البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

October / 24 / 2018  |  1988التمهيد لـ "ما بعد الاستعمار" أواليات العنف الاستعماري، التجربة الأوروبية

محمد نعمة فقيه المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية صيف 2018
التمهيد لـ "ما بعد الاستعمار" أواليات العنف الاستعماري، التجربة الأوروبية

تسعى هذه الدراسة إلى بيان الأسس التاريخية والمعرفية لنشوء الاستعمار الحديث. ولكن هدف الباحث هنا يرتكز بصفة أساسية على إظهار دور القوة القهرية للبنية الاستعمارية بما تختزنه من عنف وسيطرة في ترسيخ السيطرة على المجتمعات والبلاد العربية والإسلامية منذ أواخر القرن التاسع عشر وإلى يومنا الحالي. ولأجل ذلك يقوم الباحث برصد تحليلي للمحطات الكبرى التي مرت بها الحركة الاستعمارية الحديثة ومهدت بالتالي للزمن الما بعد الاستعماري الذي تعبره المنطقة اليوم بأشكال واتجاهات وآليات لا حصر لها.

المحرر


يمكننا اعتماد تاريخ (1493م) بداية رسمية للفعل الاستعماري، بمفهومه الأوروبي، أي الاستعمار القائم على النّهب العنيف للمستعمرات ونقل المنهوبات إلى «مركز» استعماري أوروبي (Métropole)، على غير ما كانت عليه حركة الاستعمار البشري، منذ نشأة المجتمعات البشريّة، والتي كانت عبارة عن انتقال جماعة من البشر، قبيلة أو شعب، من موقع أو موطنٍ أصلي لها، للاستيطان في مكان ما، بشكل سلمي أو بالغلبة، واستعمارها، بمعنى عمارتها، ثم تتّخذ هذه الجماعات أو الشعوب من المنطقة التي استعمرتها موطناً لها ومستقراً، ولو إلى حين.

وباستثناء محاولة الاستعمار بهدف الاستتباع والنهب العنيف خلال الحروب الصليبية على سواحل بلاد الشام في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، لم تشهد المجتمعات البشرية حركة استعماريّة قائمة على النهب العنيف، سوى تلك التي باشرتها مملكتا إسبانيا والبرتغال ابتداء من أواخر القرن الخامس عشر، وكانت تستهدف نهب كل ما يقع تحت يدها في المحيط الأطلسي وشمالي إفريقيا وغربيّها وصولاً إلى جنوبيها و«العالم الجديد»، منهيَة بذلك «شرعية» القرصنة التي كان يمارسها البحارة الأوروبيون، على سواحل أفريقيا الشمالية والغربية وساحل بلاد الشام، والتي كانت تقوم على قاعدة «انهب واهرب».

ونحن إذ نعتمد هذا التاريخ، 1493، بوصفه البداية «الرّسميّة» لحركة الاستعمار الأوروبي لمناطق وشعوب غير أوروبية، نسترشد بما تضمنه المرسوم البابوي، الذي أصدره البابا إسكندر السادس (رودريجو بورجيا)، وبارك بموجبه ملكَيْ إسبانيا والبرتغال، لما يقدّمانه من خدمات لنصرة الكنيسة، والتبشير بالسيّد المسيح حول العالم، وأنّه تقديراً لجهودهما وتضحياتهما في هذا السبيل، فإنه يقر ويبارك المعاهدة التي تعاهدا عليها، وهي معاهدة توردسيلاس (Tordesillas) عام 1493 والتي تم تعديلها عام 1494، حيث تقاسما العالم بينهما، فرسما خطاً وهميّاً في المحيط الأطلسي يمتد بين القطبين الشمالي والجنوبي، فمنح البابا كل المناطق المستكشفة أو التي ستكتشف غربي الخط إلى ملك إسبانيا، وشرقيه إلى ملك البرتغال.[1]

وبناءً على «تقسيم العالم» هذا، جاءت الإرادة الملكية التي أعلنها ملك البرتغال منذ بداية القرن السادس عشر (1507)، السّيادة البرتغاليّة التّامّة على المحيط الهندي، معتبراً أن مياه المحيط مياهٌ برتغالية، وأن على كل سفينة تجارية تمخر عباب المحيط، أن تحصل على تصريح بالإبحار من حاكمية أحد الموانئ البرتغاليّة، وأنه يحق للسفن البرتغالية اعتراض أي سفينة، مهما كانت تابعيتها، في أعالي البحار لتتأكد من أنها تحمل تصريحاً بالإبحار وتطابق حمولتها مع التصريح. وكلف الملك فاسكو دا جاما[2] بتنفيذ مضمون هذه الإرادة الملكية بالقوة على من يرفضها، وأمدّه بالقوة الحربيّة اللّازمة لذلك[3]. بينما كانت الغزوات البحريّة الإسبانيّة باتجاه «العالم الجديد» قد باشرت نهبها العنيف لما تقع عليه أيديها وتستعمر البلاد باسم ملك إسبانيا[4]. فيقول أمريكو فسبوتشي (الذي أعطى اسمه للقارة الجديدة)، بأنّه خلال الفترة ما بين عامي 1499 و1507 قام بأربع رحلات إلى «العالم الجديد»[5].

يمكن، وبمختلف المقاييس، اعتبار الحركة الاستعمارية التي باشرها الإسبان والبرتغاليون مع نهايات القرن الخامس عشر، بأنها استئناف للحروب الصّليبيّة، أكان لجهة الأهداف أو الشعارات، وحتى لجهة الأساليب. ولكنها لم تعُد تقتصر على موانئ وحواضر العالم الإسلامي في البحر الأبيض، بل تجاوزت هذا الحيّز الجغرافي الضيِّق لتشمل شعوب وحضارات ومناطق العالم بأسره.

بيد أن ما يجب البحث عنه هو: كيف تحولت أوروبا الغربية عموماً، من أعدادٍ لا تعد ولا تحصى من المقاطعات والممالك المتناحرة والمتقاتلة في ما بينها، المحكومة بصراع طويل ويائس من أجل البقاء، إلى قوة، أو قوى، قادرة على تسيير الأساطيل في المحيطات، تستعمر الشعوب والبلدان في مختلف أصقاع الأرض، تغزوها وتنهبها وتفرض سطوتها عليها، بعد أن كان البحر الأبيض بحراً إسلاميّاً صرفاً والبحر الأدرياتيكي (التيراني) بحيرة عربية، حسب تعبير المؤرّخ البلجيكي هنري بيرين؟ وكيف حقّقت الانقلاب في ميزان القوى الدولية لصالحها حتى يكون باستطاعتها أن تلعب هذا الدّور؟ وهل يمكن للباحث الجاد الاكتفاء بالقول أن التقدم العلمي والتطور الصناعي الذي شهدته أوروبا الغربية في تلك الفترة هو ما أمن لها التفوق في صناعة السفن والأسلحة النّاريّة، وبالتالي التفوق في ميدان الحرب؟ أم أن الأمر يفرض على الباحث الجاد أن يذهب بعيداً في استكشاف دور النّهب العنيف، الذي مارسه القراصنة على امتداد ستة قرون (من القرن التاسع حتى القرن الخامس عشر) على العالم الإسلامي، في التأسيس لبناء مجتمعات كاملة تتغذى دورتها الاقتصاديّة على مردود المنهوبات التي كانت تتحول إلى محفّزات لمزيد من تطوير الجهاز العنفي للحصول على المزيد من المنهوبات؟

يربط عدد من المؤرخين بين سقوط القسطنطينية بأيدي العثمانيين عام 1453، والتطورات التي شهدتها أوروبا، ويتّفق الجميع على اعتبار هذا التاريخ بأنه نهاية «للقرون الوسطى» الأوروبية، وبداية للعصر الحديث. ويَعنون بالعصر الحديث، بشكل خاص، وضع المجتمعات الأوروبية على سِكَّة التَّطوُّر وظهور الدول المركزية وازدهار الثقافة والفنون والعلوم بمختلف مستوياتها. وهو ما يعتبرونه وضع الأسس لتحقيق الانقلاب في التوازن الدولي لصالح الكتلة الأوروبية بمواجهة السلطنة العثمانية، التي كانت تشكّل، حتى ذلك الوقت، القوة الأهم والأعظم في التوازن الدولي. ونادراً ما أَوْلى، الذين ربطوا بين الحَدَثين، اهتماماً كافياً لأدوات ومحفزات التطور الأوروبي، بعيداً عن «الأنوية» الأوروبية. ونلاحظ أنهم تجنبوا الخوض في ما هو أصل وأساس ذاك التطوّر. فتمّ التركيز على عددٍ من النتائج، وعلى ظواهر جانبية وفرعية، وقالوا أنها هي ركيزة ذاك التطور، وأنها هي القاعدة التي تشكلت عليها عمليّة الانطلاق، وبالتالي هي التي أدت إلى إنتاج الانقلاب في التوازن الدولي لصالح أوروبا الغربية.

أ – أوروبا القرون الوسطى: لمحة سريعة:

وحتى لا نذهب بعيداً في هذا المجال، سنكتفي ها هنا بالإطلالة على ما كان عليه الواقع الأوروبي قبل أعوام من مرحلة «القرون الوسطى» لنتبين ركائز هذا الانطلاق وأسبابه.

من العبث الكلام عن الدول والحكام والأنظمة التي كانت قائمة في أوروبا إبان القرون الوسطى، إذ لم يكن هناك دول ولا حكام ولا أنظمة. وعلى حد وصف الأستاذ هـ.ج. ويلز، فإن «كل ما في الأمر أن بعض حكام المقاطعات الصغيرة أو الكبيرة كانوا يستولون على قلعة أو ناحية من الريف ويحكمون منطقة حكماً غير مستقر. فكانت الجزر البريطانية مثلاً، مقسمة بين حشد كبير من الحكام، وكان هناك زعماء كليتون عديدون في ايرلندا وإيسلندا وويلز وكورنوال[6]، يتقاتلون ويتغلبون أحدهم على الآخر أو يخضعون بعضهم لبعض. وكان الغزاة الإنكليز ينقسمون أيضاً إلى عدد من الممالك غير المستقرة، وهي كنت وسكس وساسكس وإسكس ومرسيا ونورثمانيا وإنجيليا الشرقية، وهي دول لا تنقطع الحرب بينها أبداً»[7].

ويتابع الأستاذ ويلز وصفه قائلاً: «كان ذلك شأن معظم أقطار العالم الغربي، فأنت واجد أسقفاً يتولى الملك، كما كان غريغوري الأكبر في روما. وواجد ها هنا مدينة أو مجموعة من البلدات تحت حكم دوق أو أمير لهذه أو لتلك. وكنت تجد بين الخرائب الهائلة بمدينة روما، أسراً نصف مستقلة من مغامرين شبه نبلاء، كل يذود عن حياضه ومعه أتباعه. وكان للبابا نوع من السيادة العامة على هؤلاء ولكن كان ينافسه في تلك السيادة ويفوقه تماماً في بعض الأحيان دوق روما (...) وكانت إسبانيا على هذا الانقسام السياسي الشديد نفسه الذي كانت عليه إيطاليا وفرنسا وبريطانيا»[8].

عموماً، ليس منطقياً الكلام عن أوروبا «القرون الوسطى» بوصفها كلّاً اجتماعياً أو حضارياً منسجماً، فإلى جانب انشطارها في الولاء إلى الكنيسة الكاثوليكية أو إلى الكنيسة البيزنطية الأرثوذوكسية الذي أدى إلى قسمتها إلى أوروبتين شرقية وغربية، فإن مفاهيم مثل “المجتمع الأوروبي” أو “الحضارة الأوروبية” أو “الجماعة الأوروبية”، لم تكن قد وُجدت بعد.

والواقع أن كل كلام عن «حضارة أوروبية» قبل «القرون الوسطى»، هو ضرب من الإسفاف، فعلى الرغم من كل ما يقال حول أثر «القرون الوسطى» على أوروبا، وحول الدمار الذي لحق بها، فممّا لا ريب فيه، هو أنها حققت وجودها للمرة الأولى في التاريخ خلال هذه المرحلة، لتكون «القرون الوسطى» بالنسبة لأوروبا بمثابة المخاض الحقيقي لولادتها وتشكلها، ويسقط بالتالي مفهوم «القرون الوسطى» عن المرحلة الممتدة ما بين أواخر القرن الخامس والقرن الخامس عشر باعتبارها مرحلة جاءت وسط حضارتين أوروبيتين، والتأسيس لمفهوم آخر عن القرون الوسطى، مفهوم  يعتبر بأنّها لم تكن سوى «مرحلة المخاض والتأسيس» لمجال سياسي واجتماعي هو المجال الأوروبي.

فالنظام الإقطاعي الذي تشكل ونما خلال القرون الوسطى، ولعب في بداياته دوراً تقدمياً وحمل للمجتمع الأوروبي نظاماً ثورياً ورائداً، كان قد ترافق مع انتشار النصرانية التي شاعت وتحولَت إلى دينٍ نهضوي توحد الأوروبيون به وحوله، وشكل لهم «الموحد الأيديولوجي» المافوق قبلي أو قومي أو إثني. تناغم الإقطاع والكنيسة معاً في صرامة التراتبية الداخلية لكليهما، فأدخلا هذا النّمط من العلاقات في بعدها السياسي ليؤسسا للدولة القومية المركزية، وليشكلا معاً، العاملين الأساسين لتشكل أوروبا وتكوّنها كمجالٍ ذي مدلول سياسي – اجتماعي – ديني، لأوّل مرّة في التّاريخ.

فمنذ بطليموس، كان ثمة حديث عن بقعة من الكرة الأرضية متميّزة أو مختلفة جغرافيا عن سواها من آسيا وأفريقيا تسمّى أوروبا. لكن ليس ثمة شعب أوروبي. والصفة «أوروبي» لم تكن مستخدمة بعد لتُميِّز الإنسان القاطن في هذه القارة عن غيره. بينما كانت الصفة «آسيوي» أو «أفريقي» تسمية لرجل أصله من الأناضول، مثلاً، أو من العرب[9]. فأوروبا آنذاك مقسّمة في الواقع إلى عالم روماني وعالم بربري”[10]. وفي الوقت الذي كان فيه “العالم البربري” المتّصف بوحشيّته ووثنيَّته، يجد امتداده خارج القارة ليتواصل مع الشعوب التركية والمغولية الآسيوية، والتي تشاركه حتى ذلك الحين بالوحشية والوثنيّة، ويقوم نمط اجتماعها على نظام القبائل المحاربة القائمة على الغزو، فإن «العالم الروماني» الذي تمثله الإمبراطورية الرومانية يمتد على ثلاث قارات حول البحر الأبيض، ممّا يُسقط عنها صفتها الأوروبية الخالصة على الرغم من أن مؤسسيها أوروبيون وعاصمتها في أوروبا.

ففي خضم الخراب والدمار والمجازر التي أثارتها الغزوات الكبرى خلال القرنين الخامس والسادس الميلاديين القبائل العسكرية الجرمانية على الإمبراطورية الرومانية من شمالي أوروبا إلى وسطها وجنوبها وغربها والقبائل العسكرية التركية (الهدن) التي كانت تغير على كل أوروبا انطلاقاً من سهل الدانوب في شرقي أوروبا[11]، إضافة إلى غزوات قبائل الأنجل (الإنجليز) والسكسون والقوط، وهم «من أشد الهمج الغزاة قساوة وتأثيراً في من حولهم»[12]، في هذا الخضم كانت تتشكل القارة الأوروبية اجتماعياً مع استقرار هذه القبائل في المواطن التي غزتها ومن ثم في اعتناقها للنصرانية[13] وصولاً إلى تحويل الأعداد الغفيرة من الفلاحين والمزارعين الضعفاء إلى أقنان أو أتباع لهذا أو ذاك من الرجال الأقوياء، ليحتموا به، ويتشكل النظام الإقطاعي الذي شكل جهازاً ضروريّاً لإعادة التوازن والاستقرار ودفع عجلة الإنتاج الزراعي خطوة كبيرة إلى الأمام[14].

وإذا كان بالإمكان اعتبار نمو النظام الإقطاعي في أوروبا إنجازاً أوروبياً خاصاً إلى حد بعيد، فإن انحلال هذا النظام والتأسيس للنظام الرأسمالي، كان يستلزم بضعة عوامل خارجية، غير أوروبية، لتتفاعل مع عوامل أخرى أوروبية، تدفع باتجاه إحداث القفزة النوعية وتأمين متطلبات الازدهار الاقتصادي والتفوق العسكري على قواعد ومقتضيات النظام الرأسمالي الذي تدين أوروبا الغربية بتطورها له.

 ب – حول موضوعة الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية:

لا شك أن المجتمعات الأوروبية الغربية شهدت صراعاً داخلياً عنيفاً وكاد أن يكون مدمراً في بعض مراحله ومواقعه على طريق الانتقال من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي. وتبعاً لأهمية هذه القفزة النّوعية في المجتمعات الأوروبية الغربية وأثرها الكبير على العلاقات الدولية في ما وراء خطوط هذه المجتمعات، فإن موضوعة الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية استحوذت على نقاشات واسعة لدى مختلف المدارس الاقتصادية والاجتماعية، وتبوأت موقعاً من الاهتمام لم ينازعها فيه أي موضوع آخر من المواضيع الحيوية، لا سيما في مضمار التحديد الزمني لهذا الحدث أو في أوالياته الداخلية وسيرورته العامة.

وكان النقاش قد افتتح على مصراعيه حول هذا الموضوع بدءاً من أواخر القرن الثامن عشر، واستمر محتدماً طوال القرن التاسع عشر وصولاً إلى يومنا هذا. وقد شارك فيه بداية فلاسفة وعلماء اقتصاد واجتماع من أمثال الفيلسوف الألماني فريدريك ليست (1789 – 1846) الذي صاغ نظرية في تطوُّر المجتمعات البشرية، قد تكون أوّل النظريات التفصيلية حول الاتجاه التطوري لهذه المجتمعات، التي تعطي لمراحل التطور الخمسة التي تلحظها العناوين التالية: 1 - المرحلة الهمجيّة. 2 - المرحلة الرعوية. 3 - المرحلة الزراعية. 4 - المرحلة الزراعية والصناعية. 5 - المرحلة الزراعية – الصناعية – التجارية. وكذلك المفكر الاقتصادي البريطاني الشهير  آدم سميث (1723 – 1790) صاحب كتاب «ثروة الأمم» الذي وضعه عام 1776 والذي قد يكون أوّل من نَظَّر، وعبر الاستدلال العلمي، وعلى نطاق واسع، لأهمية الاستعمار لنمو الرأسمالية، عبر ربطه ما بين اتساع السوق، وقدرة الرأسمالية على تحقيق تقسيم العمل الذي يؤدّيه العامل في النظام الرأسمالي، بانفصاله عن وسائل الإنتاج، بوصفه ليس سوى سلعة كغيرها من السلع وان الأجر الذي يتقاضاه مقابل العمل، إنما هو «ثمن» لهذه السلطة يخضع لنظام العرض والطلب شأنه شأن غيره من الأثمان.

وعلى أعتاب الثورة الصناعية الثانية في أوروبا الغربية (اختراع المحرك بالطاقة النفطية) سيحتدم النقاش مجدداً مع كارل ماركس وتأسيسه لمدرسة خاصة في قراءة تطور المجتمعات البشرية، ومع أقطاب المدرسة الهيغلية الجديدة التي رفض أحد أجنحتها أن تكون المجتمعات البشريّة، شأنها شأن الطبيعة، تحيا ضمن انتظام معيَّن (فيلهلم روشير 1817 – 1894) بينما رأى آخرون في هذه المدرسة (برونو هيلد برانت 1812 – 1878) أن تطور الأمم الاقتصادي يمر ضمن ثلاث مراحل هي: الاقتصاد الطبيعي والاقتصاد النقدي والاقتصاد الائتماني[15].

ومع أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ستجدد الهيغلية نفسها مع «المدرسة التاريخية الحديثة» التي ستقوم مع وارنير سومبارت صاحب كتاب «الرأسمالية الحديثة» ومع العالم الاجتماعي ماكس فيبر (1864 – 1920)، وكلاهما ألماني، حيث يعتبران أن التطور الاقتصادي مستمدٌّ من المثالية الموضوعية التي ترجع أصولها إلى فلسفة هيغل، وأن لكل عصر تاريخي «روحه» الخاصة التي تختصر في مجموعة من الاتجاهات النفسانية للبشر، التي تضفي على كل عصر طابعة الخاص. ويعتبر أن مفتاح فهم التطور الاقتصادي لا يكمُن في معرفة أسلوب الإنتاج، أي أنّه ليس في القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، كما يقول كارل ماركس، إنما في معرفة وفهم الاتجاهات النفسانية التي تشكل «روح» كل عصر تاريخي بذاته[16].

جـ - حول التراكم الأوّلي لرأس المال:

لقد تساءل الاقتصادي الشهير آدم سميت منذ القرن الثامن عشر في «ثروة الأمم» عن المكوّنات الأولى للرأسمال عامة وسعى إلى تبرير ذلك عبر الكلام عن سلوكات توفيرية سلكها أولئك الرجال الذين جنوا المال وحولوه تدريجياً إلى رؤوس أموال أخذت بالتراكم عبر الاستثمار، ويقول في ذلك: «إن السبب المباشر لتراكم رأس المال، إنما هو الاقتصاد (التوفير) وليس الصناعة. وفي الحقيقة إن الصناعة تقدم المادة للتوفيرات التي يقوم بها الاقتصاد». ويقدم مجموعة من الأمثلة حول البخل والتقتير الشديدين في أوساط وسلوكيات الرأسماليين الأوائل[17]. ويتولى كارل ماركس في “رأس المال” دحض مقولة آدم سميث حيث يعتبر أن التراكم الأوّلي إنما هو نتيجة لـ “الحركة التاريخية التي تحقق الانفصال بين العمل وشروطه الموضوعية” ويتابع ماركس قائلاً: “تلك هي – إذن – مفتاح السر للتراكم المسمّى تراكماً أوليّاً”[18].

كان كارل ماركس قد وضع يده على جزء من الجواب، حول سر التراكم الأوَّلي لرأس المال، عندما قال: «إن الغزو والاستعباد والاغتصاب المسلَّح والنهب وسيطرة القوة الوحشية، هي التي كانت تتغلَّب دائماً، في أحداث التاريخ الواقعي وسجلّاته»[19]، إلا أنه يعود ويفلت هذا الجواب من بين يديه، تحت وطأة اضطراره للانسجام مع منظومته النظرية العامة القائلة بأن عملية تشكل أي نظام جديد، بالنّسبة لأوروبا، يجب أن تتم في أحشاء القديم، وأنَّ العنف ليس في الحقيقة سوى «مولّدة» (القابلة) التاريخ وهو ليس أمه ولا أباه[20]. بينما يرى أنّ العنف القادم من الخارج، من جهاز الاستعمار البريطاني للهند، بأنّه ضرورة «لوضع الهند على خط التطوّر الصحيح». فلذلك نراه يقصر مفهومه عن دور العنف والنهب في التراكم الأولي للرأسمال، على داخل المجتمعات الإقطاعية في أوروبا الغربية.

تبيّن الوقائع التاريخية أن حركة التبادل بين أوروبا وخارجها، في القرن السابع الميلادي، كانت مقتصرة على التبادل في ما بينها وبين الأسواق الكبرى في سوريا والعراق وبلاد فارس. وحسبما يشير المؤرخ الاقتصادي البلجيكي هنري بيرين[21] فإن الحركة توقفت مع نهايات القرن السابع الميلادي بعد سيطرة المسلمين على خطوط التجارة الدولية القديمة واقتصار العلاقة ما بين الشرق والغرب على الحرب، بينما يفسر موريس لومبار ذلك التوقف في حركة التبادل بنضوب الذهب وخراب المناجم وتحوُّل هذه الحركة إلى أن تكون عملية غير مربحة ربحاً كافياً للتجار المسلمين الذين كانوا يقومون بتجارة تحمل السلع باتجاه واحد مقابل الذهب الأوروبي، مشيراً إلى أن حركة التبادل في العصر الوسيط لم تكن بالنسبة للأوروبيين إلا تجارة استيراد حيث كان يتولى تجار سوريون، وغيرهم من التجار الشرقيين، جلب «السلع الشرقية الغالية من الأقمشة والتوابل أو غيرها من أدوات الترف ويأخذون الذهب مقابلها. وفي الواقع لا تستطيع البلاد الغربية أن تقدم للمراكز القائمة في شرق البحر الأبيض شيئاً آخر غير الذّهب. فليس لديها سلع غالية أو منتجات خاصّة اشتهرت بها، أو كميات ضخمة من المنتجات التي يكثر استهلاكها. فهي مجرد منجم للذهب يستغله أهل الشرق حتى ينضب، أو على الأقل حتى تحين اللحظة التي لا تدرُّ فيها العملية ربحاً كافياً مضموناً. وقد حانت هذه اللحظة في القرن السابع، إذا أخذت كميات الذهب المخزون التي احتفظ بها الغرب، تقل تدريجياً لانعدام أي منتجات للتبادل تصلح لتعديل الميزان التجاري دائم العجز»[22].

يشير الاقتصادي الأميركي سويزي إلى «إن كل اقتصاد خلا ذلك الأكثر بدائية، بحاجة إلى قدر معيّن من التجارة. من هنا قدمت أسواق القرى المحلية والباعة المتجوّلون، في العصور الأوروبية المظلمة، العون للنظام الإقطاعي، بدل أن تهدد وجوده. كانت هذه تزوده بحاجاته الأساسية دون أن تستحوذ لنفسها على ثروة كبيرة تؤثر على هيكل علاقاته الاقتصادية. وحين أخذت التجارة بالتوسع في القرن العاشر أوّلاً (بل وربما قبل ذلك)، فإنها تركّزت في نطاق المسافات البعيدة، مما ميَّزها عن التجارة المحلّيّة المحض. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أنصبّت هذه التّجارة على مبادلة السلع الثمينة التي كان بإمكانها تحمُّل كلف النقل الشديدة الارتفاع آنذاك. وطالما ظل هذا التوسع التجاري مقتصراً على أشكال يمكن تسميتها بنظام الباعة المتجوّلين، فقد كان أثره محدوداً بالضرورة. ولكن ما أن تجاوزت التجارة مرحلة الباعة المتجوّلين مؤدّية إلى نشوء مراكز مستقرّة للتجارة والنقل البحريين، حتى دخل عامل نوعيّ مختلف. ذلك أن هذه المراكز، وإن استندت إلى التبادل عبر المسافات البعيدة، أضحت بالضرورة مولِّدة للإنتاج السلعي. وكان لا بد لها من الاستقلال عن الريف نسبيّاً. كما أن الحرف المصاحبة لهذا التطور جسدت شكلاً من التَّخَصُّص وتقسيم العمل، تجاوز كل ما عرفه اقتصاد المقاطعات. وهكذا، فإن هذه الحرف لم تكن تزوِّد سكان المدن بحاجتهم من الإنتاج فحسب، بل أنها وفّرت السلع التي كان بمقدور سكان الريف شرائها مقابل ما يستلمونه جراء بيع منتجاتهم في سوق المدينة»[23].

إن بول سويزي، بالرغم من ماركسيته، يعيد هنا للتجارة البعيدة المدى الدور الأساس في دفع النظام الإقطاعي نحو التّأزّم الدّاخلي، بسبب التّبعيّة الاضطراريّة التي بدأ يخضع لها «السّيّد» الإقطاعي في إقطاعته، لنافذين جُدُد، يتجاوز نفوذهم حدود إقطاعته إلى إقطاعات وممالك أخرى، وأنّ هذه التّجارة وضعت الأسّس لانحلال نظام الإقطاع وقيام النظام الرأسمالي. إلاّ أن النص يوحي بأن الأمور استلزمت وقتاً طويلاً أسَّس لتراكم منطقي من دون الالتفاف إلى محطات تاريخية بارزة شكلت قفزات نوعيّة في حجم الحركة التجارية وأهمّيتها، وفي حجم رؤوس الأموال الموظفة في العمل التجاري وحجم الأساطيل التجارية التي تمخر عباب البحار، مدعومة بقوى حربية مؤازرة. وإن هذه العملية التي يصفها سويزي، ويوحي بأنها استلزمت عدة قرون، هي في الواقع لم تحدث سوى في مرحلة متأخرة من العصور الوسطى حيث شهدت الاقتصادات الإقطاعية تطوراً متسارعاً «لاقتصاد التبادل، أو الاقتصاد النقدي» الذي أدّى، حسبما يقول الاقتصادي الياباني المعاصر كوهاشيرو تاكاهاشي، «إلى خراب الجزء الأكبر من النبلاء الإقطاعيين الذين كانت قاعدتهم تتمثل في الاقتصاد الطبيعي التقليدي»[24]، حيث يعتبر تاكاهاشي بأنّ الصّناعة كانت خاضعة للرأسمال التّجاري طوال الفترة السّابقة للثورة الصّناعية في القرن السّابع عشر، بينما ستصبح التّجارة بخدمة رأس المال الصّناعي بعد تلك الثّورة[25].

حقيقة التجارة والتّجّار في التّاريخ الأوروبي الوسيط:

لا بدّ هنا من العودة إلى طرح التساؤل الأوّلي: ما الذي يخفيه تعبير «تجارة» في التاريخ الأوروبي الوسيط؟ ومن هم هؤلاء «التّجّار» الذين تمكّنوا، و«بسحر ساحر»، من إعادة الحيويّة إلى الحركة التجارية بين الشرق والغرب، خاصة مع القرن الحادي عشر[26]، وبعد عدّة قرون على نضوب الذهب الأوروبي؟ وهل حقيقة تمكَّن هؤلاء «التّجّار» من إيجاد سلع أو مواد قابلة للتبادل على نطاقٍ واسع وذات مردودٍ قادرٍ على إغراء المغامرين لركوب مخاطر التّجارة البعيدة المدى؟ وكيف ومتى وماذا وأين كان ذلك؟

يقدم المؤرخ الاقتصادي البولندي هانريك كوليشير (Henryk Kolischer 1853 --1932) جواباً حاسماً في هذا الإطار حين يقول: في كل العصور «كانت القرصنة المرحلة الأولى للتجارة. وهذا صحيح إلى حد أنّ النورمانديين عندما سيَعْدِلون عن النهب في نهاية القرن التاسع فسيتحولون إلى تجار»[27].

بغضّ النّظر عمّا إذا كان القراصنة النّورمانديّون قد «عَدَلوا» عن النّهب في نهاية القرن التاسع، كما يقول كوشنير، أو لم يعدِلوا، كما هي عليه الوقائع التّاريخيّة التي سنتطرّق لها لاحقاً، فمن المفيد هنا الإطلالة على الوضع السياسي العام المحيط بالقارة الأوروبية في اللحظة التي حقّقت فيها المدن الإيطالية، أواسط القرن الحادي عشر، قفزتها الكبرى للسيطرة على التجارة الدّوليّة في البحرين الأبيض والأسود. ومن خلال هذه الإطلالة سنجد أن أوروبا ليست في الواقع سوى مجال لتكتلٍ بشري تحاصره من الشرق والشمال وعورة الجبال وقساوة الطّقس وجماعات مترحِّلة من قطّاع الطّرق الجُرمان الذين يتّخذون من سرقة المواشي ونصب الكمائن للقوافل، مهنة وحيدة لهم. ومن الغرب البحر المحيط الذي لا نهاية له. ولا صلة لهذا المجال البشري بالعالم المتحضِّر، سوى مع العالم الإسلامي الذي يتّصل به عبر ثلاث جبهات هي في الواقع جبهات مواجهة وقتال، وهي:

الجبهة الجنوبية الشرقية المتمثلة بآسيا الصغرى والأناضول عبر الإمبراطورية البيزنطية والبحر الأسود حيث كانت السلطنة السلجوقية آخذة بالنمو والاتساع على حساب الممالك البيزنطية وتخوض المعارك الكبرى معها، والتي توَّجهت بمعركة «ملاذكرد» الشهيرة عام 1071 والتي هددت الإمبراطورية بالزوال.

الجبهة البحريّة مع شمالي أفريقيا عبر صقلية ومالطا، فقد كانت طوال النصف الثاني من القرن الحادي عشر جبهة كرٍّ وفرٍّ وقتال متواصل يشنّه النورمانديون على موانئ صقلية ومالطا وجربة وطرابلس وغيرها من المرافئ في شمالي أفريقيا بهدف الغزو والنهب إضافة إلى أعمال القرصنة في أعالي البحار، إلى أن استطاع النورمانديون احتلال صقلية وإنهاء الوجود الإسلامي فيها عام 1091، وعام 1096 تمكنوا من احتلال مالطا وواصلوا محاولات التغلغل والنفاذ إلى الساحل المقابل[28].

والجبهة الغربية المتمثِّلة بالعلاقة بين الممالك الأوروبية الغربية من جهة، وأمراء الأندلس من جهة أخرى، حيث ستعصف أواسط القرن الحادي عشر الاضطرابات بين أمراء الأندلس أنفسهم ممّا يؤدّي إلى حروب أهليّة دمّرت المجتمع الأندلسي، وهو ما نجم عنه انقلاب موازين القوى لصالح الممالك المسيحية. «فقد دفعت الاضطرابات الداخلية، التي عصفت بالأندلس في عهد ملوك الطوائف، أمراء الأندلس إلى طلب المساعدة من الأمراء المسيحيين الذين انتهزوها فرصة للثأر، فراحوا يتدخلون إلى جانب الفرقاء المتنازعين ممعنين في زيادة الفرقة بينهم وفارضين عليهم ثمن المساعدات التي يقدمونها لهم، إمّا تنازلات عن بعض المناطق، وإمّا ضرائب سنوية»[29].

وعندما ستبدأ الحملات الصليبية، أواخر القرن الحادي عشر، كانت المدن الإيطالية، لاسيما جنوا والبندقية وبيزا، قد تحوّلت إلى قوى اقتصادية ذات شأن كبير في أوروبا حتى باتت تهيمن على الحياة الاقتصادية الأوروبية برمّتها بعد أن تأمّنت لها أسس تراكم الرأسمال النقدي عبر القراصنة[30]. الذين كانوا يشنّون حملات متواصلة في أعالي البحار على السفن التجارية الإسلامية وعلى الموانئ الإسلامية. وقد شكلت هذه الوضعية التي تتمتع بها المدن الإيطالية وبعض المدن الهولندية، حصانة لهذه الطبقة التجارية النامية ضد مطامع الكنيسة ورجال الإقطاع على حدٍ سواء. وستأتي الحروب الصليبية لتزيد من أهمية هذه المدن وهذه الطبقة النامية بشكل خاص لسببين أساسيين: أولهما لأن هذه الطبقة بما اكتسبته من خبرات تجارية وصلات وطيدة بالأسواق وثروات نقدية وأساطيل بحرية أصبحت تشكل ضرورة لا بد منها للكنيسة ولرجال الإقطاع لتمويل حملاتهم الحربية باتجاه الشرق ولتسييل وتسويق المنهوبات خلال هذه الحروب، حيث عمل بعضهم «كصيارفة للبابا والحكام الآخرين وذلك لتمويل الحروب بالدرجة الأولى. وقام بعضهم، ككبار التجار الفلامنكيين (الهولنديين) بتنظيم عملية توفير المواد الأوّلية لصناعة الأقمشة»[31]. وثانيهما أن هذه الفئة الصاعدة هي وحدها من بين مختلف الفئات المشتركة في الحروب الصليبية بشكل مباشر أو غير مباشر، قادرة على الاستفادة من النتائج الاقتصادية لهذه الحروب وتوظيفها في عملية ذات أهداف اقتصادية بشكل رئيسي. أي أن هذه الفئة وحدها التي كانت تعمل على إحداث تراكم في قوتها الاقتصادية لخدمة توجهها الاقتصادي، بينما كانت الفئتان الأُخريان، الكنيسة والإقطاع، تستخدمان الثروة المنهوبة في سبيل تحقيق مكاسب ونقاط نفوذ سياسية، فتستهلك المنهوبات في البذخ وبناء القصور والكاتدرائيّات.

وإذا كانت «قرصنة» القرن الحادي عشر وما بعده لعبت مثل هذا الدور في التاريخ، يجب علينا أن لا نحمّل الأمر أكثر مما يحتمل. فتلك الفترة ليست هي بداية انطلاق أعمال القرصنة، على الرغم من أنها كانت بداية لبناء هيكلية اقتصادية جديدة يقوم عليها الاقتصاد الأوروبي وتلعب دوراً رياديّاً في المجتمع برمّته لتدفعه نحو التطوّر والتفوّق على المجتمعات الأخرى في عدة ميادين.

يجب التمييز، ليس بين نوعين من القرصنة، وإنما بين مآلين آلت إليهما عائدات القرصنة والنَّهب.

المآل الأول كان مآلاً عقيماً عرفته مختلف القبائل العسكرية والإمبراطوريات الكبرى التي عرفها التاريخ والتي كانت تنظر إلى الغنائم بما تحتويه من قيمة استعمالية وتبدِّد الفائض، أو توظفه لا فرق، في البذخ وفي ما يرمز إلى الجاه والثروة والتفوُّق، فتبني القصور الفارهة والقلاع المنيعة والكاتدرائيات العملاقة وتحول الذهب والمعادن النفسية إلى حلي ومجوهرات وأوسمة وتحف فنية. أي باختصار، تتحول الثروات المسلوبة إلى معطى سياسي ينتهي دورها الاقتصادي ما أن تصل إلى مستقرّها السياسي.

والمآل الثاني الذي آلت إليه عائدات القرصنة، هو عضونة هذه العائدات في أواليات اقتصادية حوّلت القراصنة والنهابين، بشكل من الأشكال، إلى عملاءٍ لفئة من الناس تتمتع بخبرات كافية في التسويق، وتشرف على مجالٍ واسع من الحِرَف المتّصلة بصناعة مستلزمات القراصنة واحتياجاتهم لتطوير جهازهم النّهبي، يمدونها بالبضائع بأبخس الأثمان، وتعمل على مراكمة العائدات في تعزيز جهازها النَّهبي الخاص، وتدعيمه وإنجاز بنيان تشكيلتها المستقلّة عن التشكيلات السياسية والاقتصادية والثقافية القائمة في محيطها. هذا ما كانت عليه فئة تعاطت مع الثروات المسلوبة كمعطى اقتصادي فحوَّلتها إلى رأس مال منتج يموِّن ذاته، بتدوير المنهوبات وفي إعادة إنتاج مضاعَف للرأسمال، ويعكس مفاعيله على أواليات تحفيز الأنشطة الاقتصادية كافّة وفي المجتمع برمته.

لن نتوقف عند العوامل التي مكنت المدن الإيطالية، ومنذ أواسط القرن الحادي عشر، من أن تقوم بمثل هذا الدور الريادي والتأسيس للمرحلة الرأسمالية في علاقات الإنتاج الأوروبية، وتالياً، من تطوير حركة التبادل التجاري بين الشرق والغرب إلى أن احتكرته لغاية أواخر القرن الخامس عشر بعد أن أسهمت إسهاماً رئيسيّاً في قلب التوازن الدولي، سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً، لصالح أوروبا الغربية ونكتفي هنا بالإشارات التي سبق وذكرناها، لننتقل إلى الإطلالة على النتائج المباشرة التي أنتجتها عملية ازدهار حركة التبادل الدولية بواسطة المدن الإيطالية، على البنية الاجتماعية – الاقتصادية الأوروبية وتالياً على العلاقات الدولية.

هـ - النتائج الاجتماعية – الاقتصادية لتطوير جهاز النّهب العنيف:

بات مألوفاً إضفاء أهمية بالغة للحروب الصليبية على نهضة أوروبا الاقتصادية والعلمية وصولاً إلى انفلاتها من العصر الوسيط. إلاّ أن ما يجب التأكيد عليه هو أنه لو لم تكن المدن الإيطالية قد بدأت بشكل متسارع تحقيق إنجازات هامة على طريق تطوير جهازها التجاري واستقلالها السياسي والثقافي (والديني ضمناً) قبل هذه الحروب بزهاء نصف قرن، لما كان بالإمكان أن تكون للثروات المنهوبة من الشرق أي دور إيجابي في تحريك عجلة الاقتصاد الإقطاعي الأوروبي، ولكان مصير هذه الثروات التبديد والتعقيم في مجتمع كان ما يزال يحرّم العمل التجاري والنشاط الاقتصادي المُكسِب، حيث كانت «السلطات الدينية في عصر الإيمان تعترض عليها (على التجارة) باعتبارها صورة أخرى للربا الفاحش»[32]، وعبر ما كان قد أَمَّنه الإيطاليون من ركائز، مكّنتهم من استغلال هذه الحروب لعضونة نتائجها الاقتصادية في بنيتهم الدّاخليّة. فهم كانوا، إمّا أن يصاحبوا الحملات المختلفة، أو يتبعوها ويفتتحوا أسواقاً جديدة، في كل ميناء يتم فتحه في الشرق[33]، أو يساهموا في تمويل بعضها لقاء مكاسب محدّدة ومتَّفق عليها مسبقاً مع البابويّة والقادة العسكريّون للحملة.

ويذكر المؤرخ الاقتصادي لوبيز، في كتابه «تاريخ كمبردج الاقتصادي لأوروبا»، نموذجاً عن إسهام التجار الإيطاليين في الحروب الصليبية، يتّضح معه، ليس فقط عدم اهتمام التجّار الإيطاليين، على اختلاف انتماءاتهم، بشعارات البابا حول “قدسيّة” هذه الحروب، وإنما أيضاً الموقع الذي كان قد بلغه هؤلاء من النفوذ والقوّة ليتمكّنوا من فرض شروطهم على البابويّة ومن معها من ملوك وأمراء، عند مطلع القرن الثاني عشر، ومدى احتياج هؤلاء للإيطاليين في غزواتهم لبلاد الشام. خاصّة وأنّ الكرسي البابوي كان، وقبل ثلاثة عقود، أي عام 1074، قد حثَّ الملوك والقساوسة اللّاتين على مكافحة أنشطة التجّار الإيطاليين في أوروبا الغربية، وعدم السماح لهم بزيارة أسواق فرنسا ونهبها[34]. فيقول لوبيز في هذا المجال: “نحن نعرف، على سبيل المثال، كيف ساعد الجنويّون الصليبيين في عام 1101على فتح ونهب ميناء قيصرية الفلسطيني، فقد تلقّوا مغانم وافرة لضباطهم وكافؤوا ملّاك السفن ب 15% من الغنيمة. وما تبقّى من هذه الغنيمة وزّعوه بين 8000 بحار وجندي. وقد تلقّى كل واحد منهم 48 سوليدة وليبرة بهار”. ولمعرفة مقدار أهمّيّة الـ 15% التي حصل عليها مالكو السفن الجنويّون، يكفي معرفة أنّ بقيّة المنهوبات، أي ما تبقّى منها بعد اقتطاع حصّة البابويّة والنّبلاء والضبّاط والـ 15% هذه، فإن هذه البقيّة التي أُنْعِمَ بها على 8000 بحّار وجندي، قد حوّلت «كل واحد منهم إلى رأسمالي صغير»[35].

قد يكون أوّل صدام حقيقي باشرته طبقة التجّار، مع الثقافة الدينية السائدة، ومع السّلطات الدّينيّة ضمناً، هو ممارستها للتجارة بحدّ ذاتها. فقد كانت السّلطات الدّينيّة تنظر إلى النشاط التجاري عامة بوصفه «صورة أخرى للربا الفاحش»[36]، وكانت الكنيسة «قد أدانت ممارسة التجارة التي لم تجد لها مكاناً في النظام الاجتماعي في مجتمع إقطاعي زراعي». لذلك فقد ظلت التجارة «وقفاً على اليهود في بداية العصور الوسطى، ومعهم عدد من المغامرين المسيحيين من فقراء الطبقات الدنيا»[37] وكانت المعاملات التجارية تقتصر على أسواق محلّية ضيّقة تقوم على نظام المقايضة البدائي في السِّلَع الضروريّة، ولم يكن للنقود في هذا النظام مكانة هامّة، إن لم نقل إنها كانت منعدمة تماماً[38].

والصِّدام الآخر الذي باشرته الطبقة التجارية مع ما هو سائد من قيم وأعراف، تمثل في أنها وضعت «المنفعة الاقتصادية» فوق كل اعتبار آخر، متجاوزة مقاييس الفائدة الدينية والمصالح الكنسية والصراع الديني، مستفيدة من حفاظها على موقع مستقلٍّ بين القسطنطينية والبابا، بالمصالح أحياناً وبالقوة أحياناً أخرى[39]. ومن مظاهر هذا الخروج على تعاليم الكنيسة وأوامرها أن التجار الإيطاليين تحدّوا بشكل مباشر الأوامر البابوية التي تُحرِّم تجارة الرقيق التي كانت تشارك فيها معظم المدن التجاريّة بنشاط، لا سيما منها مدينة جنوا، حيث كانت تجارة الرقيق أكثر التجارات ربحاً للتجار الإيطاليين وتمنحهم معادلاً تبادليّاً في الأسواق الشرقية مقابل ما كانوا يستوردونه منها من منتجات طبيعية وسلع مصنّعة، خاصة إذا ما عرفنا بأن الطلب في أوروبا الغربية على المنتجات الشرقية لم يكن يضاهيه في الشرق سوى الطلب على الرَّقيق، لا سيما خلال السلطنة الأيوبية
(1171 – 1250) والسلطنة المملوكية التي تلتها[40]. حيث زخرت، خلال هذه الفترة، أسواق النّخاسة بالأرقاء ذوي البشرة البيضاء، والّذين عرفوا باسم «الصّقالبة»، حيث كان يستقدمهم الجنويّون، وغيرهم من الإيطاليين، إلى أسواق الشرق من أبناء الشعوب السّلافيّة، وقد تحوّلت، مع الزّمن، مفردة (Slave) في اللغات الأوروبية الحديثة لتحمل معنى «العبد» أو «الرقيق».

وعندما ستتوسع السلطنة العثمانية في القرن الرابع عشر ومن ثم في القرن الخامس عشر باتجاه البحر الأسود وتسيطر سيطرة كاملة على سواحله، فستصطدم بعدد من المستعمرات الإيطالية لجمهوريتي البندقية وجنوا لا سيما في طرابزون وكافا وتانا، وغيرها من الموانئ التي تشكل نقاط اتصال الأساطيل الإيطالية بخطوط التجارة الدولية القديمة مع آسيا عبر بلاد فارس وبحر قزوين والأنهر الروسية. إلاّ أن إبداء العثمانيين استعدادهم للحفاظ على مصالح الإيطاليين وامتيازاتهم التجارية في هذه المدن، جعل قادتها يفتحون أبواب مدنهم للغازي الجديد ويمتنعون عن الدخول معه «في حرب لا طائل منها». وقد وصف المؤرخ المصري العثماني محمد فريد بك سكان هذه المدن ولجوئهم إلى فتح مدنهم أمام العثمانيين، بأنهم كانوا «تجاراً يحافظون على أموالهم ولا يهمهم دين أو جنسية متبوعهم ما دام غير متعرض لأموالهم ولا أرواحهم»[41].

فقد كانت حكومات المدن الإيطالية على استعداد لتقديم تنازلات إقليمية مقابل الحصول على معاهدات تضمن لتجارها وسفنها حرية الإتجار والإبحار والتنقل ما بين موانئ البحر الأبيض وفوق أراضي العالم القديم برمَّته. وهو أمر ما كان بالإمكان حدوثه في ظل أي مفهوم من المفاهيم السائدة آنذاك كمفهوم «الحق الإلهي» ومفهوم «الحق الإقطاعي».

وحده مفهوم «المنفعة الاقتصادية»، الذي كان يوجه سياسة المدن الإيطالية، بوسعه أن يضمن للتجار الإيطاليين تحقيق ما حققوه من نفوذ تجاري واقتصادي في العالم قاطبة من خلال المعاهدات التي كانوا يعقدونها مع الشرق والغرب متخطين العوائق والمفاهيم السائدة كافّة، حتى أضحى بإمكان مؤرخ إحدى هذه المدن وهو “مارتينو داكانال” الذي كان في النصف الثاني من القرن الثالث عشر يعمل كاتباً في دائرة جمارك البندقية، أن يقول: “كانت دلماشيا، وألبانيا، ورومانيا، واليونان، وطربزون، وسوريا، وأرمينيا، ومصر، وقبرص، وكانديا، وأبيوليا، وصقلية، وغيرها من الأقطار والممالك والجزر، بساتين شعبنا المثمرة وقصوره الفاخرة، حيث وجدوا فيها المتعة، والربح، والأمن... لقد طوَّف البنادقة في البحر ها هنا وها هناك، وقطعوه طولاً وعرضاً، وذهبوا إلى كل محل يجري فيه ماء، وابتاعوا السِّلَع وجلبوها إلى البندقية من كل مكان، ثم جاء إلى البندقية ألمان، وبافاريون، وفرنسيون، ولومبرديون، وتوسكانيون، وهنغاريون، ورجال من كل شعب يعيش على التجارة، فابتاعوا هذه السلع وحملوها إلى بلادهم»[42].

وـ انتقال جهاز النّهب العنيف من القرصنة والتجارة إلى الاستعمار:

منذ بدايات القرن الخامس عشر سوف يتبلور في أوروبا نمطان من أنماط الأجهزة النهبية، أوّلهما جهاز المدن الإيطالية، لاسيما البندقية وجنوى، وهو جهاز كما أشرنا سابقاً انبنى وتطور بعيداً عن النفوذ المباشر للبابوية، وكانت تحكمه بضعة معطيات أمّنت له، أو فرضت عليه، استقلاليته عن البابوية. والجهاز الثاني هو عبارة عن قوى نمت وترعرعت في أحضان البابوية، وفي خضم الصراع العنيف بينها وبين المسلمين في الأندلس على قاعدة التمايز الديني والحضاري بين الطرفين. ويمثّل هذا الجهاز بشكل خاص كل من مملكتي إسبانيا والبرتغال اللتين برزتا كقوتين رئيسيتين في القارة الأوروبية منذ أواسط القرن الرابع عشر، واندفعتا منذ أواسط القرن الخامس عشر لتكونا قوتين استعماريتين رئيسيتين في العالم، وقادتا مرحلة الكشوفات البحرية شرقاً وغرباً.

صحيح أن الفضل الأساسي في نشأة الحركة التجارية الإيطالية أوائل القرن الحادي عشر يعود للقراصنة النورمانديين المشمولين بعطف البابوية ورعايتها، إلاّ أن ما كان ينجم من آثار إيجابية عن هذه الحركة التجارية التي كانت تصيب المدن الإيطالية وفئة التجار الآخذة بالازدهار والبروز كقوة اقتصادية، وبالتالي سياسية، في خاصرة روما، مركز البابوية، كان يثير حذر البابا ويدفعه إلى أن يتوجس خيفة منها، خاصة تبعاً لارتباطها بالكنيسة الشرقية في بيزنطية، إلاّ أن هذا الحذر جاء في وقتٍ بات من المستحيل على البابوية وحلفائها من رجال الإقطاع أن يضعوا حداً لنمو هذه الفئة أو تجاوزها في التوازنات الأوروبية. حتى أن تشجيع ومباركة البابا للقراصنة النورمانديين في احتلالهم لجنوبي إيطاليا أواسط القرن الحادي عشر، لم يؤد إلى إضعاف المدن الإيطالية الأخرى، بل على العكس من ذلك، فقد أدى ذلك إلى مركزة الخدمات التي كانت تقدمها المدن الإيطالية للقراصنة في مدينتي البندقية وجنوى بشكل خاص، مما زاد من أهمية دورها في العملية النهبية التي يتولاّها القراصنة من جهة، وفي الدورة الاقتصادية الأوروبية الآخذة بالاتساع والتبلور، من جهة أخرى، خاصة بعدما دمّر المحتلون النورمانديون البنية الاقتصادية التي كانت تقوم عليها المناطق التي احتلوها، وذلك بسبب نمط حياتهم الخاص الذي ينفي بطبيعته، وبأوالياته الخاصة، التفاعل الإيجابي مع التنظيمات التي تقتضيها البنية الاقتصادية للرأسمالية التجارية.

حكمت سلوك القوى النهبية الأوروبية سياستان، أو استراتيجيتان، مختلفتان ومتناقضتان في بعض الأحيان، ميّزتا ما بين جهازي النهب الرئيسيين المشار إليهما سابقاً. ففي الوقت الذي كان الجهاز النهبي للمدن الإيطالية محكوماً بسلوك المنفعة التجارية بشكل رئيسي، فإن الجهاز النهبي الذي سيمثله كل من إسبانيا والبرتغال سيكون محكوماً بمفاهيم النظام الإقطاعي المجدول على مرامي ومصالح البابويّة، ويُدخِل نشاط هذا الجهاز ضمن «الحروب الصليبية» بكامل أبعادها الجوهرية. وقد يكون الاختلاف في سلوك كل من هذين الجهازين ناجماً عن الاختلاف بين الخصائص البنيوية السياسية والاقتصادية لكل منهما.

كان واضحاً، خلال بحثنا هذا، أن المصالح الاقتصادية البحتة هي التي كانت تلعب الدور الحاسم في توجيه سياسة المدن الإيطالية، حيث تتحدَّد مواقفها وتحالفاتها تبعاً لهذه المصالح، وإنها عندما كانت تفعل ما يبدو غير ذلك، فإن ما كانت تفعله هو اللجوء إلى الاختيار ما بين «أقل الضررين» لمواجهة ما تكون تتعرض له من ضغوطات قويّة من جانب الكنيسة والنبلاء الإقطاعيين. إلا أن جل شعارات البرتغاليين والإسبان كانت هي نفسها شعارات وأهداف الحروب الصليبية، حيث كانوا يعمدون إلى ممارسة أقسى أعمال العنف في غزواتهم وقرصنتهم ونهبهم، ويسعون إلى الحصول على مستعمرات لهم حيث تطأ أقدامهم يخضعون شعوبها وينهبون ثرواتها بالعنف، ويفرضون النصرانية على الشعوب التي يُخضعونها، حتى باتت الأهداف الاقتصادية لهذه الحملات، بالرغم من ضخامة الثروات المنهوبة، تبدو وكأنها فقط لتمويل وتجهيز المزيد منها، وليسترجع الغزاة الجدد في مستعمراتهم الأفريقية والأميركية والآسيوية سِيَر أسلافهم الصليبيين الأوائل وتجاربهم.

فقد كان ملك البرتغال يوحنا، الذي جهز لفاسكو دا جاما رحلته الأولى نحو الشرق، قد حدد له أهداف الرحلة بأنها للعمل على نشر المسيحية والحصول على ثروات الشرق، وضرب له المثل برخاء الجمهوريات الإيطالية نتيجة لثروات الشرق[43]. كما أن الملك البرتغالي أيضاً عمانوئيل ذهب في حماسه لإعطاء حملاته الاستعمارية صفة الحروب الصليبية وفي سبيل إعلاء شأن الكنيسة، إلى أبعد مما كانت تأمل منه البابوية نفسها، فهو أجاب عام 1505 على نداء البابا يوليوس الثاني الذي طلب منه الحدّ من الحملات إلى المحيط الهندي بهدف إنجاح الجهود الرّامية إلى تحسين علاقات دول البحر الأبيض الأوروبية مع سلطنة المماليك التي تستهدفها حملات البرتغاليين في المحيط الهندي، أجابه عمانوئيل قائلاً: «لست عازماً فقط على خنق التجارة المملوكية، بل سأجاهد في سبيل المسيحية حتى أجعل من مكة هدفاً لمدافعي وجنودي»! كما أشار عمانوئيل في جوابه على البابا: نرى أنه، لخدمة الرب وإعلاء شأن الكنيسة، يجب أن تتكثّف جهود البابوية في سبيل، ليس المصالحة مع سلطنة المماليك، وإنما في سبيل توحيد الدول والممالك المسيحية تحت قيادة البرتغال، وأن تنضم جهودهم إلى جهوده لاستعادة الأراضي المسيحية المقدّسة في الشرق»[44].

لم تقتصر جهود البرتغاليين، بشكل خاص، على محاربة المسلمين كما كانت عليه حال الحروب الصليبية في مرحلتها المشرقيّة، بل كانت جهودهم ضد كافة الأديان والمذاهب التي يصادفونها في طريقهم، وذلك في سبيل نشر الكثلكة بالذات. وقد تعاملوا مع مسيحيي الحبشة الأرثوذوكس كأعداء وهراطقة حتى رضخ ملك الحبشة لبنا دنقل (1508-1540) عام 1535 لمطالب البرتغاليين بتقديم التسهيلات لـ«المبشرين» الكاثوليك بالعمل ضمن رعايا الكنيسة الأرثوذوكسية والسماح بتحوّلهم إلى الكثلكة وتعيين المبشِّر الكاثوليكي «جاوو برمودز» مطراناً على الحبشة، وهو من أكثر المتعصبين ضد الأرثوذوكسية والعاملين على كثلكة الحبشة[45].

يشكل دخول مملكتي إسبانيا والبرتغال بقوة على الحركة النهبية تطوراً رئيسياً في توجيه هذه الحركة وفي مدّها بعناوين جديدة لخّصت أهداف وأبعاد هذه الحركة على امتداد مرحلة طويلة ما زالت حتى تاريخنا الراهن تجد آثارها والمتحمسين لها. ويمكن اعتبار هذا الدخول بأنه أسس لمرحلة جديدة شكلت «القفزة النوعية الثانية» في تطور الجهاز النهبي الأوروبي، سينتقل بموجبها مركز الثقل الاقتصادي والسياسي الأوروبي من شمالي إيطاليا، لصالح الكيانات السياسية الكبرى في أوروبا، تلك الكيانات التي بدأت تشدِّد مركزيتها مستفيدة من عاملين إثنين بشكل رئيسي: تمركز القوة الاقتصادية والمالية، وثانياً ابتداء تهميش دور البطولات الفردية في الحروب مع إدخال البارود بشكل موسّع ومتزايد على الجيوش وما يستلزم ذلك من إدخال الكثير من التغيير على بنية تلك الجيوش ومركزة القرار فيها. فتقهقر بذلك دور صغار الإقطاعيين والنبلاء الذين كانوا يتمرّدون على ملوكهم الذين باتوا يمتلكون المبادرة في ساحات القتال ما أن امتلكوا الأسلحة البارودية ووظفوها كعنصرٍ طاغٍ في الحروب وقمع التمرّدات، علماً أن الملوك كانوا عادة يلجأون إلى المدن الإيطالية لقمع هذه التمردات التي كانت تهدد خطوط التجارة الداخلية في أوروبا لما كان يرافقها من أعمال لصوصية[46].

لعبت الاختراعات العلمية والاكتشافات الجغرافية، ومجمل ما شهدته البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من تطور في أوروبا، دوراً رئيسياً في تأمين الاندفاعات القوية لـ «القفزة النوعية الثانية» في الجهاز النهبي الأوروبي، إلاّ أنّ كافة هذه العوامل لم يكن بوسعها أن تفعل ما فعلته لولا تضافرها مع بضعة عوامل أخرى كانت ضرورية لتشكل في ما بينها المحفّزات التي لا بد منها للاندفاع في سبيل تحقيق هذه القفزة.

لن ندخل هنا في عرض وبحث تفاصيل المكوّنات المؤسسة للقفزة النوعية الثانية هذه، بل سنكتفي بذكر أهمها بشكل سريع ومقتضب وذلك منعاً لحرف الموضوع عن هدفه:

التجاذب والتنافر بين البابوية والمدن التجارية الأوروبية، على قواعد متعددة منها التنافس على النفوذ السياسي واختلاف الرؤية حول طبيعة العلاقة مع الخارج وأهدافها.

تَركّزُ رؤوس الأموال بأيدي التجار الإيطاليين في ظل أزمة اقتصادية عصفت بالنظام الإقطاعي نجمت عن ندرة النقد لديهم وبالتالي عجزهم عن الاستهلاك الظهوري الذي تتطلبه الحركة التجارية الإيطالية.

نجاح مملكتي إسبانيا والبرتغال في إنهاء الوجود الإسلامي في الأندلس وما يستدعيه ذلك من تأمين ميادين لتوظيف الجهاز العنفي لهاتين المملكتين، خاصة في ظل ندرة النقد في أوروبا الإقطاعية، وما وفره هذا النصر من التفافٍ نصراني حول كل منهما.

هروب الأقنان من القرى والمزارع الإقطاعية إلى المدن وبحثهم عن مغامرات في ما وراء البحار، ما أمّن فائضاً بشرياً مندفعاً للمغامرة هرباً من إعادتهم إلى أسيادهم.

- شغف البابوية بدعم ملوك يقاتلون خارج أوروبا في سبيل الكنيسة واستئناف الحروب الصليبية.

- فتح العثمانيين للقسطنطينية واكتمال سيطرة المسلمين على منافذ تجارة أوروبا مع الشرق.

- إجراءات مشددة اتخذها السلاطين المماليك كان من شأنها التضييق على حركة التجارة بين الشرق وأوروبا عبر البحر الأحمر.

- حروب بحرية ضارية في البحر الأبيض بين الأساطيل العثمانية والبندقية جعلت من الحوض الشرقي لهذا البحر غير آمن للتجارة الدولية، وذلك على امتداد النصف الثاني من القرن الخامس عشر.

- «القرصنة المضادة» التي أذكتها السلطنة العثمانية بدعمها لبحارة شمالي إفريقيا المسلمين ودفعت بهم إلى شن عمليات قرصنة مضادة في الحوض الغربي للبحر الأبيض ضد السفن الأوروبية، والتي أشعلت حرب قرصنة متبادلة عطلت بدورها التجارة في تلك المنطقة أيضاً.

- عضونة العلوم والمعارف الإسلامية، عبر الترجمة والتفاعل الإيجابي بين الأوروبيين ومسلمي الأندلس، في أواليات إنتاج العلوم والمعرفة الأوروبية والتي تولّى الإسبان والبرتغاليون الريادة فيها.

نجم عن هذه العوامل مجتمعة أن اندفع عدد من المغامرين تحت راية ملكي إسبانيا أو البرتغال للبحث عن منافذ ومواقع جديدة للقرصنة على شواطئ إفريقيا الغربية وفي جزر المحيط الأطلسي. وهي محاولات استندت على جهود سابقة جرت خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر تولّى القيام بها القراصنة النورمانديون والقطاليون (قشتالة) والجنويون في المحيط الأطلسي وبمحاذاة الشاطئ الغربي لأفريقيا[47].

تفرض طبيعة وحجم التغيرات التي أحدثتها تطورات القرن الخامس عشر وصولاً إلى اكتشاف القارة الأميركية والدوران حول إفريقيا والوصول إلى نهايات خط التجارة الدولية في الشرق، و»الإنجازات» التي أنجزتها عمليات القرصنة والنهب البرتغالية خلال مسيرتها للوصول إلى الشرق والتي دامت زهاء نصف قرن، تفرض تلك التغيرات النظر إلى هذه المرحلة بوصفها مرحلة مفصلية، ليس في تاريخ أوروبا فقط، وإنما أيضاً في تاريخ البشرية برمّته. كما ويجب النظر إليها بوصفها تتويجاً لجهود الكنيسة الكاثوليكية في تحقيق «عالمية» هذه الكنيسة لأول مرة في تاريخها على الرغم من اتخاذها لهذه الصفة، العالمية، منذ انفصالها عن الكنيسة البيزنطية.

وإذا كان بروز مملكتي إسبانيا والبرتغال كقوتين رئيسيتين في أوروبا والعالم منذ انتصاف القرن الخامس عشر، قد شكل دعماً كبيراً للجهاز النهبي الأوروبي، إلّا أنَّه شكّل أيضاً سبباً لما شهدته البنية الاقتصادية الرأسمالية من نكوص في مختلف أنشطتها، وعودة الحياة للنظام الإقطاعي الذي جدد حيويته واستعاد الكثير من نفوذه الذي كان قد فقده أمام الرأسمالية التجارية التي كانت قد أرست جذورها في البنية الاقتصادية الأوروبية خلال القرنين السابقين.

خاتمة:

إن نشأة الاستعمار مع نهايات القرن الخامس عشر، وانطلاقته الكبرى خلال القرن التالي، التي يعيدها الباحثون عادة إلى التطور الذي أصاب العلوم والاكتشافات والاختراعات والنمو الاقتصادي العام الذي شهدته أوروبا خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، هي في الحقيقة ليست سوى النتيجة التّراكميّة لتطوّر الجهاز الحربي، وهو الجهاز الذي تمون وتطوّر على امتداد عدة قرون من خلال النّهب العنيف الذي باشره القراصنة واستكملته الحروب الصليبية وعملت على عضونته في الاقتصاد الأوروبي المدن الإيطاليّة والرأسماليّة التجارية التي بنتها، والتي كانت تعود وتضخّ مردود المنهوبات في عملية تطوير مستمرّة للجهاز الحربي. فإن هذا التّطوّر ما كان ليكون له أي تأثير فاعل على سير الأحداث لو لم يكن مقروناً إلى حد بعيد بجهودهم لتطوير الجهاز الحربي، أو بالأحرى، لو لم يكن هاجس تطوير الجهاز الحربي هو الذي يحكم الجهات التي دفعت وشجعت لتحقيق هذا التطور، لأن تلك الجهات وثيقة الصلة بالقراصنة الذين يعتبرون تطوير هذا الجهاز شغلهم الشّاغل، فهو أداتهم الأساسية في نشاطهم النّهبي في ما وراء البحار.

فالعامل الحاسم في الاندفاعة الأوروبية لتطوير الجهاز الحربي، هو الرغبة في النهب العنيف. وقد تمّ توظيف كل العلوم والاكتشافات في هذا السّبيل. فلم يكن البحث العلمي بهدف تطوير العلوم، بل بهدف تطوير الجهاز النّهبي، شأنه في ذلك شأن الاهتمام في الاكتشافات الجغرافيّة، فهي الأخرى لم تكن في سبيل مجرّد تطوير المعرفة الجغرافيّة، بل، وحصراً، في سبيل تطوير سُبُل التّوسُّع الاستعماري خدمة للنهب العنيف. فالصينيون، الذين اخترعوا البارود بفضل تطور علومهم وحضارتهم، لم يخترعوه لأسباب حربية وعدوانية، ولكنهم لم يكن بوسعهم الصمود طويلاً بوجه جانكيزخان الذي كان هاجسه الحرب والعدوان، فتمكَّن من استخدام اختراعهم لأغراض حربية.

فالانقلاب في موازين القوى العسكرية ما بين الدول والمجتمعات في أفريقيا وآسيا، ومن ثمّ في أميركا وأستراليا، وممالك أوروبا الغربية لصالح الأخيرة، وبشكل خاص منذ بدايات القرن السادس عشر، وعجز تلك الدّول والمجتمعات عن دفع الأذى الاستعماري عنها، ومنع المستعمرين من إخضاعها ونهبها، يرجع بشكل أساسي لما كان قد حقّقه الجهاز الحربي الأوروبي من تطور، بفعل ما مارسه من نهب عنيف طوال عدّة قرون مضت. وهو الجهاز الذي سيواصل تطوّره لتعميق وتطوير حركة الاستعمار التي واصلت، وتواصل، نشاطها النهبي، مستفيدة مما استحوذت عليه من قوّة حربيّة تستمر في ضخ مردودها في دفع العلوم لإدخال المزيد من التطوّر في هذا الجهاز، وبشكلٍ متواصل.

----------------------------

[1]-  ج. هـ. ولز، “معالم تاريخ الإنسانية»، المجلد الثالث، ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1961، ص.: 1029.

[2]- فاسكو دا جاما، يعد من أنجح مستكشفي البرتغال في عصر الاستكشاف الأوروبي وهو أول من سافر من أوروبا إلى الهند بحراً. كلف من قبل ملك البرتغال مانويل الأول بإيجاد أرض للمسيحية في شرقي آسيا وبفتح أسواقها التجارية للبرتغاليين، قام دا جاما بمتابعة استكشاف الطرق البحرية التي وجدها سلفه بارثولوميو دياز عام 1487 م والتي تدور حول قارة أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح وذلك في أوج عهد الاستكشافات البرتغالية التي كان هنري الملاح قد بدأها.

[3]- ك. م. بانيكار، “آسيا والسيطرة الغربية”، ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد، دار المعارف بمصر، القاهرة 1962، ص.: 39.

[4]- هـ. ج. ولز، المرجع المذكور، م3، ص.: 1020 – 1025.

[5]- جاء ذلك في رسالة كتبها في عام 1502 أو 1503 تحدث فيها عن اكتشافه لقارة جديدة، وضمَّنها وصفا مفعمًا بالحيوية للأرض الجديدة وسكانها. نُشرت الرسالة في عام 1503 أو 1504 تحت عنوان “العالم الجديد”. اكتسبت الرسالة شهرة واسعة وأعيد نشرها في عدة طبعات وترجمت إلى عدة لغات. وحصل فسبوتشي الفلورنسي الأصل على الجنسية الأسبانية في عام 1505م، والتحق بوكالة حكومية تعني بالروابط التجارية مع العالم الجديد. شغل منصب كبير الملاحين في هذه الوكالة من عام 1508 وحتى وفاته عام 1512.

[6] - كورنوال، مقاطعة إنكليزية ساحلية جنوب غربي إنكلترا. تقع إلى الغرب من نهر تامار وديفون. المركز الإداري والمدينة الوحيدة في المقاطعة هي مدينة ترورو.

[7] - هـ .ج. ويلز، “معالم التاريخ الإنسانية”، المجلد الثالث، مرجع مذكور، ص.: 825 – 826.

[8] - المرجع نفسه، ص.: 825.

[9] - ميشال دوفيز، المرجع المذكور، الجزء الأول، ص.: 17.

[10] - د. حسين مؤنس، المرجع المذكور، ص.: 201.

[11] - هـ. ج. ولز، المرجع المذكور، المجلد الثالث، ص.: 742.

[12] - المرجع نفسه، ص.: 715.

[13] - د. حسين مؤنس، المرجع المذكور، ص.: 202 – 203.

[14] - هـ.ج. ولز، المرجع المذكور، ص.: 828 – 829.

[15] - راجع في ذلك: اوسكار لانح، “الاقتصاد السياسي”، الجزء الأول، ترجمة راشد البراوي، دار المعارف بمصر، 1966 ص.: 288.

[16] - المرجع السابق، ص.: 290 – 291.

[17] - ورد عند كارل ماركس، “رأس المال”، طبعة مكتبة المعارف، بيروت، مرجع مذكور، ص.: 853.

[18] - كارل ماركس، المرجع السابق، ص.: 1053.

[19] - المرجع السابق، ص.: 1052.

[20] - كان الألماني جوزيف شمبيتز قد أشار إلى عجز ماركس والماركسيين عن فهم التراكم الأوَّلي لرأس المال منذ بداية القرن العشرين للأسباب التي نذكر، ولكنه لا يقدم سوى تفصيلاً جديداً لمقولة آدم سميت ثم لماكس فيبر ووارنير سومبارت، ليقدم في هذا السياق مقولته التي يعتبر فيها أن الدور الأساس في نشأة الرأسمال وتراكمه هو بروز “المنظمين” والجهاز المبدع في التجارة والمال والعلاقات، دون أن يوضِح لنا كيف يمكن نشوء فئة، أو طبقة، المنظّمين هذه قبل وجود الرأسمال نفسه واتجاه الأسواق للتوسع.

راجع: Joseph Schampeter, “The Theory of Economic Development”, Cambridge 1974, p. 91 – 93 and 153 – 155.

[21] - هنري بيرين، المرجع المذكور، ص.: 13 – 17.

[22] - موريس لومبار، “الأسس النقدية للسيادة الاقتصادية: الذهب الإسلامي منذ القرن السابع إلى القرن الحادي عشر الميلادي”. فصل من كتاب لعدد من الباحثين تحت عنوان “بحوث في التاريخ الاقتصادي”، مرجع مذكور، ص.: 52.

[23] - بول سويزي، “التجارة الدولية وانحطاط الإقطاع”، فصل من كتاب “الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية”، مرجع مذكور، ص.: 67 – 68.

[24] - كوهاشيرو تاكاهاشي، “طريق الانتقال إلى الرأسمالية”، فصل من “الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية”، مرجع مذكور، ص.: 112.

[25] - المرجع السابق، ص.: 128

[26] - د. عزيز سوريال عطية، “العلاقات بين الشرق والغرب”، ترجمة د. فيليب صابر سيف، دار الثقافة المسيحية، القاهرة 1972، ص.: 163. ويقدم المؤلف في كتابه هذا بضعة معطيات يستنتج منها أن التجارة الدولية قبل نهاية القرن العاشر كانت مستحيلة، ويقول بأنها انطلقت متواضعة في القرن العاشر ولم تنتشر إلاّ ابتداءً من القرن الحادي عشر.

[27] - هانريك كوشنير، “التاريخ الاقتصادي العام” المجلد الأول، ص 41. ورد عند ارتست ماندل، المرجع المذكور، الجزء الأول، ص.: 89.

[28] - راجع في ذلك:

     - إثّوري روسي، «ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة 1911»، ترجمة خليفة محمد التليسي، الدار العربية للكتاب، الطبعة الثانية 1991، ص.: 102 – 103.

- و: ابن الأثير، «الكامل في التاريخ»، دار الكتاب العربي، ط 4، بيروت، 1983، ص.: 68 – 79.

- و: ابن خلدون، التاريخ، ج 7، ص.: 42 – 48.

[29] - د. خير المر، “العلاقات الأوروبية – الإسلامية في غربي المتوسط عشية الحروب الصليبية» مقالة في «المنطلق» العدد 84 – 85، بيروت 1991، ص.: 62.

[30] - ارنست ماندل، المرجع المذكور، ج أول، ص.: 111 – 112.

[31] - روندي هيلتون، “الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية”، المقدمة، مصدر مذكور، ص 44.

[32] - د. عزيز سوريال عطية، المرجع المذكور، ص.: 152 – 153.

[33] - المرجع السابق، ص.: 158.

[34] - د. عادل زيتون، المرجع المذكور، ص.: 42.

[35] - ورد عند: أرنست ماندل، المرجع المذكور، ج1، ص.: 112

[36] - د. عزيز سوريال عطية، المرجع المذكور، ص.: 153.

[37] - المرجع السابق، ص.: 185.

[38] - المرجع السابق، ص.: 153.

[39] - إيلين بور، المرجع المذكور، ص.: 51.

[40] - د. عزيز سوريال عطية، المرجع المذكور، ص.: 171 – 172.

[41] - محمد فريد بك، المرجع المذكور، ص.: 62.

[42] - إيلين بور، المرجع المذكور، ص.: 54.

[43] - غسان علي رمال،» صراع المسلمين مع البرتغاليين في البحر الأحمر»، مكة المكرمة1401 هـ، ص.: 68 .

[44] - د. نبيل عبد الحي رضوان، «جهود العثمانيين»، مرجع مذكور، ص.: 150.

[45] - عثمان صالح سبي، «تاريخ اريتريا»، دار النهار، بيروت 1974، ص.: 127.

[46] - هـ.ج. ولز، المرجع المذكور، المجلد الثالث ص.: 1003-1006.

[47] - المرجع السابق، المجلد الثالث، ص.: 1017-1018.

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف