سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنية المعاصرة دراسة نقدية

سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنية المعاصرة دراسة نقدية

تأليف : 

علي شاكر سلمان العارضي 

 

فهرس المحتويات : 

التمهيد: الإطار النظريّ لمفردات العنوان

المبحث الأول: مفهوم سلطة الاستشراق

المبحث الثاني: مفهوم الدراسات القرآنيّة المعاصرة 

الفصل الأول: سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنية المعاصرة أدلّتها تقنياتها أساليبها

المبحث الأول: أدلّة سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة 

المبحث الثاني: تقنيات سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

المبحث الثالث: أساليب سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

الفصل الثاني: المعالم الفكريّة لسلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

المبحث الأول: سلطة الاستشراق العلمانيّة في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

المبحث الثاني: سلطة الاستشراق الماركسيّة في الدراسات القرآنيّة المعاصرة 

المبحث الثالث: معالم فكريّة أخرى لسلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

الفصل الثالث: المعالم المنهجيّة لسلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

المبحث الأول: المعالم الكلاسيكيّة لسلطة الاستشراق المنهجيّة في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

المبحث الثاني: المعالم اللسانيّة لسلطة الاستشراق المنهجيّة في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

المبحث الثالث: المعالم الحفريّة لسلطة الاستشراق المنهجيّة في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

الفصل الرابع: مظاهر سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة الأنسنة أنموذجًا

المبحث الأول: الأنسنة مفهومها ونشأتها وأساليبها

المبحث الثاني: سلطة الاستشراق في أنسنة الوحي والإعجاز القرآنيّ 

المبحث الثالث: مظاهر أخرى لسلطة الاستشراق في أنسنة النصّ القرآنيّ 

الفصل الخامس: مظاهر سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة الأرخنة أنموذجًا

المبحث الأول: الأرخنة تعريفها، مفهومها، مسوّغاتها

المبحث الثاني: سلطة الاستشراق في أرخنة علوم القرآن في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

المبحث الثالث: سلطة الاستشراق في أرخنة التشريع القرآنيّ في الدراسات القرآنيّة المعاصرة

 

مقدمة المركز

الحمد لله ربّ العالميّن وأفضل الصلاة على الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الأطهار(عليهم السلام) الميامين، وبعد.

يظهر بوضوح للباحث في خلفيّات النتاج العلمي الاستشراقي المتنوّع بتنوّع التراث الشرقي والإسلامي، أنّ الحركة العلمية للمستشرقين تجاه الشرق بشكل عام والإسلام بشكل خاص محمّلة بخلفيات الأوروبيين وأطماعهم في خيرات الشرق من العلوم والمعارف وبقية موارده الفيّاضة، وإن حاولوا تقديمها على أنّها ظاهرة منظّمة تمثّل جهدًا بحثيًّا معرفيًّا كبيرًا قام به الغرب في محاولته لفهم الحضارة الإسلاميّة في الشرق، وأنّ كلّ هذا الجهد العلمي والبحثي والترجمات وتحقيق المخطوطات وغيرها، يرتبط أساسًا بالبحث عن المعرفة وتطويرها، تمهيدًا لوضعها في خدمة الإنسان والإنسانيّة.

ولكنّنا عندما نعمِّق البحثَ ونوسِّع أدواته في محاولة للكشف عن منطلقات المستشرقين ودوافعهم، نستكشف نزعةً غريبةً وبعيدة عن روح العلم والمعرفة ودخيلة على أهل العلم والمعرفة، تتمثّل في الغزو الثقافي والمعرفي الاستعماري حتّى في العلوم والمعارف والفنون للشعوب وكل مكوّناتها الحضاريّة والتراثيّة، وأكثر ما نراها تتجلّى في صناعة العلوم، وتحوّلها إلى مصادر للمعرفة عند الباحثين والمؤسّسات العلمية والتعليمية ونحوها. فإنّ الغربيّين على اختلاف مدارسهم وأعلامهم وتنوّعها مسكونون بروح الاستعلاء حتى في المجال العلمي والمعرفي؛ ولذلك فهم يسعون دائمًا وبمختلف الأساليب والوسائل والتقنيات لجعل نتاجهاتهم ودراساتهم في تراث العرب والمسلمين وغيرها من المرجعيّات العلميّة والمعرفيّة الحاكمة للغربيين بل وللمسلمين أنفسهم. وبهذا يصبح المنفذ المعرفي الوحيد إلى تراث المسلمين هو الغربي نفسه، وليس منابع الإسلام ومصادره الأصيلة، وتشكّل هذه العملية أحد أكبر جرائم التزوير المعرفي في التاريخ بحق التراث الإسلامي والعربي.

وإنّ ذهنيّة المستشرقين بالغالب محكومة بمنظومة متكاملة من الخلفيّات الفلسفيّة والفكريّة والدينيّة، حيث تحصر فهم الظواهر الإنسانيّة في حدود البعد المادي. ومن شأن هذا التصوّر أن يؤدّي إلى إنتاج رؤى وأحكام وآراء تنسجم مع هذا الفكر، ما يعني أنّها لا تتّصف بالعلميّة والموضوعيّة؛ وذلك لأن دراسة كل دين أو فكر -بحسب أصول البحث العلمي ومناهجه- يجب أن تتصّف بالحياديّة، وتتعامل مع موضوعاته ومضامينه بالذهنيّة البحثيّة الصرفة، التي تتناول أيّ قضية أو موضوع بعد التمحيص والتحقيق والتدقيق بمصادره الأصلية الموثوقة، ثم بعد ذلك تحدّد النتائج العلمية مرفقة بأدلتها ونتائج التحقيق حولها.

وهذا ما يعزّز القناعة بضرورة التصدّي البحثي المركّز لهذه القضايا وتسليط الضوء على خلفياتها وآثارها، فقد احتل الاستشراق -كما يؤكّد إدوارد سعيد- مركزًا من السيادة على الحقل المعرفي المتعلّق بالشرق لدرجةٍ أوصلت المؤلّف إلى القناعة والإيمان بأنّه ليس في وسع أيّ إنسان أن يكتب عن الشرق، أو يفكّر فيه، أو يمارس عملًا متعلّقًا به، دون أن يأخذ بعين الاعتبار "الحدود المعوّقة التي فرضها الاستشراق على الفكر والفعل". وبعبارة أخرى، "فإنّ الشرق بسبب الاستشراق لم يكن و(ليس) موضوعًا حرًّا للفكر أو الفعل".

ويؤكّد المؤلّف في هذا الكتاب أنّ المستشرقين يدرسون القرآن الكريم ضمن رؤى ومناهج خارجة عن إطار القداسة والمصدريّة، أي ضمن رؤى ومناهج خاصّة، وهذا سينتج سلطة تُمَارس من قبل المستشرقين على روّاد الدراسات القرآنيّة المعاصرة. لذا فقد وسم الباحث دراسته بـ"سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة - دراسة نقديّة" والتي انتظمت على مقدّمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة وقف من خلالها على أدلّة السلطة وتقنياتها وأساليبها ومعالمها الفكريّة والمنهجيّة وأهمّ التطبيقات التي عالج فيها الباحث جميع الإشكاليّات التي واجهته والتساؤلات التي أثارها والردود التي قدّمها بغية الوقوف على مظانّ الدراسة، مستعينًا بما وظّفه من ردود وما استطلعه من مصادر مزجَ فيها بين المصادر الحديثة والقديمة، المترجمة وغيرها، عندها خرج بجملة من النتائج التي توصّل إليها أثناء رحلة بحثه وخرج بجملة من التوصيات لعلّها تكون كلمة حقّ في ميدان خدمة الكتاب العزيز.

ختامًا لا يسعنا إلّا أن نقدّم للمؤلّف الأستاذ علي شاكر سلمان العارضي ولكل من ساعد وأشرف خالص الشكر والامتنان والتقدير، راجين من الله تعالى التوفيق الدائم وحسن العاقبة

 

مقدمة المؤلف

الحمدُ لله على نِعَمِه التي لا تُعدّ ولا تُحصى والصلاة والسلام على خير من اصطفى محمّدًا وآله، أُولي الفضل والعلم والتقى: أمّا بعد

 يُعدّ حقل الدراسات القرآنيّة من أخصب حقول المعرفة الإسلاميّة وأعلاها شرفًا ومكانةً، وهذا نابع من شرف ومكانة ما يدرس ويبحث فيه، وهو القرآن الكريم، ولقد أدرك علماء المسلمين هذه الأهمّيّة التي يتمتّع بها الكتاب العزيز، فراحَوا يتشرّفون بخدمتهِ، مكتشفين ما اكتنزت عليه بُحُوْرُه من علوم وعقائد وشرائع ونظم ضمن ضوابط وشروط ومنهجيّات خاصّة تتناغم مع قداستهِ ومصدرهِ الإلهيّ، مستلهمين ذلك من رحم مصادر التراث الإسلاميّ نَفسه، كالقرآن والسُنّة الشريفة واللغة وغيرها، وهذه الدراسات أطلق عليها الدراسات القرآنيّة الأصيلة.

 وَلمْ يكن ذلكَ خافيًا على المؤسّسات الاستشراقيّة الغربيّة التي كانت تراقب المشهد العلميّ الإسلاميّ عن كثب، فبذلت الغالي والنفيس من أجل سبر أغواره ومحاولة تغيير واقع المسلمين الدينيّ عبر إرسالها للمستشرقين لدراسة أحوال المجتمعات الإسلاميّة وتحديد أماكن ونقاط القوّة فيها وبث الدراسات التي تمجد الحضارة الغربيّة على حساب الحضارة الإسلاميّة، وبعد إخفاق بعض الدراسات الاستشراقيّة في تحقيق أهدافها، مُنيَت كلمة الاستشراق بثقل وسماجة الوسط الإسلاميّ، فلجأ المستشرقون إلى تغيير خططهم عبر إعادة دراسة التراث الإسلاميّ بأدوات من داخل التراث نفسه في مسعى لمحاولة دراسة القرآن الكريم في ضوء الرؤى والمناهج والأفكار الغربيّة التي لا تعير أهمّيّة لقدسية النصّ ومصدريّته الإلهيّة، فأنتجوا لنا حقلًا خاصًّا سُمّي بالدراسات القرآنيّة المعاصرة، ولا نقصد هنا تلك الدراسات على إطلاقها؛ بل تلك التي حاولت جاهدةً الاعتماد على الرؤى والمناهج الغربيّة في دراسة النصّ القرآنيّ والتي أطلق على أصحابها فيما بعد بالحداثيّين.

وإنَّ منطلق اختيار هذا الموضوع  للبحث يأتي من الرغبة في الدفاع عن دين الله تعالى ونيل شرف ذلك، وكذلك التجربة السابقة التي خاضها الباحث في الحقل الاستشراقيّ، مما أثار لديه الرغبة مرّة أخرى في تقصّي أثر المستشرقين وكشف أساليبهم الخفيّة، فجعله يقف على بعض الإشارات التي ترى أنَّ ثمّة علاقة مريبة بين الاستشراق وأرباب الدرس القرآنيّ المعاصر، كما أنَّ عمليّة الإيقاف المزعوم للاستشراق وتغيير التسمية زاد من شكوك الباحث بأنَّ هناك رافدًا آخر تخطّط له المؤسّسات الغربيّة ليحلّ محلّ الاستشراق، ولعلّ ما يتوّج هذه الأسباب إشراقةُ أستاذنا الدكتور حكمت الخفاجي، وذلك في محاضرات مادّة الدراسات القرآنيّة المعاصرة التي كان يُلقيها علينا أثناء فترة الدراسة، ليبلور هذا العنوان في حلّته النهائيّة.

ومن الواضح في دراسة المستشرقين لتراثنا أنّ القسم الأكبر من المستشرقين إلى سحب التجربة الغربيّة وتطبيقها على التراث القرآنيّ من خلال إعداد باحثين من أبناء التراث نَفسهِ وإمدادهم بالوسائل والتقنيات الخاصّة التي تُمكّنهم من سبر أغوار التراث الإسلاميّ؛ ممّا ولّد ضبابيّة كبيرة وتساؤلات أكبر عن دراساتهم الساعية إلى إعادة قراءة التراث الإسلاميّ ضمن رؤى غربيّة، فأنتجوا منظومة أَطلقَ عليها المهتمّون بالشأن القرآنيّ: "الدراسات القرآنيّة المعاصرة"، والذي ينظر إلى هذه الدراسات يجد أنَّ مؤسّسيها أقاموا بناءهم على منهجيّات مستوردة وغريبة لا تمتّ إلى التراث الإسلاميّ بصلة، فضلًا عن انعكاس واضح للعقائد التي كان يؤمن بها هؤلاء الباحثون في مضمار دراستهم، والذي يزيد الأمر غموضًا واثارةً أنَّ جُّل هؤلاء الباحثين لم يكونوا من ذوي التخصّص الدقيق؛ بل كانوا من ذوي التخصّصات العلميّة الصرفة -أطباء، كيميائيّون، مهندسون- وهنا يدور التساؤل الأهمّ: ما الذي حَدا بهؤلاء الباحثين للخوص في اختصاص مغاير تمامًا لاختصاصاتهم؟ ثمّ إنَّ كلّ الذين خاضوا في هذا المضمار كانوا من روّاد الجامعات الغربيّة وتلامذتها؟ أي إنَهم نتاج الفكر الغربيّ، كما أنَّ هناك تساؤلًا آخر هو لماذا ترك هؤلاء الباحثون المناهج الإسلاميّة وعكفوا إلى المناهج الغربيّة؟ هل هناك قصور في المنهجيّة الإسلاميّة، أو هي مسألة من الميل العفويّ للتقليد للغربيّ؟ أم ثمّة من يقف خلف تلك الطروحات الحداثيّة ويغذّيها؟ ولعلّ هذه الأسئلة وغيرها هي التي دفعت الباحث إلى الاعتقاد بأنَّ هناك سلطة تمارس في الدراسات القرآنيّة المعاصرة؛ لذلك اختار الخوض في هذا المضمار لغرض تصديق ذلك الاعتقاد وإثباته.

وتتلخّص أهمّيّة الموضوع في الآتي:

أوّلًا: إنَّ إثبات سلطة للمستشرقين في الدراسات القرآنيّة المعاصرة، يفتح الباب أمام الدارسين للخوض في هذا المضمار العلميّ وتوجيه اهتمامهم نحو رصد هذا الفكر وتغيير مساره.

ثانيًا: تعميق الفهم لدى الباحثين الجدد في الدراسات القرآنيّة عن مدى سعة يد الاستشراق وتغلغله في طروحات روّاد الدرس القرآنيّ المعاصر؛ بل وقدرته على إحداث التأثير المقصود على مشاربهم وافكارهم حتّى وصل الأمر بهم أن يعيدوا الطروحات الغربيّة بصيغة جديدة والسير على خطاهم في دراسة التراث الإسلاميّ، وهذا الفهم العميق يساعد على تصويب مسار تلك الدراسات ورصد التوجّهات الاستشراقيّة في المستقبل.

ثالثًا: رفد المكتبة الإسلاميّة بدراسة جديدة في بابها، حيث لم يقف الباحث على دراسة أكاديميّة كشفت العلاقة بين المستشرقين والحداثيّين في مضمار الدراسات القرآنيّة المعاصرة، مما دفعه إلى رصد تلك الدراسة والوقوف على مظانّها.

كما يقوم البحث في هذا الموضوع على جملة من الفرضيّات منها:

 أوّلًا: أنَّ ثمّة سلطة تمارس من قبل الفكر الاستشراقيّ في طروحات الباحثين الحداثيّين، وهذه الفكرة قد نضجت وتبلورت عبر متابعة تأثّرهم في المدارس الاستشراقيّة؛ بل وإشادتهم بتلك المدارس على كلّ المستويات، وهذا ما يتطلّب بحثًا واستقصاءً لحلّ تلك الإشكاليّة وبيان ذلك التأثّر وإبرازه.

ثانيًا: توجد ضبابيّة وجدل معرفيّ كبير حول إعراض الباحثين الحداثيّين عن المنهجيّة الإسلاميّة في دراسة علوم الإسلام واتّباع منهجيّة غربيّة لا يمكن دراسة النصّ القرآنيّ بها، لكونها قائمة على فرضيّات مستحيلة كموت المؤلّف وأنسنة النصّ، وأرخنته، والتلقّي، وغيرها من المنهجيّات التي تسعى إلى تحييد التفسير الحقيقيّ للنصّ القرآنيّ.

ثالثًا: إنّ المتأمّل في الموضوع يجد أنَّ هذه الأفكار قد جاءت على يد الكتّاب الغربيّين في العصور الوسطى بهدف التخلّص من سلطة المقدّس وسيطرة الكنيسة؛ مما أدىّ إلى انسلاخ الشعوب المسيحيّة نحو الإلحاد وترك التديّن، وفي نظرهم أدّى هذا الأمر إلى تطوّر الشعوب الغربيّة؛ وذلك للتعارض الواضح بين الإنجيل والعلم، وهنا لنا أن نتساءل لماذا يسعى الحداثيّون إلى تطبيق تلك التجربة الغربيّة على الكتاب العزيز؟ وما هي الدواعي لنقل تلك التجربة إلى البلاد الإسلاميّة، فالمؤسّسات الدينيّة الإسلاميّة غير متسلّطة كما كانت الكنيسة سابقًا، وأنظمة الحكم العربيّة جُلّها علمانيّة أو قوميّة ولا صلة لها بالدين، ولا القرآن الكريم يتعارض مع العلم حتّى يتسنّى للمسلمين التخلّي عنه بتلك الحجّة، إذًا هناك رغبة غربيّة في تأمين انسلاخ المسلمين من التَّدَيّن إلى الإلحاد وما الحداثيّون إلّا أدوات لتنفيذ تلك الرغبة.

لقد سعى الكاتب جاهدًا لتوظيف جملة من المنهجيّات نذكر منها:

أوّلًا: لقد تم توَظَّف بعض المناهج التي يمكن الإفادة منها في محلّ الدراسة، فتارةً نحتاج إلى المنهج الوصفيّ الذي يقوم برصد أقوال المستشرقين الدارسين للنصّ القرآنيّ ومناقشتها كأقوال مؤسّسة للسلطة، ثمّ رفدها بأقوال روّاد الدراسات القرآنيّة المعاصرة كأقوال تابعة لها ومتأثّرة بها بطريقة تبيّن وجه السلطة الاستشراقيّة في هذا المجال، وفي بعض الأحيان وُظَّفَ المنهج الاستقرائيّ للوقوف على بعض النتائج المرجوّة من جمع الأدلّة بغية إثبات نظريّته.

ثانيًا: يُعدّ المنهج النقديّ حجر الأساس في العمل، إذ سعى الباحث جاهدًا في طيّات الدراسة إلى ردّ الافتراءات والشبهات التي عرضها المستشرقون والحداثيّون ومناقشتها وتفنيدها وإيراد الأدلّة على بطلانها، وفي بعض الأحيان تجاهل الآراء الغربيّة التي لا تستحقّ الردّ لمخالفتها المعقول.

ثالثًا: محور البحث ليس في حصر كلّ الدراسات التي انعكست عليها السلطة الاستشراقيّة؛ بل محوره هو كشف تلك السلطة والبرهنة عليها؛ لذا اكتفى بنماذج من دراسات كلا الطرفين في كلّ مفاصل الدراسة.

رابعًا: حرصت الدراسة على تتبّع الدراسات الاستشراقيّة والحداثويّة المغرضة، ومن ثمّ فهي ليست في محلّ رصد الدراسات المنصفة لكلا الطرفين، إنَّما دأبت على تتبّع الدراسات التي حاولت زرع السلطة في التراث الإسلاميّ.

خامسًا: لقد مازج الباحث بين المصادر القديمة والحديثة في توظيف معلومات بحثه كرجوعه إلى التفاسير المعتمدة لدى المسلمين في تفسير الآيات القرآنيّة، وكتب اللغة في الكشف عن المفردات، وكذلك توظيفه للدراسات الأكاديميّة الحديثة في دحض مزاعم الطرفين.

ولإبراز الدراسة بالمستوى المطلوب اقتضت طبيعة موضوعاتها أنْ تُبحث في مقدّمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة، ثمّ تلحق بقائمة للمصادر والمراجع، وملخّص البحث باللغة الإنكليزيّة، سلّط الضوء في المقدّمة على أسباب اختيار العنوان ومشكلة البحث وأهمّيّة الموضوع وفرضيّات البحث ومنهجه، والصعوبات التي واجهت الباحث إلى جانب خطّة البحث، أمّا صفحات التمهيد فتضمّنت التعريف بمفردات البحث وعناوينه والمصطلحات ذات العلاقة بالعنوان إلى جانب الإطار التاريخيّ للدراسات القرآنيّة المعاصرة.

 وحمل الفصل الأوّل عنوان "سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة"، أدلّتها، تقنياتها، أساليبها على ثلاثة مباحث دار الحديث فيها عن أدلّة المؤيّدين لسلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة، وأدلّة النافين لها وتفنيدها، وأهمّ التقنيات التي وظّفها المستشرقون لتقوية سلطتهم في الحقل القرآنيّ المعاصر معرّجًا على أبرز الأساليب التي مارسها الفكر الاستشراقيّ في زراعة تلك السلطة.

 أمّا الفصل الثاني فقد حمل عنوان: "المعالم الفكريّة لسلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة"، وقُسم على ثلاثة مباحث سلّط الضوء فيها على أهمّ معالم الفكر الغربيّ كالعلمانيّة، والماركسيّة، والإلحاد، والليبراليّة، التي حاول المستشرقون إرساءها في حقل الدراسات القرآنيّة المعاصرة وبيان موقف روَّاد ذلك الحقل منها.

ثمّ جاء الفصل الثالث متحدّثًا عن "المعالم المنهجيّة لسلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة" وجهود المستشرقين في إرسائها وموقف روَّاد الدراسات القرآنيّة المعاصرة منها، فقد سلّط الضوء فيه على المعالم الكلاسيكيّة لمنهجيّة الاستشراق كمنهج الطعن والتشكيك، ومنهج الإسقاط، ومنهج الانتقاء، والمنهج الافتراضيّ، والمعالم اللسانيّة لسلطة الاستشراق المنهجيّة في الدراسات القرآنيّة المعاصرة كالمنهج البنيويّ، والمنهج التفكيكيّ، والمنهج السيميائيّ، والمعالم الحفريّة لسلطة الاستشراق المنهجيّة كالمنهج الفيليولوجيّ، والمنهج الأنثربولوجيّ.

والفصل الرابع جرى الحديث فيه عن مظاهر سلطة الاستشراق في حقل الدراسات القرآنيّة المعاصرة - الأنسنة إنموذجًا، فدار الكلام فيه عن مفهومها وماهيّتها ونشأتها في الوسطين الغربيّ والعربيّ، وأساليب المستشرقين في ترسيخها في الحقل القرآنيّ، وموقف روَّاد ذلك الحقل منها، إلى جانب الحديث عن دور الاستشراق في أنسنة الوحي والإعجاز القرآنيّ، وموقف أرباب الدراسات القرآنيّة المعاصرة منه، ومن ثمّ الحديث عن مظاهر أخرى لسلطة الاستشراق في أنسنة النصّ القرآنيّ، كأنسنة الرسم القرآنيّ، وأنسنة التدوين القرآنيّ وبيان سلطة الاستشراق فيهما.

أخيرًا، جاء الفصل الخامس حاملًا عنوان "مظاهر سلطة الاستشراق في الدراسات القرآنيّة المعاصرة الأرخنة أنموذجًا"، وقد استقام على ثلاثة مباحث كان الحديث فيها يدور حول مفهوم الأرخنة وتعريفاتها اللغويّة والاصطلاحيّة، وأرخنة علوم القرآن، كأرخنة الوحي القرآنيّ، وأرخنة علمي المكّيّ والمدنيّ، وأرخنة علم أسباب النزول، وكذلك أرخنة النظام التشريعيّ ومصادره، إلى جانب أرخنة التشريع العباديّ، وأرخنة التشريع الاجتماعيّ، وبيان جهود الاستشراق في إرساء تلك المظاهر ودور روّاد الدراسات القرآنيّة فيها. ثمّ أُتبِع البحث بخاتمة ذُكرَت فيها النتائج التي توصّلت إليها الدراسة، ثمّ تمّ عرض قائمة بأهمّ المصادر والمراجع التي كان لها الدور الأكبر في رفد الدراسة بالمعلومات.

وختامًا أقول إنّني قد بذلت ما بوسعي لإظهار الأطروحة بهذه الحلّة، فإنْ كانت مما تُحمد عليه، فهي من الله سبحانه وتعالى وتُوفّيقاته، وإنْ كانت الأخرى فهي من تقصيري وإسرافي، وحسبي أنَّني لم أدّخر جهدًا ولا وقتًا إلّا بذلته.

وبعد شكر الله تعالى على كلّ توفيقاته، أتوجّه بالشكر الجزيل إلى أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور "حكمت عبيد الخفاجي" لتفضّلهِ بالإشراف على أطروحتي، راجيًا الله تعالى أن يوفّقه لخدمة المسيرة العلميّة ويمنَّ عليه بوافر الصحّة ومديد العمر. وإلى أساتذتي الأفاضل، في كلّيّة العلوم الإسلاميّة جامعة كربلاء المقدّسة، وشكري موصول إلى عائلتي التي وفّرت لي ظروف الدراسة المناسبة.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف