البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

March / 28 / 2021  |  1792«القرآن في شعره وقوانينه» للمستشرق الإنجليزي ستانلي بول مقاربة في تفكيك ضبابية الرؤية والتصور والاضطراب المعرفي

د. مكي سعد الله المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية شتاء 2021 م / 1442 هـ
«القرآن في شعره وقوانينه» للمستشرق الإنجليزي ستانلي بول مقاربة في تفكيك ضبابية الرؤية والتصور والاضطراب المعرفي

ملخّص

يصف مؤرّخو الاستشراق المدرسة الاستشراقيّة البريطانيّة بالتاريخ الطويل في تعاملها مع الشرق بحثًا واتّصالًا، ووصولًا إلى الحركة الاستعماريّة وحملات التّبشير، ومن المستشرقين الذين تناولوا الشرق والتاريخ الإسلامي عالم الآثار البريطاني ستانلي لين بول، الذي نتناول بالدراسة والنقد ما كتبه حول القرآن في هذه الدراسة، خاصّة وأنّ كتابه الصغير هذا «القرآن في شعره وقوانينه» الذي نُشر كمقالات في أغلبها بالإنجليزيّة في مجلّة ايدمبورغ، يُمثِّل جهدًا واجتهادًا نظريًّا متماسكًا لموقف الاستشراق في مقارباته للقرآن الكريم، ولا سيّما للعلاقة بين النصّ المقدّس والشعر عامّة، والبيان والبلاغة خاصّة.

وقد حسم القرآن الكريم بالنص القطعي جدليّة العلاقة بين القرآن والنص الشعري وإبداعه وتشكيله وبنائه الفني حيث قال تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾ يس:69.

 فقد تضمّنت الآية بحسب ما ورد في سبب نزولها اتهام المشركين للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه شاعر، وأنّ القرآن الذي يقوله إنما هو شعر. فجاء الدفاع عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بنفي هذه التهمة عنه ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ﴾، وعن القرآن ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ﴾، هذا نفي لكون القرآن شعرًا.

إنّ النص القرآني وحي إلهي مقدّس له خصائصه ومميّزاته الذاّتية ومعالمه الخاصّة، ولهذا فإنّ النص القرآني ينأى عن الاشتراك مع المنتج البشري في الوظيفة والرسالة والبنية، وينأى النص المقدّس ببيانه وإعجازه البياني والتّشريعي عن القدرة الإبداعيّة البشريّة. ومن الواضح أنّ الباحث لم يكلّف نفسه عناء دراسة التّشريعات الإسلاميّة بشكل علمي شفّاف، وبعيد عن الخلفيّات الفكريّة والفلسفيّة التي يحملها؛ لأنّه بنظرة مركّزة نسبيًّا يستطيع أن يدرك عمق التّشريعات الإسلاميّة وشموليّتها وتطوّرها ورقيّها.

المحرّر


مقدمة

يقوم نقّاد الدراسات الاستشراقيّة بترتيب وتصنيف المدارس الاستشراقيّة وفق ثيمات الدراسة والاهتمام والممارسة، فبيبليوغرافيّات الأبحاث الاستشراقيّة تشترك جميعها في تناول الشرق بمختلف تمظهراته وتجلّياته الحضاريّة، والسياسيّة، والفلسفيّة، والدينيّة، والاقتصاديّة وغيرها. ولكن بعضها تميّز وتخصّص في شؤون وقضايا محدّدة وتعمّق في البحث والاستقصاء فيها. فقد تركّزت الأبحاث الاستشراقيّة الفرنسيّة على محوري اللغة والأدب، لعلاقة المركزيّة الفرنسيّة ومنظومتها الفكريّة في تبيان تأثيراتها على مختلف الثقافات في هذين المجالين، ولتقديم بدائل نقديّة ومقاربات معرفيّة تثبت دونيّة «الآخر» وثقافة الاختلاف ضمن جدليّة صراع المركز والهامش، بينما توجّهت المقاربات الألمانية الاستشراقيّة نحو التركيز على الأبعاد الفلسفيّة والميتافيزيقيّة للحضارة العربيّة الإسلاميّة، إثارة الجوانب الغرائبيّة والعجائبيّة في المتخيل الشرقي، ونَحَتْ المدرسة الروسيّة بالاهتمام بالتراث وإحيائه وبلورة رؤية استشراقيّة حول قيمته وكيفيّات الاستفادة والاستثمار منه وفيه.

وإذا كانت المدارس والتيّارات الاستشراقيّة بمختلف توجّهاتها تشترك في موضوع الشرق بوصفه عالمًا سحريًّا وروحيًّا ورومانسيًّا وعجائبيًّا إلّا أنّها تختلف في المقاربة والتحليل والتأويل والمطارحة، فالشرق أصبح في المكتبة الاستشراقيّة تشكيلًا متخيّلًا، يؤسّس لصورة «الآخر» وفق نظريّات الغيريّة المتخيّلة «يغذى ويتكون مفهوم الشرق وفق عملية الاستيلاء التاريخي والثقافي الذي حدّدته المرجعيّة المستمدّة من تاريخ الحضارة اليونانيّة...«[2].

يصف مؤرّخو الاستشراق المدرسة الاستشراقيّة البريطانيّة بالتاريخ الطويل في تعاملها مع الشرق بحثًا واتّصالًا، تحت أجنحة تواصليّة متعدّدة ومتنوعة ابتداءً من الاطّلاع على الموروث الثقافي والديني في صقلية والأندلس، والتي كانت دافعًا وسببًا في إنشاء وتكوين مراكز البحث وإصدار المجلات وفتح المتاحف، ووصولًا إلى الحركة الاستعماريّة وحملات التبشير التي وطّدت العلاقات وطوّرتها، فنتج عن ذلك منجز معرفي كبير. ومن المستشرقين الذين تناولوا الشرق والتاريخ الإسلامي عالم الآثار البريطاني ستانلي لين بول (Stanley Edward Lane-Poole) (1854-1931) المنحدر من عائلة متأصلة في الدراسات الشرقيّة، فعمّه إدوارد وليم بول (Edward William Lane) (1801-1876) صاحب المعجم الكبير للغة العربيّة (The Arabic–English Lexicon) (1863) وأخته صوفيا لين بول (sophialane Poole) (1804-1891) صاحبة «رسائل القاهرة» (حريم محمّد علي باشا) (The Englishwoman in Egypt: Letters from Cairo) (1846).

كتب ستانلي حول تركيّا وشعبها (The People of Turkey) (1878) والقرآن ومختاراته (Lane’s Selection From the Kuran) (1897) ومصر وحياتها الاجتماعيّة (Social Life in Egypt: A Description of the Country & Its People) (1884) وكتاب (القرآن شعره وقوانينه) (Le Korân,sapoésie et seslois) (1882).

تخضع الدراسة لمنهج التفكيك الثقافي، الذي يستند إلى آليات تشريح الصورة الثقافيّة والموقف التصويري وتحليل المشهد التأويلي، بالعودة إلى أصول المصطلحات ومرجعيّات المفاهيم؛ لتصويب الأنساق الثقافيّة المتشكّلة، وتحديد خلفيّات التصوّرات ودوافعها ونتائجها وفق منظورات الثقافة والتاريخ ومناهج النقد الموضوعي.

علاقة الشعر والشعريّة بالقرآن الكريم

حسم القرآن الكريم بالنصّ القطعي جدليّة العلاقة بين القرآن والنص الشعري وإبداعه وتشكيله وبنائه الفني في قوله تعالى:(وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ)
[يس: الآية69]، للتأسيس للقطيعة المعرفيّة والشكليّة بين المتن القرآني الإلهي المقدّس والنصّ الإبداعي البشري المرتبط بشروط وضوابط بلاغيّة وعروضيّة، بالإضافة إلى عنصري الخيال والمُتخيَّل.«فالقيمة الشعريّة أولًا وأخيرًا ترجع إلى بداعة البناء الشعري وفنيّته، وبمقدار جماليّة الصنعة تكمن جماليّة الشعريّة، أي القيمة الشعريّة المثلى تكمن في التشكيل والتركيب ولا شيء سواه»[3]. فالنصّ الإبداعي البشري يستمد قوّته من المعجميّة وتوظيف آلياتها وبنياتها، فهي المرجعيّة في البلاغة والوظيفة والرسالة الدلاليّة، في حين يعتمد المتن القرآني على قوّة البيان الإعجازي الذي تسعى اللغة إلى تأويله وفهمه وضبط معانيه وتحديد محمولاته.

وإنّ اللفظة القرآنيّة هي عالم متفرّد، وهي فضاء عقائدي ثقافي وقيمي ولغوي متميّز، له حضور باهر، إنها    -كما يقول الراغب الأصفهاني- (فألفاظ القرآن هي لبُّ كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذَّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها، هو بالإضافة إليها إلا كالقشور والنّوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة)[4].

وإنّ اللغة الإبداعيّة البشريّة تتبنّى صناعة الصورة الفنيّة وجماليّاتها وتنتقي اللفظة بغرض التركيب الإبداعي للخطاب؛ للتأثير في المتلقي ودفعه للتذوّق الانطباعي للفعل اللغوي وأنساقه، فالرموز والأصوات أنظمة معرفيّة ذات رسالة محدّدة تتلخّص في تبيان الإلهام وجماليّات الصنعة اللفظيّة، في حين تستند اللغة القرآنيّة بخطابها الإلهي المقدّس بالجمع بين جماليّات البيان والبديع والصورة العقائديّة المقصودة بالفعل اللغوي ودلالة اللفظ. قال الزركشي، في تبيان وجوه الإعجاز: «جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة، وهما كالمتضادين، لا يجتمعان غالبًا في كلام البشر، لأنَّ الجزالة من الألفاظ التي لا توجد إلا بما يشوبها من القوّة وبعض الوعورة، والعذوبة منها ما يضادّها من السلاسة والسهولة فمن نحا نحو الصورة الأولى فإنّما بقصد الفخامة والروعة في الأسماع، مثل الفصحاء من الأعراب، وفحول الشعراء منهم ومن نحا نحو الثانية قصد كون الكلام في السماع أعذب وألذّ، مثل أشعار المخضرمين، ومن داناهم من الموّلدين المتأخرين، ونرى ألفاظ القرآن قد جمعت في نظمه كلتا الصفتين، وذلك من أعظم وجوه البلاغة والإعجاز([5]»، فالشعريّة ولغتها ولبناتها المؤسّسة ومنهجيّتها في مقاربة اللغة كهوية للنصّ والخطاب، لا تعدو أن تتجاوز إعادة القراءة والتأويل لمفاهيم الفلسفة الكلاسيكيّة اليونانيّة كما يقول تزفيتان تودوروف (1939-2017) «إن تاريخ الشعريّة (الغربيّة) كله ليس إلا إعادة تأويل (une Réinterprétation) للنصّ الأرسطي»[6]، والفكر الأرسطي عمومًا يعتبر النصّ وخطابه خلقًا وإنشاءً وتشكيلًا وتركيبًا، كما أن لفظة (Poétike) الإغريقيّة لا تخرج في معانيها ودلالاتها عن الوضع والبناء والاصطناع والتصنع.

والشعريّة مجال خصب وفضاء رحب للتأويليّة الملتزمة التي تستمد قوّتها ومصداقيّتها وموضوعيّتها من المرجعيّة الماديّة القائمة على الصراع، والتي هدفها التأثير في المتلقي والمريد وتوجيهه وتسيير فكره والتحكم بأفكاره؛ للقضاء على إرادته وفسح المجال للقوى الميتافيزيقيّة بالتدخل في تنظيم الكينونة والوجود. في حين تسعى الوظيفة اللغويّة القرآنيّة على تجاوز جماليّات الأسلوب، إلى تحقيق أهداف وغايات سامية وراقية، لعلّ جوهرها ومركزيّتها تحقيق التوحيد، بالإضافة إلى إنجاز مختلف الغايات الأخرى المتعلّقة بحياة المؤمن في دنياه وأخراه، بالجمع بين لغة البيان والبديع وخطاب الإيمان والعقيدة والإعجاز.

فهويّة النصّ القرآني تتشكّل من ثنائيّة وازدواجيّة الاتصال المباشر والوثيق بين البنية البيانيّة والمعجميّة الإعجازيّة، إذ يتأسّس عن الجمع بينهما خطاب شامل لرسالة الإعجاز البياني ومحمولات ودلالات التشريعات الإيمانيّة الإنسانيّة الجديدة والفارقة بين التشريع الإلهي المقدس ومغالطات المذاهب الوضعيّة من ملل ونحل. 

إن استقراء مصنّفات الشعريّة ومفاهيمها المتعدّدة في مختلف المنظومات الفكريّة والمعرفيّة، وباستعراض مصطلح الشعر وما يدور حوله من أنظمة بنائيّة وفنيّة، يؤكد أن العلاقات بينهما وبين لغة القرآن وخطابه محدودة، وأن المشترك يكمن في آليّات البيان وتشكيل الصورة البلاغيّة، باعتبار اللغة وعاء لاحتواء الأفكار«وإذا كانت العناصر المشكّلة للمادة الشعريّة تتمثّل في العادات والأفعال والأخلاق، وما يتنزل في سياقها مما له علاقة بالمحتوى الأخلاقي والمعرفي للشعر، فإن ما يشكّل الصورة يستقطبه التخييل أو المحاكاة والوزن واللحن أحياناً»[7].

إنَّ الشعريّة والشعر منتج إبداعي بشري مُتخيَّل تحدّد دلالاته منظورات ومعايير النقد الجمالي والفني، بينما النصّ القرآني وحي إلهي مقدّس له خصائصه ومميّزاته الذاتيّة ومعالمه الخاصّة، وبالتالي فإنَّ الخطاب القرآني ينأى عن الاشتراك مع المنتج البشري في الوظيفة والرسالة والبنية «إنَّ الشعريّة عمومًا، هي محاولة وضع نظريّة عامة مجرّدة ومحايثة للأدب بوصفه فنًّا لفظيًّا، إنَّها تستنبط القوانين التي يتوجّه الخطاب اللغوي بموجبها وجهة أدبيّة، فهي إذن، تشخيص قوانين الأدبيّة في أيّ خطاب لغوي»[8].

فعمود الشعر ممثّلًا للأسس الشعريّة العربيّة يعتمد معايير حدّدتها المنظومة النقديّة البلاغيّة العربيّة الكلاسيكيّة، وتتمثّل في (شرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، والإصابة في الوصف، ومن اجتماع هذه الأساليب الثلاث كثرت سوائر الأمثال وشارد الأبيات، والمقاربة في التشبيه، والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، ومشاكلة اللفظ للمعنى، وشدّة اقتضائها للقافية حتى لا منافرة بينهما. فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر ولكل باب معياره)[9] فهذه الأحكام والقوانين تنضّد الإبداع الشعري وتعطيه جماليّةً ليؤثّر في المتلقي والمتذوق، ولكن النصّ القرآني حتى وإن تضمّن بعض هذه الشروط، فهو يتجاوزها بيانًا وبلاغة وجماليّة وحكمة وتشريعًا إنسانيًّا راقيًا وواعيًا.

إشكاليّة العتبة

بعد تفكيك مفهوم الشعريّة في المرجعيّة الغربيّة وتوضيح دلالاتها ومضامينها في الموروث العربي والإسلامي، اتّضحت اللاعلاقة بين القرآن والشعريّة من حيث البنية الفكريّة والمعرفيّة، وأنَّ الجمع بينهما ضرب من التضليل والتيه والمغالطة، ذلك أنَّ البيان في اللغة هو الظهور والكشف والفصاحة[10]، واصطلاحًا؛ هو أصول وقواعد يُرادُ بها معرفة المعنى الواحد بطرُقٍ متعدّدة وتراكيب متفاوتة. كما حدّده الجاحظ وعرَّفه بأنَّه «الدلالة الظاهرة على المعنى  الخفي»[11] أو كما عرّفه الجرجاني «إظهار الكلام المراد للسامع»[12] وهو أيضًا «التعبير عما في الضمير وإفهام الغير»[13].

إنَّ العلاقة بين الشعر والقرآن لم تكن بالارتباط اللغوي أو البياني إلا من باب القياس، فالعرب تعتبر الشعر ديوانها وأنَّه أرقى الكلام وأعظمه قداسةً، فلا يمكن أن يتجاوزه أو يتفوّق عليه نصّ أو خطاب آخر، لذلك  حين جاء التحدّي القرآني لم يجدوا مرجعيّة يحتكمون إليها سوى الإبداع الشعري.

وينأى النص المقدّس ببيانه وإعجازه البياني والتّشريعي عن القدرة الإبداعيّة البشريّة، ذلك أنّ الشعريّة وما يحيط بها وما يتقاطع مع مفاهيمها وتمظهراتها من دلالات ومعان وأفكار، هي صناعات وضعيّة تخضع لضوابط الفنون والأجناس الأدبيّة والخصائص الفنيّة «الشعريّة يصنعها الشعراء، لا الشعوريّون
(les Poét iciens)، وبأنَّ أفضل المفكّرين في الكتابة هم أولئك الذين أنجزوها، وليسوا الفلاسفة أو المختصّين في الأدب»[14].

فالمفارقة تأتي من مرجعيّة النصّين الإبداعي البشري والقرآني المقدّس، فالأول يستمدّ قوّته من اللفظ وبنيته وتوظيفه مجازيًا في بناء الصور والمشاهد، بينما يستمدّ النص المقدّس قدرته على الجمع بين البنيات المشكّلة للنصّ البشري، بالإضافة إلى روح البيان الإلهي وسحره وبديعه الجامع بين الجماليّة والتحدي الإعجازي، قال تعالى ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة،23).

المدوّنة

قبل الولوج إلى مضمون الكتاب وتحليل أفكاره وتفكيك رؤاه وتصوراته، فقد بدأ الكاتب بحثه بتحذير (Avertissement) في شكلِ تنبيهٍ، يوضح فيه الباحث بأنَّ مواد كتابه الصغير الحجم، نشرت في أغلبها بالإنجليزيّة في مجلّة إيدمبورغ
(The Edinburgh Review)[15] في العدد 361 لشهر أكتوبر سنة 1881، وفي كتاب «خطب وحوارات الرسول محمد»التي ترجمها إلى الفرنسية ماكميلان
(MM. Macmillan)[16].مذكّراً بفضل المستشرق الفرنسي ألبير إيتيانتيريان (Albert ةtienne Jean Baptiste Terrien de Lacouperie) (1844- 1894)[17] ومساعداته اللامتناهية في النصح والإرشاد والتوجيه في إنجاز هذا المصنّف الأكاديمي.

يُمثِّل كتاب «القرآن في شعره وقوانينه» (sapoésie et seslois) (1882) جهدًا واجتهادًا نظريًّا متماسكًا لموقف الاستشراق الموضوعي في مقارباته للقرآن الكريم، وخاصّة للعلاقة بين النص المقدّس والشعر عامّة، والبيان والبلاغة خاصّة.

ويثير الكتاب هذه الإشكاليّة المركزيّة بالدراسة والنقد والتحليل مقدّمًا تصوّرات ومفاهيم في إطار المنظومة الاستشراقيّة الإنجليزيّة التي تميّزت عن بقيّة المدارس الاستشراقيّة الغربيّة بنوع من الحياد الموضوعي والابتعاد عن التشويه والعدائيّة المقصودة للقرآن الكريم، ولكن على الرغم من تبنّي المنهج العلمي فقد وقعت تأويلاتها ومقارباتها في مغالطات وشبهات علميّة وعقائديّة.

وقد توزّعت مضامين الكتاب الفكريّة والمعرفيّة ومحتوياته المنهجيّة إلى سبعة أبواب هي:

مضمون القرآن، مؤلّفه، مرحلة الشعر، مرحلة البلاغة، مرحلة الحجاج، الخطاب، قوانين القرآن (تشريعاته)، ملخّص واستنتاج.

مضمون القرآن؛ جدليّة المضمون والمنهج

تشوّق العبارات الأولى من المقدمة إلى دفع القارئ لإشباع رغبته وفضوله المعرفي حول كتاب المسلمين المقدّس، بعد إقرار الكاتب حقيقة مركزيّة بأنَّ «الكثير يتحدث عن القرآن، فهو أحد الكتب التي يذكرها العالم كله ولا أحد قد قرأه»[18] في إشارة منهجيّة إلى الصور النمطيّة للأحكام الجاهزة التي تبنّاها الباحثون من دراسات وأبحاث ومصنّفات المكتبة الاستشراقيّة.

تعامل الباحث منذ عتبة مؤلَّفه على أنَّ القرآن كتاب بشري تأليفًا وإنشاءً وتشكيلًا، ولكنّه يبقى من المصنّفات الكلاسيكيّة التنويريّة، المؤثرة والمشكّلة للفكر البشري عبر الأزمنة والعصور، نظرًا لقيمته المعرفيّة وتصوّراته حول الكون والإنسان فهو «كنز للفكر الإنساني العميق بفضل محتوياته ومضامينه»[19].

كانت هذه المقدمة إثارة للمتلقّي وتشويقًا لمعرفة تصوّرات القرآن حول الإنسان والكون، وإدراك تشريعاته في تسيير الحياة وما بعدها. واستثمارًا لهذا الفضول بدأت سلسلة المغالطات والانزلاقات المعرفيّة غير المبرّرة حول الكتاب المقدّس، مبتدئًا بالحجم «يُشكِّل القرآن ثلث العهد الجديد، ولو حذف محمّد قصص البطارقة اليهود التي ما فتئ يكرّرها لكان في حجم الإنجيل»[20] ثم يُضيف مستندًا إلى فكر المركزيّة الغربيّة التي تعتقد بأنَّ الموروث اليوناني والروماني في الفلسفة والدين هي أسس وجوهر الأديان عامة، وأنَّها استمدّت منها العديد من القصص الأسطوريّة الميتافيزيقيّة، مشيرًا إلى إمكانية حذفها ليتقلّص الكمّ والفائض «يمكن تلخيص خطاب (سور) محمّد في حجم بسيط وصغير يفصح عن مضمون القرآن كله»[21] ويرى أنَّ التكرار كان سببًا مباشرًا في ضخامة حجم القرآن، وأنَّ كثافته نشأت من التكرار الكبير للقصص المقتبسة من الموروثين الفلسفي والديني الغربي «العديد من القصص التي اقتبسها محمّد من التلمود، لا تخدم حجيّته، فهي لا تفيد إلا علماء الآثار، ولهذا يمكن الاستغناء عنها»[22].

والحقيقة أنَّ التكرار في القرآن الكريم كظاهرة جماليّة وبلاغيّة يخضع لأغراض عقائديّة وظيفيّة تهدف إلى ترسيخ العقيدة بالموعظة؛ لإثبات الرسالة ومصداقيّتها. ويعدّ التكرار من الأساليب البيانيّة التي تتميز بها اللغة العربيّة دون غيرها من اللغات الإنسانيّة الأخرى، لذلك فهو ليس بالظاهرة المذمومة المنفّرة، فهو فاعليّة إعجازيّة «ولقد بلغت هذه المكرّرات قمّة الإعجاز، بحيث يمكن اعتبارها من علامات التنبيه على الإعجاز الذي لا يدرك إلا بعمق الفهم والفقه والتذكر في كل سورة من سور القرآن، حتى يدرك الإنسان المستوى الواجب من يقظة العقل والتدبّر حين يقرأ القرآن»[23]؛ لأنه يرد بأنواع مختلفة وأساليب متعدّدة ما يؤكد حقيقة الأبعاد الجماليّة والبلاغيّة والوظيفيّة لهذه الظاهرة. قال السيوطي «التكرار أبلغ من التأكيد وهو من محاسن الفصاحة، خلافاً لبعض من غلط»[24]، ومن فوائده التقرير والتنبيه والتذكير والتعظيم والتهويل وغيرها من الأغراض البلاغيّة.

تنفي المقدّمة فكرة النبوّة والرسالة الإلهيّة، فمحمّد مجرّد رجل دولة يسعى لترسيخ حكم يتماشى مع أفكاره، ويراعي الأصول الثقافيّة والاجتماعيّة للبيئة العربيّة، أما مسائل الترغيب والترهيب فهي تدخل ضمن استراتيجيّات الصراع الطبيعي بين أي رجل دولة ومعارضيه وأعدائه، ولا يدّخر جهدًا في إمكانيّة توظيف كلّ الوسائل البربريّة والوحشيّة لتحقيق أهدافه وغاياته «إنَّ هجمات محمّد على أعدائه يمكن مقارنتها بسياسة أي رجل دولة، إنَّها مصمّمة دون شك بأسلوب أكثر بربريّة غير معهودة لما تعوّدنا عليه»[25].

يقع الباحث منذ المقدمة في تناقضات معرفيّة واضطرابات منهجيّة، فيعلن مقتنعًا بانتماء القرآن للشعر العربي، وأنَّ محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) شاعر مبدع، واسع الخيال والثقافة، ليتراجع مُنكرًا هذه الصفة عنه، فهو ليس بشاعر ولم يشهد له بقوله ولا التغنّي به «لم ينظم محمّد أبياتًا شعرية مطلقًا، ولم يتكلم أبدًا نثرًا مسجوعًا، وكان يكره الشعر، والبيت الوحيد الذي نظمه كان لا إراديًّا (غير مقصود) وكان رديئًا» بحسب قوله[26].

مؤلفه؛ العتبة الاستفزازيّة

تكشف هذه العنونة عن الصدى العميق والأثر القوي للمرجعيّة الاستشراقيّة في تقييمها للقرآن الكريم وتحديد هويّته، فهو في منظومتها كتاب أدبي نسج بمعايير شعريّة وأسلوب بليغ، يحترم المرتكزات البيانيّة لرؤية الثقافة المحليّة لقداسة اللغة، وكتاب سياسي بتشريعاته التي شرعنها رجل بدوي أراد السيطرة والوصول إلى السلطة بتوظيف كل الوسائل، انطلاقًا من طفولته البائسة؛ ولتعويض مرارة الحرمان وقساوة الزمان، كما يقول.

غلبت الرؤية السرديّة التقريريّة على هذا المبحث، مع الاقتران بعرض مشاهد وصور وأحداث لسيرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مقتبسة في أغلبها من مصادر متنوعة، تسيطر عليها المقاربات التقديسيّة حينًا، والأسطوريّة في أحيان أخرى، وقد نتج الارتباك المعرفي من المزج بين مكتبتين متباينتين في الطرح والمعالجة والمرجعيّة.

فلم يتمكّن الباحث من كشف ملامح شخصية محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ومؤهّلاته لتحمّل الرسالة الإسلاميّة رغم وجود إشارات ربانيّة ذكرتها كتب السيرة، تتلخّص في سلوكيّات ومواقف وآراء ورؤى توحي ضمنيًّا باختلافه عن نظرائه من شباب قريش. هذه الشذرات السطحيّة من سيرة المصطفى أنتجت صورة كلاسيكيّة نمطيّة لرجل الدين اليهودي والمسيحي مجسدًا في «المبشّر» (Pasteur) «منحته حياته الجبليّة صفة «المبشّر» وهو النعت الذي تكرر في كلّ فصول (سور) القرآن، والتي اكتسبها من تأمّلاته في سماوات شبه الجزيرة العربيّة»[27]. وتزخر مصنفات السيرة النبويّة بحشد هائل من المعلومات والأفكار عن طفولة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وشبابه، ما يُغني كل باحث عن الوقوع في مغالطات وشبهات لا يمكن توثيقها تاريخيًّا «لا نعرف عنه سوى هذه الحياة الريفيّة وقيادته لقوافل الإبل السوريّة لخديجة ابنة عمه والتي تزوجها فيما بعد... كما كان حكمًا للمناظرات الشعريّة في عكاظ، وشغفه بالاستماع لقصص اليهود والحنفيين وربما بعض أخبار ومعلومات حول يسوع»[28].

يتأسّس عن فكرة الترويج لتحكيم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) للمناظرات الشعرية واللقاءات الأدبيّة في الفضاء العكاظي، التأصيل لفكرة مركزيّة في البحوث الاستشراقيّة، تتلخّص في تأليف محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) للقرآن بناءً على إمكاناته البيانيّة وثقافته الواسعة التي اكتسبها من استماعه واستفساراته من رهابنة اليهوديّة وقساوسة النصرانيّة. كما يتواصل التضليل التاريخي في مواقع كثيرة من الكتاب، ومن ذلك رفض وإنكار انتصار الدعوة في موقعة فتح مكة، وهو المقام الذي شهد الاستجابة الطوعيّة والكليّة للرسول والقرآن وتشريعه الحكيم «دخل محمّد مكّة منتصرًا، مستغلًّا غفلة من قريش، ومن هنا بدأ التاريخ الهجري»[29].

تولّد عن التخبّط اللاواعي واللامنهجي في سرد الأحداث المرتبطة بسيرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أخبار غير معهودة، تصنّف ضمن أضرب الأساطير أو الأخبار غير الموثّقة التي تتنافى مع المشترك العلمي والموضوعي بين مؤرّخي السيرة النبويّة، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وتوجّهاتهم الفكريّة والأيديولوجيّة.

لقد استقى الباحث أخباره المنتقاة بقصد لخدمة مرجعيّة محدّدة من كتب مصنّفة معرفيًّا بتحيُّزها لمنظومة مركزيّة متعصّبة، مناوئة للإسلام وقرآنه ونبيِّه[30].

أثبتت الأبحاث الاستشراقيّة عجزها وفقرها العقلي الواعي عن استيعاب فكرة «الوحي» فكشفت مرآتها الذاتية وذاكرتها الفكريّة عن تكرار ساذج وسطحي لأفكار سجينة المرويّات الكلاسيكيّة والأنساق الثقافيّة المركزيّة، مفادها نسبة القرآن لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) قولًا وصياغة، فالوحي ظاهرة تجاوزت إدراك المنظومتين بخروجها من آفاق التحليل والوعي البشري إلى الإعجاز الإلهي في بناء الكون وتخليص الإنسانيّة. يضاف إلى ذلك التشويش والضبابيّة المعرفيّة في التوثيق العلمي لتاريخ الرسالة المحمّديّة عموماً، والنبوّة خاصة.

مرحلة الشعر؛ أقوال مجترّة

حفل الفصل الموسوم بـ «مرحلة الشعر» بالعديد من الإشكالات المعرفيّة والمنهجيّة من حيث إثارة جدليّات متعلّقة بالجمع بين النصّ القرآني والشعر، وعلى الرغم من إقرار الباحث منذ بداية مقارباته من أنَّ القرآن المكّي بحجمه الكبير والذي يمثّل 90٪ من مجموع سوره، موضحًا بأن هذه الفترة «شهدت سنوات النضال والاضطهاد»[31] وواصفًا مضمونه بالالتزام بفكرة تكريس فكرة التوحيد، وتغليب خطاب الإيمان، وإنكار الوثنيّة. والمستعرض لمجموع القرآن المكّي يدرك هيمنة فكرة الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، إلا أنَّ دعوة التوحيد تقترن دائمًا بالتشريع بتوظيف أسلوبي وتقنيتي الترغيب والترهيب، بتقديم جماليّات الجنّة ونعمها، والتحذير والتنفير من النار وعذابها، كما تكشف السور والآيات المكيّة عن تقنيات الحجّاج في مناقشة كفّار قريش ومجادلتهم.

يزخر هذا المبحث بكثافة اصطلاحيّة تستوجب التوقّف والمناقشة، ذلك أنَّ أغلبها يخرج عن الحقل العقائدي الإسلامي وينتمي إلى الحقل الأدبي، وهذا ما أنتج شبهات ومغالطات معرفيّة وخلطًا مفاهيميًّا يوحي بالاضطراب المنهجي في تعامل الباحث مع مبحث «مرحلة الشعر» ذلك أنَّ المصطلحات تشكّل مفاتيح المعرفة وإرهاصًا لتحديد الدّلالة بدقة، فالمصطلحات مرتحلة ومهاجرة من حقل وميدان لآخر، خاصة في حقول العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، فالمصطلح تتمظهر دلالته وتختلف من فضاء لآخر، تقاطعًا وتناقضًا وتضادًا[32].

لم يتمكّن الباحث من التخلّص من الإرث المعرفي للمكتبة الاستشراقيّة في تعاملها مع القرآن خاصة، والإسلام عامّة، فقد صاحب هذه الرؤية جميع أفكار هذا المبحث من حيث اعتماد نسبة القرآن لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وتشكيله لآياته وسوره، بهدف السيطرة على الجزيرة العربيّة وتكريس تشريع بديل عن الأنظمة القبليّة والمنظومات الثقافيّة السائدة. وللوصول إلى هذه الغاية وتحقيق نتائجها فإنه لا يتورّع في استخدام شتّى الوسائل دون مراعاة للقيم الأخلاقيّة والإنسانيّة. أما خطابه فيستند إلى سلطة النصّ المستمد من الأساطير القديمة والإبداع الشعري «وجب على محمّد، وهو مفكّر بسيط، أن يعتبر كلّ شيء مباحًا، ما لم يتعارض هذا الشيء وصوت قلبه، وإذا لم يكن مرهف الحس ثابته تجاه الخير والشر، وهذا الحسّ لا يحفظ من العثرات الداعيّة إلى القلق إلا من كان على أرقى درجات الإنسانيّة، فإنه لم يتوان عن استخدام وسائل مرذولة، أجل حتى ما يسمى الخداع باسم الدين، من أجل نشر ما آمن به»[33].

أنتجت هذه المقاربات تصوّرات وتمثّلات للمشهد الديني الإسلامي، الذي لا يخضع لهيمنة أيديولوجيّة اجتهادية، منتجة من قبل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) الشاعر الملهم والمتشبّع بالثقافة العربيّة والمدرك لقيمة الشعر والشاعر في موروث وعي الذاكرة  الجماعيّة العربيّة، ....البلاغة بأوجه بيانها وصورها...، وعلى الرغم من الإشادات المنطقيّة والتزكيات لشخص الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بأخلاقه ومواقفه وقدرته على الإدارة والتسيير والإقناع بالحجاج، إلا أنَّ الكاتب يصرّ على وضعيّة القرآن وإخراجه من توقيفيّة القداسة الإلهيّة، قياساً إلى الكتب السماويّة السابقة للقرآن، واختزالاً لقيمته ودوره في تغيير مفهوم العقيدة، من التأكيد على شاعريّة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وقدراته البيانيّة في الإبداع الشعري «الفصول الأولى (السور) قمّة وغاية في البلاغة، وهنا تبرز شاعريّة المؤلف بوضوح، وتؤكد على أن محمّدًا لم يُضيِّع سنوات معيشته في الصحراء متأملاً السماوات...»[34].

لم يخالف الباحث نظراءه من المستشرقين في اعتبار القرآن الكريم مُنتجًا بشريًّا، أنجزه محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بتوظيف معارفه وإلهامه الشعري، كآليّة مقدّسة عند العرب التي تفتخر بنبوغ شاعر في قبيلتها، فقد اعتبر تيودور نولدكه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) شاعرًا مرهف الإحساس، يجيد اختيار ألفاظه وصوره البلاغيّة للتأثير في المتلقين، وإقناعهم برسالته «يتعلّق بما سبق ذكره أنَّ محمّدًا أعلن عن سور، أعدّها بتفكير واع وبواسطة استخدام قصص من مصادر غريبة مثبتة، وكأنها وحي حقيقي من الله، شأنها في ذلك شأن البواكير التي صدرت عن وجدانه الملتهب انفعالًا»[35].

يقرّ الباحث موافقًا أستاذه نولدكه في تصنيف القرآن كتجربة ذاتيّة ووجدانيّة لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) فهو تعبير عن «الأنا» في مرآة نفسها باستخدام الخطاب المتناسب مع البيئة العربيّة الثقافيّة وفضائها الإبداعي المتعلّق بقداسة الشعر ومكانته ورسالته «أسلوبه دائمًا متفائل وشاعريّ، أما كلماته فهي لرجل وظّف قلبه ومشاعره للإقناع»[36]. وقد يدفع التحامل والتحليل السطحي والرؤية المتحيّزة المبنيّة على مرجعيّات ومصادر غير علميّة إلى اعتماد الرؤية الإبداعيّة في وظيفة المخيال، فيتحوّل القرآن إلى منتج إبداعي كنوع من الجنون الشعري العربي لإلهام وادي عبقر أو تأثيرات الآلهة بقدراتها الخارقة في الأساطير العجائبيّة والغرائبيّة القديمة «غير أن روح محمّد كان يشوبه نقصان كبيران يؤثران على سموه. فإذا كانت النبوّة بالإجمال تصدر عن المخيلة المنفعلة وموحيات الشعور المباشرة، أكثر ممّا تصدر من الفاعل النظري، فإنَّ محمّدًا كان يفتقر إلى هذا بشكل خاص»[37].

لعبت المرتكزات المرجعيّة دورًا رئيسًا في تحديد توجّهات الباحث وأثّرت تأثيرًا جوهريًّا في بناء تصوّراته وتمثُّلاته حول القرآن الكريم، فهيمنت سلطة الأحكام الارتجاليّة البعيدة عن الموثوقيّة العلميّة، فكانت آراء تيودور المستندة إلى المقارنات الموضوعاتيّة والتحليل النفسي للخطاب والشخصيّة أرضيّة لاعتبار محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) مؤلِّفاً للقرآن ومبدعًا لسوره وآياته بتوظيفه لقدراته التخيليّة والبيانيّة «لا مجال للشك في أنَّ أهم مصدر استقى منه محمّد معارفه لم يكن الكتاب المقدّس، بل الكتابات العقائديّة والليتورجيّة[38].هكذا تشبه قصص العهد القديم الموجودة في القرآن صيغها المنمّطة في الهاجادا، أكثر مما تشبه أشكاله الأولى»[39].

شكّلت هذه المنطلقات والاستراتيجيّات لفعل التأويل تشويهًا دلاليًّا وتحريفًا تاريخيًّا «عدم معرفة تاريخ الوحي ومكان نزوله»[40] وتحيّزًا معرفيًّا وفاء للمرجعيّة الاستشراقيّة في تداولها مع القرآن الكريم منذ الترجمة الأولى التي أنجزها وأشرف عليها الأب الفرنسيّ بطرس المبجَّل (venerable le Pierre)؛ رئيس دير كلوني في فرنسا، والتي أصبحت أساسًا في ترجمة القرآن إلى عددٍ من اللّغات الأوروبيَّة. فالقرآن منجز شعري من تأليف محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) « نحن أمام شاعر»[41]، وتناغمًا مع هذه التصورات تحوّل القرآن الكريم إلى نصّ «غير متجانس (Uniforme)»[42] وهذا الحكم القطعي منافٍ ومخالف لأصول ترتيب سور القرآن وآياته وأسباب النزول.

إنَّ نظريّات التلقي باختلاف تيّاراتها ومناهجها تبيح مقروئيّة النصّ ومقاربته باتباع مختلف نظريّات التفسير والتأويل، ولكنّها تتوقّف عند مشروعيّة النصّ وقداسته، وموثوقيّة مصدره، ولكن الباحث تجاوز آليات البحث الموضوعي للتأصيل من خلال التفاصيل والجزئيّات إلى الجوهريّات والمركزيّات، بإقراره المساواة المطلقة بين القصيد الشعري والسورة القرآنيّة الجليلة «القرآن هو صور بلاغيّة جميلة الصياغة»[43].

والهجرة إلى المدينة ليست فرارًا «Fuite»[44] فالهجرة ليست (ةmigration) بغرض العمل أو التجارة أو لاعتبارات أخرى، كما أنها ليست فرارًا وتسللًا (Fuite) بسبب الخوف والتهديد، فالهجرة حتى وإن كانت سريّة فهي تختلف عن الهروب الذي يقترن في الغالب بالجريمة والجناية والسلبيّة، كما أنَّها ليست نفيًا (Exil) فهي فلسفة توقيفيّة وإستراتيجيّة دعويّة تتجاوز بحكمتها التأويل السطحي، فرسالة الإسلام إنسانيّة وعالميّة، ولتحقيق الانتشار والتوسع يفرض المنطق الخروج من الفضاء الجغرافي الواحد إلى عوالم أكثر اتّساعًا.

فالمصطلح المناسب للهجرة يصبح توظيف اللفظة المعرّبة (Hegire) أو كلمات أقرب منها دلاليًّا كالمغادرة مثلاً (Quitter)، فاستخدام وتوظيف لفظ (الهروب) جعل الباحث يستنتج أحكامًا منافيّة لأحكام القرآن وأصوله وبنياته «لا يمكن فهم أسماء فصول (يقصد السور) مكّة والمدينة إلا ضمن سيرورة قبل وبعد الهروب (الهجرة) حتى وإن كانت لاتكشف عن مكان نزولها»[45]، والحقيقة أنَّ علماء الأصول على اختلاف مذاهبهم يفرِّقون بين القرآن المكّي والمدني والمختلف حوله مع ذكر الأسباب ومواطن النزول[46].

وربما تبقى شبهة نسبة القرآن الكريم إلى محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) تأليفًا وإبداعًا شعريًّا مستمدًّا من إيحاءات البيئة العربيّة وشعريّتها من أكبر المغالطات التي يصطدم بها المتلقي الغربي، وتؤثر في منظومته الفكريّة والمعرفيّة، فيؤسّس عليها تصوّراته ومعتقداته بأنَّ  القرآن مجرّد إبداع وتشكيل لقصص من سير الأنبياء السابقين والأساطير العتيدة.

إنَّ المرتكزات المنهجيّة التي اعتمدها الكاتب في الجمع بين القرآن والشعريّة لا تستند إلى برهان منطقي وحجّة بيّنة، فالمقاربة المقترحة والمطروحة تتبنّى شبهات الرؤية المتحيّزة والفهم القاصر والسطحي والاضطراب المفاهيمي خاصّة، وهي رؤية تقارن بين النص المقدّس والبلاغة البيانيّة المميّزة والمرتبطة بخصوصيات ومميّزات الإبداع الشعري. وإنَّ أطروحة العلاقة بين النصّ المقدّس ونظريّات الشعريّة ترويج لإسقاط مفاهيم الشعريّة كمعيار نقدي موضوعي لتأويل وفهم النصّ المقدّس الذي يتجاوز بحكم مؤشّراته الإلهيّة المعايير البشريّة في المعرفة والفهم والإبداع والنقد والرسالة.

كما أنَّ حروف العطف بالمصطلح البصري أو حروف النسق بالمفهوم الكوفي تخضع لجماليّات ومنطق المتابعة الإعرابيّة بين المعطوف والمعطوف عليه، فأسرار بلاغة العطف تقتضي قوّة الربط والجمع، فالجمع بين القرآن والشعر إخلال بالوظيفة النحويّة والبلاغيّة للعطف من حيث الترتيب والتعاقب، فتقنيّات العنونة تقتضي الدقة، فيتقدّم الجوهري عن الثانوي والمركزي عن الهامشي، فالقرآن بتشريعاته أوّلًا ثم بأسلوبه، فمقتضيات السياق تحدّد منطقيّة الثنائيّة بين الدال والمدلول، فثورة القرآن كانت في تشريعاته السامية والإنسانيّة التي أخرجت الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، بأسلوب ورؤية أعادت للإنسان وجوده وكينونته.

مرحلة البلاغة؛ الإعجاز القرآني والبيان النبوي

لا يقصد الكاتب بهذا العنوان تبيان قيمة البلاغة القرآنيّة وأثرها في المنظومات الثقافيّة والعقائديّة وقدراتها في توظيف آليّاتها في الحجاج والإقناع في سبيل تبليغ الدعوة، كما أنَّه لم يرمِ إلى توضيح وتأكيد بلاغة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في المحاججة بالتي هي أحسن، من خلال استخدامه تقنيّات الحوار وآليّاته العقلانيّة في المنطق والتسامح واحترام الاختلاف أو من خلال تبيان جماليّات صياغة الأحاديث النبويّة الشريفة، من حيث اختيار الألفاظ، واسترسال العبارات دون تكلّف وصنعة لفظيّة.

إنَّ الرسالة المعرفيّة المقصودة بمرحلة البلاغة تقع كمعادل موضوعي لمرحلة الشعر السابقة، وبهذا التقسيم مخالفة مطلقة وقطيعة واضحة مع تصنيفات علوم القرآن وأصوله. ويمكن تبرير هذا التقسيم بإيمان الكاتب بالتصوّرات والرؤى الثابتة في مرجعيّات المركزيّة الغربيّة عامة، والمكتبة الاستشراقيّة خاصّة، بنفيها صفة الإلوهيّة عن القرآن الكريم.

 يقسم الباحث القرآن المكّي إلى قسمين، وهو الأمر الذي لم يثبت في كتب السيرة وعلوم القرآن «القسم الثاني من القرآن المكّي يختلف عن أوّله، فشعلة الشعر لم تستمر طويلًا، فنجدها قد زالت وانتهت»[47] يعتقد الباحث أن سبب انقراض الشعر من هذه المرحلة ضرب من الاستراتيجيّات الجديدة والحيل الذكيّة التي ينتهجها محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) للتمكين لأفكاره وانتشار دعوته، فيستغل تكوينه الأدبي واللغوي لإنتاج خطاب بلاغي جديد، يتماشى مع تقنيّات السرد، خاصة وأنَّ هذا القسم هيمنت عليه الأساطير اليونانيّة وقصص الأنبياء القدماء «وقد شكّلت الأساطير اليهوديّة نصف القسم الثاني من الفصول (السور) المكيّة»[48].

يعتبر بعض المستشرقين الوحي عبارة عن صرع وحالة هستيريّة تنتاب محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ليشرّع وفق مبادئه قوانين وتعاليم جديدة تخالف ثقافة بيئته ونشأته الاجتماعيّة، وهو ما ذهب إليه المستشرق المجري جولد تسيهر (Ignaz Goldziher) (1850-1921)[49] وحتى غوستاف لوبون (Gustave Le Bon) (1841-1931) صاحب موسوعة (حضارة العرب) يعتقد بأنَّ محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) صاحبته حالات نفسيّة مضطربة تدفعه للاعتقاد بوحي الله له «ويجب عدّ محمّد من فصيلة المتهوسين من الناحية العلميّة كأكبر مؤسّس الديانات، ولا أهمية لذلك فلم يكن ذو المزاج البارد من المفكّرين هم الذين ينشئون ويقودون الناس، وإنما أولو هوس هم الذين مثّلوا هذا الدور، وهم الذين أقاموا الأديان، وهدموا الدول، وأثاروا الجموع وقادوا البشر، ولو أنَّ العقل لا الهوس هو الذي يسود العالم لكان للتاريخ مجرى آخر» [50]. والمستقرئ لتراث الاستشراق في تعامله مع القرآن والسيرة والنبوّة يعثر على قواسم مشتركة تتلخّص جميعها (أو في معظمها) في إنكار الوحي والإصرار على التأليف المحمّدي بالإلهام تارة، والاقتباس في مواضع أخرى «إنَّ جميع المستشرقين أو معظمهم ينكرون نبوّة الرسول العربي والوحي الإلهي الذي نزل عليه، ويعتبرون القرآن من تأليفه أو تأليف الصحابة، وكثيراً ما كانوا ولا يزالون يستخدمون المنهج التاريخي لتفسير الفكر الإسلامي ومبادئه ومعتقداته. ويصرّون دومًا على منهج التأثّر والتأثير، يحاولون قصارى جهدهم إرجاع الدين الإسلامي إلى عناصر داخليّة وخارجيّة بعيدة عن المحتوى الإسلامي الصحيح»[51].

جانبَ الباحث الصواب في نسبة القرآن المكّي لبلاغة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) معتمدًا على تكوينه البياني في حواراته وخطبه وتفسيره لآيات القرآن وتنظيمه لتشريعات المعاملات بين المسلمين وغيرهم، ولكن بلاغته المشهود بها كما يقول الجاحظ «وهو الكلام الذي قلّ عدد حروفه وكثر عدد معانيه، وجلّ عن الصنعة، ونزّه عن التكلف... وقد عاب التشديق، وجانبَ أصحاب التقعيب»[52].

وقصص القرآن المكّي جاءت للموعظة واستنباط الدروس، كإثبات حقيقة الوحي والرسالة، وتصديق للأنبياء السابقين وإحياء لدعوتهم ولبيان نعم الله وفضائله عليهم، بالإضافة إلى كشف الزيف والتحريف الذي ارتكبه أهل الكتاب، وبيان وحدة الوحي الذي يعبّر عن التماسك النصّي والانسجام العقلاني في ترتيب الأحداث وصياغتها ضمن نسق فني جمالي رصين ينفي التناقض والتضاد كما يدّعي الباحث «ساهمت القصص السرديّة التي عرضها (الرسول) في وقوعه في تناقضات عديدة»[53]. أما القرآن المكّي فيتميّز بموضوعاته التي يغلب عليها الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله، وذكر القيامة والجنة والنار ومجادلة المشركين بالحجّة والبرهان الواقعي، كما يفضح أعمالهم من سَفْك للدماء، وأكل أموال اليتامى، ووأد البنات.ومن الناحية الفنيّة يمتاز بقوّة الألفاظ مع قصر الفواصل وإيجاز العبارة، في حين تستند الحجيّة والبرهنة على سرد قصص الأنبياء لتبيان معاناتهم مع أقوامهم؛ لإثبات نصرة الله لرسالته ولأنبيائه الذين اصطفاهم.

مرحلة الحجاج؛ تشويه منهج التأويل

يعتقد المتلقي وهو يلج هذا المبحث قارئًا حصيفًا، بعثوره على نقد علمي مؤسّس على الحجاج العقلاني، ولكنه يصطدم في هذه الجزئيّة البسيطة من البحث والدراسة، بتكرار مبتذل لنقد مضمون القرآن المكّي في قسمه الثالث، كما يروق للباحث تقسيمه، معتقدًا أنَّ هذا الجزء قد تخلّص نهائيًّا من الشعريّة والنظم، والانتقال إلى النثر بأسلوب بسيط خافت وفاتر، غير مثير «في القسم الثالث أو في المرحلة الأخيرة من الفصول المكيّة، نعثر على الخصائص الفنيّة للقسم الثاني (البلاغة) ولكن بأسلوب باهت وضعيف»[54]. فالحجاج لغةً كما جاء في لسان العرب في مادة (ح ج ج) هو «يقال حاجَجْتُه أُحاجُّه حِجاجًا ومُحاجَّةً حتى حَجَجْتُه أَي غَلَبْتُه بالحُجَجِ التي أَدْلَيْتُ بها ..والحُجَّة البُرْهان«[55] وفي الاصطلاح البلاغي والنقدي فإن الحِجاج هو »إذ حدُّ الحِجاج أنَّه كل منطوق به موجّه إلى الغير؛ لإفهامه دعوى مخصوصة يحقّ له الاعتراض عليها«[56] وهو أيضًا «عمليّة اتصاليّة يستخدم فيها المنطق logic  للتأثير في الآخرين»[57].

إنَّ المستعرض لأفكار هذا المقال لا يعثر على أيّة صفة للحِجاج والجدال بنماذجه المتعدّدة وتجليّاته المختلفة، سواء تعلّق الأمر بمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ومناظراته وحواراته وإجاباته عن أسئلة قريش الطبيعية، أو بتلك التي استقاها من أهل الكتاب لخلخلة إيمان الرسالة الجديد، كما تجاوز الباحث عن إبراز حِجاج القرآن الكريم الذي لو يقتصر على إقامة حجّته وبراهينه على طريقة واحدة وأسلوب محدّد وثابت، بل تنوّعت الوسائل لتلائم مستويات العقول والفروق الفرديّة في الإدراك والحالات النفسيّة لكل زمان ومكان ولكل عرق وثقافة وخصوصيّة. فجاءت سياقات الحِجاج متعدّدة التمظهر من مناظرة وجدال وقصص قرآني حكيم البنية، جماليّ الصياغة وفنيّ الحبكة.

افتقدت مقاربة الكاتب إلى الموضوعيّة، فهو لم ينتبه إلى هذه الأساليب الحِجاجية وأنكرها معلنًا «لم يكن محمّد عقلانيًّا ولا منطقيًّا في أطروحاته، وليست له إمكانات الحِجاج، فهو لا يمتلك سوى آليات الأسلوب البليغ»[58].

إن الاستفاضة في عرض ورود مصطلح «الحِجاج» في القرآن والسنّة يدرك المستويات الدلاليّة والمنطقيّة التي تبناها الخطابان في الوصول إلى غاية الإقناع وتثبيت مصداقيّة الدعوة، فقد جاءت مادة (ح ج ج )  ومشتقّاتها في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ومتعدّدة وبمختلف الصيغ (حاجَّ، حاجَّك،حاجَّهُ، حاجُّوك، حاججتهم، تحتجون....) وكذلك بمعانٍ قريبة ومتقاطعة مع الدلالة المركزيّة والسياقات اللفظيّة، كالجدل والمخاصمة والمراء والتحاور والمنازعة والخلاف وغيرها.

ولجهل الكاتب بالخصائص البلاغيّة للحِجاج فإنَّه يعتقد بأنَّ «غياب أخبار الملوك والأنبياء في القسم الثاني من القرآن المكّي بعدما كانت تشكّل فهرسًا له، بالإضافة إلى ضعف مظاهر السحر والشعر، التي كانت ترهق  القارئ، وعلى العموم فإنَّ هذا القسم هو الجزء الأقل أهمية في مجموع وكليّة القرآن المكّي»[59].

إنَّ الخبر السردي في القرآن الكريم يأتي وفق بنية إعجازيّة وظيفيّة، تنتقل من خدمة الرسالة وتدعيمها لتصل إلى هرم الجماليّة بتصويرها الفني وبنائها للأحداث وأسلوبها التقريري ومميّزات حوارها. فالحضور والغياب يخضعان لاستراتيجيّات إلهيّة مقدّسة تتجاوز تصوّرات القصور في العقل البشري، قال تعالى: (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود، 120). وأمَّا الحِجاج في القرآن الكريم فحضوره كمصطلح ومفهوم، معبّر عنه بصيغ وأشكال وأساليب، تخضع لآليّات السياق والموقف، ولعلَّ أهمّها الحوار الذي يهدف إلى الإقناع بالبراهين والأدلة العقليّة الطبيعيّة، والكونيّة والفطريّة.

مرحلة الخطبة والوعظ([60])؛ أزمة المصطلح

تبقى مسألة ضبط المصطلحات من الإشكالات العميقة والمركزيّة في البحث، ذلك أنَّ ترجمة المصطلح الإسلامي تفتقد إلى الدقة العلميّة عامة، واللغويّة خاصة، مما يثير قضايا التحيّز وإثارة الشبهات وترويج المغالطات ونشر الأباطيل. فالعديد من المصطلحات جانبت تحقيق الدلالة المطلوبة والمتطابقة مع المرجعيّة الدينيّة الإسلاميّة، سواء تلك المتعلّقة بالقرآن الكريم أو بالسنّة النبويّة الشريفة.

فالهجرة ليست فرارًا (fuite)[61] فهي رحلة توقيفيّة بالتفسير العقائدي الإيماني الإسلامي، وهي التحاق بالأصحاب والمستجيبين للدعوة في بداياتها، وهي أيضًا انتقال بالدعوة إلى فضاءات أوسع سعيًا للانتشار الواسع، وبالتالي فهي قريبة اصطلاحاً من (rattrapage) (التحاق) أو (regagnement) (تجمع) أو
(retro uvaille) (جمع الشمل ولمه).

كما أنَّ الدين الإسلامي ليس المحمّديّة (mahométisme)[62] ذلك أنَّ الدين الإسلامي دين سماوي وما محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) إلا نبيٌّ مرسل اصطفاه الله ليؤدّي الرسالة بتوجيه ربّاني، وتنتهي مهمّته بإيصال الرسالة وتبليغها.

والإسلام رسالة عالميّة وإنسانيّة ليست محدّدة بعرق أو سلالة أنثربولوجيّة دون غيرها، لذلك فمصطلح شعبه (son peuple)[63] توحي برؤية محدّدة تهدف إلى ربط الإسلام في طائفة بعينها وعرق بعينه، وهو الأمر الذي يخالف تاريخ الانتماء للإسلام في بداية الدعوة، فقد استجاب الفارسي والعربي والرومي وغيرهم لما رأوه من صواب وعقلانيّة اتزان في التشريع.

لم يتمكّن الباحث من التخلّص من هاجس تقسيم القرآن الكريم وفق تصوّرات ورؤى ذاتيّة وأيديولوجيّة متحيّزة ومنحرفة لا تقوم على منطق ولا تستند إلى ضوابط علميّة وموضوعيّة، فبعد مرحلتي الشعر والبلاغة، ينتقل إلى تقسيم القرآن في مرحلته المدنيّة إلى فلسفة المعاملات وبناء العلاقات الاجتماعيّة والدينيّة مع الطوائف والمذاهب وأصحاب المعتقدات المناوئة للإسلام، من نصرانيّة ويهوديّة ومريدي الملل والنحل. فيرى أن محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكتسب بحكم ثقافته العربيّة المحدودة والمقيّدة بالعادات والتقاليد البالية تجربة تؤهله للتعامل مع الآخر/ المختلف وثقافة الغيريّة، وهي مكتسبات تحول دون إقامة علاقات سياسيّة دوليّة ومعاملات عادلة مع المختلفين «لم يكتسب محمّد فن تسيير الاختلاف، فهي مهمّة صعبة»[64].

يثبت تصفّح السيرة المعطّرة العثور على أخبار وأحداث ومعاهدات أبرمها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مع اليهود وغيرهم، ولم يخل بالعهود والمواثيق رغم المكائد والمضايقات، وغرضها العام وغايتها السامية الإعلاء من شأن القيم الإنسانيّة والأخلاق الأساسيّة، فالعدل، والحرية، والمساواة، والصدق، والعفّة، وكلها قيم حضاريّة تشترك فيها الأديان والحضارات، بالإضافة إلى الإقرار بأنَّ الاختلاف بين بني البشر في الدين واقع بمشيئة الله تعالى؛ فقد حرَّم القرآن الإكراه على الدين، فالشعوب والأقليّات خُلقت ووجدت للتعارف والتعايش والتعاون.

في حين أنَّ أسس وأصول التشريع الإسلامي الجوهريّة القرآن الكريم، ومصدره إلهي، سواء ما تعلّق بالعبادات والمعاملات والأحكام المتنوعة التي تشمل الحياة السياسيّة والاجتماعيّة وغيرها، أو بضبط أسس العلاقات الدوليّة والتعامل مع أهل الذمّة...، ولكلّ هذه التشريعات مقاصد سامية تهدف إلى حفظ النفس والعقل والمال والنسل وغيرها، والوظيفة الرئيسة لنبي الإسلام محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) تتمثّل في تبليغ الشريعة الإسلاميّة والدعوة إليها من خلال التبيين والشرح والتفسير، إلى جانب صلاحيّة التشريع في الفروع والتفاصيل في بعض القضايا، والتي فوّض أمر التشريع فيها إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كما ورد في الروايات الشريفة، وليس الأمر كما يدّعي الباحث في قوله: «نرى في القسم الثاني من القرآن محمّدًا ملكاً ومُشرِّعاً»[65] وتشريعه مجرّد تشريع محلي يخصّ عرقه العربي وقبيلته قريش «لقد لاحظنا في القسم الأول من القرآن رجلًا (محمّد «ص») مناضلًا يبيّن لشعبه خطأه الكبير في العقيدة، ويدعوه إلى عبادة الله الواحد الأحد»[66].

ومن خصائص تشريعات محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّها مرتبطة ببيئة عربيّة تمتاز بالوحشيّة والبربريّة «تمثِّل قوانين القرآن تعديل لعادات شعب فظ، غير مثقّف، وهي تشريعات لا يمكن تطبيقها على بقيّة الأمم؛ لأنها أكثر تطورًا ونضجًا»[67].

والواضح أنَّ الباحث لم يكلّف نفسه عناء دراسة التّشريعات الإسلاميّة بشكل علمي شفّاف، وبعيد عن الخلفيّات الفكريّة والفلسفيّة التي يحملها، لأنه بنظرة مركّز نسبيًّا يستطيع أن يدرك عمق وشموليّة وتطوّر ورقيّ التشريعات الإسلاميّة، فالدين الإسلامي مصدره الخالق العظيم الذي خلق الإنسان والكون بما فيه، وكونه إلهي المصدر يعطيه العديد من المزايا، منها أنَّ الله هو الخالق وهو الرّازق؛ فهو وحدهُ من يملك حقّ التشريع، وقد كان الأنبياء وأتباعهم يسندون التشريع إلى الله تعالى وحده، ويبطلون كلّ تشريع سواه، فقد حكى الله تعالى عن خاتم أنبيائه ورسله ما قاله تجاه شرعه (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) [الأحقاف: 9]، فرسول الله -مع شرف منزلته وعلوّ قدره عند الله- متّبع لشرع الله تعالى الموحى إليه، وليس مبتدعًا، ومقتفيًا لمنهجه وليس مخالفًا له، وكون الله سبحانه هو الخالق فهو أعلم بمن خلق، قال تعالى:( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14] وهو أعلم بفطرة عباده، وما يصلحهم وما يفسدهم، أعلم بما ينفعهم وما يضرّهم، وليس أحدٌ غيرُ الصانع أعلم منه بصنعته، قال تعالى:( قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ)[البقرة: 140]، وكون الله سبحانه هو المشرِّع، فهذا يعطي التشريع مطلق العدل والصواب، فحاشا لله سبحانه أن يحابي عبدًا من خلقه على حساب عبدٍ آخر، كما أن العقوبات في الإسلام عقوبات دنيويّة وأخرويّة، فمن لم يأخذ حقَّه في الدنيا لسبب من الأسباب، أو من لم يعاقب على سوء عمله في الدنيا، فسوف يلقى جزاءه في الآخرة.

وتتجاوز النظم والتشريعات والقوانين التي أقرَّها القرآن الكريم حدود القوميّة والجغرافيا الثقافيّة لتُحلِّق في آفاق الإنسانيّة، بمقاصدها النبيلة ومحافظتها على حقوق الإنسان في العبادة والعمل دون تمييز متّصل باللون والجنس. فامتيازها بالشموليّة والمرونة ومخاطبتها للفطرة، جعل منها ملاذًا ومأوى لكل عقل ووعي مستقيم. فقاعدة التشريع الإسلامي «حيثما وجدت المصلحة فثمَّ شرع الله»، أما الاختلاف فمسألة فطريّة وطبيعيّة في الكون والإنسان، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة، 48).

قوانين القرآن؛ بين سوء الفهم وضعف الإدراك

الأصول المعرفيّة للفكر الاستشراقي ودورها في تسيير الأبحاث القرآنية من حيث المنهج والمقاربة والتأويل، فكان إنكار النبوّة ونفي نزول الوحي من المرتكزات الأساسيّة لإدارة عمليّات التقويم والتحليل والنقد للسنّة النبويّة، فالباحث يستشعر انطلاقًا من القراءات الأوليّة لأي مشروع استشراقيّ تناول ثيمة القرآن الكريم، الإفراط في إعادة العموميّات من الموروث الأدبي والديني والفلسفي لفكر القرون الوسطى ومرحلة الأنوار وتكرار الشبهات من صور نمطيّة وأحكام جاهزة. فمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) شاعر بليغ يتلاعب بالأساليب الخطابيّة، منوّعًا بينها بما يتماشى مع مقتضيات الزمان والمكان، ففلسفته تعتمد على سلطة النصّ وقوّة اللفظ في التأثير في الناس، فالتنويع والتغيير مقتضيات ضروريّة للانتشار والإقناع «يغلب على القسم الأكبر من القرآن المدني الطابع الخطابي والقانوني... وعلى الرغم من تنوّع الموضوعات والكشف عن بعض الجزئيّات التي تبقى هامشيّة وغير مهمّة، فإنَّ جذوة بلاغة الرسول لم تخفتْ ولم تنطفئ، رغم ثقل الأسلوب وغموضه»[68].

يؤدّي عدم الإلمام بالخصائص البلاغيّة للغة العربيّة إلى استصدار الأحكام الاعتباطيّة، فاختلاف الأسلوب القرآني يخضع لآليات فنيّة، ومنها التلوين البلاغي.

إنَّ التلوين في بُنى الخطاب القرآني من مظاهر إعجازه، وهي ظاهرة أسلوبيّة لها أغراضها البلاغيّة وأسرارها البيانيّة، وهي تحدٍ إلهي للبشر في أن يحاكوا أقصر آياته، فالصيغ الواردة في سور القرآن حول المفرد والمثنى والجمع على سياقات مختلفة حسب مقتضيات المقام.

تفتقر نزعة الباحث في تعرّضه للقوانين الواردة في القرآن الكريم إلى المصداقيّة من حيث العديد من الأبعاد، ولعلّ أبرزها العنوان الذي لا يعكس المضمون البحثي والمعرفي، وفي الرؤية المتناقضة التي هيمنت على الطرح والمقاربة، وأوّلها التمييز بين التشريع القرآني والتشريع المحمّدي «من الأهميّة ضرورة الاهتمام بدراسة القسم القانوني المنصوص عليه في القرآن، من خلال موازنتها مع القوانين العامة لدين محمّد المصنوع من طقوس معقّدة ومؤلمة مقرّرة عقوبات تتجاهل الأسباب والملابسات والدواعي [69]» والحقيقة ما كان محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) إلا شارح ومفسّر قولًا وفعلًا لتعاليم إلهيّة مقدّسة، لا يجتهد في تأويلها إلّا بإذن مرسلها بوساطة روحه الأمين.

والقاعدة الفقهيّة الإسلاميّة ترتكز على أنَّ الحدود في العقوبات لا يتم تطبيقها إلا بعد القضاء على أسبابها ودوافعها الماديّة والمعنويّة، كما تخضع عمليّات تنفيذ العقوبات إلى الأخلاق الإنسانيّة والقيم الأخلاقيّة التي تحول دون التنكيل والتشهير ممارسة ماديّة أو لفظيّة، وهو ما دفع إلى تقاطعها مع مبادئ حقوق الإنسان وخروجها من فضاء المحليّة إلى رحاب العالميّة.

ويتواصل تناقض الباحث حول التشريع القرآني، فهو من صنع محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) يستجيب لسياسته كقائد حاكم، انتقل بحكمه من مكّة إلى المدينة، وفي المقابل يقرُّ بأن القرآن كامل وشامل، لم يترك للرسول إمكانية التشريع «بالتأكيد لم يكن لدى محمّد الرغبة في صنع قانون جديد للفقه، لفرضه على مؤيّديه في شكل طقوس صارمة وشديدة، فهو لم يستصدر قرارات قانونيّة إلا في حالات ومناسبات نادرة، حدث فيها تصادم مع الآيات الشرعيّة في القرآن، لأنَّ الآيات القرآنيّة المدنيّة أجابت عن كلّ الأسئلة»[70].

 يذكر الباحث في جزئيّات بسيطة وسطحيّة إقرار القرآن الكريم لبعض العبادات كالصلاة والتوحيد، دون التطرّق إلى الحكمة منها، والمقصديّة الإلهيّة من أداء العبادات ونبذ الشرك، وهي الأسس العامة التي أخرجت الإنسانيّة من ضيق العباد والأشخاص إلى رحابة التوحيد الإلهي، ومن الطقوس العباديّة الشكليّة إلى روحانيّة العبادة النقيّة الخالصة والواعية.

ولكنه يعود إلى نقد تشريعات القرآن فيرى أنها تفصيليّة وشاملة في العبادات، ومقتضبة وعامة في القوانين المدنيّة «ليست القوانين المدنيّة الواردة في القرآن دقيقة، كما هو شأن القوانين المتعلقة بالطقوس الدينيّة. فقانون الزواج مثلًا يتطلّب تفسيرات أكثر؛ لأنه عبارة عن لوائح وتوصيات فقط»[71].

وينتقد الباحث أنظمة الطلاق والميراث، ويرى أنها بسيطة وسطحيّة لا تتماشى مع الظروف والمجتمعات المتطورة.

غابت الثقافة الواسعة والموضوعيّة في معالجة العديد من القضايا التشريعيّة التي أقرّها القرآن الكريم، وكشفت عن محدوديّة الاطلاع عن تشريع عالمي وإنساني يتّسم بالكمال والشمولية والمرونة وملاءمته لكل البيئات والفضاءات مع إمكانات التطويع والاجتهاد.

تصنيم المرجعيّة

جمع الباحث ملاحظاته حول القرآن والرسالة النبويّة في خلاصة مقتضبة، امتازت بتجليّات الرؤية الماديّة الفاقدة لأصول العقيدة والبعد الروحي، فالأديان أساسها الإيمان الروحي وصفاء النفس وإخلاص الذات. فنزوع الفطرة نحو الخلاص والنجاة يقتضي الإيمان المطلق بوحدانيّة الخالق الذي لا يُشرِّع سواه لمصلحة المخلوق ومنفعته.

ولكنْ باعتبار القرآن كتابًا بشريًّا مؤلَّفًا وفق مقتضيات سوسيو-سياسيّة؛ لرفع رهانات شخصيّة وتحقيق مآرب ذاتيّة تتعلق بمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) كحاكم جديد
(Nouveau gouverneur) لجزيرة العرب، أفقدت الدراسة قيمتها وأفقرت الخطاب أبعاده المعرفيّة وآفاقه النقديّة، فجاءت الخاتمة تكرارًا ساذجًا وسطحيًّا لأفكار شكّلت مكتبة مناظرات وجدليّات فكر الأنوار الأوروبيّة فترة اكتشافاتها الأوليّة للنصّ القرآني أوّلًا، وتعليمات الإسلام عامّة.

وقد ركّز الكاتب في خلاصته على إبراز الأفكار الآتية:

« يمكن مقارنة قوانين القرآن المدني بأسفار موسى والإنجيل[72]».

«لا يعتمد أتباع محمّد على القرآن وحده، بقدر استنادهم على مرجعيّات أخرى[73]» يدعم الكاتب فكرته في اجتهاد معاذ بن جبل في حواره مع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) حين أرسله اليمن[74].

يعتقد الباحث أنَّ «الاختلافات الكبيرة في فهم الإسلام أنتجت الفرق المذهبيّة والفقهيّة[75]».

«القرآن ليس القاعدة التشريعيّة الوحيدة، فهناك من المسلمين الآن مَن لا يجد فيه شيئًا مناسبًا لعالم اليوم[76]».

«يكشف القرآن عن بصمة مؤلفه[77]».

على الرغم من تاريخ الاستشراق الطويل نشأة وبحثًا، وثراءِ مكتبته الأكاديميّة بالعديد من المؤلفات، وتنوّع المناهج النقديّة ودخول المقاربات والأطروحات فضاءات الحداثة وما بعدها، إلا أنَّ الشبهات ذاتها المثارة منذ البدايات الأولى في التعامل مع القرآن الكريم ما تزال قائمة، حضورًا مركزيًّا وجوهريًّا، فمسائل وقضايا خلق القرآن وإنكار النبوّة والوحي، والاقتباس من الموروث اليهودي والنصراني تشكّل أساسيّات البحوث، بالإضافة إلى موضوعات ميراث المرأة وتعدد الزوجات والاجتهاد وغيرها.

بقي الباحث أسيرًا للمنجز الاستشراقي من حيث الثيمات والمنهج والمعجم والمكتبة البحثيّة بموسوعاتها الفكريّة والثقافيّة ومناهجها في التحيّز والتطرف.

خاتمة

لا يُغفر للباحث أخطاؤه وانزلاقاته الفكريّة، نظرًا لإتقانه اللغة العربيّة واحتكاكه بالعرب ومجادلتهم، بالإضافة إلى الرصيد اللغوي الذي اكتسبه من بيئته العائليّة، والتي تمكّنه من ضبط المصطلحات وتأهيلها للمحمولات الدلاليّة المقصودة بدقّة.

وحقيقةً يُشكِّل مَوضوع تحديد المفاهيم والمصطلحات أهمَّ الانشغالات والإشكالات المهمة والحاسمة في مجال البحث العلمي، ذلك أنَّه إذا كانت الرُّموز والمصطلحات في مجال العُلوم التجريبيَّة والتقنيَّة تتَّسم غالبًا بالثَّبات والحصر والوضوح والاستمراريَّة، فإنَّ الأمر يختلف تمامًا في ميدان العلوم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، حيث تُشحن المصطلحات والمفاهيم بدلالاتٍ متشابهةٍ حينًا ومتباينةٍ إلى متناقضةٍ في أحيانٍ أخرى، وكثيرًا ما يتولَّد عن الانتشار الكبير والكثير للتعريفات فوضى واضطرابٌ والتباسٌ في تبنِّي مفهومٍ معينٍ أو تصورٍ ذهنيٍ. بالإضافة إلى الرَّصف العشوائي للمفاهيم والمصطلحات واستنساخ بعضها من بيئات وفضاءات حضاريَّة لها خصوصيّاتها الحضاريّة المميَّزة والخاصَّة، فتسبّب عملية الارتحال التحيّزات المعرفيّة.

إنَّ الأدلجة بمختلف تمظهراتها الدينيّة والثقافيّة والسياسيّة، تحجب الدلالة الدقيقة، وتشوِّه المصداقيّة العلميّة والتوثيق التاريخي، كما أنَّ إسقاط مصطلحات ومفاهيم ثقافيّة ودينيّة، تنتمي إلى بيئات ومرجعيّات مغايرة ومختلفة وأحيانًا متناقضة، واستعارتها واستيرادها من أصولها ومنابتها الطبيعيّة، يؤدي إلى إنتاج فكر مستهجن معرفيًّا بتجاوزاته وتحريفاته وانحرافاته المنهجيّة والعلميّة.

لقد كان الباحث مُخلصًا وفيًّا للمكتبة الاستشراقيّة ومرجعيّاتها الفكريّة ومناهجها في التعامل مع القرآن، فجاءت مقارباته موافقة للأصل من حيث المعجم اللغوي والمنهج التحليلي/ التأويلي، والتشويه الديني والتاريخي في إنكار النبوّة والوحي وتقسيم القرآن، بالإضافة إلى انتقاء الشواهد الوظيفيّة من صور ومشاهد وأحاديث لإقرار نمطيّة أفكار جاهزة.

لائحة المصادر والمراجع

أوّلًا: المصادر

1. Stanley Lane-Poole, Le Korân, sapoésie et seslois, Bibliothèqueorientaleelzévirienne n°34, Ernest Leroux Editeur, Paris, 1882.                              

ثانيًا: المراجع باللغة العربيّة

1- أبو علي احمد بن محمد الحسن المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، نشره أحمد أمين وعبد السلام هارون، ط 1،ج1، مطبعة لجنة التأليف، 1951، القاهرة  .

2- أبو عثمان عمرو بن بحر، الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيقعبد السلام هارون، مكتبة الخانجي القاهرة ج2، ط7، 1418ھ/ 1998.

3- أبو البقاء الكفوي، الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق عثمان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت.

4- الحافظ جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم،ج3، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1426هـ.

5- الإمام بدر الدين أبي عبد الله محمد الزركشي، (المتوفى سنة 794هـ) البرهان في علوم القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، 2012.

6- الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، 1430هـ-2009م، دار القلم، دمشق.

7- بشير تاوريريت، الشعرية والحداثة بين أفق النقد الأدبي وأفق النظرية الشعرية، ط1، دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، 2008، دمشق.

8- جمال الدين محمد بن مكرم أبو الفضل بن منظور الإفريقي، لسان العرب، مادة (ح ج ج) ط1، دار صادر، بيروت، 2000.

9- جميل عبد المجيد، البلاغة والاتصال، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، 2008.

10- حسن ناظم، مفاهيم الشعرية، دراسة مقارنة في الأصول والمنهج، ط1، 2003، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

11- مجد الدين الفيروز آبادي، القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف نعيم العرقسوسي، ط8، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت، 1426ﻫ/ 2005.

12- مصطفى السباعي، الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، مكتبة دار البافا، الكويت، 1968.

13- محمود بن حمزة الكرماني (المتوفى سنة 505ه) أسرار التكرار في القرن المسمى البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الفضيلة (د ت).

14- ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي، الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية،ج1، دار المدار الإسلامي، ط2، 2002، بيروت.

15- عصام شرتح، اللغة واللذة الشعرية عند وهيب عجمي، ط1، دار الخليج، 2019، عمان.

16- علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني، التعريفات، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1304ﮪ/ 1983م.

17- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة وتحقيق جورج تامر، ط1، 2000، دار نشر جورج المز، هيلدسهايم، -زوريخ- نيويورك.

18- طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ط1، المركز الثقافي العربي، الرباط، 1998.  

19- غوستافلوبون، حضارةالعرب، ترجمة عادل زعيتر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، (د ت).

ثالثًا: المراجع الأجنبية

1-  Académiefrançaise, Dictionnaire de l’académiefrançaise: revu, corrigé et augmenté, Volume 1,  J.J.Smiths et Ce,Paris

2- David Vinson, L’ORIENT RتVة ET L’ORIENT RةEL AU XIXE SIبCLE, Revue d’histoirelittéraire de la France, Presses Universitaires de France, 2004/ 1 Vol, 104.

3- Henri Meschonnic, Pour la poétique,, tome V, Poesie sans reponse, Edition Gallimard, Paris, 1978.

4- Olivier Christin (dir.), Dictionnaire des concepts nomadesen Sciences Humaines, Métailié, 2010,        .

5- Oswald Ducrot, Tzvetan Todorov, Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, Edition Seuil, Paris, 1972

--------------------------

[1][*]- باحث وأستاذ، جامعة تبسه، الجزائر.

[2]- David Vinson, L’ORIENT RتVة ET L’ORIENT RةEL AU XIXE SIبCLE, Revue d’histoirelittéraire de la France, 2004/ 1 Vol, 104, p, 72.

[3]- عصام شرتح، اللغة واللذة الشعرية عند وهيب عجمي، ط1، دار الخليج، 2019، عمان، ص16.

[4]- الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، 1430هـ- 2009م، دار القلم، دمشق، ص55.

[5]- الإمام بدر الدين أبي عبد الله محمد الزركشي، (المتوفى سنة 794هـ) البرهان في علوم القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، 2012، ص310.

[6]- Oswald Ducrot,Tzvetan Todorov, Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, Edition Seuil, Paris, 1972, p,108

[7]- بشير تاوريريت، الشعرية والحداثة بين أفق النقد الأدبي وأفق النظرية الشعرية، ط1، دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، 2008، دمشق، ص13.

[8]- حسن ناظم، مفاهيم الشعرية، دراسة مقارنة في الأصول والمنهج، ط1، 2003، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص16.

[9]- أبو علي أحمد بن محمد الحسن المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، نشره أحمد أمين وعبد السلام هارون، ط 1،ج1، مطبعة لجنة التأليف، 1951، القاهرة، ص9.

[10]- مجد الدين الفيروز آبادي، القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف نعيم العرقسوسي، ط8، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت، 1426ﻫ/ 2005، باب النون، فصل الباء، ص1182.

[11]- الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، البيان والتبيين، تحقيق فوزي عطوي، ج1، مكتبة الطالب وشركة الكتاب اللبناني، بيروت، 1968، ص55.

[12]- علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني، التعريفات، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1304ﮪ/ 1983م، ص47.

[13]- أبو البقاء الكفوي، الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق عثمان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص231.

[14]- Henri Meschonnic, Pour la poétique,, tome V, Poesie sans reponse, Edition Gallimard, Paris, 1978, p, 137.

[15]- مجلة مدينة إيدمبورغ (Edinburgh) البريطانية صدرت ما بين سنوات 1802-1920 وكانت من أقوى المجلات الإنجليزية وأكثرها تأثيرًا في الرأي العام.

[16]- وهما الإخوة دانييل (Daniel) و (Alexander) صاحبا دار ماكميلان للنشر (Macmillan Publishers) للنشر التي تأسست سنة 1843.

[17]- ألبير إيتيانتيريان (Albert ةtienne Jean Baptiste Terrien de Lacouperie)، مستشرق فرنسي متخصص في الفيلولوجيا (فقه اللغة) المقارنة، وله مصنفات كثيرة حول اللغات الشرقية القديمة، وهو صاحب أطروحة الأصول الشرقية للصينيين التي أثارت جدلًا ومناظرات متعدّدة، وذلك من خلال اعتبارهم منحدرين من منطقة دجلة والفرات.

[18]- المدونة، ص5.

[19]- المدونة، ص5.

[20] - المدونة، ص6.

[21] - المدونة، ص8.

[22] - المدونة، ص6-7.

[23]- محمود بن حمزة الكرماني (المتوفى سنة 505ه) أسرار التكرار في القرن المسمى البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان، تحقيق عبد القادر أحمد عطا،، دار الفضيلة (د ت) ص22.

[24]- الحافظ جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم،ج3، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1426ه، ص199.

[25]- المدونة، ص7-8.

[26]- المدونة، ص12.

[27]- المدونة، ص16.

[28]- المدونة، ص16-17.

[29]- المدونة، ص21.

[30]- يقرُّ الباحث ناصحًا الراغبين في التوسع المعرفي حول تاريخ العرب والمسلمين بالعودة إلى مصادر استشراقية منها،كتب المستشرق الهولندي رينهارتدوزي (Reinhart Dozy) (1820-1883) صاحب كتاب»تاريخ المسلمين في الأندلس» في أربعة أجزاء (1861) و «معجم أسماء الثياب عند العرب» (1845) والمستشرق الفرنسي فلجانس فريسنل (Fulgence Fresnel) (1795-1855) صاحب كتاب «رسائل حول تاريخ العرب قبل الإسلام» (1837) وأعمال المستشرق الفرنسي أيضًا أرماند بيير كوسان دي برسفال (Armand-Pierre Caussin de Perceval) (1795-1871) صاحب الدراسة الموسومة ﺑـــ «بحث في تاريخ العرب قبل الإسلام» وفي عصر (النبي) محمد، إلخ ويقع في ثلاثة مجلدات (باريس، 1847).

[31]- Stanley Lane-Poole, Le Korân, sapoésie et seslois, ERNEST LEROUX, ةDITEUR, Paris, p,22

[32]- Olivier Christin (dir.),Dictionnaire des concepts nomadesen Sciences Humaines, Métailié, 2010, 461 p., EAN : 9782864247548.

[33]- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة وتحقيق جورج تامر، ط1، 2000، دار نشر جورج المز، هيلدسهايم، -زوريخ- نيويورك، ص6.

[34] - المدونة، ص24.

[35] - تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة وتحقيق جورج تامر، مرجع سابق، ص6.

[36] - المدونة، ص25.

[37] - تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة وتحقيق جورج تامر،مرجع سابق، ص6.

[38]- مصطلح الليتورجيا، كانت هذه الكلمة تعني في اليونان القديم وخاصة في أثينا أي عمل عام أو خدمة عامة تعود بالفائدة على الشعب ولمصلحته. ومن ثمّ أخذت هذه النقطة مدلولًا دينيًّا فأخذت تعني أيّة عبادة شعبيّة أو خدمة للآلهة، ثم دلت على الخدمة الدينيّة اليهوديّة، كما استعملت الكلمة في لغة الكنيسة الشرقية من طرف الآباء القدّيسين أو الكتّاب المسيحيّين، للتعبير عن العبادة المسيحيّة، وبشكل خاص عن الطقس الكنسيّ الأساسي ألا وهو سرّ الأفخارستيا.

أما الهاجادا (Haggadah) هي تراث يهودي مكتوب بنفس نمط قصص ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وهي قصص تاريخية مصبوغة بصبغة أسطورية وروايات وأحداث خرافية ولكنها منسوبة لأنبياء العهد القديم بالكتاب المقدس.

[39]- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة وتحقيق جورج تامر، مرجع سابق، ص9.

[40]- المدونة، ص24.

[41]- المدونة، ص25-26.

[42]- المدونة، ص23.

[43]- المدونة، ص24.

[44]- المدونة، ص24.

[45]- المدونة، ص24.

[46]- قال السيوطي في الإتقان عن أبي القاسم النيسابوري في كتابه «التنبيه على فضل علوم القرآن» قوله:

“من أشرف علوم القرآن علم نزوله، وجهاته، وترتيب ما نزل بمكة والمدينة، وما نزل بمكة وحكمه مدني، وما نزل بالمدينة وحكمه مكيّ، وما نزل بمكة من أهل المدينة، وما نزل بالمدينة في أهل مكة، وما يشبه نزول المكي في المدني، وما يشبه نزول المدني في المكي، وما نزل بالجحفة، وما نزل ببيت المقدس، وما نزل بالطائف، وما نزل بالحديبية، وما نزل ليلًا، وما نزل نهارًا، وما نزل مشيعًا، وما نزل مفردًا، والآيات المدنيات في السور المكية، والآيات المكيات في السور المدنية، وما حُمِلَ من مكة إلى المدينة، وما حُمِلَ من المدينة إلى مكة، وما حُمِلَ من المدينة إلى أرض الحبشة، وما أنزل مجملًا، وما نزل مفصّلًا، وما اختلفوا فيه فقال بعضهم مدني وبعضهم مكي، فهذه خمسة وعشرون وجهًا مَنْ لم يعرفها ويميِّزُ بينها، لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى” ينظر: الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي، الإتقان في علوم القرآن،ج1، تحقيق مركز الدراسات القرآنية، المملكة العربية السعودية (د.ت) ص43-44.

[47]- المدونة، ص34.

[48]- المدونة، ص39.

[49] - مصطفى السباعي، الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم،مكتبة دار البافا، الكويت،1968، ص20.

[50]- غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، (د ت) ص141.

[51]- ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي،الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية،ج1، دار المدار الإسلامي،ط2، 2002،بيروت، ص، 164

[52]- أبو عثمان عمرو بن بحر، الجاحظ،،البيان والتبيين، تحقيقعبد السلام هارون، مكتبة الخانجي القاهرة ج 2 ط 7  1418ھ /1998، ص ص،16، 17

[53]- المدونة، ص، 39

[54]- المدونة، ص42.

[55]- جمال الدين محمد بن مكرم أبو الفضل بن منظور الإفريقي، لسان العرب، مادة (ح ج ج ) ط1، دار صادر، بيروت، 2000، ص38.

[56]- طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ط1، المركز الثقافي العربي، الرباط، 1998، ص226.

[57]- جميل عبد المجيد، البلاغة والاتصال، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، 2008، ص105-106.

[58]- المدونة، ص42-43.

[59]- المدونة، ص42.

[60]- يوظف الكاتب في هذا القسم مصطلح (harangue ) التي يقابلها حسب معجم الأكاديميّة «منطوق أو ملفوظ أمام مجلس أو أمير سامٍ، نبيل وعالي المقام» يُنظر:

Académiefrançaise, Dictionnaire de l’académiefrançaise: revu, corrigé et augmenté, Volume 1, J.J. Smiths et Ce, Paris, p, 677.

[61]- المدونة، ص46.

[62]- المدونة، ص46.

[63]- المدونة،ص46.

[64]- المدونة، ص47.

[65]- المدونة،ص46.

[66]- المدونة، ص46.

[67]-  المدونة، ص49.

[68]- المدونة، ص53.

[69]- المدونة، ص55.

[70]- المدونة، ص55.

[71]- المدونة، ص58.

[72]- المدونة، ص61.

[73]- المدونة، ص62.

[74]- تروي كتب السيرة حادثة الحوار الذي جمع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حين أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا أَرادَ أنْ يَبعَثَ مُعاذًا إلى اليَمنِ، قال: كيف تَقضي إذا عَرَضَ لكَ قَضاءٌ؟ قال: أَقضي بكِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قال: فإنْ لمْ تَجِدْ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟ قال: فبِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فإنْ لمْ تَجِدْ في سُنَّةِ رسولِ اللهِ ولا في كِتابِ اللهِ؟ قال: أَجتهِدُ رأْيي ولا آلُو. قال: فضَرَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صدْرِه، وقال: الحمدُ للهِ الَّذي وَفَّقَ رسولَ رسولِ اللهِ، لِمَا يُرضي رسولَ اللهِ «ينظر: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الإحكام شرح أصول الأحكام،ج2، دار القاسم، الرياض، ص438.

[75]- المدونة، ص63.

[76]- المدونة، ص64.

[77]- المدونة، ص65.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف