البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

December / 25 / 2021  |  1275المرجعية القرآنية في سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من منظور استشراقي

سليمة صالح لوكام المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية صيف 2021 م / 1442 هـ
المرجعية القرآنية في سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من منظور استشراقي

ملخّص [1]

لطالما شغلت شخصيّة نبيّ الإسلام محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته السماويّة المستشرقين على اختلاف مدارسهم وتوزّعهم الجغرافي في الغرب؛ ولذلك أكثروا من التأليف والكتابة في قضايا مثل: النبوّة والرّسالة، مصدر القرآن الكريم، الوحي والكتابة، لغة القرآن، ملامح النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)...، ومن الواضح أنّ أغلب هذه الدراسات تستهدف في غايتها النبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) كونه المحور الذي تدور حوله قضايا القرآن والرسالة. ولهذا السبب نفسه عكف الباحث في دراسته هذه بالبحث والتحليل والمناقشة لجانب من أعمال المستشرقين المتعلّقة بمحمّد والنبوّة الرّسالة، محمّد والقرآن الكريم. وتروم هذه الدراسة نشر بقعة ضوء على سير عن النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) دبّجها مستشرقون فرنسيّون اتّخذوا القرآن الكريم مرجعًا وسندًا، لم يركنوا إلى ما ورد فيه عن نبوّة المصطفى، فأجالوا النّظر بين أطوائه، وأعملوا العقل والفكر في آياته وأحكامه، ووازنوا بين رسالته ومن سواه من الرّسل (موسى وعيسى).

المحرِّر


المقدِّمة

 إنّ تقصّي أنحاء النظر في المدوّنة الاستشراقيّة التي انكبّت على سيرة النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) دراسة وتأريخًا وتخييلًا أدبيًّا يوقفنا على كمّ هائل من الأعمال التي ذهبت طرائق قددًا في أشكال التناول، وزوايا الاشتغال، وانتقاء المرجعيّات. وقد استأثر الفرنسيّون أدباء وكتّابًا ومؤرّخين ومتخصّصين في الإسلام وحتّى صحفيين، بالنصيب الأوفر من الكتابات التي انضوت تحت هذه المظلّة، وشفّت عن رغبات تباينت غاياتها، ومنظورات تنوّعت في اتّكائها على مرجعيّات ثرّة وثريّة.

ويعود السبب في اختياري هذه السّير بعينها إلى سببين:

أمّا أوّلهما فموصول ببقاء هذه السّير، على الرّغم من قيمتها العلميّة ووجاهة طروحاتها، مغمورة لم تحظ بالحفاوة التي حظيت بها سير أخرى كتبها مستشرقون مغرضون، كان لتعصّبهم وبراعتهم في مجانبة الحقيقة أثره البالغ في ذيوع صيتهم ورواج أعمالهم.

وأمّا ثانيهما فله بتاريخ صدورها آصرة وثيقة، فقد صدرت هذه الأعمال في فترة متقاربة (محمّد للمستشرق «بول أشار» 1942، وإنجيل وقرآن 1958 للمستشرق «جاك جومييه»، و «محمّد» للمستشرق «روجيه أرنالديز» 1975)، وذلك إبّان الفترة التي كانت فيها فرنسا تمور بالأفكار الفلسفيّة والمذاهب الفكريّة، وصارت أقدام أعلام المستشرقين فيها إلى رسوخ، وهنا ينتصب السؤال الإشكالي: «إن كان ثمّة من كتب سيرة النبيّ محمّد من كبار المستشرقين الفرنسيين أمثال «مكسيم رودنسون» في «محمّد» 1961، و «ريجيس بلاشير» 1952، و «بول كازانوفا» في «محمّد ونهاية العالم» 1924، وغيرهم ممّن عُرفت توجّهات مرجعيّاتهم، وتوضّحت محاضن أفكارهم، فعلام راهن هؤلاء في تمحّضهم لكتابة سيرة النبيّ؟ لِمَ قصروا مرجعيّتهم على القرآن الكريم؟ إلى أيّ مدى أسعفتهم قراءتهم للقرآن الكريم وطريقة فهمهم له في الوقوف على العديد من الإشكاليّات المرتبطة بالسيرة النبويّة منظورًا إليها من زاوية استشراقيّة؟!.

ولعلّ أهمّ ما سنعكف عليه تحليلًا وتفحّصًا، ونراه خليقًا بأن نقف عنده في هذه الأعمال هو: محمّد والنبوّة والرّسالة، محمّد والقرآن الكريم، الوحي والكتابة، ملامح شخصيّة النبيّ محمّد، وغاية ما ننشد الانتهاء عليه: هل أنصف هؤلاء النبيّ المصطفى في غمرة بحثهم عن الحقيقة؟ تلكم هي الأسئلة التي نعتزم تطارحها، ولا نزعم الإجابة عنها بقدر ما نتغيّا إثارة النقاش العلميّ حولها.

اهتمام المستشرقين بشخصيّة النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)

يكون من نافل القول أن نذكّر بأنّ شخصيّة النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) قد حازت قديمًا وحديثًا على اهتمام بالغ من الباحثين والمؤرّخين والمستشرقين، ذلك أنّ الكتابة عن الإسلام، دينًا وفكرًا وتاريخًا وتعاليم، يستدعي ضرورة واقتضاء التعرّض لحياة الرجل الذي جاء بهذا الدين ونشر تعاليمه وأنشأ دولته، وترك أتباعًا أوصلوا دعوته إلى كلّ أصقاع العالم. والمثال الذي نسوقه في هذا المقام هو ما استقرّ في المحصّلة الأوروبيّة التي عكفت على كتابة حياة النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ما أحاط وما حفّ بها، وما شفّ عنها، منذ زمن الحروب الصليبيّة إلى يومنا هذا، وقد أوجز المؤرّخ الباحث في الإسلام « جون طولان» (John Tolan) هذا التوجّه في كتابه «محمّد الأوروبيّ» (Mahomet l’Européen) بقوله: «ظلّ محمّد دائمًا، وعلى مرّ العصور، في صميم الخطابات التي أنشأها الأوروبيّون عن الإسلام»[2].

ولعلّ هذا الواقع هو الذي حدا بالكثير من الغربيين المحدثين الذين آثروا الكتابة عن النبيّ محمّد أن يبدوا بعض الاحتراز والتحرّج فيما يمكن أن يصطنعوه من مناهج، وما يتّكئون عليه من مرجعيّات، بالنّظر إلى ما يرومون بلوغه من غايات بحثيّة، وما يَتَغَيَّوْن تحقيقه على صعيد تشكيل رؤية خاصّة عن الإسلام ونبيّه وأهله من زاوية، والسعي إلى إرساء دعائم حوار الحضارات والأديان من زاوية أخرى.

وليس بخافٍ على من يتقحّم مغاور هذا التوجّه أنّه سيركب مركبًا صعبًا؛ لأنّه سيواجه كمًّا هائلًا من المرجعيّات العربيّة الإسلاميّة والمؤلّفات الغربيّة المسيحيّة ليس في وسعه الاستغناء عنها، فقد يجد بعضها مغرقًا في التفاصيل، وبعضها الآخر ممعنًا في التحيّز، وهي في عمومها، والغربيّة منها على وجه التحديد، تنوس بين الإنصاف والإجحاف، بين الموضوعيّة والأحكام المسبقة، وقد كان «غوستاف لوبون» (Gustave Lebon)، وهو أحد كبار مؤرّخي القرن العشرين، قد أكّد موقفًا سابقًا للغربيّين تجاه النبيّ محمّد بقوله: «يمكننا أن نقول إنّ محمّدًا من أعظم الرّجال الذين عرفهم التاريخ، وقد منعت الكثير من الأحكام المسبقة المؤرّخين من الاعتراف بأهمّيّة أعماله، ولكنّ المؤرّخين المسيحيّين هم الذين شرعوا اليوم في إعطائه حقّه»[3].

وأيًّا كان شأن هذه المرجعيّات التي تندّ عن الإلمام بها جميعًا لكثرتها وتنوّع مصادرها، فإنّ ما شاع توظيفه في أعمال المستشرقين من السّير العربيّة الإسلاميّة هي: «سيرة ابن إسحاق» و «سيرة ابن هشام» و «الطبقات  الكبرى» لابن سعد  و «تاريخ الطبري» و «مغازي الواقدي» و «تاريخ أبي الفدا» وغيرها، وفي هذا السياق يقول المستشرق والباحث في الإسلاميّات مكسيم رودنسون» (Maxime Rodinson): «إنّني أعود بصفة دائمة إلى المصادر الأساسيّة، وكنت كلّما شرعت في التحرير أضع على طاولتي كتب ابن إسحاق والطبري والواقدي وابن سعد، وغالبًا كنت أغوص في محيط السنّة النبويّة»[4].

وأمّا السير الغربيّة، فعلى الرّغم من تباين مشاربها، فإنّ أكثر ما استندت إليه الدراسات الاستشراقيّة الحديثة نسبيًّا هي كتابات ما قبل القرن العشرين من مثل عمل كلّ من «بريدو» (Prideaux) و «دو بولانفيلييه» (DeBoulainvilliers) و «دو برسفال» (De Perceval) و «إرفينغ» (Irwing) و «برتون»       (Burton)… فضلًا عن بعض ترجمات القرآن الكريم، مثل الترجمة الفرنسيّة لـ «كازمرسكي» (Kasimirski) والترجمة الإنجليزيّة لـ «سايل» (Sale).

كيف تعاطى كتّاب سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من المستشرقين مع القرآن الكريم؟

يحسن بنا، ونحن نستجلي هذه المرجعيّات، أن نقف عند مسألة تعاطي كتّاب سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من المستشرقين مع القرآن الكريم، وقد ألفينا أنّ القوم ذهبوا في آرائهم مذهبين:

المذهب الأوّل: فيرى أنّه كتاب من تأليف النبيّ محمّد، وهو تصوّر مشحون بجرعات صليبيّة حاقدة ومتحاملة تنفي أن يكون القرآن كلامًا إلهيًّا منزّلًا، مثلما تنكر عن النبيّ صفة النبوّة والرّسالة والوحي، بل إنّها تمضي بعيدًا في تشويه صورة النبيّ، ولذلك نجدها تتّخذ مراجع بعينها تسعفها في تكريس عداء غير مبرّر للإسلام ولنبيّه، وفي هذا الموضع بالذّات ينبغي أن نشير إلى أنّ كثيرًا من الغربيّين أنفسهم أقاموا الدّليل على بطلان هذا الزّعم منذ زمن بعيد، وعلى رأس هؤلاء الكونت «دو بولانفيلييه» في كتابه «العرب وتاريخ محمّد» الذي صرّح بأنّ القرآن هو «الكتاب الذي لا يمكن أن يضاهى؛ لأنّه يضمّ كلام الله الصافي أو التعبير الخالص عن إرادته، كما أوحي به عن طريق الملاك إلى الرسول المصطفى، الذي ينبغي عليه تبليغه إلى الناس جميعًا دون أيّ تداخل لأيّ أثر بشريّ، ولا أيّ تعبير آخر دخيل يمكن أن يضعف من سلطته»[5].

المذهب الثاني: فيتّخذ موقفًا محايدًا يرى في القرآن الكريم مرجعًا أساسيًّا وضروريًّا في كتابة سيرة النبيّ، وما صرّح «رودنسون» يترجم حقيقة ما يعتقده هذا الصنف من الباحثين: «أن نتخلّى عن كتابة هذه السّيرة أو نذهب بعيدًا في التفكير كما فعل أحد المؤلّفين السوفيات فنتحدّث عن أسطورة محمّد، أنا لا أصدّق ذلك. ما بقي لنا هو نصّ القرآن، وهو من الصعوبة بمكان عند توظيفه، كما أنّه ملغز في الغالب يتطلّب طول اشتغال مع عدم يقين في الوصول إلى ترتيبه زمنيًّا، ولكنّه يظلّ دعامة قطعيّة وأصيلة بكلّ تأكيد»[6].

ونحن إذ نعرض الرأيين كليهما، فإنّنا لا ننكر وجود طائفة أخرى لا ترى غضاضة في أن تعود إلى القرآن الكريم تستضيء به في بحثها عن ملامح سيرة النبيّ محمّد، ولكنّها لا ترى ضرورة لذلك لأنّ «القرآن ليس في حاجة لسرد حياة النبيّ، فقد ورد اسمه في أربعة مواضع في هذا النصّ، أُعلن فيها أنّ محمّدًا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وذُكرت دعوته في مكّة، والعداء الذي لقيته تعاليمه من قبل الكثير من الوثنيين، وكذا هجرته إلى المدينة المنوّرة وزيجاته، فضلًا عن معاركه السياسيّة والعسكريّة على رأس الجماعة المسلمة»[7].

وهكذا، فإنّ ما نحن إليه بسبيل ينتظم ضمن هذه الزاوية، فقد انتقينا أعمالًا تضمّنت سيرة حياة النبيّ محمّد، ليست لها شهرة أعمال كلّ من «ريجيس بلاشير» (Régis Blachère) أو «لامارتين» (Lamartine)، و«غوته» (Goethe)، و«مونتغمري وات» (Montgomrey Watt) ولكنّها تميّزت بملمحين بارزين: أوّلهما موصول بهويّة مؤلّفيها وبزمن صدورها، فثلاثتهم من فرنسا، وقد نشروا أعمالهم في فترة متقاربة نسبيّاً «محمّد» (Mahomet) بول أشار[8] (1942 Paul Achard)، و«إنجيل وقرآن» (Bible etcoran) «جاك جومييه»[9] (Jacques Jomier 1958)، ومحمّد «روجيه أرنالديز»[10] (Roger Arnaldez).

وثانيهما له بأمر المرجعيّة القرآنيّة صلة مستحكمة، ولعلّ ما أبداه هؤلاء الكتّاب الثلاثة من رغبة في معرفة الحقيقة والتعريف بها، وإقامة الحجّة النقليّة والعقليّة، والحاجة إلى إقناع الذّات قبل الآخرين، ما يدفعنا إلى تبيّن ممكنات التعاطي مع القرآن الكريم كتابًا إلهيًّا منزّلًا على النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلاقته بما قبله من الكتب السّماويّة من زاوية، وصيغ مقاربة النصّ القرآني، أصلًا وترجمةً وتفسيرًا ودراسةً، وما يرشح عن ذلك من زاوية أخرى.

«أشارد Achard» شغف المعرفة ويقين القرآن

قبل أن ننعطف إلى تقليب أنحاء النّظر في الكتاب ينبغي أن نشير إلى أنّ أقوى ما شدّنا إليه في أوّل الأمر هو الغلاف الخارجي الذي وشّاه باسم النبيّ (Mahomet) مؤطّرًا ضمن شريطين مشكّلين من هلال ونجمة، ومن الأسفل  بشهادة «لا إله إلّا اللّه محمّد رسول الّله» بخطّ عربيّ واضح داخل دائرة، وكنّا نعتقد أن يكون ذلك من قبيل اختيار صورة غلاف مناسبة، ولكنّ إطلالة على الصفحة الداخليّة للغلاف أوقفتنا على العنوان نفسه، وتحته مباشرة لفظ الشهادة باللغة الفرنسيّة ( Il n’y a de Dieu que Dieu Mohammed est son Envoyé).

تجلو هذه الكتابة الفرنسيّة للشّهادة أنّ ثمّة ما يتوارى خلفها، فَبَيْنَ العنوان
Mahomet، وبين الاسم الوارد في الشهادة (Mohammed) إقرار من المؤلّف بوجود صورتين للنبيّ محمّد، وقد جهر بذلك دون مواربة حين قال في مفتتح كتابه: «إنّ حياة محمّد معروفة قليلًا في عمومها، وبدرجة أقلّ في تفاصيلها. وقد بدا لي أنّ لا شيء قد تبدّد من تلك العتمة الكثيفة التي أحاطت حتّى القرن 16 بـ «محمّد» (Maphomet, Baphomet, Bafum, Mahom) أيّ محمّد بن عبد اللّه (Mohammed ben abdallah) ذاك الذي جعلناه نحن (Mahomet)»[11].

إنّ مثل هذا الطرح يرتّب بلا شكّ تبعات علينا وعلى المؤلّف على حدّ سواء، ذلك أنّ ما يذكر لاحقًا قد يُرجع إلى ميل واضح منذ البدء إلى إنصاف النبيّ، وعلى الرّغم من أنّ الردّ على مثل هذا الزعم ليس ممّا ننشغل به الآن تحديدًا، فإنّنا نحرص على تأمين مسلكنا البحثيّ بما أورده المؤلّف نفسه عن غايته من تأليف الكتاب بقوله: «ليس للمؤلّف من نيّة أخرى إلّا تجميع توثيق كامل عن محمّد والدين الإسلاميّ، محمّد الرّجل والنبيّ منذ الأزمنة التي سبقت مولده حتّى وفاته»[12].

إذًا، آلى «أشار» على نفسه أن يعرّف بالنبيّ بالمتح من مصادر عديدة، أهمّها القرآن الكريم، وهو يقف منه موقفًا فيه بعض اللبس، فهو يؤمن به كتابًا مقدّسًا منزّلًا، ويتّخذه دليلًا «سنأخذ القرآن مرشدًا لنا، ولكنّه، تمامًا كما قال أحد المستشرقين، ليس كتابًا لأنّ الكتاب يُعرَّف على أنّه تركيب»[13].

غير أنّه يساويه في أكثر من موضع ببعض المصادر الأخرى، خاصّة الغربيّة منها، والملاحظ أنّ هذه الكتب قد صدرت في أغلبها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أمّا مصادر القرن العشرين، فلم يَسْتدْعِ منها إلّا النزر القليل جدًّا، وليست هذه الإشارة منّا إلّا للتّذكير بالمفارقة، فأغلب ما أورده من عناوين سير حياة النبيّ، أصحابها متحاملون مغرضون يعمدون إلى ما من شأنه أن ينشر الرّيبة.

وأمّا ترجمات القرآن الكريم، فلم تَرِد إلّا إشارة عابرة إلى ترجمة «كازيميرسكي»، وهي قليلة حضور في متن الكتاب، وحين يكون في موضع اقتباس من القرآن الكريم فإنّه لم يكن يفصح عن الترجمة المعتمدة، ويكتفي بالإحالة على ترتيب السورة والآية. وهذا يرجّح أمرين:

الأوّل: إمّا أن يكون متقنًا للغة العربيّة إلى الدّرجة التي يكون فيها قد عاد بنفسه إلى القرآن الكريم، ويعضّد هذا الرأي حضور كمّ هائل من الألفاظ والمصطلحات الفقهيّة والدينيّة العربيّة. وههنا ينطرح السؤال الصارم: إن كان عاد للقرآن، فما الذي منعه من الاطّلاع على السّير المعروفة في التراث الإسلامي؟ (لم يورد من السّير العربية إلّا سيرة «أبي الفدا»).

الثاني: وإمّا أن يكون قد استعان ببعض العارفين أو المطّلعين على الثقافة العربيّة الإسلاميّة، خاصّة أنّه وُلد في الجزائر، وأدرك عن كثب أنّ ثمّة بونًا بين «محمّد» النبيّ الذي قرأ عنه وتعرّف عليه في رحلة بحث مضنية، وبين «محمّد النبيّ» الذي سمع عنه أو ذُكِرَ له بشكل شعبيّ فجّ، وقد أشار في مقدّمة الكتاب إلى أنّه يودّ أن يتجاوز صورة كانت سائدة عن النبيّ نُقلتْ إليه من مستعمرات شمال أفريقيا فقال: «لم يَعُدْ محمّد ذلك الكيان العابر المحاط بالحور في فردوس اللّه، ولا تلك الصّورة الهزلية التي وصلتنا من شمال أفريقيا عن طريق زواويّو «بيجو» (Bugeaud)* و «لامورسيير»(Lamorcière)»[14].

تتبّع «بول أشار» حياة النبيّ محمّد فعمد إلى تقسيم كتابه إلى أربعة فصول كبرى: الطفل، الرجل، النبيّ، الوفاة، ثمّ ضمّن كلّ فصل عناوين فرعيّة، وكان الفصل الثّاني هو أطول الفصول وأهمّها وأكثرها ارتباطًا بالنبوّة وحقيقة الرسالة، وأكثرها تواشجًا بما عكف عليه المستشرقون بحثًا وتقصّيًا، وكان أوّل العناوين على النّحو الآتي: (BIS’M’ALLAH! AUNOMD’ALLAH) روى فيه قصّة حياة النبيّ والدعوة منذ أوّل يوم نزل فيها الوحي إلى زمن الهجرة.

وحريّ بنا في هذا المقام أن ننوّه لا بمقدار المعرفة التي يحتكم عليها فحسب، ولا بالبراعة في السّرد التي أقام الدّليل عليها في الإحاطة بتفاصيل حياة المصطفى وكفى، بل بانبرائه للدّفاع عن النبيّ وعن الإسلام ضدّ كل أولئك الذين شكّكوا وأوغروا صدر الغرب ومن سار في ركابه على الإسلام ونبيّه. ففي معرض حديثه عن الحالة التي تنتاب المصطفى عند تلقّيه الوحي، يمضي إلى استعراض آراء مؤرّخين ومستشرقين وحتّى أطبّاء لم يدركوا كنه الرسالة، ولا تحسّسوا حقيقة النبوّة إلماسين (Elmacin) وهوتنجر (Hottinger) وبايل (Bayle) وسبرنجر (Sprenger)...وكان ردّه أنّ كلّ «هذه التأكيدات التي كانت تهدف إلى تقديم محمّد بوصفه دجّالًا، والإسلام بوصفه احتيالًا مُدَبّرًا، قد اُستُقِيَتْ من أعمال لم تتّخذ ضمن مصادرها كتابًا واحدًا في التاريخ الإسلاميّ أو في السّيرة النبويّة، خاصّة ما كان منها معاصرًا لزمن النبيّ»[15].

لم يقنع «أشار» بما أورده، إذ نلفيه يقود قارئه إلى مصير من ناصب النبيّ العداء (أبو لهب وزوجته)، وكيف كان ردّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عليه بسورة من القرآن الكريم، وهي السورة 111 (المسد)، وقد أوردها كاملة ولم يعلّق بعدها بشيء.

ومثل هذه الإشارات التي يُستدعى فيها النصّ القرآنيّ للبتّ وبشكل فاصل وحاسم كثيرة في هذه السّيرة، والمثال الذي نسوقه يؤيّد ما نذهب إليه.

فممّا لا شكّ فيه أنّ الأعمَّ الأغلبَ من المستشرقين قد تحدّث عن مصادر الوحي، وكاد الإجماع أن ينعقد بينهم أنّ النبيّ قد أخذ المعرفة عن أهل الكتاب من اليهود والنصّارى، واطّلع على الفلسفات القديمة وغيرها من الأقوال المزعومة والافتراءات الواهية، وفي هذا وقف «أشار» عند الرأي القائل إنّ النبيّ قد أخذ التعاليم والمفاهيم والأحكام عن الراهب «بحيرا»، فوضع القارئ أمام الافتراضات الممكنة ثمّ ردّ عليها عقليًّا ومنطقيًّا (إذا كان بحيرا يمتلك كلّ هذه المعرفة فلِمَ لَمْ يجعل نفسه بها نبيًّا، بالإضافة إلى المسافة الكبيرة التي كانت تفصل بين مكان إقامته «بصرى الشام» ومكّة...)، ثمّ لم يلبث أن استشهد بالآيتين 5 و 6 من السورة الواحدة  والعشرين (الأنبياء)[16]. ومعها الآية 105 «تكون بمضمونها هي الآية 103 في الأصل» من السورة 16 (النحل)[17].

وبإمعان النّظر في معاني هذه الآيات يتبدّى أمامنا إقرارٌ واضح من المؤلّف بصحّة ما ورد في التنزيل من افتراءات المكذّبين الذين وَسَمُوا النبيّ بكلّ النّعوت التي تصيّره مبتدعًا للقرآن لا متلقّيًا له عن طريق الوحي، بل إنّنا لا نغالي إذا قلنا إنّ «أشار» أراد أن يسرّب خطابًا يتوعّد فيه من يكذّب بحقيقة الوحي والتنزيل «ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهُمْ يومنون».

وعلى امتداد الصفحات التي دبُّجت فيها سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أدرج المؤلّف العديد من أرقام الآيات والسّور مشيرًا إليها تارة بترتيبها، وتارة أخرى باسمها، ومرّة يذكرها بالحروف ومرّة بالأرقام، وقد يسأل سائل عن العلّة في ذلك، أيمكن أن يكون في هذا نيّة وقصد؟ أم أنّ ذلك قد جاء عفو الخاطر؟.

ينبغي في البدء أن نسلّم بأنّ انتحاء هذا الضرب من الكتابة عن سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يكون فيه القرآن مرجعيّة أساسيّة مغامرة غير مأمونة العواقب، وأنّه فعل رياديّ اشتدّ عوده فيما بعد على يد «ريجيس بلاشير» في كتابه الشّهير «مشكلة محمّد» الصادر سنة 1952، وقد عبّر «رودنسون» عن ذلك بقوله: «لقد كان له الفضل في أنّه لم يشأ الاتّكاء إلّا على القاعدة الأكيدة للنصّ القرآني»[18].

فإذا ما وضعنا في حسباننا هذا المعطى يمكن أن نعدّ هذا من ارتباكات البدايات، وأنّ نغضّ الطّرف عن غياب منهجيّة بعينها في التعاطي مع النصّ القرآنيّ وصيغ إيراده ودواعيه، فعلى سبيل المثال نجده في بعض المواضع يذكر اسم السورة (آل عمران، محمّد، الرحمان، النور، التوبة ...) بينما يكتفي في مواضع أخرى بالإحالة على أرقام السّور، بل إنّنا نجد أحيانًا بعض الآيات القرآنيّة مندسّة في أطواء السّيرة دون أدنى إشارة إلّا ما كان من المزدوجتين.

بقي أن نشير إلى أنّ ما ترسّب من السّير القروسطيّة وما بعدها المتحاملة على النبيّ، وبعض الكتابات الاستشراقيّة المغرضة التي استأنس بها في عمله، قد تسرّبت منها بعض التصوّرات والمفاهيم التي لم يستطع منها فكاكًا، على الأقلّ، على مستوى الخطاب، وما نذكره في هذا الموضع مثال من كثير.

فعلى الرغم من إقراره بصحّة القرآن الكريم، وقدسيّة التعاليم التي وردت فيه وصرامة الأوامر والنواهي الصادرة منه للنبيّ محمّد خاصّة في العبادات (الصلاة، الصوم، تغيير القبلة، التعامل مع الزوجات...)، ومع إشارته المتعدّدة إلى أنّ النبيّ اتّخذ القرآن في العديد من المرّات ردًّا للإجابة على أعدائه فيقول: «أجابهم بواسطة القرآن...» فإنّ «أشار» قد استعمل في غير قليل من حديثه عن النبيّ عبارة: «حرّم محمّد على المسلمين شرب الخمر»[19]، «منع محمّد أكل لحم الخنزير»[20] «وضع محمّد حدًّا لعادة غير إنسانيّة كان قد درج العرب الوثنيّون على ممارستها، وهي وأد بناتهنّ وهنّ على قيد الحياة»[21]. ليردف كلّ حُكْم بالآية التي ورد فيها التحريم دون إحالة على السّورة التي أُخذت منها الآية، فيورد مثلًا نصّ آية تحريم شرب الخمر، ويضع إلى جانبها رقم الآية (92)، وهكذا فعل مع بقيّة الأحكام، في حين أنّه لمّا كان بصدد الحديث عن مسألة العقيدة والأديان والرّسالة،كان يمضي مباشرة إلى النصّ القرآني الدّالّ مباشرة على ذلك.

وخلاصة الأمر، إنَّ تقدّم عمل «بول أشار» وحماسته للإسلام ونبيّه بوجه خاصّ، ووقوعه تحت سطوة مرجعيّات مغرضة لم يكن في مقدوره التملّص منها، جعلته يجانب الحقيقة أحيانًا، أو يوردها منقوصة أو مشوّهة أو محرّفة، فإنّه أكّد يقينًا عنده في القرآن الكريم تناول به سيرة النبيّ محمّد، وقد عبّر عن ذلك بعبارة حاسمة دالّة[22]: «القرآن تعبير عن إرادة الّله الذي يقضي في كلّ الأمور في كلّ آن ومكان»[23].

سيرة محمّد بقرآن مترجم

تقول «جويل ردوان» :(Joelle Redouane) «لقد ذهب الشاعر الإنجليزي يايتس (Yates) إلى تسمية القرآن الكريم كتاب الشرق المقدّس»[24].

إنّ أظهر ما دعانا لاصطناع كتاب «كتاب مقدّس وقرآن» لـ «جاك جومييه» (Jacques Jomier) ضمن مدوّنة اشتغالنا، هو تخصيصه فصلًا في عمله هذا لسيرة النبيّ وسمه بـ «المهمّة الكونيّة لمحمّد وفقًا للقرآن (Lamission universelle de Mahomet selon le coran). وليس في هذا الكتاب مقدّمة تطلعنا على الغاية من تأليفه، ولكنّ الفصل الأوّل المعنون بـ: «ما القرآن؟» (Qu’est-ce que le Coran?)يقود إلى الإسلام ونبيّه.

عرّف «جومييه» القرآن بقوله: «القرآن كتاب المسلمين المقدّس»[25] كما عرّف بمحتوياته وعدد سوره، لينتقل مباشرة إلى الحديث عن الزمن الذي نزل فيه على محمّد وكذا على المكان، وإلى الإجابة عن السؤال: من هو محمّد؟ وكيف وعظ بالقرآن؟ وقد فصّل في ذلك حتّى إنّ القارئ قد يخالجه شعور بأنّ المؤلّف بصدد التعريف بالقرآن خَلَلَ التعريف بالنبيّ محمّد، وليس العكس.

وغاية ما انتهى إليه «جومييه» من فصل «ترجمات القرآن» أنّ «لا ترجمة للقرآن قادرة على إعطاء فكرة تفي بالغرض كما هو الحال بالنسبة إلى النّص العربيّ. الأسلوب غير قابل للترجمة، إيجاز اللغة العربيّة، وإيثارها للجمل المنحوتة بالإزميل، والتي نتذوّقها في ذاتها بمعزل عن سياقها، بقيمتها العاطفية التي تتّصل بالعديد من المصطلحات الحسيّة، لا يمكن لهذا كلّه أن يُقدّرَ إلّا بالعربيّة... يصف القرآن نفسه كالتالي...»[26]، ثمّ أورد الآية 23 من سورة الزّمر[27] التي أشار إليها بالرقم 39.

وكأنّ المؤلّف قد مهّد لما سيرويه عن حياة النبيّ بحديث فيه بيانٌ لقيمة القرآن الكريم في حياة النبيّ ومسار الإسلام والدلالة على صحّة دعوته وحقيقة تعاليمه، وقد أكّد ذلك فيما أورده من آيات قرآنيّة كانت:

 إمّا موجّهة للنبيّ محمّد تضيء له ما قد يستغلق عليه في أمور الدّعوة وغيرها، وفي هذا إقرار بأنّ ما قام به النبيّ في حياته لم يكن إلّا وحيًا يوحى، وأفضل ما نستدلّ به في هذا المقام إدراجه للآية 46 من السورة[28].

وإمّا موجّهة إلى جمهور المتلقّين من المسلمين والمسيحيّين واليهود على حدّ سواء «أعطى القرآن أمرًا بالإيمان، وهذا يعني الإيمان بمهمّة محمّد، ومن ثمّ الإيمان بأصالة القرآن»[29].

وصفوة القول، لم يُبدِ «جومييه» عناية كبرى لسيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وتفاصيلها بالقدر الذي أولاه للصّلة التي تقيمها مع النصّ القرآني، كما عاينّا دقّة وإيجازًا، والتزام منهجيّة محدّدة أكثر من سابقه في إيراد الآيات والإحالة على السّور، وأهمّ من هذا كلّه اعتماد ترجمة للقرآن الكريم أوضح معنى، وأجلى دلالة، وقد أحال على أشهر الترجمات المنجزة إلى ذلك الوقت، وأثنى بوجه خاص على ترجمة بلاشير: «من المؤكّد أنّ ترجمة السيّد بلاشير هي بين الترجمات الفرنسيّة الأكثر جدوى، إذ بحثَتْ في الترتيب الزمني للسّور، وهي تحتوي على ملاحظات نقديّة ممعنة في التفصيل. إنّها الأكثر وفاء للمعنى الحرفي»[30].

ونحن نتصفّح هذا العمل، لا ننكر أنّنا كنّا من حين لآخر نقرأه بخلفيّةِ أنّ المؤلّف رجل دين مسيحيّ باحث في الإسلاميّات وفي الكتب السماويّة، وأنّ هذا الملمح سيؤثّر بلا ريب على فكره ورؤيته، ولكنّنا أدركنا أنّ هذا التوجّس لم يكن له ما يبرّره؛ إذ ألفيناه يعرض كلّ الفرضيّات، ويقيم عليها البراهين، ويخلص إلى النتائج ويعلنها دون أن يجد في نفسه حرجًا منها، فعلى سبيل المثال يقول عن الوحي والنبوّة والمعجزات: «وبشكل أدقّ، اتُّهمَ محمّد بأنّ هناك من أعانه على تأليف القرآن (رجل لم يكن يعرف اللغة العربيّة)، فلم يكن أحد يسلّم بأنّه كان يأخذ رسالته من وحي كما كان يؤكّد»[31].

عرض «جومييه» الرّأي وعارضه وأقام الدليل المنطقيّ عليه، بعد أن قدّم الإجابة المقنعة من القرآن الكريم (الآية 103) من السورة[32] رقم 16، ليصل بعد استنفاد كلّ جهد إلى أنّ «القرآن سيُقدّم على أنّه هو نفسه المعجزة الكبرى، وهو الذي يثبّت أصالة النبوّة المحمّديّة»[33].

يعجّ النصّ بالآيات المقبوسة من القرآن الكريم في كلّ مرّة أراد فيها المؤلّف طرح مسألة موصولة بحياة النبيّ أو تعاليم الإسلام، ممّا لا يتّسع المقام للإفاضة فيه، خاصّة أنّ السّيرة الثالثة في مدوّنة اشتغالنا أكثر تفصيلًا وأوسع إحاطة.

الإسلام في شخصيّة محمّد

يستهلّ «روجيه أرنالديز» كتابه «محمّد أو الدعوة النبويّة» بجملة من الأسئلة الوجيهة المنهجيّة الصارمة بدأها بما يلي: «كيف السبيلُ للحديث عن النبيّ الذي قدّم للعالمَ شريعة نزَّلهَا الّله عليه وحيًا عن طريق الملاك جبريل؟»[34].

ومن غريب أنّ سؤالًا مثل هذا يصدر عن باحث متبحّر في الإسلام والقرآن الكريم اقتصرت قائمة مراجعه على أشهر الكتب التي أُلّفت في سيرة النبيّ محمّد في القرن العشرين، وهي لا تتجاوز العشرة عددًا، وتفوق الَألْفَ ثراء وإحاطة في مادّتها، وعمقاً وشموليّة في طرحها، ومن هنا جاءت صعوبة المهمّة وإلحاح السؤال.

ولأنّ الرّجل أكاديميّ قادم من أحد كبرى قلاع البحث والدراسة (السوربون)، فإنّه عني منذ البدء بتصميم عمله بشكل دقيق، فصرّح بالأدوات المنهجيّة التي سيجريها، وأبان عن الغايات التي يتشوّف بلوغها.

انطلق «أرنالديز» في الفصل الأوّل «نبيّ الإسلام» من المفاهيم الأساسيّة التي تتشيّد عليها هذه السّيرة، ففرّق بشكل قاطع بين النبيّ والرسول، وفَصَلَ في وضع النبيّ محمّد، وعرض موقف الدارسين والمؤرّخين من ذلك ليَصْدَعَ بقوله: «إذا لم ندرك الإسلام في محمّد، لن ندرك فكرة محمّد-نبيّ»[35]. ثمّ انعطف إلى ما دُوّن عن النبيّ محمّد منذ القديم من المسلمين والمسيحيّين، وأبدى رأيه فيها؛ ليقرّر أنّه من العسير على الباحث إيجاد مكان وسط بين تلك الكتابات بالنّظر إلى تشابكها وتشعّبها وتناقضها والتباسها، لذلك «فالوصول إلى تحقيق مشروعنا كما حدّدناه، يكون عن طريق اتّخاذ الوسيلة الأكثر أمنًا، أن نتوجّه إلى القرآن، ويجب التذكير أنّ القرآن في الإسلام ليس كتابًا من تأليف محمّد، وإذًا، ليس بوسعنا الوقوف على انعكاس مباشر لشخصيّته فيه، ولكنّ الّله تحدّث فيه إلى محمّد، تكلّم عنه فيه لأنّه يعرفه، ولأنّه يعرفه كما هو في الواقع، بمعنى كما أراد الّله له أن يكون. وهكذا ستكون لنا كلّ الفرص لنجد في القرآن ملامح شخصيّة محمّد الحقّة، لأنّ الله هو الذي صوّر هذه الملامح»[36].

في تضاعيف هذا المقطع تثوي دلالات أعادتنا إلى الفكرة ذاتها التي عبّر عنها الشيخ محمّد الغزالي في كتابه «فقه السّيرة» بقوله: «قد تظنّ أنّك درست حياة محمّد إذا تابعت تاريخه من المولد إلى الوفاة، وهذا خطأ بالغ، لن تفقه السّيرة حقًّا إلّا إذا درست القرآن الكريم والسّنة المطهّرة، وبقدر ما تنال من ذلك تكون صلتك بنبيّ الإسلام»[37].

بعد الفصل الذي رسّخ فيه المؤلّف، في مواطن كثيرة، فكرة اتّكائه بالأساس على القرآن الكريم معلّلًا ذلك منطقيًّا ونقليًّا، بادر إلى اتّخاذ موقع لنفسه فيما يشتغل عليه من سيرة النبيّ محمّد، وقد اختار منها ملمحين اثنين، هما: «اليتيم» و «التاجر»، ومراحل ثلاث: «من أوّل الوحي إلى الهجرة» و «الهجرة وتجربة المدينة المنوّرة» و «تغيير القبلة ودخول مكّة».

وهو يغذّ المسير للكشف عن زوايا جديدة في طفولة النبيّ ويُتْمِه، شرع «أرنالديز» في توضيح أمرين: أوّلهما أنّ القرآن لم يقل شيئًا عن طفولة النبيّ وميلاده، وهو بدوره لن يقول شيئًا عن طفولة النبيّ لوجود محكيّات كثيرة في السّيرة النبويّة، ويذكر منها «سيرة ابن هشام»، وإنّما يريد أن ينشر بقعة ضوء على مسألة كون النبيّ يتيمًا برؤية مختلفة.

وثانيهما أنّه سيعتمد ترجمة «ريجيس بلاشير» للقرآن الكريم فيما سَيُورِدُه من سور وآيات قرآنيّة لا تخلو صفحة من حضور عدد غير قليل منها.

وقد صدّر هذا الفصل بترجمة لبعض آيات سورة الضّحى بدءًا من «ما ودّعك ربّك وما قلى» لا ليصوّر معاناة النبيّ وصعوبة عيشه يتيمًا، ولكن ليقدّم قراءة في فكرة اليتم والفقر والضعف في القرآن الكريم، مفادها أنّ في هذه الأوضاع الاجتماعيّة حكمة وتربية ودعوة إلى التّضامن والتّكاتف.

وبالصيغة نفسها مضى المؤلّف في فصل «النبيّ تاجرًا» في إعطاء فلسفة لما يمكن أن تكون التّجارة قد أضافته إلى النبيّ محمّد، دون أن يغفل عن إسداء المعرفة فيما هو موصول بخروج النبيّ للتجارة في مال خديجة، وفرضيّة احتكاكه بالمسيحييّن واليهود، وما الذي أفاده منهم، ثمّ كيف تكون تجارة الإنسان رابحة في الحياة، وفي كلّ هذا كان «أرنالديز» وفيًّا فعلًا لاختياره القرآن الكريم، مصدرًا وسندًا، وهو الذي أورد 14 مرّة آيات قرآنيّة تتساوق مع روح مبدأ التجارة مع الّله في متن سبع صفحات دون أن يحيل على أيّ مرجع آخر. 

ولم يشذّ فصل «من الوحي الأوّل إلى الهجرة» عن النّحو الذي نحاه المؤلّف في كتابة سيرة النبيّ، فقد ثبّت إمعانًا في التوثيق الآيات الأولى من سورة العلق بترجمة «بلاشير» طبعًا، غير أنّ ما يلفت انتباه القارئ هو التعليق الذي وَلِيَ الآيات: «يبدو المحتوى الموضوعي لهذا الوحي عاديًّا، ولكن نحاول أن نتخيّل تعجّب محمّد لمّا يدرك من الداخل قوّة المعنى في هذه الآيات، أيّ تغيير سيطرأ على العالم؟ الكون بأكمله موصول بإله هو الخالق...»[38].

إنّ التدبّر في هذا الكلام يجرّنا إلى استصفاء طائفة من الملاحظات التي رشحت من مقاربتنا رؤية صاحب هذا الكتاب في اضطلاعه بمهمّة الكتابة عن حياة النبيّ محمّد، لقد أقام الدّليل على أنّ «القرآن واضح»[39]، وأنّ «من قصّة حياة النبيّ لم يأخذ المؤرّخون إلّا ما أثارهم، وقد تركوا ما تبقّى فيما يشبه الظلّ، أو تجاهلوه تمامًا، ولكن ما أن يُقرأَ القرآن حتّى يُرى بريقها في كامل روعته»[40].

هذا غيض من فيضِ ما تناولته هذه الدّراسات التي اكتفينا فيها بوقفات بعينها مكّنتنا من استكناه رؤية مختلفة عمّا ألفناه من تعاطي مستشرقين آخرين مع السّيرة النبويّة، خاصّة أن الاستئناس بالقرآن الكريم، مرجعًا وحجّة، أضفى عليها وضوحًا في المفاهيم، وصوابًا في الأحكام، وأفضل من هذا كلّه أن يعي كلّ واحد منّا، مسلمين كنّا أو أهل كتاب، حقيقة الإسلام ونبيّه، وصحّة كتابه، وكونيّة رسالته بعيدًا عن الخلفيّات المنمّطة، والذهنيّات المتكلّسة، والاتباعيّة المذعنة، ولا يمكن أن يتأتّى هذا إلّا بالتصالح مع الذات والإصغاء إلى الآخر، وهو المعنى ذاته الذي توصّل إليه أحد المؤرّخين العرب المعاصرين حين قال: «لا يوجد اليوم جدال بين أوروبا والإسلام، ولكنّ هناك نقاشًا بين كلّ أوروبيّ مع ذاته ومع العالم، وبين كلّ مسلم مع ذاته ومع العالم»[41].

ولئن كانت آلة «بول أشار» و «جاك جومييه» و «روجيه أرنالديز» قد قصرت عن فهم منزلة النبيّ أو القرآن الكريم في بعض المواضع، فإنّ ثمّة من المفكّرين الغربيين اليوم من يؤكّد أنّ «القرآن هو نفسه من يمنحنا مفاتيح القراءة الخاصّة به، وأسس تأويله التي تتناول، في ذات الوقت، معنى الكلمة وتطبيق مبادئها على المشكلات الجديدة»[42].

خاتمة

إنّ غاية ما ننتهي إليه من هذا الدراسة هو أنّ المستشرقين قد انتحوا أنحاء عديدة في تعاطيهم مع السيرة النبويّة، بحثًا ودراسةً وتقصّيًا، واصطنعوا لذلك مرجعيّات مختلفة تصل حدّ التباين، مدفوعين في اختياراتهم وزوايا نظرهم بما تحكمهم من إيديولوجيّات، وما يعتقدون من آراء قد تكون في أحيان كثيرة مثقلة بخلفيّات دينيّة أو ترسّبات فكريّة أو مسيّرة من دوائر بعينها لم تستطع التملّص أو التنصّل من حقد قروسطيّ قديم، أو من تعصّب مسيحيّ موجّه.

ولم تخلُ المدوّنة الاستشراقيّة التي عكفنا فيها على استصفاء جملة المرجعيّات التي اتُّخذت سندًا في كتابة سيرة النبيّ من تسرّب بعض تلك الرّواسب على الرغم من نشدان الموضوعيّة والطرح العلميّ لدى أصحابها، وتركيزهم على مرجعيّة النصّ القرآني، خاصّة فيما هو موصول بمسألتي الوحي والنبوّة.

ففي الآن الذي وقع فيه المستشرق «أشار» في بعض الجوانب من دراسته تحت تأثير آراء مسبقة لم يستطع أن يتجنّبها، فزلّت قدمه أحيانًا، إذ أورد بعض الأحكام المشوّهة أو المنقوصة فحاد عن الحقيقة، على الرغم من محاولته الحثيثة في التزام الحياد وتحرّي الإنصاف، فهذا المستشرق «جومييه» انصرف إلى إمعان النّظر في الصّلة التي تقيمها السّيرة النبويّة مع النصّ القرآنيّ، يقدّم الأدلّة على كون القرآن كلام الله المنزّل على النبيّ محمّد، ويستقي ما يقدّمه من أخبار وتفاصيل عن السّيرة النبويّة من القرآن الكريم، بل إنّنا نجده يشيد بقداسة هذا النصّ وقصور كلّ الترجمات، وهي عديدة وبكلّ اللغات، عن بلوغ درجة بلاغة لغته العربيّة، وأساليبه، وصيغه، حتّى إنّ القارئ ليكاد يُخيّل إليه أنّ هذا الدّارس بصدد التعريف بالنبيّ محمّد ضمن بحثه في القرآن الكريم.

أمّا المستشرق الأخير الذي اخترنا كتابه للبحث في كيفيّة تعاطيه مع السّيرة النبويّة، وتحديدًا في جانب اتّخاذه القرآن الكريم مرجعيّة أساسيّة له، فقد انتهج سمتًا علميًّا منهجيًّا صارمًا، ولا غرابة وهو السربونيّ المتشبّع بتقاليد هذا الحصن العلميّ العتيد الذي يؤْثر العقل على النقل، ولذلك كانت خلاصة ما انتهى إليه من بحثه أنّ النبيّ محمّدًا لم يؤلّف القرآن الكريم، ولذلك لن يقع الباحث فيه عمّا يمكن أن يعكس له بشكل مباشر تفاصيل عن شخصيّته عليه الصلاة والسلام، لكن في المقابل يمكن أن نفهم أنّه ما دام الله تعالى قد تكلّم فيه عن محمّد، فإنّنا سنقف على شخصيّته بشكل صحيح، لأنّ الله يعرفه، وهو الذي أراد له أن يكون كذلك.

وما يلفت الانتباه أيضًا أنّ الإجماع يكاد ينعقد بين هؤلاء الدارسين، لا على تمييز نصّ القرآن الكريم وتميّزه، ولا على خصوصيّة خطابه وتفرّد تركيبه فحسب، وإنّما أيضًا على عدم وجود إفادة مهمّة عن طفولة النبيّ فيه، ولا عن سيرته الشخصيّة، باستثناء ما ورد بشأن أحداث بعينها وحقائق عامّة تضمّنتها سور من مثل: «الضّحى» و « عبس» و «النّور» و «الكوثر» وغيرها من السّور التي لم تُعْطِ أخبارًا ومعلومات عن النبيّ محمّد بقدر ما أرشدت ووجّهت ورَغَّبتْ أو رهَّبتْ.

وحقيق بنا ونحن نجمل ما توصّلنا إليه من نتائج، أن نؤكّد على كمّ الإنصاف الذي خصّ به هؤلاء الدارسين النبيّ محمّد عليه الصلاة والسلام، ونبرة الإعجاب التي تردّد صداها في غير قليل من المقاطع، وهو أمر لم نألفه كثيرًا في كتابات المستشرقين سواء أكانوا مؤرّخين، أو كتّاب سيرة أو مفكّرين أو رجال دين ممّن نضوا عنهم مسوح العلم والموضوعيّة، فجانبوا العقل، واندفعوا بحميّة قروسطيّة يكيلون التّهم، ويغالطون الضمائر.

 ولكن تشاء العناية الإلهيّة أن تخرج من أصلاب هؤلاء من يفنّد زعمهم فيصدع بالحقّ، ويعرض عن الجاحدين. 

لائحة المصادر والمراجع

القرآن الكريم برواية ورش.

الكونت دو بولانفيلييه، تاريخ العرب وحياة محمّد، تحقيق وترجمة: مصطفى التواتي، منشورات دار كارم الشريف، تونس 2013 .

محمّد الغزالي، فقه السيرة، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1965.

هشام جعيط، أوروبا والإسلام، صدام الثقافة والحداثة، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2001.

المراجع باللغة الأجنبيّة

Le Coran, Traduction Kasimirski, Garnier Flammarion, Paris,1970.

Paul Achard, Mahomet, Les Editions de France, Paris, 1942.

Maurice Bucaille, LaBible, Le Coran et La science, SNED, Alger, Paris, 1976.

Roger Garaudy, L’Islam vivant, Maison des livres, Alger, 1986.

5-Jacques Jomier,  Bible et Coran, Foi vivante, Les éditions du Cerf, Paris, 1959.

Gustave  Lebon: Civilisation  des  Arabes, Casbah Editions, Alger, 2009.

JoelleRedouane, L’orient arabe vu par les voyageurs anglais, OPU, Alger, 1988.

Maxime Rodinson: Mahomet, Editions Seuil, Coll Points, Paris, 1961.

Alain Roussillon, La pensée Islamique Contemporaine, Ceres Editions, Tunis, 2007.

John Tolan: Mahomet l’Européen , histoire des représentations du prophète en occident, Albin Michel, Paris, 2018.ذ

--------------------------

[1]*- أستاذة قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب واللغات، جامعة سوق أهراس، الجزائر.

[2]- John Tolan: Mahomet  l’Européen, histoire des représentations du prophète en occident, Albin Michel, Paris, 2018, p1.

[3]- Gustave Lebon: Civilisation des Arabes, Casbah Editions, Alger, 2009, p94.

[4]- Maxime Rodinson: Mahomet, Editions Seuil, Coll Points, Paris, 1961, p12.

[5]- الكونت دو بولانفيلييه: تاريخ العرب وحياة محمّد، تحقيق وترجمة: مصطفى التواتي، منشورات دار كارم الشريف، تونس 2013، ص219.

[6]- Maxime Rodinson, Mahomet, p13.

[7]- John Tolan, Mahomet L’Européen, p14.

[8]- كاتب وصحفيّ وأديب فرنسي من مواليد 1887 بالجزائر العاصمة، يُرجّح الكثيرون أنّه اعتنق الإسلام. توفّي بباريس سنة 1962.

[9]- رجل دين فرنسي من مواليد سنة 1914 بباريس، باحث في الإسلاميّات، وأحد مؤسّسي المعهد الدومينيكاني للدراسات الشرقيّة بالقاهرة، توفّي سنة 2008.

[10]- من أبرز الباحثين الفرنسيين في الإسلاميّات، من مواليد 1911 بباريس، أهمّ كتبه «الإنسان في القرآن» توفّي سنة 2006.

[11]- Paul Achard, Mahomet, Les Editions de France, Paris, 1942, pII.

[12] - Paul Achard, Mahomet, pIII.

[13]- Ibid, p94.   

[14]- Ibid, pV.

* بيجو ولامورسيير شخصيّتان عسكريّتان فرنسيّتان، كان لهما دور أساسيّ في احتلال الجزائر، وفي تكوين فرق جنود مشاة من الفرنسيين ومن بعض الجزائريين أُطلق عليهم وصف ((zouaves.

[15] - Ibid, p56.

[16]- الآية 5-6 من سورة الأنبياء: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَام بَلْ اِفْتَراهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَة كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُومِنُون).

[17]- الآية 103 من سورة النّحل: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنًّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ).

[18]- Maxime Rodinson, Mahomet, p 376.

[19]- Paul Achard, Mahomet, p130.

[20]- Ibid, p131.

[21]- Ibid, p133.

[22]- Maurice Bucaille, La Bible, Le Coran et La science, SNED, Alger, Paris,1976.

يشترك في هذا التعريف نسبيًّا مع «موريس بوكاي» في كتابه»الكتاب المقدّس والقرآن والعلم»: «القرآن تعبير عن الوحي الذي أنزله الملاك جبريل على محمّد المدوّن والمحفوظ عن ظهر قلب والمرتّل في صلوات المؤمنين...

[23]- Paul Achard, Mahomet, p 66.

[24]- JoelleRedouane, L’orient arabe vu par les voyageurs anglais, OPU, Alger, 1988, p216.

[25] -Jacques Jomier,  Bible et Coran, Foi vivante, Les éditions du Cerf, Paris, 1959, p7.

[26] - Jacques Jomier, Bible et Coran, p15.

[27]-(الّلَهُ أَنْزَلَ الحَدِيثَ كِتَابَاً مُتَشَابِهاً مَثَانِي تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ ربَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الّلَهِ).

[28]- يقصد الآية الكريمة من سورة القصص: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِير مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

[29]- Jacques Jomier, Bible et Coran, p24.

[30]- Ibid, p16- 17.

[31] - Ibid, p90.

[32]-  الآية 103 من سورة النّحل: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّماَ يُعلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ).

[33]- Bible et Coran, p 91.

32 - Roger Arnaldez, Mahomet, SNED, Alger, 1975, p5.

[34]- Roger Arnaldez, Mahomet, SNED, Alger, 1975, p5.

[35] - R. Arnaldez, Mahomet, p 7.

[36]- Ibid, p 8.

[37]- محمّد الغزالي: فقه السيرة، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1965، ص507.

[38]- R. Arnaldez, Mahomet, p46.

[39]- Ibid, p55.

[40]- Ibid, p69.

[41]- هشام جعيط، أوروبا والإسلام، صدام الثقافة والحداثة، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2001، ص18.

[42]- Roger Garaudy, L’Islam vivant, Maison des livres, Alger, 1986, p 46.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف