البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

April / 28 / 2019  |  2540الحجة الكلامية في مناظرة الأفغاني للفلسفة الإستشراقية والدهرية

سامي سنوسي المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية جمادى الثاني 1440هـ 2019م
الحجة الكلامية في مناظرة الأفغاني للفلسفة الإستشراقية والدهرية

مقدمة

إن الإسلام ومن دون ريب هو الذي أخرج العرب من وجودهم بالقوة في جزيرتهم نحو خارجها بالفعل، وبمعنًى أدقَّ، إنّ للعرب وجودَيْن، وجودًا داخل جزيرتهم، وهو وجودٌ ضيقٌ لم يصل بعدُ إلى العالمية، ثم وبعد انتشار الدعوة وإبلاغ الدين، أصبح للعرب وجودٌ خارج هذه الجزيرة، وهذا هو الوجود الثاني والأكثر عالمية، لكن هل دام هذا الوجود؟ لا شكَّ أنه ضمر، ولم ينعدم تماما، خمد ولم ينطفئ نهائيًّا.

هنا، وبعد الضيق والاتساع لوجود العرب في جزيرتهم وخارجها، نؤكد مرةَ أخرى أن الذي ساند هذا الانبثاق وهذه العالمية هو دين الإسلام، الذي عمل على إخراج عقل الإنسان العربي من روحه الشعرية، نحو منطق الحجة، ولا يحدث ذلك طبعًا إلا بالحوار وبه فقط يعرف المسلم الداعي للإسلام، مدى نوايا غيره من تديُّنٍ، ويتعرف على رصيده الفكري بمختلف تشظياته، وهاهنا نمت عقلية الإنسان العربي بتمازجها مع باقي العقليات من الأجناس العجمية من فرسٍ وهنودٍ ورومٍ و أمازيغَ وغيرهم، فكان للعربي إذّاك فضل السبق للتعرف على الدين لما يملك من الإحكام للغته، لغة القرآن من جهة إرادة الله تعالى بإنزاله في بلاد العرب التي حرمها في ما بعد مكة والمدينة ـ. إن هذا الفضل والإمامية جعلت المكانة في إعادة النهضة وتفعيل الفكر العربي منوطًا بالعرب أكثر من غيرهم، وهذا بعد مُسلَّمة خموده وضموره، بعد تقهقر الحضارة الإسلامية، لكن بعد الإيمان أن الحاضر هو الابن الشرعي للماضي، وروح التجديد هي الباعثة للتطور والإحياء لهذا الماضي.[1]

بهذا الإيجاز لمكانة العرب في بعث الإسلام كحضارة، أقول كحضارة يتبين لنا أنه من المنطقي أن لهم الحكمة والقدرة في إعادة التأسيس لإحياء هذه الحضارة من جديدٍ، البعثة الأولى كانت مشهودةً في العالمية الأولى، التي سميناها مرحلة النهضة الأولى التي كُلّلت بالنجاح، والبعثة الثانية وسميناها مرحلة العالمية الثانية، والتي لا تزال الجهود فيها وحولها نحو إخراجها متواصلةً، تماما كالمرحلة الأولى، ويصبح للعرب كلمةٌ وسيادةٌ باسم الإسلام كنصرةٍ لله عز وجل للذي استنصره، فهل يا ترى ونحن سنتكلم عن فكر النهضة الحديثة وأهم تجلياته، لم يبلغ نصر هؤلاء لله تعالى حتى ينصرهم؟، بمعنى آخر ونحن سنبسط الحديث بشأن الإسلام في هذه الفترة وعقلية التعامل معه وبه، كيف تم محاولة تفعيل الاجتهاد لإعادة إحياء وبعث عز الحضارة الإسلامية؟ ونحن ما دمنا بغرض الكلام عن الفلسفة الإسلامية المتجلية في نقد الحكمة الاستشراقية، اعتدنا طرح السؤال على الفلسفة الكلامية، فنقول:كيف كان واقع الفلسفة الكلامية في العصور العربية الحديثة؟ ثم كيف أعيد تجليتها وتفعيلها؟ وبالتحديد، كيف أسس جمال الدين الأفغاني للتجديد وإعادة بعث المناظرة الكلامية في الرد على دعاوى المستشرقين والدهريين؟ ولِمَ اختار طريقة المناظرة في محاولةٍ منه لطرق سؤال النهضة والتنظير لها من جديد؟

جمال الدين الأفغاني وتفعيل المناظرة الكلامية:

باسم الدين كانت العزة في المرحلة الأولى من الحضارة الإسلامية، وباسمه لا ريب ستكون في المرحلة الثانية منها، هذه هي الحكمة التي راودت عقول فلاسفة المشرق الإسلامي الأقصى مطلع العصور الحديثة، بدايةً من مجهودات الأفغاني وتلامذته محمد عبده ووحيد الدين خان وشبلي النعماني ومحمد إقبال وغيرهم، فالأفغاني كان ينبذ التقليد ويدعو إلى التجديد ويقول أنّ أوائل الأمة الإسلامية رجالٌ ونحن كذلك رجالٌ، وأن باب الاجتهاد فُتح لهم ولم يُغلق معهم، بل إنّ باب الإبداع قدرٌ محتومٌ على الأمة الإسلامية كلما اتسع وجودها، وبالتالي يبقى الانشغال بإحياء الحضارة الشغل العقلي لكل مسلم مهما كان مستواه، وعليه فالنهضة حسبه نضالٌ دائمٌ في سبيل إحداثه ووضعه في الممارسة والتفعيل والتطبيق[2]، وبهذا فقط سيكون للأمة دفعٌ جديدٌ وإصلاحٌ ينبئ بالتقدم ونبذ القهر والعبودية.

أ - منهج الأفغاني في الفلسفة الكلامية:

أقسم جمال الدين الأفغاني بعظمة داء الأمة الإسلامية فقال»: وأيم الله إنه لشيءٌ عسيرٌ يعيى في علاجه النطاسي ويحير فيه الحكيم الخبير[3]»، وأورد كثيرا من الحلول التي كان يسعى بها أقرانه في زمانه، وانتقد غايتها المقصودة، الخالية من الوسائل اللازمة، فهيهات أن تلبي الجرائد الغرض، أو الصحف أو المؤتمرات، ولا الدعوات ولا التغني بالشعارات، هذا كله لا يجدي ولا ينفع لعلاج الداء العضال.

إن المنهج الذي سعى به جمال الدين الأفغاني لإرساء فلسفةٍ كلاميةٍ إسلاميةٍ جديدةٍ، كان شبيهًا بمنهج الغزالي كما تقدم، فهو ينتقد تارةً الخطابات السائدة، ويمقت صورة التقليد فيها، ويضطلع لتبيان القراءة الجديدة للمقاصد الشرعية تارةً أخرى، وفي بداية هذا المشروع اشتغل على نهج المقارنة بين حال الأمة الإسلامية في مرحلتها الذهبية السابقة، ومرحلتها الحديثة وهي تتخبط في ويلات التخلف بين القوى العظمى الغربية المحتلة، كما يقارن حالها من تخلفٍ وركودٍ وتقدم الأمة النصرانية، فكيف سيتم حسبه وضع مقارباتٍ لا معنى لها؟ هل في العودة إلى عز الدولة الإسلامية في تقدمها وسياستها للعالم آنذاك، أو بالاتجاه والتوجه نحو الآخر واقتناص فرص التقدم من وحي الأقلام الكاتبة للأفهام القارئة، وينعت هذا كله بالتقليد، إذ العودة إلى التراث تقليد للأموات، والتوجه نحو الحداثيين الغربيين تقليدٌ لأحيائهم الموتى في عقيدتهم، فأي الفريقين أحق بالاتباع و بأيهما يناط الاتكال؟ أم أن الحل الأمثل يبقى في الاعتماد على فعالية الذات؟ وها هنا يرى الأفغاني أن علاج الأمة الناجع إنما في رجوعها إلى قواعد دينها التي لا تبلى بمرور القرون عليها، والأخذ بأحكامه على ما كان في بدايته وإرشاد العامة بمواعظه الوافية، بتطهير القلوب وتهذيب الأخلاق وإيقاد نيران الغيرة وجمع الكلمة وبيع الأرواح لشرف الأمة[4] وبهذا يمنهج الأفغاني فلسفته النهضوية بالعودة إلى الدين وإعادة النظر في أصوله وفتح باب الاجتهاد من جديدٍ والكف عن التقليد والتباكي على زمن العزة الإسلامية، ولا مناص للمسلمين من ذلك، فإذا أقاموا لشؤونهم ووضعوا أقدامهم على طريق نجاحهم وجعلوا أصول دينهم الحقة نصب أعينهم، فلا يعجزهم بعد أن يبلغوا بسيرهم منتهى الكمال الإنساني[5]».

ولكن ليس المنهج هنا لتأسيس الخلاف والجدال العقيم في الأمة، بل بالعكس، ينبغي للإصلاح أن يكون مقصودًا، وليس من مبررٍ في كونه مجرد ترفٍ فكريٍّ، ورغم ذلك هو الأمر ذاته الذي حدث وللأسف، كون الأفغاني يقول في إحدى مقالاته: «كشف الحقائق صعبٌ، والحكم بالحق عسِرٌ (..) ولذا استحكم الحجاج، وأزمن اللّجاج بين العلماء والحكماء، فما من موضوعٍ إلا وترى فيه آراءَ متباينةً وأقوالاً متخالفةً، وحججًا متضاربةً، حتى في الوجدانيات والمحسوسات، فالتبست الفلسفة بالسفسطة، وقامت المساقبات مقام البينات[6]».

إن هذا النقد الذي اتسمت به قريحة الأفغاني، جعله يبني له منهجًا كلاميًّا خاصًّا، امتاز بالصرامة في الطرح، والتجديد وقوة الحجة والإقناع، لا فقط للمسلمين، بل للغرب النصراني كذلك، وبهذا أضحت مسألة التجديد في التفكير الديني مركزيةً في فلسفة الأفغاني كلها، وقد رأينا كيف انتهج بالعودة إلى الدين، لكن لا كما هو حاله من منطقٍ تراثيٍّ، إذ فقد صلاحيته بالكاد، بل بإعادة إحياء ما ينبغي إحياؤه، وترك كل الخطابات البالية والخالية من المعنى البعثي للنهضة والتطور، بهذا فقط يجب أن نعيد النظر في كل الكتابات السائدة، وبحث سبب عدم بلوغها لمراميها ومقاصدها الحضارية.

وبعد هذا التقعيد، لا بد تاليًا من بسط الكلام في مركزية المناظرة في إنتاج الأفغاني، واعتباره إياها أبرز وأنجح طريقةٍ كان يتخذها المسلمون الأوائل في نقل انشغالاتهم للآخر، ومن ثمة إغناؤها بالنقاش، وتحليل قضاياهم سواءً أكانت مَعاشيةً أم معاديةً، وبالمناظرة توصّل الأوائل في الأمة إلى نيل مقاصدهم، وإقناع الخصوم وإفحام مقالاتهم، وتاليًا لبسط نفوذهم العقدي من وجهة الحجة البالغة والدامغة، لا من قبيل الجدل العقيم والهيمنة الغراء.

ب - فلسفة المناظرة عند جمال الدين الأفغاني:

المناظرة هي المباحثة والمباراة في النظر، واستحضار كلّ ما ببصيرة المرء، كما هي إقبال كلّ واحدٍ على الآخر بالمحاجّة، وهي المفاوضة على سبيل الجدل الحادث بين المتخاصمين في النسبة بين الشيئين إظهارًا للصواب[7]، إن هذا التعريف والتحديد لمنطق المناظرة لدى علماء الكلام، أو الواقفين على مصطلحاته وضبط مراميها، يجعلنا نتبين أن هذه الصناعة تتأسس على وجود متخاصميْن اثنين أو أكثر، على وجه المباراة والتناظر، وهذا بحسب الموضوع المراد بحثه والتجادل حوله، ثم إن المناظرة يجب أن يتوفر فيها القصد في إصابة الحقيقة بين الطرفين، وإلا ستصبح ضربا من المراء والسفسطة، وبالتالي نجد في التعريف السالف الإشارة إلى كلمة «المحاجة» والدالة على تضرع كلا المتخاصمين إليها لنصرة أقاويله، وعليه يمكن التوصل إلى كون المناظرة ممارسةً حواريةً، آدابها العامة سماع الآراء وترتيبها والانتظار على ردها، ثم ليس الرد عليها لمجرد الرد، بل البحث عن الحجة اللائقة للإفحام وإلا التزام الاقتناع، كما أن آدابها كذلك، أن معظم تجلياتها تكون أمام الملأ ليكون هناك شهودٌ على فعل الإفحام، هذا ومن آدابها العلمية وهي الأهم أن المتقيد بالمناظرة يبتغي إصابة الحق لا لمجرد الانتصار لفرقةٍ ضد أخرى، وكثيرًا ما حدث في علم الكلام التراثي مثل هذا، من خروجٍ عن المعتزلة لتأسيس الأشاعرة أو دخول مع المعتزلة انتصاراً معها لعقلانيتها البليغة، وحججها المنطقية الدامغة.

وبهذا فالمناظرة أو المنهج المناظري[8] هي اللون العقلاني الذي ميز العقلانية الإسلامية التراثية، ونحن الآن ارتأيناها في تقديرنا نقطة البدء في الفلسفة الكلامية مع اجتهادات جمال الدين الأفغاني، لكونه يعد من الأوائل الذين أخرجوها من وجودها بالقوة في العقلانية الإسلامية الكلاسيكية (التراثية) بعد تقهقر الحضارة الإسلامية نحو وجودها بالفعل في الفكر النهضوي الحديث، وبالتالي كان الأفغاني وبحقٍّ من المناظرين ومن المفعّلين لمنطق المناظرة، وأيّ منطقٍ لإيقاظ الهمم والعقول من غفلتها، فكيف فعّلها.؟

عندما قال أرنست رينان، أردت أن أبحث معكم حل واحدةٍ من أكثر الأفكار غموضًا من تلك التي يقع المرء فيها في هذا السياق، أريد الحديث عن المحتوى الملتبس في الكلمات الآتية: العلم العربي، الفلسفة العربية، الفن العربي، العلم الإسلامي، الحضارة الإسلامية[9].وهاهنا يمضي أرنست رينان في نسف إمكانية قيام مثل هذه الكلمات قيامًا واقعيًّا، أي ليس ثمة وجودٌ للعلم عند العرب، أو الفلسفة وبالتالي لا حضارة لهم، فلدى المسلم اعتقادٌ (دينٌ) يجعله يسلم بأن الله يمنح لمن يشاء العلم أو السلطان، أو غيرهما من الأمور الدنيوية، وهذا من القدر المحتوم. ومن ثمة فالإنسان المسلم والعربي بالتحديد، ينظر إلى المعارف والعلوم نظرةً احتقاريةً، ولكل ما يشكل العقل الأوروبي، وفي ذلك استثناءٌ للفرس لأنهم شيعةٌ أكثر مما هم مسلمون، وقد عرفوا أن يستخدموا عبقريتهم في ولوج العالم العربي والإسلامي[10].

إذًا يبين رينان أن العرب ومن تخلفهم فهموا الإسلام فهمًا بدويًّا، وحتى هذا الدين لم يتسنَّ له نقلهم من خيمهم إلى حصونٍ منيعةٍ، فهم من البساطة إلى حد التخلف الذي ما فتئوا يخرجون منه. إن عقلية العرب عقليةٌ متخلفةٌ، لا أساس لها من العلم والمدنية، وعليه لا وجود لحضارةٍ تقوّم وجودهم وفوق هذا هم من جنس سام، والجنس السامي غير قابل للتحضر في أصله، وإنما الأجناس القابلة للتحضر هي الأجناس الآرية، ولهذا لم يستثنِ الفرس، فهم أيضا آريون، وما تلك الكتابات العظيمة إلا من عظماء أمثال الفارابي وابن سينا يقول رينان إلا فلسفةٌ يونانيةٌ كُتبت بالعربية، والصواب أن نقول أنه يونانيٌّ، لأن العنصر الخصب في كل هذا قد جاء في الحقيقة من اليونان (..)، إذ كانت اليونان هي المنبع الوحيد للعلم والفكر المستقيم، من هنا تفوق سوريا وبغداد على الغرب اللاتيني جاء نتيجة لما كنا نلمسه لديهما فحسب من اغترابٍ شديدٍ من التراث اليوناني[11].

يتضح جيدًا أن رينان ظل حريصا على تمييز الجنس السامي، الذي منه العرب، عن الجنس الآري الذي منه اليونان والساسان والفرس، ويحتج هاهنا بتقدم سوريا وبغداد في حضارة المسلمين في كون ذلك لمجرد احتكاك العرب باليونان ونقل معارفهم إلى اللسان العربي، وما احتكاك الأوربيين في عصر النهضة الأوربية، إلا لمجرد استعادة تلك الروح الفلسفية والعلمية اليونانية منهم، فالروح السامية تمتاز بالوحدة والبساطة، أما الروح الآرية، فإنها تمتاز بالكثرة والتعقيد، والساميون يعتنقون التوحيد المطلق الذي يتماشى مع فطرتهم الساذجة، وقد أثر هذا على نظمهم السياسية والاجتماعية والدينية[12]

وما حدث من تطورٍ لحضارة الآريين كان بسبب توافق مزاجهم للتحضر، وما تطور العرب في الحقبة الوسيطة فقد كان نتيجة محاكاتهم لعبقرية الآريين فقط لا أكثر، أما موقف الإسلام من العلم فهو يرى أنه ضد العلم ويعتبر البحث في الطبيعة منافسة لله تعالى وأن كل ما فوق طبيعي هو أساس كل دينٍ، وعندما عالج الإسلام العلم كأنه عدو له، ولسوء حظه نجح الإسلام عندما قتل العلم[13]، وفي كلمةٍ شمَّالةٍ، اعتبر رينان الإنسان العربي بعيدًا عن التحضر والتطور كما اعتبر دين الإسلام موافقًا لهذه العقلية السامية، لأنه بقتله العلم منع هذه الفئة عبر تاريخها من ولوج التقدم كما تقدمت نظيرتها من يونانٍ وفرسٍ وغيرها.

وبعد سماع الأفغاني لأقاويل رينان، بدأ بنسف وإبطال مزاعمه ودعاواه، آخذا بالآيات الكريمة في الاعتبار، معتبرا هذه الشخصية بعيدة عن احترام الإنسانية في عطائها، وغير مقدرةٍ لما تنتحله من أديانٍ، وما أثار رينان من تعارض بين العلم والإسلام يُنبئ بشخصه الذي يحيا بسوء الأدب وقلته وحسبه من ذلك امتعاض (انتقاد) الكثير من الأمة الفرنساوية له ولمقاله، وحسبوه خروجاً عن النصفة، ومروقاً عن محيط العدل في الحكم، وتعدياً على حقوق من يجب رعايته عليهم من المسلمين عموما، وسكان الجزائر خصوصا[14].

إن هذا التمهيد بيّن ابتداءً نية الأفغاني في إفحام أقاويل رينان البعيدة في مجملها عن مرتبة اليقين والبرهان، وبدأ في رده بأسلوبٍ أخلاقيٍّ كنحو قوله:»سيدي، قرأت في جريدتكم الغراء.. والتي ألقاها فيلسوف عصرنا الكبير والشهير السيد رينان[15]»، وللتذكير فإن من شيم علماء المناظرة المسلمين الاعتراف بالجميل، إن كان حالًّا في المحَاور، وكذلك الخطاب الجميل والمتأدب، حتى في حالة المعاملة السيئة من طرف الخصم، ونحن مبدئيًّا كنا ننتظر السب والشتم من طرف الأفغاني ضد رينان لما قاله بشأن الإسلام والمسلمين، واصفا الأمة العربية ككل حضارةٍ بلونها الفني والأدبي والفكري[16]، لكنه رد بأخلاقٍ عاليةٍ وروحٍ علميةٍ واسعةٍ على تصرفات رينان المسيئة، لهذا نجده استخدم ألفاظا مرنة ولينةً وأخلاقيةً، كالسيد، والفيلسوف، والشهير، وهذا هو منطق الفلسفة الكلامية في تراثنا الإسلامي، وها قد مارسها الأفغاني بنفس المعيار والسلوك.

وإذا مضينا إلى فحوى مقالة الأفغاني نجده اعترف مرةً أخرى بمجهودات رينان فيقول:» إني أجد في مقالته ملاحظاتٍ رائعةً، ولمحات جديدةً وسحرًا يعز عن الوصف، بيد أني لا أملك سوى ترجمةٍ لا أدري مقدار تطابقها مع المقال الأصلي، فلو كان قد أتيح لي قراءة المقال في نصه الفرنسي لكان بوسعي أن أمسك بشكلٍ أفضلَ بأفكار الفيلسوف الكبير، فليتقبل مني تحيةً متواضعةً هي بمثابة تعبيرٍ عن الاحترام والواجب له والإعجاب الصادق به[17]»، والقارئ لهذا النص لا يتوانى لحظةً في اعتبار الأفغاني قد أدخل ما لم ينل قسطاً كبيراً في الكلام التراثي، إذ بعيدا عن الأفغاني ورده على رينان، نجده طعّم كلامه أولا بالأخلاقِ، وكلماتُ الاحترام والآداب طغت على نصه هذا، لاسيما وهو يحيّي رينان بقوله: «فليتقبل مني تحيةً متواضعةً»، وهي كلمةٌ كافيةٌ لاعتباره شخصيةً متأدبةً بآداب الحوار وأخلاق المناظرة، وهذا ما كان عزيزاً في الممارسة الكلامية التراثية، وهنا لا نبالغ إن قلنا أن الأفغاني أدخل القيمة الأخلاقية في الفلسفة الكلامية.

إن مسألة الأخلاق في الممارسة الكلامية لم تكن شائعة عند المتكلمين الأوائل، وهذا بسبب الحرص الشديد على الانتصار على الخصم والميل ناحية فرقةٍ ضد أخرى، بل ويكون الانتصار أعظم لما يكون الإفحام أشد والتبكيت أدوم، وها نحن نرى في مناظرة أحمد بن حنبل في حضرة الخليفة العباسي المعتصم ما نرى من اختلافٍ، فهي ممارسةٌ يغلب عليها الصراع والاحتدام الكلامي والضغينة الباطنية، وقد بدأ أحمد بن حنبل بقوله:

إن لي سبقاً في هذه الدعوة فليسعني ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين من السكوت والرضى من جميعهم بأن القرآن كلام الله.

فرد عليه الخليفة بتفعيل مناظرة (أبو دؤاد) ما عندك فيما قال؟

فقال له أحمد بن دؤاد: كان لعمري يسعه ما وسعهم حيث كان الناس جميعا ساكتين عن هذا الأمر، فأما وهو رأس مذهبٍ قد جمع عامته وغوغاءه ينادون في الطرقات ليس شيءٌ من الله بمخلوقٍ والقرآن من الله، فيموهون على العامة والجهّال حتى كأنّا قلنا: القرآن بعضٌ من الله وقد تعلق النصارى بمثل ما تعلق به هذا، فقالوا عيسى غيرُ مخلوقٍ لأنه قال تعالى: «وكلمته ألقاها إلى مريم»(النساء171)، ويواصل المعتزلي كلامه حتى قوله: والله خالقُ كلِّ شيءٍ، فالقرآن شيءٌ أم غيرُ شيءٍ؟[18]، إلى أن تنتهي المناظرة باحتجاج أحمد بن حنبل ضد أحمد بن دؤاد بحديث قيس بن أبي حازم وهو أعرابيٌّ بَوَّالٌ على عقبيه[19].

إن هذا النمط الصراعي ظل سائداً في الممارسة الكلامية الكلاسيكية، والبين في المناظرة التي تبنى على المهاد الخلافي، ومتوخاها إظهار الصواب[20]، وهو ما جعل علم الكلام في عليائه، ولا يتسنى للعامة ممارسته، بل ويسمونه علم الخاصة من العلماء، وطالما أن المسلم أنى كان مكانه وزمانه، يتوخى إصابة الحق في جدله، فإن المناظرة أسلوبٌ فعالٌ في كشف ستار الحق وتجليته بعد قرع الحجة بالحجة، وابتغاء إصابة اليقين الثابت، لا الانتصار للفرقة الغالبة بالكلام الذي هو مجرد كلام سفسطائيٍّ مُغالِطيٍّ.

والمسلم في محاجّته خصومَه ملزَمٌ بأن يتمسك بكل قواعد المناظرة، ومن بينها أدب البحث والتماس الوضوح في البيان، مع التزام واتّباع الحق وتبنّي وجهة النظر التي يفرضها الدليل القاطع[21]، والدليل القاطع وحده الذي يقصم دابر الكلام السفسطائي الذي يروج للمراء والجدل العقيم، ولما كان هذا سمة الكلام التراثي، فقد وصل إلى درجاتٍ عليا جعل التاريخ يحفظه لنا.

لكن، ونحن ها هنا بصدد عرض آراء الأفغاني في الرد على أرنست رينان سنجد الطريقة تختلف رغم الهدف المنشود، والمقصود من هذا أن هدف الأفغاني هو تبيان الحق من الباطل، والانتصار للدين الحق وكشف الأغاليط المعلقة به، والتصورات الخاطئة حول عقائده وشرائعه، لكن هذا المنهج الكلامي وجدناه مع رينان أخذ شكلاً آخر تماماً وأهمه على الإطلاق، البساطة في اللغة والصبغة الأخلاقية في المناظرة. وهذا ما كان شبه مغيبٍ في المناظرة التراثية.

ج - ردود الأفغاني على دعاوى رينان:

بيّن الأفغاني في رده على دعوى لا ميتافيزيقية الجنس العربي، عبر التاريخ «أنه ليس هناك أمةٌ في منشئها بقادرةٍ على الانقياد بالعقل المحض[22]». إن الأفغاني هنا يدحض فكرة عدم انقياد الأمم غير العربية بالدين، والتأثر بالجوهر الميتافيزيقي، لكن ذلك إنما هو واضحٌ جليًّا في واقع الشعوب التي مرت بالمراحل البربرية والهمجية، ثم شيئاً فشيئاً اعتنقت نوعاً من المدنية وكان السبب في تلك النقلة هو الأديان، ونحن نعلم أن الأديان السماوية الثلاثة قد نقلت الشعوب من حالتها البربرية الوثنية الجد متخلفة إلى الحالة الإيمانية الإنسانية الأكثر تقدما وتحضرا، وكل تواطؤٍ وخذلانٍ يكون منشؤه الانحراف عن تلك الأديان، لهذا يقول الأفغاني:»إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أنه بهذا التعليم الديني سواءً كان إسلاميّا أو مسيحيّا أو وثنيّا خرجت الأمم من حالة البربرية واتجهت نحو الحضارة المتقدمة[23]».

ثم يمضي لوصف سرعة الجنس العربي في احتواء العلوم الإغريقية والفارسية في مدةٍ وجيزةٍ، وبذلك بسط هيمنته من شبه الجزيرة العربية وحتى جبال الهيمالايا، وقمة جبال البرانس، وأحيوا العلوم الهامدة فطوروها وأعطوها وهجاً لم يكن لها قط(..)، أليس هذا مؤشراً ودليلاً على حبهم الطبيعي للعلوم[24]. وبهذا فقد بيّن الأفغاني تهافت دعاوى رينان بخصوص ميل العقل العربي عن الخوض والبحث في العلوم، وبساطة ذهنيتهم وطبيعتها الإيمانية التسليمية، ولا أكثر من تقليدهم حسبه إلا أنهم في وقت حضارتهم قلدوا علوم غيرهم فقط كاليونان في فلسفتهم، والهنود والفرس وغيرهم.

وفي معرضٍ آخر، يوضح لرينان أن العرب استقبلوا الفيلسوف أرسطو بحرارةٍ دون التفكير في جنسيته اليونانية، تماماً كما استقبل الأوروبيون أرسطو، الذي أصبح عربيًّا، إلا أنهم لم يفكروا فيه بالمرة عندما كان إغريقيا، وجاراً لهم، أليس هنا برهانٌ آخرٌ ليس أقل بداهةً من التفوق العقلي للعرب وارتباطهم الطبيعي بالفلسفة[25]. والكل يعلم أن الفلسفة اليونانية نالت إعجاب العرب، وبذلك تم تطويرها بحوزتهم، والشروح الواردة عن أبي نصر الفارابي وابن سينا في المشرق على أرسطو شاهدة على هذا القول، ولا أعظم في المغرب الإسلامي بل وفي العالم كله من شروح أبي الوليد ابن رشد لإنتاج أرسطو، وبفلسفته حول أرسطو أنيرت أوروبا باسم الرشدية اللاتينية، وكذا السيناوية اللاتينية.

وبهذا التوضيح أضحت الشعوب العربية الإسلامية بتعدد أعراقها أكثر الأجناس حبًّا للفلسفة والعلم، وأظهرها للحرية في طلب المعرفة، لأن الجبر عندهم دل على انتفاء الحرية والانقياد القسري لمشيئة قوة قاهرةٍ والقرآن كثيراً ما أبان تأييده لحرية العلم[26]، والأمة في حالة رئاسة الدين لمقاليدها، ولم تشفع إذّاك دعوى رينان له في قوله بتعارض العقل الديني مع العقل العلمي والفلسفي، ثم كيف حفظت هذه المكتبة الفلسفية والغربية برمتها خلال العصور الوسطى؟ أين ضرب على الجنس غير العربي بالسبات الفكري حتى أن فيهم من عاد به الوضع إلى حساب الإله الواحد ثلاثة وحساب الثلاثة واحداً في الآن نفسه، ومنطق أرسطو بين ظهرانيهم، لا يرضى بالجمع بين النقيضين.

إن التهافت واضح المعالم في هذه الدعوى، إلا أن رينان يعيد الدور الفعّال للجنس الإغريقي فقد قال السيد رينان أن فلاسفة القرون الأولى للعقيدة الإسلامية وحتى رجال الدولة من المشاهير في هذا العصر كانوا في أغلبهم من حران والأندلس ومن فارس[27] وهذه المناطق انتشر فيها الجنس غير العربي بالطبيعة. لكن هذا لم يمنع دخول العرب إليهم واحتكاكهم بهم وثقافتهم وتبادل اللغة وانتشارها لا سيما وأن الدين الإسلامي في القرآن منزل باللسان العربي.

ثم يرد الأفغاني على كون الحرانيين عربًا وأن العرب لما فتحوا إسبانيا وأصبحت تدعى الأندلس، لم يفقدوا عربيتهم وجنسيتهم، وبهذا كانت اللغة العربية ومن قرون عديدة وقبل الإسلام لغة الحرانيين، أما بخصوص ابن باجة وابن رشد وابن طفيل، فلا يمكننا نفي العربية عنهم بنفس القدر الذي كان للكندي كفيلسوفٍ عربيٍّ ولد في الجزيرة العربية، وإذا اعتبرنا الأجناس البشرية تتميز بلغاتها[28]، فإن ابن رشد وسائر فلاسفة الأندلس أكبر العرب لأنهم أعظم شراح الفلسفة اليونانية بالعربية، بل حتى أنهم فقهوا حتى اللغة العبرية.

ومع ذلك يتساءل الأفغاني ويرى أنه سؤالٌ واردٌ ومسموحٌ، كيف أن الحضارة العربية بعد أن ألقت وهجاً حيّاً كهذا على العالم، انطفأت فجأةً؟ وكيف أن هذه الشعلة لم يُعَدْ إضاءتها منذ ذلك الحين؟ ولِمَ يبقى العالم العربي دائما قابعاً في هذه الظلمات الحالكة؟[29] إن هذه الإشكالية هي إشكالية الفكر وكيفية التعامل معه، والجمود قد أصاب الفلسفة ثمانمائة سنةً على مسائل من قبيل أصالة الماهية وعدم اتحاد العاقل والمعقول وروحانية جوهر النفس[30]، وغيرها، ولعل سيطرة الإسلام في وقتٍ معينٍ على الحواضر الإنسانية كان بفعل القوة والتسامح والفهم السليم والدعوة بالتي هي أحسن، لكن هذا لم يمنع تماماً من العلم وتطويره، والفلسفة وحريتها الفكرية، إن الذي هدم هذا الصرح هو كما حكى السيوطي أن الخليفة الهادي قد أباد خمسة آلاف من الفلاسفة ليصل إلى هدم مبدأ العلوم في البلدان الإسلامية[31]

وبهذا نكون بقدر الإمكان – حاولنا تبيين كيفية تفعيل الأفغاني للمناظرة الكلامية القريبة مع نظيره أرنست رينان، وهذا كان طريقا لاشتغاله على المناظرة البعيدة في رده على الدهريين.

د - تفعيل المناظرة البعيدة في رسالة»الرد على الدهريين»:

الدهرية هي اعتقادٌ دينيٌّ يزعم بأن العالم لم يزل موجودًا هكذا مع الله تعالى وهو بذلك قديمٌ لا محدَثٌ له، ثم أنه لا يزول ولا يؤول إلى الفناء، وما الموت إلا سنةٌ طبيعيةٌ، أما فرقة الدهرية فهي من يؤمن أنصارها بهذه العقائد، أي أن العالم ليس له خالِقٌ أصلاً وما الإنسان إلا موجودٌ بالصدفة مع باقي عناصر الطبيعة الكونية الكلية.

لقد تصدى جمال الدين الأفغاني لهذه الفرقة في كتابه الرد على الدهريين، فقد عني بتهفيت مزاعم فرقة النيشرية المنتشرة بالهند آنذاك، «والنيشر اسم للطبيعة، وطريقة النيشر دهريةٌ في أصلها، ظهرت ببلاد اليونان في القرن الرابع والثالث قبل الميلاد، ومقصد أرباب هذه الطريقة محو الأديان ووضع أساس الإباحة أو الاشتراك في الأموال والأبضاع بين الناس عامةً[32]».

إذًا يرى الأفغاني أن الدين هو قوام الأمم وصلاحها وفلاحها والبشرية وصلاحها وفلاحها، والنيشرية بانتشارها في البلاد الهندية الإسلامية تحاول طمس النور والحق وعليه ارتأى الأفغاني شرح مفهومها وكشف المراد منها ورفع الستار عن حال النيشريين من بداية أمرهم، ومنتهجًا يقول ذكرها في التاريخ وآخذاً من البرهان العقلي بدليلٍ يثبت أن هذه الطائفة على اختلاف مظاهرها لم يفش رأيها في أمة من الأمم إلا كان سببًا في اضمحلالها[33]. هاهنا يظهر أن الأفغاني حضّر جو المناظرة بأن ذكر مزاعم الخصوم، ووضع الدين أساساً للدفاع والرد والانتصار للحق، وفي هذا بيانٌ صارخٌ لتأكيد ما سيقع بينه وبين أرنست رينان، حول نفي دور الدين في تطور الإنسانية وتحضرها، وسنرى أنه في هذه الرسالة بالذات يضع بذرة الدهرية التي بدأت في العصور ما قبل الميلادية، وهي المرحلة التي وضعها رينان بداية المدنية الأوروبية، مع عظمائها الأوائل وهم الإغريق، يقول:» أثبت ثقات المؤرخين أن حكماء اليونان انقسموا في القرن الرابع والثالث قبل الميلاد قبل المسيح إلى فئتين، ذهبت إحداهما إلى وجود ذاتٍ مجردةٍ عن المادة والمدة مخالفةٍ للمحسوسات في لوازمها منزهةٍ عن لواحق الجسمانية(..) واشتهرت هذه الطائفة بالمتألهين، ومنهم فيثاغورث وسقراط وأفلاطون وأرسطو»[34]

ومعروفٌ على هؤلاء الفلاسفة الذين ذكرهم الأفغاني بأنهم أكبر فلاسفة اليونان على الإطلاق، بحيث بنى فيثاغورث فلسفته على اعتقاد أن الكون يرجع في أول أمره إلى العدد، وكل الأعداد تنبثق عن العدد واحد، وبالتالي أصل الكون واحدٌ، أما سقراط فقد انتقد فرقة السوفسطائية في التشويش على طرق الحق واستخلاص المفاهيم المجردة، والحق واحدٌ وليس متعددًا، أما تلميذه أفلاطون فقد أسس كل الأشياء بنماذجها الحقيقية في عالم المثل الذي أعلاه الخير المطلق، في حين أرسطو بدوره تساءل عن سر الحركة في كل الموجودات، فتوصل إلى افتقارها إلى غايةٍ أسمى منها وهي محركها الأول نفسه، وطالما أنه غاية الموجودات كلها فهو ثابتٌ لا يتحرك. وكل هذه الفلسفات الإلهية بدءًا بفيثاغورث حتى أرسطو تتفق في أصلها مع جوهر الدين الإسلامي لكن تختلف معه في طريقة الاصطلاح والتبرير.

أما الفئة الثانية، فقد اشتهرت بالطبيعية أو المادية لأنها نفت الأصول المجردة للأشياء وأصبغتها الطبيعة المكانية والزمانية فقط، لا أكثر من ذلك، والطبيعة بالفرنسية معناها ناتور وبالانجليزية نيتشر، ومنها جاءت النيشرية[35] التي أضحت تسمى بالدهرية لاستواء المعنى بين المصطلحين عند الأفغاني، والمعروف أن الفلسفة اليونانية وبعد ذكر فلسفة كبار المتألهين، تم إرساء فلسفةٍ دهريةٍ عندهم وأضحت تسمى واقعيةً دهريةً تنفي وجود الصانع وتؤسس لمنطق للصدفة.

إن ما يهمنا هاهنا بخصوص فلسفة الأفغاني الكلامية، هو بيان كيفية إنتاج وبعث منطق المناظرة كمظهرٍ أصيلٍ في علم الكلام المضمر عقب تقهقر الحضارة الإسلامية، لهذا سنأخذ بعض النصوص من كتابه هذا، للاستشهاد مرةً أخرى على دعوته المكنونة لإحياء روح الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن لأهل الكتاب وغيرهم من الدهريين الماديين.

يقول الأفغاني: «ومنهم (من الدهريين) ذاهبٌ إلى أن جراثيم الأنواع كافةً خصوصًا الحيوانية متماثلةٌ في الجوهر متساويةٌ في الحقيقة (..)، ورأس القائلين بهذا «داروين» وقد ألف كتابًا في بيان أن الإنسان كان قردًا [36]»، يرد بقوله: «وعلى زعم داروين هذا يمكن أن يصير البرغوث فيلا بمرور القرون وكر الدهور وأن ينقلب الفيل برغوثا كذلك»[37]، وهذه طريقةٌ مثلى في علم الكلام القديم، في اعتماد مقالات الخصوم كدعاوَى جدليةٍ ثم تاليًا الاضطلاع لإبطالها، وهنا وجدنا الأفغاني اعتمد على إيراد مسلمة داروين في التوالد الذاتي للكائنات وصيرورتها الدورية والتطورية من ذاتها دونما تدخلٍ إلهيٍّ غيبيٍّ في تخليقها، ثم السعي لإبطال هذا الزعم بأن أعطى مثالا بالبرهان الخلفي فقال أن هذا المنطق يطور البرغوث فيلا، ويقزم الفيل برغوثا، طالما أن الاعتقاد هو مجرد توالدٍ صُدفيٍّ، يحكمه قانون الانتخاب الطبيعي الذي يقضي بأن جميع الأنواع الحية كانت مرتبطةً مع الأنواع الأبوية الخاصة بكل طبقةٍ (..)، وقد كانت بدورها مرتبطةً مع أشكالٍ حيةٍ أكثرَ قِدماً، وهكذا استمر الحال في التقهقر (..)، وبهذا الشكل فان العدد الخاص بالحلقات المتوسطة الانتقالية الموجودة بين الأنواع الحية  والبائدة، من المحتم أنها كانت هائلةً بشكلٍ لا يُصدَّق[38]».

وبهذا الاعتراف في هذا النص يتبين لنا أن داروين، مع علمية منطوقه لا يستبعد الحكمة الغيبية في تشكل الأنواع وتطورها، ويعتقد أنها تنتخب لتوُّها وتتطور وتندثر لتوها وبذاتها كذلك. هذا وأشار الأفغاني إلى المفكرين الفرنسيين ك: فولتير، وروسو، في زعمهم لحماية العدل والمناداة به والحرص على فلسفته، يقول: «فنبشا قبر أبيقور الكلبي وأحييا ما بلى من عظام الناتورليسم(naturalisme) (الدهريين)، وزعما أنّ الآدابَ الإلهيةَ جعلياتٌ خرافيةٌ»،[39] وربما ما وقع في العصر الوسيط في أوروبا من تخلفٍ عقليٍّ بسبب الدين النصراني السائد، جعل هذين المفكرين يصنعان هذا الموقف من الدين، ومن كل ما هو ميتافيزيقيٌّ، وجعله خرافيًّا وأسطوريًّا، و كأني بهما يؤنسنان (أنسنة من الإنسان) الحياة ويرفضان أيّ تدخّلٍ غيبيٍّ فيها حتى لو كان مقدسًا.

إن هذه الفلسفة التي بثها فولتير وروسو جعلت الأمة الفرنساوية تضرم نارها في الأمة الإسلامية، ففرقت و أفسدت أخلاق الكثير من أبنائها فاختلفت فيها المشارب و تباينت المذاهب[40]، وبهذا فالإمبراطورية الفرنسية عاثت في الأرض فساداً بعد الذي حدث من تدمير في شعوب العالم الإسلامي.

و بالجملة فقد خلص الأفغاني في رده على كل الدهريين بثلاث نقاطٍ تخص سعادة الإنسان ككائنٍ غائيٍّ في الوجود، لا كمجرد جرمٍ ماديٍّ لا دور له، وهي أن الركن الذي بُني عليه الدين الإسلامي هو صقل العقول بصقال التوحيد، وتطهيرها من لوث الأوهام فمن أهم أصوله الاعتقاد بأن الله تعالى متفردٌ بتصريف الأكوان متوحدٌ في خلق الفواعل والأفعال[41].

أما الأمر الثاني السابق نحو وجود الشرف في مجالات الفضائل لبلوغ الأمور وشرائف المراتب، فالناس إنما يتفاضلون بالعقل والفضيلة، وقد لا نجد من الأديان ما يجمع هذه القاعدة،[42] أما دين الإسلام فهو دينٌ أفضلُ من كل الأديان و نبي الإسلام أفضل من كل الأنبياء، وقِسْ على ذلك كمالات وشرائف وفضائل هذا الدين، ومنطق حكمته في الرد على الدهريين، فالأفغاني يرى أن دين الإسلام هو دين الفطرة السليمة البعيدة عن المادية الدهرية، وفي الآن نفسه هو دين الفضائل السامية.

إذاً، فبعد التوحيد المصقول في العقول، والإيمان بالتسابق نحو أعلى المراتب في الفضائل يأتي الأمر الثالث كمقياسٍ لكمال وقوة التدين وقوة الدين، وهو أن تكون عقائدُ الأمة وهي أول رقم ينقش في ألواح نفوسها، مبنيةً على البراهين القويمة والأدلة الصحيحة، وأن تتحامى عقولهم مطالعة الظنون في عقائدها وتترفع عن الاكتفاء بتقليد الآباء، وهذا الدين يطالب المتدينين أن يأخذوا بالبرهان في أصول دينهم، وكلما خاطب العقل وكلما حاكم حاكم إلى العقل (..)، وقلما يوجد من الأديان ما يساويه أو يقاربه في هذه المزية وأظن غير المسلمين يعترفون لهذا الدين بهذه المزية الخاصة الجليلة.[43]

والأمر واضحٌ جدًّا في هذه المسلمة في علم الكلام التراثي، كيف دحضت أدلة علماء الكلام المسلمين أدلة باقي المنتحلين لسائر الأديان غير السماوية أو السماوية المحرفة، وبمعنًى آخرَ شفع دين الإسلام بأدلةٍ قاطعةٍ وهي عقليةٌ تعتمد على حججٍ ظاهرة البيان، قابلة لإبطال مزاعم الآخرين من دعاوى باطلة ولهذا أقام الأفغاني حجة العقل والبرهان كأمر ضروريٍّ لأيٍّ دينٍ أراد معتنقوه أن يسموَ على باقي الأديان، وليس غير الإسلام من يعلو بحججه القاطعة وأنوار بداهته الساطعة.

وبعد إيضاح الضروريات الثلاث السالفة، يضيف الأفغاني أمراً رابعاً وهو أن يكون في كل أمةٍ طائفةٌ يختص عملها بتعليم سائر الأمة[44]، فالتعلُّم وسيلةٌ غرضه التنوير لعقول المؤمنين، وتذكيرهم بهفوات الخطأ، وجوانب الصواب، ثم تساءل كمتكلمٍ أصيلٍ»فإن قال قائلٌ: إن كانت الديانة الإسلامية على ما بينت فما بال المسلمين على ما نرى من الحال السيئة والشأن المحزن، فجوابه، أن المسلمين كانوا كما كانوا وبلغوا بدينهم ما بلغوا والعالم يشهد بفضلهم وأكتفي الآن من القول بهذا النص الشريف:قال تعالى ـ»إن الله لا يغير ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم»(الرعد11)[45].

وحقٌّ قولُه لأنّ معادلة الحضارة حسب نص الآية تقوم على تغيير ما بالأنفس كشرطٍ للتغيير الحضاري، وختم الأفغاني كلامه في هذه الرسالة المدحضة لدعاوى الدهريين بقوله» وهذا آخر ما أردت في هذه الرسالة، ينتهي به ما أجملت في كشف سوآت النيشريين،(..)، وتوضيح الأدلة على منفعة الأديان ولزومها لقيام النظام البشري خصوصًا دين الإسلام[46]»، وبالإسلام فقط تدحض المقالات الفاسدة المبنى والمعنى كمقالات الدهريين الجدد هذه، وبهذا يكون الأفغاني بعد كتابيه «الرد على رينان» و»الرد على الدهريين»، فاتحًا لباب الفلسفة الكلامية الجديدة كممارسةٍ أصيلةٍ في الخطاب الديني التراثي، وليس ذلك عنده مجرد تكرارٍ، بل لقد أدخل الأفغاني هذه المرة في منطق المناظرة الأخلاقية، المبنية على أصول الكلام التراثي من عقيدة التوحيد، وأصولٍ للفلسفة من البحث في البراهين القاطعة، والنقد البناء وحرية التفكير.

خاتمة:

وعلى هذا الأساس يمكننا استخلاص نقاطٍ مهمةٍ في مشروع الفلسفة الكلامية المعاصرة وذلك انطلاقاً من بوادرها الأولى مع الأفغاني ونجملها في ما يلي:

جمال الدين الأفغاني فعل المناظرة الكلامية كمظهرٍ أساسيٍّ وأصيلٍ في صناعة الكلام الإسلامي، وهذا أنموذجٌ مباشرٌ للنبوغ في هذا العلم، إذ الأقدر على المناظرة هو ذاته الصانع للحوار والمحاجّة، ولا يكون ذلك إلا للضليع في فن المنطق[47].

أثار الأفغاني مسائلَ مهمةً، وهي جديدةٌ بالمقارنة مع مسائل الكلام القديم، منها علاقة الدين بالعلم، وتجريد العلم من الفلسفة المادية، أو الدهرية، وعلاقة الإنسان بالعلم ومدى حاجته إلى الدين والعلم معا، ومسائل أخرى لكنها مطروقةٌ من قبل، كالتركيز على وحدة الأمة في تمسكها بعقيدة التوحيد.

البحث في المسائل الفرعية للدين، مثل إثارة المسائل العملية لحياة الإنسان المسلم في علاقته مع باقي الحضارات وكيفية تعامله، ووجوب احتكاكه بهم، وبهذا يكون قد وسع من دائرة الكلام، لهذا أطلقنا عليها اجتهادات الفلسفة الكلامية في العصر الإسلامي الحديث.

أما بخصوص اللغة فقد أضحت سهلةً وبسيطةً مقارنةً باللغة التراثية، ولا تعتمد الحوار المباشر، بل قد تحدث بالتناص أو الحوار البعيد، ثم أن إيراد الحجج والبراهين يعتمد فيه الوضوح وضرب الأمثلة لفهم الخواص والعوام، لأن الفائدة حسب الأفغاني هي إرشاد الأمة بأكملها، فكان مشروعه إصلاحيًّا إرشاديًّا وفتح به باب الفلسفة الكلامية بما تنطوي عليه من مقالاتٍ ومقولاتٍ كالتدين والنقد والتفكير الحر والتوحيد، والدين الإسلامي الداحض بحجته لحجج كل الأديان.

قائمة المصادر والمراجع:

أ - مصادر جمال الدين الأفغاني:

جمال الدين الأفغاني: العروة الوثقى، إعداد وتقـ: هادي خسروشاهي، مكتبة الشروق الدولية، ط1، القاهرة، 2002.

جمال الدين الأفغاني: سلسلة الأعمال المجهولة، تح وتق: علي شلش، رياض الريس للكتب والنشر، لندن، 1987،.

جمال الدين الأفغاني: الرد على الدهريين، تر: محمد عبده، ط3، مطبعة الموسوعات، مصر، 1320هـ، ص 4.

الإسلام والعلم: مناظرة رينان والأفغاني، تر: مجدي عبد الحافظ، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، القاهرة، 2005.

ب - مصادر ومراجع أخرى:

أرنست رينان: محاورات رينان الفلسفية، تر: علي أدهم، مطبعة دار الكتب، ط2، القاهرة، 1998، ص9.

داروين: أصل الأنواع، تر: مجدي محمود المليحي،تق:يمير حنا صادق، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، القاهرة، 2004، ص496.

طه عبد الرحمن: في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، المركز الثقافي العربي،ط1، بيروت، 2000.

محمد عمارة: جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام، دار الشروق، ط2، القاهرة، 1988.

محمد علي أبو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعرفة الجامعية، ط2، الإسكندرية، 1992.

محمد رضا حكيمي: الاجتهاد التحقيقي، دار الهادي، ط1، بيروت، 2000، ص 30. 6.

منذر معاليقي: معالم الفكر العربي في عصر النهضة العربية، دار اقرأ، بيروت، ص200.

عبد المجيد تركي: مناظرات في أصول الشريعة الإسلامية بين ابن حزم والباجي، تح وتر: عبد الصبور شاهين، دار الغرب الإسلامي، ط1، بيروت، 1986.

عبد اللطيف عادل: بلاغة الإقناع في المناظرة، منشورات ضفاف، ط1، بيروت، 2013.

صلاح زكي أحمد: أعلام النهضة العربية الإسلامية في العصر الحديث، مركز الحضارة العربية، ط1، القاهرة، 2001.

الشريف المرتضى: طبقات المعتزلة، تح: سوسنة ديعثلد قلزر، بيروت، 1961.

الشنقيطي محمد الأمين: آداب البحث والمناظرة، تح: سُعود بن عبد العزيز العريفي، دار علم الفوائد للنشر والتوزيع، جدة.

معجم المصطلحات الكلامية، ج2، زيادات واستدراكات: إبراهيم رفاعة، مجمع البحوث الإسلامية، ط2، 1436 هـ.

لائحة المصادر والمراجع

المصادر

– القرآن الكريم برواية ورش عن نافع

– الكتاب المقدس– الرهبنة اليسوعية، الناشر دار المشرق بيروت، ط3، 1988

– قاموسٌ للكتاب المقدس، تأليف نخبة من الأساتذة ذوي الاختصاص ومن اللاهوتيين: الدكتور بطرس عبد الملك – الدكتور جون ألكسندر طمسن – الأستاذ إبراهيم مطر، نشر دار مكتبة العائلة.

المراجع

– الأب إصطفان شربنتيه، دليلٌ إلى قراءة الكتاب المقدس، نقله إلى العربية الأب صبحي حموي اليسوعي، دار المشرق بيروت، ط3.

– إميل ماهر، إسحق، مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الأصلية.

– البابا شنودة، سنواتٌ مع أسئلة الناس: أسئلة حول الكتاب المقدس، ط1، 2001، القاهرة

– دائرة المعارف الكتابية، مجلس التحرير: دكتور صموئيل حبيب، القس منيس عبد النور، دكتور –القس فايز فارس، جوزيف صابر، المحرر وليم وهبة بباوي، نشر دار الثقافة.

– رياض يوسف داود، مدخلٌ إلى النقد الكتابي، دار المشرق بيروت، ط1، 1997

– سمعان كهلون، مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين، طبع في بيروت، 1869.

– فكرةٌ عامةٌ عن الكتاب المقدس، مقالاتٌ من مجلة مرقس، دار مجلة مرقس.

– فهيم عزيز، المدخل إلى العهد الجديد، اصدار دار الثقافة المسيحية القاهرة.

– وهيب جورجي كامل، مقدمات العهد القديم، ط1، 1985.

– يوسف رياض، وحي الكتاب المقدس، الناشر مكتبة الإخوة.

-----------------------------

[1]     صلاح زكي أحمد: أعلام النهضة العربية الإسلامية في العصر الحديث، مركز الحضارة العربية، ط1، القاهرة، 2001، ص 7.

[2]     محمد عمارة: جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام، دار الشروق، ط2، القاهرة، 1988، ص100.

[3]     جمال الدين الأفغاني: العروة الوثقى، إعداد وتقـ: هادي خسروشاهي، مكتبة الشروق الدولية، ط1، القاهرة، 2002، ص109.

[4]     المصدر نفسه: ص 114.

[5]     جمال الدين الأفغاني: العروة الوثقى، مصدر سابق، ص114

[6]     جمال الدين الأفغاني: سلسلة الأعمال المجهولة، تح وتق: علي شلش، رياض الريس للكتب والنشر، لندن، 1987، ص129.

[7]     معجم المصطلحات الكلامية، ج2، زيادات واستدراكات: إبراهيم رفاعة، مجمع البحوث الإسلامية، ط2، 1436 هـ، ص326.

[8]     طه عبد الرحمن: في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، المركز الثقافي العربي،ط1، بيروت، 2000،ص68.

[9]     الإسلام والعلم: مناظرة رينان والأفغاني، تر: مجدي عبد الحافظ، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، القاهرة، 2005، ص 34.

[10]   مناظرة رينان والأفغاني، مصدر سابق، ص 35.

[11]   المصدر نفسه: ص ص 39 40.

[12]   محمد علي أبو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعرفة الجامعية، ط2، الإسكندرية، 1992، ص.

[13]   مناظرة رينان والأفغاني: المصدر نفسه، ص 47.

[14]   مناظرة رينان والأفغاني: مرجع سابق، ص 51.

[15]   المصدر نفسه: ص 52.

[16]   أرنست رينان: محاورات رينان الفلسفية، تر: علي أدهم، مطبعة دار الكتب، ط2، القاهرة، 1998، ص9.

[17]   المصدر نفسه: ص 54.

[18]   الشريف المرتضى: طبقات المعتزلة، تح: سوسنة ديعثلد قلزر، بيروت، 1961، ص 123.

[19]   المصدر نفسه: ص 124.

[20]   عبد اللطيف عادل: بلاغة الإقناع في المناظرة، منشورات ضفاف، ط1، بيروت، 2013، ص 130.

[21]   عبد المجيد تركي: مناظرات في أصول الشريعة الإسلامية بين ابن حزم والباجي، تح وتر:عبد الصبور شاهين، دار الغرب الإسلامي، ط1،بيروت، 1986، ص 32.

[22]   مناظرة رينان والأفغاني: مصدر سابق، ص55.

[23]   المصدر نفسه، ص 56.

[24]   مناظرة رينان والأفغاني: مصدر سابق: ص 58.

[25]   المصدر نفسه: ص 58.

[26]   منذر معاليقي: معالم الفكر العربي في عصر النهضة العربية، دار اقرأ، بيروت، ص200.

[27]   مناظرة رينان والأفغاني: المصدر نفسه، ص 59.

[28]   مناظرة رينان والأفغاني: المرجع نفسه: ص 59.

[29]   المصدر نفسه: ص 61.

[30]   محمد رضا حكيمي: الاجتهاد التحقيقي، دار الهادي، ط1، بيروت، 2000، ص 30.

[31]   مناظرة رينان والأفغاني: المصدر نفسه: ص 61.

[32]   جمال الدين الأفغاني: الرد على الدهريين، تر: محمد عبده، ط3، مطبعة الموسوعات، مصر، 1320هـ، ص 4.

[33]   المصدر نفسه: ص 5 6.

[34]   المصدر نفسه: ص 6.

[35]   جمال الدين الأفغاني: الرد على الدهريين، مصدر سابق،ص 6.

[36]   المصدر نفسه:ص 9.

[37]   المصدر نفسه: ص10.

[38]   داروين: أصل الأنواع، تر: مجدي محمود المليحي، تق: يمير حنا صادق، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، القاهرة، 2004، ص496.

[39]   جمال الدين الأفغاني: الرد على الدهريين، مصدر سابق، ص44.

[40]   المصدر نفسه:ص 45.

[41]   المصدر نفسه: ص62.

[42]   المصدر نفسه: ص 63.

[43]   جمال الدين الأفغاني: الرد على الدهريين: مصدر سابق،ص66.

[44]   المصدر نفسه: ص68.

[45]   المصدر نفسه: ص 69.

[46]   جمال الدين الأفغاني: مصدر سابق: ص69.

[47]   الشنقيطي محمد الأمين: آداب البحث والمناظرة، تح: سُعود بن عبد العزيز العريفي، دار علم الفوائد للنشر والتوزيع، جدة، ص 4.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف