البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

August / 29 / 2021  |  2167التراث العقدي – للشيعة الامامية دراسة ببلغرافية من الشيخ الصدوق الى العلامة الحلي

الشيخ محمود علي سرائب المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية صيف 2021 م / 1442 هـ
التراث العقدي – للشيعة الامامية دراسة ببلغرافية من الشيخ الصدوق الى العلامة الحلي

الملخّص

وقف البحث عند تعريف الدراسات الببلغرافية وبين اهدافها ثم عطف القول على منهجه في البحث الذي تناول تعريف التراث العقدي الشيعي بحسب التسلسل الزمني من خلال التعريف بالكتاب الذي يتضمن اسمه المشهور واسم مؤلفه وبيان منهج الكتاب , واهم مضامينه , شيئا من خصائصه ومميزاته، تناول البحث التقسيمات المنهجية للمراحل التأريخية لعلم الكلام فعرض مراحل التطور الهيكلي لعلم الكلام عند الشيعة الامامية وهي مرحلة التكوين ومرحلة التوسعة ومرحلة التدوين الموضوعي ثم تناول المراحل التأريخية لعلم الكلام بلحاظ المنهج المتبع من جهة الكلام العقلي والنقلي والكلام النقلي والكلام العقلي والكلام الفلسفي الى غير ذلك مبينا معالم كل منهج على وفق حقبته التاريخية مشفوعا بالنتاج الكلام لكل منهج وفي كل مرحلة .

الكلمات المفتاحية

{الببلوغرافية, التراث, العقدي, الشيعة الامامية, علم الكلام}

 

Abstracts

The Doctrinal Heritage of Imami Shiites: A Bibliographic Study

From Al-Sheikh Al-Sadouq to Al-Alamah Al-Hilli

Sheikh Mahmood Ali Saraib

The research has endeavored to define bibliographic studies as well as highlight their main objectives. Moreover, it seeks to identify their research approach which focuses mainly on defining the Shiite doctrinal heritage chronologically. This is accomplished by means of introducing the book which includes its famous title, the name of its author, its main contents, and some of its characteristics as well as advantages.

Significantly, the research tackles the systematic divisions of the historical stages of theology. Ultimately, it displays the stages of structural development in theology for Imami Shiites. These stages are: the stage of formation, the stage of expansion, and the stage of objective codification. Then, the author discusses the historical stages of theology by noting the approach followed in terms of mental speech, translational speech, philosophical speech, etc. Accordingly, the author proceeds to indicating the features of each curriculum according to its historical period, accompanied by the results of each curriculum and at each stage.

Keywords: Bibliography; Heritage; Doctrinal; Imami Shiites; Theology

 

مقدّمة:

إنّ الدراسات الببليوغرافيّة، وبغضّ النظر عن تعريفها الاصطلاحيّ الدقيق، تعني علم القوائم أو الانتاج الفكريّ بشكل عامّ، فهي علم وصف الكتب والمقالات والمخطوطات والتعريف بها والتي يستعين بها الكاتب عندما يكون بصدد كتابة بحث ما.

وثمّة أنواع متعدّدة للببليوغرافية، وما يعنينا في هذه الدراسة هي الببليوغرافيّات المتخصّصة، وهي التي تهتمّ بحصر ووصف الإنتاج الفكريّ المتخصّص في موضوع معين، وتحرص هذه الببليوغرافيّات عادة على تغطية الإنتاج الفكريّ بكلّ أشكاله وعلى اختلاف لغاته، وذلك في إطار حدودها الموضوعيّة.

أهداف الدراسة الببليوغرافيّة للتراث العقديّ:

لكل دراسة ببليوغرافيّة أهداف، ومن أهداف ببلوغرافية الدراسات العقديّة:

1. حفظ الانتاج الفكريّ وتصنيفة وتوثيقه والتعريف به.

2. تعريف القرّاء على النتاج العقديّ لعلماء الإماميّة.

3. تسهيل البحث والمعرفة للباحثين في التراث العقديّ الإماميّ.

4. التعرّف على  التطوّر العلميّ والمعرفيّ الذي حصل في التراث العقديّ الإماميّ ومواكبته.

منهجيّة المقال:

1. تعريف التراث العقديّ الشيعيّ حسب التسلسل الزمنيّ.

2. الاقتصار على أبرز العلماء والتعريف بأهمّ كتبهم العقديّة.

3. تقديم شخصيّة على أخرى مقصور على البعد الزمنيّ من دون دخالة حيثيّات أخرى في المقام.

4. التعريف بالكتاب يتضمّن ذكر اسمه المشهور، اسم المؤلف، بيان منهج الكتاب، وأهمّ مضامينه، وبعض مميّزاته وخصائصه.

5. اعتمدنا عرض جدول مختصر حول الكتاب صدّرنا به التعريف بالكتاب، وذلك ضمن ثلاثة عناوين تركّز على أهمّ المعلومات عن الكتاب.

التراث العقديّ الشيعيّ:

إنّ إطلالة سريعة على التراث والكتب العقديّة التي دوّنها علماء الإماميّة تكشف لنا أن بعض هولاء الأعلام اقتصر على تدوين المتون الاعتقادية كفتوى عقديّة أو مع شرح مختصر جدًّا لبعض المسائل العقديّة، ولم يقتصر بعضهم على المتون الفتوائيّة العقديّة، بل قام باستعراض أدلّة تفصيليّة على العقائد الإماميّة، وعليه يمكن تقسيم هذا التراث العقديّ للشيعة الإماميّة إلى قسمين:

الأول: ما تضمّن التعريف بعقائد الشيعة إجمالًا على نحو الفتوى الاعتقادية من دون استدلال، أو مع استدلال مختصر، وفي هذا القسم يمكن ذكر الكتب الآتية:

1. الاعتقاد. تأليف الشيخ الصدوق (قدس سره)

2. تصحيح الاعتقاد. تأليف الشيخ المفيد (قدس سره).

3. أوائل المقالات في المذاهب والمختارات. تأليف الشيخ المفيد (قدس سره).

4. جمل العلم والعمل. تأليف الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسويّ (قدس سره).

5. الاقتصاد. تأليف الشيخ الطوسي (قدس سره).

6. العقائد الجعفريّة. تأليف الشيخ الطوسي (قدس سره).

7. عقائد الإماميّة. تأليف الشيخ محمد رضا المظفر، وغيرها من الكتب.

الثاني: ما عني فيه بالاستدلال على العقائد، وهي كتب كثيرة نذكر منها:

1. الشافي. تأليف السيد المرتضى (قدس سره).

2. تلخيص الشافي. تأليف الشيخ الطوسي.

3. كتاب الألفين. تأليف العلّامة الحلّيّ (قدس سره).

4. نهج الحقّ. تأليف العلّامة الحلّيّ أيضًا، وهو الكتاب الذي ردّ عليه ابن روزبهان في كتابه الذي سمّاه: إبطال الباطل.

5. دلائل الصدق. تأليف الشيخ محمد حسن المظفر (قدس سره)، وهو ردّ على كتاب إبطال الباطل لابن روزبهان، وتعرّض بالمناسبة للردّ على ابن تيميّة في بعض المواضع.

6. حقّ اليقين في معرفة أصول الدين. تأليف السيد عبد الله شبر (قدس سره).

7. صراط الحقّ في أصول الدين. تأليف الشيخ محمد آصف المحسني المعاصر.

ونحأوّل في هذه المقالة عرض أهمّ الكتب العقديّة من الشيخ الصدوق ( قدس سره) إلى العلّامة الحلّيّ ( قدس سره)، على أن نستكمل البحث في مقالات أخرى؛ لأن ما كُتب بعد العلّامة الحلّيّ هو تراث علميّ ضخم لا يُستهان به، ويكشف عن تطوّر عظيم في المباحث العقديّة عند الشيعة الإماميّة، وبالتالي فإنّ انجاز هذا النوع من الأبحاث التاريخيّة التوصيفيّة للتراث العقديّ يعيد اكتشاف جانب من هذا التراث ومراحل تطوّره، وهو يعدّ مقدّمة ضرورية لإنجاز دراسات  معياريّة في علم الكلام.

وقبل الخوض في هذا البحث نقدّم مقدّمة مختصرة حول المراحل التاريخيّة لعلم الكلام؛ لأنّ ذلك يكشف لنا التطوّر التاريخيّ والمنهجيّ الذي مرّ به علم الكلام عند الشيعة الإماميّة.

التقسيمات المنهجيّة للمراحل التاريخيّة لعلم الكلام عند الشيعة الإماميّة:

طُرحت عدّة تقسيمات منهجيّة للمراحل التي مرّ بها علم الكلام عند الإماميّة، ويمكن اختصارها بعنوانَيْن، وهما على الشكل الآتي:

أوّلًا:المراحل التاريخيّة لعلم الكلام من حيث التطوّر الهيكليّ:

ويمكن تقسيم هذه المراحل الهيكليّة إلى ثلاثة أقسام رئيسة، وهي:

1. مرحلة التكوين:

وهي المرحلة التي سبقت ظهور هذا العلم، والتي تسمّى بفترة الوحي، والمعتمَد في هذه المرحلة هو أخذ الدين من الوحي مباشرة، بما في ذلك أصول الإيمان، ولم يحدث أيّ خلاف بين الصحابة في هذه المرحلة، وفي حال افتراض حدوثه كان ينتهي بالرجوع إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تأخذ هذه المرحلة صبغة الاستدلال على المعتقدات، بل كانت تتّسم بالتسليم والتصديق القلبيّ، وهي أوّل مرحلة في كلّ دين.

2. مرحلة التوسعة:

وهي المرحلة التي بدأت تُثار فيها الشبه والتساؤلات والإشكالات حول مجموعة من المعتقدات الرئيسة في الفكر الإسلاميّ وبغض النظر عن الأسباب الداعية لمثل هذا النوع من التساؤلات، سواء أكان ذلك بسبب التنظير والاستدلال المحض؛ أم لوجود أسباب سياسيّة وشخصيّة وغير ذلك لبعض هذه الأفكار، ولكن مما لا لبس فيه أنّه حصلت حالة توسعة في بعض المعتقدات الإسلاميّة سببها هذه التساؤلات البسيطة، ولعلّ أوّل مسألة طُرحت في هذا المجال مسألة الإمامة، وبعدها قتال المرتدين، والقضاء والقدر وهكذا. وتبدأ هذه المرحلة من عصر الخلفاء بعد النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أوائل القرن الثاني للهجرة.

3. مرحلة التدوين الموضوعيّ:

كثر الخلاف في هذه المرحلة واتّسعت شقّته، فكان لا بدّ من تدارك الأمر لكي لا يُمزج الحقّ بالباطل، فكان لا بدّ من بيان المعتقدات السليمة والصحيحة للناس، وفي هذه المرحلة كان للأئمة ولأصحابهم دور كبير في هذا المجال، فظهرت عدّة مدوّنات مختصرة، واتّسمت بعض هذه المدوّنات بالموضوعيّ وهو ما يتناول موضوعًا محدّدًا، ويمكن تسميته بمرحلة التدوين الموضوعيّ والتي كانت في القرن الثاني والثالث الهجريّ. ولعلّ أوّل شخص قام بعمليّة تدوين موضوعيّ لبعض المسائل الكلاميّة هو عليّ بن إسماعیل بن  میثم التمّار (179هـ)، وهو أوّل من صنّف في الإمامة وسمّاه الكامل، وله:المناسك والاستحقاق، وهو من وجوه متكلّمي الشيعة وشيوخهم، وكان معاصرًا لهشام بن الحكم، وناظر أبا الهذيل، وضرار ابن عمرو الضبي، والنظام
، ولكن جعله أوّل متكلّم من الشيعة غير صحيح؛ لأنّه كان تلميذ هشام بن الحكم، وكان هشام أوّل متكلّم من الشيعة، بل أوّل المتكلّمين المسلمين.

وبعده توالت الكتابة الموضوعيّة ودُوّنت عدّة رسائل عقائديّة في موضوعات متعدّدة أبرزها في التوحيد والعدل.

وبعد هذه المراحل الثلاثة المتقدّمة هناك مراحل أخرى نذكرها باختصار وهي:

1. مرحلة التبیین والتنظیم الموضوعيّ: في القرن الثالث والرابع برزت التوجّهات العقديّة للمدارس الأخرى كالمدرسة الاعتزاليّة، ومدرسة أهل الحديث،...وغيرهم، بالإضافة إلى غيبة الإمام الثاني عشر والتي ولّدت تداعيات خاصّة على الواقع الشيعيّ، وقام المتكلّمون من علماء الإماميّة في هذه المرحلة ببيان المسائل الكلاميّة على أساس مذهب أهل البيت بطريقة موضوعيّة خاصّة، وردّوا على الشبهات التي أوردتها المدارس الأخرى على الشيعة الإماميّة سواء أكانوا من أهل السنة أم من الشيعة غير الاثني عشريّة كالزيديّة والإسماعليّة، وفي هذا المجال كتب أبو سهل النوبختيّ (311هـ) کتابًا تحت عنوان التنبیه في الإمامة، والشیخ الصدوق (381هـ) كتاب التوحید في الصفات ونفي التشبيه، وکمال الدین وتمام النعمة في موضوع غيبة الإمام المهديّ(عجل الله فرجه).

2. المرحلة البنائيّة (المنهجيّة والدقّة)؛ في القرن الخامس والسادس، وتحديدًا على يد الشیخ المفید (413هـ) بدأت مرحلة جديدة في الكلام الشيعيّ، وذلك من خلال طرحه أبحاثًا موسّعة في علم الكلام، وبمنهجيّة عقليّة أدّت إلى ظهور هيكليّة جديدة في علم الكلام، أوسع وأدقّ من المرحلة السابقة، وهكذا فعل السيّد المرتضی (436هـ) ومن بعده شیخ الطائفة الطوسي (460هـ)، وغيرهم من الذين أوصلوا هذه المرحلة إلى كمالها.

3. مرحله التحوّل والتکامل (التطوّر والتحوّل)؛ في القرن السابع الهجريّ حصل تطوّر نوعيّ على يد الخواجه نصیر الدین الطوسي، وذلك من خلال منهجيّته الفلسفيّة الخاصّة التي أدخلها إلى علم الكلام، والتي أدّت بالتالي إلى ابتكار هيكليّة جديدة طوت المراحل السابقة، وولّدت مرحلة جديدة ومتكاملة في علم الكلام الشيعيّ.

4. مرحلة الشرح والتلخیص: من القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر. من الملاحظ أنّ أكثر الآثار الكلاميّة في هذه الفترة الزمنيّة اتّسمت بالشرح والتلخيص للمصنّفات السابقة، وبالأخصّ لكتاب «تجريد الاعتقاد» للخواجة نصير الدين الطوسيّ.

5. مرحلة الإصلاح (علم الكلام الجديد)، وبدأت هذه المرحلة تقريبًا في منتصف القرن الرابع عشر الهجريّ، وما زالت مستمرّة إلى وقتنا الحاضر، و يمكن رصد إرهاصات هذه المرحلة رصدها في بدايات القرن الثالث عشر على يد السيّد جمال الدين الأفغانيّ، ومن بعده تلميذه الشيخ محمد عبده، وتوالت الإنجازات العلميّة في هذا المجال على يد أعلام كبار أمثال العلّامة الطباطبائيّ، والشهيد مطهري، والسيّد محمّد باقر الصدر، والشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، وغيرهم.

ثانيًا: المراحل التاريخيّة لعلم الكلام من حيث المنهجيّة:

التقسيم الثاني للمراحل التاريخيّة لعلم الكلام هي بلحاظ المنهجيّة المتّبعة في تحقيق المسائل الكلاميّة، ويمكن تقسيم الكلام الشيعيّ بهذا اللحاظ إلى عدّة تقسيمات، وهي:

1. الکلام العقليّ والنقليّ: في المرحلة الأولى من عصر حضور الإمام المعصوم، أي في مرحلة التأسيس اصطبغ علم الكلام بالصبغة العقليّة والنقليّة.

2. الكلام النقليّ: في المرحلة الثانية من عصر حضور المعصوم إلى ما بعد الغيبة الصغرى(329هـ) بفترة وجيزة، وتحديدًا إلى نهاية عصر شيخ المحدِّثين الصدوق (381هـ).

3. الكلام العقليّ: من القرن الخامس إلى القرن السادس، وبدأت على يد أعلام كبار أمثال الشیخ المفید، وتطوّرت على يد السید المرتضی، وتجوهرت وتعاظمت على يد الشیخ الطوسي وأمثال هولاء العظماء.

4. الکلام الفلسفيّ: في القرن السابع، وبدأت على يد الخواجه نصیرالدین الطوسي. (672هـ)

5. الکلام طبق المنهج الأخباري: من زمان العلّامة المجلسيّ (1111هـ)، ومحمد محسن الفیض الکاشاني (1092هـ) و...

6. الكلام من خلال منهجيّة توافقيّة تركيبيّة من العقل، والنقل، والفلسفة: من القرن الرابع عشر إلى الآن. والمؤسس لهذا البنيان ولهذا المنهج هو الحكيم ملّاصدرا (1050هـ) الذي أضاف لهذه الأمور الثلاثة المباني والمفاهيم العرفانيّة، واعتبر أنّه لا تضاد ولا اختلاف بين العقل والنقل والكشف، وهي المدرسة التي أطلق عليه ملّا صدرا اسم «مدرسة الحكمة المتعالية».

المناهج المعتمدة في علم الكلام:

وبناءً على ما تقدّم يمكن أن نستخلص أنّ المناهج الرائجة بين المتكلّمين الشيعة هي عبارة عن:

المنهج النقليّ (الأخباري) (المعتمد على النصوص):

إنّ لكلمة «نصّ» استخدامين على الأقل، أحيانًا يطلق النصّ في مقابل الظاهر، ويُراد به «النقل» في مقابل العقل أحيانًا، والمقصود بالنصّ في المنهج النقليّ هو المعنى الثاني، والمراد بالنقل أيُّ متن كلاميّ ترجع جذوره الأساسيّة إلى الوحي، أي القرآن والسنة.

فالمنهج النصّيّ أو النقليّ عبارة عن نظام فكريّ دينيّ يجمد على النصوص ويعتبر أنّ الإنسان يصل إلى المعارف الدينيّة عبر النصوص حصرًا، ولا يصحّ له تبيين الدين وتفسيره بتوسّط المعارف العقليّة، فالطريقة الوحيدة والمنبع الوحيد للوصول إلى المعارف الدينيّة هي نصوص وظواهر الكتاب والسنة.

ولا شكّ أنّ أصحاب هذا الاتجاه ليسوا في مرتبة واحدة، وإن كانت السِمَة المشتركة بينهم من الناحية المنهجيّة هي عدم الاعتناء بالعقل والمعارف العقليّة.

وفي هذا المنهج قيمة العقل واعتباره في أنّه يرشد إلى الدين فقط، وبعد هذه المرحلة ينبغي للعقل أن يكون في خدمة الشريعة، وأن يكون ملتزمًا بظواهر الآيات والروايات ولا علاقة له لا بتوليد المعرفة ولا باكتشافها.

صحيح أنّ أصحاب الاتجاة الأخباري يستفيدون في مقام الدفاع عن الدين من العقل والمعارف العقليّة، ولكنّهم يعتقدون أنّه لا يصحّ جعله مصدرًا في قبال الكتاب والسنة، بل لا اعتبار ولا قيمة له أصلًا ولا يصحّ جعله طريقًا للوصول إلى المعارف الدينيّة كما تقدّم.

معالم المنهج النقليّ:

إنّ المعالم الرئيسة للمنهج النقليّ هي ضبط الروايات الكلاميّة الصادرة عن النبيّ والأئمّة وحفظها، ذلك استنادًا إلى الآثار الروائيّة المتعدّدة، كأصول الكافي للكلينيّ، التوحيد، وكمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق، وغيرها من الكتب.

المرحلة التاريخيّة:

والمرحلة التاريخيّة لهذا المنهج بدأت في زمان الحضور، وخاصّة في الفترة الزمنيّة لحياة الإمام الرضا وما بعده، وفي عصر الغيبة إلى زمن الشيخ الصدوق، فإنّ التفكير والمنهج الحاكم على العقائد هو المنهج النقليّ.

أهمّ شخصيّات المنهج النقليّ:

في المنهج النقليّ أو الأخباريّ يوجد اتجاهان إفراطيّ واعتداليّ، ومن أصحاب المنهج الإفراطيّ - قبل ظهور الملّا محمد أمين الاسترآبادي(م 1036ق)-، يمكن عدّ عليّ بن عبداللَّه بن وصیف (م. 366ق) من هؤلاء، وقد قال عنه الشيخ في الفهرست: «عليّ بن وصيف، أبو الحسين الناشي، كان متكلّمًا شاعرًا مجودًا، وله كتب، وكان يتكلّم على مذهب أهل الظاهر في الفقه، أخبرنا عنه الشيخ المفيد (رحمه الله).

أمّا أصحاب المنهج الأخباريّ المعتدل - إذا صحّ التعبير - يمكن عدّ:

_ محمد بن الحسن الصفّار القمّيّ (م.209ق)،

_  أحمد بن محمد بن خالد البرقي (274ق)،

_ سعد بن عبدالله الأشعري (م. 301ق)،

_ محمّد بن یعقوب الکلیني (م. 329ق)،

_ الشیخ الصدوق (م. 381ق) و...

المنهج العقليّ:

المقصود بالمنهج العقليّ في مقابل المنهج الأخباريّ، وهو المنهج الفكريّ الذي يعتبر أنّ للعقل دورًا في كسب المعرفة الدينيّة، والعقل حسب اعتقادهم أحد الوسائل الأساسيّة لكسب المعرفة، بل العقل والأمور العقليّة من الأمور الأساسيّة، بحيث لا يمكن الحصول على المعرفة من دونه، فالمعارف الأخرى أعمّ من المعرف الحسّيّة والوحيانيّة مبتنية على العقل، ويرى هولاء أنّه كما أنّ للشريعة والمعارف الوحيانيّة منبعًا ومصدرًا من مصادر المعرفة، كذلك العقل، فهو مصدر ومنبع من منابع المعرفة. وفي موارد التعارض بين العقل والنقل يُقدّم العقل، ويُصار إلى تأويل المعرفة النقليّة بما ينسجم مع الدليل العقليّ القطعيّ.

معالم المنهج العقليّ:

إعطاء هويّة مستقلّة للكلام الشيعيّ.

إبداع وتأسيس منهج منطقيّ عقلانيّ في الجمع بين العقل والنقل.

المرحلة التاريخيّة:

كان الاتجاه الحاكم في عصر الغيبة الصغرى إلى ما قبل الشيخ المفيد هو اتجاه أهل الحديث كما أشرنا إليه، أمّا المنهج العقليّ، فقد بدأ بظهور الشيخ المفيد الذي يعتبر بحقّ من المؤسّسين لهذا المنهج، ثم بعد ذلك وبواسطة تلامذة الشيخ المفيد انتشر هذا المنهج واستحكمت أصوله في الوسط الشيعيّ، وإن كان ابن قبة الرازيّ(م 319هـ)  - قبل قرن تقريبًا - قد استخدم هذا المنهج في المباحث الكلاميّة.

أهمّ شخصيّات المنهج العقليّ:

_ محمّد بن عبدالرحمن ابن قبة الرازي (م. قبل از 319 ه)

_ محمّد بن محمّد بن النعمان الشیخ مفید (م. 413 ه)

_ علي بن الحسین بن موسی السیّد المرتضی (م. 436 ه)

_ تقيّ بن نجم بن عبیداللَّه أبو الصلاح الحلبيّ (م. 447ه)

_ محمّد بن علي بن عثمان أبو الفتح الکراجکيّ (م. 449 هـ)

_ أبو جعفر محمّد بن الحسن الشیخ الطوسيّ (م. 460 ق)

_ سدید الدین محمود الحمصيّ الرازيّ (م. أوائل قرن 7 ق)

المنهج العقليّ الفلسفي:

ليس المقصود من هذا المنهج ما يقابل المنهج الأخباريّ كما تقدّم، بل هو منهج يستفيد من العقل مع الاستفادة من الكتاب والسنّة، ولكن بداية المباحث الكلاميّة ونهايتها واستدلالاتها اعتمادًا على المنهج والقواعد التي يتّبعها الفلاسفة من الفلسفة اليونانيّة إلى فلسفة المشاء، والآيات والروايات التي تعرض في هذا النوع من المناهج تعتبر من المؤيّدات للاستدلال العقليّ.

فهم باختصار يريدون إثبات المسائل الكلاميّة بمنهج الفلسفة وأسلوبها ومصطلحاتها.

معالم المنهج:

تنظيم وترتيب جديد للمباحث الكلاميّة.

اعتماد القواعد والمصطلحات الفلسفيّة في إثبات المسائل الكلاميّة.

المرحلة التاريخيّة:

استمرّ الكلام الشيعيّ بالصبغة العقليّة كما أسّس لها الشيخ المفيد، إلّا في حدود ضيّقة جدًّا، من جملتها الصبغة الفلسفيّة للمباحث الكلاميّة عند النوبختيّين، ويمكن اعتبار ظهور الخواجة نصير الدين الطوسي بداية لمرحلة جديدة في علم الكلام الشيعيّ.

ويعتبر كتاب تجريد الاعتقاد والمنهجيّة الخاصّة التي رسمها المحقق الطوسيّ في الفلسفة والكلام نقطة فارقة ومنعطفًا بارزًا في تاريخ علم الكلام، حيث تمكّن الخواجة هنا من التلفيق بين الفلسفة المشائيّة وبين الكلام الشيعيّ، مما أدّى إلى هدم الفجوة، والتقارب أكثر بين الفلسفة والكلام في الوسط الفكريّ الشيعيّ.

وقد أشار الشهيد مرتضى مطهري إلى دور الخواجة نصير الدين في الكلام الإسلاميّ قائلًا: «تمكّن الفيلسوف والحكيم المتبحّر الخواجة نصير الدين من تصنيف كتاب كلاميّ يعدّ من أعمق الكتب الكلاميّة وأتقنها، وقد حظي الكتاب باهتمام المتكلّمين من الفريقين، وتمكّن-إلى حدّ ما-من نقل الكلام من أسلوب الحكمة الجدليّة، والاقتراب به من أسلوب الحكمة البرهانيّة»[1].

أهمّ شخصيّات المنهج الفلسفيّ-العقليّ:

_ أبو سهل إسماعیل بن نوبخت (م. 311 ق) مؤلّف التنبیه فی الإمامة و...

_ أبو محمد حسن بن نوبخت (م. 310ق) مؤلّف فرق الشیعة و...

_ أبو إسحاق إبراهیم بن نوبخت (القرن الخامس ق) مؤلّف الیاقوت.

_ الخواجة نصیر الدین الطوسي (672 ق) مؤلّف تجرید الاعتقاد، قواعد العقائد، تلخیص المحصل، ورسالة فی الإمامة و...

_ ملّا صدرا الشیرازيّ (1050 ق) مؤلّف الأسفار الأربعة، و....

بعد ذكر هذه المقدّمة المختصرة نشرع في عرض أهمّ الكتب الكلاميّة للشيعة الإماميّة، حسب التسلسل الزمنيّ، وبدأنا بالقرن الرابع الهجريّ، وتحديدًا من إنجازات شيخ المحدّثين الصدوق، وإن كان قبل زمانه، وبالأخصّ في القرن الثالث الهجريّ ثمّة مجموعة كبيرة من المتكلّمين، وقد ذكرت لهم كتب ورسائل كثيرة حسب ما ذكر الشيخ النجاشي، ولكن للأسف أغلب هذه الكتب والرسائل لم تصل إلينا، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّنا لم نذكر في هذه المقالة كلّ العلماء وكلّ كتبهم الكلاميّة، بل اقتصرنا على أبرز العلماء وأهم كتبهم الكلاميّة في هذا المجال، واقتصرنا أيضًا على الكتب المطبوعة دون المخطوطة وباللغة العربي دون غيرها من اللغات.

محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المشهور بالشيخ الصدوق(قدس سره):

( 306-381ه)

كتاب الاعتقادات في دين الإماميّة أو اعتقادات الإماميّة، المشهور باعتقادات الصدوق، ألّفه وأملاه الشيخ الصدوق لبيان اعتقادات الإماميّة على نحو الإفتاء، اعتمادًا على الآثار والنصوص، ولكن دون ذكر نفس النصوص، فهو كتاب يمثّل «عقيدة فتوائيّة» مبنيّة على الأثر، وليست مبنيّة على الاستدلالات العقليّة المنطقيّة، نعم، في ضمن الآثار إشارات للأدلّة العقليّة المنطقيّة.

وهذا المنهج الذي اعتمده الشيخ الصدوق هو المنهج الكلاميّ المعروف عند أهل الحديث، وهو الاعتماد في معرفة أصول الدين على النصوص الواردة، من كتاب وحديث ومفسرًا لها، حسب ما ورد من تفسيره عن أهل البيت% باعتبارهم معادن الحكمة والعلم ومخازن المعرفة.

ويشتمل الكتاب على 45 بابًا، وأورد في كلّ باب من أبوابه أحاديثَ تتضمّن ما قاله أئمّة أهل العصمة عليهم السلام، فعلى سبيل المثال في باب الاعتقاد في الإرادة والمشيئة، قال الشيخ أبو جعفر: اعتقادنا في ذلك قول الصادقg...،  وقد حاز الكتاب على اهتمام بين المتكلّمين الشيعة والسنّة، ويعدّ من مصادر العقيدة الإماميّة.

وإن كانت بعض المواضيع التي كتبها الشيخ الصدوق في كتابه الاعتقادات أثارت كثيرًا من الجدل من قبل بعض العلماء، منهم تلميذه الشيخ المفيد كما سيأتي.

وقد كُتبت عدّة شروح على الكتاب نذكر منها:

• تصحيح الاعتقاد، تأليف الشيخ المفيد.

• حورٌ مقصورات فی ترجمة اعتقادات الصدوق، تأليف میرزا محمد طبیب زاده أحمدآبادي باللغة الفارسيّة.

• شرح الاعتقادات، تأليف ملّا عبدالله بن حسن شولستاني، كُتب الكتاب باللغة العربيّة واللغة الفارسيّة.

• شرح الاعتقادات، تأليف ملّا حبیب الله الکاشاني.

هو كتاب جامع لأحاديث التوحيد ومطالبه وما يرتبط به من صفات الله وأسمائه وأفعاله، يرويها الشيخ الصدوق بأسانديه حول مسألة التوحيد بغية معرفة ما على المكلّف من الاعتقاد في هذه المسألة.

أكثر أحاديث الكتاب مذكورة في غيره من الكتب المعتبرة المعتمد عليها، كنهج البلاغة، والكافي، والمحاسن، وبعض كتب المؤلف نفسه، كالعيون، ومعاني الأخبار، وغيرهما.

فالكتاب كغيره من كتب الشيخ الصدوق مستفاد من الأصول المعتبرة، ويعتبر الكتاب مورد اعتماد لمن جاء بعده من العلماء.

أمّا سبب تأليف الكتاب، فيقول الشيخ الصدوق:»إنّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أنّي وجدت قوًما من المخالفين لنا ينسبون عصابتنا إلى القول بالتشبيه والجبر...إلى أن يقول: فتقربت إلى الله تعالى ذكره بتصنيف هذا الكتاب في التوحيد ونقي التشبيه، والجبر،...»[2].

عدد أبواب الكتاب 67 بابًا،وعدد الأحاديث خمسمئة وثلاثة وثمانون حديثًا (583).

وللكتاب شروح متعدّدة منها:

شرح القاضي محمّد سعيد بن محمّد مفيد القمّيّ تلميذ المحدّث الفيض الكاشانيّ، فرغ منه سنة 1099 ه‍.

شرح للمحدّث الجزائريّ السيّد نعمة الله ابن عبد الله التستريّ المتوفَّى سنة 1112 ه‍، اسمه (أنس الوحيد في شرح التوحيد).

يتمحور هذا الكتاب حول غيبة الإمام المهديّ (عليه السلام) وعلامات ظهوره وسائر المباحث المتعلّقة به، وقد ألّفه بالأساس لإِزالة بعض الشبهات التي أُثيرت عند الشيعة حول المهدويّة، وذلك من خلال استعراض الأحاديث الصحاح، أو المجمَع عليها، أو المتواترة. ويذكر الشيخ في مقدّمة كتابه أنّه وبعد رجوعه من زيارة مرقد الإمام الرضاg إلى مدينة نيسابور، وجد هناك كثيرًا من الشيعة الذين حيّرتهم الغيبة حتّى دخلت عليهم الشبهات، فجعل يبذل جهوده لإرشادهم ورفع الشبهات والشكوك، من خلال الأخبار الصحيحة الصادرة عن النبيّ وآله[3].

إنّ القيمة العلميّة للكتاب – بالإضافة إلى شموليّته وعمق محتواه-هي توفّره على آراء علماء الغيبة الصغرى التي لم تصل إلينا من خلال مصدر آخر غير هذا الكتاب، كآراء أبي جعفر محمد بن عبد الرحمن ابن قبة الرازي المتوفّى سنة 319 ق الذي لم يصلنا عنه إلّا النزر اليسير الذي ذكره النجاشي وابن النديم عنه، وقد أكّد النجاشي أنّه كان معتزليًّا ثم مال إلى التشيّع. ومن مميّزات الكتاب توفّره على بعض التواقيع الواردة عن الناحية المقدّسة التي استقاها الصدوق من المصادر القديمة تارة ومشافهة من المقرّبين من النواب الأربعة تارة أخرى[4].

يحتوي الكتاب على 621 رواية مرويّة عن 88 راويًا، وموزّعة على 63 بابًا، وقد تعرّض المؤلّف في مقدّمة الكتاب إلى ذكر مجموعة من الأبحاث حول خليفة الله ووجوب طاعته وضرورة عصمته، ثمّ تطرّق إلى إثبات الغيبة والحكمة منها، ثمّ بارز المنكرين، وأجاب عن الشبهات، وردّ على شكوك المخالفين، وكلّ ذلك مع ذكر البراهين من القرآن وصحيح الأخبار عن النبيّ والأئمّة.

محمَّد بن محمَّد بن النعمان العكبريّ، المعروف بابن المعلم، والمفيد، كنيته أبو عبد اللّه

 (336 - 413 هـ )

يُعتبر كتاب «تصحيح الاعتقاد» شرحًا نقديًّا على كتاب «الاعتقادات» الذي عرضَ فيه الشيخ الصدوق عقائد الإماميّة، حيث اكتفى الصدوق في إثبات عقائد الإماميّة بالآيات والروايات، ولكنّ الشيخ المفيد لم يكتفِ بذلك، بل استعان بالأدلّة العقليّة أيضًا، وانتقد بعض آراء الصدوق وصحّحها.

إذا اعتبرنا أنّ الشيخ الصدوق كان رائدًا كبيرًا من روّاد المدرسة الكلاميّة القمّيّة، وإذا اعتبرنا أنّ تلميذه الشيخ المفيد كان العماد الفقهيّ والكلاميّ للمدرسة البغداديّة، فيمكن القول إنّ هذا الكتاب هو عبارة عن إثارة نقاش جادّ ودقيق حول منهجين وعقليّتين تمثّل إحدهما المدرسة العقليّة في بغداد، والأخرى المدرسة النقليّة في قم.

وقد أورد الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد عدة ملاحظات منهجيّة على الشيخ الصدوق، منها:

1. التفسير الخاطئ لبعض الآيات.

2. عدم الالتفات للمعاني الصحيحة للألفاظ.

3.  الاقتصار على الروايات في إثبات العقائد وعدم الاعتناء بالأدلة العقليّة.

4. الركون إلى روايات ضعيفة.

ومن مميزات هذا الكتاب أنّ المؤلف عرض فيه منهجين فكريّين مختلفين في الكلام الشيعيّ، أحدهما: ما يعتمد على الروايات فحسب ولا يأبه بالأدلة العقليّة، وثانيهما:ما يهتمّ بالأدلة العقليّة أيضًا[5].

يحتوي الكتاب على 28 فصلًا، منها: الفرق بين الجبر والتفويض، الإرادة والمشيئة، معنى البداء، اللوح والقلم، النفوس والأرواح، المساءلة في القبر، القضاء والقدر، معنى العرش، الرجعة، كيفيّة نزول الوحي، الجنّة والنار، العصمة، التقيّة، و...

الكتاب «مقدّمة» لعلم أصول الدين؛ إذ يتكفّلُ شرحَ المصطلحات المستعملة في ذلك العلم، وبدون هذا الشرح لا يُمكن تحصيل مسائله ومعارفه، فهو بحقٍّ «مقدّمة لِلأصول».

إلاّ أنّ الشيخ لم يقتصر على هذه المقدّمة، وإنّما أدرجَ في الكتاب بحوثًا عن الأصول نفسِها أيضًا، فذكر الأدلّة على كلّ القضايا الأساسيّة في العلم.

يتميّز الكتاب بالأمور الآتية:

أوّلًا: عبارة المتن مبسّطة جدًّا وقد جعله الشيخ كما قال في مقدمته لإرشاد المبتدئين.

ثانيًا: وضعه الشيخُ على شكل محاورات بين السائل والمجيب، فيطرح سؤالًا بعنوان: «إن قالَ»، ويُجيب عليه بعنوان: «فقلْ».

ثالثًا: إنّ الألفاظ المشروحة مرتّبة على حَسَب ترتيب الأبواب والبحوث المعروضة في المناهج والكتب الكلاميّة، حيث بَدأَ بتعريف «النظر، والدليل، والعقل، والعلم...» وهي المستعملة في الأبواب الأولى، ثم يتدرّج مع الأبواب والبحوث حتى المعاد[6]..

يتركّز البحث في الكتاب في الردّ على المعتزلة وآرائهم الشاذّة عن جماعة المسلمين، والتي ينفردون بها عن جميع الأمّة، ويتصدّى للذين يتّهمون الشيعة بالأخذ من المعتزلة، مع وجود البون الشاسع بين التشيّع والاعتزال في أصول المنهج الكلاميّ الذي يتّبعه كلّ من المذهبين. وقد ركّز الشيخ المفيد في هذه (الحكايات) على أنّ المعتزلة بعيدون عن الشيعة في كثير من أصول معتقداتهم وفروع ملتزماتهم، وأنّ نسبة التشيّع إلى الاعتزال منشؤها الخطأ، وعدم المعرفة، أو قلّة الدين، والغرض الحاقد.

وعرض كثيرًا مما أجمعت عليه المعتزلة، مما لا تقرّه الشيعة. ثم ذكر الجواب عن بعض التّهم التي اشترك العامّة - معتزلة وأشاعرة - في توجيهها إلى التشيّع والشيعة[7].

يُصنّف كتاب أوائل المقلات ضمن الكتب العقديّة الأولى لدى الشيعة الإماميّة، حيث بحث فيه جُمْلة من المسائل العقديّة المتعلّقة بأصول الدين، إضافة إلى مسائل أخرى تندرج ضمن البحوث العقديّة وضمن مجالات أخرى، كالمجال الفلسفيّ والأصوليّ والفقهيّ، ولكن لها عُلقة بالمسائل العقديّة بالتبع.

قسّم الشيخ المفيد مواضيع بحثه في كتابه أوائل المقالات إلى خمسة أبحاث:

الفرق بين المفهوم العرفيّ لكلمة الشيعة والمعتزلة، وعلّة تسمية كلّ واحد منهما باسمه.

الفرق بين الإماميّة وغيرها من الفرق الشيعيّة.

الفرق بين الشيعة والمعتزلة في تفاصيل المسائل الاعتقادية.

البحث عن المسائل الأصوليّة الاعتقادية بشكل مختصر.

البحث عن المسائل العقليّة العامّة التي ليست من الأمور العقديّة، ولكنها مما تبتنى عليها[8].

للكتاب تسميات متعدّدة منها:«المسائل العشرة [العشر] في الغيبة» حسب النجاشي، ومنها:« الأجوبة عن المسائل العشر» حسب ابن شهر آشوب، ومنها: «الجوابات في خروج المهديّ، جوابات المسائل العشر في الغيبة، الفصول العشرة في الغيبة، كل ذلك حسب الطهراني.

والكتاب يهتمّ بدفع أهمّ الشبهات التي كانت واردة آنذاك على موضوع الإمام المنتظر عجل الله فرجه، وهذه الشُّبَه ردّها الشيخ المفيد بأحلى رد وأوجزه، فترى في هذه الرسالة الوجيزة في حجمها من المعلومات ما لا تجده في غيره.

والمسائل أو الشبهات العشر التي ردّ عليها:

1. لردّ استتار ولادة المهدي.

2. لردّ مَن تمسّك بانكار جعفر عمّ الإِمام.

3. لردّ من تمسك بوصيّة الإِمام العسكريّ لأمّه دون ولده.

4. لردّ من تمسّك بعدم الداعي لاخفاء الإِمام العسكريّ ولد.

5. لردّ من ادّعى أنّه مستتر لم يره أحد منذ ولد.

6. لردّ من ادّعى نقض العادة بطول عمره عجّل الله فرجه.

7. لردّ مَن تمسّك بأنّه إذا لم يظهر لا فائدة في وجوده.

8. لردّ مَن تمسّك بأنّا في غيبة صاحبنا ساوينا السبائيّة والكيسانيّة و…

9. لردّ من ادّعى تناقض غيبة الإِمام مع ايجاب الإِمامة وأنّ فيها مصلحة للأنام.

10.لردّ مَن تمسّك بأنّ الخلق كيف يعرفه إذا ظهر، والمعجزة مخصوصة بالأَنبياء.

فتعرّض الشيخ المفيد لردّ كلّ هذه الشبهات، واعتمد في ردّه على: الآيات القرآنيّة، والحكم، والقصص الواردة عن الأنبياء والحكماء، والأَمثلة التي يقبلها كلّ ضمير حيّ، ودراسة تاريخيّة كاملة لذاك الزمان وملوكه، واعتمد على الأَدلّة العقليّة، شأنه شأن الكتب الكلاميّة العميقة[9].

أبو القاسم الحسين بن علي الموسويّ العلويّ، علم الهدى السيّد المرتضى (553 -434ه )

الشافي في الإمامة من الكتب الكلاميّة التي تناولت بحث الإمامة، أجاب فيه السيد المرتضى على الشبهات التي طرحها القاضي عبد الجبار المعتزليّ حول الإمامة في كتابه (المغني في أبواب التوحيد والعدل)، وأبطل حججه، وأثبت بدليل العقل والنقل أنّ الإمامة ضرورة دينيّة واجتماعيّة، وأنّ عليًّا هو الخليفة الحقّ المنصوص عليه بعد الرسول، وأنّ من عارض وعاند فقد عارض الحقّ والصالح العام[10].. فالكتاب مناظرة بين شيخ الإماميّة وشيخ المعتزلة في موضوع الإمامة.

لقد كان الكتاب موضع توجّه علماء الإسلام، حيث إنّ السيّد المرتضى نفسه في كتبه المختلفة، مثل: تنزيه الأنبياء، قد استند على كتاب الشافي وأشار لكتابه هذا في كتاب الذخيرة في علم الكلام[11]، والمقنع[12]. لُخّص الكتاب من قِبل الشيخ الطوسي وأسماه تلخيص الشافي[13]، وقام أبو الحسن البصريّ بنقض الكتاب، بكتاب أسماه نقض الشافي، وألّف أبو يعلى سالار بن عبد العزيز كتاب (الردّ على أبي الحسن البصريّ في نقضه كتاب الشافي في الإمامة)، نقض به كتاب البصريّ[14]، وكان هذا في حياة السيّد المرتضى.

وهو شرح لقسم الكلام من كتاب (جمل العلم والعمل) للمرتضى نفسه، أملاه على أحد تلامذته بطلب من ذلك التلميذ، وقد طبع الأصل مرارًا، وكتاب (جمل العلم والعمل) مع شدّة اختصاره يحتوي على أهمّ المسائل الكلاميّة والفقهيّة، وهو كتاب مهمّ من حيث إعطاء فكرة سريعة لما وصل إليه علم الكلام وعلم الفقه في عصر المرتضى ومبلغ قدرته، خاصّة في عرض أهمّ مسائلهما مع إشارة إجماليّة إلى بعض الأدلّة الكلاميّة، وهو مع ذلك أشبه شيء بالرسائل العمليّة الموجودة في عصرنا من حيث الاختصار وبساطة التعبير ووضوح العبارة.

ويقسم من حيث موضوعه إلى قسمين:

القسم الأوّل في الكلام، وفيه من المباحث: ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد، ما يجب اعتقاده في أبواب العدل، ما يجب اعتقاده في الإمامة، ما يجب اعتقاده في الآجال والأسعار والأرزاق.

القسم الثاني في الفقه، وفيه من الكتب: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة كتاب الجنائز، كتاب الصوم، كتاب الاعتكاف، كتاب الحج، كتاب الزكاة[15] .

وکما یبدو من مقدّمته، فالظاهر أنّه ألَّف هذا الکتاب بناء علی طلب أستاذه الشیخ المفید، وقد کُتبت شروح مختلفة علی هذا الکتاب، ومن جملتها شرح الشیخ الطوسيّ باسم التمهید؛ ونظرًا إلى أنّ شرحه مقتصر علی قسم العقائد، فقد ذکره النجاشيّ باسم تمهید الأصول، کما شرح أبو الفتح الکراجکيّ باب العقائد والقاضي ابن البرّاج باب الفقه فیه. وقد شرح الشریف المرتضی نفسه باب العقائد. وکما یبدو من مقدّمة شرح الجمل، فقد أملی هذا الشرح بطلب من أحد تلامذته، وقيل إنّه الشيخ الطوسيّ.

تدور مسائل الكتاب المختلفة حول النقطة المحورية وهي الخلاف بين الإماميّة والمعتزلة في مسألة عصمة الأنبياء، وقد بذل المرتضى جهوده لصرف ظواهر الآيات والأحاديث النبويّة التي يستفاد منها نسبة الأخطاء والذنوب الصغيرة للأنبياء، واعتبر أئمة أهل البيت عليهم السلام – وكما يقتضي مذهبه – كالأنبياء من حيث العصمة، وحكم بحسن سيرتهم جميعًا[16].

يعتبر الشريف المرتضى أوّل متكلّم في العالم الإسلاميّ طرح بالتفصيل نظريّة بشأن عصمة الأنبياء في كتابه: «تنزيه الأنبياء»، وقال فيها بجواز ترك الأولى فقط بالنسبة إلى الأنبياء.

ومن خلال مراجعة الكتاب يمكن القول إنّ السيّد المرتضى قد استعان في الغالب بقواعد تفسيريّة ابتكرها هو لتحليل الآيات التي تتعارض مع العصمة، وهذا يعتبر تطوّرًا في المنهج لمعالجة الآيات التي قد تبدو بنظرة أوّليّة مخالفة للعصمة.

ابتدأ السيّد الشريف المرتضى رضوانُ الله عليه كتابه بهذه العبارة: «اختلف الناس في الأنبياء عليهم السّلام، فقالت الشيعة الإماميّة: لا يجوز عليهم شيءٌ من المعاصي والذنوب، كبيرًا كان أو صغيرًا، لا قَبل النبوّة ولا بعدها، ويقولون في الأئمّة مِثلَ ذلك. وجوّز أصحابُ الحديث والحَشويّةُ على الأنبياء الكبائرَ قبل النبوّة، ومنهم مَن جَوّزها في حال النبوّة سوى الكذب فيما يتعلّق بأداء الشريعة، ومنهم مَن جوّزها كذلك في حال النبوّة بشرط الاستسرار دون الإعلان، ومنهم مَن جوّزها على الأحوال كلّها»!!

وبعد استعراض الآراء الضالّة، يأخذ الشريف المرتضى في الردّ عليها في بحثٍ علميّ تحت عنوان: تنزيه الأنبياء عن الصغائر والكبائر، وتنزيه الأنبياء عن الذنوب كافّة. ثمّ يبدأ بتنزيه آدمg، ويمضي مع الأنبياء%، إلى أن يبلغ إلى تنزيه رسول الله المصطفى محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) عن كلّ ذنبٍ ومعصيةٍ ووِزر، مُصَحِّحًا ما تداخَل بعض الأفهام من سُوءِ فِكر أو وسوسةٍ إبليسيّة، أو روايةٍ إسرائيليّة.

ثمّ تحدّث السيّد المرتضى عن تنزيه الأئمّة% إلى الإمام المهديّ المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، مُحلِّلًا ومُستدِلًا، ومُبرهِنًا بالعقل والنقل على نزاهتهم عن كلّ عَيبٍ وسوءٍ وباطل.

إنّ غَيْبة الإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر (عليه السلام)، من أهمّ المحاور التي دارت عليها البحوث الكلاميّة منذ بداية عصرالغَيْبة الكبرى سنة ٣٢٩ هـ وحتى يومنا هذا، فكانت تأخذ أبعادًا مختلفة حسب ما تقتضيه الحاجة والظروف المحيطة خلال الفترات الزمنيّة المختلفة.

تعرّض السيّد المرتضى في «المقْنع في الغيبة» إلى كثير من المفردات الخاصّة بغيبة الإمام المهديّ المنتظر (عليه السلام)، مجيبًا من خلالها على مجمل التساؤلات المثارة في هذا الصدد، بأسلوب رصين، واستدلال متين، أقرّ به من طالعه وتأمّل في فحواه، بل أصبح من المراجع المهمّة التي اعتمدها أعلام الطائفة في بحوثهم ومؤلَّفاتهم.

فالكتاب من خيرة وأنفس ما كُتب في هذا الموضوع بالرغم من صغر حجمه؛ إذ لم يسبقه أحد إلى الكتابة بهذا النسق والأُسلوب، صنّفه على طريقة (فإن قيل... قلنا) فجاء قويّ الحجّة، متين السبك، دحض فيه شبهات المخالفين، وأثبت غَيْبة الإمام المهديّ (عليه السلام) وعللها وأسبابها والحكمة الإلهيّة التي اقتضتها.

ثم أتبع قدس سره الكتابَ بكتاب مكمّل لمطالبه، بحث فيه عن علاقة الإمام الغائب المنتظر (عليه السلام) بأوليائه أثناء الغَيْبة، وكيفيّة تعامل شيعته معه أثناءها، مجيبًا على كلّ التساؤلات خلال تلك البحوث[17].

أمّا سبب تأليف الكتاب، فقد  قال السيّد الأجلّ المرتضى في أوّل كتابه هذا: «جرى في مجلس الوزير السيّد ـ أطال الله في العزّ الدائم بقاءه، وكبت حسّاده وأعداءه ـ كلام في غَيْبة صاحب الزمان... ودعاني ذلك إلى إملاء كلام وجيز فيها..[18]».

ثمّ إنّ الشريف المرتضى قدس سره ألّف كتابه هذا بعد كتابيه (الشافي في الإمامة) و(تنزيه الأنبياء والائمّة)، حيث أحال في أوّله وفي مواضع أُخرى منه إليهما.

محمد بن الحسن بن علي بن الحسن المعروف بشيخ الطائفة والشيخ الطوسيّ (853 -064 هـ).

الكتاب هو شرح قسم الكلام من كتاب جمل العلم والعمل للسيّد المرتضى، ولم يُخرج منه إلّا ما يتعلّق بالأصول (أي أصول العقائد) كما صرح به في الفهرست.

وللكتاب أربعة أجزاء، وكلّ جزء يتضمّن فصولًا. الجزء الأوّل يشتمل  على البحث عن ذاته وصفاته وقسم من أفعاله تعالى، والجزء الثاني يختصّ بما بقي من أفعاله، أمّا الجزء الثالث، فيختصّ بالكلام في الوعد والوعيد، وتندرج تحته مباحث النبوّة، والجزء الرابع يختصّ بمباحث الإمامة.

لم ينقل شيخ الطائفة متن كتاب «جمل العلم والعمل»، بل ولم يلتزم في بعض الموارد بترتيب الكتاب، على سبيل المثال بدأ السيّد المرتضى بحدود الأجسام، بينما بدأ الشيخ الطوسي بمبحث وجوب معرفة الله.

بما أنّ الكتاب هو شرح لكتاب أستاذه، فلم يظهر الشيخ الطوسيّ رأيه المخالف لأستاذه إلّا في موارد قليلة جدًّا[19].

الكتاب هو ملخص لكتاب (الشافي في الإمامة) للسيّد المرتضى علم الهدى، الذي استعرض فيه أقوال العامّة حول الخلافة المعروضة في كتاب (المغني) للقاضي عبد الجبار المعتزليّ. وللشافي تلخيصات متعدّدة لكبار العلماء، ومنها تلخيص شيخ الطائفة الطوسيّ، ويعتبر تلخيص الشافي من أقدم الكتب الكلاميّة عند الشيعة الإماميّة وأهمّها.

أمّا سبب التأليف، فقد ورد في مقدّمة الكتاب أنّ السيّد المرتضى «قد سلك في هذا الكتاب مسلك المناقضين لكتب خصومهم، ومناقشتهم على جميع ما يوردونه، ولم يقصد فيه قصد المصنّفين الذين يرتبون الأدلّة على حدتها، ويستوفون أسئلة خصومهم عليها، والجواب عنها... و اذا كان الأمر على ما وصفناه لم يقف على هذا الكتاب إلّا من برز في العلم، و لا يستمتع به إلّا من حاز طرفًا منه. و المبتدئ لا ينتفع به انتفاع ما يوجبه مثل هذا الكتاب»[20].

والطريقة التي اعتمدها الشيخ الطوسيّ هي:

_ إسقاط المكرّر من كتاب الشافي.

_ وردّ كلّ شي‏ء منه إلى نظيره، و الجمع بين متفرّقه، وترتيبه ترتيب المصنّفين.

والمؤلّف نظّم كتابه في 24 فصلًا في أربعة عناوين رئيسة، وهي: الإمامة العامّة، في 6 فصول منها:

اختلاف الناس في وجوب الإمامة، عصمة الإمام، علمه، وفضله، وغير ذلك من عناوين.

وتحدّث بشكل مفصّل عن إمامة أمير المؤمنين، وبيّن المطاعن على الصحابة.

وتحدّث عن أحكام محاربي أميرالمؤمنين.

وإمامة سائر الأئمة ورد على الشبهات الواردة في هذا الموضوع.

من خصائص الكتاب:

_ عصمة السيّدة الزهراء: إنّ القول بعصمتها من معتقدات الإماميّة، ولكنّهم قليلًا ما كانوا يتعرّضون لهذا الأمر في كتبهم، والشيخ تعرض لهذا الموضوع بالتفصيل.

_ عدم اعتبار حجّيّة خبر الواحد.

_ بيان علّة غيبة الإمام المهديّ.

_ الكتاب تكميل لكتاب الشافي وليس تلخيصًا له فقط. قال:» عمدت إلى أنّ أقدّم في أوّل الكتاب ما لا يُستغنى عن معرفته من كيفيّة الناس في الإمامة، ثمّ أرتّبه حسب ما ذكرته، وربما احتجت في بعض المواضع إلى زيادات على ما في الكتاب»[21]

« كتاب الغيبة » من أصفى المنابع وأهمّها وأوفرها بحثًا في الغيبة وعلّتها وأسبابها والحكمة الإلهيّة التي اقتضتها، والكتاب يستقصي جميع جوانب الغيبة ويردّ على إشكالات المعارضين والمخالفين لها، استدلالًا من الكتاب والسّنة والعقل، بالإضافة إلى أنّ الكتاب يحتوي على كثير من سيرة وفضائل وعلائم ظهور إمام العصر وصاحب الزمان خاتم الأوصياء الإمام المهدي عليه أفضل الصلاة والسلام.

لقد حدَّد الشيخ الطوسي موضوع كتابه بنفسه، حيث قال: «والغرض بهذا الكتاب ما يختصُّ بالغيبة دون غيرها»[22].

وعلى هذا الأساس فقد تمَّت الإشارة أوَّلًا إلى إمكان البحث في مفهوم غيبة صاحب العصر (عليه السلام) من ناحيتين: الناحية الأُولى: أن نبدأ الكلام من وجوب وضرورة أن يكون ثمّة رئيس وإمام ثابت العصمة.

والناحية الثانية: أن نواصل البحث باعتبار غيبة الإمام المهديّ (عليه السلام) من متفرِّعات ثبوت إمامته.

من هنا، فقد عمد الشيخ الطوسيّ - قبل كلِّ شيء - إلى سلوك الطريق الأوَّل، حيث أقام الدليل على وجوب أن يكون هناك إمام، وأن يكون هذا الإمام معصومًا، ثمّ انتقل بعد ذلك - بالالتفات إلى الطريق الثاني القائم على بيان الدليل على إمامة الإمام المهديّ (عليه السلام) - إلى بيان فساد عقيدة فِرَقٍ من قبيل: الكيسانيّة، والناووسيّة، والواقفيّة، والفطحيّة، والمحمّديّة، حيث حازت الفرقة الواقفيّة على النصيب الأوفر من حظِّها في البحث والنقاش.

وتبعًا لذلك تمَّت الإشارة إلى مسائل من قبيل: الحكمة من الغيبة، وكيفيّة إقامة الحدود في عصر غيبة الإمام المهديّ (عليه السلام)، وكيفيّة إصابة الحقِّ (طريق الوصول إلى الحقِّ) في هذه الفترة، وكيفيّة ولادة الإمام المهديّ (عليه السلام)، وأسباب غيبته، وطول عمره الشريف. وفي البحث الأخير تمَّت الإشارة إلى بعض مشاهير المعمّرين، لدفع الغرابة عن طول عمر الإمام الحجَّة المنتظر(عليه السلام) [23].

كتاب الاقتصاد: قال عنه صاحب الذريعة: «الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، فيما يجب على العباد من أصول العقايد والعبادات الشرعيّة على وجه الاختصار، أوّله «الحمد لله على سوابغ نعمه وتتابع مننه...»، فبدأ بما يجب على العباد معرفته بإقامة البراهين الواضحة بلا طول مملّ أو إيجاز مخلّ، وأتْبعه بما يجب العمل به من العبادات الشرعيّة على وجه الاختصار، وبعد تمام مسائل الأصول والعقايد، فشرع في أفعال الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والجهاد[24].

والكتاب من عيون مؤلّفات شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ وهو مع صغر حجمه يستعرض أمّهات المسائل الكلاميّة في التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد، كما يتعرّض لأهمّ الفروع الفقهيّة، بانيًا القسم الأوّل منه على الأدلّة العقليّة الفلسفيّة، وربما يُستشهد في بعضها بالأدلة النقليّة من الكتاب الكريم والسنّة الطاهرة.

وتضمّن القسم الأوّل الأصول الاعتقادية ومنها:

بيان ما يؤدّي النظر فيه إلى معرفة الله تعالى، إثبات صانع العالم وبيان صفاته، كيفيّة استحقاقه لهذه الصفات، فيما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز، في أنّه تعالى واحد لا ثاني له في القدم.

الكلام: في العدل، في الاستطاعة، في التكليف، بيان اللطف وحقيقته، الكلام في الآلام، العوض، الآجال والأرزاق والأسعار، الوعد والوعيد وما يتّصل بهما، أحكام المكلّفين في القبر والموقف والحساب، في الإيمان والأحكام.

الكلام في النبوّة، الكلام في الإمامة، في وجوب الإمامة، في صفات الإمام، ذكر أعيان الأئمة، دليل من القرآن على إمامة عليّ (عليه السلام)، طريقة أخرى في إثبات الإمامة، دليل آخر على إمامته (عليه السلام)، أحكام البغاة على أمير المؤمنين (عليه السلام)، تثبيت إمامة الاثني عشر عليهم السلام.

محمّد بن علي بن عثمان، القاضي أبو الفتح الكراجكيّ، الطرابلسيّ، (...- 924 ه)

عتقد الشيعة الإماميّة بصدور النصّ الصريح والقطعيّ على خلافة الإمام عليّ (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وامتداد ذلك إلى أولاده من الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يأت من خواء، ولم يصدر عن فراغ قطعًا، وكما هو معلوم، بل يعضده الدليلان: العقليّ والنقليّ، والمترجمان كثيرًا في كتب الأصحاب منذ دهور طويلة وبعيدة الغور.

وكتاب دليل النصّ بخبر الغدير على إمامة أمير المؤمنين هو نموذج واحد من تلك النتاجات الغنيّة التي ترجمها أولئك المفكّرون في هذا المنحى المهمّ، والكتاب اعتمد تحليل خبر الغدير كدليل على إمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

وقد شهد حادثةَ الغدير، كما هو معروف تاريخيًّا، عشرات الألوف من المسلمين، كما تشهد بذلك الروايات الصحيحة في بطون الكتب، بل وأخرى تنقل تهنئة الصحابة لعليّ (عليه السلام) بأسانيد صحاح لا تُعارَض.

ولعلّ من المفارقات التي تستوقف ذا العقل الفطن وقائع مشهورة نقلها العامّ والخاصّ تعرّضت للمسخ والتحريف في العديد من المصادر التاريخيّة والحديثيّة تختصّ بحديث الغدير وقضيّة الولاية، عدا ما ذهبوا إليه من تفسيرهم لآية الولاية والتبليغ وغيرها كما يشتهون[25].

كتاب «كنز الفوائد» الذي يعتبر- بحقّ- من الآثار القيّمة الحيّة، التي تركها لنا العلّامة الكراجكيّ، قد ضمّ بين دفتيه مجموعة كبيرة من أبحاث علميّة، متعدّدة الألوان، مختلفة المواضيع، ومجموعة من مواضيع شتّى علميّة وفلسفيّة وغيرها، ولا يكتفي بعرضها عرضًا عابرًا، بل يحرص على تقريرها و نقدها، وعلى بيان ما فيها من صحّة و فساد.

والكتاب له مكانة مهمّة لدى العلماء و الباحثين، وأوْلوه اهتمامهم وعنايتهم، فكان من المصادر التي اعتمدوها وأخذوا عنها.

مميّزات الكتاب:

يمتاز في تناوله أمّهات مسائل إسلاميّة وفلسفيّة بالبحث والدراسة العميقة، ويسهب في عرضها ومناقشتها، وتفنيد ما حولها من آراء أخرى، ويدلي بالأدلّة والبراهين العقليّة والعلميّة على صحّة ما يذهب إليه.

يمتاز بأسلوبه الواضح الخالي من التعقيد، حتى في أدقّ المسائل الفكريّة التي عرضها في كتابه وناقشها، كمسألة حدوث العالم، ومسألة الحال التي يقول بها المعتزلة،  مسألة الكسب الأشعريّة، وغير ذلك.

يمتاز أيضًا بأنّه قد ضمّ بين دفتيه موضوعات فلسفيّة و كلاميّة و أدبيّة وفقهيّة، وتاريخيّة وتفسيريّة، وغير ذلك من حِكم ومواعظ وتعاليم.

يمتاز عن غيره من المؤلّفات التي سبقته والتي تعرف بالأمالي، أو التي تعرف (بالكشكول) في العصور المتأخّرة عن الكراجكيّ، لكنّها لم ترتفع إلى مستوى هذا الكتاب (كنز الفوائد)؛ لأنّ غالبها ذو لون واحد، وذو اتجاهات معيّنة، فبعضها كان الغالب عليه التاريخ، وبعضها كان فقهيًّا، وبعضها كان أدبيًّا، وبعضها الآخر جمع بين هذا  وذاك، إلّا أنّه كان الغالب فيها السرد والعرض دون مناقشة علميّة أو بحث موضوعيّ.

وميزة أسلوب الكراجكيّ في هذا الكتاب أنّه اعتمد أسلوبًا تعليميًّا، ومن هنا تجده يسهب أحيانًا كثيرة في بيان ما يريد، وفي مقام النقد و المناقشة.

وقد ضمن المؤلّف كتابه (كنز الفوائد) بعض رسائله، فأدرجها فيه، من ذلك:

1. مختصر من الكلام في أنّ للحوادث أوّلًا.

2. القول المبين عن وجوب المسح على الرجلين، و هي رسالة كتبها إلى أحد الإخوان.

3. البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان، و هي رسالة كتبها إلى أحد الإخوان.

4. كتاب الإعلام بحقيقة إسلام أمير المؤمنينg، كتبه لبعض الإخوان.

5. المقدّمات في صناعة الكلام.

6. رسالة في وجوب الإمامة، كتبها لبعض الإخوان.

7. مختصر التذكرة بأصول الفقه، استخرجها لبعض الإخوان من كتاب أستاذه الشيخ المفيد.

8. البرهان على صحّة طول عمر صاحب الزمان.

9. الردّ على الغلاة.

10. رسالة في جوابه عن سؤال وَرَدَ إليه عن الحجّ.

موضوع الكتاب:

احتجاج مختصر على العامة في مسألة الإمامة ومناقضاتهم العجيبة فيها استنادًا إلى الكتاب والسنّة والأدلّة العقليّة والتاريخيّة.

ألّفه مؤلِّفه استجابة لطلب من رأى الفصل الأخير من كتاب: «أطراف الدلائل وأوائل المسائل» للشيخ المفيد (رضي الله عنه)، وهو في أغلاط العامّة، فأعجبه ذلك، وطلب من الكراجكيّ التوسّع في الموضوع، فأجابه جاعلًا كتابه هذا على فصول، منها:

أغلاطهم في ذكر الوصيّة.

أغلاطهم في النصّ.

أغلاطهم في الاختيار.

أغلاطهم في الإمام وأوصافه.

أغلاط البكريّة.

وفي ذكر فدك.

إضافة إلى تضمّنه موضوعات أخرى كلّها من مناقضات أقوال العامّة ومنافرات أفعالهم في عاشوراء وتبجيل ذرية من شارك في قتل الإمام الحسين بن عليّg [26].

أبو الصلاح التقيّ الحلبيّ ( 473 - 744 ه‍ )

لهذا الكتاب عدّة ميزات وخواصّ جعلته موردًا لعناية الباحثين والمحقّقين:

منها: اعتماده على بعض المصادر التي فُقدت في زماننا هذا وقبل زماننا بقرون، منها: تاريخ الثقفيّ، وتاريخ الواقديّ، وكتاب الدار للواقديّ، وكتاب الفاضح للطبريّ، ونقل من هذه المصادر نصوصًا لا يمكن العثور عليها في زماننا هذا إلّا بالرجوع إلى هذا الكتاب.

ومنها: تطرّقه إلى بعض المطالب التي لم يسبق بها إليه سابق، كما صرّح هو قدس سره في كتابه هذا.

ومنها: توسّعه في البحث عن مسألة التكليف من مسائل العدل.

ومنها: بحثه مسألة الإمامة بصورة كاملة.

ومنها: إبطاله لما استُدلّ به من القرآن والسنّة على إمامة القوم.

ومنها: استدلاله بالروايات من طريق العامّة والخاصّة، وجعل الروايات المرويّة من طريق الخاصّة حجّة على الخصم، وذلك بعد أن أثبت كثرة ناقليها بحيث تصل إلى حدّ التواتر الذي يجب قبوله على الجميع، وأكثر ما اعتمد على هذه الطريقة في بحث معجزات الأئمة عليهم السلام... وذكر عدم الضرر بكون رواتها من الخاصّة بعد أن ثبت تواترها.

ومنها: تعرّضه إلى ما نسبه الطبريّ إلى السجستانيّ من إنكاره لحديث الغدير، وأنّه موقوف على حكاية الطبريّ، مع ما بينهما من الملاحاة والشنآن، وأنّ السجستانيّ أكذبَ الطبريّ في حكايته عنه إنكار خبر الغدير، وصرّح بأنّه لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر أن يكون المسجد بغدير خمّ متقدّمًا، وصنّف السجستانيّ هذا كتابًا معروفًا يعتذر فيه مما نسبه إليه الطبريّ وتبرّأ منه.

ومنها: إشباعه البحث عن إمامة الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه ومن عدّة جوانب، وتطرّقه في هذا البحث إلى مسائل قلّما بحث في غيره، حيث ذهب إلى جواز ظهور الحجّة لكثير من أوليائه العارفين به المتديّنين بطاعته في زمن الغيبة[27] .

أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسيّ (...- 035 ه وما بعدها)

الاحتجاج على أهل اللجاج هو كتاب كلاميّ عربيّ من تأليف أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ، من علماء المذهب الشيعيّ الاثنا عشريّ في القرن السادس الهجريّ. أُلِّف الكتاب في مجلدين، يحتوي على مناظرات النبيّ والأئمّة الاثنى عشر وبعض العلماء مع مخالفيهم وعلماء الأديان غير الإسلاميّة في شتّى المجالات، أورد الطبرسيّ أكثر هذه المناظرات دون ذكر أسانيدها. وللكتاب قيمة علميّة عند الشيعة، وقد نسب كثيرٌ من العلماء كتاب الاحتجاج إلى الشيخ أبي عليّ الطبرسيّ صاحب تفسير مجمع البيان، بسبب التشابه في العائلة.

خصّ المؤلِّف الفصل الأوّل لذكر الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة الدالّة على أمر الإسلام على محاججة المخالفين للحق ومناظرتهم، وفضل الذابّين عن الإسلام بذلك، ثم بدأ يسرد مناظرات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الاثنا عشر وبعض الصحابة والعلماء.

يختم الكتاب بذكر توقيعات كثيرة للإمام الثاني عشر محمّد المهديّ إلى بعض علماء الشيعة.

أمّا البواعث التي دعت المؤلِّف لتأليف هذا الكتاب، فقد حدّثنا العلّامة الطبرسيّ نفسه عنها، فقال:

« ثمّ إنّ الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب عدولُ جماعة من الأصحاب عن طريق الحجاج جدًّا، وعن سبيل الجدال، وإن كان حقًّا، وقولهم: «إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة % لم يجادلوا قطّ، ولا استعملوه، ولا للشيعة فيه إجازة، بل نهوهم عنه، وعابوه»، فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جُمَل من محاوراتهم في الفروع والأصول مع أهل الخلاف وذوي الفضول، وقد جادلوا فيها بالحقّ من الكلام، وبلغوا غاية كلّ مرام، وأنّهم عليهم السلام إنّما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من أهل القصور عن بيان الدين، دون المبرّزين في الاحتجاج الغالبين لأهل اللجاج، فإنّهم كانوا مأمورين من قِبَلهم بمقاومة الخصوم، ومداولة الكلوم، فعلَت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم»[28].

أمّا قيمة الكتاب، فيقول عنه الطبرسيّ نفسه: «ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده؛ إمّا لوجود الإجماع عليه، أو موافقته لما دلّت العقول إليه، أو لاشتهاره في السيَر والكتب بين المخالف والمؤالف، إلّا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) قال ليس في الاشتهار على حد ما سواه، وإن كان مشتملا على مثل الذي قدمناه، فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أوّل جزء من ذلك دون غيره لأن جميع ما رويت عنه (عليه السلام) إنما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها (عليه السلام) في تفسيره »[29].

محمد بن الحسن بن علي بن أحمد أبو علي النيسابوريّ، يعرف بالفتّال، وبابن الفارسيّ

 (...- 315 ه)

روضة الواعظين، هو من كتب الأخلاق والآداب، وفيه قسم مهمّ في مجال العقائد ذكر مؤلّفه في مقدّمته السبب الداعي لتأليفه فقال:

«فإنّي كنت في عنفوان شبابي قد اتفقت لي مجالس وعرضت محافل، والناس يسألونني عن أصول الديانات والفروع عنها في المقامات، فأجبتهم عنها بجواب يكفيهم ومقال يشفيهم، فحاولوا منّي بالكلام في التذكير والزهد والمواعظ والزواجر والحكم والآداب، فرجعت إلى كتب أصحابنا، فما وجدت لهم كتابًا يشتمل على هذه المطلوبات، ويدور على جمل هذه المذكورات إلّا مبترات في كتبهم وتفريقات في زبرهم، فهممت أن أجمع كتابًا يشتمل على بعض كلام الله تعالى، ويدور على محاسن أخبار النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويحتوي على جواهر كلام الأئمّة% وأبوّبه أبوابًا ومجالس، وأضع كلّ جنس موضعه، فإنّه لم يسبقني إليه أحد من أصحابنا إلى تأليف مثل هذا الكتاب، فكان التعب به أكثر والنَّصَب أعمّ وأكثر، وأنا إن شاء الله أفتتح لكلّ مجلس منها بكلام الله تعالى، ثمّ بآثار النبيّ والأئمّة% محذوفة الأسانيد، فإنّ الأسانيد لا طائل فيها إذا كان الخبر شائعًا ذائعًا ووقعت تسميته بـ (روضة الواعظين وبصيرة المتّعظين)»[30].

ثمّ حذّر المؤلّف القرّاء من التسرّع في الحكم استنادًا على ورود بعض الأخبار التي يقتضي ظاهرها مذهب الحشو والاختلاط، ودعا إلى التأمّل والتفكّر والرجوع إلى من يعرف تأويلها[31].

وقد توهّم بعضهم، فنسب الكتاب إلى الشيخ المفيد6، وردّه كثير من المحقّقين، ونبّهوا على غلط النسبة، وقبل ذلك كلّه قول تلميذه الشيخ الحافظ محمّد بن عليّ ابن شهرآشوب راوي هذا الكتاب وسابقه عن مؤلّفه، كما صرّح بذلك في مقدّمة المناقب.

يبع الكتاب في جزءين، خصّ المؤلّف الجزء الأوّل، وهو يشتمل على ثلاثين مجلس يتخلّلها بعض الأبواب والفصول - بذكر ماهيّة العقول والعلوم والنظر، ووجوب معرفة الله تعالى وفساد التقليد في ذلك، والكلام في صفات الباري، وخلق الأفعال، والقضاء والقدر، والعدل، والتوحيد، والنبوّة والبعثة ومعجزات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وتاريخه، ثمّ الإمامة وما يتعلّق بها وتاريخ الأئمة% من أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحسن العسكريّ (عليه السلام)  مع تاريخ الزهراءh.

أمّا الجزء الثاني، فيزيد على سبعين مجلسًا، أتمّ في أولّه الكلام في تاريخ الحجّة عجل الله فرجه وإمامته، ثم ذكر في باقي مجالسه مناقب آل محمّد وفضائل بعض الأعلام، ثمّ استعرض ذكر بعض الأحكام والأزمان والأماكن، وحتى القبور والقيامة والصراط والميزان والجنّة والنار وغيرها[32] .

ظهير الدين أبي الفضل محمّد بن سعيد بن هبة الله بن الحسن الراونديّ أبو الفضل الراونديّ (...- حيًا 085 ه)

يبحث الكتاب عن أصول الدين، والعلم المتكفّل لمثل هذا البحث هو علم الكلام.

أمّا أسلوب الكتاب ومميّزاته:

فنجد أنّه على مستوى العبارة: ليس فيها أيّ تعقيد، أو غرابة، أو صعوبة، بل على العكس من كلّ ذلك، يحاول التوضيح والتيسير، والتقريب.

ويعتمد على الحجّة والاستدلال على كلّ حكم في كلّ قضيّة.

أمّا على مستوى الترتيب: فهو حلقات مترابطة في قلادة واحدة، فهو يمهّد في نهاية كلّ فصل للفصل التالي، بحيث يظهر للقارئ منطقيّة ترتيب الفصول.

ففي الفصل الأوّل: أثبت وجود الصانع، وأثبت له الصفات الإلهيّة، الثبوتيّة الجلاليّة، والسلبيّة الإكراميّة. ومهّد في آخر الفصل للحاجة إلى « النبوّة « باعتبارها طريقًا إلى «الكمال» المنشود.

وفي الفصل الثاني: دخل في بحث «النبوّة» وخصائصها، ولوازمها، ومهّد في نهايته «للإمامة « باعتبارها استمرارًا لأداء مهمّة هداية الأمّة.

وفي الفصل الثالث: دخل في بحث «الإمامة» وتحديد شرائطها، وتعيين المتأهّلين لها، وهم «الأئمة الاثنا عشر» حتى الإمام الثاني عشر، الذي أثبت صحّة «غيبته» وأسرارها.

وفي نهاية الفصل مهّد للبحث عن «المعاد» وشؤونه على أساس أنّ الداعي إلى وجود الإمام، وهو حفظ النظام، لا يتمّ إلّا بثبوت الجزاء، من ثواب للطاعة، وعقاب للعصيان، إلى آخر ما تستتبعه من أمور.

وفي الفصل الرابع: يدخل في البحث عن «العدل والوعد والوعيد» وما يترتّب على ذلك من شؤون «المعاد»، مستندًا إلى أنّ «الكمال» البشريّ المنشود، لا يُتوصّل إليه إلّا بوجود ذلك؛ إذ لولاه لما استقرّ للتكليف والنظام أثر منظور، ولم يفرّق بين الحقّ والباطل، ولا بين المعصية والطاعة، فلم يُتوصّل إلى «الكمال» المنشود[33].

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسن النيسابوريّ (...- 025 ه تقديرًا)

موضوع الكتاب كما يلوح من اسمه هو في بيان وتعريف اصطلاحات علم الكلام، والكتاب مفتاح لفهم المسائل الكلاميّة.

الكتاب مشتمل على تسعة فصول، وكلّ فصل يحتوي على عدّة مسائل، وهي على الشكل الآتي:

الأول: في أحكام الجوهر.

الثاني: في أقسام الأعراض وأحوالها.

الثالث: في حدود الأشياء المخاطيّة، ويحتوي على مسألة في اللذّة والألم.

الرابع: في حدود ما يدخل في الألم واللذّة.

الخامس: في بيان أوصاف الجمل والمعاني التي تشمل الأوصاف.

السادس: في التعاريف التي تدخل في الأفعال.

السابع: في الاستحقاق.

الثامن: في بيان ما يدخل في العلوم والاعتقادات.

التاسع: في بيان ما يلزم مراعاته في الحدود.

أبو عبد اللّه محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السرويّ المازندرانيّ ( 984ه- 885ه)

الكتاب  في تفسير كتاب اللّه المجيد، يتألّف من جزءين، بذل فيه ابن شهر آشوب جهدًا كبيرًا على وفق المنهج الموضوعيّ للقرآن الكريم، وذلك بجمع الآيات المتشابهة في موضوع معيّن، ثمّ استخلص رؤية القرآن حيال هذا الموضوع منها، ولم يقتصر على ذلك فقط، بل تناول فيه ما اختلف العلماء والفقهاء في تفسيرها، وهو كتاب نفيس ينبئ عن طول باع صاحبه.

قسّم المؤلّف كتابه إلى عشرة أبواب، وتلك الأبواب مقسّمة إلى فصول، وجمع في كلّ فصل الآيات المتشابهات التي اجتمعت بالدلالة، أو القرينة، أو الوجه أو سبب التشابه، أو نوعه. وتلك الأبواب نظّمها على وفق هذا النسق.

باب ما يتعلّق بأبواب التوحيد: اشتمل على 56 فصلًا، يتضمّن الآيات الدالّة على صفات الذات، وصفات الكمال، وكل ما دلَّ على الرؤية والتصوير والتجسيم، كاليد، والوجه، والعين، والاستواء على الكرسيّ وغيرها، مؤوِّلًا كلّ ما ينافي عقيدة التوحيد في الذات والصفات، كما تناول الآيات المتشابهات المتعلّقة بخلق السموات والأرض، وخلق الإنسان والشمس والقمر، وما يتعلّق بالملائكة وإبليس والجنّ والسحر وغيرها.

باب ما يدخل في أبواب العدل: وتضمّن 38 فصلًا، اشتملت بعض فصوله على العدل الإلهيّ، وفصول على الآيات الدالّة على الهداية والإضلال والفتنة، وأخرى على الغواية، والإرادة، والمشيئة، وخلق أفعال العباد، والظلم والمكر والخديعة والفتنة والاستهزاء وغيرها.

باب مما جاء في النبوّات: وتضمّن 37 فصلًا، منها: عشرة فصول تتعلّق بنبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، والأخرى تضمّنت الآيات المتشابهات المتعلّقة بالنبوّة والعصمة والوحي، وقصص الأنبياء %.

باب ما يتعلّق بالإمامة: وقد اشتمل على 24 فصلًا، قسم منها خصّص لفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) والنصّ على إمامته وإمامة الأئمّة الأطهار %، وقسم اشتمل على خصائص الإمامة.

باب المفردات: اشتمل على 21 فصلًا، ذكر فيه الآيات المتشابهات في باب المعاد، وما يتعلّق به من التوبة، والأجل، والرجعة والصراط والشفاعة، ووصف الجنّة والنار، وغيرها من الأبواب الأخرى.

محمود بن عليّ بن الحسن سديد الدين أبو الثناء الرازيّ، المعروف بالحِمصيّ

 (حدود 584-حدود 585ه)

(المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد) عبّر عنه السيد بن طاووس في الباب الخامس من «فرج المهموم» ب‍ «المرشد إلى التوحيد»، قال: يسمّى كتاب «المرشد إلى التوحد»، «المنقذ من التقليد»، وذكر أنّه كبير في مجلدين، وأنّ عنده نسخة عليها خطّ جدّه، ورام على المجلد الثاني كما مرّ بعنوان «المرشد»، وهو المعروف ب‍ «التعليق العراقيّ» في علم الكلام، وأوّل مباحثه: [ القول في حدوث الجسم ][34].

يقول المؤلِّف في مقدّمة الكتاب: «وابتدأت بإملاء هذا التعليق، والعزم فيه الإيجاز والاختصار، غير أنّي لمّا وصلت إلى أمهات المسائل ومهمّاتها، ما وافقني الخاطر والطبع في أكثرها على موافقة ما كان في العزم من الإيجاز، فبسطت القول فيها بعض البسط، فوقع لذلك التفاوت بين مسائل هذا التعليق في المقدار من التطويل والاختصار»[35].

ومن خلال العناوين التي وردت في كتاب «المنقذ من التقليد» يتبيّن أنّه احتوى على أهمّ العناوين والمسائل في العقائد، ومن هذه العناوين نذكر الأمور الآتية: حدوث الجسم، وإثبات محدِث الجسم تبارك وتعالى، وصفات المحدِث، بحث تفصيليّ حول الصفات الإلهيّة، من  كونه تعالى عالمًا، حيًّا، مدركًا للمدركات سميعًا بصيرًا، مريدًا، وغير ذلك من الصفات الإلهيّة، البحث حول صفة العدل الإلهيّة، في أنّه تعالى لا يريد شيئًا من القبائح والفواحش، القول في الهدى والضلال، القول في القضاء والقدر. وهناك أبحاث متعدّدة منها: في التكليف في ما لا يطاق، في وصف القرآن وكلامه تعالى، في حسن ابتداء الخلق ووجهه، في التكليف وحسنه ووجه حسنه، في اللطف والمصلحة والمفسدة، الأعواض، في الآجال، في الأرزاق، في النبوّات، في دفع ما طعن به المخالفون في القرآن، وغير ذلك من العناوين المهمّة في مجال العقائد.

يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق بن نصر الأسديّ ابن البِطْريق الحلّيّ ( 325ه- 006ه)

قام المؤلِّف في هذا الكتاب بجمع وتدوين مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الواردة في الصحاح والسنن والمسانيد لأهل السنّة على نسق خاصّ وترتيب مبتكر.

وقد كان هذا الكتاب خير بداية لهذا النوع من التأليف والتصنيف، أعني «جمع المناقب من الصحاح والمسانيد أو السنن المعتبرة عند أهل السنّة»، وتوالت التأليفات والمصنّفات على هذا النمط من بعده.

يشتمل الكتاب على تسعمئة وثلاثة عشر حديثًا في ستة وثلاثين فصلًا.

وقد ذكر عدد أحاديث كلّ فصل في مقدّمته.

كما ذكر المؤلف أسانيده وطرقه إلى مؤلِّفيها ورواتها في صدر الكتاب، وهو يعرب عن مكانته في الحديث وتضلّعه فيه وكثرة مشايخه وأساتذته، وبلوغه الذروة في الإحاطة بالمناقب والفضائل.

« خصائص الوحي المبين في مناقب أمير المؤمنين»، وهو من أهمّ وأشهر كتب الحافظ «ابن البطريق» بعد كتابه «عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار».

وقد ألّفه بعد كتابي العمدة والمستدرك.

والكتاب يشتمل على أكثر من مئتي حديث في خمسة وعشرين فصلًا.

وقد صدّر المؤلّف كلّ فصل بآية قرآنيّة، ثم ذكر الأحاديث المرتبطة بالآية من طرق العامّة، وقد ذكر في بداية الكتاب طرق أسانيده إلى الكتب كالبخاريّ، ومسلم، وتفسير الثعلبيّ، وغيرها من الكتب.

أحمد بن موسى بن جعفر بن طاووس العلويّ الحسنيّ (...-ت 376ه)

ذكر جماعة، ومنهم تلميذ المصنّف الحسن بن داود، الكتاب باسم بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرسالة العثمانيّة.

قال السيد اين طاووس في مقدّمة كتابه: «وبعد: فإنّ أبا عثمان الجاحظ صنّف كتابه المسمّى (بالرسالة العثمانيةّ) ابتداء غير حامد لإله البريّة، ولا معترف له بالربّانيّة، ولا شاهد لنبيه بالرسالة الجليّة، ولا لأهله وأصحابه بالمرتبة العليّة، شاردًا في بيداء هواه، سامدًا في ظلماء عماه.

زعم مخاصمًا شرف أمير المؤمنين - صلوات الله عليه – بكلمات سردها، ولفظات زعم أنّه شيّدها، رادًا على نفسه في تقريرات مناقب مولانا أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - سدّدها ومجّدها، هازلًا في مقام جادّ، جاهلًا في نظام استعداد، مادًّا في الأوّل باعه القصير إلى أعناق الكواكب، وذراعه الكسير إلى النجوم الثواقب»[36].

انتهج السيد ابن طاووس في الكتاب الأسلوب الآتي:

يذكر أوّلًا آراء الجاحظ وأدلّته، ثمّ ينقد ويردّ هذه الآراء والأدلّة التاريخيّة والعقديّة وغير ذلك.

ومن خلال تتبّع مضامين الكتاب يتبيّن أنّه على درجة عالية من الدقّة والمنهجيّة، وبعتبر دورة عقديّة في مجال ردّ الشبهات الواردة على الإمامة وعلى شخص وإمامة أمير المؤمنينg.

فقد ناقش وردّ على موضوعات كثيرة منها: سِنّ الإمام عليّ حين إسلامه، قضيّة الشورى، تفضيل أبي بكر على الإمام عليّ، حادثة الغار، وردّ على الطعون التي أوردها الجاحظ، إلى غيرها من العناوين المهمّة من الناحية العقديّة والتاريخيّة والتي انتقدها وأبطلها وبين ضعفها السيد ابن طاووس، بل في بعض الأحيان بين كذبها كما يظهر من خلال قراءة الكتاب.

انتهج ابن طاووس في هذا الكتاب منهجًا جديدًا لبيان أحقّيّة المذهب الإماميّ، فافترض أنّ ثمّة شخصًا من أهل الذمّة يريد الدخول إلى الإسلام، وبدأ بتفحّص الأدلّة الموجودة عند المذاهب الأربعة، ومن الأمور التي ردّها ونقلت في هذه الكتب اتهام الشيعة بالغلوّ والكفر.

ومن المفيد نقل جزء من مقدّمة كتابه، حيث تبيّن لنا هذا المنهج المبتكر،  قال في مقدّمة الكتاب: «وبعد: فإنّي رجل من أهل الذمّة، مذ نشأت سمعت اختلاف أهل الملل في كلّ زمان، فسافرت بنفسي وخاطري وناظري في العقائد والأديان، لأحصّل لنفسي السلامة وأفوز برضى الله ودار المقامة، وأسلم من الندامة وخطر يوم القيامة.

وإنّني عرفت ما بلغ إليه محمّد صلى الله عليه وآله ومن اتّبعه على ملّته، فأحببت أن أقدّم النظر فيما جاء به وفي حال أتباعه وشريعته، فوجدت أكثر أهل الإسلام المالكيّة والحنفيّة والشافعيّة والحنبليّة، وهم الأربعة المذاهب؛ مذهب مالك ومذهب الشافعيّ ومذهب أبي حنيفة ومذهب أحمد بن حنبل.

فسألت: هل كان هؤلاء الأربعة من أصحاب نبيّهم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل زمانه؟ فقيل: لا. فقلت: هل كانوا جميعًا من التابعين الذين لقوا أصحابه، فسمعوا منهم ورووا عنهم؟ فقيل لا، بل هؤلاء الأربعة تكلّموا فيما بعد وتعلّموا العلم وقلّدهم أكثر المسلمين.

فقلت: هذا عجيب من هذه الأمّة، كيف تركوا أن يسمّوا أنفسهم محمّديّة وينسبوا إلى اسم نبيّهم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان ذلك أشرف لهم وأقرب إلى تعظيم نبوّته وإظهار حرمته، وليتهم جعلوا مذاهبهم باسم أحد من أهل بيته وعترته، أو باسم أحد من صحابته، أو باسم أحد شاهد آثارهم وأعلامهم، فكيف عدلوا عن ذلك كله وسموا أنفسهم بأتباع هؤلاء الأربعة الأنفس؟!

ثمّ سألت: هل كان هؤلاء الأربعة المذاهب في زمان واحد وعلى دين واحد؟

فقيل: لا، بل كانوا في أزمان متفرّقة وعلى عقائد مختلفة وبعضهم يكفّر بعضًا.

إلى أن قال: ثم قلت لبعض المسلمين: فهل ههنا مذهب خامس أو أكثر؟ فقيل: بل ههنا مذاهب كثيرة فقلت: من أكثرها عددًا بعد هذه الأربعة المذاهب وأظهرها احتجاجًا في الأصول والشريعة؟ فقيل: قوم يُعرفون بالشيعة، منتسبون إلى نبيهم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته خاصّه، إلّا أنّ هؤلاء الأربعة المذاهب متّفقون أو أكثرهم على بغض أهل هذا المذهب المذكور وعلى عداوتهم في أكثر الأمور[37].

والنتيجة التي توصّل إليها السيّد ابن طاووس، وذلك بعد بحث حثيث ودقيق أنّ الإماميّة في معتقداتهم وفروعهم يوافقون العقل والكتاب والسنّة النبويّة الصحيحة، بخلاف باقي الفرق، فإنّها تنافي العقل والكتاب والسنّة، واختلافها الفاضح والواضح دليل على بطلانها وصحّة مذهب الإماميّة.

لهذا الكتاب القيّم مميّزات كثيرة نذكر منها:

1. جمع من القرآن والروايات كلّ ما يدلّ على موضوع البحث، ولو كان الدلالة رمزيّة أو إيمائيّة.

2. كرّس جهده في جمع النصوص الصادرة عنهم عليهم السلام المحتوية على تسمية الإمام (عليه السلام) بلقب (أمير المؤمنين)، وأكثر ذلك بلسان الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي عصره.

3. ومن ميزاته انتقاؤه الجيّد من مختلف المؤلّفات التي أُلِّفت قبله في الموضوع، وخاصّة الكتب التي هي من عيون التراث ونفائس التصانيف وجلائل الآثار التي كان أكثرها محفوظًا في مكتبته القيّمة فاستخدمها كمصادر لبحثه.

4. إنّه 6 لشدّة حرصه على إحكام إسناد الروايات وتقوية اعتبارها قد وصف كلّ كتاب استفاد منه بدقّة، بتعيين اسم الكتاب واسم مؤلّفه والمكتبة الموجودة فيها تلك النسخة وخصوصيّات النسخة المنقولة عنها، بما فيها من الإجازات وبلاغات الإقراء والإنهاء وما عليها من خطوط العلماء والأفاضل المشاهير، كلّ ذلك توثيقًا للنصّ وتحقيقًا بمزيد من العناية به والاعتماد عليه.

5.  إنّ كثيرًا من المصادر والمؤلّفات التي اعتمد عليها السيّد، هي اليوم مفقودة العين بل الأثر وغير متداولة وغير مذكورة إلّا في مؤلّفات هذا السيّد العظيم، فتكون شهادته قدس سره بوجود تلك النسخ خاصّة مع ذكره لأوصافها، وأنّه رأى بعضها بخطّ مؤلفيها ثروة علميّة ضخمة لأهل التحقيق واستحكامها لأسانيد كثير من الأحاديث. فنِعْم الشاهد ونعمت الشهادة.

سبب التأليف:

ثمّ ذكر خطبة كتاب الأنوار، وبيّن فيها السبب في تأليف الكتب الثلاثة، وقال: (وبعد، فإنّني كنت قد سمعت - وقد تجاوز عمري عن السبعين - أنّ بعض المخالفين قد ذكر في شيء من مصنّفاته: أنّ سيّدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما سمّى مولانا عليًّا (عليه السلام) بأمير المؤمنين في حياته، ولا أعلم هل قال ذلك عن عناد أو عن قصور في المعرفة والاجتهاد...

ترتيب الكتاب:

جعل المصنّف كتابه هذا في ثلاثة أقسام: فالقسم الأوّل في تسمية الإمام (عليه السلام) بأمير المؤمنين، يبدأ بالقسم الثاني من الكتاب، الخاصّ بما ورد في تسمية الإمام (عليه السلام) بإمام المتّقين، ثمّ يبدأ بالقسم الثالث، فيقول: (ولمّا رأينا من فضل الله جلّ جلاله علينا تأهيلنا لاستخراج هذه الأحاديث من معادنها.... ووجدنا تسمية مولانا عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) (يعسوب الدين) مشابهة لتسميته (عليه السلام) بأمير المؤمنين اقتضى ذلك إثباتها في هذا الكتاب اليقين).

نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد المعروف بالمحقّق الحلّيّ

 ( 206ه- 676ه)

بيّن المؤلّف في بداية الكتاب الهدف من تأليفه وأسلوب كتابته فيه، فقال:» أمّا بعد فإنّه لما كان الخوض في تحقيق العقائد من أنفس الفوائد، وأعزّ الفرائد،... رأيت أنْ أُمْلي مختصرًا يقصر عن هجنة التطويل، ويرتفع عن لكنة التقليل، يكون مدخلًا إلى مطوّل كتبهم، وموصلًا إلى تحصيل مذاهبهم، فاقتصرت منها على المهمّ،...[إلى أن قال] والغرض بهذا العلم إنّما هو التوصّل إلى السعادة الأخرويّة بسلوك طريق الحق»[38].

قد قسّم المحقّق الحلّيّ مطالب الكتاب إلى أربعة أقسام رئيسة وعبّر عن كّل قسم بالنظر، وكلّ واحد من هذه الأبواب يُقسم إلى فصول متعدّدة:

النظر الأوّل فى التوحيد: في هذا القسم عرض المؤلّف المباحث المرتبطة بالتوحيد في ثلاثة فصول هي: المطلب الأوّل: في إثبات العلم بالصانع، المطلب الثاني: في ما يُوصف به سبحانه من الصفات الثبوتيّة، المطلب الثالث: في ما يُنفى عنه من الصفات.

النظر الثاني فى أفعاله سبحانه وتعالى: في هذا القسم بحث المحقّق عدّة أبحاث منها: الأوّل: في أنّا فاعلون خلافًا للأشاعرة والكلابيّة، الثاني: في الحسن والقبح العقليّ، الثالث: في أنّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب، الرابع: في فروع العدل، وفي هذا القسم تعرّض للمباحث المرتبطة بالمعاد.

النظر الثالث فى النبوّات: تعرض لمباحث النبوّة في ثلاثة فصول، وفي الفصل الأوّل تعريف النبوّة، وفي الثاني: صفات النبيّ، وفي الثالث ما يُستدلّ به على صدق مدّعي النبوّة، وبيان وشرح معجزات الرسول.

النظر الرابع فى الإمامة:  وفي هذا القسم ثلاثة فصول عبارة عن بيان حقيقة الإمامة، ووجوبها، وصفات الإمام، وفي ذيل الفصل الرابع طرح أربعة مقاصد أخرى وهي:

المقصد الأوّل: في تعيين الإمام بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

المقصد الثاني: في الدلالة على إثبات ( إمامة ) الأئمّة بعد عليّ (عليه السلام).

المقصد الثالث: في مباحث متعلّقة بالغيبة.

المقصد الرابع: يشتمل على مباحث  وهي: الملائكة معصومون، فاطمة - عليها السلام – معصومة، الباغي على عليّ (عليه السلام)، الأنبياء أفضل من الملائكة.

الرسالة الماتعيّة في آخر كتاب المسلك في أصول الدين هي مختصر المسلك كما يظهر للمتأمّل في مطالبهما ونظمهما وأسلوبهما.

محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين الطوسيّ ( 795ه- 276ه)

 يتّصف كتاب «تجريد الاعتقاد» بالعمق والإحكام مع الاختصار، فهو من أخصر النصوص الكلاميّة الشيعيّة، ومن هنا اشتُهر ومنذ الأيام الأولى لتأليفه بين أعلام المسلمين بشتّى مذاهبهم، وحظي باهتمام كبير من قبلهم شرحًا وتعليقًا وباللغتين العربيّة والفارسيّة.

منهجيّة الكتاب:

يعتبر الكتاب ولمنهجيّة الخواجة الخاصّة في الفلسفة والكلام، نقطة فارقة ومنعطفًا بارزًا في تاريخ علم الكلام؛ حيث تمكّن الخواجة هنا من التلفيق بين الفلسفة المشّائيّة والكلام الشيعيّ، مما أدّى إلى هدم الفجوة، والتقارب أكثر بين الفلسفة والكلام في الوسط الفكريّ الشيعيّ.

والكتاب مرتّب على ستّة مقاصد هي:

1.في الأمور العامّة.

1. في الجواهر والأعراض.

2. في إثبات الصانع تعالى وصفاته.

3. في النبوّة.

4. في الإمامة.

5. في المعاد.

خصائص كتاب تجريد الاعتقاد

يتّسم كتاب التجريد بعدّة خصائص منها:

الأولى: الاختصار، إنّ من أوضح السمات التي تميّز الكتابَ، الاختصار الشديد.

الثانية: اعتماده القواعد والمصطلحات الفلسفيّة في إثبات المسائل الكلاميّة.

الثالثة: قبل أن يشرع المصنّف في الخوض في المواضيع الكلاميّة، من قبيل معرفة الله والنبوّة والإمامة والمعاد، شرع في البحث عن الوجود والماهيّة، والعلّة والمعلول، والوجوب والإمكان، وبعبارة أخرى: شرع في الخوض في مباحث الفلسفة الأولى؛ باعتبارها تمثّل المبادئ والمقدّمات للأبحاث الكلاميّة.

كذلك نجد أنّ الخواجة قد شرع قبل ذلك بتأليف كتاب تجريد المنطق، والذي شرحه كبار العلماء كالعلّامة الحلّيّ (المتوفّى 726هجرية)؛ إذ ما لم تقرّر المباحث المنطقيّة ولم تهضم تلك الأبحاث من المنطق الاستدلاليّ لا يمكن الخوض في الأبحاث الفلسفيّة والكلاميّة.

الرابعة: امتاز التجريد وخلافًا لسائر الكتب الكلاميّة بأنّه تعرّض لبحث المعاد بعد مبحث النبوّة، فيما كان السائد قبل الخواجة، بحث المعاد – وبسبب العلاقة بين مبحث الوعد والوعيد والثواب والعقاب وبين صفات الباري تعالى، وخاصّة صفة العدل الإلهيّ- قبل النبوّة والإمامة. والسبب الذي جعل الخواجة يدرج المعاد بعد النبوّة أنّ الخواجة لم ير في تجريد الاعتقاد علاقة وثيقة جدًّا، بل اعتمد خلافًا لغيره على قاعدة اللطف الإلهيّ.

الكتاب يبحث حول مهمّات المسائل الكلاميّة، من المبدأ إلى المعاد، لكنّه يركِّز على نقل الأقوال والآراء، وليس بصدد المناقشة فيها والنقد عليها، إلاّ في قليل من الموارد، ومن هنا يمكن عدّه من كتب الملل والنحل أيضًا، فذكر مواضيع الخلاف بين الحكماء والمتكلّمين، وموارد الخلاف بين المعتزلة وأهل السنّة والشيعة، وبين علماء تلك المذاهب أنفسهم.

ثمّ إنّه لم يذكر عقائد الشيعة الإماميّة في مبحثي الصفات والعدل، وإنّما تعرّض لها في مسألة الإمامة، والإيمان، والعصمة، ولعلّ ذلك لاتّفاقهم مع المعتزلة في كثير من هذه المسائل، وقد صرّح بهذا في مبحث الإمامة وقال: «وهم في أكثر أُصول مذهبهم يوافقون المعتزلة»، ومع ذلك فكان الأولى التصريح بهم وعقائدهم حتى في الاتّفاقيّات.

اشتمل الكتاب على العناوين الآتية:

مقدّمة قواعد العقائد تضمّنت ذكر سبعة أصول، وهي: الموجود والمعدوم والثابت والمنفي والحال، الواجب والممكن والممتنع، الذات والصفة، القديم والمحدَث، الجوهر والعرض، الموجودات إمّا متماثلة وإمّا متضادّة وإمّا متخالفة، بطلان الدور والتسلسل.

الباب الأوّل إثبات موجد العالم، الباب الثاني الصفات الثبوتيّة والسلبيّة، الباب الثالث فيما يُنسب إليه من الأفعال، الباب الرابع في النبوّة والإمامة وغيرها، الباب الخامس في الوعد والوعيد وما يتبعهما.

يعتبر هذا الكتاب من أهمّ كتب الخواجة نصير الدين الطوسيّ في علم الكلام، والكتاب كما يُستفاد من اسمه تلخيص وتحليل نقديّ لكتاب « محصل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين من العلماء والحكماء والمتكلّمين » الذي وضعه فخر الدين الرازيّ.

وباختصار استطاع نصير الدين الطوسيّ من خلال منهجه النقديّ للكتاب أن يوضح غوامضه، ويخضع موضوعاته المختلفة لمحكّ النقد والبحث العقليّ والفلسفيّ.

واشتمل الكتاب على عناوين ومسائل متعدّدة بعضها في مجال الفلسفة والمقدّمات العامّة من قبيل: الركن الأوّل في المقدّمات، وهي ثلاث: المقدّمة الأولى في العلوم الأوّليّة، الثانية في أحكام النظر، الثالثة في الدليل وأقسامه، وفي تقسيم المعلومات، وأحكام الموجودات.

أمّا القسم الآخر في الكتاب فهو في الإلهيّات، وقد تعرّض لأبحاث متعدّدة ومتنوّعة في الذات والصفات والأسماء والأفعال.

القسم الأوّل في الذات: وجود الله تعالى، مدبّر العالم، صانع العالم.

القسم الثاني في الصفات: أقسام الصفات وهي: السلبيّة، الصفات الثبوتيّة: القدرة، الحياة، الإرادة، الكلام،...

القسم الثالث في الأفعال: لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، الله مريد لجميع الكائنات، ترتيب الممكنات، القضاء والقدر، الحسن والقبح.

القسم الرابع الكلام في الأسماء في السمعيّات وهو مرتّب على أقسام:

القسم الأوّل في النبوّات: المعجز، الجواب عن الشبهات في أدّلة نبوّة النبيّ، فوائد البعثة، طريقة الحكماء في إثبات النبوّة، عصمة الأنبياء، الكرامات،....

القسم الثاني في المعاد: الأقوال في المعاد، حقيقة النفس، التناسخ، امتناع عدم الأرواح، سعادة النفوس النقية بعد الموت، شقاوة النفوس الرديّة بعد الموت، إعادة المعدوم، المعاد يتمّ مع القول بإعادة المعدوم، وَعِيدُ أصحاب الكبائر منقطع، وَعيدُ المعاند دائم والقاصر معذور.

القسم الثالث في الأسماء والأحكام: الإيمان، صاحب الكبيرة مؤمن أم مشرك أم منافق أم كافر، الإيمان قابل للزيادة والنقصان أم لا، تعريف الكفر وخطر تكفير المسلمين.

القسم الرابع في الإمامة: أقوال الفرق في وجوب الإمامة، الشيعة الإماميّة والكيسانيّة والزيديّة والغلاة، شرح فرق الكيسانيّة، شرح فرق الزيديّة، الإشارة إلى عُمدة مذهب الإماميّة.

وقد تضمّن الكتاب مجموعة من الرسائل الصغيرة والمهمّة جدًّا في المجال العقديّ للخواجة نصير الدين الطوسيّ منها:

رسالة الإمامة: وتصمّنت بيان أنّ الإمامة مرتّبة على بالتوحيد والعدل والنبوّة، وبين خمس مسائل في الإمامة ما الإمام، هل الإمام، لم الإمام، كيف الإمام، ومَن الإمام، وختم الرسالة ببيان غيبة الإمام الثاني عشر.

أقلّ ما يجب الاعتقاد به: بين فيها ما يجب اعتقاده على الناس، وأنّه لا يجب عليهم تعلّم الأدلّة التي حرّرها المتكلّمون...

المقنعة في أوّل الواجبات: وهي رسالة مختصرة حول الأصول الخمسة.

إثبات الواحد الأوّل: تهدف الرسالة إلى إثبات المبدأ الأوّل الذي لا شيء قبله ولا مبدأ له، ويستحيل أن يكون أكثر من واحد....

أفعال العباد بين الجبر والتفويض: الرسالة تفسير مختصر لمقولة «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين»....

ربط الحادث بالقديم: هذا المبحث من المباحث التي حيّرت عقول الحكماء، ويحاول الطوسيّ في هذه الرسالة المختصرة أن يبيّن كيفيّة ربط الحادث بالقديم.

بقاء النفس بعد بوار البدن: رسالة في تحقيق بقاء النفس الإنسانيّة بعد البدن وإقامة البرهان على ذلك.

إلى غيرها من الرسائل أمثال شرح رسالة ابن سينا، الرسالة النصيريّة، رسالة في العلل والمعلولات، صدور الكثرة عن الواحد، برهان في إثبات الواجب،...

ميثم بن علي بن ميثم بن معلَّى كمال الدين أبو الفضل البحرانيّ المعروف بابن ميثم البحرانيّ (636ه- 996 ه)

يعتبر من الكتب الكلاميّة  المهمّة جدًّا والمختصرة، وهو مع اختصاره يمتاز باشتماله على كلّ مباحث أصول الدين وما يلحق بها من المسائل الاعتقاديّة، بالإضافة إلى وضوحه وقوّة عباراته وإشراق أسلوبه وخلوّه عن التعقيد الذي يُرى في كثير من الكتب المشابهة له.

وقد صنّفه على منهج المتكلّمين وأقوال الفلاسفة والمقايسة فيما بينهم، وقسّم المؤلّف الكتاب إلى 8 قواعد، وكلّ قاعدة تحتوي على عدّة أركان، وكلّ ركن يحتوي على عدّة بحوث.

وقد اشتمل الكتاب على العناوين الآتية:

القاعدة الأولى: فی المقدّمات:

الركن الأوّل: [في التصوّر والتصديق]

الركن الثاني: في النظر وأحكامه وغيرهما.

القاعدة الثانية: فی أحكام كلّيّة للمعلومات.

القاعدة الثالثة: فی حدوث العالم.

القاعدة الرابعة: في إثبات العلم بالصانع وصفاته.

القاعدة الخامسة: في الأفعال وأقسامها وأحكامها.

القاعدة السادسة: في النبوّة.

القاعدة السابعة: في المعاد.

القاعدة الثامنة: في الإمامة.

يعتبر الكتاب من أهمّ  الكتب في باب الإمامة، وفي البداية تعرّض العلّامة ابن ميثم البحرانيّ للآراء المختلفة حول الإمامة، وردّ الأدلّة التي عرضها المخالف في هذا المجال، ثمّ بيّن النظريّة الصحيحة في الإمامة بأدلّة محكمة.

ويتضمّن الكتاب مقدّمة وثلاثة أبواب.

أمّا المقدّمة فهي في تعريف الإمامة ومذاهب الناس فيها.

والباب الأوّل في الشرائط المعتبرة في الإمامة.

والباب الثاني: في تعيين الإمام.

والباب الثالث: في تقرير شبهة الخصوم والجواب عنها،

وقد عرض المؤلِّف مجموعة من العناوين المهمّة في كلّ باب فبدأ بتحديد المفهوم، والأدلّة على على تعيين الإمام، وردّ بطريقة منهجيّة ودقيقة على الشبهات المختلفة حول الإمام.

ويمتاز الكتاب باستيعابه إلى حدّ كبير الأمور الآتية:

1. الآراء المختلفة والمتضاربة حول الإمامة في مختلف شؤونها، فهو يتطرّق إلى مذاهب المسلمين في وجوب الإمامة وفي تعيين الإمام والشروط المعتبرة فيه، كما يتناول بالبحث في مذاهب طوائف الشيعة المنكرين لإمامة بعض الأئمّة الاثني عشر.

2. عمق الأدلّة والوجوه التي يقيمها لإثبات ما تراه الإماميّة الاثنا عشريّة في مختلف مسائل الإمامة، فتراه يتطرّق إلى بيان الدليل، ثمّ يستمرّ في ترسيخه وتدعيمه بذكر كلّ الوجوه المحتملة في المسألة وإبطالها وتعيين الوجه الصحيح منها.

3. الأدلّة والوجوه التي يقيمها أصحاب بقيّة الطوائف الإسلاميّة، لا سيّما مناقشاتهم في أدلّة الإماميّة، فيذكر كلّ ذلك بالتفصيل، ثمّ يدخل في نقدها وردّها بالأسلوب الكلاميّ المعهود عن المتكلّمين.

الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسديّ جمال الدين أبو منصور المعروف بالعلّامة الحلّيّ  ( 846  - 627 ه )

وضع العلّامة الحلّيّ ما يناهز الثلاثين مؤلَّفًا في علم الكلام نذكر منها الآتي:

رسالة موجزة أورد فيها مباحث القضاء والقدر، وطرح فيها المذاهب المختلفة في أفعال العباد، ثمّ أقام البراهين العقليّة على مذهب العدليّة، كما أردف براهينه بما ورد في الكتاب العزيز.

کتب هذه الرسالة بطلب من السلطان أولجایتو خدابنده محمّد لمّا سأله نظر الأدلّة الدالّة علی أنّ للعبد اختیارًا فی أفعاله، وأنّه غیر مجبر علیها.

وهذه الرسالة مع صغر حجمها فهی جامعة لأهمّ الأدلّة وأدقّها حول هذا الموضوع، وبعبارة موجزة.

ففی بدایة الرسالة قرّر محلّ النزاع بذکر أقوال علماء المسلمین حول هذه المسألة، ومن ثمّ شرع بعرض الأدلّة الدالّة علی أنّ للعبد اختیارًا فی أفعاله، وذکر ثمانیة عشر وجهًا یحکم العقل بها علی أنّ للعبد اختیارًا فی أفعاله غیر مجبر علیها، وأمّا المنقول فوجوه... وذکر ثمانیة عشر وجهًا أیضًا، وتعرّض - 6 - فی آخر الرسالة إلی ذکر أهمّ احتجاجات الذاهبین إلی أنّ العبد مجبر علی أفعاله لا اختیار له فیها، وذکر أربعة وجوه من احتجاجاتهم، ثمّ أجاب عنها واحدة واحدة من حیث المعارضة ومن حیث الحلّ.

يعدّ كتاب الألفين في إمامة أمير المؤمنين بمثابة بحث وافٍ في الإمامة وضعه مؤلِّفه بأدلّة كافيةٍ لم يسبقه غيره إليها من علماء الشيعة، وقد ذكر فيه ألفًا وثمانية وثلاثين دليلًا في إمامة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو نفسه الكتاب الموسوم بـ (كتاب الألفين) الفارق بين الصدق والميْن، وقد أورد فيه العلّامة الحلّيّ كما قال - 6 -: «من الأدلّة اليقينيّة والبراهين العقليّة والنقليّة ألف دليل على إمامة سيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين 8، وألفُ دليل على إبطال شُبَه الطاعنين، وأوردّتُ فيه من الأدلّة على باقي الأئمّة عليهم السلام ما فيه كفاية للمسترشدين...»[39]، وفي هذا السياق يعتمد صاحب الألفين في أدلّته على القرآن الكريم، فيورد آيات من الذكر الحكيم ويفسّرها على أنّها جاءت كدليل على إمامة عليّ (عليه السلام).

وقد ألّفه لولده محمّد المعروف بفخر المحقّقين (المتوفّى772هـ)، ذكر في مقدّمته أنّ الكتاب يشتمل على ألف دليل على إمامة الإمام عليّ بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ، وألّف دليل على إبطال شبهات الطاعنين،

وقد قال في مقدّمة الكتاب أنّه رتّبه على مقدّمة ومقالتين وخاتمة، وأمّا المقدّمة فاشتملت على عدّة أبحاث وهي:

الأوّل: تعريف الإمام، الثاني: الإمامة، الثالث: المبادىء، الرابع: نصب الإمام لطف، الخامس: لا يقوم مقام الإمامة غيرها، السادس: في أنّ نصب الإمام واجب، السابع: عصمة الإمام (وعرض فيه الأدلّة على عصمة الإمام وقسّمهما في الجزء الأوّل من الكتاب إلى قسمين: المئة الأولى والمئة الثانية)، وفي الجزء الثاني من الكتاب بدأ في المئة الثالثة (وأكمل في عرض الأدلّة على العصمة) إلى المئة العاشرة، وقال: في خاتمة الكتاب، فهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب، من الأدلّة الدالّة على عصمة الإمام (عليه السلام) وهي ألف وثمانية وثلاثون دليلًا، وهو بعض الأدلّة، فإنّ الأدلّة على ذلك لا تُحصى وهي براهين قاطعة،....[40]

كتاب الياقوت تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن نوبخت(المتوفّى310هـ) كما ذكره العلّامة في مقدّمة الكتاب والشرح للعلاّمة الحلّيّ.

وكتاب الياقوت من المتون القديمة التي لا غنى عنها للباحثين والمثقّفين؛ لأنّه شرح فيه العقائد والآراء المختلفة للفرق المذكورة في الكتاب، وفي عهد المؤلّف، فهو من مرجع للمحقّقين في تاريخ الفرق والعلوم الإسلاميّة.

إلّا أنّ كتاب الياقوت حسب تصريح العلّامة الحلّيّ: «غير الحجم، كثير العلم، مستصعب على الفهم، في نهاية الإيجاز والاختصار، بحيث يعجز عن تفهّمه أكثر النظّار»[41].

وقد أوعز العلّامة في كتابه هذا، إلى كتاب «مناهج اليقين» وكتاب «معارج الفهم» و«نهاية المرام» والجميع من تأليفه.

خصوصيّات الشرح:

ينقل الماتن (بن نوبخت) الآراء والأقوال دون أن يشير إلى قائليها، والشارح  )العلّامة الحلّيّ) رفع هذا النقص وعيّن القائلين والفرق المنتسبين بها.

حفظ لنا العلّامة الحلّيّ بشرحه هذا الكتاب متنًا قيّمًا من المتون الكلاميّة القديمة الذي لولاه لكان عُرضة للضياع والتلف.

وأورد العلّامة في هذا الكتاب مجموع المطالب في 15 مقصدًا على الشكل الآتي: 4 مقاصد خصّصها للأمور العامّة، و11مقصدًا لمباحث الإلهيّات نذكر منها:

المقصد الأوّل فى النظر وما يتّصل به، الثانى فى تعريف الجوهر والعرض والجسم، الثالث فى أحكام الجواهر والأعراض، الرابع فى الموجودات، الخامس فى إثبات الصانع وتوحيده وأحكام صفاته، السادس فى استناد صفاته إلى وجوبه تعالى، السابع فى العدل، الثامن فى الآلام والأعواض، التاسع فى أفعال القلوب ونظائرها، العاشر فى التكليف، الحادي عشر فى الألطاف، الثانى عشر فى اعتراضات الخصوم فى التوحيد والعدل والجواب عنها، الثالث عشر فى الوعد والوعيد، الرابع عشر فى النبوّات، الخامس عشر فى الإمامة.

وهو رسالة مختصرة في العقائد الإماميّة كتبه حينما اختصر «مصباح المتهجّد» للشيخ الطوسيّ التي ألّفها في الأدعية والعبادات، اختصره العلّامة في أبواب عشرة، وأضاف إليها «الباب الحادي عشر» في العقائد، وأسمى الجميع «منهاج الصلاح في مختصر المصباح»، وهذه الرسالة لم تزل مطمحًا للأنظار، فكتب عليها شروحًا وتعليقات، أشهرها ما كتبه الفاضل المقداد الذي أسماه بـ«النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر»، و هي رسالة دراسيّة في الحوزات الشيعيّة إلى يومنا هذا.

عرض العلّامة الحلّيّ في الباب الحادي عشر أصول الدين التي يجب على كلّ مسلم أن يؤمن بها، وهي معرفة الله تعالى وصفاته الثبوتيّة والسلبيّة، وما يصح وما يمتنع على الذات، ومعرفة النبوّة والإمامة والمعاد، وقد عرض هذه المعتقدات في سبعة فصول، وهي:

الفصل الأوّل في إثبات واجب الوجود، الثاني في الصفات الثبوتیّة، الثالث في الصفات السلبیّه، الرابع في العدل اختيار البشر، الخامس في النبوّة، السادس في الإمامة، السابع في المعاد وإثباته من خلال الأدلّة العقليّة والآيات القرآنيّة، وبحث العلّامة في هذا الفصل مسألة الثواب والعقاب والتوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد اهتمّ أهل العلم بكتاب الباب الحادي عشر؛ لما تميّز به من اختصار وشموليّة، كما أنّه نُسخ وطُبع مستقلًّا عن أبواب الكتاب العشرة، وحظي بشروح وتعليقات كثير، .وقد ذكر مؤلّف كتاب الذريعة أكثر من عشرين شرحًا له.

وقد حظي كتاب الفاضل المقداد (متوفى 826 هـ) واسمه النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر باهتمام خاصّ لدى العلماء والباحثين من بين شروح الكتاب، فأصبح يُدرّس في المدارس والحوزات العلميّة، وطُبع عدّة مرّات.

تسليك النفس إلى حظيرة القدس قد ألّفه العلّامة الحلّيّ استجابة لرغبة ولده محمّد المعروف بفخر المحقّقين، وخصّصه لأهم المسائل الكلاميّة، الّتي أفرغها في قوالب فلسفيّة وبرهانيّة، وهو أشبه بكتاب «تجريد الاعتقاد» لأستاذه نصير الدين الطوسيّ، والّذي شرحه العلّامة بكتابه «كشف المراد» وقال: «وجدنا كتابه الموسوم بتجريد الاعتقاد قد بلغ فيه أقصى المراد وجمع جلّ مسائل الكلام على أبلغ نظام»، غير أنّ المصنّف سلك في كتابه هذا مسلك السهولة في البيان، وهو يغاير مسلك الطوسيّ في كتاب «تجريد الاعتقاد» الّذي يمتاز بالصعوبة، ولكنهما يشتركان في إضفاء الصبغة الفلسفيّة على  المسائل الكلاميّة، والكتاب كما يصفه المؤلّف في مقدّمته مشتمل على أهمّ المسائل وأشرفها، وقد جمع فيه النكات وأصول المطالب الكلاميّة.

وقد قسّم الكتاب إلى مراصد، وهي:

الأوّل: في الأمور العامّة، الثاني: في تقسيم الموجودات، الثالث: في البحث عن أقسام الموجودات، الرابع: في أحكام الموجودات، الخامس: في إثبات واجب الوجود وصفاته، السادس: في العدل، السابع: في النبوّة، الثامن: في الإمامة، التاسع: في المعاد.

الرسالة تتألّف من خمس مقدّمات وثلاثة أقسام، والقسم الأوّل في العقائد، والثاني في العبادات، والثالث في الأخلاقيّات.

وهي رسالة بين الإيجاز والإطناب، في أصول الدين وفروعه، ألّفها العلّامة الحلّيّ لسعد الحقّ والملّة والدين المعروف بـ«المستوفي الساوجي» الذي كان وزيرًا لـ«غازان خان»، وقد ساهم في عهد «أولجايتو» مع رشيد الدين فضل اللّه في إدارة أُمور البلد إلى أن قُتل عام 711هـ[42].

والرسالة تحتوي على مقدّمة وفصول، وقد استوفى فيها حقّ مسائل ثلاث:

أ. استحالة رؤية اللّه سبحانه.

ب. كلامه سبحانه حادث.

ج. صفاته عين ذاته.

وتمتاز هذه الرسالة، بأمور كثيرة، منها:

أ. الاستدلال المنطقيّ المبسّط، هذا من جهة.

ب. كما تلتزم غالبًا، بعنصر المقارنة، بين مختلف المدارس في جميع بحوثها، كلاميّة كانت أم فقهيّة.

ج. ناهيك عن منهجيّة سليمة في قواعدها، وأسلوب مشرق مبين في عروضه، من جهة ثالثة.

أمّا فهرسة التقسيم، فهي على الشكل الآتي:

تمهيد، يضمّ خمسة مقدّمات، التي هي في معظم ما جاء فيها، من المسائل الأصوليّة، والتي يُصار إليها عند الاستدلال الفقهيّ.

قسم العقائد، وهو مركز الثقل فيها، حيث: يبدأ بالمسألة الأولى، وينتهي بانتهاء التاسعة وكلّ مسألة قسّمها العلّامة إلى عدّة أبحاث، والمسائل هي:

- حقيقته تعالى.

- أنّه تعالى لا يحلّ في غيره ولا يتّحد به.

- أنّ الله تعالى يستحيل رؤيته.

- كلامه تعالى.

- أنّه تعالى يستحقّ الصفات لذاته.

- أفعاله تعالى.

- النبوّة.

وهذا الكتاب شرح لكتاب تجريد الاعتقاد للمحقّق نصير الدين محمّد بن الحسن الطوسيّ، وهو أوّل شرح على كتاب تجريد الاعتقاد للخواجة نصير الدين الطوسيّ، ويحتوي الكتاب على 6 مقاصد، وفي كلّ مقصد عدّة فصول، وفي كلّ فصل عدّة مسائل.

وذكر المؤلّف في مقدّمة الكتاب السبب الذي دفعه إلى شرح كتاب تجريد الاعتقاد، قال: «وجدنا كتابه الموسوم بتجريد الاعتقاد قد بلغ فيه أقصى المراد وجمع جلّ مسائل علم الكلام على أبلغ نظام، كما ذكر في خطبته وأشار في ديباجته، إلّا أنّه أوجز ألفاظه في الغاية، وعجز عن فهم معانيه الطالبون، فوضعنا هذا الكتاب الموسوم بكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ،موضحًا لما استبهم من معضلاته، وكاشفًا عن مشكلاته، راجيًا من الله تعالى جزيل الثواب وحسن المآب إنّه أكرم المسؤولين»[43].

يدور كتاب كشف المراد تبعًا لمتنه على محاور ثلاثة:

الأوّل: في الأُمور العامّة التي يطلق عليها الإلهيّات بالمعنى الأعمّ، ويبحث فيه عن الوجود والعدم وأحكام الماهيّات، والمواد الثلاث: الوجود والإمكان والامتناع، والقِدم والحدوث، و العلّة والمعلول، وغيرها من المسائل التي تبحث عن أحكام الوجود بما هو هو.

الثاني: في الجواهر والأعراض التي يُطلق عليها الطبيعيّات، ويبحث فيه عن الأجسام الفلكيّة والعنصريّة والأعراض التسعة، على وجه التفصيل.

الثالث: في الإلهيّات بالمعنى الأخصّ، ويبحث فيه عن الأُصول الخمسة.

وبما أنّ المحور الأوّل هو المقصد الأهمّ للحكماء من المشّائين والإشراقيّين، وقد بحثوا عنه في الأُمور العامّة على وجه التفصيل والاستيعاب، حتى خصّص صدر المتألهين ثلاثة أجزاء من كتابه «الأسفار» بمباحث هذا المحور ـ لأجل ذلك ـ استغنى الطلاب عن دراسة هذا المقصد من كتاب كشف المراد.

وبما أنّ العلوم الجديدة الباحثة عن الطبيعة وأحكامها قد قطعت أشواطًا كبيرة، وأبطلت كثيرًا من الفروض العلميّة في الفلكيّات والأكوان، فأصبح ما يبحث في الكتب الكلاميّة والفلسفيّة في هذا القسم تاريخًا للعلم الطبيعيّ لا نفسه، ولأجل ذلك تركت دراسة المحور الثاني في الكتب الكلاميّة والفلسفيّة في أعصارنا.

فلم يبقَ إلّا المحور الثالث الموسوم بالإلهيّات بالمعنى الأخصّ الذي يبحث فيه عن ذاته سبحانه وصفاته وأفعاله، ولأجل ذلك عكف المحصّلون على دراسة هذا المحور الذي يتضمّن البحث عن إثبات الصانع وصفاته وأفعاله، ويدخل في البحث عن صفاته: البحث عن عدله، كما يدخل في البحث عن أفعاله: البحث عن النبوّة والإمامة والمعاد.

الكتاب عبارة عن شرح لكتاب «نظم البراهين فى أصول الدين»، وهي رسالة معدّة لبيان أُصول الدين، فقد ألّف العلّامة كتاب نظم البراهين في أصول الدين كتابًا مختصرًا جامعًا للاستدلالات الكلاميّة، وكان كتابًا مغلق العبارة، فشرحه بالمعارج.

وقد تميّز هذا الكتاب بآراء وتحقيقات متفرّدة للعلّامة لا تتوفّر في كتبه الكلاميّة الأخرى! فكان هذا الكتاب من الأهمّيّة بمكان!

والعلّامة وقبل دخوله في مباحث أصول الدين تعرض لمسألتين وهما: النظر والحدوث.

وبعد ذلك شرع بمباحث التوحيد وعرض بعض الأدلة على وجود الله تعالى، وذكر أوّلًا دليل الحدوث، وثانيًا دليل الوجوب والإمكان.

وبين العلّامة معنى القدرة الإلهيّة والأدلّة على القدرة، وفي معرض بحثه أثبت بطلان خمسة آراء في مبحث القدرة وهي:

1. قول الفلاسفة في قاعدة الواحد.

2. قول المعتزلة بعدم قدرة الله تعالى على فعل القبيح.

3. قول النظّام (أحد رؤوس المعتزلة) بأنّ فعل القبيح الداعي له إمّا السفه وإمّا الحاجة، وكلاهما محال في حقّ الله تعالى.

4. قول عبّاد بن سليمان إنّ اللّه لايقدر على خلاف معلومه.

5. لايقدر على مثل مقدور عبده؛ لأنّه طاعة أو سفه أو عبث، و الكلّ عليه محال.

وفي مبحث الإرادة الإلهيّة بيّن الاختلاف الواقع بين المسلمين وبيان معنى الارادة الإلهيّة وكيفيّة وصف الله تعالى بذلك.

وفي مبحث الكلام الإلهيّ بين قول الأشاعرة والمعتزلة والحنابلة في قدم الكلام وحدوثه، وبين صفة حياة الله تعالى من خلال صفة العلم والقدرة، وصفة السميع والبصير.

وبيّن العلّامة في هذا القسم بعض الصفات السلبيّة مثل استحالة الرؤية البصريّة، والجسمانيّة لله تعالى،

وأبطل نظريّة زيادة الصفات على الذات.

وتعرّض في مبحث العدل الإلهيّ لمبحث الحسن والقبح، وردّ على قول الأشاعرة إنّ الحسن والقبح شرعيّان.

وفي مبحث النبوّة عرّف مصطلح النبيّ، والمعجزة، وعرض وأبطل أدلّة منكري النبوّة، وفي مبحث العصمة بين معتقد الإماميّة في مجال العصمة المخالف لرأي الأشاعرة والحشويّة وغيرها من المذاهب الباطلة، وأنّ الأنبياء لا يرتكبون المعصية مطلقًا، أي لا كبيرة ولا صغيرة، لا عمدًا ولا سهوًا.

وتعرض لمبحث ضرورة البعثة النبويّة.

وفي مبحث الإمامة بين وجوب الإمامة عن طريق قاعدة اللطف، وعرّف الإمامة، وردّ الاعتراضات الواردة على الإمامة، وأثبت عصمة الإمام، وأنّ الإمامة لا تكون إلّا بالنصّ.

وفي النهاية أثبت إمامة الإمام عليّg وشرع بنقاش تفصيليّ للأقوال المختلفة لإثبات من هو الخليفة بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وفي مورد تحديد شخص الخليفة عرض العناوين الآتية:

1. قول الإماميّة والزيدية أنّ الخليفة بعد النبيّ هو الإمام عليّ.

2. القول إنّ الخليفة بعد النبيّ هو أبو بكر.

3. القول إنّ الخليفة بعد النبيّ هو العبّاس.

ثمّ عرض الأدلّة التي تدلّ على أنّ الخيفة بعد النبيّ هو الإمام عليّ.

وآخر بحث في الكتاب حول المعاد وعرض بحث الخلاء بالاستفادة من أقوال الشيخ المفيد وبني نوبخت وجمهور الفلاسفة وتعرّض لإمكان خراب العالم، والتناسخ، وعذاب القبر، والخلود في جهنّم، والتوبة.

مِنهاجُ الكرامة في مَعرفة الإمامَة كتاب يحتوي على كمٍّ كبير من البراهين العقليّة والنقليّة المثبتة لإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأبنائه المعصومين% وأحقّيّة المذهب الشيعيّ. 

ألّفه للسلطان «محمد خدا بنده أولجايتو» فكان له الأثر الكبير في  تشيّعه وتشيّع كثير من الناس، وقد أثار الكتاب حفيظة أهل السنّة كابن تيميّة، فكتب عليه ردًا أسماه (الردّ على الرافضيّ) الذي عُرف فيما بعد بـ(منهاج السُنّة).

وقد تضمّن الكتاب الفصول الآتية:

الفصل الأوّل: في نقل المذاهب في هذه المسألة

الفصل الثاني: في أنّ مذهب الإماميّة واجب الاتّباع

الفصل الثالث: في الأدلّة الدالّة على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعرض ذلك ضمن مناهج، وهي:

المنهج الأوّل: في الأدلّة العقليّة.

المنهج الثاني: في الأدلّة المأخوذة من القرآن.

المنهج الثالث: في الأدلّة المستندة إلى السنّة المنقولة عن النبيّ، وهي اثنا عشر.

المنهج الرابع: في الأدلّة على إمامته المستنبطة من أحواله، وهي اثنا عشر.

الفصل الرابع: في إمامة باقي الأئمّة الاثنا عشر %.

الفصل الخامس: في أنّ من تقدّمه لم يكن إمامًا.

الفصل السادس: في نسخ حججهم على إمامة أبي بكر.

وفي النهاية لا بدّ من الإشارة أنّ أحد العلماء المعاصرين وهو آية الله السيد علي الميلانيّ قام بشرح كتاب منهاج الكرامة في أربعة مجلدات.

الكتاب مؤلّف من اثني عشر منهجًا، وكلّ منهج على مجموعة مسائل، وقد جعل العلّامة المنهج الأوّل في تقسيم المعلومات، والمنهج الثاني في تقسيم الموجودات، والمنهج الثالث في أحكام الموجودات، والمنهج الرابع في إثبات واجب الوجود تعالى وبيان صفاته، والمنهج الخامس فيما يستحيل عليه تعالى، والمنهج السادس في العدل، والمنهج السابع في العوض، والمنهج الثامن في الإمامة، والمنهج التاسع في المعاد، والمنهج العاشر في الوعد والوعيد، والمنهج الحادي عشر في الأسماء والأحكام، والمنهج الثاني عشر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وتبلغ المسائل المطروحة في مجموع الكتاب خلال مناهجه الاثني عشر، 258 مسألة.

مميّزات الكتاب:

_ أوسع كتاب كلاميّ دوّنه العلّامة؛ لأنّه يشمل جميع المباحث الكلاميّة المهمّة، ولا يضاهيه في السعة والشمول إلّا نهاية المرام، فكتب«مناهج اليقين» كالمختصر من كتابه نهاية المرام في علم الكلام، والذي لم يصل إلينا منه إلّا جملة من مباحث الأمور العاّمة والطبيعيّات، فبلغت ثلاثة مجلدات كبار مطبوعة، ومن هنا كان كتاب المناهج الكتاب الأهمّ لتحقيق أنظار العلّامة في مسائل علم الكلام مما لم يصل إلينا من كتاب نهاية المرام!

_ الكتاب جامع لأنظار العلّامة الحلّيّ في لطيف الكلام وجليله؛ فقد جرى العلّامة على تقرير الأقوال في كلّ مسألة مع تحقيقها بالدليل المُعتمد عنده دون تقليد، مع اختصارٍ في العبارة وإيجازٍ فيها وترك ما هو قليل الفائدة.

_ يمتاز بعرضه لجميع آراء المتكلّمين تقريبًا، بدءًا بفلاسفة اليونان، ومرورًا بالثنويّة، والمجوس، واليهود، والصابئة، والنصارى، وانتهاءً بآراء متكلّمي المسلمين من كلّ الفرق الإسلاميّة.

_ أمّا أسلوبه في النقاش والأدلّة، فإنّه يعتمد بشكل عامّ على الأدلّة العقليّة[44].

رسالة كلاميّة تشتمل على ذكر أصول الدين وأسس العقائد الإسلاميّة وذكر الأدلّة عليها،  وتشتمل في الوقت نفسه على رؤوس المسائل الأُصوليّة والفقهيّة، وتتضمّن مباحث من أصول الفقه التي يبتني عليها استنباط الأحكام الشرعيّة في الإسلام.

وهو يتناول نبذة من مسائل علم الفقه، مما اختلفت فيها آراء فقهاء الإسلام.

تناول المؤلّف فيها النقاش في بعض المعتقدات ضمن ثمان مسائل، وقد جعل المسألة الأولى في رؤية الله تعالى وتطرّق إلى بعض المباحث المرتبطة بالمحسوسات، وجعل المسألة الثانية في النظر والعلم، وجعل المسألة الثالثة في صفات الله تعالى، والرابعة في النبوّة، والخامسة في الإمامة، والسادسة في المعاد، والسابعة فيما يتعلّق بأصول الفقه، والثامنة ترتبط بالفقه.

المسألة الأولى: المحسوسات أصل الاعتقادات

المسألة الأولى: في الإدراك  

المسألة الثانية: في النظر

المسألة الثالثة: في صفاته تعالى.

المسألة الرابعة: مباحث في النبوّة: نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، عصمة الأنبياء، تنزيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات.

المسألة الخامسة: في الإمامة.

المسألة السادسة: في المعاد: إنّ الحشر في المعاد هو لهذا البدن المشهود، استحقاق الثواب والعقاب.

والمسائل الأخرى مرتبطة بأصول الفقه، والفقه.

ونظرًا إلى أنّ الكتاب يركّز على المسائل الكلاميّة، لا سيّما المسائل الخلافيّة، فقد أثار الكتاب حفيظة الآخرين، ومنهم:

1. الشهيد القاضي نور اللّه التستريّ (المتوفّى 1019هـ) في كتاب أسماه «إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل».

2.  الشيخ محمّد حسن المظفّر (1301ـ 1375هـ) في كتاب أسماه «دلائل الصدق».

------------------------------

[1]  المطهري، مرتضى:آشنائي با علوم اسلامي[دراسة تعريفيّة بالعلوم الإسلاميّة]طهران 1369هـ ش، ج 2، ص68.

[2]   الصدوق، محمد بن بابويه: التوحيد، تحقيق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، ص 17-18.

[3]   ينظر: الصدوق، محمد بن بابويه: كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرفة، 1405ه،ص2.

[4]   محمّد كاظم رحمتي: چند نكته درباره[جملة ملاحظات حول] كتاب كمال الدين و تمام النعمة [للـ]شيخ [الـ]صدوق، کتاب ماه دین شهریور ومهر 1383 شماره[عدد] 83 و 84.

[5] ينظر: سید هادي طباطبائي: بررسی کتاب تصحیح الاعتقاد شیخ مفید، کتاب ماه دین شماره [عدد] 184.

[6] ينظر: محمّد بن محمّد بن النعمان(الشيخ المفيد): النُّكت في مقدّمات الأصول، تحقيق: محمد رضا الحسني الجلالي، تراثنا، العددان [ 30 و 31 ]، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، صص 445-449.

[7] ينظر: الشيخ المفيد: الحكايات، تحقيق: السيد محمد رضا الحسينيّ الجلاليّ، بيروت، دار المفيد، 1993 م، ط2، ص 30-31.

[8] ينظر: الشيخ المفيد: أوائل المقالات، تحقيق: الشيخ إبراهيم الأنصاري، بيروت، دار المفيد، 1993 م، ط2، ص5-9.

[9] ينظر: الشيخ المفيد:المسائل العشر في الغيبة، تحقيق: فارس تبريزيان الحسون، ص 28-30.

[10] مغنيّة، محمد جواد: الشيعة في الميزان، ص 120.

[11] المرتضى، الذخيرة، ص 409 ــ 433.

[12] المرتضى، المقنع، ص 31.

[13] الطهرانيّ، الذريعة، ج 4، ص 423.

[14] الطهرانيّ، الذريعة، ج 10، ص 180.

[15] ينظر: الشريف المرتضى: جمل العلم والعمل، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، مطبعة الآداب في النجف الأشرف، 1378ه، ط1، ص 14-15.

[16] الكرجيّ، تاريخ فقه وفقها، ص 162-163

[17] علي بن الحسين الموسويّ (الشريف المرتضى) المُقنِعُ في الغَيْبة والزيادة المكملة له، تحقيق: السيّد محمّد علي الحكيم، الناشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1416، ط1،  ص 11-16.

[18] المُقنِعُ في الغَيْبة، ص 31.

[19] محمد بن الحسن الطوسيّ: تمهيد الأصول في علم الكلام، تحقيق: مركز تخصّصي علم كلام، قم، 1394ه.ش، ط1، ص 17-18.

[20] الطوسيّ، محمد حسن: تلخيص الشافي، ج1، قدّم له وعلّق عليه حسين بحر العلوم، قم، انتشارات المحبيين، ط1، ص 62.

[21] (م.ن)، ص 62.

[22] الشيخ الطوسيّ: الغيبة، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهرانيّ، الشيخ علي أحمد ناصح، شعبان 1411هـ، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة - قم المقدسة، ط1، ص5.

[23] يُنظر: كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسيّ الجامع للمسائل العقليّة والنقليّة في موضوع الغيبة، عبّاس إسماعيل زاده، تعريب:حسن علي مطر، مجلّة الموعود العدد ١/ جمادى الأخرة/ ١٤٣٧هـ، مجلّة نصف سنويّة تصدر عن مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهديّ.

[24] آقا بزرگ الطهراني: الذريعة، ج2، بيروت، دار الأضواء، ص 269.

[25] ُنظر:الكراجكيّ، محمّد بن عليّ: دليل النصّ بـخـبـر الـغـديـر على إمامة أمير المؤمنين 8، تحقيق: عـلاء آل جـعـفـر، مقدّمة التحقيق، ص 7-15.

[26] ينظر: القاضي أبي الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكيّ: التعجّب من أغلاط العامّة في مسألة الإمامة، تصحيح وتخريج فارس حسون كريم، ص18.

[27] ينظر: أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبيّ: تقريب المعارف، تحقيق: فارس تبريزيان الحسّون، ص 48-50.

[28] الاحتجاج، الشيخ الطبرسيّ، ج1، المقدّمة، ص 9.

[29] (م.ن)، ص 9 – 10.

[30] محمّد بن الفتّال النيسابوريّ: روضة الواعظين، ج1، تحقيق: غلام حسين المجيديّ ومجتبى الفرجيّ، منسورات دليل ما، ط2، 2010م، ص 29-30.

[31] ينظر: (م.ن)، ص31.

[32] ينظر: محمّد بن الفتّال النيسابوريّ: روضة الواعظين، وضع المقدّمة السيّد محمّد مهدي السيد حسن الخرسان.

[33] يُنظر: مقدمة تحقيق كتاب عجالة المعرفة تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ، ص 16- 22.

[34] الذريعة، آقا بزرگ الطهراني، ج23، ص 151.

[35] الحمصيّ الرازيّ، سديد الدين محمود: المنقذ من الضلال، ج1، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ، ط1، 1412ه، ص 18.

[36] جمال الدين أبي الفضائل أحمد بن موسى بن طاوس: بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرسالة العثمانيّة، تحقيق: علي العدنانيّ الغريفيّ، ص 53.

[37] الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، السيّد ابن طاووس، ص 9 (بتصرّف وتلخيص).

[38] ينظر: المحقق الحلّيّ: المسلك في أصول الدين، تحقيق: رضا الأستادي،  الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة – مشهد،  1421 - 1379 ش، ط2، صص33-34.

[39]  العلّامة الحلّيّ: الألفين، مكتبة الألفين، الكويت، 1405 - 1985 م، ص 22. 

[40] (م.ن)، ص 454.

[41]  العلّامة الحلّيّ: ‌أنوار الملكوت في شرح الياقوت‌، تحقيق محمد نجمي زنجاني‌، ناشر: الشريف الرضي‌، قم‌، 1363ش‌، ط2، ص 3.

[42]  ينظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 12، ص 183.

[43] العلّامة الحلّيّ، كشف المراد، ص 24.

[44]  ينظر: العلّامة الحلّيّ: مناهج اليقين في أصول الدين، تحقيق: محمّد رضا الأنصاريّ القمّيّ، ط1، 1416ه، ص 61-65.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف