البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

February / 2 / 2020  |  2486صفقة القرن وحلم الإنجيليين الجدد

د. قيس ناصر راهي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية شتاء 2020م / 1441هـ
صفقة القرن وحلم الإنجيليين الجدد

في البدأ, من الواجب القول, أن هذا المقال يأتي لمناقشة حضور الإنجيليين الجُدد في صفقة القرن, سواء أكان الأمر مرتبطاً برؤيتهم الدينية والسياسية أم في تأثيراتهم على قرارات ترامب, مع التأكيد, بأنهم وإن كانوا ينتسبون إلى الكنيسة الإنجيلية ضمن مذهب البروتستانتية, إلا أنهم يختلفون عن أعضاء الكنيسة الإنجيلية الآخرين, لأنهم يؤيدون الصهيونية, بمعنى آخر ليس كل مسيحي هو عضو في الكنيسة الإنجيلية وليس كل عضو في الكنيسة الإنجيلية هو صهيوني, وقد استعمل الباحث مصطلح الإنجيليين الجُدد لتمييزهم عن الإنجيليين التقليديين, الذين ارتبطوا بالحركة الأصلاحية في أوربا مع بداية القرن السادس عشر الميلادي, ولاسيما مع مارتن لوثر, أو مع الاعلان عن أفكارها بشكل رسمي في القرن الثامن عشر الميلادي مع بيلي غراهام, وهذا ما سيتبين من خلال السطور القادمة, التي تسعى إلى الاجابة عن الأسئلة الآتية: ما علاقة الإنجيليين بصفقة القرن؟ وهل جميع الإنجيليين يؤيدون صفقة القرن؟ ومن أجل تشكيل صورة عن الإنجيليين, فما الذي يُميز كنيستهم عن الكنائس المسيحية الأخرى؟

يرى الإنجيليون الجُدد أن خطة ترامب في صفقة القرن دليل على محبة الله لاسرائيل, وإنها مستوحاة إلهياً, والكيان الصهيوني تحقيقاً لوعد توراتي لشعب الله المختار, إذ أنه في نهاية المطاف يجب أن تكون جميع الأراضي مملوكة لإسرائيل على وفق ما يتصورون, إذ يتبنى الإنجيليون صفقة القرن، لإنها شرعية, وعلى وفق الكتاب المقدس, إذ ورّد ذلك في تفسيراتهم لنص: "وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا"(سفر التكوين 17: 8). وهنا ينبغي التوضيح, لأن هذا الرأي قد ارتبط بفكرة نهاية التاريخ(1) لدى اليهود, والمقترنة بفكرة المسيح المخلص التي اتخذوا منها تجديداً للعهد الذي قطعه الله مع أنبيائه إبراهيم ويعقوب وموسى(عليهم السلام) بأن يجعل من بني إسرائيل شعبه المختار, ويمنحهم القدرة لحكم بقاع الأرض كلها, وإذا كان هذا العهد لم يتحقق حسب رؤيتهم, نتيجة لمعاصيهم وذنوبهم التي ارتكبوها, إلا انه لابد أن يأتي اليوم الذي يجيء فيه المسيح المخلص ويجمع شتات بني إسرائيل في القدس التي ستغدو في حينها مدينة لا مثيل لها بين المدن. وهنا ينبغي ملاحظة إن اغلب قراءات الإنجيليين تستمد من خيالات سفر الرؤيا, وقد لا يكون هناك غرائبية في الأمر مع المتدينين البسطاء، لكن الغرابة تكمن في أن يتبناها سياسيون يقودون دولة بحجم الولايات المتحدة الأميركية, بدءاً بمجموعة من أعضاء الإدارة الأميركية, مثل: مايك بنس نائب الرئيس الأميركي مروراً بمجموعة مستشارين من صُناع الترامبية(2), والقائمة تطول, وتمثيلاً لما ذكر, قد صرح جوني مور الناطق باسم مجموعة المستشارين الإنجيليين للرئيس ترامب لقناة CNN بأن الأخير قد أثبت لمؤيديه الإنجيليين, أنه يقول ما يفعل, ويفعل ما يقول. وقد ذكرت باولا وايت المستشارة الروحية لـ ترامب في أخبار صحفية متداولة: "نحن الإنجيليون في حالة نشوة لأن إسرائيل فيما يتعلق بنا أرض مقدسة والشعب اليهودي أغلى صديق لنا". ويروج بعض الإنجيليين إن صفقة القرن, التي طال انتظارها هي تجسيد وتأكيد للكتاب المقدس, فهي ليست مسألة تقسيم ارض بقدر ما إنها مرتبطة بالله, إذ ذكر مايك إيفانز -مؤسس مركز التراث الصهيوني- في احدى مقابلاته مع الصحيفة اليهودية (الجيروسليم بوست): إن ترامب يمتلك الهاماً إلهياً, وإنه سوف يتمتع بدعم 100 ٪ من الإنجيليين في انتخابات عام 2020م, وعلى رأي ايفانز, لأول مرة في التاريخ الأميركي، هناك رئيس يحب الانجيليين, ونائب رئيس ووزير خارجية ينتمون إلى الإنجيليين, ولن يكون لإسرائيل أبداً رئيس آخر مثل دونالد ترامب, لم يحدث أبداً ولن يحدث أبداً, ويبدو أن الجانب الغيبي وتأثيراته حاضر عند الإنجيليين أثناء حديثهم عن ترامب منذ انتخابه, فالدعم الإنجيلي لترامب، تمثل بفوزه بمنصب الرئيس في عام 2016  .

وقال المستشرق اليهودي الإنجيلي جويل روزنبرغ وهو أميركي صهيوني, وله عدد كبير من أتباع الإنجيلية الأميركية: "يثق الإنجيليون في الولايات المتحدة بالرئيس ترامب في قضية إسرائيل لأنه كان داعماً لها, إنهم لا يتعاملون مع رئيس عدائي، مثل الرئيس أوباما, إنما يتعاملون مع صديق ساعد إسرائيل كثيراً". وقد ذكر زعماء انجيليون من الذين تم إطلاعهم على صفقة القرن خلال السنوات الثلاث التي استغرقها إعداد المسودة، إن الخطة كانت قريبة من التوراة، مع مراعاة أنه حتى النبي إبراهيم قد قسم ممتلكاته مع النبي لوط بعد مشاجرة حدثت بينهما على وفق ما يعتقدون(3).

ومن الواجب القول, أن هناك آراءً مغايرة لموقف الإنجيليين من صفقة القرن, ربما تأتي من الإنجيليين أنفسهم, واحياناً من قساوسة مسيحيين, ويمكن ايجاز تلك الآراء بالمواقف الآتية(4):

من تلك الآراء: رأي حنا مسعد, وهو قس فلسطيني قاد الكنيسة المعمدانية في غزة لمدة طويلة, ذكر إن الخطة ظالمة ولا تلبي الطموحات الفلسطينية أو قرارات الأمم المتحدة, وقال يوحنا كاتاناتشو, وهو قس فلسطيني وعميد كلية الناصرة الإنجيلية، إن الأمر لا يتطلب نبوءة لمعرفة إن خطة ترامب متجهة إلى الفشل, لأنه حاول معالجة مشكلة صعبة بتكبر ومن دون أخلاق، وإن هذه الصفقة لن تحقق العدالة والمساواة والمحبة للفلسطينين. أما إبراهيم نصير وهو قس سوري للكنيسة الإنجيلية المشيخية في حلب: قال إن الخطة تتأثر بشكل كبير بالانتخابات المقبلة والمحاكمات الجارية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة, وتعد الصفقة اتفاقاً تجارياً أكثر منه اقتراح سلام, إذ كان ينبغي أن تتضمن اعترافاً بأخطاء الماضي، إلا أنهما سواء أكان ترامب أم نتنياهو لم يذكرا أي خطأ قد ارتكب سابقاً, فالمسيح دفع ثمن ذنوبنا على الصليب, لكن في هذه الصفقة من سيدفع ثمن ذنوب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

وفي السياق نفسه, من الواجب بيّان دلالة مفهوم الانجيليين, الذي يشير إلى جماعة مسيحية, يمكن توضيح الأمور الآتية بشأنها(5):

1- إن مصطلح الإنجيلية يأتي من الكلمة اليونانية (Evangelion), التي تعني الإنجيل أو الأخبار الجيدة. احياناً, يستعمل مصطلح الإنجيليين كتعبير شامل عن المسيحيين.

2- معظم الباحثين يتفقون على أن جذور الإنجيلية تعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي, وإن كان هناك رأي يرجعها إلى القرن السادس عشر, ولاسيما مع مارتن لوثر لارتباطها بالحركة الأصلاحية, فضلاً عن دور لوثر في ترجمة الإنجيل من اللاتينية إلى الالمانية, مما ساعد عامة الناس للرجوع الى الإنجيل. وقد استعمل الوصف للدلالة على الإنجيليين المسيحيين الذين أكدوا على وجود علاقة شخصية مع الله، والدعوة لنشر رسالته في جميع أنحاء العالم.

3- إن العقيدة الرئيسة للإنجيلية هي الاعتقاد بأنهم يولدون من جديد, فمنذ بداية الحركة، أكد القساوسة أنه يجب على المسيحيين أن يتوبوا ويتغيروا .

4-  يؤمن الإنجيليون بنشوة الغناء ونهاية الزمان, وعودة المسيح من خلال نشوة الغناء .

5-الاعتقاد الجوهري الآخر يتضمن احتراماً كبيراً للأنجيل, ذكرت الرابطة الوطنية للإنجيليين، وهي منظمة تضم حوالي 45 الف كنيسة، إن الكتاب المقدس هو كلمة الله الوحيدة المعصومة, واليوم, تتمتع هذه الكنائس بانتشار واسع في الولايات المتحدة، إذ ينتمي لها ما يقارب 25% من الأمريكيين.

6- على وفق بعض المختصين, إن الكاثوليك لا يمكن وصفهم بأنهم انجيليون, لأنهم يمنحون السلطة للكنيسة والبابا, وليس للإنجيل.

7- بات يُعرف الإنجيليون بـ ـالمسيحيين الصهاينة، لدعمهم المشروع الصهيوني.

ختام الحديث, يمكن القول أن ترامب بقراراته يُحقق حلم الإنجيليين المتمثل بالاعتراف الرسمي بهيمنة الصهاينة على فلسطين وتحقق نهاية التاريخ  على وفق عقائدهم الدينية, وهذا ما صرح به بعض رموز الإنجيلية, إذ هناك مشتركات بين الكنيسة الإنجيلية وبين الأدارة الأميركية الحالية من منظورين: الأول عقائدي, إذ أن بعض قيادات الإدارة الأميركية-بأعداد لا يستهان بها- ينتمون إلى الكنيسة الإنجيلية, والثاني, من أجل الحصول على الأصوات الانتخابية لأعضاء الكنيسة الإنجيلية, التي يمنحوها على اساس عقائدي, فسابقاً, قد مُنحت الى جورج بوش الابن بنسبة ما ومكنته من الوصول إلى الفوز بالانتخابات الرئاسية, وإلى ترامب في انتخابات 2016, وستمنح له في انتخابات 2020م بنسبة 100%, على وفق تصريحات بعض قياداتها .

الهوامش:

1-للتفاصيل أكثر عن هذا الموضوع, وتوظيفاته في السياسة الأميركية, يمكن الرجوع إلى:

قيس ناصر راهي, نهاية التاريخ دراسة تحليلية نقدية للمفهوم وحضوره المعاصر, المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية, 2017.

2-ترامب والترامبية صناعة ينتجها مجموعة من سماسرة الأفكار, للتفاصيل عن هذا الموضوع, يمكن مراجعة:

قيس ناصر راهي, سماسرة الأفكار وصناعة الترامبية, المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية.

3-للتفاصيل أكثر, يمكن الرجوع إلى:

Yonat Shimron,  Evangelicals embrace Trump's peace plan, saying it recognizes the Bible 'as legal'.

4-للتفاصيل أكثر, يمكن الرجوع إلى :

Maayan Jaffe- Hoffman, Evangelicals see Trump plan as proof 'Israel kissed by God' – analysis, Jerusalem Post, JAN 27, 2020 .

5- للتفاصيل أكثر عن الموضوع, يمكن الرجوع إلى:

Amanda Casanova, What Does the Term 'Evangelical' Really Mean? Here are 10 Things to Know.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف