البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

January / 1 / 2022  |  1840الإيمان الصاعد والإلحاد المتهافت قراءة في تجربة وليام كريغ في دحض النزعات الإلحادية

صابرين زغلول السيد المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية شتاء 2021 م / 1442 هـ
الإيمان الصاعد والإلحاد المتهافت قراءة في تجربة وليام كريغ في دحض النزعات الإلحادية

يدخل هذا البحث ضمن دائرة الجدل الفكريّ والفلسفيّ الراهن الذي يعصف بالمجتمعات الغربيّة حول الإيمان الدينيّ والنزعات الإلحاديّة، وقد تناولت الباحثة هذه القضيّة الإشكاليّة من خلال الإضاءة على التجربة الحجاجيّة للفيلسوف واللاهوتيّ الأميركيّ المعاصر وليام لين كريغ. حيث يدحض أباطيل أصحاب النزعات الإلحاديّة وخصوصًا ما جاء به عدد من هؤلاء مثل: ريتشارد دوكنز، ودانييل دينيت، وستيفن هوكينغ وسواهم. ولسوف يتبيّن لنا من خلال هذه المقاربة النقديّة أنّ مسارات الجدل بين اللاهوتيّين والعلمانيّين في الغرب تنطوي على دلالات في غاية الأهمّيّة، أبرزها عودة سؤال الإيمان الدينيّ بقوّة بين عدد وازن من الفلاسفة والمفكّرين، وخصوصًا بعد استنفاذ المخزون الحجاجيّ الذي اعتمده الفكر العلمانيّ والتيّارات الإلحاديّة الناجمة عنه منذ نهاية العصر الوسيط وعلى امتداد القرن العشرين المنصرم.

«المحرر»


لقد أضحى النقاش حول قضيّة وجود الله والصعوبات التي تواجه الإيمان من أكثر الجدالات التي تدور في الغرب المسيحيّ، وقد تزايد الاهتمام حول هذه المسألة في الآونة الأخيرة أكثر وأكثر، حيث ظهرت جوانب جديدة لمناقشة هذه القضايا مؤخّرًا، ويرجع هذا إلى التطوّرات الناجمة التي حدثت في العلم والفلسفة جزئيًّا، والتي كانت تجلب نتائج جديدة، لا سيّما ما نتج عنها من جدل حول نظريّة الانفجار الكبيرBig Bang، وهي المثال الأكثر شهرة، وكذلك الأبحاث العديدة في أصول الحياة والكون، ونظريّات المعرفة، ونظريّات الأخلاق التي تحمل حُججًا للبرهنة على وجود الله، وما نتج عنها من لاهوت أخلاقيّ، بالإضافة إلى البحوث النفسانيّة الجارية وأبحاث التاريخ، وغيرها من البحوث العديدة في فلسفة الدين حول أدلّة وجود الله، ولهذا كان من الضروريّ تجديد هذه المناقشات باستمرار.

وقد لُوحظ أنّ العديد من المناقشات حول هذه القضايا وما يترتّب عليها من علاقة مع الله تغفل هذه التطوّرات الحديثة الأخيرة، وتتدهور إلى خطاب تبسيطيّ حول مناقشة هذه المسائل، ولكن يبدو أنّ كثيرًا من الفلاسفة المعاصرين نجوا من هذا التدهور والتبسيط الخطابيّ حول ذلك، ممّا أدّى إلى إثارة مناقشات جدّيّة حول طبيعة الإيمان وأدلّة وجود الله، وتغيّرت طبيعة الأسئلة، وتصدّرت أسئلة جديدة مثل ما هي المبرّرات المنطقيّة التي يمكن إعطاؤها للإيمان؟ ويطالعنا في سياق المستجدّات الفكريّة ومقتضياتها الفيلسوف وليام لين كريج William Lane Craig ( 1949 م -) [2] وهو أحد أبرز الفلاسفة المسيحيّين المعاصرين الذين تصدّوا لمناقشة المسائل الرئيسة في فلسفة الدين حول مفهوم الله وطبيعة الإيمان به، ومشكلة الشر، والصعوبات التي تقف عقبة في طريق الإيمان، ولا سيّما الإيمان المسيحيّ، وغيرها من المسائل الفلسفيّة الشائكة، وعلى غرار معاصريه من الفلاسفة أمثال ألفين بلانتينجا Alvin Plantinga (1932 م -)، وريتشارد سوينبرن Richard G. Swinburne (1934 م -)، وويليام رو William B. Rowe (1910 – 1955 م) الذين انصبّ اهتمامهم حول النقاش عن وجود الله وطبيعة الإيمان به، وقف كريج على خطورة الوضع في أوروبّا بصفة عامّة وفي أميركا على وجه الخصوص من حيث «توغّل الفكر العلمانيّ على الحياة والدين، حيث أصبح العلمانيّون عدوانيّين بشكل ملحوظ في كلّ من الولايات المتّحدة وأوروبّا» [3]، حيث شجبوا المعتقد الدينيّ، خاصّة بعد أن دعا ريتشارد دوكينز Richard Dawkins (1946 م -)، ودانيال دينيت Daniel Dennett (1942م -)، وستيفن هوكينج Stephen Hawking (1942 م-) في كتبهم الأكثر مبيعًا، وحذّروا من الآثار الوخيمة للاعتقاد الدينيّ على المجتمع، كذلك وجد كريج أنّ «غالبيّة الأوروبيّين يحتفظون بانتسابهم الاسميّ إلى المسيحيّة، إلّا أنّ عشرة في المئة فقط هم الذين يمارسون الإيمان» [4]، وقد لاحظ كريج أنّ سبب هذا التراجع والبعد عن الدين يرجع «إلى التفكير العقليّ غير المنطقيّ، والذي سيؤدّي في أحسن الأحوال إلى الإلحاد»[5]؛ ولهذا أصبح الاتجاه الأهمّ في الانتماء الدينيّ الأوروبيّ هو«نموّ الفئات المصنّفة بوصفها غير دينيّة» [6]، وقد أخذ هذا التيّار في التصاعد تدريجيًّا خاصّة بعد الهجمات التي شنّها الملحدون بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

ولذلك انتهج كريج منهج اللاهوت الدفاعيّ (المعروف أيضًا بالتبريريّات) بهدف تقديم أساس عقلانيّ للإيمان المسيحيّ والدفاع عنه ضد الاعتراضات على عدم وجود الله، وذلكعن طريق «فضح العيوب الظاهرة في النظره العلمانيّة للدين»  [7]؛ لذلك جاءت فلسفة كريج مصطبغة بالصبغة العقلانيّة الدفاعيّة لقضايا الدين وطبيعة الإيمان، ولا سيما كتابه الأكثر شهرة والذي يحمل اسم موقعه على شبكة الإنترنت الإيمان العقلانيّ Reasonable faith، وفيه يطرح الردّ على أسئلة الملحدين محاولًا إثبات أنّ الإيمان بوجود الإله منطقيّ تمامًا من حيث أنّه يعطي معنى أعمق للحياة وللتاريخ، وللخبرة الإنسانيّة على نحو يتفوّق على غيره من البدائل، ومن أجل ذلك عمل كريج على إحياء أدلة وجود الله التي تناولها الفلاسفة من قبل، حيث طوّر هذه الأدلة وربطها بالتطوّرات العلميّة والفلسفيّة المعاصرة، وفي مقدّمة هذه الأدلّة دليل الكلام الكوزمولوجيّ (الكونيّ) عند الغزالي، وهو عنوان موضوع أطروحته للدكتوراه تحت إشراف فيلسوف الدين المعروف جون هيك John Harwood Hick (1922 -2012 م)، وعادة ما يشار إلى كريج بأنّ له الفضل في إحياء دليل الكلام الكوزمولوجيّ لإثبات وجود الله، ويظلّ هذا الكتاب حتى اليوم ممثّلًا لأهمّ نقاش في هذا الموضوع.

والجدير بالذكر أنّ كريج من خلال هذا الكتاب يُظهِر تأثّره الشديد بفلاسفة الإسلام، وعلى رأسهم الغزاليّ وخاصّة في عرضه لهذا البرهان كما سيتّضح من خلال هذا البحث.

دحض المنظور الإلحاديّ

لقد حاول كريج مواجهة الموقف الإلحاديّ الذي ظهر بشكل مخيف في المجتمعات الغربيّة، ولا سيّما بعد نشر كتاب «وهم الإله» لريتشارد دوكينز، وهو الكتاب الأكثر مبيعًا في العالم عن الإلحاد، حيث قدّم دوكينز العديد من الذرائع، والتي حاول من خلالها إثبات إلحاده. وفي المقابل عمل كريج على تقديم الأدلّة المعاكسة لنفي حُجج دوكينز وتبيين تهافتها، ناهيك عن سعيه لدحض حجج الملحدين الغربيّين على وجه العموم. وقد استخدم في مساعيه الحجاجيّة المنهج العقليّ من أجل التصدّي لهذا التيّار، ومن أجل ذلك راح يؤكّد على ضرورة الانطلاق من مقدّمات منطقيّة صحيحة ومتماسكة حتى تخرج النتائج سليمة بدون ثغرات، وقد بدأ ذلك بجدليّة السؤال لينتبه العقل على ضرورة الانتباه لخطورة القضيّة التي سيتناولها، فيقول «هل هناك حجج جيّدة لوجود الله؟ لقد أظهرت الحجج التي قدّمها دوكينز على وجه الخصوص بأنّ الحجج على وجود الله ليست جيّدة؟» [8] وهذا السؤال في حد ذاته من أهمّ صعوبات الإيمان المسيحيّ التي يواجهها كريج، ومن أجل ذلك سعى كريج لإحياء أدلّة وجود الله منطلقًا من معقوليّة الإيمان لإثبات وجود الله، وقد رجع للأدلّة الفلسفيّة التي قال بها الفلاسفة اليونانيّون وفلاسفة علم اللاهوت المسيحيّ وعلم الكلام الإسلاميّ وقوفًا عند الفلاسفة المحدثين والمعاصرين في عصرنا الحالي مع تطويرها بما يتناسب مع التطوّر الفلسفيّ والعلميّ المعاصر، وقد لخّص كريج براهينه في خمسة أركان للرد على الملحدين بصفة عامّة، وعلى كتاب دوكينز «وهم الإله» بصفة خاصّة.

أوّلًا: البرهان الكونيّ (الكوزمولوجيّ) Cosmological Argument

انطلقت إشكاليّة البرهان الكونيّ منذ الفلاسفة اليونان القدامى عندما اعتقدوا أنّ المادّة ضروريّة وغير مخلوقة، وبالتالي فهي أزليّة، ولهذا تشكّلت نظرتهم لقضيّة الخلق، حيث رأوا أنّ الإله قد يكون مسؤولًا عن تدبير الكون، لكنّه لم يخلق الكون نفسه، وفي مقابل هذه النظرة اليونانيّة كانت نظرة العهد القديم «في البدء خلق الله السماوات والأرض»[9]، ومن خلال هذين الاعتقادين المتنافسين بالسجال، نشأ جدل داخل الفلسفة الغربيّة، ودام أكثر من ألف سنة، عن الكون هل كان له بداية أم لا؟، هذا الجدل دخل فيه اليهود والمسلمون وكذلك النصارى البروتستانت والكاثوليك معًا، وانتهى أخيرًا إلى نهاية غير قاطعة في القرن الثامن عشر، على يد الفيلسوف الألمانيّ إيمانويل كانط، عندما قرّر أنّ ثمّة حججًا عقلانيّة دامغة في كلا الجانبين، مما يكشف عن إفلاس العقل نفسه، ولذلك جاء البرهان الكونيّ فيما يرى كريج «من خلال محاولة المفكّرين المسيحيّين لدحض المذاهب اليونانيّة في أزليّة الكون وطوره علماء الكلام المسلمين في العصور الوسطى ليكون حجّة على وجود الله»[10]، ويرى كريج من خلال البرهان الكونيّ على وجه العموم أنّ ثمّة شيئًا ما، وأنّ وجود ذلك الشيء لا بدّ أن يكون وراءه سبب أوّل أو سبب كافٍ للكون؛ لذلك يستعرض كريج برهان الكلام الكونيّ عند العديد من الفلاسفة، ويأتي في مقدّمتهم توما الإكوينيّ (1225-1274م) في كتابه الخلاصة اللاهوتيّة، حيث اشتهر توما الإكويني في خلاصته اللاهوتيّة ببراهينه الكونيّة، وقد اقتصر كريج على ذكر ثلاثة منها، بدءًا من برهانَي الحركة والعلّة الفاعلة المأخوذان عن أرسطو، وصولًا إلى برهان الواجب، وتستند جميعها على استحالة التراجع إلى ما لا نهاية، وصولًا إلى السبب الأوّل، والذي يعنينا هنا هو الطريقة التي تناول بها كريج تلك البراهين الإكوينيّة، تناولًا يتناسب مع الفهم المعاصر، يقول كريج: «من المهم أن نضع في اعتبارنا أنّ الإكويني يفكّر هنا في الأسباب التي تعمل جميعها في وقت واحد مثل التروس في آلة، وليس على التوالي مثل الدومينو الساقطة، لذا إذا أخذت السبب الأوّل فكلّ ما تبقّى لك هو الأسباب الأساسيّة الضعيفة، ولا يهمّ إذا كان لديك من هذه الأسباب ما لانهاية له؛ لأنّها لا يمكن أن تسبّب أيّ شيء»[11].

وبعد ذلك يعرض كريج لمفهوم العلّة الكافية عند الفيلسوف الألمانيّ ليبنتز (1646-1716م) والذي لا يجادل بوجود سبب غير مسبّب، ولكن لوجود سبب كاف للكون، وهو ما يسمّى بالعلّة الكافية، ويطرح كريج مفهوم العلّة الكافية عند ليبنتز من خلال تلك الأسئلة التي ساقها ليبنتز للبرهنة على وجود الله، حيث سأل: لماذا هناك شيء بدلًا من لا شيء؟، لماذا لا يوجد أيّ شيء على الإطلاق؟ وتأتي إجابة ليبنتز على هذا السؤال، بأنه «لا شيء يحدث دون سبب كاف»[12].

لذلك يرى كريج من خلال مبدأ ليبنتز الشهير الذي ينطوي على سبب كاف بأنّه يجب أن يكون ثمّة سبب أو تفسير عقلانيّ لوجود الكون الأبديّ؛ ذلك أنّ السبب في وجود الكون «يجب العثور عليه خارج الكون، في كونه السبب الكافي الذي هو مكتفٍ بذاته؛ وهو السبب الكافي الخاصّ بالوجود، والذي يجعل الكون موجودًا»[13]. ويستطرد كريج في عرضه لتناول الفلاسفة للبرهان الكوزمولوجيّ من خلال حُجّة ويليم بيلي  William pally (1773- 1805م) [14] صانع الساعات التي صاغها في كتابه اللاهوت الطبيعيّ 1802م، حيث ربط التصميم الذكيّ في الطبيعة بوجود مصمم ذكيّ للكون، مبرهنًا بالمثال الآتي: لنفترض أنني أسير وفجأة اصطدمت قدمي بحجر، فإنّ أوّل ما يتبادر للذهن أنّ الحجر موجود في مكانه منذ الأزل، ولن يثير وجوده أيّ إشكاليّة بالنسبة لي، ولكن لنفترض أنّني وجدت ساعة على الأرض، فالمسألة ستتغيّر، حيث يثير تواجدها عدّة تساؤلات، مثل كيف وصلت هذه الساعة لهذا المكان؟ من قام بهذا الصنع الدقيق لهذه الساعة؟ وغيرها من الأسئلة التي تثير الجدل داخل الذهن، وبالطبع طبقًا لما يراه بيلي وطبقًا لما يحلّله كريج، لن تكون الإجابة مثل الإجابة السابقة عن الحجر؛ ذلك أنّ ثمّة أحكامًا معقّدة وجدت خلف وجود الساعة من خلال الدقّة الموجودة في صناعة تروسها و(زنبركاتها)؛ ولذلك إذا عثرنا على شيء معقّد مثل الساعة فوق حقل، فإنّنا حتى لو لم نكن نعرف كيف وصل إلى الوجود، فإنّ الأحكام المعقّدة لوجوده تجبرني على الوصول إلى الاستنتاج: بأنّه ينبغي أن يكون للساعة صانع، وأنّها صُنعت في وقت ما وفي مكان ما، وأنّ ثمّة مُصنّعًا هو الذي صنعها وشكّلها لكي تفي بالغرض المطلوب من وجودها، ولذلك يقول كريج من خلال تحليله لبرهان بيلي «إنّنا في تصميم الساعة نكتشف ما لم نتمكّن من اكتشافه في الحجر، حيث إن أجزاء عديدة من الساعة وُضعت معًا لغرض ما»[15]؛ لهذا فمن خلال قياس المشاهدة ومن خلال التصميم الذكيّ في كلّ مظهر من مظاهر التصميم المنظّم الموجود في الساعة نستنتج أنّ هناك مصممًا ذكيًّا دالًا على الاختراع، وبالمثل نستنتج من من خلال التصميم الموجود في مظاهر الطبيعة وجود مسبِّب لهذا التصميم والإبداع في الكون، لذلك يرى كريج في حجّة بالي «أنّها وجّهت ضربة ساحقة وقاتلة لسببيّة ديفيد هيوم»[16] والذي ذهب إلى أنّ المعلول ليس متضمّنًا في العلّة أو مرتبطًا بها ارتباطًا ضروريًّا، وأنّ الضرورة التي تبيّن له ما هي إلّا وليدة عادة تتكوّن بتكرار التجربة»[17]؛ ولذلك ساق كريج حجّة بيلي ليدحض بها مفهوم السببيّة المتولّد عن العادة كما قال هيوم، والذي تبعه فيه أغلب الملاحدة، ومن أجل ذلك طوّر كريج البرهان الكونيّ، باعتماده على برهان الكلام الكونيّ الذي قال به العلماء المسلمون، وربطه بالتطوّرات المعاصرة بهذا النحو.

ثانيًا: برهان الكلام الكونيّ The Kalam Cosmological Argument

يُعدّ برهان الكلام الكونيّ من أهمّ الجدالات التي حدثت حول وجود سبب للكون، وقد صاغ هذا البرهان فيلسوف الإسلام الأوّل أبو إسحاق الكنديّ (185، 256هـ/ 805 -873 م)، ثم جاء بعده أبو حامد الغزاليّ (450 - 505 هـ / 1058 - 1111م) وطوّره ردًّا على فلاسفة اليونان ومن تأثّر بهم من فلاسفة المسلمين، ولا سيّما ابن سينا الذي وافق فكرُه فكرَ فلاسفة اليونان في مسألة قِدَم العالم وعدم وجود بداية له، فكرّس الغزاليّ ما يقرب من ربع كتابه تهافت الفلاسفة لإثبات أنّ للكون بداية، وقد استند الغزاليّ في برهانه إلى أدلّة من الفلسفة والرياضيّات، ليؤكّد أنّه «من المستحيل أن يكون هناك قِدم لا نهائيّ للعالم، أي أنّ العالم لا بدّ أن تكون له بداية «فقِدم العالم يعادل الكفر عند الغزالي»[18]، ويعدّ كريج من أشهر أنصار هذا البرهان والمدافعين عنه، حيث أعاد طرحه فى كتابة برهان الكلام الكونيّ The Kalam Cosmological Argumenعام 1979م، واستخدمه فى كثير من مناظراته مع رموز الإلحاد الحديث New Atheismمن أمثال ريتشارد دوكينز، وكريتسوفر هيتشنز (1949 – 2011 م)، ويعترف كريج بتجاهل الغرب لفلاسفة المسلمين في تناولهم لهذه البرهان، رغم «التميّز الواضح للبرهان الكونيّ في الفكر الإسلاميّ»[19] على حدّ تعبيره، ويمكن صياغة هذا البرهان كما طرحه الغزالي على النحو الآتي:

1-كلّ ما له بداية له علّة.

2 – الكون له بداية.

3- إذًا الكون له علّة (خالق) [20]

يرى كريج أن جميع حجج الغزالي التي تثبت وجود الله تستند بشكل مباشر إلى مبدأين:

الأول: استحالة العدد إلى ما لانهاية.

الثاني: مبدأ التحديد بين الإمكانيّات، أو الأفضليّة بين الإمكانيّات[21]، بمعنى أنّ وجود الخلق أفضل من عدمه، ويلاحظ كريج أنّ حجّة الغزاليّ متّسقة منطقيًّا؛ ذلك أنّ المُعطى الأوّل يبدو بديهيًّا، بأنّ كلّ شيء بدأ فى الوجود لا بدّ وأن يكون له سبب ما لبداية وجوده، وعلى الرغم من هذه البديهيّة، فقد ظهر مؤخرًا اعتراض الفيلسوف الأمريكيّ المعاصر كوينتين سميث Quentin Smith (1952 م-) الذي اعترض على المُعطى الأوّل «بأنّه لو أنّ كلّ شيء موجود محتاج لسبب، فهل الله نفسه محتاج لسبب؟»[22]، يعترض كريج على مثل هذا السؤال؛ لأنّ «الله لم يبدأ الوجود، الله دائم الوجود، الله هو مُسبِّب غير مُسَبَّبـ«[23] بمعنى أنّ السؤال عن سبب المُسبِّب غير المُسَبَّب هو سؤال متناقض، ومن أجل ذلك جادل كريج بالحجج الفلسفيّة والأدلّة العلميّة للتدعيم وبقوّة حقيقة بداية الكون ووجود مسبّب له، والتي انطلق في صياغتها من ثلاث خطوات، وهي تلك الخطوات التي صاغها الغزاليّ أيضًا وتنصّ على:

1- هناك ظواهر زمنيّة في الكون.

2- وتنجم عن هذه الظواهر ظواهر زمانيّة أخرى.

ولا يمكن لسلسلة الظواهر الزمنيّة أن تستمرّ بلا حدود»[24]

وتوضح هذه الخطوات أنّ ثمّة سلسلة من الأحداث الزمنيّة هي التي كونت تاريخ الكون، وهي في مجملها عبارة عن مجموعة تكوّنت بإضافة حدث بعد الآخر، ولكن هذه المجموعة التي تمّ تكوينها بإضافة حدث بعد الآخر، لا يمكن أن تستمرّ في تسلسل الأحداث بلا نهاية حقيقيّة، بل لا بدّ من الوقوف عند مُسبِّب هو الذي تسبّب في مجموعة الأحداث، ولتدعيم ذلك ومناهضة التيّار الإلحاديّ أسس كريج دفاعه على ناحيتين؛ الأولى فلسفيّة والأخرى علميّة.

1 - الأدلّة الفلسفيّة:

تعد فكرة الماضي المطلق من الناحية الفلسفيّة فكرة جدليّة، فإنّ لم يكن للكون بداية محدّدة، فذلك يعني أنّ عددًا من الأحداث في ماضي الكون لا متناهية، ذلك أنّ وجود رقم لا متناه من الأشياء يؤدّي إلى أمور ما ورائيّة ومنافية للمنطق؛ لذلك أسّس كريج دفاعه الفلسفيّ في برهان الكلام الكونيّ على عدد من الحجج المتشابهة، نتناول منها حجّتين اشتُهر بهما كريج، وهما حجّة مفارقة زينون، وحجة فندق هلبرت، والتي تناولهما من خلال الجدليّة الفلسفيّة الشهيرة، عبور اللانهاية Crossing the infinite argumen والتي من شأنها توضيح تناقض مفهوم الرجوع إلى ما لا نهاية.

أ - مفارقة زينون

جاءت هذه المفارقة ضمن مجموعة من المفارقات أو الحجج التي صاغها زينون الإيلي من أجل إثبات فكرة اللانهاية لتدعيم مفهوم الثبات عند بارمينيدس، وتقوم هذه المفارقة باختصار على افتراض شخصٍ يُدعى أخيل، وهو من أسرع العدّائين في اليونان، ويفترض أنّه بدأ سباق مع سلحفاة تسبقه بمسافة ما، فإذا بدأ الإثنان معًا الحركة فى لحظة واحدة، فإنّ أخيل لن يلحق بالسلحفاة، لأنّه سيكون عليه أن يعبر نصف الطريق؛ ولكن قبل أن يتمكّن من عبور نصف الطريق، فإنّه يجب عليه أن يعبر ربع الطريق، ولكن قبل أن يتمكّن من عبور ربع الطريق، فإنّه يجب أن يعبر ثُمن الطريق، وهكذا إلى ما لا نهاية، ولذلك، لا يمكن لأخيل الوصول إلى أيّ نقطة، وقد لجأ كريج لهذه المفارقة نظرًا لاستناد معظم الملحدين عليها من أجل إثبات التسلسل إلى ما لا نهاية وعدم وجود مسبّب للكون، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ما توصّل إليه علماء الرياضيّات المحدثين وفي مقدّمتهم ليبنتز والذي وصل إلى أنّ انقسامات المسافات أمر واقعيّ ولا بدّ من حسابه، ومن هنا نشأ الحساب اللانهائيّ أو ما يسمّى بحساب التفاضل والتكامل، لذلك رأى كريج من خلال هذه المفارقة «أنّ الإشارة إلى الفواصل الزمنيّة التي اجتازها أخيل هي محتملة وغير متساوية، حيث افترض زينون «أنّ أيّ فاصل زمنيّ محدّد يتكوّن من عدد لا حصر له من النقاط»[25]، وقد رجع كريج في تحليله لهذه المفارقة إلى المعارضين لزينون، مثل أرسطو، الذي اتخذ الفاصل الزمنيّ كمفهوم كلّيّ، ليكون من الناحية الفكريّة قابلًا لأيّ انقسامات، أي أنّ الكلّ سابق للجزء، لذلك يبني كريج هنا دفاعه على نقطتين.

أوّلًا: ضدّ أولئك الذين يقولون بوجود لانهائيّ استنادًا لمفارقة زينون، لأنّ ثمةّ «تناقضًا بين قضية أخيل لمفهوم اللانهاية، وقضيّة التسلسل الزمنيّ للماضي إلى ما لا نهاية»[26].

ثانيًا: وهي الأكثر أهمّيّة، يرى كريج أنّ الحلّ الذي قدّمه أرسطو، وهو أن نأخذ الكلّ ليكون من الناحية الفكريّة قبل الجزء، فعلى سبيل المثال عندما نفكّر في مقياس الطول (1) متر، فإنّ هذا المقياس لا يتكوّن من نقاط؛ بدلًا من ذلك، فإنّ المقياس كلّه موجود قبل النقاط، وأيّ نقاط داخل العدد (1) هي مجرّد نتيجة لتفكيرنا.

وعلاوة على ذلك، فإنّ الانقسامات الفكريّة لا تستمرّ إلى ما لانهاية؛ لأنّنا يمكن أن نذهب فقط من خلال عمليّة تحديد مفهوم اللانهاية كمفهوم محتمل فقط[27]، وعلى الرغم من هذه النتيجة التي وصل لها كريج في استحالة التسلسل إلى لا نهاية، إلا أنّه أخفق بوجود صلة بين الأحداث المتعاقبة ومفهوم أرسطو بأنّ الكلّ سابق للجزء، حيث بالنظر إلى مفهوم أرسطو، نجد أنّ سلسلة الأحداث لا تتألّف من إضافات متعاقبة، وإنّما من انقسامات فكريّة؛ وهذا عكس ما يتطلّبه التعاقب بين الأحداث الذي يفترض مسبقًا أنّ الأجزاء هي قبل كلّ شيء، وهذا بخلاف رأي أرسطو.

ب- حجّة فندق هلبرت

صاغ هذه الحجّة عالم الرياضيّات الألمانيّ ديفيد هلبرت (1862-1943م) والذي تخيّل وجود فندق يحتوي على عدد محدود من الغرف، وجميع الغرف محجوزة، عندما يأتي حاجز جديد للفندق يسأل عن غرفة شاغرة، فإنّ المدير سيعتذر له قائلًا إنّ كلّ الغرف محجوزة، وفي هذه اللحظة يدعونا هليبرت لتخيّل الفندق وفيه عدد غير محدود من الغرف، ويفترض أنّ كلّ الغرف محجوزة أيضًا، ويبدأ هلبرت افتراضه وإشكاليّته في هذا المثال، حيث يفترض قدوم ضيف جديد على الفندق، وفي هذه الحالة سيقول له المدير: لا مشكلة، وسيقوم بنقل الضيف المقيم بالغرفة رقم 1 إلى الغرفة رقم 2، وينقل المقيم في الغرفة رقم 2 إلى الغرفة رقم 3، وهكذا إلى ما لا نهاية سيقوم بنقل كلّ ضيف الى الغرفة التالية، وكنتيجة ستصبح الغرفة الأولى محجوزة بواسطة الضيف الجديد، مع أنّه عند حضور الضيف الجديد كانت كلّ الغرف محجوزة، ولا يوجد مكان شاغر في الفندق، ثم يضيف هلبرت افتراضًا آخر فيقول: «لنفترض أنّ عددًا لا محدودًا من الضيوف الجدد يريدون الإقامة، سيردّ المدير عليهم: لا مشكلة والآن يقوم بنقل الضيف المقيم في الغرفة رقم 1إلى الغرفة رقم 2، ثم سينقل الضيف الميقم في الغرفة رقم 2 الى الغرفة رقم 4، وسيقوم بنقل الضيف المقيم في الغرفة 3 إلى الغرفة رقم 6، يعني أنّه سينقل كلّ ضيف مقيم في غرفته إلى الغرفة التي يكون رقمها ضعف رقم غرفته السابقة إلى ما لا نهاية، والآن بما أنّ كلّ رقم غرفة مضروب بـ 2، هو دائمًا عدد زوجيّ فسينتهي الحال بالضيوف في غرف أرقامها زوجيّة، 2، 4، 6 إلخ، وكنتيجة لذلك ينتقل الضيوف الجدد إلى الغرف التي تكون أرقامها فرديّة، وهنا يقول هلبرت «في الحقيقة سنستطيع في كلّ مرة أن نشغل الغرف الممتلئة بضيوف جدد»[28]، وقد ساق كريج هذه الحجّة لتوضيح أنّ فكرة فندق هلبرت هي فكرة متهافتة مع أنّها ممكن أن يكتبها علماء الرياضيّات على الورق، لكن من المستحيل لهذا الفندق أن يوجد في الحقيقة «فنحن نستطيع أن نصف مثل ذلك الفندق على الورق، ولكنّه لن يوجد أبدًا على الواقع»[29]، وبالتالي فإنّ فكرة اللانهاية كما يوضحها كريج هي فكرة تسكن في عقولنا فقط، ولا تمّت للواقع بصلة، مما يحتّم أن تكون الأحداث الماضية محدودة، وبما أنّها حقيقيّة وليست من نسج الخيال؛ لذا لا يمكن أن تعود سلسلة الأحداث الماضية إلى ما لا نهاية، وإنّما من المؤكّد أنّ الكون له بداية.

2 - الأدلّة العلميّة

يُعدّ ربط كريج حجّة الكلام الكونيّة بالعديد من الإشارات إلى الفيزياء الفلكيّة، من أهمّ الإسهامات التي قدّمها دعمًا لبداية الكون، وذلك من خلال نظريّة التوسّع في الكون والديناميكا الحراريّة، ويرى أنّ التطوّرات العلميّة من أكثر الأمور التي تثير دهشتنا، ولا سيّما في علم الفلك المعاصر بالدرجة «التي لا يمكن أن يتوقّعها الغزالي نفسه»؛ ذلك أنّ لدينا اليوم أدلّة علميّة قويّة لبدء الكون[30]، وهو ما يؤكّد على حجّة الكلام الكونيّة التي صاغها الغزاليّ، وقد جاء أوّل تأكيد علميّ لبداية الكون من خلال نظريّة توسّع الكون، حيث وضع ألبرت أينشتاين نظريّة النسبيّة عام 1917 م، عندما أظهرت حساباته أنّ الكون إمّا يتمدّد أو ينكمش، مما يعني أنّه لا يمكن أن يكون أزليًّا، ولا بدّ أن يكون له بداية، وفي عام (1920م) جاء عالم الرياضيّات الروسيّ ألكسندر فريدمان (1888- 1925 م)، والفلكيّ البلجيكيّ جورج لومتر (1904 – 1968 م)، وقرّرا أخذ معادلات أينشتاين على ظاهرها، ونتيجة لذلك خرجا من غير تواطئ بنماذج لكون متوسّع، ثمّ جاء الفلكيّ الأمريكيّ إدوين هابل، وقام بأرصاد متواصلة، وقدّم اكتشافًا لا نظير له، حيث أكّد نظريّة فريدمان ولوميتر عندما وجد أنّ الضوء في المجرّات البعيدة يظهر أكثر حمرة مما هو متوقّع، وهذا الانحراف الأحمر في الضوء كان على الأرجح راجعًا لتمدّد موجات الضوء بسبب ابتعاد المجرّات عنّا؛ لذلك وجّه هابل تليسكوبه لرصد هذا التغيّر في الضوء الأحمر القادم من المجرّات، حيث أظهر أنّنا في مركز انفجار كونيّ، وأنّ كلّ المجرّات الأخرى تتطاير بعيدًا عنّا بسرعات مذهلة، ويقف كريج على ذلك بقوله: «الآن حسب نموذج فريدمان - لوميتر لسنا حقًّا في مركز الكون، وذلك بالنظر إلى أيّ مجرّة من الخارج، نرى المجرّات الأخرى بعيدة عنها، وهذا بسبب أنّ الفضاء هو الذي يتوسّع، بينما تظلّ المجرّات في سكون في الفضاء، ولكنّها تبتعد عن بعضها البعض بتوسّع الفضاء»[31]، وقد أصبح نموذج فريدمان - لوميتر يعرف بنظريّة الإنفجار الكبير، وهو نموذج الإنفجار الكبير القياسيّ الذي يتنبأ ببداية مطلقة للكون، لذلك يقول كريج «إذا كان هذا النموذج صحيحًا، فإن لدينا تأكيدًا علميًّا مذهلًا للمقدّمة الثانية من البرهان الكونيّ الكلاميّ»[32] تلك المقدّمة التي تقول إنّ الكون له بداية، ويستطرد كريج لتأكيد صحّة هذه النتيجة من خلال الاكتشافات البارزة التي حدثت في الآونة الأخيرة في علم الفلك وعلم الفيزياء الفلكيّة، فيقول: «بتنا اليوم نمتلك دليلًا قويًّا على أنّ الكون ليس أزليًّا في ماضيه، بل بدأ بداية قطعيّة منذ زمن محدود، في عام 2003، استطاع ألكسندر فلينكن وأرفيند بورد وألان جوث إثبات «أنّ الكون، الذي يمرُّ في حالة توسُّع كونيّ، لا يمكن أن يكون لامتناهيًا في الماضي، ويجب أن يتمتّع بحدودٍ للزمان والمكان الماضيَين»[33]، ويرى كريج أنّ البرهان الذي قدّموه قويًّا، وذلك لصموده بغض النظر عن الوصف الفيزيائيّ للكون المبكر، وذلك لأنّنا ما زلنا نفتقد إلى نظريّة الكمّ الخاصّة بالجاذبيّة، وبالتالي لا نستطيع أن نقدّم وصفًا فيزيائيًّا للحظة الكون المبكر الأولى؛ ولذلك يرى كريج أنّ نظريّة بورد، غوث، فيلينكن هي نظريّة مستقلّة عن أيّ وصف فيزيائيّ لتلك اللحظة، فهي «تشير إلى أنّ الفضاء الكمّيّ للكون المبكر الذي وصفه بعضهم بشكل مضلّل وغير متقن بالـ «العدم»، لا يمكن أن يكون أزليًّا في الماضي، بل من المحتوم أنّه بدأ بداية قطعيّة»[34]. ويرجع كريج مرّة أخرى لفرضيّة العوالم المتعدّدة التي قال بها العلم الحديث واعتمد عليها الملحدون لإثبات عدم وجود بداية للكون وبالتالي عدم وجود الله، حيث يرى كريج أنّ فرضيّة العوالم المتعدّدة هي بذاتها تكشف وجود بداية للكون، وذلك باعتبار «أنّه طبقًا لتلك الاكتشافات فإنّ الكون الذي نعيش فيه هو جزء صغير ممّا يسمّى العالم المتعدّد المؤلَّف من عدّة أكوان، مما تتطلّب نظريّتهم أن يكون لذلك العالم المتعدّد بداية حتميّة»[35]، وعلى ذلك يرى كريج أنّ ما جرى لاقتراح تصوّرات خياليّة عدّة لتفادي البداية القطعيّة للكون، مثل نماذج الجاذبيّة الكموميّة ونماذج الخيوط الكونيّة والمنحنيات المغلقة، جاءت جميعها مليئة بالمشاكل، وكانت النتيجة كما يقول كريج بأنّها «لم تنجح أيّ من تلك النظريّات، وإن كانت صحيحة، في إعادة الماضي الأزليّ، بل إنّها أرجعت البداية خطوة إلى الوراء»[36].

وبالتالي فإنّه بما أنّ الكون يتوسّع عبر تاريخه، فلا يمكن أن يكون أزليًّا في الماضي، ولا بدّ أن يكون له بداية مطلقة.

ويضيف كريج دليلًا علميًّا آخر ربما يشكّك بعض أن تكون نظريّة الإنفجار الكبير غير كافية؛ لذلك يعرض القانون الثاني للترموديناميك، فحسب هذا القانون الثاني «إن لم يتمّ تغذية منظومة ما بالطاقة، ستصبح المنظومة مضطربة بشكل متزايد وقد أدرك العلماء منذ القرن 19 ضرورة التنبّؤ بوقت ما في المستقبل يستنفذ فيه الكون كلّ الطاقة، وبالتالي تصبح الحياة مستحيلة، وهو ما يسمّيه العلماء بالموت الحراريّ للكون، ويرى كريج «أنّ هذا التنبّؤ غير المرغوب فيه أثارَ لغزًا أبعد من ذلك، فإذا كان الكون سيصل في وقت ما إلى حالة من الموت الحراريّ إذن لماذا وجد الكون من الأزل؟ ولماذا لا يكون من الآن في تلك الحالة»[37]. يرى كريج أنّ الكون سيصل إلى حالة اللاتوازن الحراريّ في نهاية الزمن، فإذا جعلنا الكون في ما لا نهاية من الزمن، فيجب أن يكون قد فقد كلّ طاقته الحراريّة في وقت سابق، ولكنّه ليس كذلك؛ لذا نحن في حالة من اللاتوازن، حيث الطاقة ما زالت متاحة للاستعمال، وهذا برهان آخر يؤكّد من خلال الأدلّة العلميّة صحّة المقدّمة الثانية من برهان الغزالي الكونيّ.

وينتهي كريج من خلال الأدلّة الفلسفيّة والعلميّة إلى أنّ «لدينا أساسًا متينًا للاعتقاد بأنّ الكون ابتدأ وجوده ومن ثمّ فالنتيجة المنطقيّة، أن الكون له سبب لبدايته»[38]، ومن هذه الأدلّة الفلسفيّة والعلميّة يؤكّد كريج أنّ وجود سلسلة لا متناهية من الأسباب مستحيلة، فلا بدّ من وجود سبب للكون، والذي يتّصف بأنّه سبب أوّل غير مسبّب، يتسامى عن الزمان والمكان؛ لأنّه خلق الزمان والمكان، كما أنّه يجب أن يكون لا مادّيًّا ولا فيزيائيًّا، ويجب أن يكون قويًّا بشكل يفوق الخيال بما أنّه ينهي كلّ المادّة والطاقة، ويستطرد كريج في وصف السبب الأوّل مختتمًا استدلالته الفلسفيّة والعلميّة بقوله»، هكذا فالبرهان الكونيّ الكلاميّ يعطينا أرضيّة قويّة للإيمان بوجود سبب غير مبتدأ، لا مُسَـَبّب، خارج الزمان والمكان، لا متغيّر، لا مادّيّ، قويّ بشكل مذهل، خالق للكون، وهذا ما يعنيه الجميع: الله»[39]، وبما أنّ الأدلّة الفلسفيّة والعلميّة أثبتت ذلك، يتساءل كريج ماذا يقول الكتاب المقدّس؟

هنا يتطرّق كريج لآيات الكتاب المقدّس والتي تثبت خلق الكون وأبديّة الله وقدرته المطلقة، فعلى سبيل المثال جاء في الآية الأولى من سفر التكوين أنّ الله هو من خلق الكون «في البدء خلق الله السموات والأرض»[40]، ويذكر كريج بعض الآيات التي توضح أبديّة الله ولا نهائيّته من خلال ما جاء في سفر التكوين «ودعا هناك باسم الربّ الإله السرمديّ»[41]، وجاء في المزامير «متسلط بقوّته إلى الدهر»[42]. لهذا يرى كريج أنّ الكتاب المقدّس يعلم بوضوح أنّ الله هو السبب الأوّل الذي خلق الكون؛ لذلك فإنّ حجّة الكلام الكونيّة تتّسق مع الرواية التوراتيّة لبداية الكون والسبب الأوّل، ومع ذلك، فإنّها ليست سوى واحدة من العديد من المؤشّرات والأدلّة التي تشير إلى وجود الله الخالق؛ ولذلك لا يقتصر كريج عليها ويسرد أدلّة أخرى لإثبات أنّ الله موجود، كما سيتضح من الأدلّة القادمة.

ثالثًا: البرهان الأخلاقيّ The Moral Argument

البرهان الأخلاقيّ لوجود الله ينطلق من وجود الخير النهائيّ كمصدر للقيم الأخلاقيّة وتعود هذه الحجّة إلى أفلاطون الذي قال بوجود مثال للخير في عالم المثل الكلّيّ نحاول من خلاله أن نمتثل به في عالم الواقع، ويرى كريج أنّ المسيحيّة والفلاسفة المسيحيّن اعتنوا كثيرًا بهذه الحجّة ولا سيّما توما الإكويني والذي ذكره كريج بثلاثة مفاهيم كونيّة للبرهنة على وجود الله، ويأتي البرهان الرابع من خلال البرهان الأخلاقيّ، حيث نجد في العالم تدرّجًا في الخير، فبعض الأشياء أكثر خيرًا، وأكثر صحّة، وأكثر نبلًا، من غيرها من الأشياء، وتصف هذه المصطلحات الدرجات الأخلاقيّة كدرجات متفاوتة حتى نقترب بما يسمّى المعيار الفائق، الأكثر خيرًا، والأكثر صحّة، وهكذا دواليك، ولذلك يجب أن يكون هناك شيء أفضل وأصدق وأنبل من جميع الأشياء، ويعتقد توما الإكويني أنّه مهما كان الخير الذي نمتلكه»، فإنّ ثمّة خيرًا أكبر من أيّ خير آخر، ذلك أنّ الخير الموجود في الكائنات محدود، إذن فهناك خير أعظم وأكثر كمالًا وهو الله، الذي هو أساس الخير الموجود في الوجود»[43] ويتناول كريج الحجّة الأخلاقيّة الأكثر تطوّرًا من حجّة الإكويني من خلال ويليام سورلي (1855- 1935 م)[44]، حيث يعتقد سورلي أنّ الأخلاق توفّر المفتاح للميتافيزيقيا، ويقول إنّ الله هو الأساس للأوامر الطبيعيّة والأخلاقيّة، حيث يوفّر أفضل رؤية عقلانيّة وموحّدة، ويعترف سورلي بأنّه إذا لم يكن في استطاعة المرء أن يثبت أنّ القيم الموضوعيّة موجودة، فإنّه في المقابل لا يمكن للمرء أن يثبت بنفس المعنى أنّ العالم الخارجيّ موجود أيضًا، والنظام الأخلاقيّ والنظام الطبيعيّ على قدم المساواة بالنسبة لنا، حيث إنّنا بنفس الأساس الذي نفترض فيه حقيقة عالم الأشياء، فإنّنا نفترض حقيقة النظام الأخلاقيّ الموضوعيّ، وبالتالي فكما أنّنا ندرك بالعقل الأشياء المادّيّة التي تكمن وراء إحساساتنا في النظام الطبيعيّ، كذلك ندرك بالعقل القيمة الموضوعيّة التي تكمن خلف النظام الأخلاقيّ.

ويصيغ سورلي الحجّة الأخلاقيّة كالآتي:

أ- إذا كانت الأخلاق موضوعيّة ومُطلقة، فإنّ الله يجب أن يكون موجودًا.

ب- الأخلاق موضوعيّة ومطلقة.

ج- إذن الله يجب أن يكون موجودًا[45].

ويرى كريج الفرضيّة الثانية في هذه الحُجّة هي التي وقف عليها كثير من الملحدين من خلال تقديم تفسيرات بيولوجيّة واجتماعيّة لتطوّر الأخلاق الإنسانيّة والتي تُشير إلى أنّ الأخلاق ليست موضوعيّةً وليست مُطلقةً، حيث تدّعي النظريّة التطوريّة أنّ التزام الإنسان الأخلاقيّ ظهر نتيجة ضغوطات تطوريّة أضافت حسًّا أخلاقيًّا للعقل البشريّ، وهذا يعني أنّ القيم الأخلاقيّة غير موجودة بشكل مُستقل عن العقل البشريّ، ذلك أنّه يُمكن فهمُ الأخلاق على نحوٍ أفضل، بالنسبة لهم، باعتبارها ضرورة تطوريّة من أجل التكاثر ونقل الجينات، ويقف كريج على مذاهب الملاحدة في عدم وجود قيم موضوعيّة، وعدم وجود إله، وذلك من خلال الوقوف عند عدد من الملاحدة الذين يتبنّون النظريّة التطوريّة البيولوجيّة في الأخلاق وفي مقدّمتهم جي ال ماكي J. L. Mackie (1917- 1981م) الذي اقترح هذا النوع من التفسيرات، حيث قال عنها «من السهل تفسير هذا الشعور الأخلاقيّ بأنّه نتاج طبيعيّ للتطوّر البيولوجيّ والاجتماعيّ، بدلًا من أن يكون مزروعًا من قبل خالق الطبيعة»[46]، كذلك يشير كريج إلى فيلسوف العلم الملحد مايكل روس Michael Ruse (1940 م -) الذي يشرح، موقف التطوّر الحديث من ذلك، فالأخلاق في نظره ليس إلّا تطوّرًا بيولوجيًّا للإنسان مثل أيّ شيء في الجسد، وبالتالي لا تكون إلّا نوعًا من «التكيّف البيولوجيّ لا يقلّ عن اليدين والقدمين والأسنان، وتعتبر الأخلاقيّات وهميّة باعتبارها مجموعة من المطالبات المعقولة المبرّرة بشأن شيء موضوعيّ»[47]؛ ولهذا يرى روس أنّ قيمة مثل حبّ الجار لا معنى لها، إذا اعتقد الإنسان أنّها نتيجة إشارة من أعلى، حيث «لا أساس لهذه الإشارة بالفعل، فالأخلاق هي مجرّد مساعدة للبقاء والتكاثر، وأيّ معنى أعمق هو وهم»[48]، ويستكمل روس تحليله لعدم وجود أيّ أخلاق موضوعيّة من خلال نظرته لبعض الطقوس الهنديّة، حيث كانت تُحرق النساء عقب موت أزواجهنّ، فيرى روس أنّ هذه الممارسة هي غريبة تمامًا عن العادات الغربية والأخلاق، وأنّ تضحية الأرملة غير أخلاقيّة تمامًا؛ لذلك جاء حكم روس بأنّه لا يوجد شيء موضوعيّ بخصوص هذه الأخلاق، وبالتالي «كلّ شيء يصبح نسبيًّا ببساطة، وليست هناك قيم مطلقة موضوعيّة»[49].

وعلى ذلك ينتهج كريج دفاعه عن القيم الموضوعيّة لإثبات وجود الله، لا عن طريق إظهار التناقض في فرضيّات الملحدين للقيم الأخلاقية فحسب، بل بتدعيم دفاعه بأنّ القيم الأخلاقيّة ذاتها تثبت وجود الله، لذلك يرجع كريج مرّة أخرى لمفهوم الشرّ ذاته، ليجعل منه هذه المرّة حجّة على وجود الله وليس ضدّه، وذلك من خلال استخدامه الحجّة الأخلاقيّة للدلالة على هذا الاتساق، وهو نفس المنهج الذي اتبعه أستاذه جون هيك، بأنّ الإنسان هو المسؤول عن الشرّ الأخلاقيّ، حيث ذهب هيك إلى «أنّ غاية الإله المحبّ لا بدّ أن تكون في خلق جنّة اللذّة، وبما أنّ العالم هو غير ذلك، فإنّ ذلك يثبت بالنسبة لهم أنّ الله ليس محبًّا على الدرجة المطلوبة أو أنّه ليس قويًّا بالدرجة الكافية ليخلق مثل ذلك العالم»[50] ويزيد هيك في توضيح الأمر بقوله إنّ الملحد يتصوّر العالم دائمًا كعلاقة الإنسان بالحيوان الأليف الذي يضعه في قفص ليتحرّك داخله، فإذا كان هذا الإنسان ذا حسّ خلقيّ عالٍ؛ فسيوفّر لحيوانه المكان المريح الصحّيّ ما أمكنه ذلك، وكلّ قصور في إمتاع هذا الحيوان بالراحة والصحّة، لا يمكن تفسيره بغير القصور في أخلاق هذا الإنسان، أو في إمكاناته المادّيّة، أو قصورهما معًا»[51]، ولعلّ لين كريج التقط منه هذا المشهد التصويريّ، فهو دائم التعبير عن فساد التصوّر الإلحاديّ لعلاقة الخالق بالإنسان، بقوله «إنّ غاية الله من خلقنا على الأرض ليست إسعادنا، إذ إنّنا «الحيوانات الأليفة لله لقد خُلقنا في هذه الحياة للمكابدة ومصارعة الشرّ بأنواعه والتصبّر على الوجع وأشكاله، ولم نحبس على هذه الأرض للمتع السائغة الصافية»[52]، ومن هنا أكّد كريج على دور الحرّيّة الإنسانيّة ومسؤوليّة الإنسان عن فعل الشر والخير، حيث لاحظ «أنّ الملحدين يجعلون الجميع مجرّد دُمى في مثل هذا العالم؛ لأنّهم يرفضون أن يتواجد الجميع لاتخاذ القرار الصائب بحرّيّة»[53]؛ ولهذا أكّد كريج على أنّ «الإنسان هو المسؤول عن الشرّ الأخلاقيّ في العالم، ويتدخّل بقدر ما في الشرّ الطبيعيّ أحيانًا[54]، وفي مثل هذه الحالة فالإنسان نفسه هو الذي يجلب الشرّ، والله لا يستطيع فعل شيء لمنع القيام بذلك، إلّا إذا أزال إرادتهم الحرّة، وبالتالي فمن الممكن أن يخلق الله العالم الذي يحتوي على الحرّيّة، وبالتالي سيكون في العالم الخطيئة والشرّ، فإذا كان الله يمنح الناس حرّيّة حقيقيّة للاختيار كما يحبّون، فإنّه من المستحيل بالنسبة له تحديد ما سوف يختارون «كل ما يستطيع فعله هو خلق الظروف التي يكون فيها الشخص قادرًا على اتخاذ خيار حرّ، ومن ثم يقف إلى الوراء ويسمح له باتخاذ هذا الخيار»[55]، لذلك ففي الوقت الذي يستخدم فيه الملحدون مسألة الشرّ من أجل إثبات إلحادهم، يتناول كريج هذه المسألة للتدليل على وجود الله، فوجود الشرّ في حدّ ذاته هو دلالة على وجود الله، فعندما يقلّب الإنسان ناظريه في هذا العالم، ويُعمل حاسة النقد والتقويم فيما تبصره عيناه، ويقرّر أنّ هذا الأمر أو ذاك شرّ وقبيح، فهو يستبطن في ذهنه كما يقول كريج «فكرة الحقّ والباطل المواجهة له، وليس بإمكانه أن يستبطن فكرة الحقّ والباطل إلّا أن يكون قد انطبع في عقله معيار أخلاقيّ متعال عن المادّة يحدّد الحقّ والباطل، وهذا المعيار غير المادّيّ حجّة على وجود إله»[56]؛ ذلك أنّ هذا النقش الأخلاقيّ في الوعي الإنسانيّ حجّة على أنّ الإنسان مخلوق أخلاقيّ لخالق صنعه على صورة متعالية على المادّة الصرفة.

وبالإمكان صياغة هذا المعنى كما صاغه كريج على النحوالآتي:

إذا كان الله غير موجود، فالقيم الأخلاقيّة الموضوعيّة غير موجودة

الشرّ موجود إذن، المعايير الأخلاقيّة الموضوعيّة موجودة [57]

بعبارة أوضَح وأفصَح: لا يمكن للملحد أن يستدلّ بالشرّ الموجود في العالم لنفي وجود الله حتى يقرّ بوجود الخير والشرّ، ولا سبيل للإقرار بقيمتي الخير والشرّ حتى يقرّ الملحد بوجود المعيار الموضوعيّ، ووجود المعيار الموضوعيّ الأخلاقيّ غير ممكن دون وجود مشرّع أخلاقّي غير مادّيّ، وهذا المشرّع هو الله الذي تسعى الحجّة الأخلاقيّة المعتمدة على الشرّ لنفيه»، فلا سبيل لاعتماد حجّة الشرّ لإثبات الإلحاد حتى يُنقض الإلحاد بإثبات وجود الله، فغاية الملحد ووسيلته لذلك تتنافيان = إذن، الله موجود.[58]

رابعًا: البرهان الغائيّ The Teleological Argument

يُعرف البرهان الغائيّ أيضًا ببرهان التصميم، ويُعد هذا البرهان قديمًا جدًا بقدم الفلسفة، فمنذ أن بدأ الإنسان في التفكير أخذ يحلّل ويستنتج، بأنّ الكون له صانع صمّمه على أعلى درجة من درجات الدقّة والتصميم، وقد رجع كريج للأسس الفلسفيّة لهذا البرهان بمنهج تحليليّ نقديّ، منذ فلاسفة اليونان القدامى وحتى عصرنا الحاليّ، فعلى سبيل المثال نجد أنّ كلًا من أفلاطون وأرسطو يعتقدان بوجود شيئين يجعلان المرء يؤمن بوجود إله، أوّلًا لأنّه تُوجَد أرواح، وثانيًا لأنّ حركة النجوم والأفلاك في نظام مُتقَن، هاتان الحقيقتان «تشيران إلى وجود عقل كبير خلف هذه النجوم هو الذي سيطر وأدار نظام الكون[59]؛ لذا استنتج أفلاطون أنَّه تُوجَد «روح فُضلى أو صانع الكلّ أو أبو الكلّ أو الملك الذي أمَر ورتّب وصاغ هذا الكون، فترتّبت الفوضى الأولى primordial chaos وجعل هذا الكون مُرتّبًا كما نراه» [60] ومثل تلك الحجّة من شأنها كما وجَد أفلاطون أنَّ تدحض الإلحاد؛ لأنَّها تشير إلى وجود عقل مُنظِّم للكون، وجاء تلميذه أرسطو، وكان مملوءًا بالدهشة بسبب حركة النجوم والكواكب والأجسام السماوية في الليل، وفي تساؤله عمّا يُسبّب كلّ هذا، فإنَّه توصَّل إلى حلّ مفاده أنّ سبب حركة السماء والنجوم والكواكب بالليل هو ( الذكاء الإلهيّ Divine intelligence) التقط كريج هذه الأسس الفلسفيّة ومثيلاتها على مرّ العصور وربطها بالاكتشافات العلميّة التي حدثت في السنوات الأربعين الأخيرة تقريبًا، فوجد أنّ العلماء اكتشفوا وجود حياة ذكيّة تعتمد على توازن معقّد ودقيق من الشروط الأوّليّة المعطاة والتي حدثت من خلال الانفجار الكبير نفسه، وهو ما يُعرف باسم دقّة الكون، وتأتي هذه الدقّة في نوعين:

النوع الأوّل: من خلال التعبير عن قوانين الطبيعة كمعادلات رياضيّة، ظهرت بعض الثوابت، ولا تحكمها قوانين الطبيعة، مثل الثابت الذي يمثّل قوّة الجاذبيّة، فمثل هذه الثوابت مستقلّة عن قوانين الطبيعة، ومع ذلك تتّسق قوانين الطبيعة مع تلك المجموعة الواسعة من القيم لهذه الثوابت.

النوع الثاني: بالإضافة إلى هذه الثوابت، ثمّة كمّيّات معيّنة عشوائيّة وُضعت كشروط ابتدائيّة وتطبّق عليها قوانين الطبيعة، على سبيل المثال، مقدار التوازن الحراريّ أو التوازن بين المادّة والمادّة المضادّة في الكون «مثل هذه الثوابت والكمّيّات تقع في نطاق ضيّق للغاية من القيم التي تسمح بالحياة، وإذا ما تغيّرت هذه الثوابت أو الكمّيّات بأقلّ من حجم شعرة، فإنّ التوازن الذي يسمح بالحياة سيتدمّر، ومن المستحيل أن توجد أيّ كائنات حيّة من أيّ نوع»[61].

ويتساءل كريج إذا كان الأمر كذلك بأنّ الكون بما فيه ناتج عن دقّة مُحْكَمة، فلا بدّ أن يكون إمّا نتيجة لضرورة مادّيّة، أو نتيجة لصدفة، أو نتيجة لتصميم ذكي، فأيّ من هذه البدائل هو التفسير الأفضل؟

ويرفض كريج البديل الأوّل أي أن يكون الكون ناتجًا عن الضرورة المادّيّة، وقد ذهب إلى ذلك العديد من الملاحدة، في مقدّمتهم ستيفن هوكنج والذي اعتمد على نظريّة الأوتار الفائقة Super String Theory التي تندرج تحت ما يسمى النظريّة الفائقة M-Theory وهي مجموعة من النظريّات لجأ إليها الملحدون لإثبات إلحادهم وأنّ الكون ناتج عن ضرورة مادّيّة عشوائيّة نتيجة الانفجار العظيم الذي نتجت عنه العديد من الأكوان غير الكون الذي نعيش فيه، وتشير النظريّة إلى سبعة أبعاد أخرى مضافة إلى الأبعاد الأربعة الأصليّة (الطول والعرض والارتفاع والزمن أو الزمكان) ليكون مجموع الأبعاد أحد عشر بعدًا، واستنادًا إلى نظريّة الأوتار الفائقة، فإنّ الكون ليس وحيدًا، وأنّ ثمّة عددًا لا متناهيًا من الأكوان المتوازية Parallel Universes تبلغ 10500 كونًا مختلفًا بجانب الكون الذي نعيش فيه، وهي متّصلة بعضها ببعض، ويرى العلماء أنّ هذه الأكوان متداخلة، ولكل كون قوانينه الخاصّة به، بمعنى أنّ الحيّز الواحد في العالم قد يكون مشغولًا بأكثر من جسم، ولكن من عوالم مختلفة، وبحسب هذه النظريّة فإنّ الكون ما هو إلّا سيمفونيّة أوتار فائقة متذبذبة.

وللردّ على ذلك يلجأ كريج لمنهج الملاحدة نفسه، ولكن بطريقة عكسيّة، فإذا كان الملاحدة يحوّلون النظريّات العلميّة إلى نظريّات فلسفيّة، فإنّ كريج يحوّل نتائجهم الفلسفيّة إلى نظريّات علميّة معتمدًا على تحليلات العلماء، وقد استشهد بنتائج ريتشارد ديك فينمان بنظريّته في تاريخ العلم بأنّ «أيّ نظام يوجد له عدّة تواريخ وليس تاريخًا واحدًا ووحيدًا؛ ولذلك فإنّ رؤيتنا الساذجة عن الواقع لا تتوافق ولا تتلاءم مع حقائق الأمور التي كشفتها الفيزياء المعاصرة»[62]؛ ولذلك إذا تنبّأت نظريّتان أو نموذجان فيزيائيّان بالأحداث نفسها وبالدقّة نفسها، فسيكون من المستحيل علينا أن نمّيز أو نحدّد أيًّا منهما هو الواقعيّ أو الحقيقيّ، وسنكون أحرارًا باختيار ما يلائمنا منها، وبالتالي يرى كريج «بأنّه لا يوجد ما يؤكّد بأنّ هذه الأكوان هي واقع حقيقيّ دنيويّ وملموس، وعلى ذلك فإنّ هذه التكهّنات تثير العديد من المشاكل التي تناقشها، ولذلك يفنّد كريج هذه النظريّة من خلال عدّة نقاط»[63]:

أوّلًا: تعدّد الأكوان الذي يصل إلى 10500 كونًا مختلفًا يتسق فقط كنظريّة احتماليّة، وليس كواقع ملموس؛ لأنّها ليست عوالم حقيقيّة.

ثانيًا: ليس من الواضح أن وجود 10500 كون احتماليّ يضمن بشكل كافٍ وجود أكوان تتّسم بالدقّة كما في كوننا الحاليّ، وذلك يثير إشكاليّة خاصّة فيما يتعلّق بالشروط الأوّليّة لهذه النظريّة، والتي كان نتيجتها وجود العديد من الأكوان المتعدّدة، نتيجة للانفجار العظيم.

ثالثًا: تعتمد هذه النظريّة على أحد عشر بُعدًا، ومع ذلك فإنّ النظريّة لا يمكن أن تفسّر لنا لماذا ينبغي أن يكون هذا العدد من الأبعاد موجودًا؟، وعلاوة على ذلك، يستشهد كريج بعدد من المعادلات الحسابيّة التي أجراها عالم الفيزياء، روجر بينروز Roger Penros (1931 م -)، والتي من شأنها توضيح لماذا يجب أن يكون الكون ناتجًا عن دقّة وتصميم محكم؟ ويستشهد كريج بمقولة بينروز «عندما يقول العلماء أنّ الكون راجع لدقّة متناهية ليس معناه أنّه مصمّم، فحسب بل يعني أيضًا أنّ أيّ انحراف ولو بسيط مهما كان صغره عن القيم الفعليّة للثوابت الأساسيّة وكمّيّات الطبيعة من شأنه أن يجعل الحياة مستحيلة»[64]؛ لذلك جاءت انتقادات روجر بينروز التي يستعين بها كريج عن فرضيّة العوالم المتعدّدة تفترض أنّه لو كان كوننا مجرّد كون جاء بالصدفة في مجموعة الأكوان، فإنّ عامل الاحتمال يغلب على العامل العقليّ، وبالتالي سيكون كوننا مختلفًا كثيرًا عمّا نحن عليه الآن، وبما أنّ الكون جاء بما هو عليه من دقّة متناهية، إذن لا يمكن «أن يكون ناشئًا عن ضرورة احتماليّة مثل باقي الأكوان الافتراضيّة، فهذا محال»[65].

فماذا عن البديل الثاني؟

ويفترض البديل الثاني أنّ العالم نشأ بمجرّد الصدفة، هنا يقف كريج على فكر ريتشارد دوكينز الذي تبنّى الدفاع عن هذا البديل، واضطر أنصاره لقبول فرضيّة أنّ ثمّة عددًا لا حصر له من الأكوان تمّ ترتيبها ترتيبًا عشوائيًّا بحيث أنّ كوننا ما هو إلّا جزء في مكان ما في هذا العالم اللانهائيّ الذي ظهر عن طريق الصدفة وحدها، ونحن نوجد في عالم واحد من هذا القبيل، وقد وجد دوكينز أنّ هذا التفسير هو الأكثر معقوليّة، ويرى دوكينز أنّ العالم غير مدبّر ويفترض أنّ كلّ واحد من هذه الأكوان بسيط في قوانينه الأساسيّة، ويتناول كريج هذه المشكلة كما طرحها دوكينز من منظورين؛ الأوّل أنّ العالم جاء بالصدفة والثاني أنّ العالم بسيط، حيث يرى كريج أنّه لو كان العالم ناشئًا بمجرّد الصدفة، فإنّ المشكلة تكمن «في احتمالات وجود حياة في أكوان أخرى لا يمكن أن يتقبّل بشكل معقول، ذلك أنّ عدد العوالم التي تسمح بالحياة سيكون ضئيلًا بشكل لا يُقارن مع المشهد الطبيعيّ بأكمله الذي نتج عن الإنفجار الكبير»[66]، هذا بالإضافة كما يرى كريج إلى أنّ وجود الكون نفسه بما فيه من دقّة سيكون غير محتمل تقبّله من العلمانيّين الذين يؤكّدون أنّ الكون قد حدث عن طريق الصدفة، لأنّه ببساطة ليس لديهم أيّ تصوّر للدقّة المحكمة المطلوبة للحياة، وهم لن يتبنّوا مثل هذه الفرضيّة في أيّ محطّات أخرى من حياتهم، على سبيل المثال، كيف يشرحون صنع سيّارة بين عشيّة وضحاها؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يرى كريج إخفاق دوكينز في رؤيته أنّ العالم بسيط، ويردّ على ذلك من خلال الاكتشافات العلميّة الحديثة ذاتها والتي يتبنّاها الملحدون، وذلك من خلال المنطق الذي يبطل فرضيّة سلطة العالم، وذلك من خلال عدّة نقاط:

أوّلًا: الكون ليس بسيطًا، ولكنّه يتميّز بتعدّد الثوابت والكمّيّات المستقلّة، فإذا كان الكون بسيطًا، فلماذا يشعر دوكينز بالحاجة إلى فرضيّة الأكوان المتعدّدة؟ إلى جانب ذلك، فإنّ المسألة ليست في بساطة القوانين الأساسيّة التي تحكم الكون، ولكن الفرق أنّ جميع الأكوان تتميّز بنفس القوانين، ولكنّها تختلف في قيم الثوابت والكمّيّات.

ثانيًا: يفترض دوكينز أنّ بساطة الكلّ هو من بساطة الأجزاء، وهذا خطأ واضح، فنجد على سبيل المثال في فسيفساء الوجه الرومانيّ، وهي مكوّنة من عدد كبير من الأجزاء الفرديّة البسيطة أحاديّة الشكل، وعلى الرغم من ذلك فهي معقّدة تعقيدًا كبيرًا، وبنفس الطريقة، فإنّ مجموعة من الأكوان البسيطة ستظلّ معقّدة إذا اختلفت تلك الأكوان في قيم ثوابتها وكمّيّاتها الأساسيّة.

ثالثًا: يتخذ كريج من نصل أوكام (1288- 1348م) دليلًا آخر على دحض فكرة دوكينز، والتي ملخّصها أن نأخذ أبسط القوانين والحلول بحيث لا نفترض وجود أكوان بدون ضرورة، ذلك أنّ شرح مثل هذا العدد من الأكوان سيبدو أكثر تعقيدًا من تحليل أن يكون كوننا مؤسّسًا على التصميم الدقيق.

رابعًا: دوكينز يحاول التقليل من الإسراف في فرضيّة وجود أكوان متعدّدة بالادّعاء بأنّه على الرغم من هذا العدد الكبير لهذه الأكوان إلّا أنّه، لا تزال مثل هذه الفرضيّة محتملة، يرى كريج أنّه من الصعب معرفة ما هو الاحتمال الذي يتحدّث عنه دوكينز، مما يعني أنّ الاحتمال هو القاعدة الجوهريّة لهذه الفرضيّة الخاصّة بمجموعة الأكوان، وبالتالي كيف يمكن وصف هذا الاحتمال بالبساطة؟ لذا تصبح المشكلة عند دوكينز كما يقول كريج «متناقضة لأنّها لم تظهر صحّة فرضيّة تعدّد الأكوان، وبالتالي كيف تكون بسيطة؟»[67].

وينتهي كريج إلى فشل كلٍّ من البديل المادّيّ وبديل الصدفة أو العشوائيّة لنشأة الكون، وبالتالي لم يعد إلّا البديل الثالث، وهنا ينتهج كريج طرق المتكلمين مرّة أخرى في نقده لتلك البدائل، فكأنّه يقول أنّ تلك البدائل لها ثلاثة احتمالات لا رابع لهم، فإذا فشل الاحتمال الأوّل والثاني لم يتبق إلّا صحّة الاحتمال الثالث، وهو أن يكون الكون ناشئًا عن تصميم ودقّة متناهية، ولا بدّ أن يكون وراء هذا التصميم وهذه الدقّة مصمّم يتّسم بالذكاء اللامتناهي، وهو الله؛ لذا يصيغ كريج حجّة التصميم أو البرهان الغائيّ على النحو الآتي:

1- الكون بما فيه من دقّة محكمة لا بدّ أن يكون نتيجة إمّا لضرورة مادّيّة، أو نتيجة لصدفة، أو نتيجة التصميم.

2- وبما أنّه ليس بسبب الضرورة المادّيّة أو الصدفة.

3- لذلك ستكون النتيجة المنطقيّة نتيجة للتصميم[68] وفي هذا دحض لأدلّة الملحدين أمثال ستيفن هوكنج وريتشارد دوكينز، ومحاولتهم إثبات وجود العالم لمجرّد الصدفة العشوائيّة.

خامسًا: البرهان الأنطولوجيّ The Ontological Argument

يُعد هذا البرهان من البراهين الكلاسيكيّة المسيحيّة التي تقوم على فكرة الموجود الكامل الذي لا يمكن أن يتحقّق وجوده في العقل وحده؛ بل لا بدّ من تحقّق وجوده في الذهن والواقع معًا، ومنطقيًّا لا يمكن أن نتصوّر وجود الله كموجود كامل بدون اكتمال وجوده في الواقع، وهذا على غرار تفكيرنا بأنّه «لا يمكن أن نتصوّر وجود مثّلث بخمس أضلاع؛ لأنّ كلمة مثّلث تستدعي شكلًا هندسيًّا ذا ثلاثة أضلاع، فكذلك مفهوم الله الكائن لا يمكن تصوّر أعظم منه، ولكي يتحقّق هذا الموجود الذي لا يمكن تصوّر أعظم منه، فلا بدّ من تحقّقه في الذهن والواقع أيضًا»[69]، وقد رجع كريج الى الحُجّة التي صاغها القديس أنسِلم (1033- 1109م) وطوّرها، ديكارت، سبينوزا، ليبنتز، في الفلسفة الحديثة، نورمان مالكولم (1911 – 1990 م)، وألفين بلانتينجا في الفلسفة المعاصرة، وقد انطلق أنسلم في حجّته من الكتاب المقدّس «قال الجاهل في قلبه: ليس إله»[70]، ومن هذه الآية بنى القدّيس أنسلم تصوّره الذي يجعل من التجربة الإيمانيّة برهانًا عقليًّا استدلاليًّا، وإن كان لا ينفصل عن حقائق ومسلّمات الوحي، وهنا يصبح إنكار الألوهيّة إنكارًا لحقيقة تفرض نفسها على العقل، وإن كان أنسلم ينطلق من مسلمة تستمد قوّتها من الإيمان بالوحي كخطوة أولى، فيكشف الربّ عن وجوده؛ لأنّه الكائن من تلقاء ذاته، ولهذا أطلق صيحته المشهورة التي اتفق فيها مع القديس أغسطين (أؤمن لأتعقل) «أي أنّ سند الوحي والإيمان هو الضمانة المبدئيّة، فالله نور يكشف عن ذاته من تلقاء ذاته، وقد امتلأت آيات الكتاب المقدّس بأيّ أنا هو: «أنا هو الذي هو أنا»[71]، وقد انطلق كريج في برهانه الأنطولوجيّ من حجّة أنسلم، ليصبح سنده هو الآخر سندًا لاهوتيًّا منطلقًا من الكتاب المقدّس، فيقول في كتابه (الإيمان العقليّ): «حين نفكّر في الله، فإنّنا نتصوّر أعظم شيء، ذلك الشيء الذي بلغ درجة الكمال المطلق، بحيث لا يمكن تصوّر ما هو أعظم منه»[72]، وهو نفس التعبير الذي صاغه أنسلم بطريقة أخرى بقوله «إذا تصوّرت شيئًا، ثم أمكنك أن تتصوّر في ذهنك ما هو أفضل وأكمل منه، فهذا الذي تصوّرته أوّلًا، ليس هو الله! فتصوّر الكمال المطلق لله جزء من تصوّر وجود الله»[73]؛ ولذلك كانت حجّة أنسلم بالنسبة لكريج عبارة عن «حُجة واحدة من شأنها أن تثبت ليس فقط أنّ الله موجود، ولكن أيضًا أنّ لديه كلّ صفات الكمال المطلق بحيث لا يمكن تصوّر ما هو أعظم منه»[74]، ويتضّح ذلك من خلال الصياغة المنطقيّة لهذه الحجّة كما صاغها أنسلم، والتي عرض لها كريج في كتابه الإيمان المنطقيّ:

1-الله هو أعظم تصوّر في الذهن، وهو صحيح بحكم التعريف.

2- إذا كان بإمكاننا أن نتصوّر شيئًا أكبر من الله، فإنّ ذلك سيكون الله.

3- لذلك لا شيء أكبر من الله يمكن تصوّره.[75]

وتأتي هذه النتيجة على أساس أنّه من الأفضل أن يكون وجود الموجود الأعظم في الواقع مع الذهن، فهذا أفضل من مجرّد وجوده في الذهن فقط، وثمّة مثال شهير من خلال لوحة الفنان الذي تخيّل وجود لوحة في ذهنه وبالرغم من ذلك فهي غير مكتملة؛ لأنّه لا يزال وجودها غير متحقّق في الواقع، وعندما تكتمل اللوحة وتخرج للواقع، فإنّ وجودها أكثر كمالًا؛ لأنّ تحقّقها أصبح في الذهن والواقع معًا، وهو أفضل من وجودها في الذهن فقط، لذلك فوجود الله يتحقّق في الذهن والواقع؛ لأنه ليس هناك من هو أعظم منه.

وبعد أن يتناول كريج تدعيمه للحجّة الأنطولوجيّة عند أنسلم، يطرحها بصورة أخرى عند أستاذه جون هيك والتي ينطلق فيها من أنّ جوهر الوجود الذاتيّ لله هو جوهر وجوب الوجود، «فالله مطلق الكمال غير محدود بالزمان ولا يتواجد فيه، فإمكانيّة أن يسبقه العدم أو يلحق به في المستقبل مستحيلة»[76]، ويبرهن جون هيك على صحّة المطلوب بإبطال نقيضه أو فساد المطلوب بإثبات نقيضه، ولم يأت هيك هنا بجديد، بل أحيا صيغة ثانية للبرهان الأنطولوجيّ عند أنسلم، وهي البرهان بالخلف أو البرهان بالنقيض، لذلك يرى كريج أنّ حجج أنسلم الأنطولوجيّة «بسيطة خادعة ولا يزال النقاش العقليّ حولها ساخنًا حتى اليوم»[77]، وعلى الرغم من بساطتها إلّا أنّها تعرّضت لكثير من الانتقادات منذ عصر أنسلم، حيث قدّم الراهب جونيلون، وهو معاصر لأنسلم نقدًا لها، ثم جاء بعده توما الإكويني وهيوم وكانط وانتقدوا هذا البرهان، ويقف كريج على هذه الاعتراضات وعلى وجه الخصوص الاعتراض الذي قدّمه جونيلون والذي ذهب فيه إلى القول إنّه: «ليس كلّ ما يمكن تصوّره في الذهن موجود في الحقيقة، فنحن نقع في الخطأ ونتخيّل كثيرًا من الأشياء التي لا وجود لها في الواقع[78]، ويعرض كريج تفسير القدّيس أنسلم ردًّا على اعتراض جونيلون بقوله: «ليس من الصَّحيح أنّ كلّ ما نتخيّله يمكن أن يوجد، إلاَّ أنَّ ثمّة استثناءً واحدًا، وهو حالة الكائن الذي لا يمكن أن يُتصوّر أعظم منه أي الله»[79]؛ لذلك يرى كريج أنّ كلًّا من النقد والتفسير اللذان قُدّما حول هذه الحُجّة مثيران للجدل، ولا بدّ من الوقوف عليهما من جديد؛ لذا عرض لبعض الإسهامات المعاصرة لهذه الحجّة، ومنها رأي أستاذه جون هيك «بأنّ ما يقصده أنسلم بالأعظم هو الأكمل وليس الأكبر»[80] وهو نفس المخرج الذي اتخذه الفيلسوف الأمريكيّ المعاصر نورمان مالكولم باستخدامه مفهوم العظمة القصوى، ذلك أنّ التميّز في عالم معيّن يعتمد فقط على خصائص ذلك العالم؛ فعظمة كوننا تعتمد على خصائصه المميّزة له عن جميع العوالم الأخرى، ولذلك فمفهوم العظمة القصوى للوجود «هو أن يكون له أكبر قدر ممكن من التفوّق على كل العوالم الممكنة»[81]، ويرى كريج أنّ هذا هو ما لفت انتباه آلفين بلانتينجا في كتابه (البرهان الأنطولوجيّ 1965)، حيث انتبه لمفهوم مالكولم والذي جادل من خلاله عن مفهوم العظمة القصوى، مستخدمًا منطق الممكن والضرورة من خلال ما يسمّى العالم الممكن ممكن منطقيًّا، وجادل بأنّه من الممكن وجود العظمة القصوى في كلّ الوجود؛ لذلك فالوجود مع العظمة القصوى، موجود في أيّ عالم ممكن، وقد اتبع بلانتينجا لإثبات ذلك منطق الموجّهات Modal logic *[82]، أي أنّ العالم الممكن منطقيًّا، عالم لا يحتوى على مغالطات منطقيّة مثلا 1+1=5 أو أنّ المربعات مدوّرة، لأنّ ذلك يتضمّن تناقضات منطقيّة، ومن غير الممكن تواجدها حتى فى العوالم الممكنة والتي تفترض أنّ الكائن كامل الكمال، كامل القدرة، كامل المعرفة، كامل العلم، كامل الخلق، يوجد في أي عالم ممكن، وقد طرح بلانتينجا حجّته على النحو الآتي:

 (1) من الممكن وجود كائن كامل العظمة maximally great الله.

 (2) إذن لا بدّ من وجود عالم ممكن يوجد فيه كائن كامل العظمة.

 (3) الكائن كامل العظمة والكمال من الضروريّ أن يكون كامل العظمة والكمال فى كلّ عالم ممكن طبقًا لتعريف العظمة القصوى.

 (4) بما أنّ العظمة القصوى والكمال يتطلّبان الكمال فى كلّ عالم ممكن، إذن لا بدّ أنّ الكائن كامل العظمة والكمال متواجد فى كلّ العوالم الممكنة.

 (5) وبالتالى الكائن كامل العظمة موجود فى العالم الواقعيّ»[83]

ويسير كريج على نهج بلانتينجا في منطق الموجهات مع اختلافات طفيفة للغاية، وبحسب الجدل الذي يثيره كريج، فإن صياغته تتخذ النهج الآتي:

1- من الممكن أن يكون ثمّة وجود يتّسم بالعظمة القصوى.

2- لذلك إذا كان من الممكن افتراض هذا الوجود، فإنّه من الممكن افتراض وجود أعظم وأكبر قدر يتّسم بالعظمة القصوى في بعض العوالم الممكنة.

3- إذا كان هناك وجود أعظم وأكبر يتّسم بالعظمة القصوى موجود في بعض العوالم الممكنة، بالتالي سيكون موجودًا في كلّ عالم ممكن.

4- إذا كان وجود العظمة القصوى في كلّ عالم ممكن، إذن سيكون موجودًا في العالم الفعليّ.

5- وإذا كان وجود العظمة القصوى في العالم الفعليّ، فلا بدّ أنّ هذا الوجود عظيم ومتفوّق إلى أقصى حد.

6- لذلك يوجد وجود يتّسم بالعظمة القصوى وهو الله»[84].

وعلى ذلك تأتي النتيجة المنطقيّة، بأنّه من الممكن وجود العظمة القصوى في العوالم المتعدّدة مما يترتّب عليه وجود العظمة القصوى في العالم الفعليّ، وهي نفس الفرضيّة التي انتهجها الملحدون في إثبات عدم وجود إله من خلال العوالم المتعدّدة، ولكن كريج قوّضها لهم من خلال برهان أنسلم الوجوديّ الذي طوّره في ضوء المنطق المعاصر أو منطق الموجّهات الذي انتهجه كريج ومعاصروه أمثال بلانتينجا لإثبات وجود الله.

خاتمة نقديّة

 يتّضح لنا من خلال هذا البحث، أنّ فلسفة كريج جاءت أقرب لعلم اللاهوت من فلسفة الدين، حيث تبنّى فيها الإطار الدفاعيّ عن المسيحيّة والتبشير بها، وأنّها الدين الحقّ أو دين الإبانة، ولا ضير في ذلك، باعتبار أنّ كريج لاهوتيًّ مسيحيًّ، ومن أجل ذلك تنوّع المنهج الذي استخدمه كريج بتنوّع القضايا والمشكلات التي تناولها، وذلك بين الجانب العقليّ، والجانب الكشفيّ الصوفيّ، والجانب العلميّ، حيث انتهج كريج طرق المتكلّمين، ولا سيّما دليل الكلام الكوزمولوجيّ الذي يرجع له الفضل في إحيائه من جديد في الفلسفة الغربيّة المعاصرة، والذي كشف عن منهج أئمة المسلمين في اتخاذهم المنهج العقليّ في تحليل المشكلات والدفاع عن الدين وتقديم الحلول العقليّة المناسبة التي تزيل الصعوبات من طريق الإيمان، وهذا يساعد على محو الصورة السلبيّة التي شاعت في الغرب عن الإسلام، وقد اتضح ذلك من خلال فلسفة كريج التي جاءت مصطبغة بالصبغة العقلانيّة الدفاعيّة لقضايا الدين وطبيعة الإيمان، وهذا يضيف لكريج عمقًا دينيًّا لرؤيته في التوافق بين الأديان من خلال منظومة العقل؛ ولهذا جاءت فلسفته جدليّة مبنيّة على أسئلة العقل الاستفهاميّة من أجل ضرورة التيقّظ لخطورة القضايا التي سيتناولها، لا سيّما فيما عرضه من مشكلات الشرّ وأدلّة وجود الله والصعوبات التي واجهت الإيمان في المسيحيّة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، انتهج كريج النزعة الصوفيّة الانكشافيّة بما يخصّ التجربة الإيمانيّة، حيث توصّل إلى أنّ الإيمان ليس معرفة، ولا فلسفة، ولا منطقًا، ولا علمًا، وإنّما هو أمر وجوديّ عميق في الإنسان، لا يتأتّى بالمعرفة، بل يتذوّقه الإنسان ليعيشه تجربة حيّة فوريّة؛ لأنّ الإيمان حالة أبعد مدى من العقل، ولا يمكن تقويمها بمقاييس العقل.

ليس هذا فحسب، بل تناول كريج الأدلّة والنظريّات العلميّة الحديثة من أجل مناهضة الإلحاد القائم على مفهوم التعارض بين وجود الله والشر معًا، لذلك فقد حول النظريّات الفلسفيّة لمعادلات ونظريات علميّة، ليعكس بذلك ما انتهجه الملحدون من تحويل النظريّات العلميّة لنظريّات فلسفيّة، ممّا أعطى لفلسفته بعدًا جديدًا مختلفًا عن الفلاسفة السابقين عليه لوقوفه على مشكلات عصره برؤى جديدة متنوعة في استخدام المناحي العقليّة والصوفيّة والعلميّة بما يتوافق مع التطوّرات الفلسفيّة والعلميّة الحديثة.

وقد حصر كريج مشكلات المجتمع الغربيّ المعاصر في النقاط الآتية:

 أوّلًا: غالبيّة الأوربيّين في المجتمع الغربيّ والأمريكيّ يحتفظون بانتسابهم الاسميّ للمسيحيّة، وعشرة في المئة فقط هم الذين يمارسون الإيمان، ولم يكن هذا الوصف ببعيد عن المجتمعات العربيّة المعاصرة، ولعل هذا الوصف يفسّر بعضًا من الحركات الإرهابيّة المعاصرة التي جاءت معظمها من عدم فهم الدين وطبيعته وعدم اعتمادهم على التفكير العقليّ المنطقيّ.

ثانيًا: نموّ الفئات المُصنَّفة بوصفها غير دينيّة، مما يتيح المجال للتفسيرات البعيدة عن جوهر الدين، والتي تكون نتيجتها الحرب على الدين، ممّا يؤدّي لتصاعد التيّارات المتطرّفة والأيدولوجيّات الدينيّة.

ثالثًا: البعد عن الله، وعدم سعي الإنسان لحقيقة المطلق، مما يؤدّي إلى تحوّل الحياة إلى عبثيّة، وهذا سينعكس بدوره على الحياة الثقافيّة والذي يظهر من خلال الفنّ الحديث التجريديّ الذي تحوّل إلى سخافة، كما هو ظاهر في بعضٍ من الموسيقى الحديثة التي توحي بأنّها كلّها مؤشرات على ما يحدث من تدهور أخلاقيّ، والتي وصفها كريج بأنّها تحت خطّ اليأس.

رابعًا: أهمّ العقبات التي تقف في طريق الإيمان هي عدم الاتساق بين القول والفعل، حيث تأتي شعارات كثير من المفكّرين ورجال الدين فارغة، وليس لها أساس من الصحّة، ويظهر فيها التفاوت والانقطاع بين واقعهم المُعاش وبين شعاراتهم التي ينادون بها، مما يؤدّي إلى تذبذب فكريّ وعقائديّ بين فئات المجتمع المختلفة.

خامسًا: حصر كريج المشاكل الاجتماعيّة التي يعاني منها الغرب من إباحيّة الإجهاض ووأد الأطفال بأنها ثمرة لتلك الفلسفة التي تتبنّى تيّار البعد عن الدين وعدم الإيمان بالله.

من أجل ذلك وضع كريج عددًا من الحلول التي رآها مناسبة، والتي تتضّح من خلال النقاط التالية:

1- تجديد الخطاب الدينيّ المسيحيّ بالرجوع إلى التأويلات الصحيحة دون الجمود على تفسيرات النصّ حتى يتناسب مع المشكلات المعاصرة.

2- ضرورة الاعتماد على الأدلة الموضوعية من أجل دعم المعتقدات الدينيّة حتى لا تأتي الحلول على مستوى فرديّ، ممّا يؤدّي لإثارة الكثير من الشبهات التي تؤدّي بدورها إلى الانغماس في الكفر.

3- الدعوة للثقة بالله بحيث لا يكون الإيمان مجرّد إيمان أعمى بلا تعقّل، والتعمّق في أدلّة وجود الله التي تتناسب مع ما أثبته العلم الحديث، والأهمّ من ذلك هو  الثقة والإيمان بأنّ ثمّة حياة أخرى أبديّة نتيجة لهذه الثقة ستكون جزاء للصابرين على الأزمات والمعاناة.

 4- ضرورة التخلّي عن الشرّ الأخلاقّي، والتحلّي بالقيم الإيمانيّة الأخلاقيّة، لما سيكون لها من أثار هائلة في الخفض من الشرور الطبيعيّة والتي تتمثّل في بعض تلك الكوارث الطبيعيّة التي نشاهدها في أنحاء العالم، فوفقًا لتعاليم الدين والأخلاق سيتحرّك العالم كلّه مسرعًا للمساعدة على النحو المطلوب مما يؤدّي إلى خفض نتائج تلك الكارثة.

5- استخدام القياسات والقوانين المنطقيّة، والمذاهب الفلسفيّة المختلفة، ولا سيّما قانون عدم التناقض ومذهب المولينزم والعوالم المتعدّدة، التي رأى من خلالها كريج حلولًا لصعوبات الإيمان المسيحيّ، حيث أثبت مسؤوليّة الإنسان عن أعماله، لذلك يستحيل منطقيًّا أن يأمر الله أيّ شخص القيام بأيّ فعل بخلاف إرادته؛ لأنّ هذا الفعل يُعدّ إجبارًا للإنسان، وهو يتنافى مع الحرّيّة الممنوحة له، وهذا بدوره يؤدّي إلى عدم الاتّساق منطقيًّا نتيجة لقانون عدم التناقض الذي اعتمد عليه كريج، وبذلك يكون قد قدّم نتائج تعدّ متطوّرة في قضيّة الجبر والاختيار والتي شغلت تفكير معظم فلاسفة الدين ليؤكّد على مسؤوليّة الإنسان لاختياراته سواء أكان مؤمنًا أم ملحدًا.

6- استقرأ كريج الواقع الغربيّ المعاصر من خلال عرض نماذج للفلاسفة والعلماء والذين اتضح من خلال فلسفاتهم، أنّ كلّ المشاكل الثقافيّة التي تنعكس من خلال الفنّ والموسيقى تظهر رداءتها نتيجة الابتعاد عن الإيمان وعدم الاعتراف بوجود الله.

 وعلى الرغم من هذه الحلول إلّا أنّ كريج حصر كلّ المشكلات الاجتماعيّة والثقافيّة في البعد عن الدين وعدم الإيمان بالله، فجاء حلّه محصورًا فقط في لزوم الإيمان بالله، وفي هذا نلاحظ إخفاق كريج في عدة نقاط:

1- أن الحصر ذاته يُعدّ إخفاقًا ليس هيّنًا؛ لأنّه قد تناسى النزعة الإنسانيّة والضمير الإنسانيّ الذي جاء تعريفه في الموسوعة الفلسفيّة بأنّه «مركّب من الخبرات العاطفيّة القائمة على أساس فهم الإنسان للمسؤوليّة الأخلاقيّة لسلوكه في المجتمع، وتقدير الفرد الخاصّ لأفعاله وسلوكه، وليس الضمير صفة تنشأ مع ولادة الإنسان، إنّما يحددها وضع الإنسان في المجتمع..[85]، ويترتّب على هذا التعريف ارتباط الضمير ارتباطًا وثيقًا بالواجب، وليس بالدين وحده، وهذا ما يفسّر وجود سلوكات أخلاقيّة عند بعض الفئات غير المتديّنة.

2- لم يكن إخفاق كريج منحصرًا في البعد عن النزعة الإنسانيّة وحسب، بل جاء اخفاقه في إثبات بداية العالم عن طريق وجود صلة بين الأحداث المتعاقبة وارتباطه بمفهوم أرسطو بأنّ الكلّ سابق للجزء، حيث إنّه بالنظر إلى مفهوم أرسطو، نجد أنّ سلسلة الأحداث لا تتألّف من إضافات متعاقبة، وإنّما من انقسامات فكريّة؛ وهذا عكس ما يتطلّبه التعاقب بين الأحداث الذي يفترض مسبقًا أنّ الأجزاء هي قبل كلّ شيء، وهذا بخلاف رأي أرسطو، وأعتقد أنّ هذه التفاسير هي تطوّر لمادّيّة المذهب الأبيقوريّ أو النظرة المادّيّة للكون.

وبالمجمل وعلى الرغم من هذه الإخفاقات، إلّا أنّنا نستطيع القول إنّ المشكلات التي عرضها كريج لم تكن بعيدة تمام البعد عن الواقع العربيّ المعاصر، وبالتالي كانت الاحتياجات لمثل هذه الحلول التي عرضها كريج، ولا سيّما تجديد الخطاب الدينيّ والاتساق بين القول والفعل دليلًا على أنّ الإنسان في الواقع الغربيّ والعربيّ يبقى إنسانًا يتعرّض للمشكلات نفسها، ويتأثّر بالحلول ذاتها، وهذا يقضي على العنصريّة في كلّ مكان وهذه واحدة من أهمّ تطبيقات الفلسفة المعاصرة.

المصادر والمراجع العربية

يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الحديثة، القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، بدون تاريخ أو رقم طبعة، كتاب إلكترونيّ، تم الدخول 10/11/2017.

بول كوبان - الحجّة الكونيّة: م 2- موقع كلام فلسفة. مايو 30، 2019.

جون هيك: فلسفة الدين- ترجمة، تحقيق: طارق عسيلي- معهد المعارف الحكمية- 2010.

عبد الرحمن بدوي، فلسفة العصور الوسطى، الكويت، وكالة المبطوعات، لبنان، دار القلم، الطبعة الثالثة، 1979.

روزنتال، م، يودين، ب: الموسوعة الفلسفيّة، ترجمة سمير كرم، بيروت، طبعة دار الطليعة، الطبعة الرابعة، 1981م.

المصادر والمراجع الأجنبية

1.     William Lane Craig, Reasonable Faith, Christian Truth and Apologetics, Third Edition , Wheaton, Illinois, Published by Crossway Books,p, 95

2.     William Lane Craige , The KALAM cosmological argument. LIBRARY of PHILOSOPHY AND RELIGION General Editor: John Hick,, University of Birmingham First published 1979 .

3.     Paley. A View of the Evidences of Christianity http://www.wmcarey.edu/carey/paley/

4.     https://kalamfalsfa.wordpress.com/2017/03/21/ep38-the-cosmological-argument.

5.     William Lan Craig, The tenseless theory of time: A critical examination... Springer Science & Business Media, 2000.

6.     William Lane Craig and Walter Sinnott-Armstrong, God?: A Debate between a Christian and an Atheist (Publisher: Oxford; New York: Oxford University Press, 2004).

7.     J. L. Mackie, the Miracle of theism ,Oxford: Clarendon Press, 1982. Michael Ruse, “Evolutionary Theory and Christian Ethics,” in The Darwinian Paradigm ,London: Routledge, 1989 .

8.     John Hick,The Soul-Making Theodicy’, in Readings in the Philosophy of

9.     Religion, Kelly James Clark, ed. (Peterborough, Ont.: Broadview Press, 2000).

10.   Crag, Hard Question, Real Answers.

11.   Craig, On Guard, Defending Your Faith with Reason and Precision.

12.   Crage, Time and Eternity. ,exploring God,s relationing to time  Wheaton Illinois ,puplished by Crossway ,2001.

13.   Craig, The Teleological Argument and the Anthropic Principle, https://www.reasonablefaith.org/writings/scholarly-writings/the-existence-of-god/the-teleological-argument-and-the-anthropic-principle/

14.   Craig,The only wise God: the compatibility of divine foreknowledge and human freedom. Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers.2000.

15.   Craig: Reasonable Faith, Christian Truth and Apologetics.

-----------------------------

[1]*ـ  أستاذة فلسفة الدين المساعد بكلّيّة البنات- جامعة عين شمس - جمهوريّة مصر العربيّة.

[2]- وليم لين كريج: فيلسوف تحليليّ ولاهوتيّ مسيحيّ أمريكيّ ولد 1949، له حوالي ثلاثين كتاب من أشهرهم كتبه: «برهان الكلام الكونيّ»، «الزمن والسرمديّة»، «الإيمان المعقول»، كما نشر كذلك أكثر من مئة موضوع في مجلّات متخصّصة، منها: مجلّة الفلسفة، دراسات العهد الجديد والصحيفة البريطانيّة لفلسفة العلوم.

[3]-William Lane Craig, Reasonable Faith , Christian Truth and Apologetics , Third Edition , Wheaton, Illinois, Published by Crossway Books,p, 95

[4]- lbid,p16

[5]- Ibid,p,16

[6] -Ibid P,16

[7] - Ibid p,65

[8]- William Lane Craige , The KALAM cosmological argument. LIBRARY of PHILOSOPHY AND RELIGION General Editor: John Hick,, University of Birmingham First published 1979 , p,4 ,

[9]- التكوين: 1:1

[10] -Craige , The KALAM cosmological argument , p,4

[11] -Ibid ,p, 139

[12] -Ibid,p,140

[14]- ويليام بيلي: هو مفكّر وفيلسوف إنجليزيّ وهو صاحب حجّة صانع الساعة والتي طوّرها بعد ذلك دعاة التصميم الذكيّ، حيث اقترح بالي أن التشبيه بنظام الساعة قدّم أدلّة على أنّ الكون يشمل النظام والتصميم.

 Paley. A View of the Evidences of Christianity http://www.wmcarey.edu/carey/paley/

[15]- Craige , The KALAM cosmological argument ,p,102

[16]-Ibid ,,p, 104.

[17]- يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الحديثة، القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، بدون تاريخ أو رقم طبعة، كتاب إلكترونيّ، تم الدخول 10/11/2017

[18] -Craige , The KALAM cosmological argument,p. 41

[19]- Ibid ,p,41

[20]- Ibid, p ,42

[21] -Ibid,p,45

[22]- الحجّة الكونيّة: موقع كلام فلسفة

 https://kalamfalsfa.wordpress.com/2017/03/21/ep38-the-cosmological-argument

[23] -Craige , The KALAM cosmological argument,p. 41

[24] -Ibid ,p. 41

[25] -William Lan Craig, The tenseless theory of time: A critical examination... Springer Science & Business Media, 2000. P ,294.

[26] -Ibid p, 294.

[27] -Ibid p, 295

[28] -Ibid, p, 295

[29] -Ibid,p295

[30]- Ibid ,p,298

[31] - Craig, The Kalam Cosmological Argument https://www.reasonablefaith.org/writings/popular-writings/existence-nature-of- god/the-kalam-cosmological-argument

[32] - bid

[33]- Ibid

[34]-Ibid

[35]- Ibid

[36]- Ibid ,p, 200

[37] - Ibid , p, 201

[38] - Craige , The KALAM cosmological argument,p,76

[39] -Ibid, p, 77

[40]- التكوين:1:1

[41] - التكوين 33:21

[42] - المزامير:7:66

[43]- William Lane Craig and Walter Sinnott-Armstrong, God?: A Debate between a Christian and an Atheist (Publisher: Oxford; New York: Oxford University Press, 2004), p.120.

[44] - وليام ريتشي سورلي: فيلسوف بريطانيّ، ولد في، اسكتلندا، وكان أستاذًا للفلسفة الأخلاقيّة بجامعة كمبردج، انتقد صور الأخلاق الطبيعيّة كافّة في كتبه التي أهمّها: (أخلاق المذهب الطبيعيّ) «1885» و(القيم الخلقيّة وفكرة الله) 1918

[45] - Craige , The KALAM cosmological argument,p, 112

[46] - J. L. Mackie, the Miracle of theism ,Oxford: Clarendon Press, 1982 ,p, 115

[47] -Michael Ruse, “Evolutionary Theory and Christian Ethics,” in The Darwinian Paradigm ,London: Routledge, 1989 p,. 262

[48] - Ibid,p,266.

[49]- I bid ,p, 268 .

[50]-John Hick, ‘The Soul-Making Theodicy’, in Readings in the Philosophy of Religion, Kelly James Clark, ed. (Peterborough, Ont.: Broadview Press, 2000),p.215

[51] -Ibid, p, 116.

[52]- William Lane Craig and Walter Sinnott-Armstrong, God? P, 122.

[53]- Ibid ,p, 130

[54]- Crag, Hard Question, Real Answers, p ,117

[55] - Ibid p, 117

[56] - Ibid ,p,123

[57]- Ibid ,p 123

[58]- Craige , The KALAM cosmological argument,p, 144

[59] - Craig, On Guard, Defending Your Faith with Reason and Precision. , p.105

[60] -Ibid , p, 106

[61] -Crage , Time and Eternity. ,exploring God,s relationing to time , Wheaton Illinois ,puplished by Crossway ,2001, p, 199

[62]- Ibid , p,200

[63]-Crage , Time and Eternity. ,exploring God,s relationing to time , Wheaton Illinois ,puplished by Crossway ,2001, p 201

[64]- Ibid , p, 212

[65] - Ibid , p,213

[66] Crage , Time and Eternity. ,exploring God,s relationing to time , Wheaton Illinois ,puplished by Crossway ,2001, p,214

[67]- Craig, The Teleological Argument and the Anthropic Principle, https://www.reasonablefaith.org/writings/scholarly-writings/the-existence-of-god/the-teleological-argument-and-the-anthropic-principle/

[68] - Ibid

[69]- Craig,The only wise God: the compatibility of divine foreknowledge and human freedom. Eugene, OR: Wipf and Stock Publishers.2000 p, 89

[70] - المزامير: 14:1

[71]- Craig,The only wise God , p, 96

[72] - Craig: Reasonable Faith, Christian Truth and Apologetics, p,95

[73] - Ibid , p,96

[74] -Ibid , p, 96

[75]- Craig: Reasonable Faith, Christian Truth and Apologetics p 96 .

[76] - جون هيك: فلسفة الدين، ص 26

[77]- Craig: Reasonable Faith, Christian Truth and Apologetics,p, 97

[78] عبد الرحمن بدوي، فلسفة العصور الوسطى، الكويت، وكالة المبطوعات، لبنان، دار القلم، الطبعة الثالثة، 1979ص: 72، 73.

[79] - المرجع السابق ص73

[80] - جون هيك: فلسفة الدين، ص 25

[81] - Craig, Reasonable Faith, Christian Truth and Apologetics,p, 97

[82] - * منطق الموجّهات نوع من المنطق الذي يتعامل مع «المحتمل» و»الممكن» والذي يظهر في مقولات لغويّة من قبيل: «من المتوقّع» و»من المفترض» و«ربما».

https://en.m.wikipedia.org/wiki/Modal_logic 

[83]- C raig, Reasonable Faith, Christian Truth and Apologetics,p, 97

[84]- Craig,Reasonable Faith, Christian Truth and Apologetics,p, 187 .

[85]- 219- روزنتال، م، يودين، ب: الموسوعة الفلسفيّة، ترجمة سمير كرم، بيروت، طبعة دار الطليعة، الطبعة الرابعة، 1981 م، ص 282.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف