]  انظر، مصطفى النشار، تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي،- المدارس الفلسفية اليونانية في العصر الهللينستي، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية،2013، ص108-109.

[38]  عبدالرحمن حنبكة الميداني، كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة، ص 449.

[39]  أندريه كريسون، فولتير، ص 69.

[40]  Hume, An Enquiry Concerning Human Understanding, in The English Philosophers from Bacon to Mill, edited. with An Introduction by Edwin A. Burtt, The modern Philosophy, New York,1939,p.689.

[41] Kant, Lectures on Ethics, Translated by: Louis Infield, B.A.,O.B.E, With An Introduction by: J. MacMurray, M.A., Methuen. & Co. LTD, First Published, 1930, pp. 122-123.

[42]See, Leibniz, Theodicy: Essays on the Goodness of God, the Freedom of Man and Origin of Evil, edited with Austin Farrer, translated by E.m., Huggard, open court, Chicago and La Salle, Illinois, 1990, p.89.

[43]  محمد فتح على خاني، فلسفة الدين عند هيوم، ترجمة حيدر نجف، بيروت، المركز الإسلامي للدراسات الاسترتيجية، العتبة العباسية المقدسة، 2016، ص 345.

[44]  المرجع السابق، ص 354.

[45]  منى أحمد محمود، فلسفة الدين عند جون هيك، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة  سوهاج، 2015، ص217-218.

[46]  فردريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة(المجلد الرابع، ترجمة وتعليق: سعيد توفيق- محمود سيد أحمد، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2013، ص437.

[47]   انظر، سامي عامري، مشكلة الشر ووجود الله، ص 215.

[48] See, Antony Felw  with Roy Abraham Varghes, There Is A God: How The world’s Most Notorious Atheist Changed his Mind, p. 156.

[49]  عمرو شريف، وهم الإلحاد، تقديم محمد عمارة، هدية مجلة الأزهر، 1435، ص 157.

[50]  أحمد ماهر أحمد علي، حجاج الإلحاد في قضايا الإلهيات- دراسة نقدية في الفكر العربي المعاصر، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الفلسفة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة المنيا، 2019، ص 166-167.

[51]  انظر، المرجع السابق، ص168.

[52] Alvin Plantinga, God, freedom, and evil, William B. Eerdmans Publishing Company, First published by Harper and Row, United States of America,1974, p.10.

[53]   محمود قاسم، محيي الدين بن عربي، القاهرة ، مكتبة القاهرة الحديثة، 1972، ص110.ولى، 2006أ

[54]  Leibniz, Theodicy, p.129.

[55]Ibid, p.295.

[56]Ibid, p.378.

[57]  عبدالرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، الجزء الثاني، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984، ص 394-395.ولى، 2006أ

[58]   انظر، أندريه كريسون، فولتير (حياته- آثاره- فلسفته، ص56.

[59]   انظر، أندريه كريسون، فولتير (حياته- آثاره- فلسفته، ص70.

[60]  انظر، وليم كلي رايت، تاريخ الفلسفة الحديثة، ترجمة : محمود سيد أحمد، القاهرة، المشروع القومي للترجمة، ط2، 2005، ص474.

[61]   المرجع السابق، ص475.

[62]  زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، ج1، القاهرة، مكتبة مصر، 1968، ص137.

[63]   زكريا إبراهيم، المشكلة الأخلاقية (مشكلات فلسفية-6، القاهرة، مكتبة مصر، 1969، ص 190.

[64] Alvin Plantinga, God, freedom, and evil, pp.29-32.

[65]   سامي عامري، مشكلة الشر ووجود الله، ص 210.

[66]  المرجع السابق، ص216.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف