البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

March / 27 / 2020  |  2456إشكالية رسم المصحف العثماني في ضوء الرؤية الاستشراقية

م. د حكيم سلمان السلطاني/ م. د زهراء البرقعاوي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية صيف 2019م / 1440هـ
إشكالية رسم المصحف العثماني  في ضوء الرؤية الاستشراقية

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.

وبعد:

فقد اهتم العلماء كثيرًا بموضوع رسم المصحف، وكان مَحطَّ دراساتهم منذ القرن الإسلامي الثاني فقد أفرده بالتصنيف خلائقُ من المتقدمين والمتأخرين، وألّف فيه العلماء كتبًا كثيرةً.

 ولأنّ المستشرقين قد تناولوا القرآن الكريم من عدة جوانبَ، لغويةٍ وتاريخيةٍ وتفسيريةٍ، فقد ارتأينا أن نخوض بمقولاتهم التي تتعلق برسم المصحف العثماني، وكيف أسست هذه المقولات للقول باضطراب النص القرآني من خلال قراءاته المتشكّلة عندهم في الأساس على رسم المصحف.

إن الغاية من دراسة رؤى المستشرقين وبيانها هي معرفة حقيقة موقفهم من القرآن وأسباب هذا الموقف، ولكي نتبيّن ذلك لا بد أن نكون مطّلعين تمامًا على رؤية المستشرقين والنقاط الجوهرية التي يثيرونها.

وتأسيسا على هذه المواقف، يقدم هذا البحث عرضاً مجملاً للرؤية الاستشراقية التي تهدف إلى رمي النص القرآني بالاضطراب والتناقض، بحسب تعدد وجوه القراءات الناتجة عن اختلاف رسم المصحف.

في رسم المصحف العثماني

الرسم لغةً هو الأثر[1]، ورسم كل شيءٍ أثره، والجمع رسومٌ. وقد استعير للدلالة على خط المصحف إشارةً إلى معنى الأثر القديم[2]. وكان استعمال لفظ الرسم بهذا المعنى قد ظهر متأخِّرًا على يد أبي عمرو الداني (ت444هـ) في كتابه (المقنع). وتحدث ابن خلدون (ت808هـ) عن فن الرسم بقوله: (ربما أضيف إلى فن القراءات فن الرسم أيضا، وهي أوضاع حروف القرآن في المصحف ورسومه الخطية)[3]. وأطلق عليه القلقشندي (ت821هـ) عدة أسماءٍ[4]، هي: (المصطلح الرسمي)، أو (الاصطلاح السلفي)، وهو الذي يقابل (المصطلح العرفي) المعتاد عند الناس في كتابة الكلمات. وهذه المصطلحات المترادفة، ظلت تستعمل للدلالة على الكتابة عامةً، إلا مصطلح الرسم المصحفي، الذي كان يعني خط المصحف خاصة[5].

ورسم المصحف كثيرًا ما يُنسب إلى عثمان بن عفان فيقال الرسم العثماني، لأنّ جمع القرآن قد تم في عهده،[6]* فارتبط اسمه بتلك المصاحف التي بعث بها إلى الأمصار وبطريقة الكتابة فيها. وبذلك فإنّ الرسم العثماني هو ما خطه الصحابة حين نسخوا المصاحف[7].

وقد كان رسم المصحف مثار اهتمام العلماء، ومحطَّ دراساتهم منذ القرن الإسلامي الثاني فقد أفرده بالتصنيف خلائقُ من المتقدمين[8] والمتأخرين، وألّف فيه العلماء كتبًا كثيرةً.

من هذه الكتب[9] التي تناولت ذلك:

1. اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق)، و(مقطوع القرآن وموصله)، لعبد الله بن عامر اليحصبي (ت118هـ).

2. (هجاء المصاحف)، ليحيى بن الحارث الدماري (ت145هـ).

3. (مقطوع القرآن وموصوله)، لحمزة بن حبيب الزيات (ت156هـ).

4. (اختلاف مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة)، (الهجاء)، (مقطوع القرآن وموصوله)، لعلي بن حمزة الكسائي(ت189هـ).

5. (اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف)، للفرّاء (ت207هـ).

6. (اختلاف المصاحف)، لخلف بن هشام (ت229هـ).

7. (هجاء المصاحف)، لمحمد بن عيسى الأصبهاني(253هـ).

8. (اختلاف المصاحف)، و(الهجاء)، لأبي حاتم السجستاني (ت255هـ).

9. (هجاء المصاحف)، لأحمد بن إبراهيم الوراق(ت270هـ).

10. (الهجاء)، (الرد على من خالف مصحف عثمان)، لأبي محمد بن القاسم الأنباري (ت327هـ).

11. (اللطائف في جمع همز المصاحف)، لأبي بكر محمد بن الحسن المشهور بابن العطار (ت354هـ).

12. (في الرسم)، لأبي بكر محمد بن عبد الله بن أشته الأصبهاني (ت360هـ).

13. (هجاء مصاحف الأمصار), لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي (ت430هـ).

14. (المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار)، لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت444هـ)، وهو من أشهر كتب الرسم على الإطلاق, بل إنه قد بلغ به الذروة، وقد نظمه الشاطبي (ت590هـ) في منظومته الرائية المسماة (عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد). ونظمه أيضا الخراز (ت718هـ) في منظومته المسماة (مورد الظمآن). وقد قام العلماء بعدهما بشروحٍ لهاتين القصيدتين.

وإلى جانب تلك الكتب الخاصة بالرسم، هناك فصولٌ مبثوثةٌ في كتب علوم القرآن، تتحدث عن الرسم.

لا شكّ في أنّ الخط وُضع ليعبّر عن المعنى اللفظ نفسه الذي ينطق به، فالكتابة في الحقيقة قيدٌ للفظ المعبر عن المقصود. وعليه فيجب أن تكون الكتابة مطابقة للفظ المنطوق به تمامًا، ليكون الخط مقياسًا للفظ من غير زيادةٍ عليه أو نقصانٍ.

بيد أن المصاحف العثمانية قد أُهمل فيها هذا الأصل فوجدت بها حروفٌ كثيرةٌ جاء رسمها مخالفًا لأداء النطق، ويظهر أن الإصلاحات التي ظهرت على الخط العربي في ما بعد (لم تكن قد كملت بعد في العهد الذي رسم فيه المصحف العثماني، أو لم يكن استخدامها قد انتشر كل الانتشار، أو لم يكن الصحابة ممن رسموا المصحف على علمٍ تامٍّ بها، أو أنهم قد تحرّجوا من إدخالها في رسم القرآن. فجاءت المصاحف العثمانية مجردةً من الإعجام والشكل؛ ورُسمت فيها حروفٌ كثيرةٌ بصورةٍ مضطربةٍ خاطئةٍ، كزيادة الياء في (بأييد)، والألف في (لااذبحنه)، و(لأاوضعو خلالكم)، والواو في (جزاءو الظالمين)؛ وحذفت منها الألف كثيرًا من الكلمات (الرحمن، السموات، يُقَتلونكم، للكفرين، ميثقكم، بالظلمين، استطعوا، وهجروا، وجهدوا، ومنفع للناس، اليتمى، قنتين،.... ألخ)؛ ورسم فيها بعض التاءات المربوطة مفتوحة (نعمت الله... ألخ)؛ واستبدلت فيها حروف بحروف أخرى (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[10].

والذي تؤكّده النقوش الأثرية، أن الصحابة كتبوا المصاحف كما يكتب الناس في زمانهم، بالقواعد الإملائية التي يعرفونها. وهذا الرأي هو الذي ترجّحه الأدلة الأثرية المكتوبة، التي اكتشفت قبل الإسلام وفي سنواته الأولى، إذ يلاحظ فيها إنقاص الألف، وخلوّها من النقط والشكل، وبعض الظواهر الكتابية الأخرى.

ومن الظواهر التي جاءت مخالفةً للقواعد الإملائية في الرسم العثماني، حذف الألف، مثل (خئفين، المؤتفكت، أبصر)، وحذف الياء (ارهبون، يؤت، الحوارين)، وحذف الواو (يدع، يستون)، وحذف اللام (اليل، الاتي) وحذف النون (نجي، تك)، وزيادة بعض الحروف، كزيادة الألف (لشائ، ابن، لااذبحنه، تايئسوا، ادعوا)، وزيادة الياء (تلقاءى، نبأى، بأييكم، بأييد)، وزيادة الواو (سأوريكم، لأوصلبنكم)، وظاهرة الإبدال، إبدال الياء ألفاً (الاقصا، طغا، رءا، نئا، يحيا، لدا، بشرا)، وإبدال الألف ياءً (طحيها، زكيها، اجتبيكم)، وإبدال الألف واواً (الصلوة، الزكوة، الحيوة، الربو، الغدوة )، وإبدال نون التوكيد الخفيف تنوينًا (لنسفعًا، ليكونًا)، وإبدال التاء المربوطة تاءً مفتوحةً (رحمت، نعمت، امرأت، لعنت، شجرت، سنت)، وإبدال السين صادًا (الصراط، يبصط)، وظاهرة كتابة الهمزة (الضعفؤا).

وقد يغلو بعض المتزمتين بالرسم القديم، فيزعمونه توقيفًا كان بأمر النبي (ص) الخاص، ولم يكن للكَتَبة الأوائل دخلٌ في رسمه بالهيئة الموجودة، وأنّ وراء هذه المخالفات الإملائية سرًّا خفيًّا وحكمةً بالغةً لا يعلمها إلا الله سبحانه.

وهو ما ادّعاه ابن المبارك في نقله عن شيخه عبد العزيز الدباغ أنه قال: (ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرةٌ واحدةٌ، وإنما هو توقيفٌ من النبي P وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها، لأسرارٍ لا تهتدي إليها العقول وهو سرٌّ من الأسرار خصّ الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية، وكما أن نظم القرآن معجزٌ فرسمه أيضا معجزٌ )[11].

وقد رد الدكتور الصغير هذا الكلام وبين هزاله من عدةِ وجوهٍ، منها: (أن الرسم المصحفي لم يرد فيه ولا حديثٌ واحدٌ عن النبيP فكيف يكون توقيفيًّا... الثاني: لو كان الرسم توقيفيًّا لكانت خطوط كتاب الوحي واحدةً، وليس الأمر كذلك)[12].

وذهب بعضٌ إلى تفسير ظواهر الرسم تفسيرًا صوفيًّا، وأنّ فيه حِكَمًا خفيّةً، وأسرارًا بهيةً، ومنهم أبو العباس المراكشي (ت721هـ)، الذي عبّر عنها بقوله إن الرسوم (إنما اختلف حالها في الخط، بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها)[13]. وكذلك (التنبيه على العوالم الغائب والشاهد، ومراتب الوجود والمقامات)[14].

 وإن كان المراكشي قد عرض مذهبه في عبارةٍ قويةٍ وأسلوبٍ جيدٍ، فإنه لم يسلم من النقد، لأن قوة العبارة وجودة الأسلوب لا يمكنهما أن تنصرا مذهبًا، إذا توافرت فيه عوامل الضعف.

وسبب ميل المراكشي إلى هذه الأسرار هو كما قال د. غانم قدوري حمد أنه (كان ذا ميلٍ شديدٍ إلى العلوم الرياضية والعقلية، يتجلى ذلك في مؤلفاته الكثيرة في الفلسفة والمنطق والفلك والأصول، ثم إنه ذو اتجاهٍ صوفيٍّ وجدانيٍّ، دفعه إلى الانقطاع مدةً عن أكل ما فيه روحٌ، وأصيب بحالةٍ عصبيةٍ فحجب عن بيته سنةً وتعافى)[15].

وهذه الأسرار الخفية بعيدةٌ كل البعد عن طبيعة الموضوع، فلم يدر في خلد الصحابة شيءٌ من تلك المعاني الصوفية التي يحاول المراكشي أن يعلّل بها رسم كلمات المصحف.

ومنهم من ذهب إلى أنّ اختلاف المسلمين في القراءات، هو السبب الذي من أجله كُتِبت المصاحف بطريقةٍ تحتمل هذه القراءات الصحيحة، فقد (ساعدت صورة الخط العربي، في ذلك الوقت على أن يتضمن النص القرآني المكتوب معظم القراءات، التي قرئ بها القرآن في أيام النبي)[16]. لقد ساعد الخط العثماني بخلوّه من النقط والشكل وبعض ظواهره الكتابية ومنها حذف الألف أن يقرأ بصورٍ عدةٍ، فجاء محتملًا للكثير من القراءات، وأصبحت من مميزات الرسم الدلالة على القراءات، وجعل السيوطي من قواعد الرسم العثماني (ما فيه قراءتان فكتب على أحدهما)[17]، وعدّد بعض الكلمات التي أنقصت منها الألف.

وذهب الزرقاني إلى أنّ (قاعدة الرسم لوحظ فيها أنّ الكلمة إذا كان فيها قراءتان أو أكثر، كتبت بصورةٍ تحتمل هاتين القراءتين أو الأكثر. فإنْ كان الحرف لا يحتمل ذلك بأنْ كانت صورة الحرف تختلف باختلاف القراءات جاء الرسم على الحرف الذي هو خلاف الأصل، وذلك ليعلم جواز القراءة به وبالحرف الذي هو الأصل. وإذا لم يكن في الكلمة إلا قراءةٌ واحدةٌ بحرف الأصل رُسِمت به مثال الكلمة تكتب بصورةٍ واحدةٍ وتقرأ بوجوهٍ متعددةٍ قوله تعالى: ﴿قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ﴾ (طه/ 63) رسمت في المصحف هكذا: (إ هد لسحر ) من غير نُقطٍ ولا شكلٍ ولا تشديدٍ ولا تخفيفٍ في نُونَيْ إن وهذان، ومن غير ألفٍ ولا ياءٍ بعد الذال من هذان، ومجيء الرسم كما ترى كان صالحًا عندهم لأن يُقرأ بالوجوه الأربعة التي وردت كلها بأسانيدَ صحيحةٍ. (أولها) قراءة نافع ومن معه إذ يشددون نون (إنّ) ويخففون (هذان) بالألف. (ثانيها): قراءة ابن كثيرٍ وحده إذ يخفف النون في (إنْ) ويشدد النون في (هذانّ). (ثالثها): قراءة حفص إذ يخفف النون في (إنْ) و(هذان) بالألف: (رابعها): قراءة أبي عمرو بتشديد (إنّ) وبالياء وتخفيف النون في (هذين) فتدبّر هذه الطريقة المثلى الضابطة لوجوه القراءة لتعلم أنّ سلفنا الصالح كان في قواعد رسمه للمصحف أبعد مِنَّا نظرًا وأهدى سبيلًا)[18].

والحق إنّ الرسم العثماني بخلوّه من النّقط والشّكل ومن الألف وإنْ ساعد على أن تُقرأ الكلمة بصُورٍ عدةٍ، إلّا أنّ ذلك ليس مُرادًا من الصحابة بل إنّ طريقتهم في الكتابة آنذاك هي التي ساعدت عليه. ولا خلاف أنّ ما رُسم أصلًا بالألف الممدودة ليس له إلّا وجه المد، ولا يصحّ فيه قراءة القصر، وهذا محل اتفاقٍ، كما في (الميزان، كالفخار، الأكمام). وكذلك فإنّ بعض ما رسم أصلًا من دون ألٍف حظي باتفاق الكل على تقدير الألف فيه، ولم يُقرأ بغير ألفٍ كما في (الرحمن، الإنسن، قصرت، يهمن).

ولكن وقع الخلاف في بعض ما رُسم أصلًا من دون الألف، وقرئ بوجهين: بتقدير الألف وبحذفها. كما في (واعدنا)، فقرئت بتقدير الألف (واعدنا)، وقرئت من دون ألفٍ (وعدنا).

والذي تؤكده النقوش الأثرية، أنّ الصحابة كتبوا المصاحف كما يكتب الناس في زمانهم، بالقواعد الإملائية التي يعرفونها. فلهذه المسألة جذورٌ تاريخيةٌ ترجع إلى الخط النبطي* المشتق من الخط الآرامي. وهذا الرأي هو الذي ترجّحه الأدلة الأثرية المكتوبة، التي اكتشفت قبل الإسلام وفي سنواته الأولى، إذ يلاحظ فيها إنقاص الألف، وخلوّها من النقط والشكل، وبعض الظواهر الكتابية الأخرى[19].

وعليه فكتابة المصحف إذًا كانت في ضوء ما ألفه الصحابة من الهجاء واعتادوه من الرسم، وذلك قصارى جهدهم، وما ورد فيها من مخالفاتٍ إملائيةٍ لا يتعارض مع أصول المعاني ومداليل الألفاظ، فالإملاء لا يغير نطقًا، ولا يحرّف معنًى[20]. وما ورد فيها من مخالفاتٍ إملائيةٍ ليس بالشيء الذي يمس سلامة القرآن. فالقرآن هو الذي يُقرأ، لا الذي يكتب فلتكن الكتابة بأيِّ أسلوبٍ. فإنها لا تعني شيئًا ما دامت القراءة باقيةً على لغتها الأولى التي كانت تقرأ على عهد الرسولP وصحابته الأكرمين.

رؤية المستشرقين لرسم المصحف العثماني:

قرر المستشرقون أنّ السبب في ظهور القسم الأكبر من القراءات هو خاصية الخط العربي، فالرسم الواحد للكلمة الواحدة قد يُقرأ بأشكالٍ مختلفةٍ تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها، كما أن عدم وجود الحركات النحوية وفقدان الشكل في الخط العربي يمكن أنْ يجعل للكلمة حالاتٍ مختلفةً من ناحية موقعها من الإعراب ما يؤدي إلى اختلاف دلالتها، كل ذلك كان السبب الأول لظهور حركة اختلاف القراءات وتعددها كما زعم كثيرٌ من المستشرقين.

يقول غولدتسيهر: (وترجع نشأة قسمٍ كبيرٍ من هذه الاختلافات إلى خصوصية الخط العربي الذي يقدم هيكله المرسوم مقاديرَ صوتيةً مختلفةً، تبعًا لاختلاف النقاط الموضوعة، فوق هذا الهيكل أو تحته، وعدد تلك النقاط. بل كذلك في حالة تساوى المقادير الصوتية يدعو اختلاف الحركات الذي لا يوجد في الكتابة العربية الأصلية ما يحدده، إلى اختلاف مواقع الإعراب للكلمة، وبهذا إلى اختلاف دلالتها، وإذًا فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط، واختلاف الحركات، في المحصول الموحد القالب من الحروف الصامتة، كانا هما السبب الأول في نشأة حركة اختلاف القراءات في نصٍّ لم يكن منقوطًا أصلًا، أو لم تُتحرَّ الدقة في نَقْطه أو تحريكه)[21].

فالمستشرق غولدتسيهر، يرى أنّ سبب الاختلاف بين القراءات، يرجع إلى خصوصية الخط العربي الذي لم يكن منقوطًا ولا مشكولًا. وقدّم أمثلةً[22] حاول الاستدلال بها على دعواه، وهي:

1- ﴿وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٗا يَعۡرِفُونَهُم بِسِيمَىٰهُمۡ قَالُواْ مَآ أَغۡنَىٰ عَنكُمۡ جَمۡعُكُمۡ وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ (الأعراف/48)، (تستكبرون) بالباء الموحدة، وفي قراءة (تستكثرون) بالثاء المثلثة.

2- ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ﴾ (الاعراف/57)، (نشرا) بالنون بدل الباء.

3- ﴿وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ ﴾ (التوبة/114)، بالياء المثناة التحتية، وفي قراءة - من الغريب أنها قراءة حماد الراوية- (أباه) بالباء الموحدة.

4- ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنٗا﴾ (النساء/94)، فبدلا من (فتبينوا) قرأ جماعة من ثقات القراء (فتثبتوا) والهيكل المرسوم يحتمل الوجهين.

وذهب إلى أن هذه الاختلافات وما شابهها لا تسبب فرقًا من جهة المعنى العام ولا من جهة الاستعمال الفقهي.

5- ﴿يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾ (البقرة/54)، أي فليقتل بعضكم بعضا، (أو بالمعنى الحرفي للنص: فاقتلوا أنفسكم بأنفسكم).

يدور الحديث حول غضب موسى حين علم بصنع بني إسرائيل عجلا من ذهب وعبادتهم إياه فقد وجد المفسرون الأمر بقتل أنفسهم، أو بقتل الآثمين منهم، أمرًا شديدَ القسوة، وغيرَ متناسبٍ مع الخطيئة، فآثروا تحلية الحرف الرابع من هيكل الحروف الصامتة بنقطتين من أسفل، بدل التاء المثناة من أعلى، فقرؤا: (فأقيلوا) بمعنى: حققوا الرجوع عمّا فعلتم، أي بالندم على الخطيئة المقترفة.

وهذا المثال -بحسب غولدتسيهر- يدل فعلًا على أنّ ملاحظاتٍ موضوعيةً قد شاركت في سبب اختلاف القراءة، خلافًا للأمثلة السابقة التي نشأ الاختلاف فيها من مجرد ملابساتٍ فنيةٍ ترجع إلى الرسم.

6- ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٨ لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا﴾ (الفتح/8-9)، فبدلًا من: (وتعزّروه) بالراء المهملة، الذي معناه: وتساعدوه، قرأ بعضهم: (وتعززوه) بالزاي المعجمة بمعنى: وتعظموه. وداعي تغيير النص على هذا الوجه خشية تصوّر أن الله ينتظر من الناس مساعدةً أو معونةً. وقد كان مجردُ إضافةِ نقطةٍ واحدةٍ كافيًا في إزالة ذلك الإيهام: فانتقل المعنى من تقديم المعونة لله إلى تعظيم الله.

وهو في هذه الأمثلة قد خلط قراءاتٍ صحيحةً بقراءاتٍ شاذةٍ منكَرةٍ. ومن القراءات الصحيحة، الأمثلة: (4،2). ومن القراءات الشاذة، الأمثلة: (6،5،3،1).

ثم يأتي آرثر جفري متابعًا غولدتسيهر في ادعائه أن اختلاف القراءات راجعٌ إلى سببين رئيسين نتجا عن التزام رسم القرآن بالخط العربي فتأثرت القراءات بطبيعته من جهتين؛ الأولى: تجرد خط المصاحف العثمانية الأولى من النقط. والثانية: عدم ضبط هذا النص بالشكل.

يقول آرثر جفري في المقدمة التي كتبها لتحقيقه كتاب (المصاحف) لابن أبي داود: (وكانت هذه المصاحف كلها -يعني مصاحف عثمان التي بعث بها إلى الأمصار- خاليةً من النُّقط والشَّكل، فكان على القارئ نفسه أن ينقّط ويشكّل هذا النص على مقتضى معاني الآيات. ومثال ذلك (يعلمه) كان يقرؤها الواحد (يُعَلِّمُه) والآخر (نُعَلِّمُه) أو (تُعْلِمُه) أو (بِعِلْمِه) إلخ على حسب تأويله للآية)[23].

ويوافقهما على هذا المستشرق الألماني (كارل بروكلمان) فقال: (حقًّا فتحت الكتابة التي لم تكن قد وصلت بعدُ إلى درجة الكمال، مجالًا لبعض الاختلاف في القراءة، ولا سيما إذا كانت غيرَ كاملة النقط، ولا مشتملةً على رسوم الحركات، فاشتغل القُرّاء على هذا الأساس بتصحيح القراءات واختلافها)[24].

ومع أن هذا الرأي قد لقي نقدًا وتجريحًا من قِبل بعض الدارسين العرب[25]. إلّا أنّه لقي بالوقت نفسه تأييدًا من قِبل آخرين أمثال إبراهيم الإبياري، وجواد علي، وصلاح الدين المنجد[26].

ونستطيع أن نقول أنّه لو كانت القراءة تابعةً للرسم كما يقول (غولدتسيهر) لصحت كلُّ قراءةٍ يحتملها رسم المصحف، لكن الأمر على غير ذلك، فإنّ بعض ما يحتمله الرسم صحيحٌ مثل (فتبينوا)، وبعضه من الشواذ مثل قراءة (أباه)، وقراءة (تستكثرون).

فالأصل أنّ الرسم تابعٌ للرواية والنقل، وأنّ الرواية منقولة من أفواه الرجال الحَفَظَة، لا كما يُصوّره المستشرقون، فإذا احتمل الرسم قراءةً غيرَ مرويةٍ ولا ثابتةٍ، ولا مسندةٍ إسنادًا صحيحًا رُدّت ووُصمت بأنها شاذّةٌ.

ونستطيع أن نقول أنّ القراءة تابعةٌ للرواية والنقل من أفواه الحَفَظَة، مع موافقتها للعربية، ومطابقتها لرسم المصحف، لا أنّ الرسم العثماني هو وحده المتحكِّم في القراءة، وإلا لصحت كلُّ قراءةٍ يحتملها رسم المصحف. فقد يحتمل الرسم في قوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ﴾ ما نُسب إلى حمزة الزيات من أعدائه «ذلك الكتاب لا زيت فيه»![27]. ويحتمل الرسم في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ «ولله ميزاب السموات والأرض». لكن شيئا من ذلك لم ينقل في صحيح الرواية ولم يرد في ما ثبت عن الرسولP فهو إذن من التحريف والتصحيف.

ونستطيع أن نلخّص مضامين تلكم الردود والانتقادات بما يأتي:

1- اعتماد القراءات على النقل والرواية.

2- ظهور حركة القراءة قبل وجود النقط والشكل.

3- إن شيوع ظاهرة القراءات القرآنية كان قبل تدوين المصاحف.

(فلم يكن خط المصاحف -إذًا- سببًا في وجود القراءات القرآنية أو اختلافها، ولكنه كان سببًا في حفظ الاختلاف الموجود أصلًا، لأنّ القراءة سنةٌ متبعةٌ. وقد كان الرسم حين عدّت موافقته شرطًا في قبول القراءة مقياسًا وقائيًّا، يمنع ما لا يدخل في نطاقه، مما صحّ من الروايات، فالرسم لا ينشئ القراءة ولكنه يحكم عليها) [28].

وقد يكون الحديث عن رسم المصحف العثماني وأثره في القراءات القرآنية مقدمةً للطعن والغمز في سلامة القرآن الكريم، وهو ما يراه المستشرقون من أن تعدد القراءات القرآنية للنص القرآني هو اضطرابٌ لحقه بسببها، وهذا ما ذهب إليه (غولدتسيهر)؛ قائلا: ( فلا يوجد كتابٌ تشريعيٌّ اعترفت به طائفةٌ دينيةٌ اعترافًا عقديًّا على أنه نصٌّ منزلٌ أو موحًى به يقدم نصّه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في النص القرآني)[29].

والحق أنّ هذه الاختلافات ليست متناقضةً بمعنى أن يُلْجَأَ إلى هدر أحد الوجهين إذا اعتمد الآخر؛ بل هي ذاتُ معانٍ متضامنةٍ يكمّل بعضُها بعضًا، وقد يدلّ الوجه على ما لا يدل عليه أخوه ولكنه لا ينافره ولا يضاده، بل يمنحك معنًى جديدًا يضيء لك سبيل التفسير أو الحكم. وعلى هذا يقول الزرقاني: (بل القرآن كله على تنوّع قراءاته يصدّق بعضُه بعضًا، ويبيّن بعضه بعًضا ويَشْهد بعضه لبعض على نمطٍ واحدٍ في علوّ الأسلوب والتعبير، وهدفٌ واحدٌ من سموّ الهداية والتعلم، وذلك من غير شكٍّ يفيد تعدد الإعجاز بتعدد القراءات والحروف)[30].

فحمل القراءات بعضها على بعضٍ نقصد به اتساع المعاني للقرآن الكريم وهو ما يعبّر عنه بـ (ثراء المعنى) ونقصد به كثرة المعاني لتنوع القراءات، أي إن القراءات تكون صالحةً لأنْ تدلّ في تنوّعها على معانٍ متعددةٍ على سبيل البدل أو الاشتراك.

والسؤال الوارد هنا حول اتساع معاني القراءات القرآنية على اختلافها وتنوّعها: هل قصد القرآن الكريم إلى تعدد المعاني هذه؟ وهو سؤالٌ كما نرى يتعلق بوظيفة النص القرآني وغايته، وإذا كان من المتفق عليه أنّ النص القرآني هو نصٌّ مقدَّسٌ موحًى من قِبل الله تعالى (نصٌّ إلهيٌّ)، وأنّه خاتم الكتب السماوية (نصٌّ خالدٌ)، وأنّه عالميُّ الخطاب (نصٌّ عصريٌّ) لذا كان من ضروريات النص القرآني أنْ يتّسع لأكثر من معنًى ليحاكيَ كل ظروف الحياة ومتطلباتها ومستجداتها، مما تَكَشَّفَ أنه من غير الممكن أن ندّعي صوابّة معنىً واحدٍ من تفسيرات النص يكون ما عداه من المعاني خطأً.

ولا يعني هذا أن جميع دلالات القراءات صحيحٌ ومقبولٌ، بل هناك الصحيح والضعيف والمردود، إنما المقصد هنا أن النص القرآني من خلال القراءات يعطي مساحةً للفهم ودائرةً واسعةً للاجتهاد والنظر والتأمل.

فالمتأمل في القراءات يكون بصدد جملة أهدافٍ متآزرةٍ تكشف عنها إمكانيات النص الهائلة حيث يكون النص القرآني مُوَجَّهًا - بفضل إمكانيته المودعة فيه - لتحقيق أغراضٍ متعددةٍ، قد لا تخالف أيٌّ منها نصًّا، أو عقلًا، أو واقعًا، ولا يُفضي إلى تحريم حلالٍ، أو تحليل حرامٍ. بل قد تكون جميع وجوهه مقبولةً ومُرادةً وذاتَ فائدةٍ مترتبةٍ على توجيه هذه القراءات خاصةً.

وهذا يرجع إلى ثرائه وتجدّد مَعِينه الذي لا ينضب، سواءً أكان هذا التنوع على صعيد اللفظ الواحد (القرآن) على سبيل التفسير، أم على صعيد تعدّد اللفظ (القراءات) على سبيل التوجيه. وإنما الاختلاف، إنْ وجد، فهو من فهمنا لتوجيه القراءة.

واعتبار النص القرآني كُلًّا لا يتجزّأ لأنّه يهدف إلى غايةٍ واحدةٍ وإن تنوّعت مظاهر تعبيره تبعًا لتنوّع القراءات، لذا يجب التسليم بأن القراءات الواردة في الآية وإن تنوّعت فإنّ لها ثابتًا بنيويًّا تنطلق منه فهي تُطْلِق أو تقيّد، و تُجْمِل أو تفصّل، و تُبَيِّن أو تخصّص المعنى في النص القرآني، ولكنْ مهما كان الحال فإنها لا تناقضه ولا تُضادُّه.

فإنّ من إعجاز القراءات أنّها تتكامل مع النص ولا تتنافر معه، فكل قراءةٍ تضيف إلى النص القرآني معنًى من المعاني ولا تلغيه؛ قال الشيخ الزرقاني: (ما في تنوّع القراءات من البراهين الساطعة، والأدلة القاطعة على أنّ القرآن كلام الله، وعلى صدق من جاء به وهو رسول الله؛ فإن هذه الاختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقضٍ في المقروء وتَضادٍّ، ولا إلى تهافتٍ وتخاذُلٍ) [31]. وهذا ما دلّ عليه قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا﴾[32]، ويدلّ عليه إقرار النبيP للمختلفين في القراءة بقوله: أصبتم، أو كلاكما محسنٌ، أو أي ذلك قرأتم أصبتم، وكذلك إقرار الأئمة المعصومين: (اقرؤوا كما علمتم)، (اقرؤوا كما تقرأ الناس).

من خلال ما تقدم يتبين بشكلٍ جليٍّ أنّ الاختلاف في القراءات لا يعني التعارض والتباين في النص القرآني، فالقراءات على اختلافها وتنوعها لم يتطرّق إليها تَضادٌّ وتَناقضٌ، أو تدافعٌ بين معاني الآية.

وعليه فإن هناك عدةَ صورٍ لاختلاف القراءات - كما هو مقرَّرٌ ومعروفٌ في كتب القراءات وعلوم القرآن والتفسير- فمنها: ما اختلف فيه تنقيط الحرف من دون تغييرٍ في رسم الكلمة، مثل (فتبينوا، فتثبتوا) (الحجرات/6)، أو حركة الحرف (قَرن، قِرن) }الأحزاب/33{، أو تغيير الحرف (يبصط، يبسط) }البقرة/245{، أو بزيادةٍ (تحتها الأنهار، من تحتها الأنهار) }التوبة/100{، أو بحذفٍ (والذين اتخذوا، الذين اتخذوا) }التوبة/ 107{.

وغير ذلك من أنواع الاختلافات مما قرأ به القراء ودُوِّن في كتب القراءات من دون أن يؤثّر ذلك كله في رسم المصحف.

وما يأتي هو عرض لنماذجَ تطبيقيةٍ لما اختلفت قراءته بسبب تجرّد المصحف من النقط، وفقدان الشكل، وبعض الظواهر الأخرى، للتدليل على صحة ما ذهبنا إليه:

 نماذج تطبيقية:

1 - اختلاف القراءة على مستوى النقط (تبينوا - تثبتوا):

قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ﴾ }الحجرات/6{.

أ - أوْجُه القراءة:

قرأ حمزة والكسائي وخلف: (فتثبتوا) بالتاء والباء. وقرأ الباقون: (فتبينوا) بالباء والياء[33].

ب - حجة القراءة:

حجة من قرأ (فتثبتوا) من (تثبت)، أي: فتأنوا وتوقفوا حتى تتيقنوا صحة الخبر، وحجة من قرأ (فتبينوا) من (تبين)، أي: فافحصوا واكشفوا، وحجتهم قول رسول الله P ألا إن التبين من الله والعجلة من الشيطان فتبينوا[34]. ويرى الفرّاء أنهما (متقاربان في المعنى. تقول للرجل: لا تعجل بإقامةٍ حتى تتبين وتتثبت)[35].

جـ - دلالة القراءة:

اشتملت هذه الآية المباركة على قراءةٍ مختلفةٍ في حروفها متنوعةٍ في معطياتها. فقد أفادت قراءة (فتثبتوا) معنى التثبّت، فهي من الثبت. والثبت: هو التأني، والتوقف، حتى تتّضح صحة الخبر[36]. والمعنى: فاطلبوا ثبات الأمر، ولا تعجلوا فيه. إذ دعت المؤمنين إلى التأني وترك الإقدام على القتل، دون التثبت، فجاء التثبّت مخالفا للإقدام، والتثبّت أفسح للمأمور من التبين، لأنّ كلَّ من أراد أن يتثبت قدر على ذلك، وليس كل من أراد أن يتبين قدر على ذلك، لأنه قد يتبين، وقد لا يتبين له ما أراد بيانه. فدلت على زيادةٍ في المعنى المراد من جهة المخاطَب.

على حين أفادت قراءة (فتبينوا) معنى التبين، وهو التعرف والتفحص والكشف، عن هوية الأمر[37]. ولما كان معنى الآية (افحصوا عن أمر من لقيتموه واكشفوا عن حاله قبل أن تبطشوا بقتله، حتى يتبين لكم حقيقة ما هو عليه من الدين)[38] حُمِلَ المخاطَب على التبيين فبه يظهر الأمر، فناسبت حيثية الحدث، وما تهدف إليه الآية.

ففي التبين معنى التثبت، وليس كل من تثبت في أمر تبينه، فقد يتثبت ولا يتبين له الأمر، فالتبين أعم من التثبت في المعنى لاشتماله على التثبّت.

ومدلول الآية مطلقٌ[39]، فـ(في تنكير الفاسق والنبأ: شياعٌ في الفُسّاق والأنباء، كأنه قال: أيُّ فاسقٍ جاءكم بأيِّ نبأٍ)[40]. فتنكير فاسق ونبأ يفيد الإطلاق لأنه نكرةٌ في سياق الإثبات.

وبالنظر إلى قوله تعالى: ﴿أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ﴾ (يفيد أن المأمور به هو رفع الجهالة وحصول العلم بمضمون الخبر عندما يراد العمل به وترتيب الأثر عليه)[41]. وعلى هذا فإن قراءة التبين التي تفيد العلم وانكشاف الحقيقة هي الأرجح لمضمون الآية المباركة التي تقتضي الوصول إلى الحقيقة.

ولأن الفاسق نادرًا ما يأتي بخبرٍ صائبٍ، صُدِّر بحرف الشرط (إن) المقتضي للشك لا بالحرف (إذا) المقتضي للحقيقة. مما يتطلب التحقق من خبره وبلوغ اليقين فيه، فلا يكفي مجرد التثبت.

وأيضا ورود الصيغة التعبيرية في خاتمة الآية ﴿فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ﴾ التي نظرت إلى مآل عدم التبين من الخبر، وهو الخسران وإصابة القوم بجهالةٍ، مما تَطَلَّب الدقة والفحص عن النبأ، لأن عدم التحقق من صحة الخبر سيُفضي إلى الندم، وهو مذمومٌ عند المؤمنين.

2 - اختلاف القراءة على مستوى الحركة (قَرن - قِرن):

قال تعالى: ﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا﴾ }الأحزاب/33{.

أ - أوجه القراءة:

 قرأ نافع وأبو جعفر وعاصم: (وقَرن)، بفتح القاف. وقرأ الباقون: (وقِرن)، بكسر القاف[42].

ب - حجة القراءة:

قال الخليل: (القرار: المستقر من الأرض. وأقررته في مقره ليقر، وفلان قارٌّ، أي: ساكنٌ)[43] و(الوقار: السكينة والموادعة، ورجل وقورٌ ووَقَّارٌ ومتوقِّرٌ: ذو حلمٍ ورزانةٍ)[44].

فحجة من قرأ (قَرن) بفتح القاف، فهو من: قَرَرْتُ بالمكان أقَرُّ، و(قَرْن) كان في الأصل (اقْرَرْنَ) فحذفت الراء الأولى وألقيت حركتها على القاف، فقيل (قَرْنَ) ووزنها: (فَلْنَ).

وأمّا حجة من قرأ (قِرن) بكسر القاف، ففيها وجهان، أحدهما: أنه من الوقار، يقال: وَقَرَ يَقِر، والأمر: قِرْ، وللنساء: قِرْنِ، ووزنها(عِلْنَ). والوجه الثاني: أنها من: قررت بالمكان أقرّ، وأصلها (إقْرِرْنَ) فحذفت الراء الأولى وألقيت حركتها على القاف، فقيل (قِرْنَ) ووزنها: (فِلْنَ)[45]. فالكسر من وجهين من الوقار، أو من القرار. والفتح من القرار فقط.

جـ - دلالة القراءة:

 على قراءة الفتح (قَرن) يكون معنى الآية: الأمر لهن بالاستقرار والسكون في بيوتهن وألّا يخرجن إلا لضرورة.

 أما قراءة الكسر (قِرن) فيحتمل أن تكون بمعنى (الاستقرار في البيوت) أو على معنى: كنّ أهل وقارٍ، أي: هدوءٍ وسكينةٍ[46].

وكِلا المعنيين يتقبله سياق النص القرآني فلا تعاُرضَ ولا تَضادَّ بين القراءتين، فكلاهما مرادٌ من نساء النبي، الاستقرار في البيوت، والوقار. إلا أن معنى الاستقرار أرجح من الوقار، بدليل قوله تعالى (فِي بُيُوتِكُنَّ) فإن قلنا أن المعنى أن يكنّ وقوراتٍ فلا داعي لتخصيص الوقار في البيوت، لأنّ الوقار ممّا يطلب في داخل البيوت وخارجها. فيتعين معنى الاستقرار في البيوت، لأنّه مما تطلبه دقة النص وسلامته. ولا يخفى أنّ الأمر بالاستقرار في البيوت على نساء النبي P [47] هو سارٍ على نساء الأمة وهو مقيدٌ بما دون الحاجة.

 3 - اختلاف القراءة على مستوى الحرف (يبصط- يبسط):

قال تعالى: ﴿مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ }البقرة/245{.

أ - أوجه القراءة:

قرأ الدوري عن أبي عمرو وهشام وخلف ورويس وخلف عن حمزة: (ويبسط) بالسين. وقرأ نافعٌ والبزي وشعبة والكسائي وأبو جعفر وروح: (ويبصط) بالصاد. وقرأ الباقون: بالسين والصاد[48].

ب - حجة القراءة:

 وحجة من قرأ بالسين (ويبسط) أنها هي الأصل. فلو كانت الصاد الأصل لما جاز أن تُردّ إلى السين، إذ لا ينقل الحرف إلى ما هو أضعف منه، والصاد أقوى بكثير من السين، لإطباقها واستعلائها[49]. وحجة من قرأ بالصاد (ويبصط) أن الطاء مجهورةٌ مستعليةٌ والسين مهموسةٌ مُستَفِلةٌ، فكُره الخروج من السين المستفلة إلى الطاء المستعلية لأنّ ذلك ممّا يثقل فأبدلوا من السين صادًا، لأن الصاد توافق السين في الهمس والصفير والرخاوة، وتوافق الطاء في الاستعلاء[50]. (فالصاد والطاء صوتان مطبقان أسنانيان لثويان)[51].

جـ - دلالة القراءة:

يرى الدكتور فاضل السامرائي: أن (البصط) بالصاد، في آية البقرة مطلقٌ عامٌّ لا يخصّ شيئًا دون شيءٍ، فهو يحتمل البسط في الرزق, وفي الأنفس, وفي الملك, وغيرها, وسائر ما في القرآن (يبسط) بالسين في عشرة مواضعَ مقيدٌ. والمطلق أقوى من المقيد، فجاء في الأقوى بالصاد وفي المقيد بالسين[52]. وهذا التحليل لـ( يبصط) في آية البقرة التي جاءت مخالفةً لما في سائر القرآن بالسين هو تحليلٌ معارضٌ لما ورد فيها من قراءة بالسين (يبسط), فهل يعد السامرائي هذه القراءة غيرَ صحيحةٍ؟.

 ثم إنّ المُلاحَظ من القرائن المحفوفة بالآية أنّ (البصط) لم يكن مطلقًا بل هو مقيدٌ بالرزق[53]. ومما يؤيد ذلك تصدير الآية بصيغة الاستفهام عن الإقراض: (من ذا الذي يقرض الله)، ليستثير المؤمنين ويهيئ قلوبهم لاستقبال هذا النداء، حتى يسهل عليهم الإنفاق ابتغاء مرضاة الله، فقد ذكر ابن العربي أن هذا الكلام جاء (في معرض الندب والتحضيض على إنفاق المال في ذات الله تعالى على الفقراء والمحتاجين, وفي سبيل الله بنصرة الدين)[54] وقوله (قرضا حسنا)، (إشارة إلى أنّ المال المبذول يجب أن يكون من الحلال لا من الحرام، وأن يبذل عن رضًا وبقصد التقرّب إليه سبحانه)[55], ثم جاء الجزاء (فيضاعفه لهم)، ليكونوا مطمئنين بما بذلوا وأنهم سيكافؤون عليه أضعافًا مضاعفةً.

 فما ورد من هذه الصيغ التعبيرية كلها قرائنُ تشهد أن (البصط) مقيدٌ بالرزق، وليس مطلقًا. إذًا (يبصط)، بالصاد لم تُفْد معنى الإطلاق كما ذهب إليه السامرائي، (فلمَّا كان المقام مقام تشجيع على الإقراض الحسن بواسطة العمل الصالح والإنفاق في سبيل الله ومقام وعدٍ بمضاعفة القرض عند الجزاء جاء فعل البسط بتفخيم السين وانقلابها صادًا فكان معنى ذلك أن تفخيم السين دليلٌ على جدية الوعد بالمضاعفة لأن من شأن الله سبحانه أن (يبصط) الرزق وهو من ثَمَّ أهلٌ لأن يبسط الجزاء بالمضاعفة)[56]. ثم إن هناك تناسبًا صوتيًّا بين (يقبض ويبصط) بالصاد، من ناحية طبقة الصوت, لا يتحقق مع السين في (يبسط)، إذ نلاحظ انخفاضا في طبقة الصوت عند موازنتها مع (يقبض) ما يؤدي إلى عدم الانسجام الصوتي، الذي يولّد نفورًا في السمع.

وتأسيسًا على ذلك فقراءة (يبصط)، بالصاد هي الأقرب إلى المعنى المراد وفيها يتحقق الانسجام الصوتي والمعنوي للآية.

4 - اختلاف القراءة على مستوى الزيادة (تجري تحتها- تجري من تحتها):

قال تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾ (التوبة/ 100).

أ- أوجه القراءة:

قرأ ابن كثيرٍ وحده: (تجري من تحتِها) بزيادة (من) وكسر التاء في (تحتها). وقرأ الباقون: (تجري تحتَها) بحذف (من) وفتح التاء في (تحتها)[57].

ب- حجة القراءة:

حجة ابن كثير في زيادة (من) في قوله تعالى (تجري من تحتها الأنهار) أنها كذلك وردت في المصحف المكي. وحجة الباقين في حذف (من) في قوله تعالى (تجري تحتها الأنهار) أنها كذلك وردت في مصاحفهم[58].

جـ- دلالة القراءة :

 ما من حرفٍ في كتاب الله إلا وله رسالةٌ يؤديها ووظيفةٌ يقوم بها، فهو ذو أسرارٍ وملامحَ وإيحاءاتٍ وأبعادٍ دلاليةٍ عجيبةٍ وبديعةٍ مقصودةٍ. فلا يوجد في القرآن الكريم بأسره حرفٌ واحدٌ زائدٌ أو محذوفٌ إلا وله قيمةٌ تعبيريةٌ ومغزًى مقصودٌ.

إذ إنَّ كل حرفٍ من حروفه قد وُضع وضعًا محكما دقيقا له مغزاه، ودلالة خاصة مقصودة من المجيء به.

فما ورد في قوله تعالى ﴿جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ﴾ من دون (من) على أصل قراءة المصحف له مغزًى يختلف عَمَّن أثبتها في قراءته (تجري من تحتها الأنهار) وقد علق ابن الجزري على قراءة المصحف بقوله: (فيحتمل أنه إنما لم يكتب (من) في هذا الموضع. لأن المعنى: ينبع الماء من تحت أشجارها، لا أنه يأتي من موضعٍ، وتجري من تحت هذه الأنهار. وأمَّا في سائر القرآن، فالمعنى: أنها تأتي من موضعٍ، وتجري من تحت هذه الأنهار. ولاختلاف المعنى خولف في الخط. وتكون هذه الجنات معدَّةً، لمن ذُكر تعظيمًا لأمرهم، وتنويهًا بفضلهم، وإظهارًا لمنزلتهم، لمبادرتهم لتصديق هذا النبي الكريم، عليه من الله أفضل الصلاة، وأكمل التسليم ولمن اتبعهم بالإحسان والتكريم. والله أعلم)[59].

إذ إنَّ من معاني (من) هو الابتداء، وكأن المعنى على من أثبتها أنه حدد منابع الأنهار، فمنح هذه الأنهار (تموضعًا)، على حين أن هذه الأنهار على قراءة المصحف لم تُحَدَّد منابعها، ولم تبدأ من موضعٍ معينٍ، وكأنها منابعُ سريةٌ لا يُعْرَف لها موردٌ (غيبية مصادرها)، ما يزيد من عظمة صنع الخالق وإبداعه. وكذلك فإن في حذف (من) إيحائيةً على أنّ هذه الأنهار تجري تحتَهم مباشرةً، على نحوٍ يُحَسّ بها. فترتفع بذلك أحاسيس الأولياء ومشاعرهم، وتشرق بذلك نفوسهم لما يرونه من أسرار الملكوت وعجائبه.

وهذا ما يتناسب مع المقام الكريم الذي وعده الله لطوائف الأمة الثلاث التي ذكرها في مطلع الآية، وهم ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ﴾، أي: (المهاجرون، والأنصار، والتابعون).

فلا جرم، فإن هذه الطبقة من المسلمين بمجموعاتها الثلاث كانت تؤلف القاعدة الصلبة للمجتمع المسلم، فكانت هي التي تمسك المجتمع في كل شدةٍ وبلاءٍ.

لذا هي تستحق كل المواهب والنعم الإلهية، وإضافةً إلى ذلك ومن باب التأكيد فإنّ من امتيازات هذه النِّعم أنّها خالدةٌ، وسيبقون ﴿خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ﴾، ولمّا كان من أكمل النعم هو خلودها، أكد هذا الخلود بقوله (أَبَداً).

ثم استأنف مدح هذا الذي أعده لهم بقوله ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾، فأيُّ فوزٍ أعظمُ من أن يحصل الإنسان على مواهبَ خالدةٍ نتيجة أعمالٍ محدودةٍ قام بها. فكل هذه الصياغات التعبيرية التي أكدت فضل الطوائف الثلاث جاءت متناسبةً ومتناغمةً مع قراءة المصحف الشريف بحذف (من) التي أفادت ديمومة الأنهار(خلودها)، وسرية مصادرها (غيبيتها).

ولمكانة هذه الطوائف ومنزلتهم عند الله تعالى، يتضح الأمر جليّا لماذا حذفت (من) قبل تحتها، وأثبتت في سائر القرآن قبل (تحتها)[60].

5 -اختلاف القراءة على مستوى الحذف (الذين اتخذوا- والذين اتخذوا):

قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ﴾ التوبة/107{.

أ- أوجه القراءة:

قرأ نافع وابن عامر: (الذين اتخذوا) بغير واو. وقرأ الباقون: (والذين اتخذوا) بالواو[61].

ب- حجة القراءة:

حجة من قرأ بالواو (والذين اتخذوا) أنه معطوفٌ على ما سبق من الآيات[62]، أي: (ومنهم الذين اتخذوا مسجدًا ضِرارًا).

وحجة من قرأ بغير واو (الذين اتخذوا): أن الذين مبتدأ، واختلف في خبره[63]. ذهب الكسائي أن خبره (لا تقم فيه أبدًا)، والتقدير: (الذين اتخذوا مسجدًا لا تقم فيه أبدًا)، أي لا تقم في مسجدهم[64]. وذهب النحاس: إلى أنَّ خبره (لا يزال بنيانهم)، والتقدير: (الذين اتخذوا مسجدًا لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبةً في قلوبهم)[65] وذهب المهدوي: إلى أنَّ خبره محذوفٌ تقديره: معذَّبون أو نحوه[66].

جـ- دلالة القراءة:

إن الحرف بين الإثبات والحذف يحتاج إلى مزيدٍ من الإمعان والتدبّر في كتاب الله العزيز، فلربما ينكشف مَلمحٌ نفسيٌّ، أو مَلحظٌ تربويٌّ، أو حتى حقيقةٌ تاريخيةٌ تضيء لنا النص، وتفك من استغلاقه وإبهامه، أو قد يكون لهذا الحرف ميزةٌ كبيرةٌ في حلِّ كثيرٍ من الإشكاليات، فالحرف حين يتشكّل في التركيب يكون له الأثر المعنوي الذي ينبئ عنه.

ولا سبيل للإفصاح عن المعنى المقصود لكلٍّ من القراءتين، وبيان دلالتيهما ومدى إثرائهما للنص القرآني، ما لم نطالع جيدا في هذا الحرف المثبت أو المحذوف، وبالنظر إلى السياق الذي وقعت فيه هذه الآية المباركة نجدها توجهنا إلى آياتٍ سابقاتٍ عنها. وإذا بهذه الآيات السابقات تصف لنا طبقاتٍ من المنافقين والمقصّرين في هذه السورة على شكل طبقاتٍ عامةٍ وخاصةٍ[67].

فإنّ النص القرآني بقراءة إثبات حرف الواو، قد عطف طبقة من المنافقين على طبقاتٍ أخرى سابقةٍ عنها في الذكر؛ وهم ﴿ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرٗا وَنِفَاقٗا﴾[68]،﴿وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمٗا﴾[69]، و﴿وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ﴾[70]، و﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ﴾[71] ، ثم قال ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا﴾. فقد عرض النص القرآني في الآيات السابقة ألوانًا شتّى لنفاق المنافقين، وأضاف في هذه الآية لونًا آخرَ من نفاقهم وحِيَلهم.

فهذا النص القرآني بيانٌ لمَكيدةٍ من مكائد المنافقين لرسول اللهوللمؤمنين، فهو عطفٌ على أعمال المنافقين السابقة وهو مظهرٌ آخرُ من مظاهرهم الخبيثة. وهذا يثبت حقيقةً تاريخيةً وهي أن أعمال المنافقين وأفعالهم امتدادٌ لأفعال المنافقين السابقين، فهي سِنخٌ واحدٌ، إلا أنّها الوجوه التي تتغير وتتبدل. وهذه الحقيقة من السنن التاريخية في القرآن الكريم.

بيد أنَّ القراءة بحذف الواو على سبيل الاستئناف تشير إلى عرضٍ مشؤومٍ وأسلوبٍ خبيثٍ من أساليب المنافقين، ولكن هذه المرة بلباسٍ جديدٍ وجميلٍ وهو (المسجد)، فقد أشارت الآية إلى أنَّ الذين بنوا المسجد كانوا يهدفون من ورائه إلى أربعة أغراضٍ، الأول: الإضرار بالمسلمين، والثاني: الكفر بالله، والثالث: التفرقة بين المسلمين، والرابع: جعله معقلًا لمن حارب الله ورسوله من قبل. لذا جاءت القراءة من دون (الواو) تنبيهًا للرسول أن يتخذ موقفًا عاجلًا وحاسمًا لوأد هذه الفتنة، فجاء الخطاب له في الآية اللاحقة ﴿لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ﴾ النهي عن الإقامة فيه، ومما يدلل على هذا العمل تاريخيًّا أن الرسولأمر بهدم هذا المسجد[72].

الخاتمة

1- بيّن البحث أن سبب مخالفة الرسم العثماني للكثير من القواعد الإملائية، أن الصحابة كتبوا المصاحف كما يكتب الناس في زمانهم، بالقواعد الإملائية التي يعرفونها.

2- ذهب البحث إلى عدم توقيفية الرسم العثماني، أو أنه يحوي أسرارًا خفيةً ومعانيَ صوفيةً، أو أن الرسم كُتِب بطريقةٍ تحتمل القراءات القرآنية، بل غاية الأمر أنّ لرسم المصحف جذورًا تاريخيةً، ترجع إلى بداية الخط النبطي المشتق من الخط الآرامي. وهذا الرأي هو الذي ترجّحه الأدلة الأثرية المكتوبة، التي اكتشفت قبل الإسلام وفي سنواته الأولى.

3- بيّن البحث أن ما ورد في المصحف من مخالفاتٍ إملائيةٍ ليس بالشيء الذي يمس سلامة القرآن، فالقرآن هو الذي يُقرأ، لا الذي يُكتب، فلتكن الكتابة بأيِّ أسلوبٍ.

4- نفى البحث أن يكون السبب الرئيس في نشأة القراءات القرآنية رسم المصحف وفقًا لرؤية المستشرقين، لأنّ الرسمَ لاحقٌ للقراءات، وليس سابقًا عليها حتى يكون السبب الرئيس في نشأتها.

5 - نفى البحث ما ذهب إليه المستشرقون من اختلاطٍ واضطرابٍ مزعوميْن في النص القرآني، بحسب تعدّد القراءات. فالقرآن كلُّه على تنوّع قراءاته يُصدِّق بعضُه بعضًا، ويُبيّن بعضُه بعضًا ويَشهد بعضُه لبعضٍ على نمطٍ واحدٍ من علوِّ الأسلوب والتعبير.

6- أثبت البحث بما لا يَدَعُ مجالًا للشك تعاضُد القراءات وعدم تنافُرِها أو تَضادِّها من خلال نماذجَ قرائيةٍ ساهم فيها الاختلاف والتنوّع بسبب تجرّد المصحف من النقط، وفقدان الشكل، وغياب الحركة النحوية على الثراء والاتساع.

المصادر والمراجع القرآن الكريم.

1- الإتقان في علوم القرآن: جلال الدينعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ) ط3، مطبعة مصطفى البابي الحلبيالقاهرة 1370 هـ1951 م.

2- إعراب القـرآن: أحمد بن محمد أبو جعفر النحاس (ت 338 هـ) تحقيق زهير غازي زاهد، مطبعة العاني - بغداد 1397هـ - 1977م.

3- إعراب القران الكريم وبيانه: محيي الدين الدرويش، ط1، سليمان زاده - قم، 1425هـ.

4- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ناصر مكارم الشيرازي، ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان 1423هـ - 2002م.

5- البرهان في علوم القرآن: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت 794 هـ) تحقيق  محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1367هـ - 1957م.

6- تاريخ الأدب العربي: ألّفه بالألمانية كارل بروكلمان ( 1868- 1956م)، ترجمة عبد الحليم النجار وآخرين، الإشراف على الترجمة العربية محمود فهمي حجازي، الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب 1993م.

7- تاريخ التمدن الإسلامي: جرجي زيدان، دار الهلال (د. ت).

8- تاريخ القرآن: د. عبد الصبور شاهين، دار القلمالكويت 1966م.

9- التبيان في إعراب القرآن: أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري (ت616هـ)، دار الفكر للطباعة والنشر 1426هـ - 2005م.

10- التبيان في تفسير القرآن: أبو جعفر محمد بن الحسن (ت460هـ)، قدّم له الشيخ آغا بزرك الطهراني، المطبعة العلمية - النجف الأشرف 1957م.

11- تفسير الفخر الرازي المشتهر بـ(التفسير الكبير ومفاتيح الغيب): فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت 606 هـ)، ط3، دار الفكرـ بيروت 1405هـ- 1985م.

12- جامع البيان عن تأويل آي القرآن: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، ط2، مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1373هـ- 1954م.

13- الجنى الداني في حروف المعاني: حسن بن قاسم المرادي (ت 749ه)، تحقيق طه محسن، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشرـ جامعة الموصل 1975م.

14- الحجة في القراءات السبع: أبو هبة الله الحسين بن خالويه (ت370هـ)، تحقيق أحمد فريد المزيدي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان 1420هـ- 1999م.

15- حجة القراءات: أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة (ت 302 هـ) تحقيق سعيد الأفغاني، ط4، مؤسسة الرسالةـ بيروت 1404 هـ1984م.

16- الحجة للقراء السبعة أئمة الأمصار بالحجاز والعراق والشام الذين ذكرهم أبو بكر أبن مجاهد: أبو علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي (ت 377 هـ)، وضع حواشيه وعلّق عليه كامل مصطفى الهنداوي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان 1421هـ- 2001م.

17- دراساتٌ قرآنيةٌ (تاريخ القرآن): محمد حسين علي الصغير، ط2، مكتب الإعلام الإسلامي هـ ق 1413.

18- رسم المصحف - دراسةٌ لغويةٌ تاريخيةٌ: غانم قدوري الحمد، ط1، مؤسسة المطبوعات العربية - بيروت 1402هـ - 1982م.

19- رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم دوافعها ودفعها: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، جدة، دار الشروق، ط2، 1403ﻫ.

20- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: شهاب الدين محمود الآلوسي، ت1270هـ، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان 1426هـ- 2005م.

21- شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف: أبو أحمد العسكري، ت عبد العزيز أحمد، مكتبة البابي الحلبي ط1، مصر1963م.

22- صبح الأعشى في صناعة الإنشا: أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي (ت821 هـ) نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر والترجمة، القاهرة 1963م، طبعة دار الكتب المصرية 1910م - 1920م.

23- فقه اللغة: علي عبد الواحد وافي، أطراه مجمع اللغة العربية، ط6، دار النهضة مصر- القاهرة، للطبع والنشر.

24- في ظلال القرآن: سيد قطب، ط5، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1386ه‍، 1967م.

25- الفهرست: ابن النديم، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. د. ت.

26- كتاب أسباب النزول: أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، (ت468 هـ)، ط1، دار ابن الهيثم - القاهرة 1426هـ- 2005م.

27- كتاب السبعة في القراءات: أبو بكر أحمد بن موسى، المعروف بابن مجاهد (ت 324 هـ) تحقيق د. شوقي ضيف، ط2، دار المعارف- مصر 1400 هـ - 1980م.

28- كتاب سيبويه: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، (ت 180ه) تحقيق:
عبد السلام محمد هارون، ط1، دار الجيل - بيروت.

29- كتاب المصاحف: ابن أبي داود، نشر أرثر جفري 1937م.

30- كتاب معاني القراءات: أبو منصور محمد بن احمد الأزهري (ت370هـ)، تحقيق أحمد فريد المزيدي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان 1420هـ- 1999م.

31-  الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 هـ1995م.

32-  الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها: مكي بن ابي طالب القيسي (ت437هـ) تحقيق الشيخ عبد الرحيم الطرهوني، دار الحديث القاهرة، 1428هـ- 2007م.

33- الكشف والبيان في تفسير القرآن المعروف بـ(تفسير الثعلبي): الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي (ت427هـ)، تحقيق سيد كسروي حسن، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان 1425هـ - 2004م.

34- لسان العرب: جمال الدين بن منظور الأنصاري الإفريقي المصري (ت 711هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان 2005م.

35- لهجة القرآن الكريم: جواد علي، مجلة المجمع العلمي العراقي 290، 1955م.

36- مجلة كلية الآداب، الجامعة المصرية، المجلد 3، جزء1، 1935م.

37- مجمع البيان في تفسير القرآن: الشيخ أبو علي الفضل الطبرسي (القرن السادس الهجري) تصحيح وتحقيق وتعليق هاشم الرسولي المحلاتي - دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1339هـ.

38- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: القاضي أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت546هـ)، تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان 1422هـ- 2000م.

39- مذاهب التفسير الإسلامي: غولدتسيهر، ترجمة عبد الحليم النجار، ط2، دار إقرأ، بيروت 1983م.

40- معاني القرآن: أبو زكريا يحيى بن زياد الفـرّاء (ت 207هـ)، تحقيق أحمد يوسف نجاتي، ومحمد علي النجار، ط2، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1980م.

41-دمعاني القرآن وإعرابه: أبو إسحق إبراهيم بن السري الزجاج (ت 311 هـ) تحقيق عبد الجليل عبده شلبي، دار الحديث - القاهرة، 1426هـ- 2005م.

42- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: أبو محمد عبد الله بن هشام الأنصاري (ت 761هـ)، تحقيق مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله، ط1، مؤسسة الصادق للطباعة والنشر- طهران 1378.

43- المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: جواد علي، ساعدت جامعة بغداد على نشره، ط2، 1413هـ - 1993م.

44- مقدمة ابن خلدون: عبد الرحمن بن خلدون (ت808هـ)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت (د. ت).

45- مناهل العرفان في علوم القرآن: محمد عبد العظيم الزرقاني (ت 1367هـ) دار
إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه. القاهرة (د. ت).

46- الموسوعة القرآنية الميسرة: إبراهيم الإبياري، مؤسسة سجل العرب، القاهرة 1974م.

47- الميزان في تفسير القرآن: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، ط1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت- لبنان 1417هـ- 1997م.

48- النشر في القراءات العشر: الإمام الحافظ أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري، 833 هـ، قدم له صاحب الفضيلة الأستاذ علي محمد الضباع، خرج آياته الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

--------------------------

[1]    ظ: لسان العرب، ابن منظور(رسم) 15/132.

[2]    ظ: رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية، غانم قدوري حمد 156.

[3]    تاريخ ابن خلدون 1/791.

[4]    صبح الأعشى في صناعة الإنشا 3/179.

[5]    رسم المصحف 157.

[6]    *الذي يراد من الجمع توحيد الأمة على قراءةٍ واحدةٍ، وتدوين هذه القراءة ونسخها وإرسالها إلى الأمصار.

[7]    رسم المصحف 157.

[8]    ظ: الإتقان في علوم القرآن، السيوطي 2/145. والنشر في القراءات العشر 2/ 128.

[9]    ظ: الفهرست36.

[10]  فقه اللغة، علي عبد الواحد وافي 249-250.

[11]  مناهل العرفان 1/ 376.

[12]  دراسات قرآنية (تاريخ القرآن) 140-141.

[13]  البرهان في علوم القرآن، الزركشي 1/380.

[14]  الإتقان في علوم القرأن، السيوطي 4/145.

[15]  رسم المصحف 229.

[16]  رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية 37.

[17]  الإتقان في علوم القرآن 4/ 147.

[18]  مناهل العرفان في علوم القرآن 1/258.

[19]  * النبط: هم قومٌ من السّاميّين أسسوا مملكةً في شمال الجزيرة العربية وجنوب فلسطين وبلاد الشام، كانت عاصمتها البتراء. استعملت الآرامية لغةً كتابيةً لها، مرورًا بالنبطية حتى صارت العربية لغة حياتهم اليومية. ظ: رسم المصحف دراسةٌ لغويةٌ تاريخيةٌ، غانم قدوري الحمد، منشورات اللجنة الوطنية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري، بغداد-العراق، ط1، 1982م، 45-46.

     ظ: رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية 59-75.

[20]  ظ: تاريخ القرآن، محمد حسين علي الصغير 135.

[21]  مذاهب التفسير الإسلامي 8- 9.

[22]  ظ: م.ن 9-12.

[23]  مقدمة كتاب المصاحف 70.

[24]  تاريخ الأدب العربي، بروكلمان، القسم الأول 1/197.

[25]  ظ: محمد طاهر بن عبد القادر الكردي، تاريخ القرآن وغرائب رسمه. وعبد الوهاب حمودة، القراءات واللهجات. وعبد الفتاح شلبي، رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم دوافعها ودفعها. وعبد الصبور شاهين، تاريخ القرآن.

[26]  ظ: الموسوعة القرآنية الميسرة، لهجة القرآن الكريم، مجلة المجمع العلمي العراقي، 1955، ودراسات في تاريخ الخط العربي.

[27]  ظ: شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف، العسكري 12.

[28]  رسم المصحف دراسةٌ لغويةٌ تاريخيةٌ، غانم قدوري حمد 722.

[29]  مذاهب التفسير الإسلامي 4.

[30]  مناهل العرفان 1/ 105.

[31]  مناهل العرفان 1/105.

[32]  النساء الآية 82.

[33]  ظ: كتاب السبعة في القراءات 236، والنشر في القراءات العشر 2/ 189.

[34]  ظ: الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها 2/ 433.

[35]  معاني القرآن 1/ 196.

[36]  ظ: التبيان في تفسير القرآن 9/ 344، وفتح القدير 5/ 74, وروح المعاني 13/ 298.

[37] ظ: التبيان في تفسير القرآن 9/ 344, وفتح القدير 5/ 74, وروح المعاني 13/ 298.

[38]  الكشف 2/ 433.

[39]  روي في سبب نزولها أنها نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله Pإلى بني المصطلق مصدقا وكان بينه وبينهم عداوةٌ في الجاهلية فلما سمع القوم تلقوه تعظيمًا لله تعالى ولرسوله فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله P وقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي فغضب رسول الله P وهَمَّ أن يغزوهم فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله P وقالوا: سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى فبدا له في الرجوع فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضبٍ غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فأنزل الله تعالى الآية. ظ: أسباب النزول، الواحدي 191.

[40]  الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل 4/ 350.

[41  الميزان في تفسير القرآن 18/ 316.

[42]  ظ: الحجة، ابن خاويه 185، وكتاب السبعة 521-522، والنشر 2/261.

[43]  كتاب العين، (قر) 5/21.

[44]  م. ن، (وقر): 5/207.

[45]  ظ: معاني القرآن، الفراء 2/342، وكتاب المعاني القراءات 386، والحجة، الفارسي 3/284، وحجة القراءات 577، والكشف 2/302.

[46]  ظ: جامع البيان 2/3، والتبيان، الطوسي 8/337، ومفاتيح الغيب 25/210.

[47]  كانت السيدة عائشة إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها. قال ابن عطية: (وبكاء عائشة إنما كان بسبب سفرها أيام الجمل وحينئذ قال لها عمار: إن الله أمرك أن تقري في بيتك). المحرر الوجيز 4/383, وظ: الكشف والبيان، الثعلبي 5/106.

[48]  ظ: كتاب السبعة185- 186، والنشر 2/172-173.

[49]  ظ: الكشف 1/349-350.

[50]  ظ: شرح المفصّل 10/1391، وجمهرة اللغة، ابن دريد 1/12-13.

[51]  دراسة الصوت اللغوي، أحمد مختار عمر 270.

[52]  ظ: بلاغة الكلمة في التعبير القرآني , فاضل السامرائي 47.

[53]  ظ: جامع البيان 2/594، والكشاف 1/287، ومجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي 2/137، ومفاتيح الغيب، الرازي 6/182، وتفسير القران العظيم، ابن كثير 1/322.

[54]  أحكام القرآن 1/ 306- 307.

[55]  التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية 1/375.

[56]  البيان في روائع القرآن, تمام حسان 1/431.

[57]  ظ: كتاب السبعة 317، والنشر 2/247.

[58]  ظ: التبيان في إعراب القرآن 1/489.

[59]  النشر 2/247.

[60]  ظ: البقرة /25، والأنعام/6.

[61]  ظ: كتاب السبعة 318، والنشر2/211.

[62]  ظ: الكشف 2/86، والتبيان، العكبري 1/490.

[63]  ظ: م. ن.

[64]  ظ: معاني القرآن، الكسائي 157.

[65]  ظ: إعراب القرآن 2/40.

[66]  ظ: البحر المحيط 5/102.

[67]  ظ: أحكام القرآن، ابن العربي 2/581.

[68]  التوبة من الآية 97.

[69]  التوبة من الآية 98.

[70]  التوبة من الآية 99.

[71]  التوبة من الآية 101.

[72]  إن المنافقين عرضوا بمسجد يبنونه يضاهون به مسجد قباء وهو قريبٌ منه فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله P فقالوا: إننا بنينا مسجدا فصَلِّ فيه حتى نتخذه مصلًّى فأخذ ثوبه ليقوم معهم فنزلت هذه الآية، فدعا رسول الله P جماعةً، وقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالمِ أهلُه فاهدموه واحرقوه ففعلوا. ظ: كتاب أسباب النزول، الواحدي 127، ولباب النقول في أسباب النزول، السيوطي 112.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف