البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

June / 13 / 2020  |  1896فهم العقل الغربي على ضوء أعباء الماضي وتحديات الحاضر

د. محمد حسن بدر الدين المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية خريف 1441هـ / 2019م
فهم العقل الغربي على ضوء أعباء الماضي وتحديات الحاضر

ملخّص البحث:

إنّ البحث اليوم في موضوع الغرب والإسلام هو استجابة طبيعيّة لضغوط الواقع ومتطلّباته، في ظلّ تصاعد موجات الإسلاموفوبيا وتنامي الأحزاب والجماعات المعارضة للتواجد الإسلاميّ في كثير من البلاد الغربيّة والأوروبيّة التي لم تعد تقبل بمبدأ التعايش وقبول الآخر المختلف. وقد أصبح كثير من المسلمين يشعرون بنوع من الاغتراب الحقيقيّ، يحسّون من خلاله أنّهم غير مرغوب بهم، وتحوّل ذلك الاغتراب إلى مخاوف وهواجس مستمرّة جرّاء الاعتداءات المعنويّة والماديّة، التي تعرّضوا لها من قِبل فئات لا تملك ثقافة القبول بالآخر بكلّ ما يعنيه المفهوم من شموليّة.

والبحث في موضوع الغرب والإسلام، هو ضرورة أيضًا لإزالة مظاهر سوء التّفاهم المتفاقمة، نتيجة تدهور العلاقة بين الغربيّين والمسلمين، فالصّورة لدى الطّرفين محكومة بمواريث وتصوّرات مغلوطة ومشوّشة مستمدّة من الماضي والحاضر، وإنْ كانت أحداث الحاضر تؤجّج الاستلهام من ذلك التّاريخ السّلبيّ، وتُعيد الحياة إلى تعصّب قديم، تُكرّس من خلاله الكراهيّة عبر صور نمطيّة بائسة كانت آخذة في التّلاشي وآيلة إلى الزّوال.

تقتضي منهجيّة البحث في هذا الموضوع الالتزام بجملة من الشّروط والأحكام الإجرائيّة والمفهوميّة، ومن أهمّها تحليل المصطلحات ووضعها في نسقها التاريخيّ والحضاريّ، والإجابة عن أسئلة جوهريّة وإشكاليّة من قبيل: لماذا لم يتحرّر الغرب من سلطة الكنيسة وهواجس التاريخ، في نظرته إلى الإسلام والمسلمين إلى اليوم، على الرغم من الثّورات العلميّة والدينيّة والحقوقيّة التي قام بها؟ لماذا ظلّ خاضعًا لمقولات ومفاهيم جاهزة تأسّست في ظلّ الرّوح الصليبيّة؟ ولماذا لم يستطع المسلمون في المقابل، أن يقدّموا صورة صحيحة ومتميّزة عن دينهم وأخلاقهم وثقافتهم، ولم يحسنوا التأقلم مع الآخرين، ولا أن يكونوا قدوة لهم كما فعل أسلافهم في عصور بعيدة، عندما فرضوا لغتهم وآدابهم ونشروا ثقافتهم في العالم.

إنّ الهدف من طرح موضوع الغرب والإسلام، ومقاربة مفهوم الإسلاموفوبيا مقاربة تاريخيّة ومعرفيّة، هو إسهام في بناء جذور التفاهم، ورفع الالتباس الحاصل بين الغرب والإسلام، وليس فتحًا لجروح الماضي، كما أنّ الهدف توضيح أنّ التهجّمَ على الإسلام كان دائمًا مبنيًّا على أوهام وأساطيرَ متراكمة. ومن هذه النّاحية تكون الدّراسة نموذجًا توضيحيًّا لرفع هذا الالتباس وكشف هذه الأوهام، وتجاوز روح العداء والتعصّب بالمعرفة والتّفاهم. 

وسنحاول معالجة الموضوع من خلال رؤية تجميعيّة تلتمس العوامل والملابسات التاريخيّة والنفسيّة والحضاريّة التي أدّت إلى انتشار ظاهرة الخوف المرَضيّ من الإسلام، والتي يمكن اختيار أربعة عوامل بارزة وفاعلة فيها وهي:

أوّلًا: الفكر الكنسيّ وإعلامه الدينيّ، وسنرى أنّ هذا الإعلام قام بدور تأسيسيّ فعليّ في زرع قيم الرّفض والعداء والكراهية قديمًا وحديثًا.

ثانيًا: دعايات اليمين المتطرّف، الذي ظلّ يرتزق من تغذية روح الكراهية ونشر مفردات العداء والتميّز الحضاريّ، استغلالًا وتضخيمًا لبعض الأحداث السلبيّة التي يقوم بها بعض الجهّال المنتسبين للعروبة أو الإسلام.

ثالثًا: وسائل الإعلام التي ما انفكّت تنفخ في رماد هذا الصّراع، لتجعل منه وقودًا مزهرًا، بحكم خضوعها لمصالح سياسيّة وماليّة.

رابعًا: بعض أنواع الخطاب الدينيّ الإسلاميّ، الذي لم يستلهم التّجربة النبويّة، ولا بصائر التّسامح وحسن التعايش، فظلَّ يعاني التأزّم وغياب الرّؤية والهدف، ولم يحسن التّعبير عن نفسه، ولا عن غيره، وغلب عليه الطّابع الهجوميّ الرافض للغير، والاهتمام بمسائل تافهة أسماها الشّيخ محمّد الغزاليّ (1996-1917) التديّن الأبله، وهو منتشر الآن بقوّة وهدفه أن يفسد الإسلام، وأن يجعل من ارتداء النّقاب والجلباب قضايا مصير، وأن يُشعل معارك طاحنة في بحوث لاهوتيّة بائدة أو أحكام فقهيّة فرعيّة، أمّا الجهاد العلميّ، والإنتاج المدنيّ الواسع، وبناء أجيال محترمة تخدم الإيمان في ميدان التّربية والارتقاء والمجتمع المتكافل والحكم العادل، فذاك لا يعنيه.

وعلى ضوء تلك الجوانب ومقتضياتها لا بدّ من البحث في البدايات المؤسّسة لصناعة صورة المسلم في العقل الغربيّ، وذلك ما سنعالجه أوّلًا: تحت مبحث الإسلام في منظار الغرب من النّاحية التاريخيّة، حيث نضع مسألة العلاقة بين الغرب والإسلام في سياقها التاريخيّ والحضاريّ والفكريّ، ودراسة ترسّباتها في الوقت الرّاهن، في العقل الغربيّ وإنتاجه الفكريّ والإعلاميّ. ونطرح اشكاليّة لماذا ظلّ الغرب متجاهلًا للإسلام، معتبرًا إيّاه نِحلة مسيحيّة؟ ولماذا لم يفتح معه باب الحوار والتّفاهم، كما فعل مع التّراث اليهوديّ والهنديّ والبوذيّ؟ ونتعرّف على بدايات الحوار الأوّليّ بين المسلمين والمسيحيّين، أو بدايات الجدل والتحدّي، وتقصّي دور الفكر الأرثودوكسيّ في تأجيج الصّراع مع الإسلام.

ثانياً: التعرّف على ملامح المواجهة الفكريّة والجدل الدينيّ والثّقافي الذي حصل بين الغرب والمسلمين، حيث كُتبت في ظلّ هذه المواجهة الفكريّة، وفي خضمّ الرّوح الصليبيّة سيرٌ كثيرة، وأناشيد ثوريّة أَجَّجت روح القتال ضدّ الإسلام والمسلمين، وبرزت من خلالها ملامح مشروع فكريّ لنقد الإسلام ومواجهته في وقت مبكّر، وبالتّحديد في ظلّ الهجمة الصّليبيّة الأولى، حدّدت مستقبل العلاقة مع المسلمين فكريًّا وعسكريًّا زمنًا مديدًا. ثمّ التعرّض إلى دور الحركة الاستشراقيّة في صياغة تلك الصّورة والمحافظة عليها، عبر مناهج وأساليب يمكن تسميتها بالمرايا المحرّفة؛ لأنّها ظلّت تنظر إلى المسلمين والشّرق عامّة من خلال قصص ألف ليلة وليلة.

ثالثًا: عصور التّنوير الأوروبّيّ وازدهار الإعلام ومراكز البحوث، ونتعرّض فيه لظهور النّزعة العلميّة والنقديّة في دراسة الإسلام والمسلمين، وتحوّل وسائل الإعلام الى أداة لخدمة أغراض استعماريّة وثقافيّة واقتصاديّة، بعد أفول الاستشراق القديم، وظهور وسائل حديثة عملت على تكريس صور نمطيّة عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام المهيمنة في السّينما، والقنوات والمجلاّت، ومراكز البحوث، حيث قدّمت شرابًا قديمًا، ولكن في أوانٍ جديدة، أسهمت في تكريس العولمة وتجاهل الآخر، بدل أن تؤسّس مقاربات جديدة للحوار والتّفاهم والعيش المشترك.

وقد تمّ اعتماد المنهج التاريخيّ المقارن في المعالجة، نظرًا لطبيعة البحث التاريخيّة والجدليّة، مع الاهتمام بالمقاربة المصطلحيّة، والتّركيز على تحديد المفاهيم ووضعها في سياقها التاريخيّ والحضاريّ؛ لأنّها ظلّت مطيّة للتّحريف وسوء الفهم. كما تمّ الاستئناس بالمنهج التّحليليّ النّقديّ الذي ينظر إلى المسائل من وجهة نظر معرفيّة حضاريّة بعيدة عن الانحياز قدر الاستطاعة.

إضاءات تمهيديّة:

ربّما كانت الدّعوة إلى التقارب بين الأديان والتّفاهم بين بني البشر من أهمّ نتائج الحضارة الحديثة التي اهتمّت بالبحث في الفكر الدينيّ والتّجارب الدينيّة وحقول التّاريخ وخاصّة تاريخ الدّيانات بعد أن ذاقت مرارة حربين كونيّتين مدمّرتين، وقد أصبحت هذه المباحث من أهمّ مشاغل الدارسين في الجامعات، في حقول الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النّفس، وحتّى في الآداب والفنون.

ربّما يرجع ذلك في بعض الجوانب إلى فقدان اليقين، والشكّ في قدرة العلم على حلّ المشكلات الرّاهنة أو إسعاد البشر وإضافة المعنى إلى حياتهم، وإذا كانت عصور الإيمان هي عصور النّظر العقليّ وازدهاره، كما لاحظ العالم الانجليزيّ وايتهيد (1861 - 1947)، فمن الطّبيعيّ أن يزيد الاهتمام بالشّأن الدينيّ ومشاغله الفكريّة.

إنّ عصر العلم الحديث هو عصر الإيمان وتعدّد المذاهب أيضًا، وعصر الجدل حول الإسلام بالخصوص، باعتباره المحرّك الأعظم للتّيارات والإصلاحات والتّأويلات المختلفة التّي تعجّ بها المنطقة العربيّة والإسلاميّة والعالميّة. فالإسلام في جوهره دين الحركة والاجتهاد.

إنّ الجدل بين أتباع الأديان ليس جديدًا لا محالة، فهو قديم قدم الإنسان، إلاّ أنّه من خصائص الحضارة الحديثة ومساعيها، ولكنّ المسلمين عرفوا في عصور كثيرة ضروبًا من السّماحة الدينيّة، وعدم التعرّض بسوء لمعتقدات الأمم والشّعوب، واحترام عباداتهم وشعائرهم المختلفة. بل إنّهم عمدوا إلى دراسة تلك النّظم الدينيّة، واكتشافها كما فعل المسعوديّ (283 - 346هـ)، والبيرونيّ (362- 440هـ)، وابن بطّوطة (703 - 779هـ) من أجل إدراك العوامل الثقافيّة والروحيّة ذات الأثر المعتبر في حياة الشّعوب. وربّما كان ذلك استجابة لتطوير جديد في علاقة الإسلام بالشّعوب الأخرى والتعرّف عليها، ليس بنظرة استعلائيّة أو عدائيّة، بل بروح البحث العلميّ النّزيه.

كان موقف الإسلام من اليهوديّة والمسيحيّة متميّزًا في التّأكيد على وحدة الأديان. فالإسلام في لغة القرآن كما لاحظ عبد الله دراز (1894 - 1958) في كتابه الدّين: «ليس اسمًا لدين خاص، وإنّما هو اسم للدّين المشترك، الذّي هتف به كلّ الأنبياء وانتسب إليه جميع أتباع الرّسالات»[1].

إنّ المشاكل المعقّدة التي يواجهها العالم اليوم، لها علاقة بغياب القيم الرّوحيّة، ولا يمكن الحديث عن الخير والعدل بدون دين محفِّز، وضمير حيّ وقيم راشدة، هي أقوى ضمانة في مقاومة التعصّب والكراهيّة والأنانيّة. ولم يكن العداء الدينيّ متأتّيًا من الاختلاف في الشّرائع فقط، كما كان يقول المعرّي (363- 449هـ)؛ بل بأسباب سوء الظنّ والجهل والغرور، ذلك الثّالوث الذي حاربه القرآن، ودعا إلى تجاوزه؛ لأنّه يقود إلى التّصادم ويُبعد عن الحقّ[2].

لطالما حصل خلط بين التّاريخ والواقع، أو بين الوحي والحياة، وكلاهما يخدم الآخر، فالإيمان في جوهره يؤسّس لثقافة التحرّر والانفتاح، ويقاوم اليأس والقلق والغرور، وهي مفردات طاغية في الحضارة الحديثة. والتّاريخ تجدّد مستمرّ، يفرض المواكبة والإبداع والاستجابة لأعباء الحاضر، ومن يغامر بتجاهل التّاريخ يقع في أخطاء الماضي من جديد. وفي مناخ الفراغ الرّوحيّ وعجز هذا الإيمان، تجفّ المشاعر ويصبح الفكر تائهًا بين غرور علميّ وتقنيّ، وعجز عن التّفاهم والحوار، واحترام الآخر المختلف.

تجاهلت علوم المادّة والحياة والاقتصاد، المقوّمات الرّوحيّة والقيم الأخلاقيّة، فازدادت أدوات الهيمنة والخداع والتّلاعب بالعقول والأذواق والأشواق، عبر وسائل حضاريّة متطاولة شديدة الفتك والإبادة. وإذا كانوا قديمًا يتحاربون بالنّبال والسّيوف عند غياب المنطق والتّفاهم، فإنّ الاستعمار الحديث كما قال المفكّر الإيرانيّ عَلي شريعتي (1933 - 1977) يتمّ بوسائل رحيمة وناعمة، قوامها الكتاب والجريدة والقناة ومراكز البحوث.

إضاءات معرفيّة:

تلبّست عبارة الغرب والإسلام على مرّ الأيّام بمفاهيم ودلالات شديدة التركيب والثراء، بحيث أصبحت الرابطة بينهما في الزمن الحالي تُحيل إلى نوع من التّقابل وسوء الفهم والصّراع، بدل التعاون والتقارب والتآخي. وأصل الربط بين الغرب والإسلام هو تقابل بين مصطلحين مختلفين في المدلول، لأنّ المصطلح الأوّل له مفهوم جغرافيّ وللثّاني مفهوم دينيّ، وكان الأولى المقارنة والمقابلة بين المسيحيّة والإسلام، أو بين الغرب والشّرق.

 ويتعلّق الالتباس أيضًا بمفهوم الغرب نفسه، فهو مصطلح فسيح ومتحرّك يشمل عدّة دول وقوميّات، أمّا مصطلح الإسلام، فيحيل إلى المسلمين والدّين معًا. وإلى زمن الإمام محمّد عبده (1849 - 1905) كان الشّائع طرح موضوع الإسلام والنّصرانيّة وليس الإسلام والغرب[3].

 ويبدو أنّ شيوع هذه العبارة يرجع إلى المفكّر الأمريكيّ صمويل هنتنغتون (1927 - 2008) الذي ركّز على تأكيد مبدأ صراع الحضارات، والذي حصره وخصّصه بين الحضارة الغربيّة، الأوروبيّة الأمريكيّة، والحضارة الإسلاميّة، لغايات سياسيّة وحضاريّة لا محالة. ولأنّ فكرة الصّدام بين الحضارات لا معنى لها عقليًّا وواقعيًّا، فقد اتّجه إلى التّركيز على محور الغرب والإسلام، وجعل منه بؤرة الصّراع الرّئيس الذي سيسود المستقبل حسب زعمه[4].

ومنذ ذلك الطّرح أصبح الحديث عن الإسلام والمسلمين لا ينتهي، بل وجدت فيه وسائل الإعلام الغربيّة تجارة رابحة، ومتنفّسًا للتّعبير عن مخزون تاريخيّ دفين في النّفوس، وخاصّة في ربط الحديث عن المسلمين بالإرهاب؛ لذلك يُمكن أن نعتبر البحث في الإسلاموفوبيا وصورة الإسلام في الغرب ضربًا من تعميق النّظر في هذا الموضوع الشّائك. أمّا الإشكاليّة الكبرى التي يطرحها ويحاول تقديم تقصّيات جديدة حولها، فهي محاولة الجواب عن السّؤال الكبير: لماذا ظلّ الغرب المسيحيّ معاديًا للإسلام، منذ يوحنّا الدّمشقي (29 - 132هـ) إلى اليوم[5]؟.

قد يكون الإشكال أعمق بكثير من ذلك، وأبعد جذورًا أيضًا في متعلّقاته التاريخيّة والنّفسيّة والمعرفيّة والدينيّة. ويبدو أنّ أصوله التاريخيّة ذات تركيبة عنصريّة جنسيّة، قبل أن تكون ذات أبعاد دينيّة؛ إذ بدأت الصّورة النمطيّة المشوّهة للعرب في الفكر الغربيّ منذ أن ظهر عندهم اسم العرب، وبما أنّ الرّسول محمّد عربيّ، كان من طبيعة هذه العنصريّة أن تضيف إلى السّمات النمطيّة الأولى، رسومات جديدة بالخطّ الأحمر البارز، اهتمّت أساسًا بالجانب الدينيّ والعقائديّ.

وبما أنّ الغرب الجغرافي للعرب والمسلمين كلّه مسيحيّ، فإنّ الحديث في الواقع يتحوّل عن قصد أو عن غير قصد إلى حديث عن الإسلام والمسيحيّة، وتصبح الواو في التّركيب غير واردة بمعنى العطف، وإنّما لتأكيد مفردات التّقابل وسوء التّفاهم التي لم تنته إلى اليوم.

وقد عبّر صامويل هنتنغتون عن هذا التوجّه الخاطئ في فهم الإشكال الحقيقيّ، فجعله في الدّين نفسه، ولم يفرّق بين الدّين والحضارة، فقد اعتبر أنّ مشكلة الغرب ليست في الأصوليّة الإسلاميّة، بل هو الإسلام في حدّ ذاته، لأنّه حضارة يعتقد أصحابها بتفوّق ثقافتهم، وإنّ مشكلة الإسلام ليست في مركز الاستخبارات الأمريكيّة، ولا في وزارة الدّفاع الأمريكيّة، بل هي الغرب؛ لأنّه حضارة مختلفة يعتقد أصحابها بعلوّهم وتفوّق ثقافتهم[6].

قال الفيلسوف الرّوسي برديائيف (Berdiaev-1848-1974): «إنّ لليقظات الفلسفيّة دائمًا مصدر دينيّ. وإنّ الفلسفة الحديثة عمومًا، والفلسفة الألمانيّة خصوصًا هي أشدّ مسيحيّة في جوهرها من فلسفة العصور الوسيط، فلقد نفذت المسيحيّة الى ماهيّة الفكر نفسه، ابتداء من فجر العصور الحديثة»[7].

يشير هذا القول إلى أنّ الرّوح الدينيّة المسيحيّة كانت حاضرة حضورًا جوهريًّا في بنية الحداثة الغربيّة ومتضمّنة فيها. وبناء على هذا الفهم، فإنّ الحديث عن الغرب كمقولة دينيّة حاضرة في الفكر والسّلوك الغربيّين، يمنح مشروعيّة معتبرة لإجراء التّقابل بين الغرب والإسلام. ويزوّدنا بإضاءات معتبرة في تفهّم موضوع الخوف الغربيّ من الإسلام[8].

إضاءات قرآنيّة:

قبل أن نتعرّض إلى محاور البحث، رأينا أنّ من مقتضيات المنهج التاريخيّ وسرد الأحداث أن نعرض لموقف القرآن باعتباره أقدم مصدر تناول مسألة علاقة المسلمين بالنّصارى وأهل الكتاب عامّة. يقول القرآن: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ 82 وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ﴾[9].

قرّر القرآن في الآية 82 من سورة المائدة أنّ ثمّة علاقة جدليّة بين أتباع الأديان، تتصاعد عمقًا وشدّة بين الإيمان والمعارضة على المستوى العقائديّ، رفضًا للتّجديد والتّغيير، والتمسّك بتراث الآباء والأسلاف. ولم تفت هذه الحقيقة منظّري الحوار في العصر الحديث، فظهرت في ستّينات القرن العشرين موجة الدّعوة إلى حوارات بين الحضارات والثّقافات والأديان. وفي الفترة نفسها تلقّف الفاتيكان الفكرة، وأخرج للنّاس دعوة للحوار بين المسيحيّة والإسلام، ربّما كان هدفه صدّ الشيوعيّة أكثر من الرغبة في التّحاور مع المسلمين. ومنذ ذلك الزّمن ازدهرت حركة التّنظير لذلك الحوار، وتمّ الحثّ عليه بصور من التّأويل والتّحليل على ضوء قراءة أعباء التّاريخ وضغط الواقع.

انطلقت فكرة الحوار بين الأديان من منطلقات خاطئة، فكانت الحصيلة هزيلة، بسبب ادّعاء أطراف الحوار بأنّ كلّ واحد يعتبر نفسه الحقّ المبين، في ميادين المعتقد والأخلاق بالخصوص. ثمّ بسبب التغاضي عن الفرق بين الحوار الشخصيّ وبين الحوار المؤسّساتيّ؛ فالأوّل هو حوار ونقاش يحصل بين أفراد أو مجموعات تختلف دياناتهم، وهي ظاهرة اجتماعيّة ثقافيّة قديمة قدم البشر، ولا يخلو منها بلد ولا مجتمع. ذلك النّقاش محصور في الزّمان والمكان، ولا يؤثّر إلاّ في أفراد يمثّلون أنفسهم. والتّراث الإنساني مليء بتلك المناظرات التي لم تتجاوز حدودها النظريّة. أمّا الحوار المؤسّساتي فهو الّذي تتبنّاه مؤسّسة مدنيّة أو دينيّة أو مراكز بحث، بغرض فرض معالم ثقافيّة ودينيّة محدّدة، مثل الحوارات التي أشرف عليها الفاتيكان والأمم المتّحدة ومكاتب الدراسات في الولايات المتّحدة وأوروبّا. وهو موجّه مع الأسف وجهة خاطئة في تناول مفاهيم الإسلام.

نعود إلى الإشكال الجوهريّ: لماذا ظلّ الغرب متجاهلًا للإسلام ومعاديًا له، ولم يفتح معه باب التّفاهم، كما فعل مع التّراث اليهوديّ والهنديّ والبوذيّ؟

تربّى المسلمون على الاعتقاد بأنّ اليهود هم أعداء المسلمين، وترسّخ هذا الخطأ بالوراثة، وما زال بعض الجامعيّين والمختصّين والأئمّة والوعّاظ ووسائل الإعلام تذكّر بذلك وتثبته وتنمّيه، بينما القرآن لا يرجّح ذلك ولا يؤكّده؛ بل إنّ اليهود في نظره لا حول لهم ولا قوّة، تاريخًا وواقعًا. فمنذ أن ظهرت اليهوديّة على يد عزير أو عزرا «Esdras» عام 563ق.م، أي بعد ثلاثة قرون من داوود وثمانية قرون من موسى، لم يؤسّس اليهود دولة، فقد كان عددهم ضئيلًا جدًّا منذ أن تهوّدوا. ولئن انتظموا حيث حلّوا جماعات وظيفيّة، وقاموا بأدوار مختلفة في الدّول والمجتمعات، إلاّ أنّهم ظلّوا أقليّة، ولكنّ المسيحيّين جمعوا بين أيديهم السّلطة الدينيّة والسّلطة السياسيّة، فكانت باسم الدّين تفرض السّياسة، وباسم السّياسة تفرض الدّين[10].

فأين المودّة عند النّصارى الّتي وردت في الآيتين: 82 و83 من سورة المائدة؟

 لقد أغرب المفسّرون وتاهوا حتّى أنّك تقرأ ما لا علاقة له بالآيتين، إلاّ ما تعلّق بالتّفسير اللغويّ عند أمثال الطّبري والقرطبيّ وابن كثير والرّازي وغيرهم؛ ولذلك لم نعوّل عليهم واقتصرنا على تفسير أبي بكر الجصّاص (305 - 370هـ) الذي قدّم رأيًا مختلفًا عمّا ارتآه جميع المفسّرين حيث قال: «ومن الجهّال من يظنّ أنّ في هذه الآية مدحًا للنّصارى، وإخبارًا بأنّهم خير من اليهود. وليس ذلك كذلك، لأنّ ما في الآية من ذلك، إنّما هو صفة قوم قد آمنوا بالله وبالرّسول. يدلّ عليه ما ذكر في نسق التّلاوة، من إخبارهم عن أنفسهم، بالإيمان بالله والرّسول»[11].

هذا القول للجصّاص يبيّن ضمنيًّا أنّ المسألة غير مرتبطة لا بالعداوة ولا بالمقارنة، لأنّ الآية لا تتحدّث عن النّصارى والمسيحيّين في عهد الرّسول، ولا في القرون السّابقة. إنّما تذكر ثلّة قليلة من أتباع عيسى آمنوا به بشرًا رسولًا من الله، وأوتي كتابًا إلهيًّا هو الإنجيل، تلك المجموعة الصّغيرة تمسّكت بإيمان راسخ بالله واليوم الآخر، وبالتّوحيد المنزّه وببشريّة عيسى المطلقة. ولمّا ظهرت المسيحيّات على أيدي بولس ويوحنّا ومتّى ومرقص ولوقا وآخرين كثيرين، حاولت تلك المجموعة التصدّي للتّحريف. وكثير منهم سكت وترهّب. فتلك المجموعة تماثل مجموعة الحنيفيّة في شبه الجزيرة العربيّة التي رفضت الشّرك والأصنام.

وتذكر مصادر السّيرة أنّ أحبارًا من اليهود أسلموا في عهد الرّسول، ومنهم من شارك في بعض الغزوات، بينما لم يؤمن القساوسة والرّهبان، وهذا يفنّد ما ذهب إليه كثير من المفسّرين. أمّا الآية: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ﴾[12] فتتعلّق بالموقف من الدّعوة الإسلاميّة، عندما جهر بها الرّسول ووصل صداها إلى المسيحيّة البيزنطيّة والمسيحيّة الحبشيّة، فَوجد من القسّيسين والرّهبان من لم ينس أنّ عيسى بشّر بأحمد. فحمدوا الله أن أخرجهم من الظّلمات إلى النّور الإلهيّ، وفاضت أعينهم دمعًا، وآمنوا بمحمّد رسولًا، وبالقرآن كتابًا، وبالله إلهًا واحدًا لا شريك له. ولكنّهم كتموا إيمانهم؛ لذلك لم يذكرهم التّاريخ، وربّما كان ملك الحبشة النّجاشيّ خير مثال لأولئك[13].

أمّا العلاّمة الطباطبائي (1904 - 1981م) فقد عللّ المسألة في تفسير الميزان تعليلًا اجتماعيًّا أوّلًا ثمّ تربويًّا؛ فالمجتمع في نظره إنّما يتهيّأ لقبول الحقّ إذا اشتمل على علماء يعلّمونه، وعلى مصلحين يعملون على نشر القدوة والاعتياد على الخضوع للحقّ، وعدم الاستكبار عنه؛ ولهذا أبانت الآيات أنّ قرب النّصارى من قبول الدّعوة الحقّة الدينيّة يرجع إلى وجود قسّيسين ورهبان من مزاياهم أنّهم لا يستكبرون؛ وفيهم علماء لا يزالون يذكّرون قومهم بمقام الحقّ ومعارف الدّين قولًا، وفيهم زهّاد يذكّرونهم عظمة ربّهم وأهمية سعادتهم الأخرويّة والدنيويّة عملًا. أمّا اليهود فإنّهم وإن كان فيهم أحبار علماء، إلّا أنّهم مستكبرون لا تدعهم رذيلة العناد والاستعلاء أن يتهيؤوا لقبول الحقّ. وأمّا الذين أشركوا فإنّهم يفقدون العلماء والزهّاد، وفيهم رذيلة الاستكبار[14].

الإسلام في منظار الغرب (التّاريخ)

هيرودوت (484-425 ق.م) هو أب التّاريخ عند الغربيّيّن ولا أحد ينكر قيمته التاريخيّة وأهميّة كتاباته التوثيقيّة، وهو أوّل من تعرّض لديانات العرب، ولكنّه مثل غيره من المؤرّخين الإغريق والبيزنطيّين، لم يكن يملك معرفة دقيقة عن العرب، وهذا أحد أسباب سوء الفهم وعدم التواصل، وانغلاق سبل الحوار. وعلى سبيل المثال عندما تعرّض إلى آلهة العرب لم يذكر منها إلاّ اثنتين، هما ((Urotalt وAlilat)) وقد رأى فيهما دون تدقيق، تطابقًا بين إلهين إغريقيّين هما ديونزس- باخوس
(Dionysos -Bacchus)  وأفروديت- فينوس(Aphrodité-Vénus) [15].

ولا شكّ أن هذا خطأ تاريخيّ واضح وفادح قبله بعض المؤرّخين، وفنّده آخرون بحجج لغويّة وأدلّة تاريخيّة، ولكنّنا نعتبره تعبيرًا مبطّنًا عن الاستعلاء العنصريّ على الشّرق منذ زمن بعيد، وما زالت ملامحه ومضامينه تُنشر وتُكتب كلّ يوم.

لم تكن الجزيرة العربيّة منعزلة قطّ عن محيطها الجغرافيّ والسياسيّ القريب والبعيد كما يصوّرها بعض الباحثين؛ بل إنّها كانت على علاقة مستمرّة مع القوى الكبرى آنذاك: الحبشة والفرس والرّوم (بيزنطة)، فقد كان اليمن حبشيًّا، وكانت الشّام بيزنطيّة، وكان العراق فارسيًّا، فمن الحيف القول إنّ العرب من البحرين واليمن إلى الشّام والعراق لم يتأثّروا كغيرهم من الشّعوب بالدّيانات المنتشرة منذ الآشوريّين والكلدانيّين والآراميّين والمصريّين. وتؤكّد المصادر العربيّة والإسلاميّة أنّ العرب عبدوا كلّ ما عبده غيرهم من ظواهر طبيعيّة مثل: الشّمس والقمر والنّجوم والأصنام، سواء أبقوا على تسميتها، فنقلوها إلى لهجاتهم الحميريّة والسبئيّة والحجازيّة وغيرها، أم سمّوها بمسمّيات أخرى.

ورد في كتاب البصائر والذخائر لأبي حيّان التّوحيديّ (310 - 414هـ) وصف دقيق لذلك التعدّد الدينيّ، حيث قال: «أمّا أديان العرب فإنّ النّصرانية كانت في ربيعة وغسّان وبعض قضاعة، واليهوديّة كانت في حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة، والمجوسيّة كانت في تميم، منهم زرارة ابن عدس وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابس، وكانت الزّندقة في قريش»[16].

لم تختلف طقوس العرب التعبّديّة كثيرًا عمّا هي عند غيرهم، ولكن لم يكن الشّرك ظاهرة بارزة ولا منتشرًا في الجزيرة العربيّة، إذ لم يظهر إلاّ قبل قرنين أو يزيد من ظهور الإسلام. كان التّوحيد هو المنتشر يتقاسم الجزيرة العربيّة مع شيء من الإلحاد أو الزّندقة، وذلك التّوحيد نوعان: عبادة القبيلة الواحدة لإله واحد، سواء أكان ذكرًا كان أم أنثى، والحنيفيّة الّتي كانت تمنع عبادة الأصنام والظواهر الطبيعيّة وتفرض البقاء على دين إبراهيم، أي الإيمان بالله تعالى[17].

منذ أن جهر الرسول بالدّعوة إلى الله، كانت أخباره وتحرّكاته تصل السّلطات الدينيّة والسياسيّة في الإمبراطوريّات الثّلاث الحبشيّة والفارسيّة والبيزنطيّة. وقد بدأ التّصادم الكلاميّ والحربيّ بين الإسلام الجديد واليهوديّة المتمركزة؛ لأنّ اليهود كانوا ملاصقين للمسلمين في يثرب وضواحيها، وتحالفوا مع قريش لمحاربة الإسلام والمسلمين، وحَرصوا على ربط مصيرهم بمصير المشركين، فتحالفوا معهم وأمدُّوهم بالسِّلاح. وحصل نقيض ذلك عند المسيحيّين في الجزيرة العربيّة، فإذا استثنينا أبا عامر الرّاهب الّذي حثّ على بناء مسجد الضّرار، فإنّنا لا نجد تصادمًا ظاهرًا بين المسيحيّة القديمة والدّين الجديد. نعم، كانت معركة هوازن (غزوة حُنين)، وفي هوازن انتشرت المسيحيّة، إلاّ أنّ القبيلة لم تكن تمثّل الكنيسة ولا الإمبراطوريّة البيزنطيّة. فالظّاهر أنّ المسيحيّين كانوا يُتابعون سَيْر الأحداث وكأنّهم على الحياد.

 لهذه الظّاهرة مبرّرات عديدة منها بعد المسافة بين المدينة ونجران، ومنها انتظام المسيحيّة في سلطتين دينيّة وسياسيّة عند الإمبراطور، ومنها أنّ أكثر قبائل الشّام العربيّة كانت قد تنصّرت وملوكها أعوان للإمبراطور البيزنطيّ، ومنها أنّ خطّة الرّسول كانت تقضي بترسيخ الإسلام في الحجاز ونجد قبل كلّ شيء. حتّى أنّه لم يعط أيّ أهمّيّة لمسيلمة والأسود العنسيّ. كلّ هذا لا يعني أبدًا أنّ المسيحيّين كانوا محايدين، ولا أنّهم اكتفوا بالمشاهدة والفرجة، فقد حثّوا المشركين واليهود على مواجهة الإسلام بالقول والفعل من وراء السّتار. وأخيرًا وقع التصادم الحربيّ بين المسلمين والبيزنطيّين[18].

الصّدام الأوّل: مؤتة وتبّوك

هو أوّل صدام عسكريّ بين الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وبين إمبراطور بيزنطة هرقل الأوّل(Héraclius Ier) . وقد تمّ ذلك عن طريق شرحبيل بن عمرو والي بيزنطة على فلسطين، كان ذلك في أول (أغسطس) 629م، أي في السّنة الثّامنة للهجرة، حسب ما ورد في كتب السّيرة والتّاريخ، ونختار الديار بكري المؤرّخ (ت:966هـ) وهو يتحدّث عن هذا الصدام الأوّل: «في وقائع السّنة الثّامنة من الهجرة: وفى جمادى الأولى من هذه السّنة كانت سريّة مؤتة، وهي موضع من أرض الشّام من عمل البلقاء، والبلقاء دون دمشق. وكان لقاؤهم الرّوم بقرية يُقال لها مشارف من تخوم البلقاء، ثمّ انحاز المسلمون إلى مؤتة، وهم ثلاثة آلاف، فلمّا فصلوا من المدينة سمع العدوّ بمسيرهم، فجمعوا لهم وتهيّؤوا لحربهم»[19].

لم يكن الرّسول يفكّر في تلك المواجهة، لولا أنّ شرحبيل بن عمرو قتلَ سفيرَه، فقد «بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بُصرى بكتاب، فلمّا نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغسّانيّ، وهو من أمراء قيصر فقتله، ولم يُقتل لرسول اللهP رسول غيره»[20].

تجمع الرّوايات على أنّ جيش المسلمين لم يزد عن ثلاثة آلاف مقاتل، وأنّ الإمبراطور جيّش مئتي ألف عسكريّ، أليس من الغريب جدًّا أن ينجح هذا الجيش الصّغير في الصّمود أمام ذلك الجيش الكبير؟! فماذا كانت نتيجة تلك الحرب؟

«انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى النّاس عندها، فتعبّأ لهم المسلمون، ثمّ التقى النّاس فاقتتلوا، فأخذ اللّواء زيد بن حارثة، فوقع بين الجمعين قتال، فقتِل سدوم أخو شرحبيل وهرب أصحابه، وخاف شرحبيل ودخل حصنًا وبعث أخاه الآخر إلى هرقل يستمدّه«[21].

دامت الحرب ثلاثة أيّام، انتصر المسلمون في أوّلها، وفي الثّاني شارفوا على الهلاك، وفي الثّالث أوهم المسلمون الجيش البيزنطيّ أنّ مددًا كبيرًا وصل إلى المسلمين، فقاموا بآخر هجوم أرعبوا به العدوّ، حتّى أنّ المسلمين وصلوا إلى خيمة قائد الجيش، ثمّ انسحبوا بطريقة منظّمة، ونجح المسلمون في الانحياز سالمين حتى عادوا إلى المدينة.

هي هزيمة للمسلمين إذا اعتبرنا أنّ هدف البعثة الحربيّة هو معاقبة شرحبيل بن عمرو بقتله أو سجنه، وهذا لم يحدث، وقد اعتبرها جلّ سكّان المدينة هزيمة: «وكانت الهزيمة، فلمّا سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقّوهم، فجعلوا يحثون في وجوههم التّراب ويقولون: يا فرّار، أفررتم في سبيل الله؟ فقال النبيّP: ليسوا بفُرّار ولكنّهم كُرّار إن شاء الله تعالى«[22].

يظهر أنّ هرقل لم يرسل وحدات الجيش البيزنطيّ، ولكنّه جيّش العرب في الشّام. وما يفسّر سير المعركة ونتائجها هو أنّ الجيش المسيحيّ العربيّ الشاميّ كره أن يقاتل الجيش المسلم العربيّ الحجازيّ.

 وقبل غزوة تبّوك التي وقعت في رجب من السّنة التّاسعة للهجرة، شاع في المدينة أنّ قيصر الرّوم (هرقل) أخذ يهيئ الجيش من الرّومان والعرب التّابعة لهم من آل غسّان وغيرهم، وبدأ يجهّز لمعركة دامية فاصلة. وكانت تلك الغزوة ذات أثر كبير في تكريس نفسيّة الخوف واتّخاذ الحذر من الآخر الرّومانيّ المخالف والمعادي.

وصف الكاتب الهنديّ المباركفوري (1943- 2006) الحالة النفسيّة لهذا الترقّب فقال: «وكانت الأنباء تترامى إلى المدينة بإعداد الرّومان للقيام بغزوة حاسمة ضدّ المسلمين، حتّى كان الخوف يتسوّرهم كلّ حين، لا يسمعون صوتًا غير معتاد إلاّ ويظنّونه زحف الرّومان»[23].

وأدّى ذلك إلى أن قرّر الرّسول التجهّز للقتال، وتحرّك الجيش المسلم يوم الخميس نحو الشّمال يريد تبوك، ولم يستطع المسلمون مع ما بذلوه من الأموال، أن يجهّزوا جيشهم تجهيزًا كاملًا، بل كانت في الجيش قلّة شديدة بالنّسبة إلى الزّاد والمراكب؛ ولذلك سمّي هذا الجيش جيش العُسْرَةِ[24].

من الواضح أنّ الرّسول أراد الثّأر لمؤتة، لمحو الهزيمة من الذّاكرة، ولتخليص عرب الشّام من هيمنة البيزنطيّين. ولعلّ القسطنطينيّة لم تتحرّك لأنّها رأت تخاذل العرب المسيحيّين في محاربة المسلمين؛ ولأنّها رأت إرادة الشّاميّين في التخلّص من سلطتها، وعلمت أنّ الجيش المسلم صار ثلاثين ألفًا مع إمكانيّة المدد. وأخيرًا فإنّ قلاقل اجتماعيّة وسياسيّة وعقائديّة كانت تهزّ الإمبراطوريّة وتدكّ القسطنطينيّة نفسها.

لم يدرك البيزنطيّون الذين كانوا أوّل من اشتبك معهم المسلمون في الحروب طبيعة الإسلام، واعتبره رجال الدّين الكاثوليك في الغرب نحلة مسيحيّة، مثلما كان سائدًا وقتذاك في العالم المسيحيّ من المذاهب والنّحل[25].

لم تقع حرب في تبّوك، بل تمّ الصّلح، وكُتبت عقود بين الرّسول وبين أمراء القبائل، فلم يفرض الرّسول الإسلام على تلك القبائل، مكتفيًا بالجزية لمن أرادوا البقاء على مسيحيّتهم، وأيقنت القبائل التي كانت تعمل لحساب الرّومان أنّ اعتمادها على سادتها الأقدمين قد فات أوانه، فانقلبت لصالح المسلمين، وهكذا توسّعت حدود الدّولة الإسلاميّة، حتّى لاقت حدود الرّومان مباشرة[26].

فماذا كان موقف إمارة نجران من تلك الأحداث، وهي مركز المسيحيّة في الجزيرة العربيّة، وعلى اتّصال وثيق بالقسطنطينيّة سياسيًّا ودينيًّا؟

الصّدام العقائديّ المباشر: وفد نجران

كانت نجران بِحُكم موقعها السِّياسيّ والجغرافيّ الملاذ الأبرز للهاربين من مكّة بعد الفتح، وبينهم مَنْ هُمْ مِنْ أشدِّ النّاس عداوة للإسلام. ومن الطبيعيّ أن يشكِّل هروب هؤلاء عاملًا إضافيًّا في اهتمام الرّسول بنجران وأهلها، فدعا أساقفة نجران إلى الإسلام، فكان جوابهم أن توجَّه وفدٌ كبيرٌ منهم إلى المدينة.

سمّيت السّنة التّاسعة للهجرة عام الوفود؛ إذ وفد على الرّسول رؤساء القبائل يفاوضونه، فأسلم منهم من أسلم، وتعهّد بإسلام قبيلته، وبقي من بقي على دينه، وكُتبت في ذلك عقود. وكان الرّسول قد راسل الملوك ورؤساء القبائل، يدعوهم إلى الإسلام، وفي السّنة العاشرة للهجرة، قدم وفد نجران المسيحيّ، ويصف ابن هشام (ت: 213هـ) ذلك الوفد بقوله: «قدم على رسول اللهP وفد نصارى نجران ستّون راكبًا فيهم أربعة عشر رجلًا من أشرافهم، وفي الأربعة عشر منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم: العاقب أمير القوم، واسمه عبد المسيح، والسيّد صاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم، فدخلوا عليه مسجده حين صلّى العصر»[27].

ما يلاحظ هو الأبّهة العدديّة والمظهريّة للوفد، فقد أراد الأمير عبد المسيح والأسقفّ أبا الحارثة إبراز الثّقل العدديّ والمركزيّ الكنسيّ لنجران، ومظهر الوفد وانتظامه وتنظيمه لا يختلف في شيء عمّا نراه اليوم عند البابا وأساقفة الشّرق عند تحرّكاتهم الرسميّة، وفي نصّ ابن هشام تأكيد علاقة نجران بالسّلطات السياسيّة والدينيّة في القسطنطينيّة. والأهمّ من ذلك في بحثنا هذا، هو الجدل العقائديّ المبكّر الّذي دار بين أمير نجران وأسقفّها وبين الرّسول، ونجد ملامح ذلك الجدل لا محالة في كتب الحديث، وأسباب النّزول والسّيرة والتّاريخ، ونقتصر على بعض النّقاط المهمّة: «فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْحَبْرَانِ قَالَ لَهُمَا رَسُول اللَّهِP: «أَسْلِمَا» قَالا: قد أَسْلَمْنَا، قَالَ: إِنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا فَأَسْلمَا. قالا: بلى قد أسلمنا قبلك! قال: كذبتما يَمْنَعُكُمَا مِنَ الإِسْلامِ دُعَاؤُكَمَا لِلَّهِ وَلَدًا، وَعِبَادَتُكُمَا الصَّلِيبَ»[28].

يذكر ابن هشام أنّه لمّا حَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ يُصَلُّونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِP: دَعُوهُمْ. فَصَلَّوْا إلَى الْمَشْرِقِ[29].

نلاحظ في ذلك الجدل تغيّر النّغمة وعلوّ النّبرة. اكتفى مشركو قريش بتكذيب النبيّ ووصفه بالمجنون والسّاحر، واعتبار القرآن أساطير الأوّلين، ولم يدّع أحد منهم أنّه مسلم، وحتّى اليهود لم يتجرّأ أحد منهم على ادّعاء الإسلام، ولكنّ ناقوس الكنيسة دقّ عاليًا أنّ المسيحيّة هي الإسلام، وأنّ إسلام محمّد مجرّد هرطقة أو فرقة جديدة من الفرق المسيحيّة الكثيرة، وأنّ محمّدًا ليس نبيًّا!

ذلك هو الجديد في العلاقة بين المسيحيّة والإسلام. والواقع أنّ ما ورد على لسان رئيسي وفد نجران ليس بجديد؛ إذ صرّحا تلقائيًّا بما كان يخالج صدور المسيحيّين منذ الجهر بالدّعوة الإسلاميّة، وانتشار القرآن في الجزيرة العربيّة. كانت البداية في مكّة في أولى سنوات الدّعوة، لقد أشاع القساوسة في الجزيرة العربيّة أنّ راهبًا يلقّن محمّدًا قرآنه، وتلقّف مشركو قريش ذلك، فقالوا: «إنّ جبرًا الغلام الروميّ مولى عامر بن الحضرمي هو الّذي يلقّن محمّدًا»؛ لأنّه كان يقرأ من الإنجيل وهو يصنع السّيوف، وقد تصدّى القرآن لهذه الفرية وفنّدها: ﴿وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ﴾[30] [31].

وقد كان أبو عامر الرّاهب النّصرانيّ من أوائل معارضي الإسلام الذين جسّدوا علاقة العداء والرّفض بين المسيحيّين والمسلمين، ويظهر كما لاحظ المؤرّخ العراقيّ جواد علي (1907-1987م) أنّه كان قد تمكّن من إقناع بعض شباب الأوس من اعتناق دينه بدليل ما ذكره علماء التّفسير من أنّه لمّا خرج من يثرب مغاضبًّا للرّسول، وذهب إلى مكّة، مؤيّدًا إيّاهم ومحرّضًا لهم على محاربة الرّسول. أخذ معه خمسة عشر رجلًا من الأوس. فلمّا أيس من نجاح أهل مكّة في القضاء على الرّسول، فرّ إلى بلاد الشّام ليطلب مددًا من الرّوم يعينه في زحفه على المدينة[32].

وأبو عامر الرّاهب، هو الّذي بنى مسجد الضّرار في ضواحي المدينة مع جماعة من المنافقين. لم ينكر المشركون واليهود على الإسلام أنّه دين، وإنّما رفضوا أن يكون محمّد هو النبيّ، أمّا قساوسة نجران، فقد ذهبوا إلى الجذور، حيث رفضوا أن يكون محمّد رسول الله، وأنّ القرآن كتاب الله.

المدّ والجزر في العلاقة بين الغرب المسيحيّ والمسلمين

توفّي رسول الله ولم تخل الجزيرة العربيّة من المشركين والملحدين واليهود والصّابئة والمسيحيّين، توفّي ولم يؤسّس دولة؛ لأنّه لم يُبعث لتأسيس دولة ولم يُبعث ملكًا، وإنّما كوّن الأمّة المسلمة المنتشرة في الجزيرة العربيّة والشّام.

تولّى أبو بكر السّلطة السياسيّة في سقيفة بني ساعدة بأسلوب لم تعتده القبائل العربيّة في تعيين رئيسها ومجلس القبيلة، فثارت عليه القبائل من أقصى البحرين واليمن إلى أقصى نجد، عدا قبيلتي قريش وثقيف. لقد سمّى أبو بكر تلك الثّورة الرّافضة لرئاسته وسلطته «ردّة»، وقد عارضه أغلب الصّحابة عندما أعلن الحرب على القبائل، ولم يؤيّده إلاّ أقليّة لما رأوا في ذلك من مغانم. عيّن أبو بكر خالد بن الوليد قائدًا عامًّا للجيش، ومنفّذًا مطيعًا لأوامره، وقبل أن يخمد الثّورة في الجزيرة أرسل جيوشًا لغزو العراق والشّام. وأخيرًا استتبّ الأمر لأبي بكر، وعلى فراش مرضه أمر كاتبه عثمان بن عفّان أن يكتب كتابًا يأمر فيه بتولية عمر بن الخطّاب بعده، وتولّى عمر الرئاسة وتواصل التوسّع الجغرافيّ لدولة المدينة التي أنشأها أبو بكر، وكما كان منتظرًا، فإنّ رئاسة الدّولة الحديثة آلت إلى عثمان بن عفّان، وما استشير المؤمنون، ولا استشيرت أمّة محمّد في أهمّ شأن من شؤونها، وقد أمر الله بالشّورى، ثمّ انتهى الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان وقد أعلنها صريحة رنّانة: أنا أوّل ملوك الإسلام[33].

وقد وصل المدّ في عهد عثمان؛ إذ مُحيت الإمبراطوريّة الفارسيّة، وتوغّل المسلمون في الهند ووصلوا إلى كابول. وانحسرت حدود الإمبراطوريّة البيزنطيّة بعد أن فقدت الشّام وأرمينية الصّغرى وجزر قبرص ورودس، ولم يعد البحر الأبيض المتوسّط بحرًا بيزنطيًّا كما كان، أمّا جنوبًا فقد تمّت السّيطرة على مصر وشمال السّودان.

من الطبيعيّ أن يكون للمدّ الإسلاميّ والجزر المسيحيّ أثرهما العميق في نفوس المسيحيّين وعقولهم، وعندما يحاصر المسلمون القسطنطينيّة نفسها ويحتلّون مصر وكلّ شمال إفريقيا، ويمرّون إلى إسبانيا ومنه إلى جنوب فرنسا، فإنّنا نفهم ما خالج العامّة والخاصّة وخصوصًا الملوك والباباوات في أوروبّا. لقد نبتت الكراهيّة وأزهرت وتجذّرت العداوة العقائديّة والسياسيّة، وأجّج نارها الباباوات والقساوسة والرّهبان، وبعض الأدباء والفنّانين في أنحاء أوروبّا، فكان ذلك سبيلًا إلى نشوء المواجهة الفكريّة.

الإسلام في منظار الغرب (المواجهة الفكريّة)

أحصى عبد المجيد الشّرفي في دراسته: الردّ على النّصارى حتّى القرن الرّابع الهجري، زهاء ستين كتابًا ورسالة في الردّ على المسيحيّة ومجادلة المسيحيّين، في حين ذكر المؤرّخ الألمانيّ فون هارنَاك (1851- 1930) في ثلاثينات القرن العشرين، نحو الأربعمئة ردّ من جانب المسيحيّين على الإسلام، منذ يوحنّا الدّمشقي في القرن السّابع للميلاد، حتّى القسّ بيفندر أواسط القرن التّاسع عشر[34].

تتعلّق المواجهة الفكريّة بالجدل العقائديّ المباشر، وهو ما يسمّى الرّدود بين المسلمين والمسيحيّين وظهور الصّورة النمطيّة عند الطّرفين، ونرى من الضروريّ وضعها في مسارها المرجعيّ الدينيّ ونسقها الزمنيّ، مع التّفريق منذ البداية بين أمرين:

الأوّل: ما كان يكتبه المؤرّخون الغربيّون في بيزنطة وأوروبّا، وما كان يقوله الأساقفة والقساوسة في كنائسهم طيلة القرن الهجريّ الأوّل، حيث لم نجد أثرًا لهذا المكتوب في إحالته إلى المؤرّخين البيزنطيّين والإغريق، ولا إلى أساقفة الشّرق والغرب في تعريضهم بالإسلام والقرآن والنبيّ والمسلمين في نصف القرن الأوّل الهجريّ.

 وهذا الأمر غريب في حدّ ذاته، لما عرفنا من تغلغل بيزنطة في الجزيرة العربيّة، حتّى أنّ نجران كانت بالفعل ولاية بيزنطيّة، فلا المسيحيّون كانوا يجهلون ما يحدث بين العرب، ولا العرب كانوا يجهلون ما يحدث في الإمبراطوريّة، فلا ندري هل أنّ المخطوطات لم تظهر بعد، أم أنّ المؤرّخين والسلطات الكنسيّة تجاهلت الإسلام ونبيّه تمامًا طيلة قرن أو أكثر.

 الثّاني: هي الكتب والمخطوطات التي ظهرت قديمًا وحديثًا، وهي تلك الكتب والرسائل الستون في الردّ على المسيحيّة ومجادلة المسيحيّين، والأربعمئة ردّ من جانب المسيحيّين على الإسلام، وما زال العدد يتضخّم، ويمكن حصر المشهور والمعتمد من تلك الكتب والمخطوطات في ثلاثة مصادر رئيسة: يوحنّا الدمشقي، وتيودور أبي قرةّ، وتيوفانوس المعترف.

ثمّة إجماع على أنّ أولى الرّدود المسيحيّة على الإسلام في هيكلها الجدليّ وفي صناعة خطوط الصّورة النمطيّة للإسلام والمسلمين تُعزى إلى ذلك الثّالوث بصفة تأسيسيّة فعّال، ونعرض في المقام تعريفًا موجزًا بتلك الشخصيّات.

أمّا شخصيّة يوحنّا الدّمشقي، فيحيط بها كثير من الغموض، فلا يوجد تحديد دقيق لتاريخ ولادته، أمّا اسم يوحنّا، فهو يونانيّ الأصل ومسيحيّ بحت، ولا نعرف شيئًا معتبرًا عن أصل عائلته أيضًا، فبعض المصادر تذكر أنّه ‏بيزنطيّ.

وإذا نظرنا في أبعد تاريخ مفترض لولادته (652م) وأقربه (680م) وجدنا امتدادًا زمنيًّا بثمان وعشرين سنة، وإذا ربطنا ذلك بتواريخ موته المفترضة بين 749 و787، لاحظنا أنّه يمكن أن يكون قد عاصر الفترة الممتدّة من خلافة معاوية إلى المهديّ العباسيّ[35].

أمّا تيودور أبو قرّة (750 - 817م)، فهو أحد آباء الكنيسة الشرقيّة، وعلَم من أعلام اللاّهوتيّين المسيحيّين العرب. وُلد في مدينة الرّها (ةdesse) وفيها تلقّى العلم أولًّا، ثم ترهّب في دير القديس مار سابا، قرب القدس مثل يوحنّا الدّمشقيّ تمامًا. وقد نُسبت إليه رسالة في العقيدة يفترض أنّه كتبها عام 812م. وكان مدافعًا عن الدّين المسيحيّ، وكان يحاور المسلمين تمامًا مثلما فعل يوحنّا الدّمشقيّ.[36]

وسواء أكانت شخصيّتا يوحنّا الدمشقي وتيودور أبي قرّة حقيقيّتين أو خياليّتين افتراضيّتين، فمن المرجّح أنّه لا علاقة لهما بالإسلام والمسلمين في القرنين الأوّلين للهجرة، وإنّما نُسبت إليهما كتابات لتوظيفها ضدّ الإسلام.

أمّا المؤرّخ تيوفان (Théophane) (140-201هـ 758-817م)، فهو من رجال الكنيسة الشرقيّة البيزنطيّة، وهو قسّ بيزنطيّ رُفع إلى درجة قدّيس إثر موته بقليل، اشتغل بالتّاريخ، وقام بدور كبير في حرب التّصاوير(Iconoclasm) حتّى أنّه سُجن ونُفي ومات في منفاه. وقد كتب أخبار الدّولة البيزنطيّة من 284 إلى 813 ميلاديّة، وهو أوّل مؤرّخ بيزنطيّ يهتمّ بالمسلمين، وخصوصًا بحروبهم ضدّ بيزنطة. وقد ألّف كتابًا عن حياة الرّسول، وتعرّض إلى نقد القرآن. وحسب التّواريخ المعتمدة، فقد كان معاصرًا لأبي قرّة، وعلى الملّة نفسها، عاشا وتقاسما الظّروف السياسيّة والإيديولوجيّة نفسها[37].

تاريخيّة الصّورة النمطيّة:

يؤرّخ تيوفان في المقطع المخصّص لسنتي 691 و695م، فيذكر ما حدث في العلاقات بين الدّولة الإسلاميّة ورئيسها عبد الملك بن مروان وبين الإمبراطوريّة البيزنطيّة وإمبراطورها جستنيان الثّاني (Justinien2) حسب زعمه. كتب هذا الإمبراطور في سنة 691م إلى العرب أنّه لم يعد يستطيع الالتزام بشروط السّلم، وقاد جيشًا إلى سبسطبوليس البحريّة، ودارت المعركة، فانهزم العرب، وعندئذ فكّر مُحَمّد في رشوة قائد فرقة السّلاف في الجيش البيزنطيّ، فتحوّل ذلك القائد في عشرين ألفًا من جنده إلى العرب، واضطرّ الرّوم إلى الانسحاب بسرعة. وفي عام 695م غزا محمّد أرض الرّوم[38].

أمّا ابن كثير (ت: 630هـ)، فيتحدّث عن تلك المرحلة بصيغة مختلفة تمامًا: «ثمّ دخلت سنة ثلاث وسبعين، وفي هذه السّنة استعمل عبد الملك أخاه محمّدًا على الجزيرة وأرمينيّة، فغزا منها وأثخن في العدوّ. وفيها غزا محمّد بن مروان الرّوم صائفة فهزمهم»[39].

نلاحظ أنّ الصّورة النمطيّة اختلطت فيها المواجهة العسكريّة والفكريّة معًا، وقد بدأت الصّورة النمطيّة الّتي رسمها المسيحيّون للرّسول والإسلام والعرب والمسلمين مبكرًا ويمكن حصرها في مرحلتين: المرحلة الأولى: من الجهر بالدّعوة إلى الحرب الصليبيّة الأولى، رُسمت أولى الخطوط في مكّة من قبل سادة قريش، وتمثّلت في حملة إعلاميّة متواصلة تشتدّ في مواسم الحجّ، اكتسح صداها الجزيرة العربيّة وتجاوزتها إلى الحبشة. وقع التركيز على ألقاب وأوصاف محدّدة: ساحر، شاعر، مجنون. لهذه البداية أهميّتها الكبرى في تسجيل المتخيّل عند المسيحيّين في الشّرق والغرب منذ ذلك العهد، فمن أين عرف البيزنطيّون الرّوم وهم يجهلون العربيّة تلك الصّفات، لولا أنّ المسيحيّين في مكّة والطائف ونجران وغيرها نقلوا تلك الأخبار إلى الرّوم؟ ففي عهد تيوفان لم تكتب السّيرة ولم يدوّن الحديث ولم يترجم القرآن وما عُرف الفقه بعد.

دخل المسيحيّون الغربيّون حلبة التهجّم على الإسلام وكتابه ونبيّه وعلى العرب. ولا نجد في هذه الفترة حملة إعلاميّة منتظمة ومتواصلة تتبنّاها السّلطات الدينيّة والسياسيّة في الغرب. ومن أوائل الأساقفة والقساوسة الذّين كتبوا عن الإسلام إلى جانب تيوفان نذكر: الأسقف يوحنّا النكيوسي (Jean de Nikious) من أقباط مصر ألّف كتابًا في التّاريخ (بين 692 و700م) يذكر فيه غزو مصر على يد عمرو بن العاص، والأسقف سِبُس (Sébos) في نهاية القرن السّابع الميلاد، تاريخيًّا هو ذلك الثالوث من القساوسة الشرقيّين والغربيّين الّذي رسم الصّورة النمطيّة للإسلام والمسلمين، وُجد آخرون لا محالة، والملاحظ أنّ كتابات أولئك الأساقفة والقساوسة لم يكن لها كبير أثر على عامّة المسيحيّين، والسّبب الأوّل أنّها بقيت في الكنائس والأديرة ولم تنتشر، والثّاني أنّها كتبت بالإغريقيّة واللاتينيّة والسريانيّة، وهي لغات يجهلها عموم الشّعب، فهي في الواقع أدبيّات المختصّين من رجال الكنيسة لم تكن لتتجاوزهم، ولكنّها مهّدت لمرحلة ثانية، هي: الحروب الصّليبيّة.[40]

فسّر ابن كثير سبب تلك الحروب فقال: «وكان من عزمهم يريدون أن يستحوذوا على البلاد الإسلاميّة كلّها وذلك لسوء حكّامها وفساد عقائدهم»[41].

ولكن قبل ذلك، في رمضان 53هـ، احتلّ المسلمون جزيرة رودوس. وفي رمضان 91هـ، كانوا في جنوب إسبانيا، وفي رمضان 92هـ احتلّوا أكبر جزء منها (الأندلس)، وفي رمضان 114هـ/ 732م، نجدهم في جنوب فرنسا في معركة «بلاط الشهداء»، وقد عرفها الفرنسيّون بمعركة بواتيي (Bataille de Poitiers) وفيها برز شارل مارتل البطل الأسطوريّ[42].

فهل نعجب أن تمتلئ صدور المسيحيّين شرقًا وغربًا حقدًا على الإسلام والمسلمين؟ أليست المشاعر نفسها الّتي تخالج صدور المسلمين منذ قرون إثر الاستعمار المسيحيّ لبلاد المسلمين والحروب الّتي شنّت حديثًا على أفغانستان والصّومال والعراق وسوريا؟

لقد دقّ البابا أوربانوس الثاني ناقوس الخطر والتّعبئة فقال: «أيّها العرق الافرنجيّ العرق الذي أحبّه الإله واختاره، لقد جاءنا من ربوع أورشليم القدس نبأ أليم، إنّ عرقًا لعنه الإله وأخرجه من ملكوته، قد دنّس ديار المسيحيّين بالغزو، فأفزع سكّانها بالنّهب والنّار، واقتادوا السّبايا إلى ديارهم ثمّ قتلوهم، بعد تنكيل وتعذيب، لقد حطّموا محاريب الكنائس ولوّثوها بنجاساتهم»[43].

وجد النّداء البابويّ أصداء واسعة وآذانًا صاغية، وبعث طموحات عالية، وقد كان بطرس النّاسك (Pierre l’Ermite) الإذاعة الناقلة لنداء البابا مع ملاءمة الخطاب للجمهور المتلقّي. جاب وسط فرنسا متنقّلاً نحو باريس، ثمّ اتّجه إلى الشّمال الشّرقي، ودخل ألمانيا، ووصل كولونيا وكوّن الجيش الشعبيّ، فقد التفّت حوله حشود وبرز حوله القادة[44].

في خضمّ هذه الرّوح الصّليبية، كان لا بدّ أن يُسهم الشّعراء والكتّاب والفنّانون في أوروبّا في تلك الحملة الإعلاميّة، فظهرت أناشيد ثوريّة مثل أنشودة رولان (Chanson de Roland) وكُتبت سير كثيرة لتأجيج روح القتال لدى النّاس، منها سيرة يوحنّا الدمشقيّ، وما اختُلقت في القرن العاشر الميلادي إلاّ لغايات دعائيّة خالصة مرتبطة بأهداف الحروب الصّليبيّة، وازدهرت ترجمة المصادر الإسلاميّة مثل القرآن والسّيرة والأحاديث والعقائد إلى الإغريقيّة واللاّتينيّة، من أجل نقضها، وبيان أنّ النّقد المسيحيّ لها مبنيّ على دراية واطّلاع. أنشودة رولان هذه، جاء فيها أنّ المسلمين يعبدون ثلاثة آلهة هي: ترفغانت ومحمّد وأبولو[45].

ينبغي أن نوضّح هنا أنّ ترفاغنت tervagant) هو اسم لآلهة وثنيّة شرقيّة خياليّة أطلقها المسيحيّون على إله المسلمين، فهم في دعايتهم التّشويهيّة رسموا صورة للمسلمين صاروا بمقتضاها يعبدون مثلهم ثلاثة آلهة، تُمثّل مع أبولو ضَلال الصّورة العقائديّة للإسلام عند الغرب الوسيط[46].

هذه الصّورة المشوّهة، هي التي انطلق منها يوحنّا الدّمشقي وعبّر عنها، واستعملها عند جداله للمسلمين في فصل الهرطقة 101، أو استعملها غيره وألبسها له. ممّا يقيم الدّليل على أنّ كتاباته إنّما تكوّنت في زمن متأخّر، وفي خضمّ روح الحروب الصليبيّة، لأنّ الدّمشقي الذي عاش مع المسلمين في دمشق، لا يمكن أن يقول إنّ المسلمين يعبدون آلهة متعدّدة، وهم الذين نشروا التّوحيد الخالص في ربوع العالم وماتوا من أجله، ولكن كان لا بدّ من إعطاء العدوّ الإسلاميّ صفات نمطيّة تكرّس العداء والكراهيّة، بما أنّ النّاس لا يعرفون شيئًا عن الإسلام والمسلمين، حسب ما ذكر الكاتب الانجليزيّ ريتشارد سوذرن (1912 - 2001) الذي رأى أنّ المؤلّفين الغربيّين إلى نهاية القرن الحادي عشر لم يكونوا يعرفون شيئًا عن الإسلام، وليس هناك ما يدلّ على أنّ أحدًا ما بأوروبا سمع باسم النبيّ محمّد!![47].

إنّ أنشودة رولاند هي عبارة عن أهازيج شعبيّة خرافيّة مشحونة بالعداء للإسلام والمسلمين، اختُلقت عام 1150م تقريبًا من أجل التّعبئة الصّليبيّة لمحاربة المسلمين، وهي تروي أحداثًا تاريخيّة قديمة تعلّقت بحروب شارلمان. ورولاند هو أحد قادة شارلمان ضدّ العرب في جبال البرينيه، وقد جعلت منه الأنشودة بطل المعارك، مع أنّه لم يكن أكثر من قائد لحماية مؤخّرة الجيش المنسحب من شمال أسبانيا[48].

المرايا المحرّفة:

الصّورة النمطيّة أو القالب النمطيّ (Stéréotype) تعني التّسليم المسبق بأحكام وصفات خِلقيّة وخُلُقيّة معيّنة عن فئة بشريّة محدّدة بالعرق أو اللّون أو المعتقد أو الانتساب الجغرافيّ، أشيعت وأضفيت عليها صفات الإطلاق والعموميّة بواسطة القهر الدّعائي والإعلامي. والنمطيّة أو التّفكير النمطيّ هو التّفكير الذي يتّبعه شخص أو مجموعة، اعتمادًا على أفكار جاهزة باعتبارها حقائق مطلقة لا تناقش. وبناءً عليه يمكن النّظر إلى الأصوليّات والسلفيّات عمومًا كنماذج للتّفكير النّمطي؛ بل إنّ النمطيّة تعدّت القوالب المعهودة مثل الدّين والعرق والجنس والإيديولوجيا إلى السّياسة، فمن انتمى إلى حزب واعتبر مبادئه وأفكاره وبرامجه وأهدافه المعلنة حقائق، وأن لا خير في غيرها، إلى حدّ الدّفاع عنها بقتل المنافسين والمعارضين، فهو نمطي التّفكير، فالنمطيّة أو القولبة في نهاية الأمر لا غاية من ورائها غير تكبيل العقل وإلغاء ملكة التفكّر والتّفكير، وللتّنميط وجهان متناقضان لكنّهما متلازمان؛ أحدهما مدحيّ تمجيديّ تقديسيّ، ويقابله الوجه التقبيحيّ التحقيريّ التشنيعيّ .وظاهرة القولبة أو التّنميط قديمة قدم البشريّة ولا يحسّ بها ولا يتألّم منها إلاّ المستضعف. ولئن كانت مخاطر التّنميط ومآسيه لا تتجاوز حدود قبيلة أو مقاطعة أو دولة، فإنّها اليوم تجاوزت الحدود واخترقت السّدود؛ لأنّ الإعلام اليوم أصبح كونيًّا آحاديّ القطب بين أيدي المتنفّذين من رجال المال والسّلطة السياسيّة. وإذا نجحت عمليّات القولبة والتّنميط وتصنيع الصّورة السلبيّة، فإنّ الضحيّة يجد من الآخرين مشاعر الكراهيّة والنّفور والاشمئزاز والاحتقار، وأحيانًا الخوف منه، بل والرّغبة في التخلّص منه، ممّا يجعله أحيانًا معرّضًا للخطر[49].

صورة المسلمين عند المسيحيّين:

تقول الكاتبة الفرنسيّة أنا ماريا دلكمبر  (Anne-Marie Delcambre: «لقد نظرت العقليّة المسيحيّة الشرقيّة في مجملها إلى الإسلام على أنّه مشروع الشّيطان»[50].

رغم أنّ ماريا دلكمبر (1943 - 2016) المتخصّصة في تاريخ الأديان والفكر الإسلاميّ، هاجمت الإسلام بشراسة وشوّهت صورته كأقبح ما يكون في كتبها ومداخلاتها الإعلاميّة، كما هو حال كثير من الباحثين والباحثات في الغرب في هذا العصر، إلاّ أنّها أظهرت في شهادتها السّابقة نوعًا من الموضوعيّة والأمانة، وهي تذكر أنّ المؤرّخ تيوفان هو أوّل مؤلّف بيزنطيّ ترك لنا، في بداية القرن التّاسع الميلادي، سيرة لرسول الإسلام والّتي عرفت شهرة كبيرة في بلاد الغرب. ثمّ نقلت جزءًا مهمًّا ممّا كتبه تيوفان، نختار منه المقطع الآتي: «لمّا كان محمّد فقيرًا ويتيمًا فقد قرّر أن يرتبط بامرأة غنيّة اسمها خديجة، وبعد أن سيطر عليها وأغراها تزوّجها، وفي فلسطين اختلط مع اليهود والنّصارى، وبوساطتهم حصل على بعض الكتابات، وأصيب أيضًا بالصّرع، ولمّا علمت زوجته، وهي امرأة من الطبقة الغنيّة، أنّها قد ارتبطت برجل ليس فقيرًا فقط، ولكنّه أيضًا مصاب بالصّرع هدّأها بقوله: إنّي أرى ملكًا اسمه جبريل، ولمّا كنت لا أستطيع تحمّل رؤيته فإنّي أصرع. وفي الختام فإنّ بدعته حصلت بالحرب على منطقة يثرب»[51].

الصّورة النمطيّة المؤسّسة لغيرها: أنموذج المؤرّخ تيوفان

تظهر الحرفيّة الكبرى في التّنميط عند تيوفان، ولا أحد من المنمّطين بعده وصل إلى مستواه، فما نقرأه اليوم من القولبة والتّنميط، وما نشاهده من صور استهزائيّة ليس سوى تقليد لمدرسة تيوفان، فنرى من خلال نصّه أنّه وضع أصول التّنميط. وفيما كتبه عن الإسلام في حوليّاته، لا نجده ينقد النصّ القرآنيّ ولا ينتقده، ولا نراه يجادل في الإسلام من حيث هو دين. اهتمّ تيوفان بشخص النبيّ محمّد واكتفى بذلك. فإذا استُهجن الشّخص وصُوّرت شخصيّته الماديّة والمعنويّة في أبشع ما يكون من الأوصاف ملتزمًا حدودًا معيّنة في الكذب لإقناع القارئ بالتّصديق، فإنّه بالضّرورة سيرفض كلّ ما يأتي من ذلك الشّخص من أقوال وأفكار ونظريّات ومبادئ، وسيقوم هو بدوره بتنميطه كما يشاء، وذلك ما حصل فعلًا للمسيحيّين في بيزنطة والشّام ومصر ثمّ في أوروبّا.

لم يكن من الصّدفة أن يبرز تيوفان خديجة على أنّها امرأة طيّبة القلب، أي ساذجة غير مستقرّة على رأي، ولا شخصيّة ولا إرادة لها. فألغى دور محمّد كلّيًّا في نشر دعوته، وبيّن ضمنيًّا أنّ محمّدًا لم تكن له قيمة اجتماعيّة في قبيلته، وأنّه أعجز من أن يواجه رجال القبيلة، وأنّه لو بدأ هو بنشر دعوته لما انتشرت، فكيف نأخذ نبوّة نشرتها امرأة؟

وضع تيوفان (للرسول) محمدP صورة نمطيّة متكاملة متماسكة. بدأ بذكر الفقر الشّديد ثمّ الإثراء السّريع، حيث جعل محمّدًا عاطلًا عن العمل إلى أن تزوّج بخديجة، وقد تزوّجها بالمكر والخداع إذ تقرّب إليها وأظهر لها التّواضع والأمانة والجديّة، فاستأجرته يرعى إبلها، بعد ذلك تلاعب بعواطفها وقبلت أن تتزوّجه رغم الفوارق الطبقيّة والماديّة والأخلاقيّة. لم يذكر تيوفان لماذا سافر محمّد إلى فلسطين وهو متزوّج بخديجة؟ ولكنّه ذكره ليبيّن للمسيحيّين المصدر الحقيقيّ لتنبّؤ محمّد ودينه الجديد، فهل نصدّق نبوّة رجل خدع امرأة طيّبة القلب؟! لذلك فإنّه يكذب في نظر تيوفان عندما ادّعى أنّه يرى جبريل. أليس العرب جهلة مشركون يعبدون الأصنام والشّمس والقمر والنّجوم؟ فمن أين له أن يعرف جبريل لولا أنّه سمع ذلك من اليهود والمسيحيّين في فلسطين؟ طبعًا لا يمكن لبيزنطيّ أن يعارض القسّ تيوفان بأنّ المسيحيّين واليهود كثيرون في مكّة ويثرب والطائف ونجران، وكلّها أقرب مسافة من فلسطين.

نُشرت تلك الصّورة النمطيّة لنبيّ الإسلام بين كلّ المسيحيّين الشرقييّن، نُشرت كتابةً بين البطارقة والقساوسة والرّهبان والمتعلّمين، وشفهيًّا في الكنائس والأديرة والمناقشات، وانطبعت الصّورة في المخيّل المسيحيّ الشرقيّ وترسّخت في الأذهان.

 المواصلة من القرن العاشر الميلادي إلى اليوم

في القرون الخمسة الأولى من عمر الإسلام دينًا وأمّة وإمبراطوريّة وممالك وإمارات، عاش المسيحيّون ذلك التوسّع الجغرافيّ وتلك الانتصارات. شهد المسيحيّون شرقًا وغربًا تطوّر المسلمين العلميّ وتفوّقهم الحضاريّ والفكريّ والثقافيّ، وأخذوا عنهم ثلاثة أشياء أساسيّة في الحياة: النّظافة والطبّ والصيدلة، ورأوا اختراعات لم تكن لتخطر على بالهم، فعندما كان الأطبّاء المسلمون يعلنون أنّ المرض سببه الوسخ، كانت الكنيسة تردّ وتؤكّد أنّ «مصدر المرض هو الحرام»، وعلى الرغم من أنّ كثيرًا من المسيحيّين كانوا يعرفون أنّ العرب المسلمين أخذوا علومهم عن اليونان، وأنّهم قاموا بغربلة تلك العلوم ونقدها وتطويرها، مضيفين إليها ما توصّلوا إليه باجتهاداتهم، فقد عزّ على المسيحيّين أن يكون العرب هم حلقة الرّبط، وشرع نجم المسلمين يميل إلى الغروب والانحدار بسرعة حتّى حان وقت النهوض للمسيحيّين، فكانت الحروب الصليبيّة[52].

الجديد في الصّورة النمطيّة:

رأى المستشرق الألمانيّ يوهان فوك (1894- 1974) أنّ فكرة التّبشير كانت هي الدّافع الحقيقيّ وراء انشغال الكنيسة بترجمة القرآن والاهتمام بالثقافة الإسلاميّة[53].

ذلك أنّ العداوة العقائديّة مهما اشتدّت لا تبرّر وحدها التّنميط والقولبة، فلا بدّ من دافع قويّ ظاهر أو خفيّ. وفي منتصف القرن التّاسع الميلادي، حدث في القسطنطينيّة ما حدث في بغداد في عهد المأمون في حركة الترجمة، فقد شرع البيزنطيّون بأمر من الإمبراطور بترجمة القرآن والسيرة، وقد نُسبت أوّل ترجمة للقرآن إلى نسطاس البيزنطيّ (Nicétas de Byzance) بين 855 و870م، أي في عهد المتوكّل، وعلى غراره فعل كثير من الكتاب البيزنطيّين[54].

فعن أيّ تنصير أو تبشير في ذلك العهد يتحدّث يوهان فوك؟ لقد تظافرت ظواهر وأسباب عديدة لذلك الاهتمام بالإسلام، لعلّ من أهمّها أنّ الكنيسة تعتبر نفسها الممثلّة الوحيدة للربّ على الأرض وأنّها رسوليّة أي وريثة الرّسل، ومن واجبها نشر الدّين الحقّ. ومن الأسباب أيضًا أنّها فقدت سيطرتها المطلقة على المسيحيّين في الدّولة الإسلاميّة، وهالها إسلام كثير منهم عن قناعة أو هروبًا من الجزية، وقد بقي كثير من المسيحيّين على دينهم وفي كنائسهم، ولم يمنعوا لا من طقوسهم التعبّديّة، ولا من أعيادهم، ولا من تقاليدهم في الدّول الإسلاميّة، إلاّ لبضع سنين متفرّقة عبر العصور، ولأسباب سياسيّة وظرفيّة بحتة، فإنّ تلك الحريّة في التديّن، ولو بالجزية، لم تعجب الكنيسة التي تعوّدت على فرض آرائها وقوانينها وسلطتها على العامّة والخاصّة. والسّبب الأخير هو أنّ الكتابات الأولى عن شخص الرّسول لم تؤدّ دورها المنتظر في نشر كراهيّة الإسلام بين العديد من المسيحيّين. فكان من الضروريّ أن يهتمّ المجادلون المسيحيّون بالمراجع الدينيّة عند المسلمين وأوّلها القرآن. حتّى تصبح الصّورة النمطيّة للإسلام متكاملة ومتناغمة. فحيثما أدار المسيحيّ وجهه ليتعرّف على الإسلام، وجد القوالب النمطيّة السلبيّة الجاهزة، وعلى سبيل المثال: كتب نسطاس، ثلاثة كتب ضدّ الإسلام، بطلب من الإمبراطورين ميخائيل الثالث وبازيل الأوّل، وكان أهمّ عمل ازدرى فيه نسطاس الإسلام هو بحثه الكبير الذي جاء تحت عنوان: دحض الكتاب المقدّس المحرّف (القرآن) لمحمّد العربيّ[55].

نترك مسألة تحريف اسم الرّسول لنركّز على ظاهرتين؛ الأولى: هي تسمية القرآن بالكتاب المقدّس المحرّف، والثّانية: ذكر الجنسيّة: العربيّ. يعيد نسطاس رسم مساحة صغيرة من الصّورة النمطيّة الأولى؛ إذ يرفض ما وضعه فيها تيوفان من أنّ محمّدًا سمع بضعة أسطر من الكتاب المقدّس من اليهود والمسيحيّين واعتمدها ليؤلّف كتابه، فنسطاس ينفي قدرة محمّد على الكتابة والتأليف، ويعتبره مجرّد سارق ومحرّف. وحسب بعض الباحثين الغربيّين المعاصرين، فقد كتب نسطاس باليونانيّة، وأمكنه ترجمة القرآن إلى تلك اللّغة؛ لأنّه كان يتقن العربيّة؛ بل إنّ الباحثة اليونانيّة المعاصرة أنجليكا زياكرا تذكر أنّ نسطاس قدّم لأوّل مرّة منذ القرن التاّسع وبالإغريقيّة تحليلًا لجميع القرآن وترجمة أمينة لعدد كبير من أجزائه، وأنّ ترجمته عن الأصل العربيّ ناجحة[56].

إنّ إقرارات الباحثة اليونانيّة تثير تساؤلات وتؤكّد شكوكًا. يجمع الباحثون الغربيّون قديمًا وحديثًا على أنّه لا يُعرف شيء عن نسطاس البيزنطيّ، لا في ما يتعلّق بمولده ولا بعائلته ولا باسمه الحقيقيّ ولا بتاريخ وفاته، يعرف عنه أنّه كان مؤرّخ القصر في بيزنطة في عهدي ميخائيل الثالث (842-867م) وبازيل الأوّل (867-886م) فقط، فالغموض المطبق يلفّ هذه الشخصيّة كما يلفّ شخصيّة يوحنّا الدمشقيّ وتاودرس أبي قرّة، وكلّ الشخصيّات التي كتبت تهاجم الإسلام. فإذا لخّصنا ما اتّفق عليه الباحثون في خصوص نسطاس الروميّ وجدنا أنّه تعلّم بالإغريقيّة وتخصّص في الفلسفة الإغريقيّة ولقّب بالفيلسوف، وكتب بالإغريقيّة، ولم يكتب حرفًا بالعربيّة وقضى كهولته كلّها في قصر الإمبراطور، ونستفيد من ذلك أنّ نسطاس البيزنطيّ كان يجهل العربيّة، فيكون من العسير القبول بأنّه ترجم القرآن أو أيّ كتاب عربيّ، وإذا عرفنا أنّه ظهر فجأة قبيل القرن العاشر الميلاديّ، فهذا يدفعنا إلى الشكّ كثيرًا في وجوده الحقيقيّ.

يزعم كثير من الباحثين الغربيّين، أنّ أمثال يوحنّا الدمشقيّ وتيودور أبي قرّة ونسطاس الرّومي قرأوا القرآن كلّه، وغاصوا في محتوياته، وانتقوا منه سورًا وآيات وتوقّفوا عند جزئيّات، فنسطاس الرّومي مثلًا توقّف عند جملة النّداء: «يا أخت هارون» في قوله تعالى: ﴿فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡ‍ٔٗا فَرِيّٗا 27 يَٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا 28 فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا﴾[57]. ليبيّن أنّ الأمر اختلط على محمّد في شأن مريم؛ إذ اعتبرها «أخت هارون». فلم يكن محمّد يعرف أنّ بين هارون وولادة مريم خمسة عشر قرنًا. وليؤكّد نسطاس الرّوميّ فريته أضاف في بحثه كلمة: «وموسى» أي إنّه كتب: «يا أخت هارون وموسى»، على أنّ ذلك من النصّ القرآنيّ! لإقناع القارئ المسيحيّ أنّ القرآن ليس إلاّ الكتاب المقدّس محرّفًا، وأنّ محمّدًا ارتكب إثمًا لا يُغتفر، وذهب نسطاس إلى أبعد من ذلك؛ إذ اعتبر أنّ «عِمران» في القرآن هو «عَمرام» أبو موسى وهارون، ليؤكّد الخلط في القرآن بإثبات الأخوّة بين مريم أمّ عيسى وموسى وهارون؛ لأنّ الكتاب المقدّس يذكر لموسى وهارون أختًا اسمها مريم! فهل من الغريب أنّ يجعل نسطاس الرّومي الرّسول هو المسيح الدجّال؟[58].

 المخيال المسيحيّ في القرون الوسطى:

ينفي بعض الباحثين الغربيّين أن يكون يوحنّا الدمشقيّ أو تيودور أبو قرة أو نسطاس الرّومي قد كتبوا شيئًا عن القرآن؛ لأنّه لم يترجم كلّه إلى اللاّتينية أو الإغريقيّة طيلة القرون الثلاثة الأولى للهجرة على الأقلّ، أي إلى القرن العاشر الميلاديّ، ولم يكن يوجد من العرب من يتقن اللّغتين الغربيّتين وإلاّ لما احتاج المأمون إلى مسيحيّ يدير بيت الحكمة. وعلى هذا الأساس فإنّ أوّل ترجمة للقرآن إلى اللاّتينيّة حدثت في سنة 1143م، وذلك على يد ثلاثة رهبان؛ أوّلهم وأبرزهم الفرنسيّ بطرس المبجّل (Pierre le Vénérable) رئيس دير كلوني(Cluny)[59].

 وقد منع الفاتيكان نشر تلك التّرجمة قرونًا، رغم أنّها ليست كاملة مبنًى ومعنًى، وإنّما كانت تركيبات ملفّقة حسب محاور تستجيب لرغبة الرّاهب «بطرس» في نقد القرآن ودحض الرّسالة المحمّديّة، فقد جمع مقتطفات من القصص القرآنيّ مقتطعة من سياقها في السّور، ثمّ لفّق بين المقاطع لإبراز القصّة، وصيغ النصّ بالنّظر إلى اللّغة اللاّتينيّة في معجمها الفقير وأسلوبها الثقيل ونحوها المعقّد، ممّا جعل المستشرق الفرنسي بلاشير (1900 - 1973) يقول عنها: «لا تبدو التّرجمة الطليطليّة للقرآن بوجه من الوجوه ترجمة أمينة ولا كاملة، بل هي ملخّصات مختارة»[60].

ذكر محمّد صالح البنداق في كتابه: المستشرقون وترجمة القرآن، أنّ الدوائر المسيحيّة منعت نشر تلك التّرجمة خوفًا واحتياطًا، وهكذا لم يتح للغربيّين أن يطّلعوا على القرآن كاملًا إلاّ عام 1743م. عبر ترجمة إلى الإنجليزيّة، قام بها المستشرق الإنجليزيّ جورج سيل (George Sale)[61].

دور الاستشراق والإعلام:

إذا كان الاستشراق هو دراسة البنى الثّقافيّة للشّرق من وجهة نظر غربيّة أو إذا كان تعبيرًا يدلّ على الاتّجاه نحو الشّرق، بحيث يطلق على كلّ من يبحث في أمور الشّرقيّين وثقافتهم وتاريخهم، فإنّه بدأ أثناء الحروب الصليبيّة ولم ينقطع، إلاّ أنّه لم يصبح قسمًا دائمًا في الجامعات الأوروبيّة ومطمحًا لعديد من الطلّاب واختصاصًا في البحث، إلاّ في القرن الثّامن عشر، وحسب المستشرق الفرنسيّ مكسيم رودنـسون (Maxime Rodinson) فإنّ مصطلح الاستشراق ظهر في اللّغة الانجليزيّة عام 1779، بينما ظهر في اللّغة الفرنسيّة عام [62]1799.

الشّرق في المخيّل الغربيّ:

رأى إدوارد سعيد (1935 - 2003) أنّ الشّرق كان اختراعًا غربيًّا، وملاذًا لتدفّق الأحلام والغرائز، فقد كان منذ زمن غابر مكانًا للرّومنسيّة، أي قصص الحبّ والمغامرات والكائنات الغريبّة والذكريات والمشاهد الّتي لا تنسى والخبرات الفريدة الرائعة والغريبة (exotique)[63].

وبما أنّ الشّرق الأدنى، أي الأقرب إلى أوروبّا، هو العربيّ أوّلًا والمسلم ثانيًا، فإنّ اللّوحة الشرقيّة عند الأوروبيّين معقّدة التّركيب، فذلك الشّرق عندهم حلم استعماريّ استيطانيّ، ومنافس دينيّ حضاريّ، وقنطرة الفكر اليونانيّ إليهم؛ لذلك فالمشاعر الأوروبيّة نحو الشّرق الأدنى مزيج من المتناقضات: إعجاب ونفور، صداقة وعداوة، تقارب وتقاطع، قبول ورفض، فماذا تغلّب من تلك المشاعر وماذا ظهر منها قديمًا وحديثًا؟

المنهج العلميّ في خدمة الصّورة النمطيّة:

لا أحد ينكر دور المستشرقين الأساسيّ، وهو البحث عن المخطوطات والآثار في المنطقة العربيّة وإخراجها من الرفوف ومن تحت التّراب، ولا يجحد فضل المستشرقين في التحقيق والدّراسة والبحث إلاّ جاهل، ولا خلاف عند أهل الرّأي أنّ عمل المستشرقين منهجيّ علميّ عقلانيّ. فأين المشكلة؟

المشكلة في نظر مصطفى السّباعي (1915 - 1964) أنّ أغلب المستشرقين يضعون في أذهانهم فكرة معيّنة يريدون تصيّد الأدلّة لإثباتها، وحين يبحثون عن هذه الأدلّة لا تهمّهم صحّتها بمقدار ما يهمّهم إمكان الاستفادة منها لدعم آرائهم الشخصيّة، وكثيرًا ما يستنبطون الأمر الكليّ من حادثة جزئيّة، ومن هنا يقعون في مفارقات عجيبة[64].

قد يكون حديث مصطفى السّباعيّ عن معرفة ودراية بالاستشراق وأهله ومناهجه وأغراضه، فقد ناقش كثيرمنهم، وواجههم في كتاباته ردًّا عليهم، فما ظهر منذ القرون الأولى يتواصل وينمو ويتغيّر، كما تتطوّر الطّرق والأساليب، ولكن تبقى الصّورة النمطيّة للإسلام والمسلمين هي نفسها على مرّ القرون، فالجديد مع الاستشراق هو أنّ البحث والتّنقيب وحضور الدّروس في الأزهر وغيره، والمحاضرات في الجامعات والمنتديات العربيّة، كان من أجل معرفة علميّة دقيقة بالإسلام من مصادره، ليس للتدبّر والمقارنة الموضوعيّة، وإنّما لجمع ما يمكن جمعه من أدلّة ضدّ الإسلام. ولئن وجد الاستشراق آذانًا صاغية، وعيونًا عاشقة، وقلوبًا فارغة، وعقولاً مستعدّة، في البلاد الإسلاميّة للتهجّم على الإسلام، فلأنّ منهج الاستشراق علميّ في ظاهره، سفسطائيّ في باطنه.

ولكنّ المشكلة الثانية في نظر مصطفى السّباعي هي أنّ المستشرقين في عمومهم لا يخلو أحدهم من أن يكون قسّيسًا أو استعماريًّا متعصّبًا، وإن شذّ عن ذلك أفراد، وأنّ الاستشراق بصورة عامّة ينبعث من الكنيسة، وفي الدّول الاستعماريّة يسير مع الكنيسة ووزارة الخارجيّة جنبًا إلى جنب، يلقى منهما كلّ تأييد. وأنّ الدّول الاستعماريّة كبريطانيا وفرنسا ما تزال حريصة على توجيه الاستشراق وجهته التقليديّة من كونه أداة حفر وهدم لقيم الإسلام، ووسيلة تشويه لسمعة المسلمين. ذاك ما استنتجه مصطفى السباعي، فهل تغيّر الأمر بعده بستيّن عامًا؟ هل قطار العداوة للإسلام يسير في الوجهة نفسها؟

يصعب الجواب بدقّة كما يصعب تلخيص الظّاهرة الاستشراقيّة، فهي كما لاحظ وليد نويهض حقول معرفيّة متداخلة، ويعكس تاريخها علاقة الوافد ووعيه للآخر، ويعكس في الوقت نفسه علاقة المتلقّي واكتشافه للقادم؛ لذلك لا يمكن حصر الاستشراق في نصوص مدرسيّة؛ لأنّه تأسّس تاريخيًّا في سياقات معرفيّة متضادّة في أصولها وروافدها[65].

هذه العلاقة تحوّلت إلى ضروب من الاستغراب أو الاغتراب بحكم تمكّنها وتغلغلها في بنية الفكر العربيّ الإسلاميّ عبر صور القهر الدّعائيّ والتلقين والإبهار، فالظّاهرة الاستشراقيّة هي ثقافيّة في أساسها العام، مرّت بمراحل متعاقبة، هي في توصيف وليد نويهض الاحتكاك الذي تطوّر إلى حاجة وانتهى إلى وظيفة، ولكنّه دخل الآن مرحلة الفوات الزّمني، في عصر لم يعد بحاجة الى مغامر ليقرأ، ومصوّر ليرسم، ومرشد ليدلّ، فالاختراق حصل وموضوع الهيمنة حُسم لمصلحة عالم افتراضيّ، ودراسة الأشياء وتفاصيلها تطوّرت، وتجاوزت العموميّات السّابقة، وأسلوب تنميط شخصيّة الآخر من خلال توهّمات تتخيّل صورة هذا الآخر[66].

هذا الاستغراب هو مقابلة لفظيّة واصطلاحيّة للاستشراق لا محالة، وربّما أصبح يحيل إلى فكرة انصهار كثير من النّخب العربيّة والإسلاميّة في أتون الاستشراق انصهارًا معتبرًا.

بدأ الاغتراب عند المسلمين والعرب كما بدأ عند المسيحيّين والأوروبيّين، فكما اندهش المسيحيّون بانتصارات المسلمين الحربيّة على الفرس والرّوم وحصار القسطنطينيّة، ثمّ انذهلوا وشرعوا يبحثون عن الأسباب، فإنّ احتلال نابليون بونابرت لمصر كان له التّأثير نفسه في نفوس المسلمين. وكالمسيحيّين، كان المسلمون يعتقدون أنّهم الأمّة الّتي لا تُغلب وأنّ الله ناصرهم، وأنّ سلطانهم وملِكَهم خليفة الله على الأرض. تلك هي الصّورة النمطيّة للسّلطة السياسيّة الّتي رسمها المحدّثون والمؤرّخون والفقهاء المسلمون طيلة أربعة عشر قرنًا، وكفّروا كلّ من نقدها أو تجاهلها. وإنّك لتجد تشابهًا، إن لم نقل تماثلًا، بين الوضع أثناء الحرب الصليبيّة الأولى وبين احتلال نابليون لمصر. والتّشابه هو في الانفصال التّام بين المسلمين والأوروبيّين، إذ انكمشت كلّ أمّة على ذاتها واكتفت بقوقعتها المغلقة تعيش فيها كالحلزون. وأوّل صور الاغتراب نجدها في تاريخ الجبرتيّ (1756-1825) في كتابه عجائب الآثار.

الإعلام: السّلاح الجديد لنشر الصّورة النمطيّة.

قال الكاتب الأردنيّ باسم سكِجها: «لو كان هناك إعلام قبل ستّة آلاف سنة، لعبده البشر باعتباره إله الشرّ والخير في آن معًا؛ لأنّه يستطيع أن يخلق من العدم، ويعدم ما يريد، ويجعل من الحبّة قبّة، ومن القبّة حبّة، وفي كلّ الأحوال فهو يسيّر البشريّة إلى المصير الّذي يريد، وعلى النّحو الذي يحبّ»[67].

لم يخفَ الدّور السلبيّ للإعلام على رجال السّياسة والمال والصّناعة، وهو دور إيجابيّ، في نظرهم، ما دام يخدم مصالحهم الشخصيّة في الإعلان عن بضاعة ماديّة أو فكريّة أو إيديولوجيّة، وفي نشرها على أوسع نطاق وإقناع المستهلكين بضرورة تلك البضاعة وغرس الرّغبة فيها وتنمية الحاجة الملحّة إليها، والاقتناع بوجاهة ذلك الاختيار.

عندما تولّى هتلر السّلطة أقنع الشعب الألمانيّ بأيديولوجيّته واختياراته وقراراته، وأشاع صورة نمطيّة عن السّاميين، واهتمّ باليهود خصوصًا، ولمّا تأكّدت الولايات المتّحدة من خطره الاستعماريّ ورأت أنّها أولى بالهيمنة العالميّة، تولّى رئيسها ويلسون لجنة حكوميّة للدّعاية للحرب وضرورة شنّها وتدمير ألمانيا، كانت مهمّتها الأولى تحويل المواطن الأمريكيّ المسالم المناهض للحرب إلى متعطّش لها، وقد حقّقت اللّجنة ذلك في مدّة قياسيّة لا تتعدّى ستّة أشهر. دفع ذلك النّجاح في تطويع الشّعب بفضل الإعلام والدّعاية إلى التّفكير في صناعة «العدوّ القوميّ المتربّص بالوطن»، والذي لا بدّ من مواجهته والقضاء عليه، فكان النّازيّون، أي الشعب الألمانيّ كلّه، وتلاهم الشيوعيّون، أي الشّعب في الاتّحاد السوفياتي كلّه هم العدوّ. بذلك حقّقت السلطة السياسيّة أهمّ أهدافها الداخليّة قبل الخارجيّة، وهو تدمير الاتّحادات العمّالية والقضاء على الحريّات الّتي ضمنها الدّستور: حريّة الصّحافة وحريّة الفكر السياسيّ وحريّة الرّأي بصفة خاصّة.

من تلك الأحداث، تأسّست صناعة القولبة والتّنميط في الولايات المتّحدة، فظهرت صور نمطيّة في السّنيما والجرائد والكتب وكلّ وسائل الإعلام، صور نمطيّة للسّود والعرب وحتّى المرأة، في ومضات الإشهار، باعتبار أنّ الإعلام هو القوة النّاعمة لحجب العقل وتأجيج العواطف ونشر أحاديّة الخطاب، وأحاديّة التّفكير، وأحاديّة الإيديولوجيا، وأحاديّة الثّقافة والذّوق وفق نظريّة السّيطرة النّاعمة التي برزت بعد حرب فيتنام، والتي رامت التّأثير على العقول وتوجيهها داخليًّا وخارجيًّا، باعتبار أنّ الإعلام والصّورة تمثّلان أهمّ ركائز القوّة الناعمة. واستغلّت بعض وسائل الإعلام الغربيّة تلك المفاهيم لتقدّم الإسلام والمسلمين في صور نمطيّة خاوية وخالية من الحيويّة، متجاهلة حركة الحياة والمشاعر والعمليّات الإنسانيّة المتشابكة، مكرّسة بذلك التّقسيم القديم: الغرب المسيحيّ والشّرق المسلم[68].

ورثت وسائل الإعلام والاتّصال في بلاد الغرب الصّور النمطيّة التي كرّستها الدّعاية الاستعماريّة والاستشراقيّة، وقد اعتمدت آراء المستشرقين والخبراء في مراكز البحوث أمثال: الإنجليزي كنيث كراغ (1913 - 2012) والأمريكي برنارد لويس (1916-) واليونانيّ فاتيكيوتس (ت: 1997) واعتبرتهم مرجعًا لفهم الأحداث المتعلّقة بالعالم الإسلاميّ، ولكنّ هؤلاء الباحثين وأمثالهم، إلاّ قلّة منهم، ليسوا سوى «بنادق مستأجرة» كما وصفهم إدوارد سعيد.

يدرسون العالم الإسلاميّ لا ليفهموه وفق مقولة المستشرق الفرنسيّ لويس ماسينيون (1883 - 1962): «لكي نفهم الإنسان الآخر، يجب ألاّ نستولي عليه وندمجه فينا؛ بل يجب أن نكون ضيوفه»، ولا ليتضامنوا مع المسلمين وقضاياهم الإنسانيّة؛ بل بالعكس، يعملون على إعاقة سبل التّفاهم والتعايش، ويكرّسون عقليّة الاستعلاء، وينشرون مفردات الكراهية والعداء والقطيعة بين الشّعوب والثّقافات[69].

ويضرب إدوارد سعيد مثلًا على ذلك التحيّز وسوء النيّة، بموقف هؤلاء من قضيّة الإرهاب، فهم لا يتورّعون أبدًا من التّأكيد على أنّ الإسلام دين إرهابيّ حقًّا، وهو ما يتحاشى السياسيّون أنفسهم التّصريح به، ويستشهد بعبارة لبرنارد لويس يقول فيها: «إنّ من المناسب أن نستخدم الإسلام كمصطلح للتّعريف والتّصنيف في النّقاش حول الإرهاب»[70].

الخاتمة:

إنّ الوعي بالتّاريخ وأحداث الماضي والتعرّف على الأفكار التي كانت سائدة بين المسيحيّين والمسلمين، هي خطوة مهمّة في طريق التخلّص من الأحكام السّابقة المتبادلة والتي تمكّن من التّفكير في المستقبل والخروج من دائرة التأثّر السّلبي والعدائي، وهذا ما عالجه هذا البحث وحاول تحقيقه من خلال تحليل علاقة الغرب بالإسلام، وذلك عن طريق التّركيز على المقابلة بين أعباء الماضي وتحديّات الحاضر وأخذ العبر منها، وقطف ثمرة من ثمار الوعي النّقديّ المقارن، والدّعوة إلى تجاوز ذلك الماضي الذي كان حافلًا بالحروب والعدوان واليأس، والمشحون بسوء الفهم. وقد كشف البحث أنّ الجدل الفكريّ بين الطّرفين كان مذهبيًّا وتبريريًّا، ولم تعرف العلاقات بين المسيحيّين والمسلمين فترة من التلاقح والتعاون المثمر سياسيًّا وعلميًّا إلاّ في عهود أسبانيا الإسلاميّة، حيث تعايش اليهود والمسيحيّون والمسلمون في ظلّ ثقافة مشتركة وحضارة عالميّة.

ومن أجل الاستفادة من تلك التّجربة وتحقيق بعض الانفراج اليوم، لا بدّ من التخلّص من سلطة الأيديولوجيا، وتجاوز نمط العولمة التي ترسّخ أحاديّة العنصر والمعتقد ورفض الآخر، عبر الحملات السياسيّة والإعلاميّة المتواصلة ضدّ الإسلام والمسلمين، وتخصيصهم بممارسة الإرهاب. والبحث عن بدائل حضاريّة جديدة تفتح آفاقًا أرحب في مشاغل لقاء الحضارات والحوار بين أتباع الأديان.

لقد ظلّت الرّؤية الغربيّة إلى الإسلام والعالم الإسلاميّ أسيرة الدائرة التاريخيّة، فالدّراسات الاستشراقيّة سواء أكانت دينيّة أو فلسفيّة أو أدبيّة، ظلّت تستقي مفاهيمها ورؤاها من كتابات القرون الوسطى السلبيّة المشبعة بالرّوح الصليبيّة التي نشرها رجال اللاّهوت المسيحيّون لتشويه الإسلام ومواجهة جاذبيّته. أمّا الدّراسات الاجتماعيّة والأنثروبولوجيّة، فقد ظلّت أيضًا تنظر إلى المسلمين وفق قوالب جاهزة، وكأنّهم هويّة واحدة وفهم واحد، دون النّظر في الاختلاف والتنوّع الجغرافيّ واللّغوي والثّقافيّ، وفي تعدّد تجاربهم في فهم الدّين والواقع، أو في اجتهاداتهم وإبداعاتهم العامّة والخاصّة.

 وحتّى الدّراسات الأمنيّة والسياسيّة والعلاقات الدوليّة التي اختصّت بها مراكز البحوث الغربيّةّ، فإنّها لم تخرج من تلك البوتقة المغلقة؛ بل زادت في تكوين الرّيبة والشكّ، وتعميق النّفور من المهاجرين العرب والمسلمين، فهل يمكن التخلّص، بعد قرون مديدة، من سلطة التاريخ والأيديولوجيا وتجاوز عقليّة التّصنيف والهيمنة والمركزيّة؟

كشفت قراءتنا لتاريخ العلاقة بين الغرب والإسلام أنّ الحاجة مؤكّدة اليوم لإنجاز دراسات تحليليّة حول ما تنشره وسائل الإعلام ومراكز البحوث الغربيّة، ومتابعة المغالطات والتّشويهات والتّنبيه إليها ونقدها، وهدمها فكريًّا وإعلاميًّا، وتصحيح الأخطاء والمطاعن التي انكشف أمرها وزيفها بفضل الوعي المتزايد والدراسات المقارنة.

بيّن البحث أنّ صناعة صور نمطيّة تسيء إلى الإسلام والمسلمين وترسيخها في العقل الغربيّ كانت ظاهرة قديمة، وظلّت متجدّدة. وقد كان الإسلام ولا يزال هو أكثر الأديان التي تعرّضت للإساءة في الغرب، كما أنّ المسلمين هم أكثر الشّعوب التي نالت حظّها من التّشويه والتّجريح في وسائل الإعلام الغربيّة.

وقد كشف لنا الرّصد التاريخيّ لتطوّر ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين، أنّ قادة الفكر والسّياسة في الغرب ظلّوا ينظرون إلى الإسلام باعتباره يمثّل تهديدًا لوجودهم ومصالحهم، وخاصّة رجال اللاّهوت، فقد كانوا خائفين من انتشار الإسلام وتأثيره على العقل المسيحيّ. فقاوموه بكلّ السّبل المتاحة: العسكريّة والفكريّة والدّعائيّة. ولم يختلف هذا الموقف في مرحلة الاستعمار؛ بل كان تجسيدًا لها. وكانت حركة الاستشراق أداة من أدوات التّعبئة والهيمنة ومحاولة استكشاف طبيعة العقل المسلم ومرتكزاته ليسهل استعماره والتحكّم فيه، فضلًا عن احتلال الأرض ونهب الثّروات الطبيعيّة.

 ومع تطوّر وسائل الإعلام والتكنولوجيا، لم تتطوّر الرّؤى إلاّ عند فئة قليلة من أحرار الفكر من أمثال الأمريكيّ جون اسبيزوتو (1940-) والفرنسيّ توماس ديلتومب (1974-) والبلجيكيّ مارسال بوازار(1939-)، والسّبب أنّ العقل الغربيّ ورث تراكمات تراثيّة ظلّت مهيمنة عليه، ولم يستطع التخلّص منها، لأسباب عديدة شرحناها في ثنايا البحث، وقد أعادها رُعاة الإعلام الجديد ومراكز البحوث في شكل خوف مرضيّ، وذلك ضمن نظريّات ودعايات فضفاضة منها: نظريّة هلال الأزمات لدى بريجنسكي (1928-)، وصدام الحضارات لدى هنتنجتون، وعودة الإسلام لبرنارد لويس(ت2018)، وغير ذلك من الأصوات والأقلام التي ترى في نهضة الإسلام أو يقظة المسلمين نهاية التّاريخ وسقوط الحضارة، وقد ازدادت ظاهرة هذا الخوف المَرَضيّ من الإسلام والمسلمين واتّسعت دوائرها في العالم الغربيّ منذ انتهاء الحرب الباردة، وانتشار فكرة أنّ الإسلام حلّ عدوًّا للغرب عوضًا عن الشيوعيّة، وكأنّ الغرب لا يتوازن وعيه، ولا يتحقّق تماسكه، إلاّ باختلاق عدوّ ينسب إليه كلّ إسقاطاته الباطنيّة، ومراياه المتخيّلة.

قائمة المصادر والمراجع:

أ) العربيّة:

1.  ابن الأثير، علي بن محمَّد بن محمَّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيبانيّ، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السّلام تدمريّ، ط1، بيروت، دار الكتاب العربيّ، 1417هـ.ق/1997م.

2.  ابن عاشور، الطاهر، التحرير والتنوير، د.ط، تونس، دار سحنون للنشر والتوزيع، 1997م.

3.  ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل، البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، ط1، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، 1408هـ.ق/1988م.

4.  أبو الفضل، منى، مفهوم الآخر في اليهوديَّة والمسيحيَّة، د.ط، دمشق، دار الفكر، 2008م.

5.  البنداق، محمَّد صالح، المستشرقون وترجمة القرآن، ط2، بيروت، درا الآفاق الجديدة، 1403هـ.ق/1983م.

6.  التوحيديّ، أبو حيَّان، البصائر والذخائر، تحقيق: وداد القاضي، ط1، بيروت، دار صادر، 1408هـ.ق/1988م.

7.  الجصّاص، أبو بكر أحمد بن علي الرازي، أحكام القرآن، تحقيق: محمَّد الصادق قمحاوي، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، 1405م.

8.  الحاج، ساسي سالم، نقد الخطاب الاستشراقيّ، د.ط، بيروت، دار المدار الإسلاميّ، 2002م. 

9.  حسين، آصف، صراع الغرب مع الإسلام، ترجمة: مازن مطبقانيّ، د.ط، الرياض، دار الوعي للنشر، 2013م.

10.دراز، محمَّد عبد الله، الدين، ط3، الكويت، دار القلم، 1394هـ.ق/1974م.

11.الدِّيار بَكْري، حسين بن محمَّد بن الحسن، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، د.ط، بيروت، دار صادر، د.ت.

12. السامرائيّ، نعمان عبد الرزّاق، الحياة تدافع أم تصارع، ط1، الرياض، مكتبة العبيكان، 1433هـ.ق.

13. السباعيّ، مصطفى، الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، د.ط، بيروت، دار الورَّاق، 1998م.

14.سعيد، إدوارد، الاستشراق، ترجمة: محمَّد عناني، د.ط، القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، 2008م.

15.سوذرن، ريتشارد، صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى، ترجمة: رضوان السيّد، د.ط، بيروت، دار المدار الإسلاميّ، 2006م.

16.الشميمريّ، فهد بن عبد الرحمن، التربية الإعلاميَّة، الفصل الثالث القولبة وتصنيع الصورة النمطيّة، د.ط، الرياض، د.ن، 1431هـ.ق.

17.صالح، سلوى بالحاج، المسيحيّة العربيّة وتطوّراتها، ط2، بيروت، دار الطليعة، 1998م.

18. الطباطبائيّ، محمَّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، د.ط، بيروت، مؤسَّسة الأعلميّ للمطبوعات، 1417هـ.ق/1997م.

19.عبده، محمَّد، الإسلام والنصرانيَّة، د.ط، بيروت، دار الحداثة، 1988م.

20.العريني، السيِّد الباز، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، د.ط، بيروت، دار النهضة العربيَّة، 1968م.

21.عليّ، جواد، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط4، بيروت، دار الساقي، 1422هـ.ق/2001م.

22. قسطنطين الباشا، ميامر ثاودورس أبي قرّة، أسقف حرّان، د.ط، بيروت، مطبعة الفوائد، 1904م.

23. قنواتي، جورج، المسيحيَّة والحضارة العربيَّة، ط1، القاهرة، المؤسَّسة العربيَّة للدراسات والنشر، 1974م.

24.المباركفوري، صفيّ الرحمن، الرحيق المختوم، ط1، بيروت، دار الهلال؛ القاهرة، دار الوفاء، 2010م.

25. المجلسيّ، محمَّد باقر، بحار الأنوار، د.ط، قم المقدَّسة، دار إحياء الكتب الإسلاميَّة، 1388هـ.ق،1968م.

26. المعرّي، أبو العلاء، اللزوميَّات، د.ط، القاهرة، مكتبة الخانجي، 2001م.

27.هنتنغتون، صمويل، صدام الحضارات، ترجمة: طلعت الشايب، د.ط، بيروت، دار سطور، 1999م.

28.هونكه، زغريد، العقيدة والمعرفة، ترجمة: عمر لطفي العالم، د.ط، بيروت، دار قتيبة، 1987م.

 ب) موسوعات ودوريَّات:

29.  حيدر، محمود، استشراق مستحدّث، مجلَّة دراسات استشراقيَّة، العدد 3، شتاء 2015.

30.سعيد، أحمد راشد، تطوّر الصورة النمطيَّة للإسلام والمسلمين في الغرب، مجلَّة جامعة الإمام، العدد 18، ذو القعدة 1417هـ.ق/1996م. 

31.سِكجها، باسم، الإعلام سلاح العصور، الدستور، عدد 23/5/2012.

32.شاخت وآخرون، جوزيف، تراث الإسلام، ط3، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب،  1988م، العدد 233، ج1.

33.الطحاويّ، حاتم، حديث المسيحيَّة والإسلام مواريث المواجهة وفرص التفاهم والمشاركة، الحياة، العدد 3، يونيو 2004.

34. علي جواد، مقالات عن يوحنّا الدمشقيّ، مجلَّة الرّسالة، القاهرة، الأعداد 610، و611، و 612، ربيع الآخر1364هـ.ق/مارس1945م.

35.موجز دائرة المعارف الإسلاميَّة، ط1، القاهرة، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، 1418هـ.ق/1998م، ج31، مقال النجاشي، ص9880.

36. الموسوعة العربيَّة، دمشق، دار الفكر، 1999م، المجلَّد 16.

37. نويهض، وليد، الاستغراب السلبيّ كتمثّ للاستشراق، مجلَّة الاستغراب، العدد 1، السنة الأولى، خريف 2005م/1436هـ.ق.   

ج) أجنبيّة

38. Angeliki  Ziaka , Le regard de la Recherche grecque contemporaine sur la découverte de l’islam par le monde byzantin (VIIIe-XIVes).paris 2010.

39. Anne-Marie Delcambre , Des miroirs déformants ,L’Islam vu par les chrétiens d’Orient entre le VIIème et le XIème siècle. Paris 1999.

40. Berdyaev,The Russian Revolution,University of Michigan press 1961.

41. Blachère, introduction au coran,Maisonneuve et Larose, Paris 1977.

42. Edward said,The Essentiel Terrorist, E.Said and C.Hitchens (ed) Balming The Victims, London,verso,1988.

43. Halévy Joseph. Examen critique du témoignage d‘Hérodote sur la religion des Arabes. In: Comptes rendus des séances de l‘Académie des Inscriptions et Belles-Lettres, 15ᵉ année, 1871. pp. 231-238.

44. Martin Jugie, une nouvelle vie et un nouvel écrit de saint Jean Damascène. Echos d’orient.32eanneé, no :153.1929. p.35

45. Louis Bréhier, La Civilisation byzantine, Éditions Albin Michel, 1970. 

46. The chronicle of Theophanous. Edited by Harry Turtledove. University of Pennsylvania press.1992.                                                                

--------------------------------

[1]    محمّد عبد الله دراز، الدّين، دار القلم، الطبعة الثالثة، الكويت، 1394هـ - 1974م، ص175.

[2]    يقول المعرّي: إنّ الشرائعَ ألقت بيننا إحنًا - وأودَعتنا أفانينَ العداوات. اللّزوميّات، مكتبة الخانجيّ، القاهرة، 2001، ص175.

[3]    محمّد عبده شيخ الأزهر، له كتاب الإسلام والنّصرانية، ردّفيه على فرح أنطون عام 1902 أي قبل وفاته بثلاث سنين، وهو صورة معتبرة من الفكر المقارن بين الإسلام والنّصرانيّة وحضارة الإسلام والحضارة الأوروبيّة، انظر: محمّد عبده، الإسلام والنّصرانية، طبعة دار الحداثة، بيروت 1988م، ص123.

[4]    صمويل هنتغتون، صدام الحضارات، ترجمة: طلعت الشايب، دار سطور، بيروت 1999، ص 338.

[5]    يوحنّا الدمشقيّ شخصيّة يحيط بها الغموض من كلّ ناحية، وفي أدبيّات الفكر المسيحيّ يعدّ أنّه أوّل من كتب ضدّ الإسلام والمسلمين عن معرفة، لأنّه عمل مسؤولًا ماليًّا في بيت المال في عهود الخلفاء الأمويّين، راجع: مجلّة الرّسالة، مقال جواد علي، تحت عنوان: يوحنّا الدّمشقي، ضمن الأعداد: 610، و611، و612، القاهرة، ربيع الآخر 1364هـ، مارس 1945م، ص 66.

[6]    صمويل هنتغتون، صدام الحضارات، سبق ذكره، ص340.

[7]     Berdyaev, The Russian Revolution, University of Michigan press 1961, p.11

[8]    محمود حيدر، استشراق مستحدث، دراسات استشراقيّة، العدد الثالث، خريف 2015، ص160.    

[9]    سورة المائدة، الآيتان 82 – 83.

[10]  منى أبو الفضل، مفهوم الآخر في اليهودية والمسيحيّة، دار الفكر، دمشق، 2008، ص113.

[11]  الجصّاص، أحكام القرآن، تحقيق: محمّد الصّادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405م، ج4، ص 109.

[12]  سورة المائدة، الآية 83.

[13]  موجز دائرة المعارف الإسلاميّة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، الطبعة الأولى، 1418هـ /1998م، ج31، مقال: النجاشي، ص 9880.

[14]  محمّد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، بيروت، 1417هـ/1997م، ج6، ص81.

[15]    Halévy Joseph. Examen critique du témoignage d’Hérodote sur la religion des Arabes. In: Comptes rendus des séances de l’Académie des Inscriptions et Belles-Lettres, 15ᵉ année, 1871. pp. 231-238.

[16]  أبو حيّان التّوحيدي، البصائر والذخائر، تحقيق: وداد القاضي، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ/1988م، ج5، ص44.

[17]  موجز دائرة المعارف الإسلاميّة، ص4391، سبق ذكره.

[18]  سلوى بالحاج صالح، المسيحيّة العربيّة وتطوّراتها، دار الطليعة، الطبعة الثانية، بيروت، 1998، ص127.

[19]  الدِّيار بَكْري، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، دار صادر، بيروت (د.ت) ج2، ص70.

[20]  المرجع السّابق، ج2، ص70.

[21]  المرجع نفسه، ج2، ص71، وانظر: بحار الأنوار للعلاّمة المجلسيّ، طبعة دار إحياء الكتب الإسلاميّة، قم، 1388هـ/1968م، ج17، ص296.

[22]  الديار بكريّ، المرجع السّابق، ج2، ص72.

[23]  صفيّ الرّحمن المباركفوري، الرّحيق المختوم، الطبعة الأولى، دار الهلال، بيروت (عن طبعة دار الوفاء، القاهرة 2010م)، ص 368.

[24]  المباركفوري، الرحيق المختوم، المرجع السّابق، ص 371.

[25]  السيد الباز العريني، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، دار النهضة العربيّة، بيروت، 1968، ص210.

[26]  المباركفوري، ص373، سبق ذكره.

[27]  ابن هشام، السّيرة النبويّة، تحقيق: مصطفى السقا، مكتبة مصطفى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الثانية، 1375هـ-1955م، ج1، ص573.

[28]  المرجع السّابق، ج1، ص 573.

[29]  المرجع نفسه، ج1، ص 574.

[30]  سورة النحل، الآية 103.

[31]  الطّاهر بن عاشور، التّحرير والتّنوير، دار سحنون للنّشر والتوزيع، تونس،1997، ج 14، ص234.

[32]  جواد عليّ، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار الساقي، الطبعة الرابعة، بيروت، 1422هـ/2001م، 12/179.

[33]  ابن كثير (ت: 774هـ‍) البداية والنهاية، تحقيق: عَلي شيري، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ - 1988م، ج 10، ص 18.

[34]  حاتم الطحاويّ، حديث المسيحيّة والإسلام مواريث المواجهة وفرص التفاهم والمشاركة، الحياة، العدد 3، يونيو 2004، ص12.

[35]    Martin Jugie, une nouvelle vie et un nouvel écrit de saint Jean Damascène. Echos d’orient,no:153,1929, p.35.                                                                             

[36]  جورج قنواتي، المسيحيّة والحضارة العربيّة، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، الطّبعة الأولى، القاهرة 1974، ص 263.

[37]  قسطنطين الباشا، ميامر تاودورس أبي قرة، أسقف حرّان، مطبعة الفوائد، بيروت، 1904م، ص18.

[38]    The chronicle of Theophanous. Edited by Harry Turtledove. University of Pennsylvania press.1992. p.11.

[39]  ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، بيروت، 1417هـ/1997م، ج3، ص310.

[40]  ريتشارد سوذرن، صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى، ترجمة: رضوان السيّد، دار المدار الإسلاميّ، بيروت، 2006، ص11.

[41]  ابن كثير، البداية والنهاية، دار الفكر، بيروت، 1407هـ، 1986م، ج11، ص253.

[42]  تراث الإسلام، تصنيف جوزيف شاخت وآخرين، الطبعة الثالثة، سلسلة عالم المعرفة، العدد 233، الكويت، 1998م، الجزء الأوّل، ص35.

[43]  نعمان عبد الرزّق السّامرائي، الحياة تدافع أم تصارع. مكتبة العبيكان، ط1، الريّاض، 1433هـ، ص138.

[44]  في سنة 1088م، كان بابا الفاتيكان هو أوربانوس الثّاني (Urbain II) (1099-1088) في عام 1089م، حسّن علاقات الفاتيكان مع القسطنطينيّة وعقد في مارس 1095م المجمع الكنسيّ concile de Plaisance)) قام إثره مباشرة بجولة كبيرة في فرنسا، وهو الرّأس المخطّط والمدبّر لفكرة الحروب الصليبيّة. وبدأ في السنة نفسها 1095م يهيّج النّاس ضدّ الإسلام وأهله لإشعال سلسلة حروب تحرق الأخضر واليابس، تقتل المسلمين وتخرّب بلادهم. ولا يسلم من شرورها حتّى النّصارى في المشرق. وما ذكرناه أنموذج من بعض خطاباته التي كان يلقيها في الجماهير المسيحيّة الهائجة، مع العلم أنّ البابا في نظر كثير من المسيحيّين معصوم من الكذب والخطأ. وفي 27 نوفمبر 1095م (نهاية ذي القعدة 488هـ) عقد مجمعًا كنسيًّا ثانيًا، وهو نادر إلاّ لضرورة قصوى، كان ذلك في مدينةClermont-Ferrand) ) في فرنسا أيضًا، وفيه دعا المسيحيّين الأوروبّيين إلى الحرب المقدّسة لاسترجاع بيت المقدس بعد أن اتّفق مع الكثيرين من الأرستقراطيّة الأوروبيّة والنّبلاء لتمويل البعثات وقيادتها، المرجع السابق، ص141.

[45]  ريتشارد سوذرن، صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى، سبق ذكره، ص 68.

[46]  تراث الإسلام، تصنيف جوزيف شاخت وآخرين، الطبعة الثالثة، سلسلة عالم المعرفة، العدد 233، الكويت 1998م، الجزء الأوّل، ص35.

[47]  ريتشارد سوذرن، صورة الإسلام، ص 51، سبق ذكره.

[48]  تراث الإسلام، ص 36، سبق ذكره.

[49]  فهد بن عبد الرحمن الشميمريّ، التربية الإعلاميّة، الفصل الثالث القولبة وتصنيع الصّورة النمطيّة، الرياض، 1431هـ، ص88.

[50]    (dans son ensemble, la mentalité chrétienne orientale voit dans l’Islam une entreprise du Diable) Anne-Marie Delcambre, Des miroirs déformants, L’Islam vu par les chrétiens d’Orient entre le VIIème et le XIème siècle. Paris 2004, page 41.

[51]  المرجع السّابق، ص 41.

[52]  زغريد هونكه، العقيدة والمعرفة، ترجمة: عمر لطفي العالم، دار قتيبة، بيروت، 1987، ص154

[53]  ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقيّ، دار المدار الإسلاميّ، بيروت، 2002، ج1، ص5.

[54]    Louis Bréhier, La Civilisation byzantine, Éditions Albin Michel, 1970, p 271.

[55]    (A la demande des empereurs Michel III (842-867) et Basile Ier (867-886), il écrivit trois livres contre l’islam. L’œuvre la plus importante dans laquelle Nicétas discrédite la religion islamique est son grand traité intitulé: Réfutation de la Bible faussée (Coran) de Mahomet l’Arabe) Angeliki G. Ziaka, Le regard de la recherche grecque contemporaine sur la découverte de l’islam par le monde byzantin (VIIIe-XIVes) paris 2010, p33.

[56]  المرجع السابق، ص34.

[57]  سورة مريم، الآيات 27 – 29.

[58]  آصف حسين، صراع الغرب مع الإسلام، ترجمة: مازن مطبقاني، دار الوعي للنشر، الرياض،2013، ص28.

[59]  المرجع نفسه، ص29.

[60]    Blachère, introduction au coran, Maisonneuve et Larose, Paris 1977, page 265.

[61]  محمّد صالح البنداق، المستشرقون وترجمة القرآن، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1403هـ/1983م، ص 95.

[62]  تراث الإسلام، سبق ذكره، ص73.

[63]  إدوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة محمّد عناني، رؤية للنّشر والتوزيع، القاهرة، 2008، ص43.

[64]  مصطفى السباعي، الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، المكتب الإسلاميّ، بيروت 1999، ص 55.

[65]  وليد نويهض، الاستغراب السّلبي كتمثّل للاستشراق، مجلّة الاستغراب، العدد الأوّل، السنة الأولى، 1436هـ، خريف 2005، ص240.

[66]  المرجع نفسه، ص 240. 

[67]  باسم سكِجها، الاعلام سلاح العصر، الدستور، العدد 23/5/2012، ص 11.

[68]  أحمد راشد سعيد، تطوّر الصّورة النمطيّة للإسلام والمسلمين في الغرب، مجلّة جامعة الإمام، العدد 18، ذو القعدة 1417هـ/1996م، ص476.

[69]  المرجع السّابق، ص493.

[70]    Edward said, The Essentiel Terrorist, E.Said and C.Hitchens (ed) ,Balming The Victims, London,verso,1988, P156.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف