البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

July / 6 / 2020  |  2147هل يمكن للشكاك أن يعيش شكه؟ بحث في أثر الفكرة على نفس صاحبها

مايلز فريدريك بورنيت المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية شتاء 2020 م / 1441 هـ
هل يمكن للشكاك أن يعيش شكه؟ بحث في أثر الفكرة على نفس صاحبها

يناقش الباحث والأكاديمي البريطاني مايلز فريدريك بورنيت واحدة من أكثر القضايا حساسية ودقّة في منظومة ديفيد هيوم الفلسفية.

والسؤال الأساسي الذي تدور هذه القضية مداره هو معرفة ما إذا كان الشكّاك يعيش شكّه وهو يعاين ظواهر الوجود والعلل التي تمكث وراء هذه الظواهر.

يركِّز البحث على الجانب المعرفيّ لا الاعتقادي في شكوكيّة هيوم، ليبيِّن إثر ذلك على سلوكه في الحياة ونظرته إلى العالم كما يتطرّق إلى صلة هيوم بالتأسيس الإغريقي للنزعة الشكيّة التي بدأت مع البيرونية (نسبة إلى بيرون) مؤسِّس مذهب الشك في القرن الثالث قبل الميلاد وظلَّت سارية إلى عصور التنوير والحداثة.

المحرر


يعرض الرواقيّ أو الأبيقوريّ مبادئ قد لا تكون ثابتة فحسب، بل يكون لها تأثير على التصرّف والسلوك، لكنّ البيرونيّ Pyrrhonian [نسبة إلى بيرو أو بيرون مؤسّس مذهب الشكّ] لا يستطيع أن يتوقّع أن يكون لفلسفته أيّ تأثير ثابت على العقل، أو على الأقلّ لا يتوقع أن يكون تأثيرها مفيدًا للمجتمع في حال كان لها تأثير ما. وعلى العكس فإنّ عليه أن يعترف - إذا اعترف بشيء - أنّ حياة البشر محكومة بالفناء، حيث ستسود مبادئه باطّراد وفي كلّ مكان، وعندها ستتوقّف جميع الخطابات وجميع الأفعال، وسيبقى البشر في حالة من سبات كلّيّ، حتى تضع الضرورات الطبيعيّة، غير راضية، حدًّا لوجودهم البائس. صحيح أنّ هذا الحدث الفتّاك أصغر بكثير من أن يُخشى؛ فالطبيعة دائمًا في غاية القوّة من أجل المبدأ، وعلى الرغم من أنّ البيرونيّ يمكن أن يلقي بنفسه أو بالآخرين في إرباك وذهول مؤقّت من خلال تفكير عميق؛ إلّا أنّ الحدث الأوّل والأقلّ أهمّيّة في الحياة سيطيح بكلّ الشكوك والوساوس، ويتركه كما هو في جميع مراحل الفعل والتأمّل مع فلاسفة الطوائف الأخرى، أو مع الذين لم يشغلوا أنفسهم في أيّ أبحاث فلسفيّة، ثم عندما يستيقظ من حلمه، سيكون أوّل المشاركين في الضحك على نفسه، وسيعترف بأنّ جميع اعتراضاته ما هي إلّا لهو، ولا يمكن أن يكون له ميل غير إظهار الحالة النزويّة للبشر الذين يجب أن يفعلوا ويفكّروا ويؤمنوا؛ رغم أنّهم عاجزون من خلال التحقيق الأكثر جدّيّة، عن إرضاء أنفسهم فيما يتعلّق بأسّس هذه العمليّات، أو  عن إزالة الاعتراضات التي يمكن أن تثار ضدّهم[1]

سأبدأ بهيوم، من الاختلاف مع التأثير الجوهريّ للشكوكيّة البيرونيّة على الفكر الحديث بعد إعادة اكتشاف مؤلّفات سكستوس أمبريكوس Sextus Empiricus  ونشرها في القرن السادس عشر،[2] حيث إنّ هيوم شديد الوضوح في المسائل الفلسفيّة التي أتمنّى مناقشتها من حيث صلتها بـ سكستوس أمبريكوس Sextus Empiricus. البيرونيّة هي المحاولة الجدّيّة الوحيدة في الفكر الغربيّ لحمل الشكوكيّة إلى أبعد حدودها والعمل وفقًا لنتائجها، فقد كان السؤال عن إمكان هذا الأمر، أو حتى عن تماسكه النظريّ مورد نزاع تامّ في العصور القديمة، وكان يشكّل بؤرة رئيسة لنقاش متجدّد دام حوالي مئتي سنة قبل أن يكتب هيوم؛ لذا كان هدفي أن أعود إلى هذه المجادلات القديمة وأدرسها من منظور الفهم العلميّ الحديث لـ سيكتوس أمبريكوس.

خلفيّة المقطع الذي اقتبسته هي ادّعاء هيوم الشهير بأنّ طبيعتنا تمنعنا من الاستنتاج ومن التشبّث بالمعتقدات التي لا يمكن الدفاع عنها مقابل الاعتراضات الشكوكيّة. وكان يميل  بشكل خاصّ للاعتقاد بوجود بالأجسام الخارجيّة وبالاستدلال السببيّ، كما كان لديه هدف خاصّ من إظهار أنّ الدفاع عن ذلك بطريقة عقليّة غير ممكن. لكن الكشف عن اعتراضات الشكوكيّين لن يمنعنا من الانغماس في الاعتقاد والاستدلال، إذ لا يبدو أنّنا نستدلّ ونتمسّك بالاعتقادات بقوّة المبرّرات التي تبيّنُ حججُ الشكوكيّين عدمَ كفايتها؛ لأنّه عندما يكون الاعتقاد أو العمل مرتكزًا على مبرّرات، فإنّه سيتمّ التخلّي عنه عندما تكون المبرّرات باطلة. ونظرًا لأنّنا لا نتخلّى عن الاستدلالات والاعتقادات مقابل الاعتراضات الشكوكيّة الهائلة، فلا بدّ من وجود عوامل أخرى فعّالة في طبيعتنا غير العقل – لا سيّما العادة والخيال – التي يعود الأمر لها أكثر من عقلانيّة الإنسان المتفاخرة، والتي تعزى إليها الاعتقادات والاستدلالات.[3] ثمّة وجهان لمدّعى هيوم في المقطع المقتبس:

أوّلًا: إنّ ما يبطله الشكّاك عندما تنجح حججه، وبالتالي ما سوف يأخذه منّا لو كان لهذه الحجج «تأثير ثابت على العقل»، ليس أقلّ من العقل والاعتقاد.

ثانيًا، إنّ ما يجعل مواصلة الشكّ الجوهريّ في أعمال الحياة العاديّة مستحيلة هو أنّ “الإنسان... يجب أن يفعل ويفكّر ويعتقد”. بيد أنّ التعليق الموجز على كلّ ادّعاء من هذه الادّعاءات سيوفّر بدوره سياقًا فلسفيًّا نفكّر خلاله بما كان يجب على سكستوس أمبريكوس Sextus Empiricus أن يقوله دفاعًا عن مثاليّته البيرونيّة ودعوته إليها.

يُفهم هدف الشكّاكين في النقاشات المعاصرة في كثير من الأحيان بأنّه معرفيّ أكثر منه اعتقاديّ، فقد استعملت الحجج الشكوكيّة لإثارة أسئلة حول كفاية المرتكزات التي ندّعي على أساسها المعرفة بالعالم الخارجيّ، وبالعقول الأخرى، لكن في الحقيقة توجد بعض المشاكل المهمّة التي حصلت من خلال هذه الوسائل التي لا تعدّ من مشاكل الاعتقاد المنطقيّ أو المعرفيّ. ولا مبالغة في التبسيط إذا قلنا إنّه كلّما كان عدم الكفاية الظاهر في أسس الادّعاء المعرفيّ، كلّما صار الاعتقاد القائم على هذه الأسس أقلّ منطقيّة. فلنأخذ مثلًا تقليديًّا معروفًا، إذا تبيّن أنّ أدلّتنا الحسّيّة في الواقع غير موثوقة، وأنّ الاستدلالات التي اعتدنا أن نقيم عليها هذا الدليل غير مضمونة، فلن تكون العبرة المستخلصة الصحيحة أنّنا لا ينبغي علينا أن ندّعي معرفة هذه الأشياء على هذه الأسس فحسب، بل ينبغي علينا أن لا نصدّقها. لكن في الأحوال العاديّة، حيث نعتقد أنّنا ينبغي أن لا نعتقد أنّنا لا نعتقد، فيحتاج الأمر إلى ظروف خاصّة لفهم الفكرة القائلة إنّ الإنسان يمكن أن يحتفظ باعتقاد رغم إدراكه الواضح بأنّ اعتقاده لا أساس له؛ لذا إذا كانت الشكوكيّة مقنعة، فيجب أن نقتنع، ويجب أن يكون لهذا تأثير جذريّ على بنيتنا الفكريّة.

من الواضح أنّ هيوم قدّر هذا، فقد ضغط على البيرونيّة ليس في مسألة الادعاءات المعرفيّة التي يتمّ التخلّي عنها بسهولة، بل في السؤال عمّا إذا كان بمقدوره إيقاف التشبّث بالمعتقدات التي تبيّن حججه أنّها غير منطقيّة.  كما أنّ  سكستوس قدّر الفكرة أيضًا. فقد كان الاعتراض القائل إنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش من دون اعتقاد مألوفًا، وفعلًا أقدم بكثير من الحركة البيرونيّة، نظرًا لأنّه يعود إلى الزمن الذي جادل أثناءه أرسيسيلوس Arcesilaus في الأكاديميّة للمرّة الأولى، في البداية حثّ على تعليق الحكم على كلّ شيء epoché.[4] وهكذا دافع سكستوس Sextus بالتحديد عن الفرضيّة التي تحدّى هيوم البيرونيّين أن يدافعوا عنها، وهي فرضيّة أنّه ينبغي أن يتخلّى عن معتقداته لمواجهة حجج الشكوكيّين، وهو يقدر أن يتخلّى عن هذه المعتقدات، وخارج هذا التخلّي المستمرّ عن الاعتقاد اقترح أن يقدّم طريقة حياة. وكذلك مع تخلّي البيرونيّين عن العقل. وهذا أيضًا، وفقًا لسكستوس Sextus، ليس مرغوبًا فقط، بل هو مستطاع، وخاضع للتعقيد القائل إنّ التخلّي عن العقل هو ذاته ناتج عن البرهان، أي الإصغاء لصوت العقل، وبالتالي – وهنا أصل إلى النقطة الثانية من الملاحظة – لا يملك هيوم حقّ الافتراض بدون حجّة استحالة العيش دون عقل واعتقاد. لا شكّ أنّ هذا يبدو استحالة واضحة، لكن سكستوس يدّعي خلاف ذلك، فهو يرمي إلى الحديث عن حياة تعزّز مدّعاه. ويجب التحقّق من هذا الحديث بالتفصيل قبل التسليم بمدّعى هيوم الدوغمائيّ القائل إنّ البيرونيّ لا يستطيع أن يعمل وفقًا لشكّه.[5] علينا أن نحاول أن نكتشف المعنى الحقيقيّ للحياة دون اعتقاد.

الاعتقاد، الصواب والوجود الحقيقيّ

يمكن أن نبدأ، كما يبدأ الشكّاك نفسه، بالحجج. الشكّ Skepsis يعني التساؤل والتمحيص، والشكّ البيرونيّ هو ممارسة متطوّرة جدًّا للبحث الجدليّ في المقام الأوّل، وتتشكّل وفقًا لعدد من النماذج والأساليب الجدليّة. النماذج العشرة لإينسيديموس[6]، والنماذج الخمسة[7]، هي الأكثر بروزًا من بين النماذج، لكن هناك غيرها، وهي تتكرّر بدرجة كبيرة من الانتظام الملحوظ عبر الصفحات في كتابات الشكّاكين، وتصل دائمًا إلى النتيجة نفسها: الإبوخة epoché، ىتعليق الحكم والاعتقاد. هذه النماذج الجداليّة، مع هذه النتيجة، تشكّل جوهر الشكوكيّة (skepsis) كما عرّفها سكستوس أمبريكوس في كتاب الخطوط العامّة للبيرونيّة  Outlines of Pyrrhonism إنّها: «القدرة على إدخال الأشياء التي يمكن أن تظهر والأشياء التي يُفكَّر فيها في التعارض بأيّ طريقة، بغية الوصول، بسبب تكافؤ قوّة العناصر المتعارضة والمزاعم المتنافسة أوّلًا إلى تعليق الحكم، وبعدها إلى الأتراكسيا (ataraxia الطمأنينة، والتخلّص من الاضطراب)[8]. يرسم التعريف مسار الرحلة التي يقوم بها الشاكّ مرارًا انطلاقًا من تعارض الأفكار أو تنافرها إلى تعليق الحكم فالطمأنينة epoché and ataraxia.

تبدأ الرحلة عندما يحقّق في سؤال أو في حقل بحثيّ ويجد أنّ الآراء حول وجود الحقيقة متناقضة. المأمول من التحقيق، على الأقل في المراحل الأولى من سعيه للاستنارة، هو الوصول إلى الطمأنينة، وذلك إذا استطاع اكتشاف الأمور الصحيحة والخاطئة من المسألة وإعطاء تصديقه بالحقيقة[9] الصعوبة التي واجهها هي  - كما وجد الشكّاكون عبر العصور - أنّ الأشياء في أيّ مسألة تبدو بشكل مختلف لأناس مختلفين وفقًا لظرف أو آخر من الظروف المختلفة، وهذا كلّه مفهرس بتفصيل كبير في نماذج أنسيديموس العشرة. علينا أن نفهم، وأحيانًا يذكر هذا بصراحة[10]، بأنّ الظواهر المتناقضة لا يمكن أن تكون متساوية في صوابيّتها، أو في واقعيّتها؛ لذلك يحتاج إلى معيار للحقيقة كي يحدّد ما يقبله، لكن الشكّاك بعد ذلك يجادل، وأحيانًا بشيء من الإطالة، مؤكّدًا على عدم توفّر معيار مقبول عقليًّا يمكن أن نثق به ونستخدمه – وهذا هو المرتكز الأساسيّ الحقيقيّ للمناقشة الذي يوازي محاولة الشكّاك الحديث لإثبات أنّنا لا نملك طريقة كافية لنثبت متى تكون الأشياء كما تبدو في الواقع، وبالتالي لا يوجد ضمان كافٍ ضدّ الأحكام الخاطئة. وبعد أن افترض إثبات الفكرة، تُرك الشكّاك مع الظواهر المتعارضة والآراء المتضاربة التي ترتكز عليها، عاجزًا عن إيجاد أيّ علّة لتفضيل أحد هذه الآراء على الآخر، وبالتالي توجّه لمعاملتها جميعها بالقوّة نفسها وباستحقاق القبول نفسه (أو عدم استحقاقه). لكنّه لا يستطيع قبولها كلّها بسبب تناقضها، وبالتالي فإذا كان لا يستطيع أن يقبلها كلّها (بسبب تناقضها)، ولا يستطيع أن يختار إحداها (لعدم توفر المعيار)، فإنّه لا يستطيع أن يقبل أيًّا منها. تلك هي النتيجة النموذجيّة للاكتشاف الشكوكيّ لتساوي المزاعم المتعارضة في القوّة (isostheneia)). أمّا فيما يتعلّق بالحقيقة، فعلينا أن نعلّق الحكم، وعندما يعلّق الشكّاك الحكم، تحصل الطمأنينة. الطمأنينة التي يسعى إليها تأتي إليه، كما لو بالصدفة، وعندما يتوقّف عن محاولة الحصول عليها بفاعليّة، يحصل له ما حصل مع الرسام  Apelles الذي لم يستطع إنجاز رسم لُعاب الحصان إلّا عندما استسلم وقذف بريشته على اللوحة[11].

هذا كلّه يندرج تحت تعريف سكستوس Sextus للشكوكيّة. والتسلسل هو: تناقض ـ عدم قدرة على الحسم ـ تكافؤ في القوّة ـ تعليق الحكم، وأخيرًا الطمأنينة. توصل الحجج إلى الإبوخة ـ تعليق الحكم والاعتقاد، ويبدو أنّ هذا يؤدّي إلى تغيير أساسيّ في خاصّيّة التفكير عند الإنسان، وبالتالي في حياته العمليّة، وبالتالي فإنّه يعيش حالة من الطمأنينة astosadox بدون اعتقاد، فيتمتّع بطمأنينة العقل (التخلّص من الاضطراب)، وهي تعبير الشكوكيّ عن السعادة (eudaimonia)[12].

 لكن لاحظ أنّ التعارض بين الآراء يعني عدم انسجامها، واستحالة أن تكون صحيحة معًا[13]؛ وعدم القدرة على رفع التناقض هو استحالة البتّ في صوابيّة أيّ رأي؛ غير أنّ تساوي الآراء المتصارعة في القوّة يعني أنّها جميعها متساوية في استحقاق (أو عدم استحقاق) القبول بصحّتها؛ وتعليق الحكم هو حالة  يمتنع الفرد فيها عن إثبات أو نفي صحّة أيّ واحد منها، حتى الطمأنينة هي وغيرها من الأشياء عبارة عن التوقّف عن القلق حول الصواب والخطأ. تتعلّق جميع هذه الأفكار بمفهوم الصواب، ولا معنى لأيّ مرحلة من السلسلة دونها. وثمّة حقيقة ذات أهمّيّة مركزيّة وهي أنّ الصواب في مفردات الشكوكيّ وثيق الصلة بالوجود الحقيقيّ بوصفه مباينًا للظاهر[14].

عندما يشكّ الشكّاك بصوابيّة شيء ما[15]، يكون في اعتباره ادعاءات حصريّة تتعلّق بالوجود الحقيقيّ. البيانات التي لا تسجّل إلا كيف تبدو الأشياء ليست مثار بحثٍ – وهي لا تسمّى صوابًا أو خطأ –  مثار البحث هو البيانات التي تقول إنّ الأشياء في الواقع كذا وكذا فقط. المسألة في الجدل الدائر بين الشكّاكين والدوغمائيّين حول أصل وجود أو عدم وجود حقيقة، هي ما إذا كان يمكن قبول صدق قضيّة أو صنف من القضايا على عالم حقيقيّ موضوعيّ يتميّز عن الظواهر؛ لأنّ عبارة «صادق» في هذه النقاشات تعني «يصدق على عالم موضوعيّ حقيقيّ»؛ والصواب هو إذا كان وجود هذا الشيء يتوافق مع الواقع، ويرتبط ارتباطًا تقليديًّا بكلمة  alethes منذ أقدم مراحل الفلسفة اليونانيّة[16].

والآن اتّضح أنّه إذا كانت الحقيقة محصورة بالأمور التي تنتمي إلى الوجود الحقيقيّ باعتباره مغايرًا للظاهر، فإنّ الأمر نفسه سيعود وينطبق فورًا على التسلسل الذي تتبّعناه منذ لحظات. المفاهيم المشمولة هي الانسجام والتعارض وعدم القدرة على الحسم isostheneia, epoch¯e, ataraxia؛ لأنّها بالجملة، ستترابط عن طريق الحقيقة والوجود الحقيقيّ مقابل الظاهر، لا سيّما إذا كانت الإبوخة epoché تعليقًا للاعتقاد المتعلّق بالوجود الحقيقيّ بوصفه مختلفًا عن الظاهر، وهذا يعادل تعليق كلّ الاعتقادات، نظرًا لأنّ الاعتقاد هو القبول بصوابيّة الشيء. لا يمكن أن يُطرح سؤال حول الاعتقاد بالظاهر باعتباره مختلفًا عن الوجود الحقيقيّ، فإذا كان لا يمكن أن توصف البيانات التي تسجّل كيفيّة ظهور الأشياء بالصدق أو الكذب، فإنّ البيانات التي تدّعي كيف تكون الأشياء في الحقيقة هي التي يمكن أن توصف بذلك فقط.

ومن الواضح أنّ لهذه النتيجة بالغ الأهمّيّة في فهم مشروع الشكّاكين وتصوّرهم المثاليّ للحياة دون اعتقاد. يعرّف سكستوس «العقيدة» – وبالطبع إنّ كلمة دوغما  dogma اليونانيّة الأصل تعني ببساطة «عقيدة»[17] - بأنّها التصديق بشيء غير واضح، أي بشيء لا يُتاح في الظاهر.[18] وعلى نحو مشابه، فالمراد من (أن نعتقد) كما يفسر سكستوس العبارة، هو ما يفعله المرء الذي يفترض الوجود الحقيقيّ بشيء ما[19]، من سياقٍ يكون الاعتراف فيه بعدم قدرة الجميع على استعمال العبارة بهذا المعنى الحصريّ)[20]. الإقرار هو الجنس؛ والرأي أو الاعتقاد هو النوع الذي يتعلّق بمسألة الوجود الحقيقيّ المخالف للظاهر. الدوغمائيّون، يمثّلون التنوّع الذي لا حدود له والذين تزوّد آراؤهم المتعلّقة بالوجود الحقيقيّ الشكوكيَّ بأسلحته وأهدافه معًا، إنّهم ببساطة أهل الاعتقاد، إلى حدّ القول إنّ القراءة في الدلالة الحديثة لـ «الدوغمائيّ» مبرّرة، أي هو الشخص الذي يتشبّث برأيه بعناد وبطريقة غير منطقيّة، لكن لا علاقة لهذا المعنى بالمعنى الحقيقيّ للمصطلح اليونانيّ، بل بالزعم الذي يفرضه الشكّاك، والذي سنتعرّض له، وهو الذي يرى أنّ كلّ عقيدة هي غير منطقيّة، فكلّ عقيدة غير منطقيّة؛ لأن - كما نرى الآن- كلّ اعتقاد يتعلّق بالوجود الحقيقيّ الذي يختلف عن الظاهر.

فاصل تاريخيّ

يمكن أن نصل في تتبّع هذا الجدال ضدّ الاعتقاد على الأقلّ إلى بدايته مع اينسيديموس Aenesidemus، الرجل الذي كان مسؤولًا بشكل رئيسيّ عن تأسيس، أو على الأقلّ إعادة إحياء، البيرونيّة في القرن الأوّل قبل الميلاد – قبل ما يقارب المئتي سنة أو أكثر من تأليف سكستوس لكتاب معالم البيرونيّة Outlines of Pyrrhonism. وربّما كان كتاب Aenesidemus مدخلًا مختصرًا للبيرونيّة أوّل كتاب يحمل هذا العنوان، ونحن لا نعرف إلّا قليلًا عنه من خلال تقرير لديوجينس لايرتيوس  Laertius  Diogenes[21]، شرع أينيسديموس في تصنيف النماذج أو الطرائق المتنوّعة التي من خلالها تؤدّي الأشياء إلى نشوء الاعتقاد أو الاقتناع[22]، ومن ثمّ تقوم بالتدمير المنهجيّ للاعتقاد المكتسب بهذه الطريقة من خلال تبيان أنّ كلّ صيغة من هذه الصيغ تنتج اعتقادات متناقضة وبنفس الدرجة من قوّة الإقناع، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها لجهة إيصالنا إلى الحقيقة.[23] ومن الواضح جدًّا أنّه عندما ترسل حواسنا تقارير منسّقة نميل للاقتناع بأنّ الأشياء هي كما تبدو[24] لنا، لكن إذا راعينا تمامًا الانطباعات المختلفة التي تنتجها الأشياء عند حيوانات مختلفة وأناس مختلفين وأناس في شروط وظروف مختلفة، وجميع الاعتبارات الواردة تحت عنوان الأنماط العشرة، سوف نرى أنّه في أيّ قضيّة ثمّة قدر من الأدلّة من النوع نفسه، أو بالقدر نفسه من الجودة، ويمكن إيرادها كدليل على رأي معاكس؛ لأنّ كلّ نموذج من الأدلة يمكن أن يضاهي الأدلّة من النوع نفسه، لكن من خلال التوجّه باتجاه آخر، وكلّ مصدر للاعتقاد هو مصدر للاعتقادات المتناقضة. ولا شكّ أنّ العبرة من ذلك هي تعليق الحكم بشأن ما هو صواب[25]، لكن هذا ما يُعبّر عنه أيضًا بقولنا: علينا أن نقبل جهلنا بالطبيعة الحقيقيّة للأشياء[26]، والذي يؤكّد من جديد على الصلة الحميمة بين الصواب والواقع. أمّا لاعتبار الإضافيّ فمعناه أنّ بعض الأنماط التي يُكتسب الاعتقاد من خلالها ليس لها إلا تأثير طفيف أو ربّما لا تأثير لها على الإطلاق على صدق القضايا وكذبها، كما عندما نعتقد بشيء لأنّه مألوف لنا أو لأنّ متحدّثًا بارعًا أقنعنا به.

باختصار، لا ينبغي أن نفترض أنّ ما يقنعنا (to peithon) هو صحيح في الواقع؛ لأنّ الشيء نفسه قد لا يقنع الجميع، ولا حتى الأشخاص ذاتهم دائمًا. يتوقّف الإقناع (pithanot¯es) أحيانًا على الظروف الخارجيّة، على سمعة المتكلم، على قدرته كمفكّر أو على براعته، وعلى المعرفة بالموضوع وعلى ما فيه من جاذبيّة[27].

 ولهذا الكلام عن الإقناع والقدرة على الإقناع صدى خاصّ في سياق[28]، مطابق تمامًا للمقطع الذي اقتبسناه للتو، وليس بعد ذكر أنيسيديموس بكثير[29]، يساوي سكستوس ما يقنعنا (to peithon h¯emas) بالمعنى الأكاديميّ لـ الإقناع. وعادة تترجم عبارة “ pithanon « خطأ إلى «راجح”، لكن في الغالب ما تعنيه العبارة اليونانيّة هو «مقنع» أو «مفحم»، وقد عرّف كارنيادس Carneades الانطباع المقنع بأنّه الانطباع الذي يبدو صحيحًا (M vii.169, 174).[30] الفكرة المهمّة لأهدافنا هي أنّه في التأريخ الشكوكيّ، كما في كلّ كتاب تاريخ منذ ذلك الحين، كان يفترض على كارنيادس Carneades أن يجعل الإقناع  المقياس الأكاديميّ للسلوك في الحياة[31]: معيارًا قابلًا للخطأ؛ نظرًا لأنّه أتاح لنا في بعض الأحيان أن نقنع بشيء قد كان خطأ بالفعل[32]. وقال أيضًا إنّ اعتقادنا يكون أعظم – وفهم البيرونيّون بأنّه يعني أنّه ينبغي أن يكون أعظم – عندما تقدّم حواسنا تقارير منسجمة[33]؛ وهذه الفكرة التي رأينا أنّها إحدى أهداف أينسيديموس Aenesidemus، هي الركيزة للمعيار الثاني والأدقّ في مخطط كارنيادس القياسيّ الثلاثيّ المستويات، الانطباع الذي ليس مقنعًا فقط؛ بل الذي لا يكون “معكوسًا” أيضًا من خلال أيّ انطباع مرتبط به. إذًا، إذا كانت عبارة to peithon (يقنع) هي عبارة pithanon (مقنع) الأكاديميّة، وإذا كنت محقًّا في الكشف عن أينسيميدوس وراء المقاطع في كتابات ديوجينس وسكستوس، حيث يكون to peithon عرضة للنقد، تكون حملته على الاقتناع والاعتقاد في الوقت نفسه حربًا جداليّة ضد الأكاديميّة التي انشقّ عنها.[34] الهدف العامّ للأنماط العشرة هو أن تضلّلنا وتبعدنا عن أيّ شيء يقنعنا بأنّه يمثّل الحقيقة والواقع. والهدف الأخصّ لـ أينسيميدوس هو الفكرة، التي ينسبها للأكاديميّة (سواء أكان صدقًا أم جدلًا)،[35] وهي أنّ لدى المرء معيارًا يكفي للفعل، ويكفي في اعتبار المقنع صحيحًا بمعنى أنّه يبدو صحيحًا. يرى  أينسيميدوس أنّه لا ينبغي للمرء أن يعتقد بصحّة شيء، وقد كان لديه حجج تبيّن أن لا شيء صحيحًا  في الواقع[36].

إذًا، ليس فقط أنّ الحياة بدون اعتقاد كانت ميزة أساسيّة للبيرونيّة بدءًا من أينسيميدوس، بل إنّ من طرحها هو أينسيميدوس في معارضة واعية لـ  (ما يقدمه على أنّه ) تعليم الأكاديميّة الجديد. إذا كان للأنماط العشرة تأثيرها المقصود، فسنكون منفصلين عن المعيار الأكاديميّ لإدارة حياة إلى مثال حياة البيرونيّ الجديد لـ  أينسيميدوس بدون اعتقاد. لكن على الأرجح أنّ هذا لم يكن اقتراحًا جديدًا بقدر ما كان إحياء لاقتراح أقدم.

تبرز فكرة أنّ الإنسان لا يستطيع العيش بدون اعتقاد (الكلمة المستعملة هي astous adox، كما في كتابات سكستوس) في أكثر الكتابات التاريخيّة انتشارًا المتوفرة عن فلسفة بيرون: الاقتباس في يوسابيوس[37] من أرسطوقليس، الكاتب المشائيّ من القرن الثاني للميلاد الذي يقدّم ما يزعم أنّه اختصار للآراء المنسوبة إلى بيرو عن طريق أحد أتباعه تيمون Timon.[38] جاء في الملخّص أنّه لا ينبغي أن نضع أيّ ثقة في إدراكاتنا أو معتقداتنا؛ ذلك لأنّها ليست صحيحة وليست خاطئة، وبالتالي عندما نضع أنفسنا على الحياد، بدون اعتقاد، ينتج طمأنينة. الراجح أنّ أرسطوقليس تلقّى هذا التقرير من خلال أينيسيديموس  Aenesidemus نفسه،[39] لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّه يعطي تفسيرًا مشوّهًا لتفسير تيمون لبيرو. إنّ مقدارًا لا بأس به من شذرات تيمون التي بلغتنا هو على الأقلّ مؤشّر على البيرونيّة اللاحقة.[40] بالإضافة إلى أنّ القصص المتنوّعة التي تروي كيفيّة اضطرار أصدقاء بيرون لاتّباعه من أجل حمايته من الدهس تحت العربات أو من المشي على  حافة الهاوية[41] هي بالتحديد من النوع الذي يمكن للمرء أن يتوقّع تزايده حول رجل معروف بتعليم حياة بدون اعتقاد. وهذه القصص قديمة، وهي مقتبسة من سيرة ذاتيّة لبيرو كتبها أنتيغونوس الكاريستوسي Antigonus of Carystus في الثلث الأخير من القرن الثالث قبل الميلاد، وهذا قبل أينسيميدوس بكثير؛ في الواقع شعر أينسيميدوس بضرورة محاربة الفكرة القائلة إنّ الفلسفة التي ترتكز على تعليق الاعتقاد ستجعل بيرون بدون بصيرة[42]. وهذا يبدو دليلًا واضحًا على أنّ الحياة بدون اعتقاد بالنسبة لـ  أينسيميدوس نفسه كان إحياء لمثال أقدم بكثير.

وكذلك لا يوجد صعوبة في تخمين أيّ من الأسباب الفلسفيّة التي اضطرّت أينسيميدوس للجوء إلى بيرو من أجل نموذجه. فبدت الأكاديميّة في زمن فيلون اللاريسي Philo of Larissa أقلّ حدّة في شكّها مما كانت عليه؛ ولا سيّما حيال تفسير فيلون المثير للجدل لـغرنياديس[43]، يمكن أن يكون الاقتناع قد قدّم كمعيار إيجابيّ للحياة.[44] والمشكلة الأكبر أمام الشكوكيّة الأكاديميّة كانت دائمًا الاعتراض – اعتراض هيوم – بأنّ التعليق الكليّ للحكم يجعل العيش مستحيلًا.[45]

قدّم التراث المتعلّق ببيرو حلًّا للمشكلتين في الوقت نفسه. طريقة العيش بدون اعتقاد وبدون تخفيف الإبوخة الشكوكيّة تكون من خلال الحفاظ على الظاهر، كانت هذه طريقة أو معيار العيش الذي تبنّاه أنيسيديموس (Diog. Laert. ix.106)، والتي لم يظهر أيّ تأييد لها في شذرات تيمون،[46]  والتي سنجدها مفصّلة في كتاب سكستوس أمبريكوس. وهناك فكرة سارّة تقول إنّ سكستوس إضافة لاعتراضه الذي سبق اعتراض هيوم إذا كنت محقًّا حول السياق الفلسفيّ الذي حثّ أنيسيديموس على إحياء البيرونيّة، كان هناك شيء من الدقّة في تلقّي الاعتراض بفاعليّة أكبر مما كان من قبل، وهذا ما جعل أنيسيديموس يترك الأكاديميّة وينحاز لبيرون.

العيش من خلال الظواهر

  إعادة هيكلة الفكر الشكوكيّ، والحياة بدون اعتقاد، والطمأنينة هي أفكار لا نربطها في هذه الأيام بالشكّ الفلسفيّ الذي بات نوعًا من الممارسة الجدليّة في معالجة المشاكل التي تركز، كما أشرت سابقًا، على المعرفة أكثر من الاعتقاد. حتى بيتر أونغر Peter Unger الذي أطلق حديثًا برنامجًا لإعادة هيكلة الفكر الشكوكيّ[47] لا يحاول في الواقع إزالة الاعتقاد، فبعد العمل الدؤوب أعاد اكتشاف أنّ الشكوكيّة تشتمل على إنكار للعقل، وأنّ العلاقة بين الشكوكيّة والمشاعر، وأمور كثيرة غيرها كانت مألوفة لسكستوس إمبريكوس الذي وافق على أنّ كلّ اعتقاد هو غير منطقيّ، وحتى أنّ لديه حجّة تقول إنّه لا أحد في الواقع يعتقد بشيء، فالاعتقاد نفسه مستحيل. لكنّه لا يؤمن في الواقع بهذه التنقية الأخيرة؛ نظرًا لأنّ برنامجه يتوخّى استبدال مفاهيم مثل المعرفة والعقل بتقديرات أقلّ إلحاحًا لعلاقاتنا المعرفيّة بالواقع، بالأحرى في روح المطالب الأكاديميّة؛ وبالتالي يبدو واضحًا أنّه فيما قد يزول عدد كبير من اعتقاداتنا الراهنة، (في البدء، كلّ الاعتقادات التي ترتبط بما هو معروف وبما هو معقول)، فإنّ الاعتقاد بهذه الطريقة سيبقى راسخًا ثابتًا في مركز حياتنا الذهنيّة. أمّا البيرونيّة اليونانيّة القديمة فلن تسمح لها بالبقاء، فهو يشكّ في المعرفة، وللتأكيد: هذه وطأة جميع الحجج ضدّ انطباع الرواقيّين الجامد – الانطباع الذي يكون واضحًا ومميّزًا[48]  يحتمل إدراكًا لموضوعه ويشكّل أساسًا للمعرفة الآمنة. لكنّ هذا العدو الرئيس، كما رأينا، هو الاعتقاد؛ لذا يبرز السؤال الآتي: ماذا يبقى للإنسان الذي يعتنق حياة بدون اعتقاد عن طريق الحجج الشكوكيّة، وهذا يعني، كما دائمًا، بدون اعتقاد بالنسبة للوجود الحقيقيّ؟ هذا السؤال الذي يجب علينا أن نسأله إذا أردنا أن نكشف سرّ طمأنينة الشكّاك.

باختصار، جواب الشكّاك، هو أنه يتبع الظواهر[49]. المعيار الذي يعيش حياته على أساسه هو الظاهر. وفي تفصيل أكثر، لديه مخطّط للحياة من أربع وجوه[50]، وهذا المخطّط يسمح له أن يكون خاضعًا لأربعة قوى أساسيّة، كما يأتي:

أوّلًا، هناك قيادة الطبيعة:  تقود القوى الإنسانيّة الطبيعيّة الشكّاك إلى الإدراك والفكر، وهو يستعمل حواسه ويُمرّن قواه العقليّة،

ثانيًا: يأتي ضغط القوى الجسمانيّة (path¯on ananké)، فالجوع يدفعه إلى الطعام، والعطش إلى الشرب، وسكستوس يوافق مع هيوم على أنّنا لا نستطيع إزالة المواقف التي لا علاقة لسبب منشئها بالعقل والاعتقاد[51]. وبالفعل في هذا الخصوص لا يمكن لإنسان أن يحصل على الطمأنينة الكاملة ataraxia، فالشكوكيّ بوصفه كائنًا مادّيًّا يقنع بتلطيف المشاعر metriopatheia[52]، سيتلطف الاضطراب إلى حدّ كبير إذا تحرّر من عنصر الاعتقاد الإضافيّ (to prosdoxazein) ويكون لتوفير الطعام والشراب أهمّيّة.

ثالثًا: هناك تراث القوانين والعادات: الشكّاك يحافظ على القواعد ويراقب السلوك في الحياة من أجل صلاح مجتمعه[53]

رابعًا: التوجيه في مجال الفنون: يمارس فنًّا أو مهنة، في حالة سكستوس الخاصّة هي الطب، إذًا لديه ما يفعله. وكل هذا يندرج تحت عنوان الظاهر، لكن سكستوس لا يهدف في الحقيقة إلى تطوير الخطّة بتفصيل فعليّ. عندما يوجّهنا في هذه الاتجاهات الأربعة، يكون اهتمامه الرئيسيّ، وبالتالي اهتمامنا نحن هنا، بمعيار الظهور العام.

في قسم من كتاب الخطوط العامّة للبيرونيّة Outlines of Pyrrhonism الذي ذكر فيه بشكل رسميّ أنّ الظاهر هو  المعيار الذي يعيش من خلاله الشكّاك حياته[54]، ليس أنّ الظاهر يتعارض مع الواقع فقط، بل إنّ العمل على أساس الظاهر يتعارض مع حياة الاعتقاد. إنّ المصادر العقليّة المتبقّية للشكّاك عندما يتجنّب الاعتقاد ستكون متناسبة مع أيّ شيء يكون إلى جانب الظاهر عندما يوضع حدّ بين الظاهر والوجود الحقيقيّ؛ لذا بات السؤال مهمًّا، وأنا لم أسأل بعد، ماذا يخالف الشكوكيّ عندما يضع الظاهر في مقابل الوجود الحقيقيّ. من خلال المعطى نفسه، لو تحدّد الظاهر بنوع واحد من الظواهر – والمرشّح الراجح لهذا الأمر هو الظاهر الحسّيّ – سيكون له دلالات محدودة بالنسبة للمضمون العقليّ لحياة بدون اعتقاد.

فلنرجع قليلًا إلى المقطع الذي قدّم فيه سكستوس تعريفه للشكوكيّة بأنّها القدرة على خلق تباين بين الأشياء الظاهرة أو الأشياء الموجودة في الفكر إلخ. وعندما يصل سكستوس لتوضيح مصطلحات تعريفه، يقول نحن نعني بـ «الأشياء الظاهرة (phainomena) المحسوسات (aisthéta) التي تباين الأشياء المفكّر فيها[55]. وهذا يدلّ بالتأكيد على أنّه لا يعني دائمًا أو عادة المحسوسات فقط عندما يتحدث عن الظاهر[56]. وقد اعتبر بعض المفسّرين وأحدثهم شارلوت ستو Charlotte Stough أنّ معيار الشكّاك هو الظهور الحسّيّ بالمعنى الحصريّ؛ إذ عندما يقول سكستوس إنّ المعيار هو ما يظهر  (to phainomenon)، فإنّه يضيف أنّ الشكّاكين يقصدون بهذا الانطباع (phantasia) الحاصل عن الشيء الذي يظهر[57]. لكنّ الفكرة هنا هي الشرح التبسيطيّ الذي يفيد أنّ ما يعمل الشكّاك وفقه في حياته اليوميّة لا يقتصر على ذات الشيء الذي يظهر، بل الانطباع الذي يحصل منه ووفقًا لتعبير سكستوس (كما في الاستعمال الرواقيّ[58] - هناك انطباعات (phantasiai) لا يمكن التفكير بها  باعتبارها انطباعات حسّيّة. احتاج فقط لذكر الانطباع الذي يتشارك فيه جميع خصوم بروتاغوراس Protagoras، الذي يقول إنّه ليس كلّ انطباع صحيحًا[59]. بالنسبة لما يظهر، ويمكن أن يكون هذا الـ «ما يظهر” أيَّ شيء. سكستوس جاهز لأن يضمّ إلى الأشياء الظاهرة موضوعات الحواس وموضوعات الفكر[60]، ويصل أحيانًا إلى حدّ الكلام عن الأشياء الظاهرة للعقل (logos) أو الفكر[61] (dianoia, unambiguously[62]). وأخيرًا هناك مجموعة ظواهر أكثر أهمّيّة ألحقت بالتعابير الفلسفيّة للشكّاك نفسه؛ كما أكّد ميخائيل فريدي  Michael Frede [63] بأنّنا لا نستطيع تصنيفها في خانة الظواهر الحسّيّة.

حذّر سكستوس مرارًا وتكرارًا من أنّ صيغة الشكّاكين مثل «أنا لا أحدّد شيئًا” هذا ليس أرجح من ذاك»[64] أو نتائج حجج الشكّاكين مثل «كلّ شيء نسبيّ»[65] أو بالفعل يمكن اعتبار المحتويات الكاملة لمقالته[66] مجرّد مدوّنات للظواهر. يسجّلون، كما يسجّل سجل للأحداث[67]، كيف يبدو كلّ شيء للشكّاك، ويعلنون أو يروون  كيف تؤثّر فيه (his pathos) دون إلزامه بالاعتقاد أو بالتأكيد على أنّ أيّ شيء هو في الواقع والحقيقة  يكون كما يبدو له[68]. وكما يتّضح أنّه سيكون مستحيلًا اعتبار جميع هذه المظاهر انطباعات حسّيّة.[69] لكن ممارسة البحث الجدليّ تمثّل جانبًا مهمًّا جدًّا من الطريقة التي يعمل الشكّاك وفقها؛ لذا يجب بالتأكيد أن تُضمّ لمعيار الشكّاك. إنّها نتيجة واحدة بالتأكيد، وهي نتيجة في غاية الأهمّيّة لقدرته الطبيعيّة على الإدراك والتفكير. لا يمكن أن يكون المظهر الحسّيّ هو ما يقول الشكّاك إنّه يتبع المظاهر.

قد نسلّم بأنّ نتيجة حجّة الشكّاك عادة هي أنّه لا يمكن تحديد الطبيعة الحقيقيّة لشيء، وأنّه علينا أن نقنع أنفسنا بالقول كيف يظهر، وهذا يعني كيف يبدو للحواس. لكن نفس الصيغ في الأساس تستخدم عندما يكون موضوع البحث، مثلًا، وجود الأنواع والأجناس[70]، وصوابيّة أو خطأ بعض العادات والممارسات[71]، أو عمومًا موضوعات الفكر (noéta) التي تختلف عن الأشياء المحسوسة[72]؛ بل نتيجة الحجّة الشكوكيّة يمكن أن تكون أيضًا أنّ المفهوم لا يمكن أن يُصاغ، مثل مفهوم الإنسان[73]. وفي هذا الخصوص يعارض سكستوس التأكيد الدوغمائيّ بأنّ الإنسان في الواقع مثلًا حيوان بلا ريش يمشي على قدمين، له أظافر عريضة، وقدرة على اكتساب العلوم السياسيّة، ويوضع هذا التعريف باعتباره مجرّد شيء مقنع (pithanon)؛ الأول هو الشيء غير الشرعيّ الذي يشكّل هدف الحجّة، والثاني ما يُعتقد أنّ أفلاطون كان سيفعله[74]. أعتقد أنّه قد يكون بالتماشي التامّ مع الروح، ما لم تكن رسالة هذا النص إضافة بديلة عن قول البيرونيّين الصحيح إنّ الإنسان هو ما يبدو للمرء أنّه إنسان. فسكستوس يصرّ[75] على أنّ الشكّاك ليس ممنوعًا من التفكير noésis، وصياغة المفاهيم، فيمكن أن يصوغ مفاهيمه الخاصّة، وطالما أنّ أساس هذا أن الأشياء التي يختبرها تبدو بوضوح للعقل ذاته، وأنّه لم يُقَدْ إلى أيّ التزام بواقع الأشياء المفهومة[76].

بالتالي لا بدّ أنّ أشير إلى أنّ تمييز الشكّاك بين الظاهر والوجود الحقيقيّ هو تمييز شكليّ بحت، مستقلّ بالكامل عن موضوع البحث، فالشكّاك لا يقسّم العالم بين ظواهر وحقائق، ويمكن للمرء أن يسأل عن انتماء أيّ منها لخانة الظاهر أو خانة الحقيقة؛ بل إنّه يقسم الأسئلة إلى أسئلة حول الكيفيّة الظاهرة للشيء، وأسئلة حول كيفيّة وجود الشيء في الواقع والحقيقة، ويمكن أن يسأل كلا النوعين من الأسئلة عن أيّ شيء مهما كان.

يقول سكستوس في الفصل المتعلق بمعيار الشكّاك: “أظنّ أنّه لا أحد يختلف حول ظهور الموضوعات الأساسيّة كذا وكذا: ما يبحث عنه هو ما إذا كانت كما تبدو»[77]. السؤال المألوف في الفلسفة الحديثة، والذي يجيب عنه الجميع بشكل حازم هو كيف يبدو الشيء أو كيف يظهر؟. عندما يقول سكستوس إنّ انطباع الإنسان ليس موضوعًا للبحث  azététos [78]، فإنّه لا يمكن الطعن بالادّعاء بتقريره الذي يقول إنّه هكذا يظهر له، كما لا يمكن أن يكون مُلزمًا بإعطاء تبرير، أو دليل أو برهان عليه. ولا يمكن أن يُسأل عن التبرير المناسب إلّا عندما يتجرّأ على ادّعاء المعرفة بكيفيّة وجود الشيء في الواقع. ونتيجة هذا أنّ الشكّاك الذي يتمسّك حصريًّا بالظاهر ينسحب إلى موقف لا يتعرّض فيه للنقد أو التحقيق. يمكن أن يتحدّث عن أيّ شيء تحت الشمس – لكن لا يمكنه الحديث كيف يكون في الواقع، بل فقط الإشارة إلى كيف يبدو له. إنّه ينسحب إلى هذا الموقف المفصول، نتيجة لإرضائه المتكرّر لنفسه القائل إنّ البحث المتعلّق بالطبيعة الحقيقيّة للأشياء يؤدّي إلى خلاف لا يمكن حلّه. هكذا يمكن أن نفهم لماذا لا يكون استعمال الشكّاك للعقل إلّا جدليًّا. وبكلّ بساطة لا يريد شخصيًّا قول شيء يبدو كأنّه يتطلّب تبريرًا عقليًّا[79]. والعقل مفهوم إضافيّ مهمّ يرتبط بالحقيقة والوجود الحقيقيّ.

إذًا اتضح أنّ الحياة بدون اعتقاد ليست حياة الذهن الفارغ التي يمكن للمرء أن يتصوّر أوّلًا أنّها تكون كذلك، وحتى لا تقتصر على موضوع البحث الذي تدور حوله أفكار الشكّاك؛ بل إنّ سرّها موقف ذهنيّ يظهر في أفكاره. وهو يشير إلى أنّ الانطباع الذي تثيره الأشياء عنه والانطباعات المعاكسة التي يثيرها عن الناس الآخرين، وانطباعاته الخاصّة لا تبدو له أقوى، وليست أكثر قبولًا، من انطباعات الآخرين[80]. وبقدر ما يحقّق الطمأنينة، لا يعود مهتمًّا بالاستفسار عن صحّة أيّ منها. وعندما يظهر له شيء في ضوء ما، لا شيء يجعله يميل للاعتقاد بأنّه كما يظهر أكثر من حقيقة أنّه هكذا يظهر لأحد غيره. إنّه مجرّد انطباع إضافيّ أو مظهر يجب ملاحظته؛ لذلك يصبح الانسحاب من الحقيقة والوجود الحقيقيّ انفصالًا للمرء عن نفسه. بمعنى ما.

التصديق والإكراه

أعتقد أنّنا مع هذه النتيجة، نصل إلى المقصد الحقيقيّ للشكوكيّة بوصفها فلسفة حياة. إذًا الانفصال الشامل للمرء عن نفسه لا يفهم بسهولة – في الواقع سأحدّد هنا موضع عدم الاتساق المطلق للفلسفة الشكوكيّة – لكن لا بدّ من المحاولة إذا كان علينا تقدير إعادة الهيكلة التي تهدف حجج الشكّاكين لإنتاجها في فكر الإنسان، وبالتالي في حياته العمليّة. ولأجل هذه الغاية يجب أن أطرح الآن موضوعًا صعبًا هو التصديق والإرادة.

شرحت في  ما مرّ أنّ التصديق مفهوم أوسع من مفهوم الاعتقاد. فإن  لا اعتقاد الشكّاك هو (الإبوخة) epoché التي هي الامتناع عن التصديق بأيّ شيء لا يتعيّن في المظهر[81]. لكن يوجد أشياء يصدّق بها: ta phainomena، وهي ما يظهر. وقد ذُكر هذا المبدأ على نحو تامّ في[82]، من دون أيّ قيد على أيّ صنف محدّد من الظواهر، رغم أنّ المثل الذي سنضطر أن نضربه هو المظهر الحسّيّ، طعم العسل، أعتقد كما في السابق، أنّ سكستوس يعني أيّ نوع من الظهور، وبالتالي إنّ التوصيف الإضافيّ الأهمّ الذي يعطيه في هذا الخصوص يجب تطبيقه على كلّ المظاهر بدون استثناء.

وهناك توصيف إضافيّ هو: الأشياء التي تظهر تقودنا للتصديق، بدون أن نريد ذلك، انسجامًا مع الانطباع الذي يؤثّر فينا (kata phantasian pathétikén). يقال ما يشبه هذا حول مناسبات عدّة في أماكن أخرى. عندما يصدّق الشكاك يكون بسبب تجريبه لنوعين من الإكراه. الأوّل، ما يصدّق به هو الحالات التي يتأثّر بها قسرًا انسجامًا مع انطباع ما[83]. يمكن أن يصدّق بانطباع أو كما يعبّر سكستوس[84] يمكن أن يصدّق بما يُقدم انسجامًا مع انطباع تأثّر به بقدر ما يظهر؛ لأنّ الانطباع بذاته، والطريقة التي يظهر بها الشيء، هي شعور انفعاليّ لا يحصل بإرادة الشخص الذي يعيشه، وهو بذلك لا يخضع للبحث أو الجدال estin))[85]؛ بتعبير آخر، إنّه فقط ما يحصل له الآن.

لكن ثانيًا، إلى جانب حصول الانطباع المفروض عليه، فهو أيضًا ممنوع في هذه الحالات من التصديق. الشكّاك يسلّم بالأشياء التي تهزّنا بشكل فعّال وتدفعنا قهرًا إلى التصديق[86].

إذًا، ما هو مضمون تصديق الشكّاك؟ يوصف التصديق بأنّه تصديق بشيء بقدر ما يظهر أو بالحالة / الانطباع الظاهر لنا، لكن التعبير عن هذا التصديق يكون من خلال قضيّة خبريّة: مثلًا، «العسل يبدو حلو المذاق»[87]. وفي موضع آخر[88]. يعبّر سكستوس عن الفكرة بطريقة سلبيّة: عندما يشعر الشكّاك بالدفء أو بالبرد، فإنّه لا يقول «أنا أعتقد أنّني لست دافئًا / باردًا)[89]. اعتبر آرن نايس  Arne Naess أنّ صيغة النفي محاولة للتعبير عن الفكرة التي لا يقبلها الشكّاك ولا يرفضها «يبدو الآن باردًا بالنسبة لي» هو افتراض[90]. لا أجد عند سكستوس أيّ دليل على التمييز بين التصديق بحالة أو انطباع بشيء وبين التصديق بافتراض كيفيّة ظهور الشيء للمرء. يقول سكستوس نحن نسلّم[91]، بأنّ العسل يبدو حلو المذاق لأنّنا نتحلّى حسّيًّا، وهذا ما أفهم أنّه يعني: أنّنا نخضع لتجربة حسّيّة تظهر خصائص الحلاوة. إنّ تصديق الشكّاك لا يعدو كونه اعترافًا بما يحصل له، والتصديق القسريّ والاعتراف بما يحصل له متساويان في البساطة. هذا لا يعني أنّ هناك مقاومة يجب تجاوزها، بل يعني أنّه لا يمكن أن يكون هناك خلاف حول ماهيّة الانطباع؛ إنّه  ليس خاضعًا للبحث. الانطباع لا يعدو كونه الطريقة التي يظهر فيها الشيء للمرء، والتصديق به هو مجرّد اعتراف بأنّ هذا بالفعل كيف يظهر الشيء في اللحظة الراهنة.

حتى الآن، أوضحت هذا الأفكار، كما عرضها سكستوس، وأشرت إلى انطباعات الحواس ولكن كما يحدث، على الأقل واحدة من البيانات المذكورة ترد في سياق يصف موقف العقل الذي يدفعه الشكّاك لممارسة البحث الجدليّ. إنّه البيان[92] القائل إنّ الشكّاك يصدّق بالأشياء التي تعرض له انسجامًا مع الانطباع الذي يؤثّر فيه (kata phantasian pathétiké)، بقدر ما يبدو له. وبالنظر إلى السياق، فإنّ من الطبيعيّ الرجوع إلى ملاحظة المظاهر الملحقة بتصريحات الشكّاك الفلسفيّة المتنوّعة. والقول إنّ phantasia الانطباع يتّصف بأنّه شيء يتأثّر به المرء ليس عائقًا أمام هذا، فقد سبق ورأينا أنّه لا ضرورة لأن يكون الانطباع حسّيًّا، وأن نسمّيه pathétiké يعني ببساطة أنّه انفعال (peisis or pathos) كما في[93] سكستوس في أتمّ الجهوزيّة للحديث عن الانفعال pathos، والعاطفة، الملحقة بصيغة الشكّاك «أنا لا أقرّر شيئًا»[94]. وكما يشرح، عندما يقول الشكّاك «أنا لا أقرّر شيئًا، «فإنّ ما يقوله يعني: «أنا الآن أتأثّر بشيء بطريقة لا يمكنني أن أثبت أو أنفي بطريقة دوغمائيّة أيًّا من المسائل موضع البحث»[95] وهذا يعمّم على جميع تعابير عدم التأكيد الشكوكيّة (aphasia) (فقدان القدرة على الكلام)، ويربط بموضوع التصديق القهريّ بحالات الظهور. وبكلّ وضوح، إنّ موقف «أنا لا أقرّر شيئًا» بوصفه تعبيرًا عن عدم تأكّد الشكّاك، لا يشير إلى الانطباع الحسّيّ. لكنّه لا يشير إلى الشعور الانفعاليّ. وبالتالي قد يبدو أن هذا الشعور والتصديق به مفروض على الشكّاك باعتباره نتيجة لحججه تمامًا بقدر ما يفرض الانطباع الحسّيّ عليه من خلال مواجهة شيء حسّيّ ثم يمارس تصديقه قسرًا.

أعتقد أن هذا صحيح. انظر من خلال عيّنة من حجج الشكّاكين وستجد أنّ عددًا كبيرًا منهم ينتهي إلى القول إنّ المرء مجبر على تعليق الحكم، والكلمة الشائعة anankazَ (مكره)، المفردة نفسها التي تصف علاقتنا الانفعاليّة بالانطباع الحسّيّ والتصديق الذي يحصل. لا يصدّق الشكاك إلّا إذا كان تصديقه قسريًّا، وكذلك الأمر عندما يمتنع عن التصديق، إنّه يعلّق الحكم، هذا لأنّه وجد نفسه مجبرًا على فعل ذلك. الانفعاليّة الملحوظة مقابل أحاسيسه وعمليّاته الفكريّة الخاصّة هي سمة مهمّة لانفصال الشكّاك عن نفسه. لكن من جديد، لا ينطوي الإكراه على أيّ غموض أو جهد.

ونحن جميعًا على دراية بالطريقة التي تفرض فيها الحجّةُ أو الدليل الدامغُ التصديقَ. فقط بهذه الطريقة أعدّت حجج الشكّاكين لتحليل التصديق ( فعل  epechein)  له صيغة متعدّية تعني «حلّل» وصيغة لازمة وتعني «تعليق الحكم». تصوّر إنسانًا في موقف لا يستطيع أن يرى في الواقع أيّ سبب للاعتقاد أنّ القضية (ب)  صادقة بالمقارنة مع القضية السالبة (غير ب)، والاعتبارات المؤيّدة والمعارضة تبدو متساوية تمامًا مهما بلغ مستوى الجهد الذي يبذله في حلّ المشكلة. وبالتالي كما يعبر سكستوس سيعلّق الحكم[96]. وإذا كانت المسألة مسـالة تصرّف حيث لا يستطيع إيجاد سبب لاختيار هذا أو ذاك، يمكن أن يرمي قطعة نقديّة أو ببساطة يفعل أيّ شيء اعتاد المرء على فعله في هذه الظروف. وفي الواقع، هذا ما يفعله الشكّاك عندما يتبنّى اعتقادات المجتمع الذي يعيش فيه بدون أن يؤمن هو نفسه فيها أو بدون أن يكون له أيّ التزام شخصيّ بقيم هذا المجتمع. غير أنّ الاعتقاد ليس كذلك. بالطبع، إنّه سؤال فلسفيّ وجيه، ما إذا كان غير ممكن في بعض الظروف أن نقرّر أو نريد الإيمان بشيء، لكن لا بدّ أن تكون هذه الظروف أكثر ملاءمة من تلك التي ذكرتها، حيث لا يمكن لأحد بالفعل أن يجد ما يخوّله للاختيار بين (ب) و(غير ب). ولنستشهد بأبيكتتوس Epictetus[97]، فقط حاول أن تعتقد، أو بطريقة لا تعتقد بطريقة إيجابيّة، أنّ عدد النجوم زوج[98]

أكرّر: جرّب ذلك. اجعل نفسك مدرِكًا بوضوح لعجزك عن اختيار أحد أمرين، هكذا يريدك الشكّاك أن تشعر تجاه كلّ شيء، وإذا كان ما أقوله صحيحًا أو خطأ (لا أن تقتنع بسمعة أو ببراعة المتكلّم). إنّها الطمأنينة. إذا أرسل ظالم رسالة يقول فيها إنّك أنت وعائلتك ستُقتلون عند الفجر ما لم تقترف عملًا شنيعًا، الشكّاك الحقيقيّ لن يكون مضطربًا حيال صدق الرسالة أو كذبها، أو حيال مضمونها أخير هو أم شرّ حتى  يمتثل للأمر. لن تكون مضطربًا ليس لأنّ إرادتك أخضعت ميلك للاعتقاد وأخضعتك للاضطراب الانفعاليّ؛ بل لأنّك جعلت عاجزًا عن إيجاد أيّ سبب للاعتقاد بأن يكون الشيء صحيحًا وليس زائفًا أو خيرًا وليس شرًّا. وهذا لا يعني أنّك لن تفعل شيئًا، استيقظ  من سُباتك [ إشارة إلى قول كانط: «لقد أيقظنى هيوم من سُباتى الدوجماطيقى»]، لقد تصدّى سكستوس لهذا المأخذ القديم على النحو التالي: أوّلًا من خلال الاعتراف بدور الدوافع الجسديّة كالجوع والعطش، وثانيًا، فإنه من خلال القول بالطبع سيكون للشكّاك تصوّرات مسبقة نتيجة لتربيته في نمط حياة معيّن[99]، وهذا ما سيدفعه للتصرّف بطريقة أو بأخرى. لكن المسألة أنّه لا ينسجم مع قيم معيّنة. ويشير إلى أنّها تركت له ميولًا تدفعه للسعي لبعض الأمور واجتناب بعضها، لكنه لا يعتقد بأنّ ثمّة سببًا لتفضيل الأشياء التي يسعى إليها على الأشياء التي يتجنّبها[100].

 الافتراضات البارزة هنا تعيد إلى أذهاننا سقراط، كما في كثير من السيكولوجيا الأخلاقيّة الهلنستيّة أيضًا. تعتمد المشاعر على الاعتقاد، لا سيّما الاعتقادات المرتبطة بالخير والشرّ. فعندما يزول الاعتقاد تختفي المشاعر؛ كالخوف مثلًا، يتلاشى عندما نزيل اعتقاد الخائف بأنّ الشيء الذي يخافه خطير. على الأقلّ إلى حدّ أنّ المشاعر الصادرة عن العقل والفكر يجب أن تتلاشى عندما يتوقّف الحكم على كلّ مسألة واقعيّة، وعلى كلّ قيمة. لكن هذا لن يزيل الاضطرابات الجسديّة كالجوع والعطش، ولا الميول للعمل التي تنتج عن المواهب الطبيعيّة وعن التنشئة في المجتمع الإنسانيّ[101]، فهي لا تتوقّف على المنطق والفكر، لكنّها ستكون أقلّ إرباكًا بدون عنصر الاعتقاد الإضافيّ حيال الخير والشرّ، الحقيقيّ والزائف[102]. يمكن أن يشعر المرء أنّ عنصر الاعتقاد الإضافيّ هو الشيء ذاته الذي يمنح الحياة معنى ومغزًى، حتى لو كانت مصدر القلق والاضطراب أيضًا، ستكون حياة الشكّاك من دونه فقّاعة جوفاء للوجود الذي يحظى به، والذي أقلقه قبل استنارته الشكوكيّة، لكن هذا هو ثمن السلام والطمـأنينة، والشكّاك يريد أن يدفعه بالكامل، أو بالأحرى هو مجبر بحجّة تعليق الحكم والاعتقاد، ومن ثم يجد أنّ هذا يحصل لتوفير الطمأنينة فقط[103]. هو لا يمارس الاختيار المتداول في المسألة، أكثر مما عندما يدفعه الجوع لتناول الطعام[104]. وبعيدًا جدًا عن الاعتماد على الإرادة للسيطرة على التصديق، البلسم الشافي للشكّاك، الذي يبدأ من الأنماط العشرة لـ أنيسيديموس Aenesidemus، هو استخدام المنطق لتفقّد جميع مصادر الاعتقاد وتدمير كلّ ثقة بالعقل نفسه، وبالتالي إزالة ميل الاعتقاد من جذوره. الحياة بدون اعتقاد ليست إنجازًا للإرادة، بل هي تعطيل العقل لذاته[105]

فاصل مثير للجدل

حان وقت تقويم الأمر. وصفنا الحياة، ونريد أن نعرف ما إذا كانت حياة ممكنة للإنسان، لكن قبل ذلك علينا مواجهة هذا السؤال أوّلًا: هل الحياة الموصوفة هي حياة بدون اعتقاد، كما يزعم سكستوس عادة[106].

[107]من المفترض أن يقنع الشكّاك نفسه بالمظاهر عوضًا عن المعتقدات، لكن يمكننا أن نعترض، وليقل سكستوس ما يشاء، على أنّ بعض هذه الظواهر هي اعتقادات مقنعة. «مذاق العسل حلو» يمكن أن يفي بالغرض المطلوب بوصفه تقريرًا لتجربة حسّيّة أو جسديّة، لكن عندما يتعلّق الأمر بـ «كلّ الأشياء تبدو نسبيّة»[108] أو «فلنسلّم أنّ مقدّمات البرهان تظهر»[109] أو «بعض الأشياء تبدو خيرًا، وبعضها يبدو شرًّا»[110]، بالكاد نستطيع أن نفهم «يظهر» (phainesthai) بغير معناها المعرفيّ، أي عندما يقدّم الشكّاك تقريرًا بصيغة «يظهر لي الآن أنّ القضية (ب) صادقة»، على الأقلّ أحيانًا هو يؤرّخ لحدث يقول إنّه يعتقد أو يجد نفسه يميل للاعتقاد أنّ شيئًا هو القضيّة.

هذه القراءة المعرفيّة لكلام الشكّاك عن المظاهر يمكن أن تُعرض بإحدى صيغتين: باعتبارها رفضًا لسكستوس أو رفضًا لتفسيري لسكستوس. في النسخة الثانية التي تناولتها أوّلًا سيكون المدّعى أنّ تصديق الشكّاك بالظهور، كما يصفه سكستوس، ليس إثبات وجود انطباع أو تجربة، بل تعبير عن اعتقاد غير دوغمائيّ حول ماهيّة المسألة في العالم، ثم ستكون النتيجة أنّ ما يتحاشاه الشكّاك، عندما يعلّق الحكم على كلّ شيء، ليس أيّ نوع من الاعتقاد أو كلّ نوع من الاعتقاد حيال الأشياء، بل اعتقاد من النوع الأكثر طموحًا، الذي يمكن أن نطلق عليه (بانتظار مزيد من الإيضاح) اسم الاعتقاد الدوغمائيّ.[111]  

أنا لا أشكّ بإمكان القراءة الإبستيمولوجيّة لعدد وفير من التعابير المتعلّقة بالظواهر عند سكستوس أمبريكوس. لكن لو أمكن لهذه الحقيقة أن تثمر رفضًا ليس لسكستوس، بل لتفسيري له، هناك ضرورة لإظهار أنّ القراءة الأبستيميّة نالت موافقة سكستوس نفسه. المقطع الأقرب لإظهار ذلك هو[112] الذي  يقول فيه سكستوس إنّ الناس يحدّدون معنًى واسعًا للـ «دوغما» يعني القبول بالشيء أو عدم التناقض معه،[113] وبهذا يتعارض مع معنى أضيق شرحه بعض الناس بأنّه أحد الأشياء غير الواضحة الذي حقّقت فيها العلوم. المقصود من هذا التمييز هو توضيح المعنى الذي لا يكون فيه الشكّاك دوغمائيًّا: لن يكون له أيّ علاقة بالدوغما بالمعنى الثاني والأضيق؛ «لأنّ البيرونيّ لا يصدّق بأيّ شيء لا يكون واضحًا». لكنّه يصدّق بالحالات التي يتأثّر فيها مكرهًا انسجامًا مع انطباع، وهذا التصديق (والمفترض أن نفهم ذلك) هو دوغما أو يشتمل على دوغما بالمعنى الواسع الذي لا يعترض عليه البيرونيّ. مثلًا (وهو مثل رأيناه سابقًا ) «لن يقول عندما يكون دافئًا، أو باردًا: «أعتقد أنّني لست دافئًا أو باردًا». وهنا يبرز سؤالان: أولًا، هل يدلّ تسامح سكستوس مع المعنى الواسع على المصادقة على القراءة الإبستيميّة للتعابير المتعلّقة بالظاهر بشكل عامّ؟ وثانيًا، هل يفرض تفسيره للمعنى الضيّق قيودًا على عدم مصادقته على ما سبق أن سمّيناه الاعتقاد الدوغمائيّ؟

1) ما يقبله الشكّاك أو ما يتناقض معه هو «أنا دافئ / بارد». هذه دوغما (بالمعنى الواسع) بقدر ما الشكّاك يظن، أو يظهر له، أنّه دافئ / بارد[114]. لكن لا يلزم عن ذلك أنّه ظاهر معرفيّ بالمعنى المتّصل بنقاشنا، ما لم يكن مضمون «أنا دافئ / بارد» فرضيّة حول ماهيّة الحالة في العالم وليس الفرضيّة حيال تجربة الشكّاك.

يجب أن نكون حذرين هنا. فالفعلان اليونانيّان  thermainesthai و psuchesthai لا يعنيان عادة «أشعر بالحر / بالبرد» رغم أنّ المترجمين  Hossenfelder)  (Bury, يميلان لإعطائهما هذه الدلالات هنا؛ لأن سكستوس يشير إلى الشعور (pathos) فقط، إنّهما يعنيان عادة «يكون دافئًا / باردًا).[115] من جهة أخرى، كذلك لا تدل «أنا دافئ / بارد» بالضرورة على عمليّة موضوعيّة هي اكتساب أو فقدان الحرارة. ووجهة نظري الخاصّة هي أنّ الإصرار على أنّ الشعور pathos التفسيريّ عند سكستوس  يجب أن يكون إمّا شعورًا ذاتيًّا أو حدثًا موضوعيًّا يعني فرض حلّ ديكارتي، وهذا دخيل على طريقته في التفكير.

قد تكون مصطلحات سكستوس هنا سيرينيّة Cyrenaic. تظهر مفردتا Thermainesthai و psuchesthai  على لائحة من المصطلحات السيرينيّة لـ pathé الإدراك الحّسيّ  في كتاب بلوطارخ[116] إلى جانب مفردة  glukainesthai، «يتحلّى»، التي يستعملها سكستوس في[117] يبيضّ» وما شابه، التي طبقها سكستوس على أنشطة الحواس، وهي تبدو من المصدر نفسه[118]. كما يصوّر بلوطارخ العقائد السيرينيّة التي كانت المصدر الأصل لهذا المصطلح الخاص؛[119] لذلك أستطيع أن أقول thermainomai «أنا دافئ»، لكن لا أستطيع أن أقول thermos ho akratos التي لا تعني هذا «الخمر الصافي دافئ» بل «الخمر الصافي يسبّب الدفء»[120] المسألة شديدة الشبه بمسألة نجدها عند أرسطوقليس[121]، وفقًا للسيرينيّين عندما أجرح أو أحترق أعرف أنّني أخضع لشيء؛ لكن هل النار هي التي تحرقني أو الحديد هو الذي يجرحني، لا أستطيع الإجابة. هل يقصدون عندما يتحدّثون عن خضوعهم لشيء، الحدث المادّي أم الطريقة التي يشعرون بها؟ لا يوجد إجابة واضحة على هذا السؤال، والمصطلحات تجعل القرار مستحيلًا. والأمر نفسه ينطبق على سكستوس. الإشارة إلى هذه الأفعال الغريبة هي عمليّة حسّيّة واضحة أكثر منها نقلًا للحرارة (مسألة الخمر المصفّى: وفي المقابل دفء إنسان يشعر بالبرد الشديد لدرجة أنّه لا يستطيع الشعور بشيء عندما يفرك يديه لن يوضح فكرة سكستوس على الإطلاق)، لكن علينا أن نحافظ على الترجمة (كان دافئًا / باردًا). الرجل متأثّر حسّيًّا (نحن نتحلّى حسيًا  glukazometha aisth¯etik¯os،[122] وهو يستعمل thermainein[123] في لكنّنا لا نستطيع أن نقسم الشعور (pathos) إلى مكوّنات ذهنيّة منفصلة (ذاتيّة) ومكوّنات مادّيّة (موضوعيّة). العبرة التي يمكن استخلاصها هنا ليس أنّ البيرونيّ يسمح لنفسه ببعض الاعتقادات حول ماهيّة المسألة، لكن الشكوكيّة ما زالت غير مرتبطة بالمفهوم الديكارتيّ للنفس[124].

إذا كان هذا صحيحًا، فإنّ الفقرة PH i.13 لا تقدّم تبريرات من أجل قراءة معرفيّة لتعابير الشكوكيّين عن الظاهر. المعنى الواسع لمفردة «دوغما» هو مجرّد قبول التجربة الحسّيّة بوصفها تجربة تكون مصادقًا عليها بالشكل الكافي بالطريقة التي وجدناها فيها مسبقًا[125] لم يخرج سكستوس من طريقه إفساحًا في المجال أمام نموذج غير دوغمائيّ من الاعتقاد حول مسائل الوجود الحقيقيّ. على العكس، يقول إنّه عندما يصرّح بشيء بوصفه شكّاكًا يستخدم فعل الكون ‘to be’ الذي يفهم بأنّه يعني «الظهور»[126] وهو يتطرّق لشرح هذا الاستعمال لـ ‘to be’ في M xi.18 بتعابير غير معرفيّة بما لا يدع مجالًا للشك:

لعبارة «كان» معنيان: (أ) المعنى الأوّل «كان» فعلًا (huparchei)، كما نقول في اللحظة الراهنة «يكون نهار» بدل «يكون بالفعل نهار»، (ب) المعنى الثاني «يظهر»، كما يعتاد بعض الرياضيّين على القول عادة إنّ المسافة بين نجمين «تكون» بطول ذراع، يقصدون بهذا ما يطابق «إنّها تبدو كذلك، ولكنها بدون شكّ ليست كذلك في الواقع»؛ إذ قد تكون بالفعل مئة ميل، لكنّها تبدو ذراعًا بسبب الارتفاع وبعد المسافة عن العين.

ثم يطبّق هذا التوضيح على واحد من الأقوال التي سبّبت لنا الاضطراب في السابق، «بعض الأشياء تبدو خيرًا، وبعضها يبدو شرًّا»[127].

2) بالانتقال إلى المعنى الضيّق لـ «دوغما»، فإنّ الفكرة التي يجب ملاحظتها هي أنّ أيّ شيء غير واضح هو موضوع للتحقيق العلميّ، وغير الواضح بحكم تعريفه هو الذي لا يمكن أن يُعرف إلا عن طريق الاستدلال.[128]  سيتم تحديد مجال التحقيق أو الاستفسار من خلال مقدار الأشياء غير الواضحة، كما يقول سكستوس؛ «لأنّ البيرونيّ لا يصدّق بشيء ليس واضحًا». لكن هجوم البيرونيّ على معيار الحقيقة يلغي الأدلّة على كلّ شيء يعتبره الدوغمائيّ واضحًا[129]. خذ واحدًا من أمثلة الدوغمائيّين المفضّلة على الأشياء الواضحة والجلّيّة لدرجة لا يمكن الشكّ فيها، وهو تعبير: «يكون نهار» الذي يظهر مرتبطًا بالمعيار[130] وبالمقطع الذي مرّ اقتباسه: يرفض الشكّاك أنّها واضحة وهو، كما رأينا، لا يقبلها إلّا كتعبير غير معرفيّ عن الظاهر، «يبدو أنّه كان نهارًا» [لكن قد لا يكون كذلك في الواقع]. كل ما يتجاوز الظواهر (غير المعرفيّة) عرضة للتحقيق[131].

باختصار لا أعتقد أنّ إشارة وحيدة إلى العلوم (ذلك أنّها لا تتكرّر في مكان آخر عند سكستوس) في تعريف مقتبس من أحد غيره[132] هي ركيزة كافية يحمد عليها سكستوس، وهي التمييز بين الاعتقاد الدوغمائيّ وغير الدوغمائيّ. ولن يكفي حتى عندما نضيف للموازين، أنّ سكستوس يكرّر تقييد ما يوقف الحكم حياله بسؤال كيف تكون الأشياء «في الطبيعة»[133]؟ أو كيف تكون الأشياء «بقدر تعلّقها بما يقول الدوغمائيّون عنها»[134]، أو بصورة غامضة، كيف تكون الأشياء «بقدر ما أنّها مسألة تتعلّق باللوغوس «(التصريح، التعريف، العقل)[135]. يتوقّف مدى تقييد هذه المواصفات للشيء الذي تتباين معه، وفي كلّ مسألة يكون التباين مع كيفيّة ظهور الأشياء، حيث يجب أن يفهم هذا، كما مرّ معنا، بطريقة غير معرفيّة. وبالتالي إنّ كلّ ما تركنا معه، هو الانطباع الانفعاليّ  (phantasia) أو التجربة (pathos)، التي يعبّر عنها بتعبير لا يدّعي الحقيقة حيال ماهيّة المسألة. وكما يلخّص سكستوس تجنّب الشكّاكين للدوغمائيّة، في نهاية المقطع الذي احتجزنا طويلًا جدًا، إنّه ببساطة: «يقول ما يبدو له ويعلن تجربته الخاصّة بدون اعتقاد، ولا يؤكّد شيئًا حيال الأشياء الخارجيّة»[136].

يمكن أن نضيف إلى ما مرّ أنّ الشكّاك لو سمح لنفسه أن يعتقد شيئًا سيتّهمه معارضو البيرونيّة بـمغالطة تجاهل المطلوب ignoratio elenchi بشكل جدّيّ عندما يطرحون الاعتقادات الغريزيّة البسيطة، التي يدّعون أنها لا تنفصل عن استعمال هذه الحواس وعن الأفعال اليوميّة (انظر حجج أرسطوقليس وغالن Galen التي ذكرناها سابقًا). يعتبر أرسطوقليس بشكل متكرّر أنّ هدف الفلسفة التي تتظاهر أنّها تتجنّب كلّ الأحكام والاعتقادات من أيّ نوع كانت، بحيث يستطيع القول إنّه من غير الملائم للبيرونيّ أن يقدّم أيّ تأكيد أو حجّة متناقضة[137] رأينا أنّ سكستوس يربط  الدوغمائيّة بالمزاعم القائلة إنّ الشيء يكون (ببساطة) صحيحًا، وهو مضطرّ لقول ذلك إذا أراد التقليل من آمال الإنسان العاديّ ومخاوفه؛ لأنّ الأمل والخوف يمكن أن يأتيا بشكل واضح من أيّ نوع من الاعتقاد حول ماهيّة المسألة أو ما ستكون عليه؛ لا ضرورة لأن يكون اعتقادًا دوغمائيًّا بمعنى أنّه صارم. المسألة المطروحة هنا هي الاعتقاد العاديّ للإنسان العاديّ بأنّ الحصول على المال خير ومرغوب، أو الشهرة أو اللذّة مثلًا، والبقاء من دونها هو شر[138]. فالاعتقاد بالمعنى الذي ينتقده سكستوس مسؤول عن كلّ الأشياء التي يسعى إليها الإنسان ويتجنّبها من خلال أحكامه الخاصّة[139]. يلزم عن المنطق الداخليّ للبيرونيّة أنّ العقيدة والمبدأ dogma وdoxa - سكستوس لا يميّز بين هذين المصطلحين اللذين يعنيان في الواقع: الاعتقاد.[140]

يكمن وراء هذا  التفسير سؤال فلسفيّ مفيد جدًّا، وهذا السؤال هو: هل يمكن أن يحصل التمييز بين الاعتقاد الدوغمائيّ وغير الدوغمائيّ وبأيّ عبارات؟ يمكن أن يكون الخطّ الواعد الذي يمكن البدء منه هو التمييز بين الاعتقاد بأنّ العسل حلو المذاق، والاعتقاد بأنّ العسل حلو في الواقع بمعنى أنّ الحلاوة موجودة في العسل كجزء من طبيعته الموضوعيّة. لهذا الكلام صدًى فلسفيٌّ عندما يتعلّق الأمر بالصفات الحسّيّة، لكن قد نضطر لشرح ما يعادل عند تطبيقه على أمثلة مثل «يكون نهار»، «أنا أتحدّث»[141]، أو «هذا رجل»[142]. ومن جديد قد يشير المرء إلى أنّ الاعتقاد غير الدوغمائيّ هو اعتقاد غير قائم على تبريرات وتفكير منطقيّ واستجابة له – لكن هذا سيتسبّب بقطع العلاقة بين الاعتقاد والحقيقة. ما يعترض عليه سكستوس هو قبول أيّ شيء على أنّه حقيقة، وأيّ قبول من هذا النوع سوف يعتبره طريقًا إلى الدوغمائيّة[143]. وأنا لا أعتقد أنّ هناك مفهومًا للاعتقاد يفتقد لهذه العلاقة بالحقيقة، وبطريقة أكثر تعقيدًا، مع المنطق[144].  كما أنّ هيوم لم يفعل، ولم يجد تناقضًا في القول إنّ الحجج الشكوكيّة تعجز عن زلزلة الاعتقاد. لكن كلّ ما أكّدّته هنا هو أنّ سكستوس لا يملك مفهومًا آخر للاعتقاد غير القبول بالشيء بوصفه حقيقة.

بقي أن ننظر في ما إذا كان هذا القول اعتراضًا على سكستوس، يبدو أنّ عددًا من بياناته عن الظاهر تقتضي القراءة المعرفيّة التي يرفضها. ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك قوله: «يبدو لي أنّ لكلّ زعم دوغمائيّ حقّقتُ فيه ادعاء دوغمائيًّا مقابلًا يساويه في استحقاق الاعتقاد وعدم استحقاقه[145]. يصرّ سكستوس على أنّ هذا الكلام ليس دوغمائيًّا، أي لا يعبّر عن الاعتقاد، إنّه إعلان عن حالة وجدانيّة إنسانيّة، تكون شيئًا يظهر أو هو ظاهر للشخص الذي يختبره t¯oi paschonti) (ho esti phainomenon. ويكون هذا صحيحًا إذا كانت عبارة «يبدو لي أنّه كذا» تعني «لدي ميل للاعتقاد أنّه كذا». وقد يكون هناك تجربة من المناسب أن تسجّل بتلك العبارات. لكن الميل للاعتقاد هو آخر ما يريد الشكّاك إدخاله في سجل الأحداث. يجب أن يُفهم فعل «ظهر» في العبارة التي وردت أعلاه، وفي غيرها بطريقة غير معرفيّة، كما رأينا. لا شكّ أنّ القراءة غير المعرفيّة تكون محض خدعة من جانب سكستوس أحيانًا، لكن معارضة الرافض لن تكون بذاتها أفضل من مجرّد تأكيد مضادّ إلّا إذا حشد المزيد من الأقوال. أعتقد أنّ ثمّة كثيرًا مما يقال حول المظاهر الملحقة بتصريحات الشكّاك الفلسفيّة. إنّها تشكل صنفًا من المظاهر التي تكمن في مركز فهم الشكّاك لنفسه ولحياته.

تذكّر أنّنا نعرف تمامًا لماذا يبدو للشكّاك أنّ أيّ ادّعاء دوغمائيّ له مقابل يساويه من حيث استحقاق القبول أو عدم استحقاقه، وهذا ناتج عن عدد من الحجج المعدّة لتبيان، بما لا يدع مجالًا للشك، أنّ هذه في الواقع هي المسألة. يمكن لهذه الحجج أن ترغمه على تعليق الحكم؛ لأنّها ترغمه على قبول نتائجها – القبول يعني أنّ الادعاءات الدوغمائيّة في كلّ مسألة تكون متعادلة بالفعل، وبالتالي يكون المرء مضطرًّا لتعليق الحكم. (وهذا بالطبع يكون كافيًا في العادة، لطريقة استنتاج سكستوس لحججه). غير أنّ القبول بصدق القضية (ب) على أساس حجّة ما، يتميّز بصعوبة عن الاقتراب من الاعتقاد بصدق القضية (ب). وبعد تبيان أنّ هناك أسبابًا قليلة أو كثيرة للاعتقاد بقضيّة من المستوى الأوّل تقول إنّ العسل مرّ المذاق كما هو حلو المذاق، لقد أُعطي الشكّاك سببًا للاعتقاد بقضيّة من المستوى الثاني تقول إنّ الأسباب المؤيّدة والمعارضة متعادلة بشكل مساوٍ. وعندما يتبيّن، سواء على أسس عامّة أو من خلال تراكم الأمثلة، أنّه لا يمكن أن يكون الادّعاء حول الوجود الحقيقيّ مفضّلًا على رفضه، فقد قدّم من جديد سببًا للاعتقاد بصحّة التعميم. وبالتأكيد يبدو له أنّ المزاعم الدوغمائيّة متعادلة بشكل متساوٍ، لكن هذا الظاهر، المزعوم، عندما يكون نتيجة للحِجاج، لا يكون مفهومًا من جهة العقل، والاعتقاد والحقيقة – المفاهيم نفسها التي يكون الشكّاك في غاية الحرص على اجتنابها.[146] فهو يريد أن يقول شيئًا بصيغة «يظهر لي أنّ القضية (ب) صادقة لكنّني لا أعتقد أن القضية (ب) صادقة «مع استعمال غير معرفيّ لـ «يظهر»، لكن هذا لا يبدو واضحًا إلّا إذا كانت «يظهر» في الواقع معرفيّة، وفي هذه الحال فهي تؤدّي إلى تناقض: «أنا (أميل لـ) أعتقد أنّ القضية (ب) صادقة لكنّني لا أعتقد أن القضية (ب) صادقة». فكيف يمكن اجتناب هذه النتيجة؟

لا يمكن تجاوز هذه الصعوبة من خلال الإشارة إلى أنّ الشكّاك يخرج من حججه في حالة من الدهشة وليس في حالة اعتقاد. قد تكون الدهشة ناتجة عن الحجج المؤيّدة أو المضادّة؛ أنت الآن مجذوب بهذا الاتجاه، والآن حتى أنّك لا تعرف ماذا تقول[147]. المشكلة في اكتشاف السبب الذي يجعل هذا ينتج طمأنينة ولا ينتج قلقًا شديدًا[148].   

كما لا ينبغي لنا أن نسمح لسكستوس أن ينكر أنّ المظاهر الفلسفيّة للشكّاك هي نتيجة لحجّة، فهو يعلن في بعض الأحيان أنّ الحجج الشكوكيّة لا تقدّم تفنيدًا برهانيًّا لآراء الدوغمائيّين، بل مجرّد رسائل تذكير أو إشارات على ما يمكن أن يُقال ضدّها، ومن خلال هذه الرسائل ذات القوّة المتساوية للمواقف التي تبدو متعارضة[149]. في التعابير التقنيّة للمرحلة فإنّ الحجج لا تكون إشارات توضيحيّة بل إشارات تذكاريّة. لا أحتاج للاستزادة من المسائل التقنيّة؛ لأن سكستوس (بصراحة)  لا يقدّم إيضاحات من أيّ نوع على الفكرة الحاسمة عن قول شيء ضد مبدأ أو اعتقاد، ولكن ليس عن طريق التفكير المنطقيّ أو الأدلّة ضدّه. لو عمل الشكاك من خلال حجّة مثبتة منطقيًّا لفكرة تتعادل فيها الأسباب من الجهتين والعقل يسفّه نفسه، فإذا كانت حججه (في الجملة الشهيرة الآن) سلّمًا يمكن أن تلقى عنه بعدما تسلقته[150] إذًا يجب أن نؤكّد على أنّ تأثيرها يحصل من خلال العمليّات العاديّة لعقلنا. الإبوخة ليست تأثيرًا ميكانيكيًّا أعمى، بل يفترض أن تكون نتيجة طبيعيّة واضحة لاتّباع قدرتنا البشريّة على التفكير بمحاذاة المسارات التي حدّدتها الحجج الشكوكيّة.   

 ثمة إشارة أخرى، وهي أنّه قد يكون ما يسجّله الشكّاك من نتائج لحججه عبارة عن إطار ذهنيّ استفهاميّ لا توكيديّ: “إذًا هل الادّعاءات المتناقضة متعادلة حقًّا؟» قد يتناسب هذا مع تصنيف الشكّاك لنفسه بأنّه zetetikos، المستمرّ في الطلب[151]، يقول سكستوس إنّ بعض الشكّاكين يفضّلون اعتبار صيغة «هذا ليس أرجح من ذاك» سؤالًا، «لماذا هذا وليس ذاك؟“[152] لكن من جديد يجب أن نكون حذرين بالنسبة للطمأنينة. ويستمرّ الشكّاك في البحث، ليس بمعنى أنّ لديه برنامجَ بحث نشط، لكن بمعنى أنّه ما زال يعتبر السؤال مفتوحًا: هل المسألة هي (ب) أو غير (ب)؟ على الأقلّ بالنسبة للقضايا من المستوى الأوّل التي تتعلّق بالوجود الحقيقيّ. لكن هذا لا يعني أنّه يبقى في حالة من التساؤل الفعليّ حول ما إذا كانت المسألة (ب) أو غير (ب)؛ لأنّ هذا قد يثير القلق. ما زال ثمّة ما ينبغي له أن يتساءل حوله، وهو ما إذا كانت الادعاءات المتعارضة متعادلة حقًّا.  فلو كان احتمالًا حقيقيًّا بالنسبة له بأنّها ليست كذلك، فهذا يعني أنّه احتمال حقيقيّ يرجّح ضرورة إيجاد أجوبة؛ وإذا كان لا يعرف الأجوبة فإنه سيشعر بقلق هائل، كالذي شعر به في بداية تعليمه الشكّيّ.

بتعبير آخر، إذا كان تحقيق الطمأنينة مطلوبًا، في مرحلة ما، فإنّ الأفكار البحثيّة للشكّاك يجب أن تصل إلى حالة من الراحة أو الطمأنينة.[153] لا حاجة لأن يكون هناك نهاية لهذا الإنجاز، يمكن للشكّاك أن يكون على أتمّ الجهوزيّة للاقتناع بأنّ هناك إجابات يجب الحصول عليها، فهو ليس دوغمائيًّا سلبيًّا مزوّدًا بالاعتراضات القبليّة a priori التي تستبعد احتمال الإجابات باعتباره مسألة مبدأ عامّ وبشكل نهائيّ[154]. لكن ليس من السهل الوصول إلى الطمأنينة إلّا إذا لم يكن راضيًا بمعنى ما – حتى الآن – من عدم وجود إجابات مرتقبة، ومن أنّ الادّعاءات المتناقضة متعادلة بالفعل. وسؤالي هو: إذًا كيف يمكن لسكستوس أن ينكر أنّه يعتقد بهذا؟

لا أظنّه يقدر! فأسباب (الحجج المنطقيّة) الحالة التي يسمّيها سكستس ظاهرًا ونتائجها على السواء (الطمأنينة وتوقف الاضطراب العاطفيّ) كانت بمثابة مبرّر لنا لتسميتها حالة اعتقاد. وهذا الرفض لادعاء سكستوس بأنّه وصف الحياة بدون اعتقاد يؤدّي للإجابة على سؤالنا المركزيّ حول احتمال، الحياة التي يصفها سكستوس.

مصدر الرفض الذي كنّا نحث عليه هو أنّ الشكّاك يريد معالجة «يبدو لي أنّ (ب) صادقة لكنّني لا أعتقد أنّ (ب) صادقة” حيث إنّ (ب) هي قضيّة فلسفيّة مثل قضية «الادعاءات المتناقضة لها قوة متساوية» في مستوى الأمثلة الحسّيّة من تلك الصيغة مثل «يبدو ( يظهر ) لي أنّ العصا الموجودة في الماء ملويّة، لكنّني لا أعتقد أنّها كذلك». هذه القضيّة مقبولة؛ لأنّ مقدّمها يصف تجربة صحيحة – بالتعابير اليونانيّة، انفعال pathos، أو انطباع phantasia، ينتظر تصديقي به. ومن المهم هنا أنّ التصديق والانطباع مستقلّان منطقيًّا، فهما ليسا مستقلّين في القضية الفلسفيّة. فالانطباع في القضية الفلسفيّة، عندما يقال كلّ شيء ويفعل كلّ شيء، يكون تصديقي بنتيجة الحجّة، التصديق بأنّها صحيحة. إنّه خطر السماح بالكلام عن ظواهر أو انطباعات الفكر: بات مشرّعًا على ما يبدو أن تعالج حالات هي بالفعل حالات اعتقاد، تفترض التصديق مسبقًا، كما لو كانت مستقلّة عن التصديق بالطريقة التي يمكن أن تكون فيها الانطباعات الحسّيّة. فإذا كان الانطباع الفلسفيّ المقنّع بالشعور الانفعاليّ مشتملًا على التصديق، فلن يكون لإصرار الشكّاك على التصديق بصحّته أيّ معنى. سيكون تفكيرًا بفعل تصديق إضافيّ بالتصديق المفترض مسبقًا. إذا أصرّ الشكّاك، وإذا رفض التماهي مع تصديقه، يكون كما لو كان يفصل نفسه عن الشخص (تحديدًا هو نفسه) الذي كان مقتنعًا بالحجّة، وهو يعامل فكره الخاصّ كما لو كان فكر شخص آخر يفكّر بفكرة في داخله. وفي الحقيقة، إنّه يقول “إنّها فكرة في داخلي تقول إنّ (ب) صادقة، لكنّني لا أعتقد بها). في الظروف المناسبة، يمكن أن يُقال هذا، لكن ليس في كلّ زمان، ولكلّ ظاهرة أو  فكرة يحملها المرء[155]. ومع ذلك، هذا ما ستصل إليه الأمور إذا فُسّر كل ظاهر قطعًا، رفيع المستوى وكذلك منخفض المستوى، بطريقة غير معرفيّة.

من الأقوال الخالدة الذكر المنسوبة لبيرو هو الملاحظة التي أعرب فيها عن أسفه على صعوبة أن يجرّد المرء نفسه تمامًا من إنسانيّته[156]. (كما تقول القصّة، كان هذا ردّه على اتهامه بالفشل في تطبيق ما يعظ به عندما ارتعب ذات مرّة من كلب). يرى سكستوس أنّ هدف الشكّاك هو حفظ كلّ ما يستحق الحفظ في الطبيعة البشريّة. لكن يبدو لي أنّ هيوم والنقّاد القدامى كانوا على حقّ، فعندما يرى المرء كيف يضطر الشكّاك أن يفصل نفسه عن نفسه بصورة جذريّة، فإنّه سيوافق على أنّ الحياة المفترضة بدون اعتقاد ليست، على الإطلاق، حياة ممكنة للإنسان[157].

-----------------------------------------

[1]-  Hume, An Enquiry Concerning Human Understanding, § xii, 128) David) مقتبس من الطبعة الثالثة من طبعة Selby-Bigge، النصّ من تنقيح  P. H. Nidditch (1975, (Oxford).

[2]- تمّ الحصول على هذه القصّة المحفّزة لهذا التأثير من خلال الخصوصيّات والعموميّات الدينيّة، والجدل الفلسفيّ، في سلسلة من الدراسات لـ by Richard H. Popkin. انظر تحديدًا،  Popkin، (1968), (1951), (1952–3).

[3]- حول دور هذه الحجة وأهمّيّتها في برنامج هيوم العام لعلم طبيعيّ للإنسان، انظر Stroud (1977), esp. ch. 1.

[4]- انظر المسلك الجدليّ ل Arcesilaus المعاصر ل  Epicurean Colotes حول حقيقة أنّ عقائد الفلاسفة الآخرين تجعل الحياة ممكنة 1107d, 1108d). (Plut. Adv. Col.، المقطع الذي يتعامل مع Arcesilaus اقتبس حجّة الرواقيّين القائلة إنّ الإبوخة التامّة يجب أن تؤدّي إلى خمول (ibid. 1122ab) لا سيّما اتّهام هيوم بالسبات التامّ. لمعرفة كلّ الجدال حول هذه المسألة في مرحلة الشكّ الأكاديميّ انظر قائمة المراجع والمناقشات في Striker (1980). وكذلك فإنّ إبوخة الشكّاكين لاقت نقدًا مشابهًا: 1) يجادل أرسطوقليس أنّ الحجّة، وبالتالي الاعتقاد، مرتبطة تمامًا باستعمال الحواس وغيرها من الملكات العقليّة؛ 2) ،  Galen, De dignosc. Puls. viii.781.16–783.5 K، يسأل إذا كان البيرونيّ يتوقّع منّا أن ننام في سريرنا عندما تشرق الشمس بسبب عدم اليقين بأنّه الوقت نهار أم ليل، أو البقاء على ظهر المركب عندما ينزل الجميع، بسبب الشكّفي أنّ ما يظهر أنّه يابسة هل هو يابسة حقًا؛ 3) سكستوس لديه نقد للسبات في M xi.162–3.

Terms of use, available at https://www.cambridge.org/core/terms.

 https://doi.org/10.1017/CBO9780511974052.011

Downloaded from https://www.cambridge.org/core. Universiteit Leiden / LUMC, on 05 Nov 2018 at 14:07:01, subject to the Cambridge Core.

[5]- أسمّيه دوغمائيًّا لأنّ هيوم لا يقدّم أيّ حجّة لتأييد مدّعاه ضدّ البديل، تفسير البيرونيّ للحياة والفعل، متوفّر في كتاب سكستوس والمؤلّفين المعاصرين مثل مونتاني.

[6]-  (Aenesidemus PH i.36 ff., Diog. Laert. ix.79ff).

[7]- (AgrippaPH i.164–77, Diog. Laert. ix.88–9).

[8]- (PH i.8; cf. 31–4).

[9]- i.12, 26–9, M i.6) PH).

[10]- (e.g., M vii.392, viii.18, ix.192, xi.74).

[11]- (PH i.26–9).

[12]-  الادعاء بأنّ طمأنينة الشكّاك تؤدّي إلى السعادة نوقشت بشكل مطوّل في M xi.110–67. شروط الاستخدام متوفّر على الرابط الآتي:

https://www.cambridge.org     https://doi.org

[13]- (cf. M vii.392).

[14]- Cf. Stough (1969) 142ff.

[15]- ( PH ii.88ff., M viii.17ff.).

[16]- إذا وجد القارئ أنّ هذا مصطلح اعتباطيّ يضيق، على أساس إذا قلت كيف تظهر الأشياء لي يجب أن يعتبره تصريحيًّا صحيحًا إذا وفقط إذا، كانت الأشياء تظهر كما أقول أنّها تبدو  (cf. Stough (1969) loc. cit.)، الجواب أنّ هذا الاعتراض، ورغم أنّه طبيعيّ، فقد عفا عليه الزمن. وفكرة أنّنا يمكن أن نصل إلى الحقيقة من دون الوقوف خارج التجربة الموضوعيّة لم يكن دائمًا الشيء الفلسفيّ العاديّ الذي وصلت إليه. من جعل الأمر هكذا هو ديكارت الذي (في التأمّل الثاني) وضع الأساس لاستعمالنا الواسع للمحمولات «صادق» و «كاذب» التي يمكن أن تنطبق على تصريحات الظهور من دون إشارة إلى الوجود الحقيقيّ. أنظر الفصل العاشر. (cf. M xi.221).

[17]- (cf. Pl. Rep. 538c, Tht. 158d).

[18]- إنّ مفهوم الواضح هو مفهوم يتبناه الدوغمائيّون. الأشياء الواضحة هي الأشياء التي نعرفها من ذاتها، والتي نفهمها من ذاتها (PH ii.99)، والتي تقدّم نفسها مباشرة في الحسّ والعقل (M viii.141)، التي لا تحتاج إلى شيء آخر للإعلان عنها (M viii.149)، أي هي أنّنا نملك معرفة عنها غير مرجعيّة، مباشرة من الانطباع (Mviii.316). الأمثلة: يكون نهار، أنا أتحدّث (Mviii.144)، هذا رجل (Mviii.316). يعلن سكستوس أنّ هذه الطبقة من الأشياء وضعها نقد الشكّاك في دائرة الشكّ بمعيار الحقيقة (PH ii.95, M viii.141–2). وبالتالي، أيّ تصريح حول هذه الأشياء سيكوّن دوغما بالمعنى الذي يتحاشاه الشكّاك. (PH i.16).

[19]- (h¯os huparchon tithetai, PH i.14, 15).

[20]- ينبغي تحذير القارئ من أنّ بعض التفسيرات تعتبر   PH i.13–15دليلًا على أنّ «الدوغما” و “والدوغمائيّة” ما زالت أكثر تقييدًا مما أسمح به، مع النتيجة القائلة إنّ الشكّاك لا يجتنب كلّ اعتقاد. من الأفضل تأجيل الجدل حتى ينضج باقي تفسيري، لكن في الوقت نفسه إنّ الأمثلة في الملاحظة السابقة ستنفع كأيّ ملاحظة أخرى في شرح نوع الأشياء التي، برأيي، يعلّق الشكّاك حكمه عليها.

[21]- (ix.78ff.; cf. also Aristocles apud Euseb. Praep. evang. xiv.18.11).

[22] Diog. Laert. ix.78: ___’ _ __!_4_ _____ __ __$’____.

[23] Diog. Laert. ix.79: (____4___ _ __, _7_ (____%_ _(_ ___4___ ____ ___ _____!_____.

[24] Diog. Laert. ix.78: ______ ‘__ _$ __ ___’ ________ _4__G_%_ /*___.

[25]- ( ix.84)  (Diog. Laert).

[26]- (Diog. Laert. ix.85, 86).

[27]- (Diog. Laert. ix.94, trans. Hicks).

[28]- (Mviii.51).

[29]- (M viii.40).

[30]-  من أجل ترجمة صحيحة ل _____!_ راجع. Couissin (1929) 262, Striker (1980) § iii. الترجمة الصحيحة هي الخطوة الأولى للتخلّص من أسطورة كرنياديس Carneades بوصفه مؤيّدًا ل «الرجحانيّة” راجع Burnyeat, ‘Carneades was no probabilist’ غير منشور.

[31]- (M vii.166ff.).

[32]- (M vii.175).

[33]- (M vii.177).

[34]- انطلقت الأدلّة على أنّ أنسيديموس بدأ مهنته الفلسفيّة في الأكاديميّة من أنّه يملي خطابه البيرونيّ لـ تيبرو، الموصوف بأنّه داعم للأكاديميّة (Phot. Bibl. 169b33)... Zeller (1903–9) iii.2, 23, n. 2 قد يكون محقًّا في اقتراحه هذا بسبب تبليغ Photius عن هذا العمل (الذي ذكر أيضًا في Diog. Laert. ix.106 and 116) لم يقل شيئًا عن النماذج العشرة التي يجب تمييزها Outline Introduction to Pyrrhonism الذي يحدد أرسطوقليس وديوجينس أنّه المحلّ الذي تطوّرت فيه النماذج.

[35]-  سواء بحق أو جدلًا إذا كان الهدف هو Philo of Larissa:.

[36]- (M viii.40ff.).

[37]- (Eusebius Praep. evang. xiv.18.2–4).

[38]-  Timon, frag. 2 in Diels (1901); translation and discussion in Stough (1969), ch. 2.

[39]- أساس هذا الريب غريب نوعًا ما، ومثار جدل، الإشارة إلى أنسديموس ملحّة في آخر الملخص. انظر Dumont (1972) 140–7.

[40]- لمناقشة الموضوع راجع الفصل التاسع، سؤال الدقّة التاريخيّة لفهم تيمون لبيرون هو مسألة إضافيّة لا ضرورة لتناولها هنا.

[41]- ( Diog. Laert. ix. 62 قد تكون صورة الهاوية مستوحاة من ميتافيزيقا أرسطو، Metaph. _4, 1008b15–16).

[42]- (Diog. Laert. ix.62).

[43]- ( Carneades cf. Acad. ii.78, Ind. Acad. Herc. xxvi.4).

[44]- من أجل الجدل المثار حول كارنيادس انظر Striker (1980). والقول إنّ هدف أنسيديموس كان أكاديميّة فيلو حدّده أعلاه تقرير فوتيوس (Bibl. 170a21–2) أنّه ميّز خصومه الأكاديميّين بتحديد عدد من الأمور مع ضمان وادّعاء أنّه لا ينافس غير الانطباع الحسّيّ المتصلّب. هذا لا يرتبط بالرؤية الشكوكيّة لكارنيدس؛ بل بالتجديد المميّز لفيلو، وفقًا للذين لا يمكن فهم طبيعة الأشياء الخاصّة بهم، لكن الانطباع الحسّيّ المتصلّب لا يفهمه الرواقيّون (PH i.235).

[45]- Above, p. 207 n. 4.

[46]- Esp. frags. 69:

لكن الظاهرة تسود في جميع الجهات، أنّى توجهت، لكن 74: أنا لا أؤكّد أنّ العسل (في الواقع) حلو المذاق، لكن أوافق أنّه يظهر (حلوًا) (ترجمة). 

[47]- Unger (1975).

[48]- (Diog. Laert. vii.46).

[49]- (PH i.21).

[50]- (PH i.23–4).

[51]- (M xi.148).

[52]- (PH i.30, iii.235–6).

[53]- قمت ببعض التفسيرات هنا، في ضوء مقاطع مثل.  PH i.226, ii.246, iii.12, M ix.49، ليست هذه مواقف بل ممارسات (التي كانت على كلّ حال المحور الرئيسيّ للتديّن وعدم التديّن اليونانيّ) يقبلها الشكّاك. القول إنّ المسألة ليست مسألة اعتقاد، أن يقبل واحدًا ويرفض الآخر؛ باختصار هو يلاحظ تدين مجتمعاته. إذا كانت العادة تتطلّب ذلك، فإنّه سيعلن أنّ الله موجود، لكنه لن يعتقد بذلك أو يعني في   propria personaكما يفعل كلّ من الدوغمائيّين والإنسان العاديّ، الشكّاك يعلّق الحكم (PH iii.6, 9, ii; M ix.59, 191)

[54]- (4 (PH i.21–).

[55]- (nooumena or noéta)  (PH i.8–9).

[56]- (cf. M viii.216).

[57]-  Stough (1969) 119ff، الخطأ الرئيسيّ ل لستوف (كما أراه) هو التعامل مع التصريح على أنّه مساهمة في نظريّة التجربة. إنّها تسلّط الضوء على النتيجة التي يفهمها المرء على أنّها انطباعات المرء وليس الموضوع الخارجيّ، نظرًا لأنّ ما يظهر هو ( وفقًا لقراءة ستوف للمقطع الراهن ) انطباعنا. الميزة الإضافيّة غير المضمونة وغير المرغوبة لتفسير ستوف هي التشتّت الذي أدّى به إلى الاختيار  بين أنسيديموس وسكستوس (pp. 124–5). (PH i.22).

[58]- (cf. Diog. Laert. vii.51).

[59]- (Mvii.390).

[60]- (Mviii.362).

[61]- M vii.25.

[62]- viii.141). .ambiguously so PH ii.10, M viii.70.

[63]- Frede (1973). 

[64]- (PH i.15).

[65]- (PH i.135)

[66]- (PH i.4).

[67]- (PH i.4).

[68]- (cf. also PH i.197).

[69]- Contra Stough (1969) 146, n. 83.

[70]- (PH i.138–40).

[71]- (PH i.148ff.).

[72]- (PH i.177).

[73]- (PH ii.27).

[74]- (PH ii.28).

[75]- Contra Naess (1968) 51.

[76]- (PH ii.10).

[77]- (PH i.22).

[78]- (PH i.22).

[79]-  للبقاء على صلة بهذا الأمر لا يدّعي سكستوس المعرفة أو بالتأكيد كيف تظهر الأشياء له..  (pace Hossenfelder (1968) 60–1). وعندما يتعرّض البيرونيّ للضغط، فإنّه سيرفض بالفعل أنّه يعرف هذه الأشياء (Galen, De diff. puls. viii.711.1–3 K = Deichgr¨aber (1930) frag. 75, p. 135, 28–30).. أنظر أيضًا الفصل العاشر. 

[80]- من أساسيّات الشكوكيّة، كما تعرّف وكما يمارسها الشكوكيّ.  PH i.8. يمكن إثارة عدد من الأسئلة حول أهلية الشكاك في الحديث عن انطباعات الناس الآخرين، ويمكن إعداد إجابات مناسبة لذلك. لكن في الإجمال هذه الأسئلة لم تثر أكثر مما بحث الشكّاك في أساس استطلاعه التاريخيّ المكثف الذي اعتدنا عليه لآراء الفلاسفة الآخرين. شروط الاستخدام موجودة على الرابط:

terms of use, available at

 https://www.cambridge.org/core/terms.

 https://doi.org/10.1017/CBO9780511974052.011

[81]- (PH i.13).

[82]- PH i.19–20.

[83]- (PH i.13).

[84]- (PH ii.10).

[85]- ((PH i.22.

[86]- (PH i.193).

[87]- (PH i.20).

[88]- (PH i.13).

[89]- On the translation of ___________ and 1+*_____, see below.

[90]- غير أنّ  (1968)  Naess لديه نظريّة خاصّة حيال معنى قبول أو رفض شيئ كافتراض، نظريّة زعم أنّها تنقذ البيرونيّة من نقد هيوم: انظر  Hannay (1975).

[91]- (PH i.20).

[92]- (PH ii.10) 

[93]- i.22   PH.

[94]- (PH i.197; cf. i.203).

[95]- At PH i.193.

[96]- (epischeth¯esetai – PH i.186; cf. i.180,Mvii.337).

[97]- (Diss. i.28.3).

[98]- المثل تقليديّ أي أقدم من Epictetus. إنّه مثل رواقيّ قياسيّ عن شيء ليس واضحًا تمامًا ولا يمكن أن يفسّر لا من ذاته ولا من خلال إشارة (PH ii.97,Mvii.393, viii.147, 317; cf. vii.243, xi.59. وتكرّر أيضًا في مراجع شيشرون (Acad. ii.32).

[99]- (cf. PH ii.246).

[100]- قارن بين رد فايرباند على سؤال  لماذا لا تقفز «الفوضى المعرفيّة» التي تحدّث عنها من النافذة:  Feyerabend (1975) 221–2. يشير إلى خوفه وتأثيره على سلوكه، لكنّه لا يتبنّى أيّ أسباب للخوف، راجع التفاصيل الإضافيّة في الهامش التالي.

[101]- (cf. PH i.230–1).

[102]- (above, pp. 217–18).

[103]- (PH i.28–30; above, pp. 208–10).

[104]- وفقًا لتيمون frag. 72, quoted M xi.164، التابع لبيرون، وفقًا لسكستوس، لا يسعى إلى أيّ شيء ولا يتجنّب أيّ شيء بشوق، أي أنّه لا يهتمّ لما سيحصل. هذا الانفصال في الفعل ناقشه  Hossenfelder باهتمام  (1968) esp. 66–74. عن الافتراضات السقراطيّة، إنّ النتيجة المنطقيّة للنتيجة الشكوكيّة القائلة إنّه لا شي بطبعه خير أو شرّ. أي لا شيء يستحقّ السعي من أجله أو الاجتناب

 avoidance (Timon, frag. 70 = M xi.140, discussed in ch. 9 below; PH i.27, iii.235–8, M xi.69 ff.).

[105]- أعتقد أنّ  انفعاليّة إبوخة الشكوكيّ لم تقدّر في الأدبيّات العلميّة الحديثة، باستثناء Hossenfelder (1968). أحد أسباب هذا هو الميل لقراءة الظاهر بأنّه ظهور حسّيّ حيث يكون ذلك ممكنًا، على فرض وجود السلسلة التي أشار إليها سكستوس حيال الإكراه الذي يفهم أنّه لا يجاوز الحسّ الجسمانيّ والإدراكيّ. والسبب الآخر كان الاعتقاد السائد أساسًا عند الفلاسفة من مشارب مختلفة من المرحلة التي نبحث فيها عن «تصديق بدون موانع»    (1923) 138, 391).     (so e.g., Brochard

فكرة أنّ التصديق حرّ في العقيدة الرواقيّة في المقام الأوّل، وهناك بالفعل وفرة من النصوص الرواقيّة التي تقول إنّ التصديق يكون إراديًّا أو خاضعًا لسيطرتنا. لكن هناك نصوص تقول أيضًا إنّ بعض الانطباعات على الأقل تفرض الاعتقاد. يقولون إنّ الانطباع الحسّيّ يدفعنا مرغمين للتصديق (M vii.257; cf. 405)، في صورة أخرى، يستسلم العقل لما هو واضح كما يميل الميزان للثقل   (Acad. ii.38; cf. Epict. Diss. ii.26.7)؛ يبقى في هذه الحالات إراديًّا لا على ما يبدو كلّ ما يعنيه أنّه إراديّ هو أنّه يعود إلى حكمي، وبالتالي لي، إذا كنت أصدّق أم لا. وعلى كلّ حال هذا كلّه راجع إلى تفسير سكستوس لرأي الرواقيّين في المقطع الذي يميّز بشكل واضح  (M viii.397)  بين التصديق الإراديّ والانطباع اللاإراديّ. الانطباع لا إراديّ، وليس خاضعًا للإراديّ؛ لأنّ مسألة تأثّري أو عدم تأثّري بانطباع لا يتعلّق بي؛ بل بشيء آخر، أي الشيء الذي يظهر لي ؛ لكن الانطباع الذي تلقّيته لا يرتبط بي لجهة التصديق أو عدمه؛ لأنه يتعلّق بحكمي. وهذا يترك العوامل التي تؤثّر بي مفتوحة، ويترك مفتوحًا ما إذا كان التأثير يمكن أن يعتبر بأي معنى نوعًا من الإجبار. وفي الحقيقة، إنّ الدراسات الحديثة من الجانب الرواقيّ  جرت بنتائج بيّنت نهجًا تفسيريًّا يتحدّد وفقه التصديق من الداخل من خلال الصفات الشخصيّة وثقافته العقليّة، وهو إراديّ؛ لأنّه يتحدّد من الداخل بهذه الطريقة ؛ انظر،Long (1971b), Voelk´e (1973)، و cf. Epict.   Diss. i.28.1–5. إذا كان هذا مضمون المبدأ القائل إنّ التصديق حرّ، فهو يتناسب تمامًا مع التأكيد الذي أطلقته على انفعاليّة إبوخة الشكّاك، فهو لا ولن يستطيع اختيار الإبوخة من أجل الطمأنينة.

[106]- (iii.235).

[107]- من أجل كلام إضافيّ عن تقرير شيء أو التصديق به راجع  PH i.24, 240, ii.13, 102, iii.2, 151.

(adoxast¯os bioumen etc., PH i.23, 226, 231, ii.246, 254, 258.

[108]- (PH i.135).

[109]- (M viii.368).

[110]- (M xi.19).

[111]- بالنسبة لتحدّي محاولة مواجهة هذا الاعتراض أنا مدين لمؤتمر Michael Frede والمناقشات التي تخلّلته، ولضيق المجال لا آمل تبرير الدقّة التي وسّع فيها فريدي تفسيرًا مختلفًا لسكستوس عن الذي تمّ الدفاع عنه هنا.

[112]- PH i.13.

[113]-  Frede (1979).

[114]-  واضح أن سكستوس يقصد استخراج الرابط الدلاليّ بين العبارتين.

[115]- Frede (1979).

[116]- Plutarch,  Adv. Col. 1120e.

[117]- M viii.211 (cf. glukazesthai PH i.20, 211, ii.51, 72, M viii.54, ix.139) .

[118]- (M vii.293 with 190–8).

[119]- يبيّن تقرير بلوطارخ أنّ المصطلح السيرينيّ صنف بأنه خاصّ.

[120]- (thermos = thermantikos, Adv. Col. 1109f.).

[121]- evangel. xiv.19.2–3) (apud Euseb. Praep:

[122]- PH i.20.

[123]- PH i.110, ii.56, M i.147vii.368, ix.69).

[124]- هذا موضوع طُرح من قبل: انظر ص 210، رقم 8 أعلاه وفي الفصل العاشر.

[125]- (above, pp. 221–2).

[126]- (PH i.135, 198, 200).

[127]- (M xi.19).

[128]- See p. 210, n. 9 above

[129]- (2 (PH ii.95, M viii.141).

[130]- (M viii.144).

[131]- (PH i.19; above, p. 219; cf. M viii.344–5).

[132]- أن يكون تعريفا «الدوغما” مقتبسين من كاتب شكوكيّ سابق لم يوضحه سكستوس فقط بقوله ذاك، بل بقول مواز ٍ له  PH i.16–17. هنا أيضًا نحن أمام أمرين متعارضين لتعريف “أحد ما” وهذه المرة لاصطلاح (المنظومة الفلسفيّة)، الذي يعترض عليه الشكّاك وآخر لا يعترض عليه والتعريف الأوّل الذي عبّر عنه (سيظهر) بعبارات المعنى الضيّق ل “الدوغما”، يمكن أن يوجد حرفيًّا في فقرة مقتطعة لسوء الحظ في Clement (SVF ii 37.8–10),، حيث ينسب من جديد ل «بعض الناس».

[133]- et al.) (prostén phusin etc., PH i.59, 78, 87,

[134]- (PH ii.26, 104, iii.13, 29, 135, M viii.3).

[135]-  إنّه سؤال وجيه لتفسير كيفيّة فهم اللوغوس هنا. يترجمها بوري «في جوهره» في PH i.20, while PH iii.65, M x.49, xi. 165 يظهر أنّه يفضّل «العقل» لكن ّإضاءة سكستوس في  PH i.20هو ما يقال عن الشيء الظاهر. (PH i.20, 215).

[136]- الشيء نفسه ينطبق على المعنى الأساسيّ لبعض الكلمات المفتاحيّة في قاموس الشكّاكين.  الاصطلاح الأبيقوريّ للحكم أو الاعتقاد الذي أضيف للإدراك الحسّيّ حيث الإدراك لا يشتمل على عنصر حكم مطلقًا  (see Taylor, 1980). (PH i.15).

[137]- evang. xiv.18.8–9, 15, 16–17, 24).  (apud Euseb. Praep.

[138]- (M xi.120–4, 144–6; cf. PH i.27–8).

[139]- (M xi.142, using doxa).

[140]- للحصول على رأي مضاد راجع: Striker (1980) 80–1..

[141]-  (M viii.144).

[142]- (M viii.316).

[143]- (PH i.14–15; above, pp. 210–11).

[144]- من أجل رأي مخالف أنظر: Striker (1980) 80–1..

[145]- (مقتبس من PH i.203).

[146]- لاحظ أن سكستوس يثير الدفاع عن النقد الذاتيّ بسبب هذه التعميمات العالية المستوى  PH i.14–ed in ch. 1 aboveNotice that it is for l وغيرها نوقش في الفصل الأوّل ) النقد الذاتيّ يفترض مسبقًا أنّ الفرضيّات فيها ادّعاء بالصّحّة. لن يحتاج سكستوس (ولن يستعمل) الدفاع إذا كانت التعميمات في الواقع تعبيرًا عن الظاهر الذي يدّعيه هو في الوقت نفسه.

[147]- vii.243) .cf. M

[148]- الوصف الرائع الذي قدّمه هيوم لليأس من شكّ الشكّاك، رسالة في الفهم البشريّ، Bk i, Pt IV, § vii, pp. 268–9 in Selby-Bigge’s edition (Oxford, 1888).

[149]- (PH ii.103, 130, 177, M viii.289).

[150]- (M viii.481).

[151]- (PH i.2–3, 7, ii.11).

[152]- (PH i.189; cf. M i.315).

[153]-  PH i_ , PH i. 190 , M viii.159 , 332a , Diog. Laert. ix.74. Hossenfelder

(1968) 54 ff. ,  ممتاز في هذا، لكنني لا أعتقد أنّنا نوافقه الرأي في استكشاف الغموض في عبارة إبوخة. هوسنفلدر

[154]- (cf. PH i.1–3).

[155]- إنّ القراءة في تحقيقات فتجنشتاين الفلسفيّة دليل يناقش مفارقة مورو القائلة: ب لكنّني لا أعتقد أن ب. 

[156]- المصدر هو Antigonus of Carystus الذي يعني أنّ الملاحظة قد تكون مستقاة من كتابات تيمون وهي في التناول منذ 1978 ومتوفرة على الرابط الآتي:

https: //www.cambridge.org / core/ terms. https://doi.org/10.1017/CBO9780511974052.011

[157]- استفدت في إعداد هذا البحث، لا سيّما في الفصلين الأخيرين، من المداخلات النقديّة التي طرحت في المؤتمر، وفي عدد من الجامعات، حيث قرأت مسوّدات  Oxford , Pittsburgh , Rutgers , SMU Dallas , and UBC Vancouver) ( Amsterdam, Berkeley, Essex. أدين بالشكر لعدد من الأفراد أذكر منهم: Jonathan Barnes, David Sedley, Gisela Striker، وعلى رأسهم  Michael Frede.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف