البحث في...
عنوان الحوار
إسم المحاور
إسم مجري الحوار
المصدر
التاريخ
ملخص الحوار
نص الحوار
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

August / 22 / 2022  |  891الإعلام الصادق هو القادر على التمييز بين ثقافة المقاومة وإيديولوجيا الإرهاب التكفيري

الحوار مع :سركيس أبو زيد
الإعلام الصادق هو القادر على التمييز بين ثقافة المقاومة وإيديولوجيا الإرهاب التكفيري

شكّلت الميديا وما سمّي بـ الثورة الإعلامية العلامةَ الكبرة في الإحتدامات والصراعات بين الهويات الحضاريّة. وقد حظيت المجتمعات العربية والإسلاميّة بالقسط الأوفى من غزوات الميديا الغربيّة، التي تستهدف تقويض الهويّات الوطنيّة والدينيّة والقيم الأخلاقيّة، وصولاً إلى الهيمنة الكاملة عليها.

وفي خلال العقود القليلة المنصرمة شهدت الحملات الإعلاميّة ذروتها في إثارة الغرائز وبثّ الفتن وتفتيت الدول والمجتمعات عبر ما يُسمى ثورات الربيع العربي والخوف من الإسلام، وما إلى ذلك من تقنيات الحرب الناعمة.

في هذا الحوار مع الباحث اللبناني في الإعلام المعاصر سركيس أبو زيد إطلالة على أبرز المشكلات التي تطرحها حركة الميديا وتداعياتها على البنى المجتمعيّة والسياسيّة والثقافيّة في بلادنا.

«المحرر»


* ارتبط مصطلح «الميديا» بمصطلح أعم هو العولمة في بدايات القرن الحادي والعشرين، فإلى أيّ مدى أدّى هذان المصطلحان إلى تأسيس مرحلةٍ خامسةٍ اصطُلِح عليها بـ «ثورة الاتصالات»، مع ما ترتّب على هذه الثورة من تحوّلات جذريّةٍ وآثار على الصعيد الثقافي والأخلاقي والسياسي؟

- المصطلح مرتبطٌ باللّغة التي نشأ منها، وبالثقافة التي انبثق عنها، وبفعاليّة وسائل التّواصل التي تروّجه وتفرضه على الرأي العام، فيصبح متداولًا وسائدًا. والمصطلح مفهومٌ متحرّكٌ يتطوّر مدلوله وفق النّسق الحضاري الذي يتفاعل معه ويتأثّر به ويؤثّر فيه. يستمدّ المصطلح قدرته ليس من صيغته الذاتيّة، بل من البنية التي تشكّل بيئته الحاضنة التي تمنحه القوّة والسيطرة على التبديل والتغيير والتأثير والاستمرار والتجديد. العلاقة بين الإعلام والعولمة هي علاقةٌ جدليّةٌ عضويّةٌ. كلّما هيمنت العولمة، واشتدّ حضورها، استخدمت الإعلام وطوّرت أدواته ومفاهيمه؛ ليواكب فعلها. فتحوّل من إعلامٍ تقليديٍّ إلى ميديا حديثة، ثم إلى اتّصالات ما بعد الحداثة، ثم إلى تواصل وعلاقات مستقبليّة. وهذه بدورها تمتلك القدرة على تطوير العولمة؛ لتتخذ النّسق المناسب الأقدر على ترويجها وإقناع الأوليغارشيّة؛ لتصبح أساساً في وعيٍ عامٍّ سائدٍ.

* كثيرون من الخبراء رأوا إلى ظاهرة الميديا باعتبارها الموجة الرابعة من حروب السيطرة الغربية على العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً بعد سلسلة من الحروب وموجات الغزو العسكري والاقتصادي والسياسي والثقافي.. إلى أيّ حدّ يصدق هذا التوصيف على الميديا بما هي ذروة استراتيجيات السيطرة الغربية على العالم؟

- الميديا هي وسيلة من أشكال السيطرة الغربية على العالم، لكنّها ليست الأداة الوحيدة والحاسمة في عمليّة الهيمنة. حروب السيطرة تعتمد أساسًا على القوّة العسكريّة والاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة. أمّا الميديا تأتي تتويجاً لها ...تستمدّ الميديا فعلها من الإمكانيات الماديّة والمعرفيّة، التي توفّرها قطاعات الإنتاج ومدارس الاختصاص. الميديا تكمل سلّم السّيطرة وتقف في أعلاه حتى تقدّم صورة متناسقة مقنعة قادرة على ترويج صيغتها؛ من أجل تشكيل وعي عام يحقّق التّماسك الداخلي، ويُبهر الخارج بنموذجٍ يمكن الدّفاع عنه وتسويقه ونشره. الميديا هي وسيلة فعّالة يعتمدها الغرب من أجل إظهار نمط حياته وغزو عقول ونخب العالمين العربي والإسلامي، وزرع الشّكّ والفوضى في قدرة الحضارة العربيّة والإسلاميّة من مواكبة العصر ومواجهة الحداثة الوافدة من خارجها.

* إنطلاقاً من موقعكم الأكاديمي والمعرفي كيف ترون إلى الآثار التي تركتها الميديا على مناهج البحث العلمي، إنْ على صعيد تيسير الحصول على المراجع والمصادر لإنجاز الأبحاث والدراسات، أو لجهة إحداث فوضى منهجيّة لدى الباحثين وطلّاب الدّراسات العليا في التّعامل مع السيل الهائل للمعلومات على المواقع الإلكترونية؟

- تطوّر وسائل التّواصل، وتعدّد مصادر الأخبار والمعلومات، وسرعة الشبكات الإلكترونية، وفّر كميّةً كبيرةً من الأبحاث والمراجع، أغرقت المتلقّي بمصادر متناقضةٍ تتضمّن الصحّ والخطأ. وفيها توصيفٌ دقيقٌ للحدث ومقارباتٌ متعدّدةٌ للواقع، وفيها أيضًا إشاعات وفضائح وأضاليل؛ تعمّم الفوضى، وتربك الباحث، مما يعطي الجهات المهيمنة قدرةً هائلةً على زرع البلبلة والتأثير وتوجيه الرأي العام وفق مصالحها وأهوائها، بفضل السيل الهائل للمعطيات من أجل تطويق العقول وخلق بيئة افتراضيّة آسرة تتحكم بالوعي والسّلوك. أمام هذا الفضاء الخانق يجد الدّارس النّقديّ الموضوعيّ نفسه عاجزاً على اختيار المعلومة الصحيحة في بحر المعلومات الموجّهة مما يفترض درجة عالية من المنهجيّة العلميّة؛ لفضح التضليل المقصود والوقوف في مواجهة حملات التزوير والتلاعب بالعقول؛ لخدمة مخطّطات التّسلّط والهيمنة من قبل قوى الاستعمار والاستكبار، التي تعمل من أجل فرض نموذجها طريقًا لفرض سيادتها.

* ثمّة فرضيّة تقول: إنّ الميديا التي أنجبتها الحداثة الغربية في السنين الأخيرة ليست بريئة من الغايات السياسية، خصوصاً وأنّ ما يُسمّى مجتمع الإعلام العالمي الذي يُقادُ منذ عقود من جانب الطبقة المسيطرة في أميركا، بات يلعب دورًا محوريًّا في تفعيل تسعير الأزمات وقيادة الحروب. كيف ترون إلى هذه الفَرَضِيّة؟

- الميديا التي تنوّعت وتطوّرت في الغرب واتّخذت أشكالاً متعدّدةً، هي جزء من منظومة الطبقة المسيطرة، وهي إحدى أدوات الحروب التي تقودها عبر تسعير الأزمات. لذلك ليست الميديا حياديّة ولا موضوعيّة في نقل الأفكار أو إبداء الرأي. هي تخدم أغراضًا سياسيّةً وتسخّر دورها من أجل تحقيق غايات القوى المهيمنة التي توظّفها من أجل تنفيذ مصالحها وأهدافها. الميديا ليست بريئة أو منزّهة من أغراض من يمتلكها، ويديرها، والذي يرسم خطّةً متكاملةً تشمل مختلف القطاعات والمستويات السياسيّة العسكريّة الاقتصاديّة، ويتولّى كلّ قطاع مهام تتلاءم مع طبيعته ودوره، ومنها الميديا التي تتناغم مع سائر عناصر الاستراتيجية الواحدة في خدمة غاية محدّدة. وهكذا تخرج الميديا عن حياديتها وموضوعيّتها لتصبح وسيلة في خدمة نظام تعمل له، وهو بدورها يسخّرها ويستخدمها في التحريض والتضليل من أجل افتعال أزمات، وإضعاف معنويات، والتمهيد لشنّ حروب السيطرة.

* سادت في الوسط الفكري الأوروبي أطروحة تقول، ان الإرهاب ليس شيئاً يذكر من دون وسائل الإعلام.. ما يعني أن وسائل الإعلام بأشكالها كافة شريكة في صناعة الإرهاب الذي يجتاح البلاد العربية والإسلامية منذ تفجيرات مركز التجارة العالمية في نيويورك عام 2001- كيف ترون الى هذه الأطروحة؟

- للإرهاب أسبابٌ عميقةٌ في الواقع: من جهة هو نتيجة الظروف الاقتصاديّة السياسيّة الثّقافيّة الموجودة في الداخل العربي والإسلامي، ومن جهة أخرى هو صناعة غربيّة وأداة لتفكيك الدول والمجتمعات؛ من أجل تنفيذ مخطّطات السيطرة الأميركية. وفي الحالتين تمّ استعمال الميديا بأشكالها المختلفة من أجل التعبئة والانتشار والترهيب من قبل المنظمات الإرهابيّة، كما استغلّت الميديا من صانعيها بهدف تخويف الرأي العام وترويضه وتوجيه ردّات فعله لمزيدٍ من التقسيم والتحريض والابتزاز.

أجهزة الإعلام الغربيّة المدعومة سياسيًا من دولٍ عظمى، نجحت إلى حدّ ما في خلق التباسٍ أو تشويشٍ بين من هو مقاوم ومن هو إرهابيّ؛ حتى باتت تنظيماتٌ مقاومةٌ ذات أهدافٍ ساميةٍ ونبيلةٍ -مثل حزب الله والمقاومة في فلسطين- باتت تنظيماتٍ إرهابيّةً على القائمة السوداء لدولٍ غربيّةٍ. في حين أنّ جرائم القتل الإسرائيليّة غدت دفاعًا عن النّفس. والسطو المسلّح على العراق بات عملًا حضاريًا لإشاعة الحريّة والديمقراطيّة.

الإعلام الموضوعي مدعوٌّ إلى إظهار الحقيقة، والتمييز بين المقاومة وإرهاب الدولة ونموذجه الأبرز الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، التي دعمت من كانت تصفهم بالمجاهدين في افغانستان، وعندما انقلبوا عليها بدأت تطلق عليهم وصف إرهابيين.

من جهةٍ أخرى المقاومة لها سندٌ شرعيٌّ في الأمم المتحدة؛ حيث يُعطى الحقّ لكلّ صاحب أرض محتلّة في المقاومة، وهنا لا بدّ من التذكير بالمادة الثانية، الفقرة الرابعة، من ميثاق الأمم المتحدة. ويقول النص: «يمتنع أعضاء المنظّمة في علاقاتهم الدوليّة، عن التهديد باستعمال القوّة أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأيّ دولة، أو على أيّ وجه آخر، لا يتّفق وأهداف الأمم المتحدة».

أمّا المادة 51 فتنصّ على: «الحقّ الطبيعي للدول فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتمدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة».

النصوص الواردة في مواثيق الأمم المتحدة خير سندٍ يُمكن أن يعتمده الإعلام العربي في الدّفاع عن الأرض العربيّة وعن حركات المقاومة. واستنادًا إلى هذه النّصوص أيضًا، فإنّ القضيّة التي يقاتل من أجلها المقاومون هي قضيّة عادلة، وبالتالي فإنّ تنظيماتهم وحركاتهم هي حركات تحرّرٍ عادلةٍ لا يُمكن الجدال أو التشكيك في شرعيّتها ووصفها بالإرهاب.

ولهذا السبب تضغط الولايات المتحدة، التي تتمتع بنفوذ أحاديّ في العالم، على الأمم المتّحدة؛ كي لا تميّز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة.

فأيّ تعريف من هذا القبيل يعني، ببساطة، أنّ الولايات المتحدة ذاتها، ستكون هدفًا مشروعًا لحركات مقاومة تخضع دولها لسيطرة مباشرة، أو غير مباشرة، للنفوذ العسكري الأميركي.

* إلى أيّ مدى ساهم استخدامنا كعرب ومسلمين للإعلام الإلكتروني والتلفزة الفضائيّة، في الحفاظ على القيم الأخلاقيّة والهويّة الوطنيّة في بلادنا؟

 - يدخل العالم مرحلةً جديدةً من التطوّر التّقنيّ في ميدان الإعلام والاتّصال أحدث تغييرًا عميقًا في عادات الناس وميولهم وخياراتهم... مع الإعلام الجديد يزول الرقيب والصحافي: لقد أصبح المتلقي مراسلًا، والإعلام تواصليًّا، وانتفى وجود الوسيط.

 إنّه العصر الجديد، عصر ما بعد «الصورة التقليديّة» التي لعبت الدّور الأساسي في انهيار المعسكر السوفياتي، وهي تلعب اليوم دورًا أساسيًا في الربيع العربي وربيع الثورات والتغيير في العالم.

 والسؤال المطروح الآن هو: في زمن الإعلام الإلكتروني كيف ندخل العولمة مع خصوصياتنا الوطنيّة؟

 تطوّر وسائل الاتّصال والتّواصل، سيكون لها أثرٌ بالغٌ على الثّقافة الوطنيّة وميول المشاهدين وقناعاتهم وخياراتهم التى ستغلب نمط العولمة السائدة، فيما سيختفي منها تدريجياً كلّ ما له صلة بالخصائص المحليّة والوطنيّة.

 إنّ شبكات الإعلام الوطنيّة أصبحت تقليديّةً، وباتت في حالة تخلّفٍ تقنيٍّ ومتأخّرةٍ جدًا عن نظيراتها العالميّة وتطويرها يحتاج إلى كلفة عالية، مما يفرض عليها تحديات وجوديّة للبقاء والفعل. 

من هنا ضرورة قيام حكمٍ وطنيٍّ راشدٍ قادرٍ على التأثير وحماية الخصوصيات، والحدّ من تأثير العولمة على ثقافتنا ونمط حياتنا ومصالحنا الوطنيّة بشكلٍ عامٍّ؛ لأنّ الفرد عاجزٌ بمفرده عن مواجهة تحديات عولمة الإعلام، فهو مهيّأ أكثر لتلقّي ضخّ المعلومات ويستسلم لنمط الحياة، الذي تفرضه عليه وفي أفضل الحالات تضعه في مأزقٍ وأزمةٍ داخليّة متناقضة بين موروثه والحداثة، بين واقعه وعالمه الافتراضي.

وعن هذا التسلّط العالمي والفراغ الوطني، اعتبر عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (Pierre Bourdieu)  أنّ التلفاز يُمارس نوعاً من الاحتكار «المونوبول» في تشكيل عقول شريحة مهمّة من الناس؛ وذلك بتعبئته أوقاتهم القليلة بالفراغ أو باللاشيء، الأمر الذي ينأى بالمواطن عن المعلومات الملائمة التي ينبغي أن يمتلكها بغية ممارسة حقوقه وتطلّعاته والتعبير عن ثقافته الوطنيّة. 

انتشار السطحيّة والتفاهة والانسياق وراء التقليد والتبعية يستوجب إعادة تشكيل الوظيفة الاجتماعيّة للمثقفين، والذوق الثقافي، ودور الإعلام من أجل تعميق الوعي الوطني والأخلاقي.

بعض القواعد التي يمكن اعتمادها حتى تواجه الخصوصيّات الوطنيّةُ العولمةَ:

المستوى التكنولوجي والتربوي في الدولة الوطنيّة يسمح بالمشاركة والإبداع؛ لإنتاج أشكال وبرامج ووسائط تُعبّر عن الخاص الوطني وتحافظ على ما هو أصيل.

الالتزام بوعيٍ وطنيٍّ يعزّز الشّعور الوطني، مما يعطي أولويّة للإنتاج الوطني على الأجنبي؛ لأنّه يُعبّر عن عاداتٍ وتقاليدَ وثقافةٍ وخصوصياتٍ. الشّعور الوطني في الصين: يُؤدّي إلى إعطاء أولويّة استعمال البرامج الوطنيّة الصينيّة حتى ولو كانت أقلّ جودةً.  

العمل من أجل إنشاء فضاءٍ مشتركٍ بين دولٍ متقاربةٍ، مما يوسّع السّوق المحلّيّة ويُعزّز القدرات في المنافسة.

تعريب الإنترنت: التكنولوجيا توفّر الشّكل الإلكتروني المستعمل. لكن كلّ شعب بإمكانه أن يُكيّفها بلغته. يوجد لغات برمجة حسب نفوذ كلّ دولة وتطوّرها. العربية محدودة التداول، وهي أقلّ استعمالًا، بينما العبريّة هي أوسع رغم قلّة السكان الذين يتكلمونها. أحيانا، نستعمل العربي بحرف لاتيني أو أرقام بدلًا من أحرف؛ لتسهيل الاستعمال مما يُفقد اللّغة دورها وخصوصيتها.

 اللّغة الرّوسية أو الصينيّة تعمل على فرض نفسها، وتسعى للحفاظ على خصوصيتها وما تتضمّن من عادات وتقاليد وتراث وثقافة.

تواجه اللّغة العربية عددًا من مواطن القصور في سياق السعي لتوسيع دائرة الدخول إلى المحتوى العربي على الإنترنت. لذا لا بدّ من توجيه اهتمام أكبر لتطوير اللّغة العربيّة؛ كي تضمّ مصطلحاتٍ جديدةً في ميداني الأعمال والتكنولوجيا. ولا شكّ في أنّ التّرجمة غير السليمة غدت سببًا أكيدًا لضياع المعنى الحقيقي لنصوص ومصطلحات بذاتها. ينبغي أن تبذل جهودٌ؛ لتعريب الإنترنت على مستويات عدّةٍ. وهذه المبادرات ضروريّة من أجل الحفاظ على الهويّة العربيّة، وتشجيع العرب على استخدام شبكة الإنترنت على أوسع نطاق. فاللّغة الإنكليزية غير قادرةٍ على تجسيد خصائص اللّغة العربية وسماتها. 

* بتقديركم، هل دخول مصطلحات عربيّة وإسلاميّة مثل «الخوارزميات» و«الجهاد» و«الإسلاموفوبيا» إلى التداول بين النخب الغربية عبر تقنيات التواصل، يدلّ على ظاهرةٍ إيجابيّةٍ تعزّز الجهد المبذول؛ لتأسيس علم استغراب عربيّ إسلاميّ له تأثيره في ثقافة الغرب؟

- الإعلام العربي يخوض معركةً عالميّةً حتى يفرض مفاهيمه ولغته ومصطلحاته في الغرب. والمقياس الأساسي حملته لمساندة المقاومة ضدّ الغزو الصهيوني والاحتلال الأميركي والتغريب. وهذه المهمّة تحتاج إلى جهدٍ وإمكاناتٍ كبيرةٍ، فعدالة المقاومة ومشروعيتها لا تكفي لجعلها مقبولة ومؤيدة من الرأي العام العالمي، أقلّه لسببين: الأوّل أن الإتّجاهات اليمينيّة والعنصريّة المعادية للقضايا العربية تحكم سيطرتها على قطاعات واسعة من الإعلام في الدول الكبرى في العالم.

السبب الثاني هو أنّ هذا الإعلام الغربي احتكر لسنوات طويلة المعلومات، إلى درجة بلغت حدًا باتت فيه مصادر الإعلام العربي ذات منشأ معادٍ للعرب.

إلّا أنّه في السنوات الأخيرة، ومع انطلاقة إعلام الفضائيات العربية بدأت قبضة الإعلام الغربي على المعلومات تضعف، وبالتالي خفّ تأثيرها الدّعائي والتضليلي على المواطن العربي. وهناك بعض الشواهد منها:

 الانتفاضة الفلسطينية امتدّت وانتشرت عبر وسائل الإعلام، التي كانت تنقل جثث الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، الذين تدوسهم الدبابات الإسرائيلية، أو التي تُغير عليهم الطائرات التي تحمل أسلحة دمار شامل.

ونتيجة لهذه المشاهد – وقبلها مجازر صبرا وشاتيلا – تحرّك قانونيون في أكثر من بلد في العالم إلى تقديم دعاوى ضدّ مسؤولين سياسيين وعسكريين اسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة، مما أيقظ العالم على رؤية قضيّة عادلة بعدما جرى تضليله لأعوام طويلة.

حرب شاشات التلفزة التي قادتها شبكة (CNN) الأميركية، واكبها بتأثير أقلّ تطوّرًا الفضائيات العربية، واتّساع انتشارها، وأصبحت هي أيضًا أداة في الحروب ولها أهميّة أكبر من السابق.

هذه المعطيات تساعد على تطوير علم الاستغراب وتسريعه؛ حتى يكون له تأثيره ودوره في الغرب، خاصّة على النّخب النقديّة والقوى الحيّة، التي تشقّ طريقها إلى التحرّر من الديماغوجيّة الغربية المسيطرة.

* مع اجتياح جائحة كورونا العالم بأسره، حصل ما يشبه الزلزال الذي لم تتوقف ارتداداته العميقة على شعوب العالم، وعلى المجتمعات الغربية بوجه خاص. كيف ترون إلى النتائج المترتّبة على الجائحة، وكيف تعاملت الحكومات الغربية معها خصوصًا لجهة التّنصّل من مسؤولياتها في المجال البيئي، وتوظيف الميديا ووسائل التواصل لمصلحة الشركات الكبرى؟

- شكّلت الجانحة صدمةً حضاريّةً تفرض إجراء نقدٍ ذاتيٍّ واستجابةٍ لتحدّياتٍ مصيريّةٍ مزمنةٍ، خاصّة لجهة الجدل الذي أثارته التباينات حول حقيقة المعلومات المتداولة وطرق توظيفها. هذه الحالة تفرض إعادة البحث عن المعنى والمحتوى والنوعيّة. 

 يكمن التحدّي الأساسي في حرص الإعلام على البقاء كسلطةٍ رابعةٍ في المجتمع، والحرص بالتالي على مهنة الصحافي كمراقبٍ وناقدٍ ودافعٍ للتغيير، خاصّة بعد محاولات تحويل الصحافي إلى مدافع عن السّلطة وداعية لشركات الإعلان..

  التفكير هو بداية الطريق إلى معرفة الواقع وتغييره. لذلك تعتمد الولايات المتحدة في تثبيت سلطتها وهيمنتها على فائض المعلومات وتعميم نمط حياتها التبسيطي والأناني من جهة، ومن جهة أخرى انعدام المحتوى النّهضوي التّنموي ومنع التفكير؛ لأنّه يؤدّي حكما إلى النّقد والرّفض والتّغيير.

 الإعلام الإلكتروني وفّر إمكانيّة توسيع التّواصل أكثر بين ناس متعاونين، لهم قواسم مشتركة، ومن جماعات ذات اهتمامات متشابهة، مما يفسح المجال أمام تحقيق الذّات الفرديّة والجماعيّة وتفعيل الدور على مستوياتٍ متفاوتةٍ.

 حقّ الإعلام أصبح متاحًا أمام الجميع. لكن حجم التأثير متفاوت؛ لأنّه مرتبطٌ بالقدرة على امتلاك وسائط الاتّصال وشبكات المعلومات ووسائل المعرفة والإبداع وسرعة التنفيذ وجودته.

المشكلة ليست في الآلة بل بالنّظام الذي يستعملها ويديرها.

التكنولوجيا تقرّب المسافات، وتعزّز التّواصل بين الأقارب والأهل وأبناء الأمة الواحدة ومع المحيط المهني والنفسي (أهواء متقاربة) عبر الحدود والحواجز.

 لكن المسألة هي كيف يستعمل الإنسان والنظام والمجتمع الوسائط من أجل تعميق المعنى والنوعيّة في مواجهة التفاهة والتبسيط، وقدرتهم على تشغيل الآلة والأدوات والنّظم في الصراع من أجل التحرير والحرية والنهضة. إنّها أمميّة المعرفة ضدّ عولمة السّلطة.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف