البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

May / 23 / 2015  |  1943عاصفة الحزم نبض القلق السعودي

حيدر محمد الكعبي المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية نيسان 2015
عاصفة الحزم نبض القلق السعودي

في وقت متأخر من مساء الأربعاء 25/3/2015 اعلنت السعودية بشكل مفاجئ عن انطلاق أسراب من طائرات سلاحها الجوي لقصف أهداف محددة في أنحاء اليمن، وأطلقت على هذه العملية اسم "عاصفة الحزم".

وقد جمعت السعودية لهذه العملية تحالف يتضمن دولا عربية واخرى اجنبية، على رأسها الولايات المتحدة الامريكية التي تعهدت بتقديم دعم لوجستي ومباركة رسمية للجهود العربية ضد الثورة اليمنية التي قامت بها جماعة انصار الله المتحالفة مع قوات الجيش الموالية للرئيس اليمني الاسبق علي عبد الله صالح.

كان موعد اطلاق الحملة وطبيعة الدعم الذي نالته والاهداف المعلنة لها تمثل نبضا دقيقا لطبيعة المتغيرات التي تشهدها حالة الشرق الاوسط، وبالذات الحالة السعودية، فقرار اطلاق "عاصفة الحزم" رافقته اخفاقات في بنية التحالف الذي تقوم عليه هذه الحملة، مما يؤكد عن انه قرار متعجّل لم يقم على حسابات استراتيجية ولم يتوفر على المستلزمات اللوجستية الكافية لتحقيق اهدافه المعلنة، مما ينبئ عن خروج السعودية من حالة الاتزان الذي كانت تتظاهر بها لتغطي القلق المتزايد من تنامي القوة الايرانية في الشرق الاوسط.

وعلى الرغم من ان دول مجلس التعاون الخليجي قد رهنت ايقاف عمليات "عاصفة الحزم" بالتزام جماعة الحوثيين (بقرار مجلس الأمن الذي يطالبها بتسليم السلاح والانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها)   الا ان عاصفة الحزم قد توقفت بعد 27 يوما من اطلاقها فجأة من دون ان يتحقق هذه الشرط، الامر الذي يدل على عجز متوقع لهذه الحملة.

تداعيات الثورة اليمنية الاخيرة:

منذ العام 2011 تفجرت بوادر الثورة اليمنية الاخيرة اثر التذمر الشعبي من سوء الاقتصاد والفساد الحكومي، وكان قرار الحكومة اليمنية القاضي برفع الدعم عن المشتقات النفطية هو الشرارة التي اشعلت الفتيل، (فأكثر من 50% من المواطنين اليمنيين كانوا يعيشون على أقل من دولارين يومياً و30% يعانون من إنعدام الأمن الغذائي، وإزالة أحد الفوائد الإجتماعية القليلة الملموسة مثل دعم المشتقات النفطية سبب كاف للخروج إلى الشوارع...

افتقرت ما عُرف بـ(حكومة الوفاق) إلى تخطيط اقتصادي منسق، وبقيت الوزارات الرئيسية محل تنافس الأحزاب السياسية التي فشلت في العمل على إيجاد رؤية موحدة لأجل اليمن.

استثمر الحوثيون التذمر من هيمنة حزب التجمع اليمني للإصلاح لصالحهم، فطالبوا بتغيير الحكومة والتظاهر ضد الفساد وسوء الإدارة وإنعدام الخدمات العامة)  .

وقد تمكن الحوثيون خلال فترة قياسية من السيطرة على صنعاء عاصمة اليمن واحتلوا القصر الرئاسي بتاريخ 19/1/2015  فاعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي استقالته من الرئاسة بتاريخ 22/1/2015، فأصدر الحوثيون (ما أسموه بالاعلان الدستوري في 6/2/2015 وقاموا بحل البرلمان وتمكين "اللجنة الثورية" بقيادة محمد علي الحوثي لقيادة البلاد بصفة مؤقتة، وأعلنوا عن عزمهم تشكيل مجلس وطني من 551 عضواً ومجلس رئاسي من خمسة أعضاء بقيادة محمد علي الحوثي، وهو ما رُفض محلياً ودولياً .

وأعلن جمال بنعمر عن إستئناف المفاوضات لحل أزمة فراغ السلطة في 9/2/2015،  لم يبت مجلس النواب في استقالة عبد ربه منصور هادي وغادر إلى عدن في 21/2/2015 معلناً عن نفسه رئيساً من جديد ) .

واذ تحصن عبد ربه منصور والموالين له في عدن، اخذ يتشكل ما يشبه الاصطفاف وتوحيد الجهد بين القوات الموالية له والجماعات السلفية الجهادية كالاخوان المسلمين والقاعدة في اليمن، وذلك للتصدي للقوة الحوثية الصاعدة.

وكانت بواكير عمل هذا الاصطفاف ما قامت به الجماعات الاسلامية المتطرفة من تنفيذ لأربعة تفجيرات انتحارية استهدفت مسجدين للحوثيين في صنعاء راح ضحيتها ما لا يقل عن 142 شخصا واصابة 350 شخصا بجروح يوم الجمعة الموافق 20/3/2015، وكان من ابرز القتلى المرجع الديني للحوثيين الشيخ المرتضى المحطوري، هذا فضلا عن قيام مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة بذبح 20 ضابطا وجنديا يمنيا في اليوم نفسه بمدينة الحوطة بمحافظة لحج.

اثر ذلك ظهر رئيس جماعة (انصار الله) عبد الملك الحوثي في خطاب متلفز له معلنا عن اتخاذ جماعته قرار التعبئة العامة للحرب ضد عبد ربه منصور والقوات المصطفة الى جانبه، وذلك (بعد الجرائم التي ارتكبها تنظيم القاعدة في تفجيرات مسجدي بدر والحشوش بصنعاء ومذبحة الحوطة، وشن الحوثيون حملة عسكرية لملاحقة الرئيس هادي مدعومين بقوات عسكرية مؤيده لعلي صالح، بدأ الهجوم باندلاع اشتباكات في محافظة تعز في 22/3/2015، وسيطر الحوثيون على مطار عسكري في تعز، وتوجهوا مدعومين بقوات تابعة للحرس الجمهوري المنحل صوب محافظة عدن ) .

وبالفعل، فقد تمكن الحوثيون بمعونة الرئيس اليمني الاسبق علي عبد الله صالح من الوصول الى مشارف عدن خلال مدة قياسية، وعندها اضطر عبد ربه منصور هادي الى الفرار من اليمن داعيا دول مجلس التعاون الخليجي الى التدخل العسكري ضد الحوثيين، فكانت السعودية اول المستجيبين لذلك بحملة عسكرية مفاجئة اسمتها (عاصفة الحزم).

القرار السعودي المتعجّل:

بمجرد ان شعرت السعودية ان القوات الموالية لها في اليمن   واحلافها قد فشلوا في مواجهة المد الحوثي، اعلنت عن دخولها شخصيا في الحرب في قرار يبدو عليه الاستعجال الشديد، فقد كان من المتوقع ان تتمخض مثل هذه الخطوة المصيرية عن قرار مشترك للدول العربية في القمة المزمع انعقادها بمصر بتاريخ 28/3/2015 ولكن السعودية اعلنت عن القيام بالحملة قبل ثلاثة ايام فقط من تاريخ القمّة.

ويؤكد طبيعة الاستعجال السعودي ما ظهر من ارتباك في الاستراتيجية العسكرية الخاصة بحملة عاصفة الحزم فيما بعد، وبالذات في الموقف الباكستاني الذي اعلن عن رفضه للمشاركة العسكرية في ضرب الحوثيين ونزوعه الى الحل السلمي، وغموض الموقف المصري في حجم المشاركة العسكرية ورمزية المشاركات التي خاضتها دول اخرى في الحلف، كالسودان التي شاركت بثلاث طائرات فقط سقطت احدها في بدايات انخراطها في الحملة.

لذلك، بدا واضحا ان السعودية لم تكن قد رسمت مخططا عسكريا محكما لما بعد الضربات الجوية المكثفة، فكأنها لم تضع في حسبانها طبيعة الموقف العسكري الذي يلوح في افق العملية بعد الحملة الجوية.

وعليه فقد بات (من المؤكد أن الهجمات الجوية الأولى قامت بها طائرات سعودية، وأن دول الخليج المشاركة في التحالف لم تكن قد أنهت استعداداتها للمشاركة بعدُ عندما انطلقت العملية، من جهة أخرى فإن المشاركة الباكستانية لم تكن قد تحددت حتى بعد مضي أسبوع على بدء الهجمات الجوية، وبينما احتاجت مصر أيامًا لإرسال عدد من الزوارق البحرية إلى السواحل اليمنية بدون أن تتوفر أدلة على مشاركتها في الهجمات الجوية، وليس من الواضح ما إن كانت هناك مشاركة أردنية ومغربية فعلية)  .

كل هذه المؤشرات تدل بشكل واضح على استعجال القرار السعودي في اطلاق حملة (عاصفة الحزم) العسكرية.

ربما يقال ان السعودية قد تعجّلت في اطلاق (عاصفة الحزم) لكي تتصدر قيادة الحملة العربية ضد الحوثيين، لأن القرار اذا كان متمخضا عن القمة العربية في شرم الشيخ، فلربما تتصدر قيادته مصر وليس السعودية، باعتبار ان مصر راعية القمة العربية في هذه الدورة.

ولكن مع قليل من التأمل نجد ان السعي لحيازة مكاسب معنوية كهذه لا يعد سببا كافيا للاستعجال باصدار قرار بهذا الحجم من الخطورة، وانما هنالك اسباب اكثر واقعية تبرر ذلك، ويقع على رأسها القلق السعودي المتنامي من الصعود الايراني في منطقة الشرق الاوسط.

هذا ولم يخفِ السعوديون اطلاقا الاسباب الحقيقية التي تقف وراء استعجالهم في اطلاق عملية (عاصفة الحزم) ضد الحوثيين، وهو نمو القوة الحوثية التي لها علاقات استراتيجية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية.

وقد افصحت دول الخليج وعلى رأسها السعودية عن هذا القلق مرارا وتكرارا، ويبدو ان قلقها هذا قد بلغ مبلغا دفعها باتجاه حرب لم تنضج خطتها ولم تحسب تداعياتها، مما اسفر عن نتائج محرجة واجهتها السعودية واحلافها بعد اسبوعين فقط من انطلاق الحملة، وقد ذكرنا طرفا من هذه التداعيات آنفا، وسوف نذكر طرفا آخر من هذه التداعيات لاحقا.

وعلى كل حال، فان السبب المعلن الذي دفع السعودية لاطلاق الحملة – وهو الاستجابة لطلب الرئيس عبد ربه منصور للتدخل العسكري ضد الحوثيين- لم يكن سوى مبرر دعائي مكشوف لا اكثر.

ففي الحقيقة (لا يشكِّل الحوثيون، بحدِّ ذاتهم خطرًا على المملكة العربية السعودية؛ فهم في النهاية قوة ذات قاعدة شعبية محدودة، حتى بين اليمنيين الزيود.

الاشتباكات التي جرت بينهم والقوات السعودية في 2009 نجمت عن تعديهم على مواقع حدودية سعودية، بعد أن ظنُّوا أن السعودية تدعم حرب النظام اليمني آنذاك ضدهم. خلال السنوات التالية، تعاملت الرياض مع الظاهرة الحوثية باعتبارها إحدى مظاهر التشظي السياسي اليمني، ولكن المشكلة التي أخذت السعودية في مواجهتها، منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي، أن الحوثيين بدوا في حالة تحالف مع إيران أوسع وأعمق بكثير مما كان يُظَنُّ؛ واتضح بما لم يترك مجالًا للشك أن عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق الذي يمارس نفوذًا قويًّا على أكثر من نصف القوات المسلحة اليمنية، أصبح طرفًا في التحالف الحوثي-الإيراني)  .

هل الاصطفاف سياسي أم عقائدي؟

ان الحديث عن التحالف الحوثي الايراني هذا يجرنا الى الكلام حول طبيعة اصطفاف القوى الاقليمية بعضها مع بعض في الشرق الاوسط، هذا الاصطفاف الذي بات يتحكم في رسم مصير المنطقة كلها وفي اليمن بالذات.

فعلى الرغم من ان الحوثيين من الزيدية – وهو مذهب يقترب من المذهب الشيعي الامامي– الا انهم بقوا بعيدين عن التهمة في الاصطفاف مع ايران في نظر المنطقة العربية التي يحكمها المذهب السني المتشدد، ولم تبدأ مخاوف الدول العربية من الحوثيين إلا حين أعلن عبد الملك الحوثي عن اقامة حركة باسم (انصار الله) شعارها معاداة امريكا واسرائيل، ولا يخفى انه شعار يأتي في سياق المنهج المعلن لمحور المقاومة ضد الهيمنة الصهيونية، وهو محور يتمثل اساسا بإيران والنظام السوري وحزب الله في لبنان.

فقد رأت دول الخليج المتحالفة مع الولايات المتحدة الامريكية ان الحوثيين يسيرون باتجاه تكوين نسخة طبق الاصل عن حزب الله اللبناني في اليمن، وصرحت مرارا عن مخاوفها من ذلك، (وعند الربط بين توقيت سحب الجنود الأمريكيين   وتوقيت التصعيد الإعلامي والسياسي السعودي تجاه الحوثيين، يمكن أن نستنتج أن الولايات المتحدة بدأت أخيرا تستجيب للضغوط السعودية والخليجية باتجاه ضرورة الوقوف بوجه التمدّد الإيراني في المنطقة، وقد حلّت ساعة الصفر فأعلنت السعودية في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس الموافق 26/3/2015 عن بدء ما اسمته (عاصفة الحزم)، ولا غرابة أن يتم هذا الإعلان على لسان السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، لتوحي الحكومة السعودية إن هجومها العسكري على اليمن يحظى بدعم وتأييد واضحين من الولايات المتحدة، والحقيقة إن السعودية لا تتجرأ بالقيام بمثل هكذا عمل عسكري دون موافقة مسبقة من الولايات المتحدة والدليل إن البيت الأبيض أعلن مباشرة عن دعمه للهجوم السعودي سياسيا ولوجستيا.

وعند البحث في الأسباب الحقيقية للهجوم السعودي، نجد إن الدافع الرئيسي وراءه يكمن في التخوّف السعودي من تحوّل اليمن في ظلّ سيطرة الحوثيين إلى منطقة نفوذ إيراني تضاف إلى مناطق النفوذ الإيرانية الأخرى في العراق وسوريا ولبنان، مما أثار قلق السعوديين من احتمالية تعرّض أمنهم الوطني إلى تهديد حقيقي مصدره دولة مجاورة هي اليمن قد تكون حليفة لإيران إذا ما استقرت أحوالها لصالح الحوثيين.

إن السعودية أرادت من وراء هجومها على اليمن توجيه رسائل إلى إيران بأنها قادرة على تشكيل تحالف من دول المنطقة قادر على التصدّي لمحاولات التمدّد الإيراني، وإنها لن تسمح بقيام حكومة يمنية موالية لإيران، فضلا عن شعور السعودية بأن إيران قد حققت مكاسب سياسية من خلال زيادة نفوذها في العراق ونجاحها في حماية حكومة بشار الأسد من السقوط وهذا ما عدّته السعودية نصراً إيرانيا افقد السعودية هيبتها، فبدأت السعودية تصوّر الأمر وكأن الشرق الأوسط يعيش العصر الإيراني، لذلك وجدت السعودية في اليمن فرصة لاستعادة هيبتها المفقودة من خلال محاولة إلحاق الهزيمة بالحوثيين لتصوّره بأنه هزيمة لإيران مما يرد للسعودية اعتبارها السياسي)  .

اذن فان الحرب سياسية بالدرجة الاساس، والاصطفافات قائمة على هذا الشأن، وان كانت العوامل الايدلوجية تلعب دورا مهما في ترسيم معالم طبيعة هذا الاصطفاف السياسي.

اسباب القلق من محور المقاومة:

أما لماذا هذا القلق الخليجي من تنامي قوة محور المقاومة الذي يعلن عداءه لإسرائيل وامريكا؟ فهو امر لا يحتاج الى تأمل كثير عندما نتذكر الحقيقة التي بات يعلمها الجميع، وهي ان غالبية الانظمة الخليجية لا يبتني حكمها على اساس ارادة شعوبها، وانما على اساس دعم الولايات المتحدة الامريكية لها ضمن تحالف استراتيجي قديم، يقوم اساسا على حماية امريكا للأنظمة العربية الملكية من الانهيار مقابل دعم هذه الانظمة للمصالح الامريكية في المنطقة.

لذا نجد ان العديد من الحكومات العربية باتت تشعر بالقلق ازاء تخفيف الولايات المتحدة لالتزاماتها التاريخية تجاهها في الآونة الاخيرة، وهذا التخفيف تجسد في قرب التوصل الى اتفاق امريكي - ايراني حول برنامجها النووي.

واذا فقدت هذه الحكومات حماية الولايات المتحدة فإنها ستجد نفسها وحيدة في مواجهة شعوبها المهمشة والساخطة الى حد الانفجار، وهو مالم يخفه الرئيس اوباما في تصريحاته الاخيرة إذ قال: (ان العرب يواجهون بعض التهديدات الخارجية الحقيقية، لكن لديهم أيضاً بعض التهديدات الداخلية المتمثلة في سكان مقصيين في بعض الحالات، وشباب عاطلين عن العمل وأيديولوجية هدّامة وإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم".

وأعرب الرئيس الأميركي عن اعتقاده بأن "أكبر التهديدات" التي تواجه العرب السنة قد لا تأتي من غزو إيراني "بل من السخط داخل بلدانهم". وأضاف أنه سيجري "حواراً صعباً" مع حلفاء الولايات المتحدة العرب في الخليج وسيعدهم خلاله بتقديم دعم أميركي قوي ضد الأعداء الخارجيين. بيد أنه استدرك قائلاً: إنه يتعين عليهم معالجة التحديات السياسية الداخلية، وأن يكونوا أكثر فاعلية في معالجة الأزمات الإقليمية)  .

واستدراكا لهذه الحال، اجتهدت الحكومة السعودية في تحويل انظار الشعب عن طبيعة الصراع القائم على الاصطفافات السياسية – كما ذكرنا سابقا- واستبدلت مكانه الاصطفاف الديني، إذ اضفت طابع الخلاف العقائدي على الصراع فحسب، باعتباره الوسيلة الوحيدة لديها لتوجيه السخط الجماهيري العربي تجاهها نحو محور المقاومة للتمدد الصهيوني في المنطقة وعلى رأسه ايران.

لذا (تبدي الرياض مؤشرات متسارعة تدل على انشغالها بإدخال تعديلات كبيرة على عقيدتها الأمنية - العسكرية، دوافعها وأسبابها تتعلق بتغير ملحوظ في ثوابت علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب وبعض القوى الإقليمية على مدار عقود طويلة.

تلعب دار الافتاء وهيئة كبار العلماء- المقصود رجال الدين- دوراً مهماً على الصعيد السياسي في المملكة العربية السعودية في شكلين متداخلين: إما التمهيد لقرارات حكومية ذات أبعاد استراتيجية أو تسويق تلك القرارات بفتاوى ومقاربات لتسويغها من منظور فقهي بالقياس أو الاجتهاد.

في هذا السياق تندرج دعوة أطلقها مفتي المملكة السعودية عبد العزيز آل الشيخ... حثَّ فيها على العمل بالتجنيد الالزامي للشباب في المملكة، لتدريبهم وتهيئتهم عسكرياً لـ"الدفاع عن الدين والوطن.." على حد قول آل الشيخ الذي أضاف: "والاستعداد والتسلح الدائم لمقاومة أي شيطان، والتجنيد الإجباري لشبابنا أمر مهم ومطلوب؛ لتكون لنا قوة لا تُغلب مُدرّبة تدريباً جيداً".

دعوة غير مسبوقة في تاريخ المملكة السعودية، لم تصدر عن أي مرجع سياسي أو ديني حتى في ذروة الصراع العربي- الإسرائيلي، أو حرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية، لكنها باتت اليوم على جدول أعمال الحكومة، والتمهيد لها من دار الإفتاء يضعها على صفيح ساخن في مقدمة سلم الأولويات، بفعل تلمس القيادة السعودية لتغيرات ذات تأثير عميق واستراتيجي، تمس العلاقة التحالفية للرياض مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، وبعض القوى الإقليمية المتحالفة معها تاريخياً)  .

لذلك ليس مستغربا ان يصرح امام الحرم المكي عبد الرحمن السديس ابان حملة "عاصفة الحزم" في خطبة صلاة الجمعة قائلا: (حربنا مع ايران - قولوها وأملاؤها في الملأ- هي حرب سنة وشيعة، هي حرب فسطاطين لا ثالث لهما: حرب ايمان وسنة واعتقاد وصحابة.. وحرب نفاق وكذب وزور وبهتان.

حربنا مع ايران هي حرب ديانة ومعركة سنة وايمان وتوحيد، هي طائفية بجدارة، وان لم تكن طائفية؛ جعلناها طائفية وسعينا جهدنا أن تكون طائفية.

ماذا تريد ايران منا وماذا نريد منها؟ الا اننا لا نرضى ان يطعن بالله ورسوله، وان يكفّر اصحاب رسول الله، وان يشرك بالله وان تتهم عائشة بالزنا، ماذا نريد من ايران وماذا تريد منا، الحرب مع ايران حرب شيعة وسنة والضرب بيننا وبينهم في الضارب والعسكر والجيوش هو حرب شيعة وسنة)  .

باكستان تزيد الامور تعقيدا:

يبدو ان القوة الابرز التي كانت تعول عليها السعودية في عملية عاصفة الحزم هي القوة الباكستانية من بين كل احلافها، وذلك للثقل العسكري الذي تتمتع به باكستان في العدة والعدد، ولا يخفى ان السعودية كانت تتمنى ان تأخذ باكستان على عاتقها الحملة البرية التي تحسم المعركة لصالحها بعد الضربات الجوية التي يقوم بها طيران التحالف العربي.

ولكن الصاعقة التي صدمت السعودية وباقي دول الخليج هو القرار الذي طلع به البرلمان الباكستاني، الذي يتمثل بالامتناع عن المشاركة العسكرية والاكتفاء بالحلول السلمية لازمة اليمن، ولم تتمكن الدول العربية المتحالفة في عاصفة الحزم ان تخفي خيبة املها الكبيرة أمام الرأي العام.

ويبدو ان خيبة الامل هذه لا تقتصر على مجرد امتناع باكستان عن الدخول العسكري في عملية "عاصفة الحزم"، وانما لأن دول التعاون الخليجي كانت تراهن على جعل باكستان حليفا ايديولوجيا قويا يقف الى جانبها في صراعها مع ايران وحلفائها، باعتبار ان باكستان ثاني أكبر دولة من حيث عدد المسلمين غالبيتهم من السنة  ، فضلا عن كونها بلدا نوويا منافسا للجمهورية الاسلامية الايرانية.

ويبدو ان دول مجلس التعاون الخليجي كانت تمد يد الصداقة السخية لباكستان منذ مدة طويلة لأجل توثيق علاقتها الاستراتيجية معها، ويشهد على ذلك ما صرح به مصدر سعودي مطلع في الرياض من (أن باكستان أصبحت في قلب استراتيجية سعودية واسعة النطاق ومتعددة الأهداف للتصدي لـ "الخطر الإيراني" في المنطقة... لذلك قررت السعودية التحرك لدعم باكستان التي ينظر إليها كمنافس إقليمي محتمل للإيرانيين، وبحسب مراقبين فإن باكستان السنية والقوة النووية الإسلامية الوحيدة، يمكن أن توفر رادعا حاسما لإيران في أي مواجهات مستقبلية محتملة)  .

ولكن يبدو ان رهان العرب على جعل باكستان طوع امرهم في اي مغامرة يخوضونها لكسر شوكة ايران قد باء بالفشل، وهو ما شكل صدمة كبيرة دفعت وزير الشؤون الخارجية الإماراتي (أنور قرقاش) الى مهاجمة قرارات الحكومة الباكستانية (واصفا اياها بأنها «متناقضة وخطيرة وغير متوقعة» متهما إسلام آباد بالوقوف في صف إيران التي تتهمها الدول الخليجية بدعم الحوثيين.

وغرد احمد على موقع توتير: «باكستان تراعي مصالحها مع إيران التي تربطها معها حدود برية ومع الصين التي وعدتها بمد خط غاز عبر أراضيها يربطها مع إيران»...

وكانت الإمارات قد طالبت باكستان الجمعة بموقف واضح لمصلحة علاقتها الاستراتيجية مع دول الخليج، واصفة قرار إسلام آباد «الحيادي» من الصراع في اليمن بأنه «خطير وغير متوقع».

وانتقد قرقاش، من خلال تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» القرار الباكستاني قائلا «الخليج العربي في مواجهة خطيرة ومصيرية وأمنه الاستراتيجي على المحك، ولحظة الحقيقة هذه تميز الحليف الحقيقي من حليف الإعلام والتصريحات».

وأضاف «يبدو أن أهمية طهران لإسلام آباد وأنقرة تفوق أهمية دول الخليج، بعدنا الاقتصادي والاستثماري مطلوب، ويغيب الدعم السياسي في اللحظة الحرجة».

كما طالب باكستان بـ «موقف واضح لصالح علاقاتها الاستراتيجية مع دول الخليج العربي، المواقف المتناقضة والملتبسة في هذا الأمر المصيري تكلفتها عالية»)  .

(من جانبه، قال اللواء ركن الدكتور شامي بن محمد الظاهري قائد كلية القادة والأركان بالقوات المسلحة السعودية سابقا... "إن المملكة العربية السعودية تحترم قرار البرلمان الباكستاني المطالب للحكومة باتخاذ موقف حيادي من الأزمة اليمنية، وهذا القرار بالنسبة لي كمواطن سعودي أحترمه، لكنه أصابني  بخيبة أمل واكتئاب".

وتابع قائلاً "كأحد الدارسين بالمؤسسة العسكرية الباكستانية ولمدة ست سنوات، كنت أحسب باكستان والجيش الباكستاني بمنزلة درع وعمود فقري للأمة الإسلامية عامة والسعودية خاصة") .

واخيرا، فان مما يؤكد حجم الخذلان الخليجي بسبب عدم قدرته على استقطاب القوى العالمية لصالحه ما قاله الكاتب محمد برهومة في مقاله الموسوم (باكستان وجدوى الشعور بالخذلان) إذ قال:

(سواء تفهّمنا خلفيات وأسباب القرار الذي اتخذه البرلمان الباكستاني بالتزام الحياد حيال «عاصفة الحزم» أم ذهبنا إلى الشعور بالخذلان من ذلك وارتكسنا في لا وعينا إلى ترداد «يا وحدنا»، فإن ذلك يؤكد أن السياسة تدبير وتوازنات وإدارة مصالح، وتقاس كفاءتنا الديبلوماسية والسياسية بمقدرتنا على إقناع الآخرين بتقدير مصالحنا، وجعلها جزءاً من مصالحه لا عبئاً عليها.

قرار برلمان باكستان إزاء «عاصفة الحزم» في اليمن، بمنزلة اختبار لبعض الأصدقاء، من شأنه أنْ يعزز لدى السعودية وحلفائها العرب أهمية الاعتماد على الذات، والاقتناع بأن «الأمن العربي مسؤولية عربية وعنوانه عربي في المقام الأول». هذا لا يقلل من أهمية التحالفات والصداقات، وليس استهانة بدور الدول الكبرى، وليس دعوة الى العزلة عن العالم والآخرين.

لقد جرى في السنوات الأخيرة، استثمار عربي كبير في العلاقات مع روسيا، ومع ذلك لم تتراجع موسكو، في النهاية، عن تزويد طهران بنظام «إس ـ 300». ويقول الخبراء إن امتلاك إيران نظام «إم ـ 1» وموافقة موسكو على تزويدها «إس ـ 300»، سيعنيان أنه ستتوافر لدى إيران منظومة دفاعية جوية متكاملة لحماية مجالها الجوي ومنشآتها النووية المختلفة. ولذا يدعو محللون إلى أن تفكّر الدول العربية المقتدرة في الاستفادة من النموذج الياباني، بأن تكون عند حافة امتلاك خيار تصنيع السلاح النووي إذا اقتضى الأمر مستقبلاً...

عندما وقّعت الإمارات العربية المتحدة اتفاقية برنامجها النووي، تنازلت من تلقاء نفسها عن حقّها في تخصيب اليورانيوم محلياً، وهو قرار إماراتي سيادي اعتبرته أبو ظبي ينسجم مع رؤيتها ومصالحها وظروفها، وقد عدّتْ أميركا حينها هذا الاتفاق «نموذجياً». لكن هذا النموذج لا يلزم أحداً في الخليج أو الدول العربية، لا سيما وأن الاتفاق النووي الإيراني المبدئي يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم عند نسبة 3.8 في المئة، واستخدامه لأغراض مدنية.

سابقاً، كانت الأنظار تتجه نحو باكستان عند التفكير الخليجي بمسألة السلاح النووي، واليوم بعد حادثة البرلمان الباكستاني إزاء «عاصفة الحزم»، يبدو من الأجدى إجراء مزيد من الحسابات الدقيقة، وتوسيع الخيارات، وخلق البدائل، والعمل الجاد على بلورة فكرة أن «الأمن العربي عنوانه عربي في المقام الأول»)  .

تركيا تزيد الطين بلّة:

يبدو ان انسحاب باكستان من المشاركة العسكرية في (عاصفة الحزم) لم يكن آخر الآلام السعودية - الخليجية، فتركيا التي تعد حليفا مأمولا لدعم "العاصفة" لم تكتفِ بموقف الحياد، بل انها اتخذت خطوة مغايرة تمثلت بزيارة الرئيس التركي للجمهورية الاسلامية في اثناء حملة (عاصفة الحزم)، في خطوة تفصح عن ميل تركيا للتقارب مع جارتها ايران.

فرغم (التوتر الحاصل بين البلدين، ولكن ثمة مصالح مشتركة دفعت أنقرة للحرص على استمرار الصداقة القائمة بين البدين، تتمثل أولهما في رغبة تركيا لعب دور الوسيط في الأزمة اليمنية، خاصة وأن السياسة الخارجية التركية تمر بعدة تحولات في الآونة الأخيرة سواء في اتجاه انخراطها في أزمات الإقليم أو المصالحة مع الأكراد، أو تقاربها الاستراتيجي مع دول الإقليم سواء مع المملكة العربية السعودية أو إيران، خاصة بعد العزلة الإقليمية التي عانت منها تركيا بسبب دعمها للتيارات الإسلامية الحاضنة للتطرف، مما جعل بعض الدول تتخذ مواقف حذرة منها، ولكن يبدو أنها تتجه لإحداث تغييرا في نهجها، يقوم على تدوير الزوايا والاستدارة الإقليمية والتحول من دولة صانعة للمشكلات إلى دولة "مسالمة"، مما يحقق أكبر مكاسب استراتيجية لتركيا وخلق نوع من التوازن في المصالح.

وينصرف ثانيهما إلى رغبة الحفاظ على التوازن الإقليمي، في الوقت الذي تفصل فيه تركيا خلافاتها مع طهران جانبا، ويبدو أن طهران تدرك ذلك جيدا. وهذا التناغم في العلاقات ربما هو الدافع الوحيد الذي منع تركيا حتى الآن في إقامة منطقة عازلة أو التدخل عسكريا في سوريا، والتي تعتبرها خطا أحمر لتركيا، وفي المقابل يبدو أيضاً ان تركيا تلتزم بهذه الخطوط، ويعكس ذلك ما أشار إليه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين أن "حل الأزمة في اليمن بالحوار أولوية بالنسبة إلى تركيا"...

ويتعلق ثالثهما بـ إمكانية تحويل إيران إلى سوق نفطية كبيرة، بعد أن باتت تركيا ممرا دوليا لأنابيب النفط والغاز، مما قد يسهم في الزيادة الكبيرة في التبادل التجاري بين البلدين، وقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 13.7 مليار دولار ومتوقع أن يصل إلى 30 مليار دولار في العامين القادمين وفقاً لعدة تقارير، ويعتبر الغاز الطبيعي أهم سلعة تجارية بين البلدين، حيث تشتري تركيا 10 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني، لذلك تحتاج تركيا دائماً إلى الغاز الطبيعي الإيراني، وهو ما فسًر اقتراح تركيا مسبقاً "النفط مقابل الذهب" للالتفاف على العقوبات الإيرانية.

ويأتي ذلك في ظل الحديث أيضاً عن إمكانية تحويل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر خط أنابيب Trans Anatolian Natural Gas Pipeline"" الموجودة في تركيا، وتمتلكها شركة نفط البريطانية والتركية وأذربيجانية، وهناك احتمال أن تنضم الشركات الإيرانية إليها وفي حالة انضمامها سيؤدي إلى زيادة في الإنتاج وقد تعول عليها الدول الأوروبية كبديل لروسيا في تصدير الغاز الطبيعي، بسبب الخلافات القائمة بين الجانب الروسي والأوروبي على خلفية الأزمة الأوكرانية. وفد أسفرت الزيارة عن توقيع ثماني اتفاقيات تجارية بين البلدين، ووجود خططاً لرفع التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار.

ويتمثل رابعهما في الاستعانة بإيران لمواجهة دعوات الانفصال خاصة من جانب الأكراد فقد أشارت عدة تقارير إلى التنسيق العسكري المشترك لاستهداف تجمعات لمقاتلي حزب بيجاك الإيراني المتحالف مع حزب العمال الكردستاني، وهذا يعني عملياً أن هناك تهديدات مشتركة حيال الحركات الكردية الانفصالية سواء في إيران أو تركيا.

وعلى الجانب الآخر، ظهر أن السعودية لم تقدم ضمانات كافية لتركيا، لانخراطها العسكري في الحرب على الحوثيين، وأهمها إعادة مشاركة الإخوان المسلمين السياسية في مصر. فالخلافات التركية السعودية لا تختلف كثيرا عن الإيرانية، خاصة وأن تركيا لم تتبنى نفس مواقف السعودية حيال النووي الإيراني، بينما السعودية تعتبر إيران التهديد الأول لها في المنطقة، وتعتبر إيران السبب الرئيسي في تغذية الصراعات الطائفية في المنطقة، فتركيا تبحث عن توازن ما في سياستها الخارجية)  .

"العاصفة" تصيب المدنيين بكارثة:

ميدانيا، اصبح من المعلوم ان الطيران الجوي لا يمكن له ان يحسم معركة على الارض، وبخاصة اذا كانت هذه المعركة مع قوات غير نظامية قادرة على المناورة بشكل كبير، وحرب التحالف الامريكي الاخيرة على "داعش" من اكثر الامثلة اثباتا لهذه الحقيقة.

لذا فان الهبّة العسكرية التي قام بها طيران (عاصفة الحزم) والتي تحمست لها الشعوب المتعاطفة مع الحملة، سرعان ما بدأ بريقها يخفت، لأن الطيران لوحده غير قادر على تحقيق الاهداف المعلنة، وعلى رأسها القضاء على الصعود الحوثي في اليمن واستعادة شرعية عبد ربه منصور هادي.

ويغلب على الظن ان القوات العسكرية السعودية واحلافها كانت تدرك تماما ان اهداف الطيران الجوي ينحصر فقط بقطع الامدادات وتحجيم التمدد وتدمير مخازن السلاح والعتاد، لفسح المجال للقوات البرية لحسم المعركة على الارض، لذا فقد كانوا يعلقون آمالهم على الزحف البري من الجيش الباكستاني بالدرجة الاساس.

وبعد ان يئست السعودية من تحقيق الزحف البري بسبب الانسحاب الباكستاني، لم يكن بيدها الا ان تواصل اعتمادها على القوة الجوية التي لم تكن تنتج الا المزيد من معانات الشعب اليمني الذي باتت خسائره المدنية تهدد بكارثة انسانية.

ذلك ان (الهجوم السعودي الجوي والبحري على اليمن أدى بحسب المنظمات الإنسانية إلى قتل الآلاف من المدنيين وتجويع الملايين منهم، وتدمير البنى التحتية وتلويث البيئة اليمنية، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة التي أصابت الاقتصاد اليمني بالخصوص أن اليمن يعد من الدول الأفقر في الشرق الأوسط. فقد قدر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن خسائر اقتصاد البلاد منذ بدء عملية عاصفة الحزم يوم 26 مارس/آذار الماضي بأكثر من مليار دولار، ولا يتضمن هذا الرقم تقديرا للخسائر في الجانب العسكري، وسط تحذيرات دولية من انهيار اليمن اقتصاديا. وأشار المركز - وهو منظمة محلية غير حكومية- في تقرير له إلى أن الاقتصاد اليمني أصيب بحالة ركود شبه كلي إثر تضرر عدد من المنشآت الاقتصادية، وانعدام النقد الأجنبي في السوق اليمنية، وتوقف الموانئ البحرية والجوية عن استيراد وتصدير السلع والمنتجات من وإلى اليمن. وتوقع المركز أن يفوق عدد المواطنين الذين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة 12 مليونا، وأن تتجاوز نسبة الفقر 60% لمن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم)  .

هذا وقد رفضت وسائل الاعلام الداعمة لحملة "عاصفة الحزم" ان تكون قد استهدفت منشآت مدنية، وان اهدافها كانت عسكرية فحسب، وقالت ان الخسائر المدنية لليمنيين فيها الكثير من التضخيم الاعلامي.

ولكن العاهل السعودي (سلمان بن عبد العزيز) قد صادق على صحة المعلومات عن حجم الكارثة الانسانية من حيث لا يشعر، وذلك حينما اصدر أمرا ملكيا يقضي بتخصيص مبلغ 274 مليون دولار لأعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن بناء على مناشدة الامم المتحدة والمنظمات الانسانية في دعوتها لإنقاذ الشعب اليمني من كارثة انسانية وشيكة.

(وجاء في بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي ونقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "استجابة للاحتياجات الإنسانية للشعب اليمني الشقيق والتي تضمنتها مناشدة الأمم المتحدة، فقد صدر أمر الملك سلمان بن عبد العزيز بتخصيص مبلغ 274 مليون دولار لأعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن من خلال الأمم المتحدة"... وكانت الامم المتحدة وشركاؤها في المجال الانساني في اليمن وجهت نداء عاجلا للحصول على مساعدة انسانية بقيمة 274 مليون دولار لتلبية حاجات 7,5 مليون نسمة تأثروا بالنزاع)  .

هل ستتدخل السعودية بهجوم بري:

لوحت وسائل الاعلام الداعمة لحملة "عاصفة الحزم" بأن الخيار العسكري البري للحملة السعودية لا يزال مطروحا، فقد صرحت صحيفة الوطن المصرية في صدر صفحاتها (إن "مصر على طريق التدخل السريع في اليمن" بعدما قام وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي بزيارة قوات "التدخل السريع المحمولة جوا" وفسر خبراء تصريحاته بأنها "استعداد للتدخل البري إذا لزم الأمر".

ونقلت "الطريق نيوز" اليمنية التي تتخذ من عدن مقرا لها عن الناطق الرسمي لعملية "عاصفة الحزم" العقيد الركن أحمد عسيري قوله "سنلجأ إلى العمل البري في الوقت المناسب")  .

(ورغم خيبة الأمل التي رصدتها "سبوتنيك" لدى بعض المراقبين حيال قرار البرلمان الباكستاني، الذي طالب حكومة إسلام أباد بالوقوف "على الحياد" في الأزمة اليمنية، فإن أغلبهم شددوا على أن التدخل البري ما يزال مطروحاً بقوة على الطاولة وغير مستبعد في مرحلة مقبلة، لافتين إلى أن هناك طرقا ومستويات عدة للتدخل البري يتم تدارسها وفق الأوضاع الميدانية ومتطلبات وسير العمليات العسكرية.

وذهب رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، اللواء ركن الدكتور أنور ماجد عشقي، لـ"سبوتنيك"، إلى إن عدم مشاركة باكستان في العملية البرية "شيء إيجابي" في حد ذاته، مبررا ذلك قائلاً "حتى لا ينسب لها الفضل في العملية"، مؤكدا وجود سيناريوهات عدة للتدخل البري، لأن التدخل البري يكون في مناطق محدودة مثل النزول إلى عدن والتعاون مع قوات هادي، والعمل على إعادتها إلى الأرض)  .

ولكن هل يمكن ان تكون السعودية واحلافها جادين فعلا بالإقدام على هذه الخطوة؟

ان الجواب على هذا السؤال يتضح اذا ما رجعنا بالأحداث الى الوراء قليلا، حيث الحرب البرية التي شنتها مصر ضد اليمن في العام 1962، إذ شارك فيها 50 ألف جندي إضافة إلى 3 كتائب صاعقة، قتل منهم 18 ألف مقاتل، ومع ذلك لم تتمكن مصر من السيطرة على اليمن، وكان اليمنيون في كل مرة يستعيدون السيطرة على المناطق التي كان المصريون يغيرون عليها   .

لذلك حذر اللواء محمد على هيكل قائد كتيبة الصاعقة في حرب اليمن الاولى (من العواقب الوخيمة للتدخل البرى بسبب طبيعة مسرح العمليات فى اليمن فى ظل وجود جبال كثيرة ذات ارتفاعات شاهقة يستحيل معها أن تفتح أي قوة تشكيلها.

وقال إن التدخل البري له طريق واحد فقط وهو الحدود السعودية عبر منطقتي جازان والربع الخالي بالتزامن مع الضربات الجوية والبحرية وبعد التنسيق مع كبرى القبائل لضمها للتحالف العربي أو على الأقل تحييدها)  .

واضاف هيكل: (إن القوات البرية صعب جداً أن تعمل فى اليمن، وسنأخذ وقتاً لكى نحشد رقماً كبيراً، خاصة أننا شاركنا فى الحرب الأولى بـ٥٠ ألف جندي، والسؤال هنا «هل الدول العربية تستطيع أن تنهى الأمر أم ستغرز فى اليمن مثلما غرزت مصر هناك 5 سنوات؟»)  .

لذلك فان هيكل لا ينصح بأن تتجاوز مشاركة مصر في عاصفة الحزم برياً بأكثر من لواء مشاة فحسب، ويقول: (المرحلة الأولى ندعمهم بلواء مشاة أو لواء صاعقة، و أكثر من ذلك يحتاج لتفكير وتخطيط أكثر، لأن المعارك البرية في اليمن لا بد أن يكون بها حذر، كما لا بد أن يكون هناك شركاء لنا يساعدوننا، عندما كنا نحارب في اليمن كنا نفعل ذلك من صنعاء حتى الحديدة، والآن ليس لنا قواعد نبدأ منها فصنعاء في يد الحوثيين)  .

ووفقا للمعطيات التي بيّنها اللواء هيكل حول تجربة مصر المريرة في اليمن، ومع الاخذ بنظر الاعتبار الموقف الباكستاني والتركي، بات من الواضح انه لن يكون لـ(عاصفة الحزم) أي تحرك بري في اليمن.

هل ستحقق "العاصفة" اهدافها؟

لم يبقَ امام احلاف "عاصفة الحزم" سوى التعويل على الطيران الجوي، الذي لا يزيد – كما ذكرنا- الا من معانات المدنيين، ولكن هل سيقف الامر عند حدود عدم تحقيق مكاسب، ام سيكون لاستمرار الطيران الحربي ارتدادات عكسية؟

ان الوقائع تؤكد ان هنالك ارتدادات سلبية كبيرة قد بدأت تصيب الحلف السعودي، وقد عبر عن ذلك الكاتب ابريل  لونجلي في مقال له تحت عنوان (آفاق ومخاطر السعودية في اليمن) قائلا: (عسكريّاً، لم تقلب عاصفة الحزم كفّة الميزان لصالحها بعد، بل وفي بعض الأمور عادت بالفائدة على الحوثيين الذين نجوا من ست جولات من النزاع مع القوات الحكومية بعد عام 2004، وتصدّوا للتوغل العسكري السعودي عام 2009. كما تُعتبر المجموعة أولاًّ وقبل كل شيء ميليشيا شُكّلت أثناء الحرب وذات جذور عميقة في المرتفعات الشمالية لليمن. نقطة ضعفها هي السياسة وليس الحرب.

المفارقة هي أنّ التدخل العسكري السعودي عزز من قوة التحالف الهش بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح في الوقت ذاته الذي كانت التوترات السياسية تفعل فعلها في إنهاكه. وعلى الرغم من القصف المكثّف، استطاعت قوات الحوثي دخول عدن، المعقل الرمزي لقوات المقاومة الموالية لهادي. على الجانب الآخر، فإنّ معارضي الحوثيين منقسمون، كما يُنظر الى هادي الذي فرّ إلى الرياض على أنه ضعيف وغير قادر على توحيد القوى المناهضة للحوثيين.

لقد دمّر السعوديون القوات الجوية اليمنية والصواريخ التي كان بإمكانها أن تُستخدم لاستهداف المملكة، لكن في حين تم تقليص بعض التهديدات، فإن تهديدات أُخرى جديدة بدأت بالظهور. إذا استمرّ القصف، قد يردّ الحوثيون وحلفاؤهم في هجوم بري على الأراضي السعوديّة. وقد يؤدي ذلك الى حربٍ بالوكالة مع إيران، إذا ما كانت طهران مستعدّة للتصعيد من خلال إمداد الحوثيين بالدعم المالي والعسكري، وهم الذين كانوا أقلّ اعتماداً بكثير على طهران من اعتماد هادي وحلفائه على الرياض)  .

من جانبه (قال الكاتب البريطاني "ديفيد هيرست" في مقال نشره بصحيفة "هفينجتون بوست" الأمريكية، على مواجهة المملكة العربية السعودية منعطفًا خطيرًا في اليمن، في ظل عدم تحقيق الأهداف السياسية الرئيسية لعملية "عاصفة الحزم" حتى الآن.

وأشار إلى أن الحوثيين لم يتركوا المدن التي سيطروا عليها، كما أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لم يعد إلى منصبه في صنعاء، والحوار الوطني من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية لم يبدأ حتى الآن.

وأضاف أنه من الناحية العسكرية، فإن السعودية عليها أن توجد شخصية وطنية تقود القتال على الأرض في اليمن ضد الحوثيين)  .

"عودة الامل" أم "عودة العاصفة":

كما بدأت عاصفة الحزم بشكل مفاجئ، توقفت كذلك بشكل مفاجئ، اذ اعلنت السعودية في 21/4/2015 عن ايقاف الحملة بعد 27 يوما من القصف الجوي المستمر، واللافت للنظر هو اعلانها عن اسباب ايقاف العملية جاء على ضوء طلب من الرئيس عبد ربه منصور هادي.

واذ تساءل الجميع عما اذا كانت الحملة قد حققت اهدافها لكي تتوقف، ردت القيادة السعودية بان الحملة قد حققت اهدافها الرامية الى القضاء على التهديد الحوثي للدول المجاورة من خلال تدمير الاسلحة الثقيلة والبالستية بعيدة المدى.

وعلى الرغم من ان هذا الهدف لم يكن يطرق آذان الجماهير المتابعة للشأن اليمني منذ بدء انطلاق الحملة، الا ان الماكنة الاعلامية السعودية قد اخذت تؤكد عليه مرارا وتكرارا، اذ يبدو ان الاكتفاء بطلب الرئيس عبد ربه ايقاف (عاصفة الحزم) لا يكفي كمبرر لايقاف حملة قوية كهذه بين ليلة وضحاها لاسباب غير واضحة.

وفي هذا الصدد كتب عبد الله الهدلق مقالا بعنوان (عودة الامل بعد عاصفة الحزم) جاء فيه: (كانت الحملة العسكرية قد حققت أهدافها الرئيسية الثلاثة المعلنة وهي:

- حماية الشرعية اليمنية.

- ردع الميليشيات الحوثية وتدمير قدراتها العسكرية ومنعها من تهديد المواطنين اليمنيين.

- منع الميليشيات الحوثية من تهديد دول الجوار والحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية.

وتم احراز السيطرة الجوية على المجال الجوي اليمني وتحييد القدرات الجوية للحوثيين وأعوانهم واخماد وسائل دفاعاتهم الجوية وتدمير مراكز القيادة والسيطرة ومخازن الصواريخ البالستية ومراكز الامداد والتموين ومخازن الذخيرة وورش الصيانة وفرض الحظر البحري ومنع العمليات البرية.

وبعد تحقق الأهداف، أعلنت قيادة التحالف انهاء عمليات عاصفة الحزم بناء على طلب الحكومة اليمنية والرئيس اليمني وبدأت مرحلة اعادة الأمل للمواطن اليمني من خلال عملية عودة الأمل التي أعقبت عاصفة الحزم والتي ستسهم في بناء يمن آمن ومستقر، وستستمر قيادة التحالف في منع الميليشيات الحوثية من التحرك أو القيام بأي عمليات داخل اليمن للإضرار بالشعب اليمني أو تغيير الواقع على الأرض وستدعم قيادة التحالف عمليات الاغاثة والاجلاء والمهمات الانسانية داخل اليمن وتسهيل امكاناتها وفرض حظر بحري لمنع امداد الحوثيين بالسلاح طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 وستقوم القطع البحرية لقيادة التحالف بواجبها لتفتيش السفن للتأكد من عدم دخول أسلحة للحوثيين وأعوانهم.

وتعتبر «عودة الأمل» تدشينا لمرحلة سياسية جديدة وخطوة الى الأمام باتجاه الحل السياسي للنزاع في اليمن ومحاربة الارهاب الحوثي المدعوم من ايران والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، لكن التحالف العربي سيعاود حملاته الجوية اذا استجدت تحركات حوثية تهدد الشعب اليمني أو أمن المملكة العربية السعودية والدول المجاورة كما ان الحصار البحري لموانئ اليمن سيستمر لمنع وصول أسلحة للمتمردين الحوثيين المدعومين من ايران...

وبعد ان عاد الحوثيون - بتحريض من ايران - على تنظيم صفوفهم وشن هجمات على الحدود الجنوبية السعودية كان لابد من اعادة استئناف هجمات حملة عاصفة الحزم لاجتثاث جيوب الارهابيين الحوثيين المدعومين من ايران)  .

وعلى الرغم من تأكيد الكاتب عبد الله الهدلق من ان (عاصفة الحزم) قد حققت اهدافها الثلاث التي حددها، نجد ان الهدفين الاولين لم يتحقق منهما شيء فعلا، اما الهدف الثالث فهو – كما قلنا- لم يكن هدفا اساسيا لانطلاق الحملة، لأن الحرب الحوثية كانت تقتصر على الداخل اليمني، لذا فقد كان الهدف المعلن أولا لـ(عاصفة الحزم) هو الحفاظ على شرعية الحكم في اليمن.

اما ما يخص اطلاق السعودية لحملة "عودة الامل" التي تهدف رسميا لإعادة الامن والاستقرار لليمن، فبحسب المعطيات على الارض نتبين ان "عودة الامل" ليست سوى "عاصفة الحزم" باسم جديد، وهو ما اكده الكاتب عبد الله الهدلق في مقاله السابق، اذ لا يزال الطيران السعودي يقصف اليمن ولا يزال الحصار البحري موجودا كما ان الحرب على الارض بين الحوثيين ومناوئيهم لم تتوقف، وقد افصح الهدلق عن ذلك صراحة حين قال: (لا بد من اعادة استئناف هجمات حملة عاصفة الحزم لاجتثاث جيوب الارهابيين الحوثيين المدعومين من ايران).

ان الوقائع المعلومة للجميع تدل على ان السعودية قد اتخذت قرار ايقاف "عاصف الحزم" من طرفها فحسب، بعد ان وجدت ان الطرف الحوثي واحلافه لا ينزعون للاستسلام بسبب القصف الجوي، وربما كانت تظن ان الحوثيين سيرحبون بقرار ايقاف الحملة وسيوقفون على ضوء ذلك عملياتهم العسكرية.

ولكن يبدو ان آمال السعودية قد خابت، اذ ان نشاط الحوثيين لم يتغير، بل انه زاد ضراوة واخذ يحقق مكتسبات اضافية، ومما يدل على ذلك ما أكدته (مصادر أمنية في مدينة تعز اليمنية ثالث أكبر مدن البلاد والتي كان أنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي قد تمكنوا من السيطرة على عدد كبير من أحيائها بمعاونة اللواء 35 المؤيد لهادي، أن الحوثيين تمكنوا من استغلال فرصة توقف الغارات السعودية بانتهاء عملية "عاصفة الحزم" لاقتحام اللواء والسيطرة عليه.

وقال ثلاثة مسؤولين أمنيين في المدينة، بينهم أحد قادة اللواء لـCNN، إن الحوثيين شنوا هجوما شاملا على مقر اللواء الوحيد المؤيد لهادي بالمدينة، وتمكنوا من السيطرة عليه بعد عملية خاطفة لم تستمر طويلا.

وأضافت المصادر التي طلبت من CNN عدم كشف هويتها، إن الطائرات السعودية شنت بعد سقوط مقر اللواء سبع غارات ضد الحوثيين في مقر اللواء 35 وفي محيطه، لتعود الاشتباكات لتندلع في المدينة.

ويعتبر هذا التطور الأخطر منذ إعلان الرياض انتهاء عمليات عاصفة الحزم الثلاثاء، وإطلاق عملية جديدة أكدت عبرها المملكة أنها ستقوم على دعم الجهود السياسية والتصدي للحوثيين في الوقت نفسه بحال قاموا بتحركات ميدانية)  .

ما هو السيناريو المحتمل؟

يبدو ان هدف السعودية في اعادة القوة الحوثية الى مواقعها القديمة في جبال صعدة قد باء بالفشل، وباتت تدرك يوما بعد يوم أن عليها ان تتعايش مع واقع جديد يقلقها دوما اسمه (حركة انصار الله) لدى جارتها اللصيقة، وان حملتها العسكرية الخاطفة لم تحقق عمليا هيبتها المأمولة أمام الطرف الايراني في المنطقة.

لذا فان السيناريو الاقرب هو ان تسعى السعودية لجعل اليمن بلدا تأكله الصراعات الداخلية، بحيث يبقى ضعيفا لا يهدد أمنها من جهة، ولا يحقق حلفا قويا من احلاف ايران في الشرق الاوسط.

وسبيل السعودية لذلك هو تزويد اعداء الحوثيين اليمنيين بأسلحة وعتاد ودعم لوجستي لمعادلة الكفة مع الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح، مع استمرار حملتها الجوية في إضعاف الحوثيين من خلال استهداف خطوط امدادهم وتدمير مخازن اسلحتهم وفرض حصار مستمر عليهم.

وبالفعل نسمع انه بين الحين والاخر عن طائرات حربية تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية وهي تسقط أسلحة بالمظلات على المقاتلين الذين يقفون في مواجهة الحوثيين ويشمل ذلك أسلحة خفيفة وقذائف صاروخية ومعدات اتصال متطورة  .

من جانبها نقلت وكالة "رويترز" (ان حركة انصار الله تتقدم صوب قلب مدينة عدن بينما ألقى التحالف الذي تقوده السعودية أسلحة من الجو لمقاتلين يحاربون انصار الله في مدينة تعز...

وعلى بعد نحو 200 كيلومتر الى الشمال أسقطت طائرات التحالف أسلحة من الجو لرجال قبائل ومسلحين "اسلاميين" يقاتلون الحوثيين في تعز بالمدفعية الثقيلة منذ أيام حسبما ذكرت رويترز.

واضافت الوكالة: رغم اسابيع من القصف تمكن الحوثيون من الاحتفاظ بموقعهم القوي في جبهات القتال في انحاء اليمن التي لم تتغير كثيرا كما لم يحدث تقدم واضح لإجراء محادثات سلام")  .

ووفقا لهذا السيناريو، فان المغامرة السعودية تنطوي على مجازفة كبيرة، اذ انه لا يمكن للطيران السعودي ان يستمر بالتحليق في اجواء اليمن لسنين كاملة، كما لا يمكن للرأي العام العالمي أن يسكت عن ذلك، اضف الى ذلك ان دعم قوات القاعدة في اليمن يعد مخاطرة سعودية تفوق مخاطرتها في ما لو تركت (انصار الله) يتفوقون في اليمن، وبخاصة ان السعودية تعد حاضنة مثالية للفكر المتشدد الذي طالما اعلن استهدافه للحكم السعودي في بلد الحرمين.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف