البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

April / 30 / 2023  |  916اَلاِسْتِعْرَابُ خَادِمًا للاِسْتِعْمَار أو عَن كْلِيمِنْت سيرْدِيرَا Clemente Cerdiera (خِيرُونَة 1887 - نِيس 1942)

د. محمّد العمراني المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية ربيع 2022 م / 1443 هـ
اَلاِسْتِعْرَابُ خَادِمًا للاِسْتِعْمَار أو عَن كْلِيمِنْت سيرْدِيرَا  Clemente Cerdiera (خِيرُونَة 1887 - نِيس 1942)

المُلخَّص:

اشتهر «كليمنت سيرديرا» (clemente cerdeira) بنشاطه الكبير في أثناء عمله ضمن أجهزة السلطة الاستعماريّة لبلده في منطقة الشمال المغربي، جامعًا بين المعرفة النظريّة؛ متمثّلة في إتقانه للّغة العربيّة، ومعها انفتاحه على الثقافتين العربيّة والإسلاميّة، هذا مع أدوار ومسؤوليّات عدّة اضطلع بها خلال وجوده في المغرب. وقد تنوّعت تلك المسؤوليّات التي أوكلت للرجل وتنوّعت، مبديًا في أدائها إخلاصًا وتفانيًا منقطعي النظير لإدارة بلده، مستفيدًا في ذلك ممّا أتاحته له معرفته بلغة أهل المغرب وثقافتهم ودينهم. لكن، وبالرغم من هذا، فإنّ حظوة الرجل عند أهل بلده من المؤرّخين لن تكون كبيرة، فقد جرى تغييبه عن هذا التاريخ، كما أنّ المؤسّسة الاستعرابيّة الإسبانيّة الرسميّة لم تسجّل لنا اسمه ضمن قائمة المنتسبين إليها. ويرجع هذا التهميش لموقفه إبان الحرب الأهليّة الإسبانيّة، إذ كان ولاء «كليمنت سيرديرا» للجمهوريين الذين خسروا المعركة أمام الوطنيين بزعامة «فرانسيسكو فرانكو» ممّا جلب عليه نقمة المنتصرين، مضطرًا بذلك لقضاء بقيّة عمره في منفاه الاضطراري بعيدًا عن أسرته. وقد تميّز سيرديرا في عمله ضمن السلطة الاستعماريّة لبلده بكونه صاحب مشروع استعماري متكامل، متأثّرًا في ذلك بالمشروع الاستعماري الفرنسي القائم آنذاك في وسط المغرب. ولعلّ من أهمّ معالم ذلك المشروع عنايته الشديدة بالمسألة الاقتصاديّة، وقد تجلّى ذلك بوضوح في انكبابه على إعادة تنظيم مؤسّسة الأوقاف (الأحباس) المغربيّة، باعتبارها موردًا هامًّا كان سيمكن إدارة بلده من ضمان مداخيل ماليّة مهمّة.

الكلمات المفتاحيّة: الاستعمار، المغرب، إسبانيا، كليمنت سيرديرا، الترجمة، مؤسّسة الأحباس.

على سبيل التقديم

تروم هذه المقالة تتبّع المسار الحياتي والمِهني لكليمنت سيرديرا (Clemente Cerdiera)، بوصفه أحد رجال إسبانيا المُخلصين خلال سنوات حمايتها الأولى في شمال المغرب. والحقّ أن هذا الرجل، وإن لم يكن من مسؤولي الصفّ الأوّل في الإدارة الإسبّانية في هذه المنطقة، إلّا أنّه أسدى خدمات كبيرة للمشروع الاستعماري لبلده، فقد تنوّعت المسؤوليّات التي باشرها سيرديرا وتعدّدت، إذ جمع بين الترجمة والجاسوسيّة والعمل الدبلوماسي؛ مُحققًّا في ذلك إخلاصًا ووفاء منقطعي النظير للنظام الجمهوري في إسبانيا قبل سقوطه. لكن، وبالرغم من هذا التنوّع والتعدّد في الأدوار، يُسجّل الباحثون -باستغراب كبير- غياب الرجل عن المراجع التاريخيّة الإسبانيّة، ذلك أنّ الوطنيّين المنتصرين في الحرب الأهليّة عملوا على إسقاط إسهاماته من التاريخ الرسمي، كما صادروا جزءًا كبيرًا من أرشيفه.

وبِالرّغم من وقوفنا على بعض الإشارات إليه هنا وهناك، إلّا أنّ صدور كتاب «كليمنت سيرديرا، ترجمان، ودبلوماسي، وجاسوس في خدمة الجمهوريّة الثانية»[2] للباحث المغربي مُرَاد زَرُّوق كان بمثابة إعادة اكتشاف لهذه الشخصيّة، ولا أدلّ على ذلك من الاحتفاء الكبير الذي حظي به هذا المُؤَلَّف وصاحبه في إسبانيا[3]. ولهذا، لم يكن -أمام أيّ دارس يبتغي تتبّع حياة ومسار هذه الشخصيّة- بدّ من العودة إلى هذا الكتاب، ومعه كتاب آخر للباحث نفسه بعنوان: «تراجمة إسبانيا في المغرب بين 1860 و 1939»[4].

ويأتي تميّز عمل الدكتور زروق في استناده إلى مئات الوثائق التاريخيّة المتعلّقة بهذه الشخصيّة، والتي حصل عليها من أسرة سيرديرا المقيمة بمدينة سبتة المحتلّة، وكذا من الأرشيفين الرسميّين لإسبانيا وفرنسا. وأنا إذ أسوق هذا الكلام أعلن استنادي في جزء مهمّ من هذه المقالة إلى عمل هذا الباحث الجادّ، فما هي أهمّ المحطّات في مساره العملي؟

العلاقات المغربيّة الإسبانيّة بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين

عاش المغرب ابتداء من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وإلى حدود بداية القرن العشرين، اضطرابات كثيرة، وجاءت معركة إيسلي لتكشف للقوى المستعمرة المتربّصة حالة الضعف الشديد التي كانت تعرفها البلاد، ممّا جعل الأطماع الأوروبيّة تتزايد في بلادنا، وكان من أهمّها أطماع الجارة الشماليّة إسبانيا. وقد تكرّرت استفزازات البلد الأيبيري في المغرب غير مرّة، قبل أن يُعلِن عليه الحرب سنة 1859 فيما عرف بـ «حرب تطوان»[5].

وقد امتدّ احتلال الإسبان لمدينة تطوان سنتين، قبل أن تتدخل إنجلترا وتدفعهم إلى الانسحاب مقابل التوقيع على اتفاق ستشكّل بنوده مقدّمة لوضع قدم البلد الأيبيري في التراب المغربي، وفيه التزمت المملكة الشريفة بدفع مائة مليون فرنك ذهبي كغرامة للإسبان[6]، إلى جانب امتيازات أخرى. ولعجزه عن دفع الغرامة، اضطر المغرب إلى الاقتراض من إنجلترا مقابل منح موظّفيها امتياز الوجود بموانئه الشماليّة لاقتطاع نصف مداخيل الجمرك، وذلك استخلاصًا لقيمة المبلغ المستحقّ لها على المملكة الشريفة. وهكذا، تسلسلت الأحداث وصولًا إلى عقد مؤتمر دولي حول المغرب بمدريد سنة 1880، والذي لم يعمل إلّا على تأجيل مسألة استعمار بلدنا. وعادت القوى الأوروبيّة الاستعماريّة مرّة أخرى لتناقش المسألة المغربيّة، فاجتمعت سنة 1904 لتبثّ في أمر حصصها وامتيازاتها في المغرب، «ولئن أرجئ موعد الاقتسام بثماني سنوات، فسبب ذلك من جهة غضب ألمانيا من إبرام تلك الصفقة... ومن جهة أخرى، رفض المغرب حكومة وشعبًا للغزو الاستعماري ومقاومة ذلك بما جرى من عزل السلطان المولى عبد العزيز ومبايعة أخيه المولى عبد الحفيظ، ليتزعّم الجهاد ضدّ أعداء الملّة والدين»[7].

لكن، ومع بداية القرن العشرين، كان الأوروبيّون قد اتّخذوا لهم موطئ قدم في المغرب عبر سياسة الحماية التي انتهجوها، ولم يكن الأمر يحتاج إلى أكثر من التوقيع النهائي على وجودهم الرسمي ومنحه الشرعيّة؛ وهو ما تحقّق مع مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي عقد سنة 1912 بمشاركة اثنتي عشرة دولة أوروبيّة. وفيه خرج المُجتمعون بمقرّرات نصّت على وضع المغرب تحت السلطة المباشرة لكلّ من فرنسا وإسبانيا؛ ليفقد البلد سيادته على أراضيه، كما على قراره الاقتصادي.

ودون أن ينتظروا كثيرًا، بادر الإسبان إلى تفعيل بنود الاتفاقيّة على الأرض في الشمال (المنطقة الخليفيّة)، فقاموا باحتلال المناطق المتاخمة لسبتة، كما أنزلوا قوّاتهم بكلّ من العرائش والقصر الكبير (أمر لم تستسغه فرنسا، وقبلته على مضض).

الترجمة سبيل إسبانيا لترسيخ أقدامها في المغرب

تفطن الإسبان إلى محوريّة القبيلة في التنظيم الاجتماعي والاقتصادي لسكّان شمال المغرب الواقع تحت حمايتهم، فـ «عملوا على تقسيم المنطقة إلى وحدات مشكّلة من القبائل، التي ستشكّل بدورها النواة السياسيّة والإداريّة الأساسيّة في العالم القروي».[8] كما سعوا إلى الانفتاح على ثقافة المغاربة ولغتهم، سعيًا لتيسير مهمّتهم وتحقيق النجاح لمشروعهم الاستعماري. لقد كان الشعار هو: (conocer antes de colonizar)، ومعناه: أن تعرف قبل أن تستعمر. وفي هذا السياق، يقول كليمنت سيرديرا: «... لا ينكر أحد أنّ قطب الرحى في إدارتنا الحمائيّة، بعد معرفتنا لذواتنا أوّلًا، هي تحقيق معرفتنا الأساسيّة، في «تفاصيلها الخاصّة والصغرى، وبالنظم الاجتماعيّة... لهؤلاء الذين تحمّلنا مسؤوليّة خدمتهم وحمايتهم...»[9]؛ فالسيطرة على البلد المحتلّ واستغلاله لم تكن ممكنة من دون معرفة عميقة بلغته وثقافته ومعتقداته[10].

ولتحقيق تلك المعرفة سعت سلطات الحماية في البلد الأيبيري في تكوين تراجمة يتقنون لغة أهل البلد؛ لتؤدّي هذه الفئة أدوارًا حاسمة خلال فترة الحماية؛ سواء تعلّق الأمر بسنوات التوتّر الأولى أو فيما تلاها فيما عرف بفترة «التهدئة» التي تلت القضاء على حركة محمّد بن عبد الكريم الخطابي، فقد كانت للتراجمة أدوار سياسية وإدارية مؤثرة[11].

وقبل أن توكل مهمّة الترجمة لمواطنيها، كانت إسبانيا تستعين -في مرحلة أولى- بتراجمة مغاربة: مسلمين ويهودًا؛ هذا قبل أن يعمد ألفونسو ميري دي فال[12]؛ المسؤول الإسباني الأوّل بالمغرب في بداية القرن العشرين إلى الاستغناء عنهم، وتعويضهم بتراجمة مسيحيين عرب. لكنّ اعتماده على هؤلاء إنّما كان مرحليًّا، في انتظار عودة بعثة التراجمة الإسبان من بيروت، إذ أرسلوا  في بعثة دراسيّة لتعميق معرفتهم باللغة العربيّة والثقافتين العربيّة والإسلاميّة في مدرسة «الآباء المارونيّين».

ومن أشهر الأسماء التي تولّت الترجمة في المغرب في بداية القرن العشرين نذكر اسم خوان بيسنتيزوكاستيديكسون[13]، الذي تولّى عمليّة التفاوض مع الشيخ الريسوني برفقة ترجمان آخر هو ريخنالدو رويز أورساتي[14]، هذا قبل أن يلتحق بهما كليمنتي سيرديرا الذي سيستأثر بملف التفاوض مع القائد الجبلي بعد موت زوكاستي[15].

بين كليمنت سيرديرا والمغرب (البدايات الأولى)

ولد كليمنت سيرديرا في مدينة خيرونا، الواقعة في شمال شرق إسبانيا، سنة 1887؛ لكنّ مقام أسرته بهذه المدينة لم يطل، إذ سرعان ما غادرتها بعد أن ألحق ربها بالبعثة الإسبانيّة بطنجة. وقد وقف سيرديرا الأب -أثناء مزاولته لعمله بالمغرب- على الوضع الاعتباري الذي يحظى به التراجمة، فسعى في أن يجعل من ابنه كليمنت ترجمانًا. وتفعيلًا لرغبته تلك، ألحقه بمدرسة قرآنيّة (المسيد) حيث تلقّى الطفل بعضًا من دروسه الأولى في اللغة العربيّة والعلوم الشرعيّة بطنجة، وقد كان ينجز ذلك مساء بعد قضائه فترة الصباح في مدرسته الأوروبيّة.

وفي سنة 1901، انتقل كليمنت -وهو شاب مراهق- إلى فاس مرافقًا أخاه الطبيب ألفونسو سيرديرا، «الطبيب الرئيس للقوّات المسلحة الإسبانيّة والملحق بالقنصليّة الإسبانيّة بهذه المدينة»[16]. وشكّلت فاس بالنسبة إليه فرصة مهمّة للانفتاح بشكل أكبر على الثقافة المغربيّة، وتعميق معرفته باللغة العربيّة والعلوم الشرعيّة. واتّخذ الشاب الإسباني في أثناء دراسته بفاس زيًّا مغربيًّا واسمًا عربيًّا هو الطالب عبد الرحمن سيرديرا الأندلسي، كما انتسب إلى مدرسة قرآنيّة «المسيد» في مرحلة أولى، قبل أن يلتحق بعد ذلك بجامعة القرويين. وحدث -وهو في هذه المدينة- أن دخل قصر السلطان مولاي عبد العزيز، وتحدّث معه رفقة أخيه الطبيب ألفونسو الذي تولّى مهمّة معالجة السلطان.

وبغرض إنهاء دراسته للقانون الإسباني، سافر الشاب الإسباني إلى مدريد، ليحصل على الإجازة في جامعتها، قبل أن يعود مرّة أخرى إلى المغرب.وترشّح لدى عودته إلى طنجة سنة 1905 لوظيفة «شاب متخصّص في اللغات» في العصبة الإسبانيّة، لكنّه عرّج عائدًا إلى فاس، مُنهيًا بذلك دراسته التي بدأها بها في أثناء إقامته السابقة. وهناك مكث مدّة امتدّت ما بين يوليوز 1905 ودجنبر 1906، مُتردّدًا على مجالس الفقهاء، ومُوثّقًا صلاته بأهلها، لدرجة جعلت الكثيرين يعتقدونه مسلمًا. وعن تجربته تلك يقول نائب القنصل الفرنسي بمدينة طنجة السيّد مارتين: «هذا الإسباني المغربي النحيف والذي يرتدي الجلابة ويرتاد «مسيد القرويين» ليستظهر القرآن...»[17].

وبعد أن حصّل الشاب قدرًا لا بأس به من المعارف المتعلّقة باللغة العربيّة والعلوم الشرعيّة، ارتأت الإدارة الإسبانيّة بالمغرب إرساله إلى تونس (سنة 1907)، ملحقًا بقنصليّة بلاده، وهناك «سنحت له الفرصة ليقف على الكيفيّة التي يدير بها الفرنسيّون حمايتهم في المغرب، إذ وجدهم يشتغلون وفق ضوابط وقواعد واضحة»[18]. ومباشرة بعد عودته من تونس أتيحت له فرصة إظهار إمكاناته لأوّل مرة، وقد تحقّق له ذلك لدى مرافقته للوفد الإسباني الرسمي في رحلته إلى الدار البيضاء سنة 1908، مشاركًا في المفاوضات التي أجرتها سلطات بلاده مع الجانب المغربي.

ونتيجة للمواهب التي أظهرها في هذه المحطّة، رُقي سنة 1909 إلى درجة شاب متخصّص في اللغات (وهو ما يماثل دبلومًا في الترجمة)، وتحقّق له ذلك إثر نجاحه في مباراة امتحنه فيها أساتذة كبار. وبعد أن اعتمد للعمل رسميًّا لدى إدارة بلاده، اختير ضمن بعثة دراسيّة إلى بيروت سنة 1910، وقد رافقه في رحلته تلك شابان آخران؛ هما فرانسيسكو ليمانيانا وسانز تيبو. وقد أمضى الشبان الثلاثة هناك سنتين؛ انتسبوا فيها إلى مدرسة الحكمة المارونيّة، ونهلوا فيها من علوم اللغة العربيّة وآدابها[19]. وبعد محطّة بيروت، عاد سيرديرا إلى المغرب، ليُعَيّن ترجمانًا لدى العصبة الإسبانيّة بطنجة. ولم يمض وقت طويل على تعيينه، حتّى انطلقت الحماية فعليًّا، ليشكّل رفقة آخرين جزءًا من إدارتها. وقد عرفت المرحلة الأولى من الإشراف الإسباني المباشر على مناطق الشمال المغربي مقاومة شديدة من لدن القبائل، ليتوارى دور سيرديرا وباقي التراجمة أمثاله؛ لكنّ الأمور تغيّرت في المرحلة الثانية بعد أن اعتمدت إسبانيا خيار التهدئة[20] في علاقتها بأحمد الريسوني، قائد المقاومة في منطقة جبالة[21].

وقبل أن يتولّى سيرديرا دور الوسيط والمترجم مع الشريف الريسوني، أنجز المهمّة مجموعة من المترجمين قبله، أهمّهم زوكاستي (zugasti). لكن، وبموت هذا الأخير حاز سيرديرا صفة المخاطب الأساسي والوحيد للشريف الريسوني، لدرجة جعلت المؤرخين يتحدّثون عن نشوء علاقة صداقة متينة بينهما؛ ممّا جلب عليه نقمة وحقد الكثيرين من زملائه في الإدارة الإسبانيّة، وكان سببًا رئيسًا في عرقلة الكثير من طموحاته الإداريّة والدبلوماسيّة. وينقل لنا مراد رزّوق عن أحد المسؤولين في إدارة الحماية الإسبانيّة، وهو يتحدّث عن صداقة الريسوني بسيرديرا: «هي ذات دلالة كبيرة. الترجمان ينادي الشريف بأبي...وقد حدث أن قضى سيرديرا خمسة عشر يومًا ببوهاشم رفقة الشريف»[22]. وزادت الشكوك حول ثيرديرا بعد أن رفضت بعض الجهات في سلطات الحماية تفعيل ما تمّ الاتفاق عليه مع القائد المغربي، في وقت كان الرجل يؤكّد على ضرورة الالتزام بما وعد به الريسوني.

وقد أدّت تلك المفاوضات الماراتونيّة إلى توقيع اتفاق تمّ بموجبه وقف إطلاق النار بين الطرفين، بعد أن وعدت إسبانيا القائد أحمد الريسوني بتحقيق مطالبه[23]. لكنّ هذا الاتفاق لم يرق أطرافًا عدّة في الجانبين المغربي والإسباني؛ إذ اعترضت عليه بعض القبائل المغربيّة الجبليّة، كما واجه معارضة قويّة من القادة العسكريّين الإسبان؛ أهمّهم الجنرال سلفستري[24]، والذي واصل عمليّاته العسكريّة ضدّ الريسوني؛ رافضًا الالتزام بتعيين الزعيم الجبلي خليفة على منطقة حمايتهم.

وتسبّبت الاعتراضات التي حدثت في زيادة التوتّر بين الطرفين، لتوضع سلطات الحماية المدنيّة أمام خيارين: إمّا الريسوني وإمّا سيلفستري[25]؛ وهو ما لم يكن الحسم فيه سهلًا، نظرًا للحسابات الاستعماريّة الإسبانيّة آنذاك. ولم تَخف حالة التوتر إلّا بعد نقل هذا الجنرال إلى منطقة الريف وتعيين قائد عسكري جديد بالمغرب؛ هو الجنرال جوردانا.

ويتحدّث المؤرّخون عن العداء الكبير الذي كان يُكنّه الجنرال سلفستري ومعه قادة آخرون في المؤسسة العسكريّة لسيرديرا، فقد حمّله بعضهم مسؤوليّة هزيمة الجيش الإسباني في معركة أنوال، بدعوى إضاعته الكثير من الوقت في المفاوضات مع الريسوني؛ وهو ما مكّن عبد الكريم من الاستعداد الجيّد للمعركة وهزيمتهم فيها.

سيرديرا في خدمة المشروع الاستعماري الإسباني

تغيّرت أوضاع سيرديرا بعد انتهاء حرب الريف، ودخول المناطق الجبليّة والريفيّة فيما يعرف بـ «حالة التهدئة»، ليُرَقّى إلى منصب مُراقب مدني من الدرجة الأولى. وبعد تعيين كوميز خوردانا مفوّضًا ساميًا في المغرب، تمّت ترقيته مرّة أخرى ليشغل منصب نائب مدير الأحوال المدنيّة للسكّان المغاربة في القرى (los indigenas).

وشكّلت المسؤوليّات الجديدة التي تولّاها تحقيقًا لبعض طموحاته السياسيّة، لكنّها لم تكن غاية ما يسعى إليه، فقد كان المسؤول الإسباني صاحب مشروع استعماري متكامل في منطقة الشمال المغربي. وفي هذا الإطار، وقناعة منه بأهمّية تعلّم اللغة العربيّة والثقافة المغربيّة بالنسبة لإدارة بلاده، عمل على إنشاء الأكاديميّة العربيّة البربريّة بتطوان؛ «كمؤسّسة تعليميّة إسبانيّة تُعنى بتكوين مترجمين إسبان إلى اللغة العربيّة بمستوى عال».[26]

 وقد كان سيرديرا -في مبادرته تلك- متأثّرًا بالتجربة الفرنسيّة في إنشائها للأكاديميّة العليا للعلوم والمعرفة في الرباط. وعن تجربته في الرباط مع تلك الأكاديميّة يقول المسؤول الإسباني: «منذ مدّة وأنا آمل الذهاب إلى تلك المنطقة، هناك سأجد آفاقًا لاهتماماتي ودراستي حول هذا البلد، وذلك من خلال الوقوف على معلومات قيّمة ستكون -حين الحصول عليها- مفيدة لنا في منطقتنا»[27].

ويؤكّد لنا تصريحه هذا ما اشتهر به من حرص على استغلال كلّ مناسبة وتوظيفها لصالح وطنه ومشروعه الاستعماري. ولم تكن السلطات الفرنسيّة مطمئنّة لوجوده في الرباط، لتعمد إلى إبعاده عنها. فالرجل، وإن بدا في ظاهره معنيًّا بأمر هذه الأكاديميّة، إلّا أنّه كان يتصيّد الأخبار والمعلومات لنقلها إلى رؤسائه بتطوان. لقد وقف كليمنت سيرديرا على تميّز المشروع الاستعماري الفرنسي، إذ وجده مشروعًا منظّمًا، يطبعه التخطيط الجيّد والعلميّة[28].

سيرديرا الجاسوس

أتقن كليمنت سيرديرا لعبة تغيير المواقع؛ يُقبل على ما يسند إليه من مهمّات بكلّ حماس وشغف، ويؤدّيها بكلّ إخلاص وتفان. وهكذا، قضى الكثير من أوقاته في الثلاثينيات خارج المغرب، متنقّلًا بين الجزائر ومدريد، وخصوصًا القاهرة التي سافر إليها قبل اندلاع الحرب الأهليّة ليتجسّس على الطلبة المغاربة هناك، حيث بداية تشكّل الحركة الوطنيّة.

وغير هذه المهمّة، تنوّعت مهمّات التجسّس الموكلة إليه وتعدّدت؛ فهو لم يكن يُغفل أي مستجدّات تطرأ على الساحة المغربيّة لينقلها إلى رؤسائه. ويسجّل له الباحثون في هذا السياق متابعته لتفاعل المغاربة في المناطق الخاضعة للحماية الإسبانيّة مع مبادرة قراءة «اللطيف» في المساجد كردّ فعل على إصدار فرنسا للظهير البربري، ليرفع في ذلك تقريرًا إلى رؤسائه. وفي هذا السياق، يُورد الأستاذ زروق من أرشيفه: «يتمّ التداول والحديث بين علماء تطوان حول الأحداث التي جرت مؤخّرًا بكلّ من الرباط وسلا، حيث يتمّ تجميع شباب مسلمين من أبناء النخبة والأعيان من أجل إعلان غضبهم على السياسة الفرنسيّة المتّبعة مع القبائل البربريّة في منطقتها، عن طريق الجهر بالأدعية»[29].

وهكذا، وبالنظر لطبيعة شخصيّته الحذرة، والتي تنحو إلى التعامل مع الأحداث استباقيًّا، تفطن إلى ما يمكن أن تتطوّر إليه الأمور عقب إصدار فرنسا للظهير البربري، مُنبّهًا سلطات إدارته في منطقة الشمال إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر من هذه المستجدّات.

ولم يكن سيرديرا ليهدأ أو يستكين عند إنهائه لعمل ما، بل كان يبادر إلى الانكباب على مسؤوليّة جديدة. ففي الثلاثينيّات، تولّى مراقبة الجمعيّة الإسبانية الإسلاميّة (َAHI) والتي تشكّلت في مدريد من عضويّة مجموعة من الأسماء العربيّة والإسبانيّة الوازنة، نذكر من أعضائها العرب: الأمير شكيب أرسلان، عبد السلام بنونة، عبد الخالق الطريس، أحمد حلمي باشا...

وقد أنشئت بمبادرة من الجمهوريّة الوليدة في إسبانيا، بغرض استغلال نقمة العرب والمسلمين على القوى الاستعماريّة الأخرى، والاستفادة من ذلك سياسيًّا واقتصاديًّا. لكنّ المغاربة تعاملوا مع الأمر بشكل مختلف، إذ اعتبروها فرصة لإيصال صوتهم وتحقيق تطلّعات الشعب المغربي في نيل استقلاله. ولكن سيرديرا -الجاسوس الفطن والمترصّد- انتبه إلى الأمر، ليعمل على دسّ مُخبرين له وسط المجتمعين، خصوصًا بعد أن سعى أعضاؤها إلى إنشاء فرع لها بتطوان، لتُجهَض الفكرة في مهدها.

ومن أرشيفه دائمًا ينقل لنا الأستاذ زروق، (وهو في ذلك يدافع عن مراقبته لأعضاء هذه الجمعية) «بمناسبة تأسيس الجمعيّة الإسبانيّة بمدريد، ومع مجيء النظام الجمهوري اعتقد سكان المناطق المغربية الخاضعة لحمايتنا بأن طموحاتهم ستتحقق، وإذ لم يحدث ذلك احتجوا بشدة على ممثلي إدارتنا، بل وأوصلوا احتجاجهم إلى الشرق الأوسط عن طريق الصحافة العربية... لقد ظنّ الخاضعون لحمايتنا بأن الجمعيّة ستكون أداة سياسيّة تتبنّى وتسهّل تحقيق مطالبهم»[30].

وفي هذا السياق، سعى سيرديرا وإدارته الإسبانيّة إلى عزل المغرب عن محيطه العربي في الشرق الأوسط، فكُلّف بمهمّة أخرى تتّصل بـ «مراقبة التحرّكات التي يقوم بها أحد أعداء فرنسا، ويقصد بذلك الأمير شكيب أرسلان»[31].

ومن مُهمّاته الجاسوسيّة الأخرى، تولّى المسؤول الإسباني مراقبة أنشطة الوطنيين المغاربة، خصوصًّا فيما ينشرونه من مقالات وكتب؛ فانكبّ على قراءتها وترجمتها ومن ثمّ نقلها إلى رؤسائه. ويتوقّف الأستاذ زرّوق كذلك عند تجربته مع جريدة «الإصلاح» (تأسّست سنة 1917)، إذ ضغط في اتجاه دفع عبد السلام بنونة وباقي هيئتها التحريريّة لتقديم استقالتهم، لتُسلّم مقاليد إدارتها إلى «مدير جديد والذي لم يكن آخر غير المترجم سيرديرا نفسه»[32]، فتحوّلت الجريدة معه إلى صوت يدافع عن الحماية وإدارتها.

سيرديرا الجمهوري

انطلقت الحرب الأهليّة الإسبانيّة سنة 1936، ولم يكن سيرديرا قادرًا على فعل الكثير ليمنعها؛ فقد كانت معرفته بوضعيّة المؤسّسة العسكريّة محدودة، على اعتبار حالة العداء الذي كان يكنّها له مجموعة من قادتها منذ فترة عمله السابقة (اشتغاله بالترجمة ووساطته مع الريسوني). لكنّ الرجل -وكعادته- لم يستسلم؛ فقد قام، وهو في طنجة، بتحريض قبائل «جبالة» بالشمال المغربي للثورة ضدّ الوطنيين الإسبان، ليُوضَع تحت المراقبة الدقيقة، ويجلب عليه غضب فرانكو شخصيًّا.

ويُعلّق المستعرب ميغيل أسين بلاسيوس عن دوره ذاك بقوله: «مترجم وضيع، اسمه سيرديرا، والذي تحوم حول عمله ضمن إدارتنا الكثير من الشبهات، لم يتوان في أن يكون أداة لدفع القبائل ضدّنا...عن طريق الإغداق عليهم بأموال طائلة»[33]. لكنّ محاولاته التحريضيّة لم يكتب لها النجاح، إذ اكتشف المتمرّدون رسائله المُحرّضة إلى تلك القبائل، ليُعدموا رسله.

ولم يغفر الوطنيّون لسيرديرا تحريضه ذاك، فعملوا على مهاجمته مع شركائه في مدينة طنجة. وقد قاموا بذلك رغم خضوع هذه المدينة المغربيّة لنظام الحُكم الدولي؛ مستفيدين في ذلك من مساعدة بعض رجال الشرطة الإسبان العاملين ضمن الإدارة الدوليّة، والذين كانوا موالين للمتمرّدين. ومع مرور الوقت، زادت المضايقات والتهديدات التي تعرّض لها، خصوصًا مع تكرار عمليّات الاختطاف والقتل في حقّ الجمهوريّين.

ولأنّه لم يعد مطمئنًا على حياته، غادر مدينة طنجة مُتوجهًا صوب مدينة الدار البيضاء، هناك تمّ تعيينه قنصلًا لإسبانيا من قبل الجمهوريين. ومن هذه المدينة المغربيّة التابعة للحماية الفرنسيّة عمل على تعبئة القوميّين المغاربة لمواجهة قوّات فرانكو؛ لكنّ عمله هذا لم يرق الفرنسيين الذين رفضوا رفضًا قاطعًا ما كان يسعى إليه من تحقيق استقلال شمال المغرب عن إسبانيا. كما عانى هناك من مضايقات نائبه الأناركي لويس أغوادو، الذي أقنع رؤساءه بعزله.

وضاق الخناق على سيرديرا، ليُضّطَر إلى مغادرة المغرب بشكل نهائي، وذلك بعد أن اقتربت قوّات المتمردين الوطنيين الإسبان من حسم المعركة لصالحها، فسافر إلى إنجلترا، حيث عيّن قنصلًا بكلّ من نيوكاسل وليفربول لمدّة قصيرة، قبل أن يتمّ إنهاء مهمّته هناك بطلب من الحكومة البريطانيّة.

ومن إنجلترا سافر إلى فرنسا لتلقي العلاج. وبقي في العاصمة باريس تحت مراقبة صديقه الطبيب الجمهوري «غريغوريو مرانيون» قبل أن يغادرها نحو نيس عملًا بنصيحة أطبائه. ومن جنوب فرنسا واصل سعيه لدى السلطات الفرنسيّة لمنحه ترخيصًا لدخول منطقة حمايتها في المغرب حتّى يجتمع بأسرته مرّة أخرى؛ لكن طلبه قوبل بالرفض، لتنتهي حياته وحيدًا بعد معاناة طويلة مع مرض القلب سنة 1942.

بين سيرديرا ومؤسّسة الأوقاف الإسلاميّة المغربيّة

يقترب كليمنت سيرديرا -بما أنجزه من أبحاث ودراسات حول المغرب- من صفة المستعرب. فهو، وإن عُدّ واحدًا من مئات أو آلاف موظّفي إدارة الحماية الإسبانيّة لشمال المغرب، إلّا أنّه لم يكن من طينة الإداريّين الكلاسيكيّين، فقد اجتهد في إنجاز الكثير من الأبحاث المتعلّقة بالمغرب وبلغته وثقافته ومؤسّساته المختلفة[34].

وقد مكّنته إقامته في الرباط -خلال مجاورته للمعهد العالي للدراسات المغربيّة- من الوقوف على الكثير من المعلومات القيمة والمُفيدة لإدارته في منطقة حمايتها بالشمال المغربي، «لينغمس سيرديرا بعمق في إحدى القضايا القانونيّة الإسلاميّة»[35].

وأبدى الرجل اهتمامًا كبيرًا بمؤسّسة الأوقاف الإسلاميّة، فانكبّ على دراستها وتتبّع مسارها التاريخي وهيكلتها وطرق تدبير أملاكها، ليغدو في ظرف وجيز «أكثر الموظّفين معرفة بمؤسّسة الأحباس في المغرب»[36].

ومن أعماله القليلة التي وصلتنا، نقف على محاضرة له بعنوان «الأحباس» كان قد قدّمها سنة 1928 أمام مجموعة من الضبّاط والقادة المراقبين التابعين لإدارة الحماية الإسبانيّة في الشمال المغربي[37]. وجاءت تلك المحاضرة مُقسّمة إلى أربعة محاور وخاتمة كالآتي:

- أصول مؤسّسة الأحباس، خصائصها وأنواعها.

- إدارة هذه المؤسّسة قبل الحماية.

- إدارتها في الحاضر والمستقبل.

- نظامها البيروقراطي.

وقد صَدّر محاضرته بالحديث عن نشأة مؤسّسة الأحباس[38] في الإسلام، مذكّرًا بغياب هذا النموذج المؤسساتي عن مرحلة ما قبل الدعوة المحمديّة، ومتوقّفًا في ذلك مع أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مع بعض الصحابة كأبي طلحة (لعلّه يقصد الصحابي طلحة) وعمر بن الخطاب اللذين استشاراه في عمل يشفع لهما عند الله، ليشير عليهما الرسول بتوقيف بعض ممتلكاتهما في سبيل الله[39].

وينتقل بعد ذلك لشرح كلمة «حبوس»، موردًا معناها الإسباني (detener) ومعها مجموع الكلمات التي تتّخذ الكلمة العربيّة «حبوس» أصلًا لها في القواميس الإسبانيّة[40].

وحتى يؤكّد سيرديرا كفاءته العلميّة ومعرفته باللغة العربيّة والفقه الإسلامي، كشف عن خضوع مؤسّسة الأحباس (الحبوس كما في نصّه) في تنظيمها لقواعد الفقه المالكي المعمول بها في المغرب. معرفًّا إيّاها كالآتي: «هي صدقة (عطاء) طوعي لغاية دينيّة أو إنسانيّة بغرض الاستفادة منها أو من ثمارها طيلة دوام المادّة المُحبسة (المَوقوفة)... وهي موجّهة إلى الفقراء وإلى القائمين على أمور المسلمين وإلى باقي المؤسّسات الإسلاميّة»[41].

ويعود مرّة أخرى إلى الفقه المالكي ليتحدّث عن شروط التحبيس (التوقيف) ويُوجزها كالآتي: «... يجب أن يكون المُوقف والمُستفيد مُسلمين، أحرارًا وفي حالة استطاعة...»[42].

وبسبب غياب نصّ قرآني يتحدّث عن صيغة التوقيف، ذكر أنّ الفقهاء والمذاهب الإسلاميّة اجتهدوا في وضع ضوابط وقوانين تنظيميّة لها، لنقف على نماذج مختلفة منها، باختلاف المذاهب والجغرافيا[43].

وفي سياق التعريف بهذه المؤسّسة، يُعرّج على أنواع الأحباس، فيذكر أنّها نوعان: عامّ وخاصّ؛ يتعلّق الأوّل بما يوضع رهن المصلحة العامّة دون تخصيص للجهة المستفيدة، فيما تُحْصَرُ الاستفادة في الثاني وتُخَصَّصُ، كأن تكون الأملاك الموقفة خاصّة بقبيلة أو زاوية أو غيرهما[44].

ولأنّ مصلحة بلده المستعمر وإدارته كانت هي محرّكه الأساس في عمله هذا، يضيف بأنّ الأحباس العامّة يقوم عليها نظّار يعيّنون بظهائر خليفيّة أو وزاريّة، وبالتالي فهي تحت سلطتهم، فيما لا تخضع الأحباس الخاصّة لهم، مغتنمًا الفرصة ليقدّم تصوّره لكيفيّة وضعها تحت السيطرة، كأن تستغل وفاة أحد النظّار أو المقدّمين لوضع اليد عليها[45].

المحور الثاني من محاضرته خصّصه للحديث عن إدارة هذه المؤسّسة في الماضي، أي في مرحلة ما قبل الحماية، ليعلن أنّ معرفة المغاربة بالأحباس ارتبطت بدخول الفاتحين الأوائل؛ لكنّه يضيف كلامًا يحمل بعضًا من ملامح الفكر الاستشراقي الذي لم نعهده لديه، فيعتبر أنّ النواة الأولى للأحباس في المغرب قد تشكّلت من الأملاك المصادرة من السكّان الأصليين الذين رفضوا اعتناق الإسلام[46].

ومع مرور الزمن، تحمّس المغاربة للعمل الخيري أكثر، متطوّعين بأملاكهم في سبيل الله. لتصل مؤسّسة الأحباس أوج ازدهارها -حسب نصّه- في عهد الدولة الموحديّة وقادتها الذين أولوها عناية كبيرة. لكنّ أيامًا أسوأ ستمرّ بها هذه المؤسّسة -في رأيه دائمًا- وذلك في عهد الدولة المرينيّة، إذ تمّ إهمال الكثير من أملاكها لتضيع أو تتمّ حيازتها من لدن الناس.

ويضيف بأنّ حال هذه المؤسّسة لم يتحسّن في عهد ملوك الدولة العلويّة الأوائل، إذ واصلت تراجعها بفعل الاستنزاف الكبير الذي عرفته ممتلكاتها عن طريق توظيفها في عمليّات الترضية التي كان يقوم بها الأمراء المتصارعون على السلطة، ليصل التراجع أقصاه في العشرين سنة السابقة على الحماية[47].

ولعلّ إيراد شيرديرا لهذه المعطيات الأخيرة، قد أتى في إطار تهيئة مستمعيه لتقدير الخطوات الإصلاحيّة التي ستقدّم عليها سلطات الحماية فيما يخصّ مؤسّسة «الأحباس»، والتي سيكون هو مهندسها.

وبالعودة إلى أسباب ضعف الموارد والتقهقر الذي ميّز هذه المؤسّسة في نهاية القرن التاسع عشر، فيرجعها للإهمال الذي تعرّضت له؛ والمتمثّل في تضييع الكثير من المستندات الخاصّة بممتلكاتها، فضلًا عن سوء تدبير أمورها من لدن النُظّار القائمين عليها. فقد جرى تفويت الكثير من أملاكها لمستفيدين بملكيّات مزورة وبتغطية من بعض القضاة، أو بتأجيرها مقابل أجور زهيدة غير متحرّكة.وغير هذه الأسباب، يتحدّث عن التراجع الكبير الذي عرفته عمليّات التوقيف في هذه المرحلة، فالمغاربة لم يعودوا كرماء كما كانوا من قبل[48].

ولم يُغفل الإداري الإسباني في حديثه التذكير ببعض محاولات الإصلاح التي تمّ القيام بها سابقًا، خصوصًا ما أنجزه السلطان مولاي عبد الرحمن، الذي عمل على تنظيم وضبط عمل نظّار تلك المؤسّسة، مع الاستغناء عن الكثير منهم، ووضع آخرين تحت المراقبة[49].

ولم يكن سيرديرا يكتفي -أثناء عرضه المفصل- بالوقوف عند المشكلات التي تعرفها مؤسّسة الأحباس فقط، بل كان يعمد -من حين إلى آخر- إلى اقتراح بعض الحلول، والتي يراها كفيلة بالرفع من مداخيلها؛ كأن تتمّ الزيادة في الإيجارات، أو القيام بإصلاح بعض عقاراتها المتضرّرة في عمرانها.

أمّا عن حل مشكلات أراضي الأحباس في البوادي، فيقترح إعادة تنظيم المسؤوليّات وهيكلتها بشكل جديد؛ كأن يتمّ تعيين ناظر على كلّ قبيلة، يتولّى هو تعيين مقدّمين أو نظّار لكلّ مسجد أو ضريح تتبع له أملاك وقفيّة، على أن يشرف على عمل هؤلاء قضاة يساعدون نظّار القبائل في عملهم.

وكمعايير لاختيار أولئك النظّار، يقترح أن يكونوا من أهل القبيلة أو من شخصيّات تنتمي إلى مناطق مجاورة تحظى بثقة القبيلة التي يعملون بها ومشهود لهم بالنزاهة والشرف. ولضبط عمليّة تحصيل الموارد، يرى أن يتم ذلك تحت مسؤوليّة المفتّشين المحليين الذين سيكونون مطالبين بالتوجّه بالأموال صوب المديريّة العامة، على أن تفتح حسابات مستقلّة خاصّة بكلّ منطقة يوضع فيها ما يُحصل من أموال[50].

وكخطوة إصلاحيّة أخرى مهمّة، يقترح القيام بجرد أملاك الأحباس وحصرها، وهو ما تمّ إنجاز الكثير منه من في ظلّ إدارة سلطات الحماية بتاريخ 1926. كما يتحدّث عن ضرورة توثيق الأراضي بالوسط القروي عن طريق استخراج ملكيّات لها، مع وضع حدود واضحة، وهو ما ينسحب على المزارع المختلفة.

المحور الثالث في عرضه خصّصه لواقع إدارة الأحباس في الحاضر والمستقبل. وقد اعتبر فيه أنّ هذه المؤسّسة ما زالت تخضع في شكل إدارتها إلى هيكلة قديمة تجاوزها الزمن، إذ يتولّى الأمر فيها إداريّون أو مجالس جماعيّة تضمّ ممثّلين عن المنطقة التي توجد بها الأملاك. ويتوقّف هنا ليتحدّث عن محاولات الإدارة العسكريّة للحماية على تجاوز هذا الاضطراب في الإدارة عبر إعادة تنظيمها. وقد مثل لإصلاحات إدارته بما جرى في أوقاف مليليّة، مستغلًا الفرصة لعرض أفكاره الإصلاحيّة، والتي بعث بها إلى السلطات المختصّة بتاريخ 10 أبريل 1928. ويختم كلامه مُعلنًا أن تدخل سلطات الحماية الإسبانيّة في هذه المؤسّسة أنقذها وأملاكها من التلاشي والضياع[51].

خاتمة وتركيب

وبعد هذه الجولة مع حياة ومسؤوليّات كليمنت سيرديرا، أخلص في النهاية إلى القول بتميّز هذه الشخصيّة وفرادتها، إذ لا نكاد نقف لها على مثيل في تاريخ الحماية الإسبانيّة في المغرب. لقد زاوج هذا المسؤول الإسباني بين المعرفة النظريّة والممارسة على الأرض، وذلك بالنظر إلى عمله ضمن سلطات الحماية؛ مستثمرًا في ذلك معارفه باللغة العربيّة، والثقافتين العربيّة والإسلاميّة في خدمة مشروع بلده الاستعماري. لكن، وبالرغم من كلّ الإخلاص والتفاني اللذين أظهرهما في خدمة وطنه، يتفاجأ المتتبع لسيرته بالتجاهل والنكران الكبيرين اللذين قُوبِل بهما من طرف المسؤولين الإسبان، لدرجة جعلت البعض يصفه بالرجل «الملعون» (maldito). ونعتقد أنّ المغرب كان محظوظًا حينما لم يُلتفت كثيرًا إلى آرائه ونصائحه لسلطات بلاده في إدارتها الاستعماريّة.

لائحة المصادر المراجع

عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، منشورات المركز الثقافي المغربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2018.

إبراهيم بوطالب، تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، دراسات وبحوث، الجزء الثاني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بالرباط. الطبعة الأولى 2014.

محمّد علي داهش، المغرب في مواجهة إسبانيا (صفحات من الكفاح الوطني ضدّ الاستعمار 1903-1927) منشورات جامعة الموصل كلية الآداب، دار الكتب العلميّة، بيروت 2010.

لائحة المراجع الأجنبيّة

Mourad Zarrouk, ClementeCerdeira. Intérprete, diplomático y espía al servicio de la SegundaRepública, Editorial Reus, 2017

Mourad Zarrouk, Los traductoresde España en Marruecos (1859-1939), Ediciones Bellaterra, Barcelona, 2009.

Javier Alvarado Planas y Juan Carlos Domínguez, La Administracióndel Protectorado Español en Marruecos (unaaproximación al protectorado Españolporjose luis Villanova) Boletín Oficialdel Estado. Centro de estudiospoliticos y constitucionales, Nafría, Madrid, España, 2014.

Clemente Cerdeira, Traducciónes y Conferencias, Ciudad autonoma de Ceuta, archivo central 2006.

 Juan Pablo Arias, Los Traductores de Arabe del Estado Español, del Protectorado a Nuestros Dias, Ediciones Bellatera, Barcelona 2012.

Fernando Caballero Echevarria, Intervencionismo español en Marruecos (1898-1928): análisis de factores que confluyen en un desastremilitar, «Annual». Memoria para optar al grado de Doctor, Universidad Complutense de Madrid, Facultad de Geografia E Historia, Madrid, 2013.

------------------------------------

[1]*- أستاذ وباحث مغربي: مديريّة التعليم طنجة أصيلة بالمغرب.

[2]- Mourad Zarrouk, Clemente Cerdeira. Intérprete, diplomático y espía al servicio de la Segunda República, Editorial Reus, 2017.

[3]- يستطيع الباحث المهتمّ العودة إلى أرشيف الصحف والمنابر الإعلاميّة الإسبانيّة الصادرة في زمن صدور الكتاب ليقف على التغطية الكبيرة التي خصّصت لهذا الحدث ساعتها.

[4]- Mourad Zarrouk, Los traductoresde España en Marruecos (1859- 1939), Ediciones Bellaterra, Barcelona, 2009.

[5]- تشتهر هذه الحرب لدى الإسبان بحرب إفريقيا، واستمرّت سنة واحدة (1859-1860). وقد أعلنوها على المغرب متذرّعين بمناوشات حصلت بين سكّان قبيلة أنجرة المتاخمة لسبتة مع السلطات الاستعماريّة هناك.

[6]- عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، منشورات المركز الثقافي المغربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2018، ص561.

[7]- إبراهيم بوطالب، تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، دراسات وبحوث، الجزء الثاني، منشورات كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالرباط، الطبعة الأولى 2014، ص622.

[8]-  Javier Alvarado Planas y Juan Carlos Domínguez, La Administracióndel Protectorado Español en Marruecos, (unaaproximación al protectorado Español porjose luis villanova) Boletín Oficialdel Estado. Centro de estudiospoliticos y constitucionales, Nafría, Madrid, España, 2014, p94.

[9]- Clemente Cerdeira, Traducciónes y Conferencias, Ciudad autonoma de Ceuta, archivo central 2006, p194.

هذا الكتاب والمعنون بـ «ترجمات ومحاضرات» هو في أصله أربعة نصوص وترجمات لكليمنت سيرديرا طبعت مستقلّة، لكن حكومة مدينة سبتة قامت بجمعها بين دفّتي هذا الكتاب. ويتعلّق الأمر بـ «وجهة نظر عربيّة لحرب إفريقيا» وهو عبارة عن ترجمة لتأريخ الناصري لحرب تطوان (1859- 1860) والوارد في كتابه «الاستقصا». أمّا الكتاب الثاني فهو عبارة عن ترجمة سيرديرا لمحاضرة للدبلوماسي والراهب وعالم الاجتماع الفرنسي المقيم بطنجة «ميشو بيلير» حول حرب الريف، وقد عنونها بـ «ملاحظات حول حرب الريف». وجاء النصّ الثالث كذلك ترجمة لنفس المؤلّف الفرنسي بعنوان «ملاحظات تاريخيّة حول الرباطات والزوايا الإسلاميّة المغربيّة». أمّا النصّ الثالث فهو محاضرة كان قد ألقاها سيرديرا أمام قادة وضبّاط من سلطات الحماية الإسبانيّة بالمغرب. وهي بعنوان»الأحباس».

[10]- Clemente Cerdeira, Intérprete, diplomático y espía al servicio de la Segunda República, p30.

[11]- نشير هنا إلى أهمّية كتاب الأستاذ زروق المشار إليه أعلاه والمعنون بـ «تراجمة إسبانيا في المغرب مابين 1859-1939». ومعه كتاب آخر يتتبّع تجربة المترجمين الإسبان في المغرب كذلك؛ لكنّه يغطّي فترة زمنيّة أطول/ وهو المعنون بـ «تراجمة الإدارة الإسبانيّة إلى اللغة العربيّة من الحماية إلى يومنا هذا» لصاحبه خوان بابلو أرياسطوريس.

-Los Traductoresde Arabedel Estado Español: del Protectorado a Nuestros Dias, Juan Pablo Arias, Ediciones Bellatera, Barcelona 2012.

[12]- اشتهر ألفونسو ميري دي فال بتديّنه ومحافظته الشديدة، ومن مظاهر نزوعه ذاك، أنّه فرض على الموظّفين العاملين معه في الإدارة الإسبانيّة بطنجة الالتزام بأداء الشعائر الدينيّة المسيحيّة.

[13]- خوان بسنتي زوكاستي، إداري ومترجم إسباني شغل مناصب مهمّة ضمن الإدارة الاستعماريّة الإسبانيّة في شمال المغرب، خصوصًا في مرحلتها الأولى. فقد شغل منصب القنصل الإسباني في مدينة العرائش، كما تولّى مهام الترجمة والوساطة في مفاوضات بلده الطويلة مع القائد الجبلي المغربي: الشريف الريسوني. يقول عنه الأستاذ زروق في كتابه «تراجمة إسبانيا في المغرب (1859-1939)»، ص172 «...منذ سنة 1912، وإلى غاية وفاته في مايو سنة 1925، كان لزوكاستي دور مهمّ في العلاقات القائمة بين إسبانيا والريسوني. فقد كان هناك احترام كبير بين الرجلين...» وعن دور زوكاستي الترجمان يضيف الأستاذ زروق: «...كان وإلى غاية وفاته، واحدًا من المفاوضين الرئيسيين مع الريسوني، إذ هو نتاج مؤسّسات تكوين التراجمة الإسبانيّة. لكن، هناك مسألة مهمّة عن مفاوضاته الماراتونيّة مع الريسوني. لقد كان دائمًا بحاجة على مساعدة ترجمان آخر، هو ريخينالدو رويز أو كليمنت سيرديرا...» نفس المرجع، ص171 .

[14]- يورد الأستاذ زرّوق مُعرفًا بريخينالدو رويز أورساتي في مرجعه المذكور، ص81 «... هو نتاج مسار مؤسّسة تكوين التراجمة التابعة لوزارة الخارجيّة الإسبانيّة... التحق للعمل بصفة مترجم أوّل في مشروع الدولة للترجمة. وهو يعدّ الممثّل الأوّل لهذا المشروع، ورئيسه الإداري. وقد تولّى بذلك مسؤوليّة مشابهة لتلك التي تولّاها قبله أنيبال رينالدي في  مسار تراجمة إسبانيا في الخارج..».

أمّا عن ولادته وانتمائه الأسري، فيقول عنه الأستاذ زروق (من نفس المرجع المذكور ونفس الصفحات): ...ولد ريخينالدو رويز في كنف عائلة طنجاويّة، اشتهرت بتقاليدها الدبلوماسيّة والترجمة، وذلك في 18 أكتوبر سنة 1873. أما عن وفاته فيذكر أنّها كانت في مدينة مدريد بتاريخ 13 شتنبر سنة 1945.

[15]- Zarrouk, Los traductoresde España en Marruecos, p94.

[16]- Arias, Los Traductores de Arabe del Estado Español, p84.

[17]-Clemente Cerdeira, Intérprete, diplomático y espía al servicio de la Segunda República, P55.

[18]- Ibid, p30.

[19]- استغل سيرديرا وجوده ببيروت ليؤلّف كتابين حول النحو العربي والنحو الإسباني هما: «نحو اللغة العربيّة الدارجة» (1911)، ثمّ كتاب آخر بعنوان «النحو الإسباني بالعربيّة» (1912).

[20]-Gramática de árabeliteral. Primera parte. Beirut: Tip. Francesa/ Imprenta Católica, 1911.

Gramáticaespañola en idiomaárabe. Beirut: Imp. Católica, 1912.

تمّ اللجوء إلى التهدئة نتيجة عوامل، كان أهمّها ظروف الحرب العالميّة الأولى واستنزاف قوّات المقاومة الجبليّة؛ ممّا جعل الطرفان يقبلان بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. وعرفت جولات الحوار تلك الكثير من الشدّ والجذب، متأثرة في ذلك بالتغييرات التي كانت تعرفها الإدارة الإسبانيّة، مع سياسة تغيير الوجوه المستمرّة فيها.

[21]- لقد أسال هذا القائد الجبلي الكثير من المداد حوله، فقد تضاربت الآراء في الموقف من حركته بمنطقة جبالة؛ بين من اعتبره وطنيًّا مخلصًا للقضية المغربيّة، ومن اتّهمه بالسعي وراء مصالحه وطموحاته الشخصيّة. لكنّه يظلّ من أكثر الشخصيات تأثيرًا في منطقة الحماية الإسبانيّة خلال مرحلتها الأولى. طبعًا مع القائد محمّد بن عبد الكريم الخطابي. ومن أهمّ الذين كتبوا عنه، نسجّل: ابن عزوز حكيم في مؤلّفيه:»الشريف الريسوني والمقاومة المسلّحة في شمال المغرب» ثمّ في كتابين آخرين هما «موقف الشريف الريسوني من الاستعمار الفرنسي» الصادر سنة 1981. وكتاب آخر هو «موقف الشريف الريسوني من الاستعمار الإسباني» الصادر سنة 2020 (تولّى ورثته نشره بعد وفاته).

[22]- Arias, Los Traductores de Arabedel Estado Español, p184.

[23]- محمّد علي داهش، المغرب في مواجهة إسبانيا (صفحات من الكفاح الوطني ضدّ الاستعمار 1903-1927) منشورات جامعة الموصل كليّة الآداب، دار الكتب العلميّة، بيروت 2010، ص65-66.

[24]- يعدّ العقيد مانويل فرناديز سيلفستري (1871-1921) من أشهر القادة العسكريين الإسبان إبان الفترة الأولى للحماية الإسبانيّة في شمال المغرب. وقد اشتهر بحدّته ومعارضته للمدنيين في إدارتهم للمسألة المغربيّة. فقد كان يرفض خيار التفاوض مع القائد الريسوني الذي تبنّته إسبانيا في سعيها لبسط سيطرتها على المناطق الجبليّة، مؤثرًا عوضًا عن ذلك العمل العسكري. أمّا عن نهايته فقد كانت مأساويّة سنة 1921، إذ يقال إنّه انتحر بعد هزيمة الجيوش الإسبانيّة أمام قوّات المقاومة الريفيّة بزعامة محمّد بن عبد الكريم الخطابي، وذلك في معركة أنوال.

[25]- Fernando Caballero Echevarria, Intervencionismo español en Marruecos (1898-1928): análisis de factores que confluyen en un desastremilitar, «Annual». Memoria para optar al grado de Doctor, Universidad Complutense de Madrid, Facultad de Geografia E Historia, Madrid, 2013; p273.

[26]- Arias, Lostraductores de Arabedl Estado Español, p86.

[27]- Zarrouk, Los traductoresde España en Marruecos, p200.

[28]- عمل سيرديرا في أثناء وجوده في الرباط مُجاوِرًا المعهد العالي المغربي على جمع الكثير من المعلومات عن هذه المؤسّسة وطبيعة اشتغالها. ومن ثمّ قام بصياغتها في تقارير استخباراتيّة رفعها إلى رؤسائه في تطوان. ويبدو أنّ الفرنسيين كانوا يتابعون نشاطه ذاك بالرغم من مظاهر الحفاوة التي لقيها من بعضهم وإشراكه في بعض أنشطة المعهد. وقد تمثّل موقف فرنسا غير المطمئن له مرّة أخرى في رفضها تعيينه قنصلًا لديها في مدينة فاس، وذلك بعد مشورة للمستشرق وعالم الاجتماع ميشو بلير، الذي جاور سيريديرا بطنجة وخبر عن قرب كفاءته في الجاسوسيّة.

[29]- Zarrouk, Los traductoresde España en Marruecos, p206.

[30]- Zarrouk, Los traductoresde España en Marruecos, p204.

[31]- Arias, Los traductoresde Arabedel Estado Español, p86.

[32]- Zarrouk, Los traductoresde España en Marruecos, p215.

[33]- Ibid, p249.

[34]- يذكر الأستاذ زرّوق في كتابيه سالفي الذكر أنّ الكثير من أرشيف سيرديرا ونصوصه قد ضاع لدى مصادرته من قبل الوطنيين عقب انتصارهم في الحرب الأهليّة؛ ومنها دراسة ضخمة له عن القانون والتشريع الإسلاميين.

[35]- Zarrouk, Clemente Cerdeira. Intérprete, diplomático y espía al servicio de la Segunda República, P61.

[36]- Zarrouk, Clemente Cerdeira. Intérprete, diplomático y espía al servicio de la Segunda República, P60.

[37]- هذه المحاضرة هي بعض من نصوص قليلة وصلتنا مطبوعة لسيرديرا، وقد أعيد طبعها (كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه) ضمن كتاب ضمّ نصوصًا أخرى له. والكتاب هو:

-Traducciones y Conferencias, Clemente Cerdeira, Ciudad autonoma de Ceuta, archivo central 2006.

[38]- يستعمل سيرديرا في محاضرته لفظة الحبوس فيما نستعمل في نصّنا هذا لفظتي الأحباس والأوقاف، معتبرين أنهّما يؤدّيان المعنى نفسه.

[39]- Traducciones y Conferencias, P239.

[40]- Ibid, P240.

[41]- Traducciones y Conferencias, P240.

[42]- Traducciones y Conferencias, P240.

[43]- Ibid, P241.

[44]- Ibid, P241.

[45]- Ibid, P241.

[46]- Ibid, P243.

[47]- Traducciones y Conferencias, P244.

[48]- Ibid, p244- 245.

[49]- Ibid, 246.

[50]- Traducciones y Conferencias,247- 246 .

[51]- Traducciones y Confrencias, p247.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف