البحث في...
عنوان التقرير
إسم الباحث
المصدر
التاريخ
ملخص التقرير
نص التقرير
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

March / 11 / 2015  |  1452حادثة "شارلي ايبدو" ما وراء الكواليس

حيدر محمد الكعبي المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية 1 كانون الثاني 2015
حادثة "شارلي ايبدو" ما وراء الكواليس

انشغل الرأي العام وقنوات الاعلام العالمية بحادثة قتل صحفيين يعملون في جريدة (شارلي ايبدو) الفرنسية على يد متطرفين اسلاميين، بسبب منهج الصحيفة القائم على نشر صور مهينة للرموز الدينية – ومنها الاسلامية - بشكل متكرر.

والاصداء الواسعة التي حازتها هذه الحادثة تجعل المتتبع يظن انها حادثة توازي حادثة تفجير برجي التجارة التي شهدتها امريكا من حيث الاهمية، الامر الذي يثير الظن بأن ما حصل سوف يترتب عليه من التبعات ما يشابه التبعات التي ترتبت على الحادثة الامريكية على الصعيد العالمي.

وردود الفعل الاولى والتداعيات القريبة التي شهدتها حادثة (شارلي ايبدو) لم تكن هيّنة، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل: هل انها حادثة مقصودة لتحقيق اهداف غير معلنة؟

ما هي صحيفة (شارلي ايبدو)؟:

ذكر موقع قناة المنار موجزا عن تاريخ صحيفة (شارلي ايبدو) في مقال نشره بتاريخ 12/1/2015 جاء فيه:

((لطالما اشتهرت «شارلي إيبدو» بمضمونها وخطابها الاستفزازي، حتى أشعلت جدلاً كبيراً في صفوف الرأي العام الفرنسي خيّم عليه سؤال أساسي: هل إنّ طريقة التعبير الاستفزازية والاستعراضية هذه تخدم أم تسيء لحرية التعبير والديمقراطية؟ الصحيفة المعروفة التي أعادت تراث الكاريكاتور الساخر المعروف منذ الثورة الفرنسية، هي منبر يساري اشتهرت بطابعها الساخر والمناوش دوماً لكل الأديان، حتى وصفت بأنّها أكثر استفزازاً من نظيرتها «لو كانار أنشينيه» التي اختصت في كشف ونشر العديد من التقارير السرية.

تأسست «شارلي إيبدو» في العام 1969 بإدارة فرنسوا كافانا حتى إقفالها العام 1981. بعدها، استأنفت الصدور العام 1992 بإدارة فيليب فال حتى 2009، قبل أن يتولى «شارب» دفة القيادة منذ عام 2012. تعرضت الصحيفة لضغوط كثيرة. في العام 2006، أعادت نشر الرسوم الدنماركية التي أشعلت العالم الإسلامي. كذلك نشرت في آذار (مارس) 2006 «مانيفستو الـ12» الذي كان أشبه بنداء دعت فيه إلى «محاربة الإسلاموية بوصفها توتاليتارية دينية تهدد الديمقراطية بعد الفاشية والنازية والستالينية».

نداء رفضته «الرابطة الفرنسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن» لأنّه «يؤبلس الإسلام».

 وفي تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2011، أصدرت الصحيفة عدداً خاصاً تحت عنوان «شريعة إيبدو»، أعلنت فيه النبي محمد «رئيس تحريرها الشرفي»، ناشرة رسمة ساخرة مع تعليق: «100 جلدة إن لم تموتوا من الضحك».

 أثارت الرسمة والعدد موجة من الاحتجاجات أدّت إلى إحراق مكاتبها وتعرض موقعها على الإنترنت للقرصنة، يومها علّق «شارب» على الحادث: «أردنا التعليق على إعلان الشريعة في ليبيا وانتصار حركة «النهضة» في «تونس» مضيفاً: «نتساءل ما الذي علينا فعله كي لا نغضب أحداً».

وفي 19 أيلول (سبتمبر) 2012 قررت «شارلي إيبدو» نشر رسوم كاريكاتورية للنبي(ص) بعد مرور أسبوع على اندلاع موجة احتجاجات ضد الفيلم الأميركي المسيء «براءة المسلمين».

مقابل هذا المسار الصاخب الذي اتبعته الصحيفة، تعرضت أيضاً للملاحقة القضائية في العام 2012 بعدما رفعت جمعيات مناهضة للعنصرية دعوى عليها بتهمة الحث على الكراهية وتعزيز الإسلاموفوبيا في فرنسا. إلا أن قرار المحكمة برّأها، وكان مبرره حينها أنّ الجريدة تنتقد جماعات معينة، لا المسلمين بشكل مطلق.

الجريدة استمرت في مواقفها الساخرة من الأديان، ورأت أن سخريتها من المسلمين تدخل في إطار حرية التعبير، بما أنها تخصص لكل جماعة وفرد جزءاً من سخريتها. لكنها حرية كلفتها غالياً جداً)).

تفاصيل الحادثة:

بحسب ما وثقته الموسوعة الحرة (ويكبيديا) والعديد من المواقع والصحف الاخبارية فقد شهد يوم 7/1/2015 اقتحام الاخوين (شريف كواشي) و(سعيد كواشي) مقر صحيفة (شارلي ايبدو) في باريس بحدود الساعة 11 صباحًا بتوقيت وسط أوروبا، وقاموا بتصفية 12 شخصا منهم 8 صحفيين بالإضافة الى اقتصادي وحارس خاص وموظف استقبال ورجل أمن، وجرح 10 آخرين.

 ثم انسحبا وقد هتف أحدهما قائلا: «لقد انتقمنا للنبي محمد» وهتف الثاني قائلا: «لقد قتلنا شارلي إيبدو».

وبعد الانسحاب قابل المسلحان سيارة شرطة فنزلا واشتبكا معها وجرحوا عدة رجال شرطة، واشتبكوا مع سيارات شرطة في مرتين مختلفتين، واخيرا حوصرا المسلحان في مطبعة بعد ان احتجزوا رهينة، وقد تمكنت قوات الامن الفرنسية من قتلهما اخيرا.

وبالتزامن مع هذه الحادثة، وقعت حادثة اخرى في متجر يهودي في باريس في صباح اليوم التالي 8/1/2015 وقد قام بالعملية شخص يدعى (كاميدي كوليبالي) الذي احتجز حوالي 12 رهينة في المتجر، وقد اشترط (كوليبالي) إطلاق سراح الأخوين (كواشي) ليطلق هو سراح المحتجزين لديه.

(كوليبالي) الذي أعلن نفسه كمنتمي لتنظيم الدولة الاسلامية قال إن العملية التي قام بها كانت مبرمجة لتكون متزامنة مع أحداث (شارلي ايبدو)، وقد تمكنت القوات الخاصة الفرنسية من اقتحام المتجر اليهودي وقتلت (كوليبالي)، ووجدت أربعة جثث ليهود كان (كوليبالي) قد قتلهم، وكذلك جرح أربعة بجروح خطيرة، فضلا عن جرح شرطيين أيضاً.

وحول تبني العملية المعلن، نشر المركز العربي للدراسات المستقبلية تقريرا بعنوان («شارلي إيبدو» نقطة تحول في الصراع) مؤرخ في 15/1/2015 جاء فيه:

((بعد تردد وتخبط ساد بين أفرع تنظيم «القاعدة»، حسم «فرع القاعدة في جزيرة العرب» الأمر، وتبنى في بيان رسمي لا لبس فيه، ما أسماها «غزوة باريس المباركة»، التي استهدفت مقر صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة في العاصمة الفرنسية، معتبراً أنها نقطة تحول في تاريخ الصراع بينه وبين الغرب.

وجاء التبني الرسمي للعملية بعد بيان ضعيف ألقاه «المسؤول الشرعي» للتنظيم الشيخ حارث النظاري، وقد بارك فيه العملية، لكنه لم يعلن صراحة تبنيه لها، كما لم يتطرق إلى ذكر أسماء منفذيها.

وحدث تخبط بين فروع «القاعدة» إزاء مشاركة أحمدي كوليبالي، الذي نسب نفسه إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش»، خصم «القاعدة» اللدود، بتنفيذ العملية والتنسيق مع الأخوين كواشي، حيث امتنعت «إمارة القوقاز» عن الإشارة في بيانها الصادر لمباركة العملية إلى كوليبالي ودوره في العملية، بينما أشاد بيان «قاعدة المغرب الإسلامي» بمن أسماهم «الفرسان الثلاثة» من دون تسميتهم.

لكن البيان الجديد الذي صدر عن «قاعدة جزيرة العرب» أمس، وتولى إلقاءه الشيخ علي بن نصر الآنسي، أكد صراحة تبني تنظيمه للعملية، منوهاً بالمنفذين الثلاثة بأسمائهم. وقال الآنسي «إننا في قاعدة الجهاد في جزيرة العرب نتبنى هذه العملية ثأراً للرسول». وأضاف «نوضح للأمة أن الذي اختار الهدف ورسم الخطة وموّل العملية، هي قيادة التنظيم»، مؤكداً أن العملية جاءت تنفيذاً «لأمر أميرنا العام الشيخ أيمن الظواهري» وكذلك «لوصية أسامة بن لادن»، لافتاً إلى أن التنسيق مع قائد العملية كان يتم عبر الشيخ أنور العولقي الذي قُتل في غارة أميركية في العام 2011...

وبدا واضحاً أن مشاركة (كوليبالي) وتنسيقه مع الأخوين سعيد وشريف كواشي شكلا مفاجأة غير سارة لتنظيم «القاعدة»، الذي كان يفضّل أن تنسب له العملية بأكملها، من دون أن يتمكن خصمه اللدود «داعش» من مشاركته في قطف ثمارها. فرغم أن البيان ذكر كوليبالي، المتهم بقتل شرطي فرنسي ومحتجز الرهائن في المتجر، وأشاد به، واصفاً إياه بـ «الأخ المجاهد»، إلا أنه حرص على وضع مسافة بين عمليته والهجوم على «شارلي إيبدو»، حيث نفى البيان ضمناً وجود تنسيق مسبق، معتبراً الأمر مجرد تزامن.

ويناقض ذلك التصريحات التي أدلى بها أحمدي كوليبالي، في مقطع فيديو بث على شبكة الانترنت بعد ساعات من مقتله، حيث شدد على وجود تنسيق بينه وبين الأخوين كواشي، مؤكداً أنه ساهم في تمويل عملية الأخوين عبر إعطائهما مبلغاً يقدر بآلاف اليوروهات ليستكملا العدة التي تلزمهما لتنفيذ العملية، وهو الأمر الذي يزيد من اللبس حول حقيقة العلاقة بين كوليبالي والأخوين كواشي، خصوصاً أن «الدولة الإسلامية»، الذي أعلن كوليبالي انتسابه إليه، لم يصدر حتى الساعة أي بيان نفي أو تأكيد حول ما ورد في مقطع الفيديو.

لكن «داعش» نشر عبر مكتبه الإعلامي في الرقة لقاءات مع بعض عناصره من حملة الجنسية الفرنسية أو الناطقين بلغتها، علّقوا خلالها على ما أسماه «عمليات فرنسا المباركة». وقال أحدهم «كان ينبغي أن يحدث هذا منذ طويل، لأن الطواغيت في فرنسا وأوروبا يريدون تدمير الاسلام الصحيح وتدمير الخلافة»، مطالباً «الإخوة في أوروبا» بأن «حاولوا أن تقوموا بكل تستطيعون.. اقتلوهم.. اذبحوهم.. أحرقوا سياراتهم ومنازلهم». ودعا الشباب إلى «الهجرة إلى أرض الخلافة»، مشيراً إلى أن تنظيمه سيصل قريباً إلى فرنسا وأوروبا. وطالب المتحدث الثاني «مؤيدي التنظيم» بإثارة أعمال الشغب والإرهاب، بينما اختتم المتحدث الثالث بالمطالبة باستهداف الشرطة لأنهم «كفار».

هذا وبقيت ثغرات لم يتمكن البيان الصادر عن «قاعدة الجزيرة» من ردمها، خاصةً لجهة الفترة الزمنية الطويلة، وهي حوالي ثلاث سنوات بين تنفيذ العملية ومقتل العولقي، الذي قال البيان إنه تولى التنسيق مع قائد العملية، فهل يعني هذا أن التنسيق انقطع بعد مقتله، وأن الأخوين كواشي عملا بعد ذلك من دون تنسيق مع قيادي آخر؟ وبما أن الظواهري هو الذي أصدر شخصياً الأمر بتنفيذ العملية، فلماذا لم يصدر بيان التبني عن القيادة العامة في أفغانستان، أم أن هذا يخالف توجهات حركة «طالبان» التي سعت خلال الفترة الماضية إلى طمأنة الغرب بأنها لا تسمح بأي عمليات ضده انطلاقاً من أراضيها)).

شبهات تحوم حول القضية:

شأنها شأن حادثة الحادي عشر من سبتمبر الامريكية، باتت هذه العملية مثار شكوك وتساؤلات حول الأسباب التي تقف وراء تنفيذها والغاية من ذلك، اذ سجلت مصادر اعلامية وشهود عيان حوادث غريبة تتعلق بطبيعة الهجوم الذي تعرضت له (شارلي ايبدو) وتبعاته.

ولا بد من ان يكون معلوما أولا أن هذه الصحيفة لم تأتِ خلال هذه المدة بشيء جديد، فسياستها في التعرض للرموز الدينية – ومنها الاسلامية – أمر قديم، حتى ان (ريشار مالكا) محامي الصحيفة اعترف بأن "رسوم النبي محمد وشخصيات أخرى من كل الديانات امر عادي في الصحيفة منذ اعوام، فلم يصدر أي عدد من شارلي إيبدو منذ 22 عامًا من دون رسوم كاريكاتورية للبابا وليسوع ولكهنة او حاخامات وائمة ومحمد".

فما الذي جرى لكي يأتي هذا الاعتداء على الصحيفة خلال هذا الوقت الحرج الذي يمر به العالم؟ وبخاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الصحيفة كانت قد وصلت الى اضعف حالاتها، اذ كانت على شفير الافلاس، ويؤكد ذلك ما نشره موقع قناة (فرانس 24) الفرنسي في خبر له بتاريخ 13/01/2015 جاء فيه: ((كانت شارلي إيبدو قبل الاعتداء على شفير الإفلاس ووجهت في تشرين الثاني/نوفمبر نداء لجمع التبرعات لكنها لم تحصل سوى على بضع عشرات آلاف اليوروهات في نهاية السنة في حين كانت تهدف لحصد مليون يورو)).

من جانب آخر فقد أثيرت اخبار غريبة حول حقيقة الاخوين اللذين نفذا العملية، فقد نشرت (شبكة فولتير) الفرنسية بتاريخ 9/1/2015 تقريرا بعنوان (محمد مهرا والأخوين كواشي على علاقة مع الاستخبارت الفرنسية) جاء فيه:

((أعلنت صحيفة ماكلاتشي الأمريكية أن الأخوين كواشي ومحمد مهرا قد تم تجنيدهم من قبل مؤسس جماعة خراسان الفرعية التابعة لتنظيم القاعدة.

في العام الماضي, كشفت نفس الصحيفة عن وجود الفرنسي (دافيد دروجون) ودوره في تنظيم القاعدة في سورية, والذي ادعى أن الشاب كان عنصرا في الاستخبارات الفرنسية، كما أكد البنتاغون اعتبار الشاب هدفا ذا أولوية, الأمر الذي دفع وزارة الدفاع الفرنسية حينذاك إلى أن تنفي بقوة أن دروجون قد عمل لحسابها.

في 6 نوفمبر 2014, أعلنت محطة فوكس نيوز أن (دافيد دروجون) قتل بواسطة طائرة بدون طيار أمريكية في سرمدا (سوريا), مكررة بذلك التهمة المنسوبة له بالعمل لحساب الاستخبارات الفرنسية.

في مقال لمراسلها في العراق (ميتشيل بروثيرو) قامت صحيفة ماكلاتشي بتحليل صور وفيديوات مجزرة (شارلي ابدو) وخلصت إلى احتمال أن يكون الأخوان (كواشي) قد حصلا على خبرات حربية أو تلقيا على الأقل تدريبا عسكريا، وهكذا يجدد المقال التهمة المنسوبة لـ(دافيد دروجون) بالانتماء للاستخبارات الفرنسية، مما يعني ضمنا احتمال ضلوع الاستخبارات الفرنسية في قضية مهرا- كواشي)).

ان الشكوك حول القائمين بالعملية لم تنته الى هذا الحد، فقد اكدت مصادر اعلامية ان منفذي العملية كانوا ينفذون عملية القتل بكل هدوء وتنظيم ووفقا لاهداف محددة،  ويؤكد ذلك ما نشرته قناة (CNN) الامريكية في خبر لها تحت عنوان (المسلحون استدعوا الضحايا بالاسم قبل قتلهم) مؤرخ في 8/1/2015 جاء فيه:

 ((قال الطبيب جيرارد كيرزاك الذي ساعد على علاج المصابين جراء الهجوم، إن أحد الناجين أخبره بأن المهاجمين قاموا بتلاوة أسماء المستهدفين والمناداة عليهم قبل قتلهم، وقاموا بفصل النساء عن الرجل قبل المباشرة بإطلاق النار.

وأضاف كيرزاك أن عملية التصفية التي جرت داخل المجلة لم تتم عبر إطلاق النار عشوائيا، بل كانت أشبه بـ"إعدام محدد" يستهدف أشخاصا بعينهم)).

اضف الى ذلك فقد نشرت قناة (يورو نيوز) الاوربية خبرا بعنوان (لجنة مكافحة الإرهاب الفرنسية لم تعط أهمية للرقابة الروتينية للجهادي أميدي كوليبالي) مؤرخ في 21/1/2015 نقرأ فيه:

((الجهادي الفرنسي أميدي كوليبالي الذي قتل شرطية فرنسية في الثامن من كانون الثاني/يناير قبل إرتكابه للهجوم الدامي على متجر يهودي في باريس الأسبوع الماضي كان قد خضع لمراقبة روتينية من طرف شرطيين في الثلاثين من كانون الأول بالقرب من بيت شوموان محل إقامته على متن سيارة تاجير برفقة صديقته (حياة بومدين)، هذا ما اكدته صحيفة “لوكانارأنشيني” في عددها الصادر صبيحة اليوم.

الصحيفة ذكرت أيضا أنه خلال هذه المراقبة الروتينية وعند إكتشاف أن (كوليبالي) ينتمي إلى قائمة المشتبه بهم لدي لجنة مكافحة الإرهاب كان يستلزم عليهما الحصول على أكبر قدر من المعلومات دون لفت الانتباه، وأضافت أنه رغم إبلاغ الشرطيين للمسؤولين في لجنة مكافحة الإرهاب إلا أنهم لم يعطوا للأمر أهمية.

بدوره مصدر قضائي إسباني أفاد الخميس أن المحكمة الإسبانية العليا فتحت تحقيقا أوليا حول إقامة (كوليبالي) في مدريد لمدة ثلاثة أيام قبل ارتكابه لهذا الهجوم الدامي برفقة صديقته وشخص ثالث يشتبه أنه ساعدها على المرور إلى سوريا، فيما أكدت السلطات التركية أن (حياة) وصلت إلى إسطنبول قادمة من مدريد وإنتقلت إلى سوريا في الثامن من كانون الثاني)).

ومما يزيد الشكوك أكثر حول طبيعة هذه الحادثة هو: انتحار الضابط المكلف بالتحقيق في احداث (شارلي ابدو) بعد ايام من بدئه التحقيق، وقد أكدت ذلك وسائل اعلامية عديدة من بينها صحيفة الاهرام بتاريخ 13/1/2015 تحت عنوان (انتحار المحقق الخاص بقضية شارلي إيبدو) جاء فيه:

((كشفت وسائل إعلام فرنسية عن انتحار ضابط شرطة كان موكلا بالتحقيق في قضية الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو وذلك بعد مقابلاته لعدد من أقارب الضحايا.

حسب قناة "فرنسا 3" فإن المفوض "هيرلك فريدو" (45 عاما) أطلق النار على نفسه منذ عدة أيام أثناء تواجده في مكتبه بمقر الشرطة في مدينة ليموج، وهو ما أكدته الرابطة الوطنية لضباط الشرطة. ووفقا لتقارير إعلامية فرنسية فإن (فريدو) الذي كان يعمل كنائب مدير الشرطة القضائية للخدمات الإقليمية في ليموج عانى من الاكتئاب والإرهاق الشديد نظرا لعمله لساعات عديدة في الآونة الأخيرة)).

أليس من الغريب ان يكلف ضابط يعاني من الاكتئاب والارهاق الشديد – بحسب ما تدعيه التقارير الفرنسية - بالتحقيق في قضية تبلغ اهميتها الدرجة القصوى بالنسبة للسلطات الامنية الفرنسية؟ ثم لماذا لم تفصّل وسائل الاعلام معلومات اكثر عن حادثة الانتحار الذي تعرض له هذا الضابط، اذ لم تزد القنوات الاعلامية اي تفاصيل اخرى على التفاصيل المذكورة لهذا الحادث المريب.

وختاما لهذه التساؤلات، فجر الموقع الاخباري "إنترناشونال بيزنس تايمز" الامريكي قنبلة حينما اتهم الموساد الاسرائيلي بالتخطيط للعملية، وقد وثقت الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) هذا الموضوع تحت بند (ردود الفعل الاعلامية على الهجوم على صحيفة شارلي ايبدو) جاء فيه:

((نشر موقع اخباري امريكي "إنترناشونال بيزنس تايمز" خبراً أتهمت فيه الصحيفة بوقوف معهد الإستخبارات والمهمات الخاصة الإسرائيلي الموساد بالوقوف خلف الإعتداءت وذلك بعد إعتراف فرنسا بدولة فلسطين.

وأتهمت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية صحيفة أنترنشونال تايمز أنها صحيفة معادية للسامية وأنهم من مجموعة من المواقع الغربية التي تحاول توريط جهاز الموساد في قتل صحفيين مجلة "تشارلي إبدو"، كما ذكرت أن هذه المواقع تكن عداوة ضد إسرائيل تختلق ذرائع لتوريط الموساد، مستغلة أن البرلمان الفرنسي صوت لصالح فلسطين، الا أن صحيفة "إنترناشونال بيزنس تايمز" قامت بحذف الخبر بعد مرور ساعتين من نشره)).

ان اشارة اصابع الاتهام الى الجهة الاسرائيلية لا يخلو من اعتبار، لأنه مع الرجوع قليلا الى الوراء، نجد ان هنالك تصريحات اطلقها الساسة الاسرائيليون وعلى رأسهم رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) تشبه التهديد، على خلفية مشروع اعتراف البرلمان الفرنسي بدولة فلسطين.

فقد نشر موقع قناة روسيا اليوم بتاريخ 28/11/2014 تحت عنوان (نتنياهو يحذر فرنسا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية) جاء فيه:

((حذر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية قائلا إن تصويت فرنسا للاعتراف بدولة فلسطين في 2 ديسمبر/كانون الأول سيكون "خطأ فادحا وغير مسؤول"... وكان السفير الإسرائيلي في فرنسا (يوسي غال) قد أعلن الخميس 27 نوفمبر أن تصويت النواب الفرنسيين على مشروع قرار حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد "يفاقم الوضع ويؤدي إلى أعمال عنف في فرنسا".

وقال (غال) أمام جمعية الصحافة الدبلوماسية الفرنسية "إنها مبادرة سيئة بالنسبة إلى المجموعة اليهودية الفرنسية واعتراف النواب الفرنسيين بالدولة الفلسطينية لن يساهم سوى بتفاقم الوضع".

وأضاف (غال) أن مثل هذا التصويت قد يفضي إلى دوامة جديدة من العنف ضد إسرائيل، لكنه سيكون أشد خطورة على فرنسا ومواطنيها)).

وقد فهمت آنذاك تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي وسفيره على انها مجرد تحذيرات، ولكن اليوم.. وبعد حادثة (شارلي ايبدو) والمتجر اليهودي، يبدو ان تصريحاتهما كانت اقرب الى التهديد منها الى تحذير.

ولكن هل يعقل ان يكون اعتراف فرنسا (الرمزي) بالدولة الفلسطينية مبررا ليغامر الموساد الاسرائيلي بالتنسيق مع الاستخبارات الفرنسية لانجاز مثل هذه العملية؟

يبدو الامر معقولا، لأن اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية يحمل رمزية كبيرة، وبخاصة بعد ان جاء بالتزامن مع خطوات مماثلة في اسبانيا وبريطانيا، ومن قبلهما اعتراف حكومة السويد بالدولة الفلسطينية رسميا، الامر الذي ردت عليه اسرائيل بسحب سفيرها من عاصمتها (ستوكهولم).

ان دولة مثل فرنسا لها مكانتها في الاتحاد الاوربي يمكن ان تمثل ثقل التوازن في القرارات الغربية، الامر الذي ينذر بمرحلة انقلاب في الرأي الاوربي تجاه القضية اليهودية في فلسطين، وقد اشارت قناة الجزيرة في موقعها الى هذا المعنى في خبر لها نشرته بتاريخ 30/10/2014 تحت عنوان (البرلمان الفرنسي يطالب بالاعتراف بفلسطين) جاء فيه:  

((أوضح النائب (فرانسوا أسانسي) أن الرسالة التي وجهها - مع اثنين من زملائه باسم جبهة اليسار- إلى رئيس مجلس النواب، ترمي إلى نفض الغبار عن مشروع قرار يدعو الحكومة الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطين قدمه ممثلو الجبهة إلى الجمعية الوطنية يوم 24 سبتمبر/أيلول 2012.

وأضاف (أسانسي) أن "الأوضاع الإقليمية والدولية أملت علينا اتخاذ هذه المبادرة" مشيرا إلى "أن الحكومة اليمينية في إسرائيل تواصل سياسة قضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وحصار قطاع غزة، الأمر الذي يقوض فرص التوصل إلى حل تفاوضي قائم على مبدأ الدولتين الذي تؤيده المجموعة الدولية". وأردف قائلا "أوروبيا، الحكومة السويدية اعترفت بالدولة الفلسطينية يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ومجلس العموم البريطاني صوت بأغلبية ساحقة على قرار بهذا المعنى، والبرلمان الإسباني يستعد لإجراء تصويت مماثل، وهناك الآن 134 دولة تعترف بدولة فلسطين"... وأشار النائب اليساري إلى أن مشروع القرار من شأنه أن "يمكن مجلس النواب من الاضطلاع بدوره في مجال السياسة الخارجية وأن يضع نفسه في مستوى المبادرة البريطانية"، مؤكدا أن الاعتراف الفرنسي بفلسطين سيكون محفزا لبلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى لاتخاذ خطوات مماثلة)).

 ومن الجدير ذكره ان قرار البرلمان الفرنسي الذي صوت باغلبية تجاه قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد واجه رفضا من التشكيلة الوزارية للحكومة الفرنسية، ولكنه يحاكي رأي غالبية الشارع الفرنسي بهذا الصدد لانهاء الازمة الفلسطينية العالقة، ويشهد على ذلك ما نشره موقع BBC  بتاريخ 2/12/2014 تحت عنوان (الجمعية الوطنية الفرنسية تصوت على الاعتراف بالدولة الفلسطينية) جاء فيه:

((قال وزير الخارجية الفرنسي (لوران فابيوس) للبرلمان إن "الحكومة ليست ملزمة بالتصويت"، مضيفاً "الوضع الراهن غير مقبول وفرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية في حال فشلت الجولة الأخيرة من المحادثات".

ودعم (فابيوس) إطارا زمنيا لمدة عامين لاستئناف واختتام المفاوضات، مشيراً إلى أنه "إذا فشل هذا المسعى الأخير في التوصل إلى حل عن طريق التفاوض فسيجب على فرنسا الاعتراف من دون تأخير بالدولة الفلسطينية".

وأثار التصويت الذي سيجرى في حوالي الساعة 1600 بتوقيت غرينتش ضغطا سياسيا على الحكومة الفرنسية لتقوم بدور أكثر فاعلية إزاء القضية. وأظهرت آخر استطلاعات الرأي بأن حوالي 60 في المئة من الفرنسيين يدعمون إقامة الدولة الفلسطينية)). أي

 

ومما يزيد من الشكوك حول ضلوع اسرائيل في العملية طبيعة الحركة الدبلوماسية التي قامت بها الحكومة الاسرائيلية على خلفية الحادثة مباشرة، ففي هذا الصدد نشر موقع (سكاي نيوز) خبرا بعنوان (نتانياهو يدعو يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل) بتاريخ 11/1/2015 جاء فيه:

((دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يهود فرنسا للعودة إلى إسرائيل، وذلك عقب حادث الهجوم على محل لبيع الأطعمة الخاصة باليهود في فرنسا، الذي انتهى بمقتل 4 رهائن يهود.

وقال نتانياهو في كلمة متلفزة مساء السبت عقب الحادث: "إلى كل يهود فرنسا ويهود أوروبا أقول: إسرائيل ليست فقط المكان الذي تتوجهون إليها للصلاة، بل دولة إسرائيل هي وطنكم"... وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتانياهو كلف لجنة وزارية بحث سبل تشجيع هجرة اليهود الفرنسيين والأوروبيين إلى إسرائيل.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية (إيمانويل نحشون) إن (ليبرمان) اجتمع السبت مع مسؤولين في وزارته وفي أجهزة الأمن "لمناقشة تعزيز الروابط مع زعماء الجالية اليهودية في فرنسا، إضافة إلى أمن مختلف المؤسسات اليهودية" في هذا البلد)).

اضف الى ذلك، فان رئيس الوزراء الاسرائيلي قد اصر على المشاركة في المسيرة التضامنية مع ضحايا صحفية (شارلي ابدو) التي نظمتها الحكومة الفرنسية بالرغم من عدم توجيه دعوة رسمية له من قبل الحكومة الفرنسية، وقد اكد موقع قناة (يورو نيوز) الاوربية هذا الامر في خبر نشرته بتاريخ 12/1/ 2015 تحت عنوان (نتانياهو قام بدعوة نفسه الى تظاهرة باريس) جاء فيه:

((ذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية الاثنين ان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قام بدعوة نفسه الى التظاهرة الجماهيرية في باريس الاحد رغم طلب الرئاسة الفرنسية منه عدم الحضور. وقالت القناة التلفزيونية الثانية ووسائل اعلام اخرى ان الرئاسة الفرنسية غضبت. وبحسب وسائل الاعلام, فان اصرار نتانياهو على الحضور جاء من اجل حملته الانتخابية في الانتخابات المقررة في 17 من اذار/مارس.

ونقلت صحيفة (هآرتس) على موقعها الالكتروني عن مصدر اسرائيلي مطلع على الاتصالات بين البلدين انه عندما بدأت فرنسا بإرسال الدعوات لحضور التظاهرة, فان مستشار هولاند الدبلوماسي جاك اوديبير ابلغ مستشار نتانياهو للأمن القومي يوسي كوهين ان الرئيس الفرنسي يفضل عدم حضوره. واضاف المصدر ان اوديبير ابلغ كوهين ان الرئيس الفرنسي لم يكن يرغب في ان يقوم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي او العلاقة بين اليهود والمسلمين بتحويل الانتباه عن رسالة التظاهرة, واعرب عن امله في ان يتفهم الجانب الاسرائيلي ذلك)).

 ونختم هذا الفصل بقراءة ما نشرته صحيفة (العربي الجديد) بتاريخ 12/1/2015 تحت عنوان (شارلي إيبدو ونبوءة ويلبيك) تقول فيه:

 ((هي مصادفة حمل غلاف العدد الأخير من مجلة "شارلي إيبدو" رسما كرتونياً للروائي الفرنسي المثير للجدل ميشال ويلبيك، الذي تصدر آخر رواية له بالتوازي التام العجيب والهجمة الإرهابية على المجلة الفرنسية الساخرة، التي يقال فيها ما يقال سوى أنها تستحق هذا المصير الدموي؟

 الأغرب تلك التغريدة المنسوبة للمجلة، وتحمل رسماً كرتونياً للبغدادي وتقول: لم يحصل هجوم على فرنسا، فيما يقول الرجل تحت العمامة: انتظروا حتى نهاية يناير!

 هذه التغريدة، المريبة بثها "تويتر" المجلة في لحظة الهجوم، بعضهم يقول: إنه اختراق، ولا يعقل أن تستجلب المجلة على نفسها هذا النحس العاجل، بصرف النظر عمّن أرسل تغريدة البغدادي، فالأكيد هو غلاف المجلة، وها إنني أنظر إليه، ميشال ويلبيك بزي العرّافين، أنف ضخم كحبة يقطين عملاقة، وسيجارة متصاعدة الدخان يقول: في عام 2015 فقدت أسناني، وفي 2022 أصوم رمضان.

هذه نبوءة الكاتب الذي صار متوقعاً منه مثل هذه الخراريف، كلامه عن المستقبل إشارة إلى مضمون روايته الجديدة "استسلام" (يتلاعب فيها على كلمة تسليم وإسلام حسبما قرأت لأكثر من زميل عربي يقيم في باريس)، ويتنبأ فيها بوصول رئيس مسلم يدعى (محمد العباس) إلى الإليزيه، فيأخذ في "أسلمة" المجتمع الفرنسي، لكنَّ اللافت أن عهده سيشهد استقراراً سياسياً وازدهارا اقتصادياً، بعد مرحلة من الانهيار السياسي والاقتصادي، فتختفي الجريمة من الضواحي، وتنتهي البطالة بين الشباب، بعد أن تعود النساء إلى البيوت، ويسمح بتعدد الزوجات.

صدفة أن يكون ويلبيك على غلاف "شارلي إيبدو" الأخير، لكن موضوع روايته "استسلام" ليس صدفة، وهو القائل علناً إن الإسلام أغبى الأديان، ففي لحظةٍ يزحف فيها اليمين المتطرف إلى قلب المشهد السياسي الفرنسي، وتصبح "الهوية" والتهديدات التي تتعرض لها أسخن قضايا الجدل السياسي، لا يأتي صدور رواية ويلبيك صدفة، بالعكس، إنها جزء من هذه الحمى المتعلقة بالهوية والمهاجرين ونمط العيش والقيم الفرنسية التي لا يتوقف الإعلام الفرنسي عن النفخ في كيرها، ويجد في حوادث متفرقة دليلاً على وجاهة أكيدة لمخاوفه. ما يكتبه ويلبيك يصبُّ في قلب الجدل القائم في فرنسا، قبل مذبحة "شارلي إيبدو"، فكيف سيكون وقع الرواية، عندما تصدر بمئات آلاف النسخ إلى الشارع الفرنسي المكلوم؟

أبلغ ما قرأته بخصوص رواية ويلبيك هذه (وربما غير رواية له) ما معناه أن هلوسات اليمين المتطرف وجدت طريقها إلى الأدب العظيم، إشارة بالطبع إلى الأهمية الأدبية لكتابة ميشيل ويلبيك)).

انعكاسات اعلامية لحادثة (شارلي ايبدو):

كانت الانعكاسات الإعلامية لحادثة (شارلي ايبدو) قد عصفت بالرأي العام العالمي للتضامن مع صحفيي المجلة وحقهم في حرية التعبير بشكل ملفت جدا، وفي هذا السياق حصدت صحيفة (شارلي ابدو) بين ليلة وضحاها ارفع الاوسمة والجوائز بعد ان كانت مجرد صحيفة تقبع عند حافة الافلاس كما اشرنا الى ذلك سابقا، فقد نشر موقع (سكاي نيوز) خبرا بعنوان (باريس تمنح المواطنة الفخرية لـ"شارلي إيبدو") بتاريخ 10/1/2015 جاء فيه:

((منحت باريس مجلة "شارلي إيبدو" المواطنة الفخرية، وعرض الرسام (ألبرت أديرزو) صاحب شخصية أستريكس الكوميدية الشهيرة أن يرسم لها الجمعة.

وقالت وزيرة الثقافة الفرنسية (فلور بيليرين) إن الحكومة مستعدة منح المجلة مليون يورو (1.18 مليون دولار) "كي يمكنها الاستمرار الأسبوع المقبل" والأسابيع التالية... وأعلن (أديرزو) الذي ابتكر شخصية أستريكس الفرنسية الكوميدية الشهيرة أنه سيعود من التقاعد للمساعدة في إصدار المجلة الأسبوعية التي تعتزم طباعة مليون نسخة من طبعتها يوم الأربعاء المقبل.

ونقلت رويترز عن (آن هيد الجو) رئيسة بلدية باريس في جلسة لمجلس المدينة إن المواطنة الفخرية للعاصمة نادرا ما تعطى وكانت تمنح في السابق "للمقاومين العظماء ضد الدكتاتورية والهمجية".

وأضافت "باختيار منحها لشارلي إبدو تظهر مدينتنا باريس لصحيفة بطلة الاحترام الواجب للأبطال". وحملت الصفحة الرسمية للمدينة على الإنترنت شارة سوداء تحمل عبارة "باريس هي شارلي")).

وفي السياق ذاته نشر موقع قناة الجزيرة خبرا بعنوان (عدد جديد لشارلي إيبدو تتصدره صورة للنبي محمد) مؤرخا في 13/1/2015 جاء فيه:

((فازت صحيفة (شارلي إيبدو) بجائزة دانييل بيرل للشجاعة والنزاهة الصحفية في دورة 2015 حسب ما أعلن الاثنين نادي الصحافة في لوس أنجلوس بالتنسيق مع عائلة الصحفي الذي قتل عام 2002 في باكستان.

وقال رئيس نادي الصحافة في لوس أنجلوس روبرت كوفاسيك في بيان إن "أي عمل إرهابي لا يمكنه أن يوقف حرية التعبير، منح جائزة (دانييل بيرل) لصحيفة (شارلي إيبدو) هو رسالة قوية في هذا المعنى")).

وعلى ذكر الأوسمة والجوائز، فقد حصل الضحايا اليهود – من بين كل ضحايا الحادثة- على ارفع الاوسمة الفرنسية، فقد نشرت قناة (يورو نيوز) الاوربية خبرا تحت عنوان (اسرائيل تشيع اليهود الاربعة الذين قتلوا في هجوم باريس) جاء فيه:

((اقيمت في مدينة القدس الغربية جنازة اليهود الاربعة الذين قتلوا في عملية احتجاز الرهائن التي وقعت بمنطقة “بورت دو فانسان” بباريس. ومنحت وزيرة البيئة الفرنسية (سيغولين رويال) التي حضرت الجنازة عائلات الضحايا الاربعة ميداليات جوقة الشرف ارفع الأوسمة الفرنسية)).

وحتى في المحافل الاعلامية التي عقدت لتكريم ممثلين سينمائيين لم تخلُ من الحديث عن حادثة (شارلي ابدو)، ويؤكد ذلك ما نشرته صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 13/1/2015 تحت عنوان («بويهود» الفائز الاكبر في «غولدن غلوب») جاء فيه:

((قال (جورج كلوني) – ممثل سينمائي- وهو يتسلم جائزة «سيسيل بي دوميل» مكافأة على مسيرته الفنية والتزامه الانساني: «اليوم كان نهاراً رائعاً مع نزول ملايين الاشخاص الى الشارع ليس فقط في باريس بل في العالم». وأضاف بالفرنسية: «لن نسير في الخوف. لن نفعل ذلك. انا شارلي». وتركزت الأعين على (أمل علم الدين) عروس كلوني في أول ظهور لها على البساط الأحمر... ووضعت شارة كتب عليها «أنا شارلي» على حقيبتها، فيما وضع كلوني شارة مماثلة على سترته، في لفتة تضامن مع قتلى الهجوم الذي نفذه اسلاميون متشددون على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية... وقالت ايمي آدامس التي فازت بجائزة افضل ممثلة في فيلم كوميدي: «قلبي اليوم مع الجميع في باريس ومع كل ضحايا العنف»)).

كل هذا ولم يتحدث احد بشيء ينتقد فيه صحيفة (شارلي ايبدو) على منهجها الاستفزازي، باستثناء اصوات هنا وهناك سارع الجانب الرسمي الى اسكاتها، وكمثال على ذلك فقد نشرت قناة (يورو نيوز) خبرا بعنوان (توقيف الفكاهي الفرنسي ديودونيه بتهمة التحريض على الإرهاب) مؤرخا في 14/1/2015 جاء فيه:

((الفكاهي الفرنسي المثير للجدل ديودونيه مبالا مبالا، تم توقيفه الأربعاء من قبل الشرطة الباريسة، بعد اتهامه بالاشادة بالإرهاب إثر الهجمات الدامية التي تعرضت لها فرنسا الأسبوع الماضي.

و كان الفكاهي الساخر قد كتب في تغريدة عبر تويتر قال فيها أنه يشعر أنه “شارلي كوليبالي” في إشارة إلى أميدي كوليبالي الذي قتل أربعة أشخاص في متجر يهودي في بورت دو فانسان شرق باريس.

مانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسي دعا في أول لقاء له بنواب الأمة، بعد حادثة شارلي إيبدو إلى تشديد الإجراءات ضد المحرضين على الكراهية و معاداة السامية، في إشارة واضحة إلى الفكاهي ديودونيه وقال: “يا لها من إهانة لرؤية محرض على الكراهية، يقدم عرضه في قاعات ممتلئة للآخر يوم السبت في الوقت الذي كانت فيه الأمة في بورت دو فانسان في حداد. لا يجب أبداً أن نترك هذا الحدث يمر، ولتكن العدالة صارمة اتجاه هذا المحرض على الكراهية. أقول هذا الأمر بقوة في منبر مجلس الأمة”)).

أليس من الغريب ان يعد هذا الممثل الساخر محرضا على الكراهية بعد ان ادلى برأيه تحت غطاء حرية التعبير، في حين لم توجه مثل هذه التهمة لصحيفة كانت تستفز مشاعر ملايين المسلمين وتحرضهم على الكراهية لسنين طويلة تحت نفس الغطاء؟

في الوقت نفسه، طلع امبراطور الاعلام الغربي (روبرت مردوخ) بتصريحات متفجرة حمّل فيها المسلمين جميعا مسؤولية ما حدث في فرنسا، إذ نشرت صحيفة (اخبار مصر) خبرا بعنوان (“مؤلفة “هاري بوتر” تنتقد ميردوخ لهجومه على المسلمين) نشر بتاريخ 12/1/2015 جاء فيه:

((قال الإعلامي روبرت مردوخ (83 سنة) الرئيس التنفيذي لمؤسسة (نيوز كروب) أمس السبت في تدوينة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر: "بالرغم من أنه ربما يكون الكثير من المسلمين مسالمين إلا أنه ينبغي أن يتحملوا مسؤولية الهجوم الإرهابي على صحفية (شارلي إبدو) حتى يدمروا سرطانهم الجهادي المتنامي".

وردت المؤلفة (جي كاي رولينج) – مؤلفة سلسلة أفلام هاري بوتر الشهيرة- حسبما نقلت عنها صحيفة (جارديان) البريطانية على الإعلامي الأسترالي في تدوينة عبر تويتر قائلة: "لقد ولدت مسيحية، ولو هذا سببا في أن أتحمل مسؤولية (مردوخ) فسوف أخرج عن ديني".

وعرضت (رولينج) في تدوينة ساخرة ردا على تغريدات الكاتب الأسترالي أن تتحمل المسؤولية عن الفظائع التي ارتكبتها حقبة محاكم التفتيش الإسبانية حقبة إبادة المسلمين بالأندلس، مضيفة أن محاكم التفتيش الإسبانية كانت خطأ، وبهذا المنطق فأنا اعتبر أن كل الأصوليين المسيحيين يمارسون العنف... وأشادت (رولينج) بشجاعة (لاسانا باتيلي) الموظف المسلم الذي قام بمساعدة 15 رهينة في متجر يهودي بباريس على الهرب من المسلح الذي احتجزهم في سوبر ماركت، معلقة على ذلك بالقول: أفعاله تذكرنا بمعنى الإنسانية)).

ان الحركة الاعلامية الواسعة المؤيدة لصحيفة (شارلي ابدو) تكشف لنا انه اذا لم تكن المؤسسات الاعلامية الكبرى في العالم تخضع لسياسة واحدة، فانها على الاقل تخضع لذات التوجّه الذي يؤهلها لأن تكون متّحدة بهذا الشكل الملفت تجاه أي قضية من القضايا المتعلقة بصدام (أو) حوار الحضارات.

(شارلي ايبدو) و(صِدام الحضارات):

أصدرت صحيفة (شارلي ايبدو) عددها الذي يلي الحادثة بغلاف يحمل رسما كاريكاتوريا لنبي الاسلام، يظهر فيه وهو يبكي ويحمل لافتة كتب عليها (أنا شارلي) على غرار الموجة التي سادت العالم في رفع الجميع للافتة تحمل هذه العبارة تضامنا مع الصحيفة.

ولو تأملنا هذا الغلاف جيدا لوجدناه يحمل ترميزا لا يغذّي إلا نظرية (صدام الحضارات)، فالنبي الذي رسموه وهو يتضامن مع صحيفتهم بعد الحادثة، هو ذاته الذي رسموه كاذبا قبل ان تقع الحادثة، وبمقارنة بسيطة نفهم ان الرسالة الاعلامية التي تريد الصحيفة ايصالها هي: "أن أي مسلم يشجب التطرف الاسلامي ويعلن الاعتدال اليوم فهو منافق، لأن الاسلام يحمل بطبيعته بذور التطرف وان تبرأ منه في الظاهر".

ومن ثم فان أي ظاهرة تعاطف يبديها المسلمون تجاه الصحيفة سوف ينظر اليها الآخرون على انها حركة منافقة، الامر الذي يغذي القطيعة ويعمق الهوّة بين الشعوب والحضارات.

وبالفعل، فقد عانى مسلمو فرنسا من تداعيات الحادث مباشرة، ويشهد على ذلك ما نشرته صحيفة الحياة اللندنية في 13/1/2015 تحت عنوان (تعبئة أمنية في فرنسا وأكثر من 50 عملاً مناهضاً للمسلمين) نقرأ فيه:

((بقي الهاجس الأمني مسيطراً على فرنسا، وتحديداً عاصمتها باريس، بعد الاعتداءات التي استهدفتها الأسبوع الماضي وأسفرت عن 17 قتيلاً، إذ أعلنت السلطات نشر حوالى 5 آلاف شرطي ودركي لحماية 717 مدرسة وأماكن عبادة يهودية، وأن 10 آلاف من عناصر الجيش سيتمركزون بدءاً من اليوم لضمان أمن «نقاط حساسة» تتضمن مؤسسات تعليمية وطبية وأماكن عبادة وإدارات عامة ومؤسسات إعلامية.

ولفتت مطالبة مرصد مكافحة «الإسلاموفوبيا» التابع للمجلس الفرنسي للديانة المسلمة بـ «تعزيز الرقابة على المساجد»، بعد تسجيل وزارة الداخلية أكثر من 50 عملاً مناهضاً للمسلمين في فرنسا، بينها 21 اعتداء بإطلاق نار أو إلقاء قنابل، و33 تهديداً عبر رسائل أو توجيه شتائم، منذ أن هاجم الشقيقان شريف وسعيد كواشي الأربعاء الماضي صحيفة «شارلي إيبدو» التي قررت نشر رسوم كاريكاتورية جديدة مسيئة للإسلام في عددها المرتقب غداً، معلنة «عدم التنازل بشيء للمتطرفين الذين يسعون لإسكاتنا»... في ألمانيا، نظمت حركة «بيغيدا» المناهضة للإسلام مسيرتها الأسبوعية في دريسدن ليل أمس، فيما أعلنت المستشارة الألمانية (أنغيلا مركل) أنها ستتصدر صفوف المشاركين في تظاهرة تنظمها جمعيات إسلامية بعنوان «اليوم من أجل ألمانيا منفتحة ومتسامحة» أمام بوابة براندبورغ ببرلين... في الفاتيكان، نفى الناطق باسم الكرسي الرسولي الأب فدريكو لومباردي، تقارير إعلامية تحدثت عن تلقي البابا فرنسيس تحذيرات محددة من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية تفيد باحتمال أن يكون الهدف التالي على لائحة هجمات المتشددين الإسلاميين.

ترافق ذلك مع إدانة البابا فرنسيس «الأشكال المنحرفة للدين» حاضّاً زعماء المسلمين في العالم على إدانة التفسيرات المتشددة للدين التي «تبرر العنف لتنفيذ مخططات عقائدية غرضها الوحيد هو السلطة على آخرين»)).

وسواء كانت حادثة (شارلي ايبدو) ناتجة عن مؤامرة ام لا، فانها في النهاية تأتي كحلقة قوية ضمن سلسلة تعزيز الكراهية واعمال العنف ضد المسلمين في الغرب التي اتخذت منحى تصاعديا في الآونة الاخيرة، وكمثال على ذلك ما نشرته (صحيفة الحياة اللندنية) تحت عنوان (ديسمبر أصعب الشهور على المسلمين في الغرب) بتاريخ 13/1/2015 جاء فيه:

((أكد تقرير أصدرته منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ جدة (غرب السعودية) مقراً لها أن كانون الأول (ديسمبر) 2014 كان شهراً صعباً بالنسبة إلى المسلمين، لاسيما الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية. وأشارت إلى أن بعضهم كانوا ضحايا الكراهية الناتجة من أعمال لم تكن لهم فيها يد، بعد وقوع عمليات قتل وخطف وتفجير استهدفت أبرياء، واقترفها متطرفون وإرهابيون ينتسبون إلى الإسلام. وأورد التقرير أن الحادثة الأبرز في احتجاز الرهائن في مقهى بسيدني في أستراليا، إضافة إلى الهجوم المروّع الذي قامت به حركة «طالبان باكستان» على مدرسة يديرها الجيش في بيشاور، ما أسفر عن مقتل 141 شخصاً، كما قامت جماعة بوكو حرام بخطف 142 امرأة وطفلاً في قرية بشمال نيجيريا، ما أسفر عن مصرع عشرات الأشخاص.

وأفاد التقرير بأن هذه الحوادث تأتي في ظل مناخ سياسي في الغرب يسوده التوجس والريبة تجاه الإسلام والمسلمين، لاسيما مع صعود لافت لحزب مناهض للمهاجرين في فرنسا، ووقوع أحداث سقط فيها عدد من الضحايا في دول عدة. وسجلت الاعتداءات على النساء المسلمات في بريطانيا خلال الفترة نفسها ارتفاعاً بنسبة 10 في المئة، بينما تضاعفت في هذا البلد بشكل عام التهديدات والشتائم اللفظية، خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي.

ورصد التقرير ما عانت منه الجالية المسلمة في النمسا من تزايد جرائم الكراهية، إذ هوجم بعض أئمة المساجد، وجرى تعليق رؤوس الخنازير على أبواب بعض المساجد، كما أُصيب خمسة مسلمين في هجوم استهدف مسجداً في مدينة أسكيلستونا. وتواصلت في هولندا عمليات التخريب التي تتعرض لها المساجد في هذا البلد. وفي ألمانيا، احتشد قرابة 17 ألف شخص في دريسدن خلال الشهر المذكور احتجاجاً على ما وصفوه بـ«أسلمة الغرب»، فضلاً عن عمليات التخريب التي استهدفت المساجد والاعتداءات الجسدية ومضايقة المسلمين. وفي أستراليا، تنتشر المشاعر المعادية للمسلمين، لاسيما بعد احتجاز مسلح 15 رهينة وسط سيدني يومي 15 و16 ديسمبر الماضي.

غير أنه يبدو أن كانون الثاني (يناير) 2015 سيقصي ديسمبر عن تلك الأرقام اللافتة، إذ أعلن مرصد مكافحة «الإسلاموفوبيا» التابع للمجلس الفرنسي للديانة المسلمة أمس (الإثنين) أنه رصد وقوع أكثر من 50 عملاً مناهضاً للمسلمين في فرنسا منذ الاعتداء الذي استهدف صحيفة (شارلي إيبدو) الأربعاء الماضي، ودعا السلطات الفرنسية إلى «تعزيز الرقابة على دور العبادة». ونقل رئيس المرصد (عبد الله ذكري) أرقاماً صادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية تضمنت تسجيل وقوع 21 اعتداء، بين إطلاق نار أو إلقاء قنابل و33 تهديداً عبر رسائل، أو توجيه شتائم منذ الأربعاء الماضي. وأكد أن هذه الحصيلة لا تزال غير مكتملة، معرباً عن «صدمته» أمام هذه الأرقام «غير المسبوقة» خلال أقل من أسبوع)).

وفي ذات السياق، نطلع على الانطباع الذي قدمه لصحيفة الحياة المستشرق المختص بالإسلام (أوليفييه روا) نشر بتاريخ 12/1/2015 تحت عنوان (مجزرة الصحيفة الفرنسية محطة لتشدد أوروبي في حفظ الأمن ووحدة المجتمع) جاء فيه:

((سألنا (أوليفييه روا) عن رأيه في ما إذا كانت مخاوف مسلمي فرنسا مبررة في وقت يتم تنبيه المسؤولين الفرنسيين إلى عدم الخلط بين المجرمين والمسلمين قال: «حتى لو أن الكلام الرسمي للمسؤولين في فرنسا يشدّد على ضرورة تمييز الإسلام المتطرف الراديكالي عن الإسلام، لا شك في أن الخلط موجود في جميع المستويات. مثلاً عندما يدعو المسؤولون المسلمين إلى التنديد بالتطرف والإجرام، فهذا من شأنه أن يُظهر أنهم يعتبرون أن هناك رابطاً بين الإسلام والإرهاب، فمثلاً لا يُطلب من البروتستانت أن يعتذروا عما قام به أحد الإرهابيين في النروج أو كاهن في ألاباما، أو يطلبون من الدالاي لاما الاعتذار عما يحدث من هجوم على المسلمين في بورما. إذاً، هناك خلط في فرنسا، وجذوره من أن الكلام الفرنسي منبعه الثقافة، فصراع الثقافات ما زال يهيمن على العلاقة بين الكلام السياسي والدين».

وعما يراه مناسباً لمعالجة هذا الوضع قال (روا): «الموضوع الأساسي هو مكانة الإسلام في فرنسا، وهنا يوجد تصور خاطئ في أوساط الجمهور الفرنسي والمسؤولين السياسيين الذين لا ينظرون إلى تطور الإسلام في طبقة فرنسية وسطى، أي أنهم بدل أن يتساءلوا عمّن هم المسلمون في فرنسا، يتساءلون عما ينص القرآن، أي أنهم بدل أن يفكروا على مستوى اجتماعي يفكرون على مستوى أيديولوجي في مضمون القرآن. إذاً، هناك تفاوت في التصور الخيالي للمجتمع الفرنسي بين رؤية لضواحٍ فرنسية جهادية فيها مسلمون متطرفون وواقع المجتمع الفرنسي وهو صعود طبقة مسلمة في جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية باستثناء الطبقة السياسية. فهناك محامون مسلمون وأطباء وجرّاحون وجنود، هناك عدد أكبر من المسلمين في قطاعات الأمن والشرطة والجيش في فرنسا من عدد المسلمين الفرنسيين في «القاعدة». وفي كل عملية إرهابية هناك ضحية مسلمة من الشرطة، فالشقيقان كواشي قتلا شرطياً مسلماً لدى دخولهما صحيفة «شارلي إيبدو» هو أحمد المرابط. المشكلة تكمن في تفاوت الواقع السوسيولوجي في فرنسا، وهي بالفعل قضية اندماج طويلة وصعبة، ولكن هذه عمرها 40 سنة حيث الضواحي تضم مسلمين متطرفين عاطلين من العمل ومستعدين للجهاد.

المطلوب الآن أن تظهر الطبقة الوسطى المسلمة التي تتكون في المجتمع الفرنسي، لأن ليس لديها فعلياً من ينطق باسمها، كون جامع باريس ليس له شرعية في تمثيلها، كما المجلس الفرنسي للمسلمين ليس له شرعية تمثيلية أيضاً، لأن المؤسستين هما مشاركتان بين الحكومة الفرنسية وكل من الحكومتين الجزائرية والمغربية. وكل مرة يتحدث أي مسؤول من المؤسستين يتكلم الفرنسية باللهجة المغربية، في حين أن جميع الراديكاليين الجهاديين يتكلمون الفرنسية من دون أي لهجة أخرى، ولغتهم الأصلية هي الفرنسية، في حين أن الإسلام الرسمي في فرنسا يتكلم بلهجة مغربية.

ينبغي إعادة النظر في سياسة فرنسا لإدارة الإسلام عبر حكومات أجنبية، كما يجب على الجيل الجديد من المثقفين المسلمين في فرنسا أن يمثل الإسلام في المؤسسات وفي الإعلام»)).

من جانبه كتب حازم صاغية في مقاله (إلى «صراع الحضارات» درْ) الذي نشرته صحيفة الحياة بتاريخ 13/1/2015 ما يأتي:

((عجّلت (مارين لوبن) زعيمة «الجبهة الوطنيّة» العنصريّة في تحويل الجريمة الباريسيّة الأخيرة إلى تعبير عن «صراع الحضارات» ورُهاب الإسلام، حين ردّتها إلى الهجرة المغاربيّة وإلى مهاجريها. ومثلها فعل رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو وبعض وزرائه، بدعوتهم يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل واعتبارهم الدولة العبريّة، بدلاً من فرنسا، وطناً لهم.

الأولى تريد فرنسا من دون مسلمين. الثاني يريدها من دون يهود.

الاثنان، من موقعيهما، يسعيان إلى حرمان الاجتماع الوطنيّ الفرنسيّ من مكوّنين أساسيّين فيه، ويعملان، بقوّة الهلع وإثارته وتعميمه، على إرجاع فرنسا إلى ما قبل صيرورتها مجتمعاً تعدّديّاً، دينيّاً وإثنيّاً وثقافيّاً.

الاثنان لا تهمّهما علامات النجاح في بناء هذا المجتمع التعدّديّ، وحقيقة أنّ أعداداً ضخمة من اليهود والمسلمين اندمجوا على مرّ أجيال في فرنسا. إنّهما معنيّان فقط بحالات الفشل التي يردّانها في صورة أو أخرى إلى الدين وحده.

الأمر لا يقتصر على لوبن ونتانياهو، فهناك مزاج عامّ خطير ومتنامٍ، ظهرت طلائعه قبل المذبحة الباريسيّة، وكانت آخر علاماته التي سبقت المذبحة، رواية ميشال أويلبك «الإخضاع»، التخييليّة المستقبليّة، وحركة «بيغيدا» (وطنيّون أوروبيّون ضدّ أسلمة الغرب) الألمانيّة.

والمزاج هذا بدأ يتمدّد إلى بيئات غير يمينيّة وغير معروفة تقليديّاً بالعداء للإسلام. ومن يقرأ مقالة المثقّف الأميركيّ مايكل ولزر http://www.dissentmagazine.org/article/islamism-and-the-left ينتابه خوف مبرّر. فكيف إذا صحّت توقّعات البعض بهجمات واعتداءات تطاول المسلمين في فرنسا وباقي أوروبا؟

مهمّة قطع الطريق على «صراع الحضارات» ورُهاب الإسلام أكثر من مُلحّة، والكثير من مسؤوليّتها يقع على المسلمين، لا سيّما لجهة البرهنة على أنّ الانشقاق داخل الإسلام أكبر ممّا يفصل عالم المسلمين عن عوالم غيرهم. وهذا ما لا تزال القرائن عليه قليلة وضعيفة.

لقد ذاعت أخيراً تسريبات الرسائل الإلكترونيّة المتبادلة داخل محطّة «الجزيرة» الناطقة بالإنكليزيّة، والتي بيّنت كم أنّ الصحافيّين عندنا حذرون ومقتصدون في التعبير عن تضامنهم مع زملاء لهم قضوا بطريقة بالغة البشاعة. لقد تصرّف هؤلاء بوصفهم مسلمين لا بوصفهم صحافيّين، فقدّموا هديّة ثمينة لدعاة «صراع الحضارات» بدل الصراع داخل «الحضارات».

وراجت في الأيّام الأخيرة نظريّات عجيبة تفترض أنّ التضامن والتعاطف هما كميّتان محدّدتان بدقّة حسابيّة، بحيث يكون التضامن مع قضيّة ما حسماً من التضامن مع قضيّة أخرى. وهذا للأسف ما اكتشفه بعض أنصار الثورة السوريّة المصرّين على وضعها في سياق مغاير للسياق الغالب كونيّاً، علماً بأنّ الربط بين التضامنين والبناء عليه ليسا بالأمر الصعب. والمدهش أكثر، أنّ أنصار النظام السوريّ كانوا في الوقت عينه، يؤكّدون أنّ «طابخ السمّ آكله» لأنّ الفرنسيّين، بحسب هذا الزعم هم داعمو العصابات الإرهابيّة التي تقاتل الأسد ونظامه.

إذاً، واحدٌ يناهض التضامن مع فرنسا بفعل نقص التضامن الفرنسيّ مع الثورة السوريّة، وآخر يناهض التضامن إيّاه بفعل كثرة التضامن الفرنسيّ مع الثورة السوريّة. وهذا ليس في أيّ من معانيه، انشقاقاً داخل «حضارتنا»، بل هو تعبير عن وحدة «حضارتنا» في وجه «حضارتهم».

أغلب الظنّ أنّ مسلمي فرنسا سيكونون مصدر الكلام المفيد وسط هذه الضوضاء، وأنّهم هم الذين سيقدّمون المساهمة الأنفع في التصدّي لـ «صراع الحضارات»)).

واخيرا، من المهم أن نقرأ ما كتبه الباحث الفرنسي (تييري ميسان) في (شبكة فولتير) الفرنسية بتاريخ 7/1/2015 بعنوان (من الذي أمر بالهجوم على شارلي إيبدو؟) يقول فيه:

((على أشرطة الفيديو، نسمع المهاجمين يهتفون "الله أكبر"، ثم انتقموا لـ"محمد". أكدت إحدى الشهود، وهي الرسامة "كوكو"، أنهم تبنوا انتسابهم الى القاعدة. بالنسبة الى الكثير من الفرنسيين، لا يلزم أكثر من هذا كي يدينوا عملية هجومية إسلامية، والحال هذه، فإن هذا الافتراض غير منطقي.

مهمة هذا الكوموندوس لا علاقة لها بالفكر الجهادي

في الواقع، فإن أعضاء أو مناصرين للإخوان المسلمين، للقاعدة أو لداعش لن يكتفوا بقتل رسامين ملحدين، سيقومون أولا بتدمير أرشيف الصحيفة امام أعينهم، مثلما فعلوا في كل عملياتهم في شمال إفريقية والمشرق. بالنسبة الى الجهاديين، فإن أول واجباتهم هو تدمير ما يعتقدون أنه يسيء إلى الله، ومعاقبة "أعداء الله".

كذلك لن يتراجعوا فورا هربا من الشرطة دون إكمال مهمتهم، سيفضلون إتمام مهمتهم وإن ماتوا هناك.

إضافةً، تظهر أشرطة الفيديو وبعض الشهود أن المهاجمين محترفون، وأنهم معتادون على استعمال أسلحتهم ولا يطلقون النار إلا عن دراية جيدة، لم يكونوا يرتدون أثواب الجهاديين، بل زي الكوموندوس العسكريين..

الطريقة التي أعدموا بها على الارض شرطيا جريحا لا يشكل أي خطر عليهم تؤكد بأن مهمتهم لم تكن "الانتقام لمحمد"، محل السخرية المفضل لشارلي ايبدو.

هذه العملية تهدف إلى خلق بداية لحرب أهلية

كون المهاجمين يتحدثون الفرنسية جيدا، وأنهم قد يكونون فرنسيين حقا، لا يسمح بالجزم بأن هذا الهجوم هو حلقة فرانكو- فرنسية. بالعكس، إن كونهم محترفين يحملنا على تمييزهم عن المدبرين المحتملين، لا شيء يدل على أن هؤلاء فرنسيون.

ردة فعل طبيعية، ولكن من الخطأ عقليا افتراض المرء –عندما يهاجَم- أنه يعرف مهاجميه. ان هذا أكثر منطقية عندما يتعلق الأمر بجريمة عادية، ولكن هذا خاطئ عندما يتعلق الأمر بالسياسة الدولية.

مدبرو هذا الهجوم يعرفون بأنهم يثيرون بذلك انقساما بين الفرنسيين المسلمين والفرنسيين غير المسلمين. لقد كانت (شارلي ايبدو) متخصصة في استفزاز المسلمين، وكان معظم مسلمي فرنسا ضحايا لها بشكل مباشر أو غير مباشر. إذا أدان مسلمو فرنسا –دون ادنى شك- هذا الهجوم، فسيصعب عليهم الاحساس بالألم تجاه الضحايا أكثر من قراء الصحيفة. سيبدو هذا للبعض كتواطؤ مع السفاحين.

لذلك، بدلا من اعتبار هذا الهجوم القاتل جدا فعلا انتقاميا اسلاميا من الصحيفة التي تنشر رسوما كاريكاتورية عن محمد وتضاعف "صفحاتها الأولى" المعادية للمسلمين، فإنه سيكون أكثر منطقية النظر الى أنه اولى الحلقات لسيرورة هادفة الى خلق حرب أهلية.

استراتيجية "صدام الحضارات" صممت في تل أبيب وواشنطن

لا تنشد أيديولوجية واستراتيجية الإخوان المسلمين أو القاعدة أو داعش خلق حرب أهلية في "الغرب"، بل، على العكس، خلقها في "الشرق" والفصل –بإحكام- بين العالمين. لم يدْعُ سيد قطب، ولا أي من خلفائه، أبدا إلى إشعال مواجهة بين المسلمين وغير المسلمين في هذين الأخيرين.

بالعكس، فإن من صاغ استراتيجية "صراع الحضارات" هو برنار لويس، لمجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة، ثم عممها صاموئيل هنتنغتون، لا كاستراتيجية غزو، بل كوضع متوقع يهدف الى اقناع الشعوب العضوة في الناتو بمواجهة حتمية تتخذ –احتياطيا- شكل "الحرب على الإرهاب".

لا يشاد بـ"صراع الحضارات" في القاهرة ولا الرياض أو كابول بل في واشنطن وتل أبيب.

رعاة الهجوم على مجلة شارلي إيبدو لا يسعون الى إرضاء الجهاديين أو حركة طالبان، بل لإرضاء المحافظين الجدد والصقور الليبراليون.

لكي لا ننسى السوابق التاريخية، علينا أن نتذكر أننا شهدنا في السنوات الأخيرة أن المخابرات الامريكية او التابعة للناتو:

- أجرت في فرنسا اختبارات الآثار المدمرة لبعض العقاقير على السكان المدنيين  

- دعمت منظمة الجيش السري OAS لاغتيال الرئيس شارل ديغول.

- نفذت هجومات تحت ألوية زائفة على مدنيين في دول عديدة عضوة في الناتو .

علينا أن نتذكر أن قائد الاركان الأمريكي جرب وطبق - منذ تفكيك أوصال يوغوسلافيا- في بلدان عدة استراتيجيته "قتال الكلاب". وتشمل قتل أفراد من الطائفة التي تشكل أغلبية وأفراد من الأقليات، وإلقاء المسؤوليات على بعضهما، الى ان يقتنع الجميع بأنهم مهددون بالموت، بهذه الطريقة أشعلت واشنطن الحرب الأهلية في يوغوسلافيا ومؤخرا في أوكرانيا .

للفرنسيين أن يتذكروا أيضا أنهم ليسوا من بادر بمكافحة الجهاديين العائدين من سورية والعراق، علاوة  - وحتى يومنا هذا- لا أحد منهم ارتكب أدنى هجوم في فرنسا. حالة مهدي نموش ليست حالة إرهابي وحيد، بل حالة فاعل مكلف بأن يقتل في بروكسل عميلين من الموساد و.. إن واشنطن هي من دعا في 6 فبراير 2014 وزراء داخلية ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا (وقد مثلها السيد فالس)، وإيطاليا، وبولونيا وبريطانيا كي يجعلوا من عودة الجهاديين الأوروبيين قضية أمن قومي.

لم تعالج الصحافة الفرنسية هذه المسألة إلا بعد هذا الاجتماع، لتبدأ السلطات بالتفاعل. تحدث جون كيري بالفرنسية لأول مرة لتوصيل رسالة إلى الفرنسيين. ندد بهجوم على حرية التعبير (في حين أن بلده لم يتوقف منذ 1995 عن قصف وتدمير مقرات التلفزيون التي تكشف تضليلاتها في يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا) واحتفى بمكافحة الظلامية.

إننا نجهل من أمر بهذه العملية المحترفة في حق مجلة (شارلي إيبدو)، ولكن ليس لنا ان نتسرع. علينا تفحص جميع الافتراضات وقبولها، وأن الهدف الأكثر احتمالا في هذه المرحلة هو أن تقسيمنا، ومدبرو هذا الفعل هم على الأرجح واشنطن)).

انا لست (شارلي ابدو):

تحت غطاء حرية التعبير، واصلت صحيفة (شارلي ابدو) نشر صور مسيئة للرموز الاسلامية، وعلى الرغم من الحملة الاعلامية القوية المتعاطفة معها، الا ان ذلك لم يمنع كثير من المسلمين من اتخاذ مواقف مضادة تشجب سلسلة انتهاكات الصحيفة لمقدساتهم، فثارت احتجاجات شعبية لشجب سياسة الصحيفة واصرارها على انتهاك رموز الاسلام، منها في فلسطين وايران وباكستان واندونيسيا والشيشان والجزائر، كما شهدت كل من الهند والنيجر مظاهرات خرجت عن طابعها السلمي، اذ شهدت كشمير الهندية صدامات بين عناصر الشرطة والمتظاهرين، في حين شهدت مظاهرات النيجر احراق عشر كنائس مسيحية وقتل خمسة اشخاص.

والنقطة التي نلفت النظر اليها هنا هو مدى صلاحية قانون (حرية التعبير) الذي تستثمره الصحيفة لتبرير استفزاز اكثر من مليار ونصف انسان على وجه الكرة الارضية، وهل انه كان كافيا ليبرئ الصحيفة من كل ذنب كما فعل الاعلام الغربي؟

في هذا المجال كتب هاني نقشبندي مقالة بعنوان (الاستهزاء بالنبي جريمة أيضا) نشرها موقع ايلاف بتاريخ 12/1/2015 جاء فيها:

((كتب كثيرون عن قضية فرنسا وصحيفة شارلي إيبدو. كيلت التهم بالأطنان للإسلاميين والمتعصبين.

التعصب خطأ أيا كان نوعه. التعصب في الدين خطأ. التعصب في الرأي خطأ. وبالمثل التعصب للحرية خطأ هو الآخر.

لا شك ان الإعتداء كان إرهابيا ووحشيا. لكن جرح مشاعر المسلمين هو نوع من الإرهاب النفسي أيضا.

الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. كلنا عرفنا ذلك. وهذا يعني ان حرية الرسام في الرسم تقف عندما يطال رسمه رمزا دينيا مقدسا يجرح الملايين. هنا لا يمكن القول ان هذه حرية. بل هو اعتداء على الحرية. وهو نوع آخر من التعصب يجب رفضه.

في الغرب، أي رأي او مقال يطال السامية ويعاديها بمجرد كلمة، كلمة واحدة فقط، يحاسب صاحبها و قد يسجن. أين هي العدالة إذا إن كنا نجرم من يكتب ضد السامية ولا نجرم من يسيء الى أهم رمز ديني إسلامي؟

أخطأ المتعصبون الإسلاميون. وأخطأ بالمثل متعصبو الحرية.

سيقول البعض ان صحيفة (شارلي ايبدو) هي ضد اليمين المتطرف أيضا، وليس ضد الإسلاميين وحدهم.. حسن.. اليمين المتطرف ليس له نبي مقدس. واليمين المتطرف لا يحمل سلاحا وهو جاهز للموت من أجل نبيه. اليمين المتطرف أيضا، قوي. وهذه نقطة يجب ان نقف عندها. فمن يلجأ الى التطرف المسلح هو ضعيف في أغلب الأوقات. والضعيف يلجأ الى أي وسيلة ليبرز حضوره. وكان على الصحيفة ان تدرك ذلك.

لا أتعاطف مع الإرهاب والقتل ولا شك.. ولا شك أيضا أني لن اتعاطف مع من يسيء الى الدين، بل وإلى أهم رمز في الدين باسم الحرية.

لماذا لم يلجأ هؤلاء الى القانون؟ ربما نسأل..

حسن.. سؤال منطقي، لكن القانون نفسه تائه في حدود الحرية. فكيف يمكن له أن يحدد هامشها هنا بين الممكن واللا ممكن. ثم هل يستطيع القانون ان يمنع ا لإساءة لشخص الرسول؟ لو كان قادرا على ذلك لفعل، ولما لجأ هؤلاء المتعصبون الى حماقتهم.

في الغرب.. لو كنت تسكن بجوار إنسان يشتمك كل صباح، فلا يمكن القول أن الشاتم حر في شتائمه طالما أنه لم يعتدي علي جسديا. بل بإمكانك ان تشتكيه. لو جارك يرفع موسيقاه حتى تخترق طبلة أذنيك، لا يمكن ان تقول إن هذه حرية. ومع هذا فالقانون سيوقفه عند حده. من باب أولى إذا، أن يقف القانون ضد من يزعجك في دينك.

 المساس بالمقدس هو مساس بالمشاعر، وما وجدت الحرية إلا لتحمي المشاعر والإنسانية، لا أن تستهزئ بها)).

وختاما، لنقرأ معا ما كتبه إسماعيل عزام في صحيفة (هسبرس الالكترونية) بتاريخ 10/1/2015 تحت عنوان (أنا لست شارلي إيبدو) إذ يقول:

((أنا لست شارلي إيبدو.. لأنني لو كنت كذلك، فسيكون عليّ أن أتقبل، وبصدر رحب وجود متطرّفين في الجهة الأخرى، يقولون إنهم انتقموا للرسول صلى الله عليه وسلام.. سيكون عليّ أن أتقبل ردود أفعالهم، قنابلهم، سكاكينهم، ورشاشاتهم.. سيكون عليّ أن أنسى أن التطرّف في الحريّة يقابله تطرّف في الانغلاق، وأن هذا الكون خُلق على التوازن، وأن المتطرّفين كانوا على الدوام في خدمة بعضهم البعض، ولو بشكل غير مقصود.

أنا لست شارلي إيبدو.. لأنني عندما أرفض الإجرام في حق رسامي كاريكاتور، وعندما أدين إرهاباً تعرّضت إليه جريدة "ساخرة" نختلف معها، وعندما أتألم لمّا يعجز بعضهم عن الرّد فيختار حلّ الجبناء باللجوء إلى مقصلة القتل.. فعليّ كذلك أن أرفض تحقير معتقدات الآخرين والاستهزاء بالرموز الدينية وتحويل الجرائد إلى مراحض عمومية لاستقبال فضلات الفكر بدعوى الحرية.

أنا لست شارلي إيبدو.. لأنني لن أكون متطرّفاً بكل بساطة، وما دمتُ أشجب المتطرّفين في ديانتنا أمثال "داعش" و"القاعدة" و"بوكو حرام" وبقية تنظيمات القتل واستباحة الدماء.. فعليّ كذلك أن أشجب المتطرّفين في التعبير ممّن نسوا أن الحرّية لم تستحق يوما هذا الإسم إلّا عندما اقترنت بالمسؤولية.. وعليّ كذلك أن أُذكّر هؤلاء المتطرّفين أن حتى الدولة الفرنسية، بلد "الفكر والأنوار" سبق لها أن منعت جريدة ساخرة من الصدور بسبب سخريتها من ضحايا حريق في سنة ما، وأنها تمنع على الدوام كل منشور يشكّك في (الهولوكوست).

أنا لست شارلي إيبدو.. لأنني لو كنت ذلك، فعليّ أن أقبل تحوّل المنابر الإعلامية إلى مساحات للتشهير والقذف باسم الحرية.. أن أقبل انزياح الإعلام عن وظائف الإخبار والتربية والتثقيف والترفيه إلى وظيفة جديدة هي بث الكراهية وسط الناس.. أن أقبل أن يبيع البعض ويشتري في قيم الإنسانية من أجل رفع مبيعاته، والافتخار بأن مقاولته ناجحة مادياً.

أنا لست شارلي إيبدو.. لأنني عندما أؤمن بأن الحق في الحياة من أسمى حقوق البشر.. وأن لا شيء يبرّر القتل خاصة عندما يأتي ممّن يدّعون أنهم أكثر إيماناً منا، فإنني أؤمن كذلك الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وأن رسولاً كريما يصلي عليه ملايين الناس عبر العالم ويحفظ أحاديثه الملايين من الناس وتفيض دموع ملايين الناس شوقاً للقياه لا يجب أن يتحوّل إلى رسم سخيف تُحقّر رسالته ومكانته.

سأكون الشرطي (أحمد مرابط) الذي قضى نحبه وهو يدافع عن ناس يختلف معهم الملايين، سأكون عامل الإغاثة البريطاني (ديفيد هينز) الذي أعدمه "داعش" بعدما كان يقدم المساعدة للمنكوبين، سأكون كل الصحافيين الذين قتلهم "داعش" بعدما حاولوا أن ينقلوا للعالم حقيقة الوضع، سأكون الصحافية الروسية (أَنَّا بوليتكوفسكايا) التي اغتالها رصاص يكره الحقيقة، سأكون (عمر بنجلون) شهيد الصحافة المغربية، سأكون وسأكون سأكون.. لكن لن أكون (شارلي إيبدو).

باختصار.. أنا ضد الإرهاب، ضد الإجرام، ضد القتل، ضد التطرّف الديني.. لكن في الوقت نفسه، لن أكون شارلي إيبدو)).

 
فروع المركز

فروع المركز

للمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ثلاثة فروع في ثلاثة بلدان
  • العنوان

  • البريد الإلكتروني

  • الهاتف